ما التعريف المناسب لمصطلح " العلو " ؟ وما الفرق بينه وبين (العزة) ؟

إنضم
18 أبريل 2007
المشاركات
280
مستوى التفاعل
1
النقاط
16
الإقامة
الرياض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
لقد تناول القرآن الكريم موضوع العلو و العزة في مواضع كثيرة ومتفرقة ، والمراد بالعزة عند أهل اللغة : القوة والشدة والغلبة ، وعرف مفهوم العزة بأنه : «حالة مانعة للإنسان من أن يغلب » ، ومن الآيات القرآنية التي جاء فيها النص على ذلك قوله جل جلاله : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) [المنافقون : 8] .
أمَّا بالنسبة للعلو فالمراد به عند اللغويين : السمو والارتفاع ، و الآيات التي تناولت معنى العلو جاءت على معنيين :
1-أن يكون معنى العلو فيها ممدوح : كما جاء في وصفه سبحانه وتعالى في قوله عزوجل : (سبح اسم ربك الأعلى ) [الأعلى : 1] ، وقال تعالى : (ذلك بأن الله هو الحق وأن مايدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير)[لقمان : 30] وكما جاء في صفة عباده الصالحين ، قال سبحانه وتعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادتً والعاقبة للمتقين ) [القصص: 83] .
2-أن يكون معنى العلو فيها مذموم : كما قال عزوجل في وصف فرعون : (وإن فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين) [يونس : 83] ، وقال جل جلاله : (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ) [النمل : 14].
فالعلو لا يتوجه إليه مدح ولا ذم ، وإنما بحسب ما يرد في سياق الآية ، فالذم والمدح متعلق بما يأتي بالنص .
بيدَّ أن السؤال الذي يطرح نفسه :
ما التعريف المناسب الذي يمكن أن نعرف به مصطلح " العلو " ؟
وهل يوجد فرق بين مصطلح " العلو " و " العزة " ؟ وهل هناك قواسم مشتركه بينهما ؟
أم أن المصطلحين لهما نفس المعنى ولا فرق يذكر بينهما ؟
فضلاً لا أمراً آمل من السادة الأعضاء والمشرفين المختصين في هذا الملتقى المبارك أن يجلو لي هذه المسألة التي بحثت فيها وقتاً طويلاً فلم أصل فيها إلى ما أبتغيه وحبذا ذكر مراجع هذه المسألة ... و جزاكم الله خيراً .......
 
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر السائل الكريم على هذا السؤال وأقول وبالله تعالى التوفيق:
الحق أن الجواب عن مثل هذا السؤال يتطلب بحثا خاصا؛ وذلك لأن تعريف اللفظ في القرآن الكريم يستلزم استجماع سماته الدلالية من سائر نصوصه بمختلف سياقاتها في القرآن الكريم. غير أني أريد أن أسهم بما تيسر في الجواب والتعليق على السؤال بما يلي:
1) أن إدراج قوله تعالى: ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) [القصص: 83 مثالا في المعنى الممدوح، غير صحيح؛ لأن ما مدح به الصالحون هو كونهم لا يريدون علوا في الأرض. والعلو في الأرض مذموم وهؤلاء قد اجتنبوه.
2) أن المحققين من العلماء قرروا عدم الترادف في القرآن الكريم، أقصد التطابق التام بين الألفاظ في المعنى؛ فهناك فروق بين الألفاظ قد تظهر وقد تخفى، والبحث في ذلك قائم على تتبع السياقات.
3) أن من أهم المراجع في هذا المقام كتاب المفردات للراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى، وذلك لكونه يعتني بالدلالة اللغوية لألفاظ القرآن مع التنبيه على خصوصية الدلالة القرآنية. وقد يفيد في هذا المقام مقال لصاحب هذه الكلمات منشور في هذا الملتقى المبارك تحت عنوان "نظرات مصطلحية في مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني".
4) أن تساؤل السائل الكريم بقوله: "أم أن المصطلحين لهما نفس المعنى ولا فرق يذكر بينهما ؟" غير وارد لكون لفظي العلو والعزة مختلفين بمجرد النظرة الأولى في آيات القرآن الكريم. ويبقى السؤال قائما فعلا فيما يتعلق بالتعريف والفروق.
ودمتم في رعاية الله تعالى وحفظه
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل مصطفى وجعل ما بينته في ميزان حسناتك ....
ولا زلت أنتظر ردود المشرفين على الملتقى فآمل منهم إجابتي عن هذا التساؤل .......
 
