هذه المسألة بحاجة إلى تحرير وفيها إشكال قديم، وفيها أقوال تنسب لبعض الصحابة والتابعين لا تصح عنهم، والأحاديث التي فيها ذكر السبع الطوال نحو أربعة أحاديث مختلف فيها، وممن بحث هذه المسألة الطحاوي في شرح مشكل الآثار وأطال في ذلك ، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن رجب في فتح الباري.
ودراسة هذه الأحاديث والتحقق من نسبة الأقوال إلى قائليها يعين على فقه هذه المسألة.
ولا زالت النقول لم تكتمل لدي في هذه المسألة، وأنا ساعٍ في تكميلها إن شاء الله، وأما بحثها هنا وتحريرها فأمر يطول الإعداد له على قلة البضاعة وضعف التحصيل.
لكن سأعلق بما يتيسر لي، لعله يفيد شيئاً.
ما زلت أحتاج إلى الجواب عن مسائل متعددة تتعلق بالحديث :" أوتيت السبع الطوال..." الحديث فمنها:
1/ تحديد السور الداخلة في كل قسم.
على القول بثبوت الحديث - وفيه خلاف - في هذا التحديد أقوال للسلف في كل قسم إلا المئين.
أما السبع الطوال:
القول الأول: السبع الطول : البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس، وهو قول سعيد بن جبير رواه عنه أبو عبيد وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي وغيرهم.
وقال به من قراء الأمصار الأوائل: عطية بن قيس، وشداد بن عبيد الله، ويحيى بن الحارث الذماري.
وقد أسند ذلك عنهم أبو عبيد القاسم بن سلام.
وقال: (قال يحيى : ليست تعد الأنفال ولا براءة من السبع الطول).
وروي هذا القول عن ابن عباس رواه ابن الضريس نصاً وابن جرير استنباطاً.
وقال الثعلبي: (عليه أكثر المفسرين).
القول الثاني: السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال مع التوبة، وهذا قول سفيان بن عيينة رواه عنه ابن أبي حاتم.
وذكره ابن قتيبة في غريب الحديث عن سفيان عن مسعر عن بعض أهل العلم.
وعمدة هذا القول ما صح عن عثمان في ترتيب سور المصحف، وليس فيه النص من عثمان على هذا القول.
وقد نسبه ابن عطية في تفسيره إلى ابن عمر وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وابن جبير ، وهو خطأ ظاهر، وقد أخذه عن الماوردي.
والماوردي يُتعقب كثيراً في نسبة الأقوال إلى قائليها.
فأما النسبة إلى مجاهد فمنشأ الخطأ فيها أنهم قرنوا قوله في تفسير السبع المثاني بأنها السبع الطوال بقول سعيد بن جبير، ولم يفصل مجاهد ما هي السبع الطوال.
وأما ابن عباس فنسبه إليه أيضاً البغوي في تفسيره بلا إسناد، وقبله ابن عبد البر في الاستذكار بلا إسناد أيضاً وبصيغة التمريض.
وقد يكون هذا القول مستخرجاً من قصته مع عثمان باعتبار أنه رضي ما رضيه عثمان.
وأما ابن عمر فلا أدري ما وجهه .
وأما ابن مسعود فلما رواه أبو محمد الدارمي وكنت قد وقفت عليه ثم نسيت موضعه وبحثت عنه فلم أجده لكن مما علق بالذهن أنه لم يسم أسماء السور السبع.
القول الثالث: السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، وهذا قول أبي عبيدة.
القول الرابع: السبع الطوال: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة.
وهذا القول ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، وعنه أخذه العيني في شرح سنن أبي داوود.
وأما لفظ المثاني فله خمس إطلاقات لأهل العلم أكثرها صحيح لا خلاف فيه، وفي بعضها ما استخرج فهماً لا نصاً.
والسياق يحدد المعنى المراد.
المعنى الأول: القرآن كله مثاني، واستدل له بقوله تعالى: {كتاباً متشابها مثاني}
وقال حسان ابن ثابت:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه = ومن للمثاني بعد زيد بن ثابت
ونسب هذا البيت لابنه عبد الرحمن.
المعنى الثاني: الفاتحة وبه فسر قوله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني} على أحد الأقوال.
المعنى الثالث: أنها هي السبع الطوال، وبه فسرت الآية السابقة.
المعنى الرابع: أنها سور الربع الثالث من القرآن وهي ما بين المئين والمفصل على أحد الأقوال في معنى حديث واثلة بن الأسقع .
المعنى الخامس: أنها ما كانت آياتها دون المائة وليست من المفصل، وهذا القول ذكره البيهقي في شعب الإيمان.
وأما تحديد سور المفصل ففيه ثلاثة أقوال معروفة.
وأما بقية العناصر؛ فتحتاج إلى إعداد طويل، ولعل في الأساتذة الأفاضل من له عناية خاصة بهذه المباحث فيفيدنا بما لديه.
والله تعالى أعلم، وأستغفر الله من الخطأ والتقصير.