ياجماعة الخير ...... يا أهل هذا الملتقى المبارك ......... ما عهدتكم إلا سباقين للخير ولإفادة المستفتين والسائلين ....فمن منكم ينبري لهذه المسألة العلمية ويجبنا عليها إجابة كافية شافية ، ويقول :

أنــــــــــا لها ؟!
 
أختي الكريمة "مدهامتان" أسعدها الله :
لو تعذرين أهل الملتقى ، فالأغلبية لا زالوا في إجازة، وما بقي عليها غير أسبوع ثم يرجع النشاط العلمي للملتقى بحول الله تعالى .
ومن أهم شروط طلب العلم " الصبر " فلربما من عنده الإجابة على السؤال لم يطلع عليه بعد .
أما بخصوص سؤال أهل اللغة فأعدك بأن أسأل من أعرف أنه مظنة للجواب .
وفقك الله .
 
السؤال هنا عن كلمتين مختلفتين في المعنى وإن كانتا تشتركان في جوانب جزئية في المعنى .
العلو علاقة مكانية ، وهذه العلاقة المكانية فيها معنى مجازي ، وهذا المعنى المجازي يشترك مع معنى مجازي لكلمة أخرى وهي كلمة عزة .
وهناك كتب المعاني ( مثل المخصص) وكتب الفروق اللغوية(مثل كتاب العسكري) علاوة على المعاجم التي يمكن أن تشير إلى أشياء مشتركة ومختلفة بين الكلمتين ...
*ما هي العزة !!؟
العزة هي الرفعة والبعد عن مواطن الذل والمهانة. فالله يأمرنا أن نكون أعزاء، لا نذل ولا نخضع لأحد من البشر، والخضوع إنما يكون لله وحده، فالمسلم يعتز بدينه وربه، ويطلب العزة في رضا الله -سبحانه-، وقد قيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: كنا أذلاء، فأعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله.
قيل: الذلة لرب العباد عزة، والذلة للعباد ذلة.
وقيل: من طلب العزة بغير طاعة الله أذله الله.
وصدق الشاعر حين شبه التذلل للعباد بالموت، فقال:
مـن يَهُنْ يَسْـهُـلِ الهـوان عليـه
ما لجُـرْحٍ بميـِّـــت إِيـــلامُ
وقال آخر:
إذا أنت لم تَعْـرِفْ لنـفسك حقها
هوانًا بها كانت على الناس أهـونــا
فنفسكَ أكرمها وإن ضاق مسكـن
عليك بها فاطلب لنفسك مسكـنــا
عزة الله:
الله -سبحانه- هو العزيز الحكيم، يعطي العزة من يشاء ويمنعها عمن يشاء، {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } [آل عمران: 26].
أنواع العزة:
من عزة المسلم ألا يكون مستباحًا لكل طامع، أو غرضًا لكل صاحب هوى، بل عليه أن يدافع عن نفسه وعِرْضِهِ وماله وأهله، والمسلم يرفض إذلال نفسه، حتى لو قتل في سبيل عزته وكرامته، ويبدو ذلك واضحًا في موقف الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (فلا تعطِهِ مالك). فقال الرجل: أرأيت إن قاتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (قاتلْه).
فقال الرجل: أرأيتَ إن قتلني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (فأنت شهيد).
فقال الرجل: أرأيت إن قتلتُه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (هو في النار) [مسلم].
فهكذا يعيش المسلم محتفظًا بكرامته؛ لا يضعف، ولا يلين، ولا يتنازل عن شيء من كرامته وعزته من أجل مالٍ قليل، أو عَرَضٍ دنيوي يزول، وكما جاء في الحديث: (من جلس إلى غني فتضعضع (تذلل) له لدنيا تصيبه، ذهب ثلثا دينه، ودخل النار) [الطبراني].
ولكي يحافظ المسلم على عزته، ويجعل دينه عزيزًا ودولته عزيزة، يجب عليه أن يعمل، ويكد ويتعب؛ حتى تتحقق له القوة، فلا عزة للضعفاء الذين يمدون أيديهم للناس ويأكلون بلا تعب.

تعريف العزة:
● في اللغة تدور حول معاني: الغلبة والقهر والشدة والقوة ونفاسة الشيء وعلو قدره.
● في الاصطلاح: حالة مانعة للإنسان من أن يغلب، وهي إحساسٌ يملأ القلب والنفس بالإباء والشموخ والاستعلاء والارتفاع.
 وهي ارتباطٌ بالله وارتفاعٌ بالنفس عن مواضع المهانة والتحرر من رِقِّ الأهواء ومن ذُلِّ الطمع وعدم السير إلا وفق ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
● والغاية منها : الرفعة والفخر على الآخرين بلا تكبر وهي نابعةٌ من الخيرية التي ينتج عنها الخير للبشر من مناصرة للفضيلة ومقارعة للرذيلة واحترام للمثل العليا .
● ومن أوصاف الله تعالى وأسمائه [الْعَزِيزُ] أي: الغالب القوي الذي لا يغلبه شيء وهو أيضاً المعز الذي يهب العزة لمن يشاء من عباده. والإيمان بهذا الاسم يعطي المسلم شجاعةً وثقةً كبيرةً به, لأن معناه: أن ربه لا يمانع ولا يرد أمره وأنه ما شاء كان وإن لم يشأ الناس وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس.
● وقد تكرر وصف الله تعالى بوصف [ الْعَزِيزُ ] في القرآن ما يقرب من تسعين مرة.
● وقد أشار الله في كتابه المجيد إلى أن العزة خلق من أخلاق المؤمنين التي يجب أن يتحلوا بها ويحرصوا عليها فقال : " وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ " وقال عن عباده الأخيار : " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " وقال : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ " والشدة على الكافرين تستلزم العزة, وقال : " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " وهذا يقتضي أن يكونوا أعزاء ، وهذه الآية الأخيرة تُفهِّمُنا أن كتاب الله جل جلاله يعلم المؤمنين إباء الضيم وهو خلقٌ يفيد معنى الاستمساك بالعزة والقوة ، والثورة على المذلةِ والهوان ، وإذا كنا قد عرفنا أن القرآن قد كرر وصف ذات الله القدسية بصفة [الْعَزِيزُ] ما يقرب من تسعين مرة فكأنه أراد بذلك ـ وهو أعلم بمراده ـ أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزة والقوة فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزة ربهم واستشعروا القوة في أنفسهم واعتزوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات و الأرض وتأبوا على الهوان حين يأتيهم من أي مخلوقٍ وفزعوا إلى واهب القوى والقدر يرجونه أن يعزهم بعزته, وكأن الله عز وجل قد أراد أن يؤكد هذا المعنى في نفوس عباده حين جعل كلمة الله أكبر تتردد كل يوم في أذان الصلاة مراتٍ ومراتٍ ثم يرددونها كل يوم في صلواتهم كل يوم مراتٍ ومراتٍ فتشعرهم بأن الكبرياء لله عز وجل وأن عباده يلزمهم أن يلتمسوا العزة من لدنه وأن يستوهبوا القوة من حماه " مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ " يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ : " من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى "،" قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
● ولقد أراد القرآن المجيد أن يهدي المؤمنين إلى الطريق الذي يصون لهم العزة ويحصنهم ضد الرضا بالهوان أو السكوت على الضيم فأمرهم بالإعداد والاستعداد لحفظ الكرامة والذود عن العزة فقال لهم :" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ " لأن القوة تجعل صاحبها في موطن الهيبة والاقتدار فلا يسهل الاعتداء عليه من غيره من الضعفاء .
● وعلمهم الله في القرآن الإقدام والاحتمال والثبات في مواطن اليأس موقنين أنه سبحانه معهم فقال لهم: " وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنْ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً "، وفي موطن آخر يقول لهم: " فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ".
● وليست هذه دعوة إلى بغيٍ أو طغيانٍ وإنما يُعوِّدُ القرآن أتباعه أن يكونوا أولاً على حيطةٍ وحذرٍ فيقووا أنفسهم بكل وسائل التقوية والتحصين حتى يكونوا أصحاب رهبةٍ في نفوس أعدائهم وإلا تطاولوا عليهم وعصفوا بهم, ومن هنا قال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوْ انفِرُوا جَمِيعاً " ويقول: " وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ ".
● ومتى شاء الله يوماً أن يلتقي المؤمنون في معركةٍ مع الكافرين فالواجب حينئذ على كل مؤمن أن يظل عزيزاً قوياً وأن يثبت على مبادئه وعقائده لا يخيفه الألم ولا التعب بل يبذل جهده وطاقته مستخدماً كل ما أعده قبل ذلك من سلاحٍ وعتادٍ واثقاً أنه مربوط الأسباب بالله القوي القادر وإذا شاء الله تعالى له لوناً من ألوان الاختبار والابتلاء تحمله راضياً صابراً محتفظاً بعزته وكرامته وشهامته موقناً بأن احتمال الألم خيرٌ ألف مرةٍ من التخاذل والاستسلام: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ ".
● والإسلام – مع هذا – يدعو أتباعه إلى السلام العادل المنصف الذي لا ينطوي على ضيمٍ أو ذُلٍّ ويدعوهم أن يغفروا الهفوة إذا كانت عن غير تعمدٍ أو كانت لا تبلغ مبلغ الإهانة أو لا تخدش العزة والكرامة أما إذا كانت الخطيئة بغياً فعلاجها الرد عليها بما يغسل العار ويدفع الضيم ويصون الكرامة ولذلك يقول الله عز وجل : " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " يعجبني من الرجل إذا سيم خطة خسف أن يقول : لا،بملء فيه " .
● ولم يكتف الله في القرآن الكريم بتحريض المؤمنين على إباء الضيم وإيثار العزة تحريضاً يقوم على الأمر الصريح أو التوجيه المباشر بل عمد إلى ضرب الأمثال من الأمم السابقة التي استجابت لدعوت الحق وتابعت رسل الله جل جلاله واستشعرت العزة وتمردت على المذلة فكان جزاؤها كريماً وثوابها عظيماً حيث خاضت المعارك من أجل عقيدتها ومبادئها ولم تهن أو تضعف بل صبرت وصابرت وكافحت وناضلت حتى ظفرت وانتصرت وذلك فضل الله القوي الذي يحب الشرفاء، العزيز الذي ينصر من استمسك بالعز والإباء، يقول الله في القرآن: " وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "، وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفاسفها " وقال صلى الله عليه وسلم : " من أعطى الذلة من نفسه طائعاً غير مكره فليس منا " .
● والعزة ليست تكبراً أو تفاخراً وليست بغياً أو عدواناً وليست هضماً لحقٍ أو ظلماً لإنسانٍ وإنما هي الحفاظ على الكرامة والصيانة لما يجب أن يصان ولذلك لا تتعارض العزة مع الرحمة بل لعل خير الأعزاء هو من يكون خير الرحماء وهذا يذكرنا بأن القرآن الكريم قد كرَّرَ قوله عن رب العزة: " وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " تسع مرات في سورة الشعراء ثم ذكر في كل من سورة يس والسجدة والدخان وصفَي: الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ مرة واحدة.
● ثم أغلب المواطن التي جاء فيها وصف الله باسم [العزيز] قد اقترن فيها هذا الاسم باسم [الحكيم]. والحكيم هو الذي يوجد الأشياء على غاية الإحكام والضبط فلا خلل ولا عيب.
● وكما تكون العزة خلقاً كريما ًووصفاً حميداً إذا قامت على الحق والعدل واستمدها صاحبها من حمى ربه لا من سواه: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً "... تكون العزة الكاذبة أو الضالة خلقاً ذميماً حين تقوم على البغي والفساد ومن ذلك النوع قول الله تعالى: "بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " فعزة الكافرين تَعزُّزٌ كاذبٌ, ولذلك قيل: "كل عزٍّ ليس بالله فهو ذل " ومن ذلك أيضاً قوله تعالى عن بعض الضالين: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ " والعزة هنا مستعارة للحمية الجاهلية والأنفة الذميمة, ومن ذلك أيضا قوله تعالى: " وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً " أي يحاولون التَّمنُعَ به من العذاب وهيهات هيهات.
● رحم الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أراد أن يوطد في نفس أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قواعد العزة عندما أرغمه بعض حكام عصره على شدة تعرض لها فقال: " يا أبا ذر رضي الله عنه إنك غضبت لله فارج من غضبت له, إن القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك, فاترك في أيديهم ما خافوك عليه, واهرب بما خفتهم عليم فما أحوجهم إلى ما منعته وما أغناك عما منعوك, وستعلم من الرابح غداً والأكثر حسداً ولو أن السماوات والأرض كانتا على عبدٍ رتقاً ثم اتقى الله لجعل الله له منهما مخرجاً. لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل فلو قبلت دنياهم أحبوك ولو قرضت منها أمنوك ". أي: لو ذللت ونلت من متاع الدنيا لما خافوك.

● معاني العزة في القرآن:
1 ـ العظمة, ومنه قوله تعالى: " وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ "، وقوله تعالى: " قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ".
2 ـ المَنَعة, ومنه قوله تعالى: " أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ".
3 ـ الحميَّة , ومنه قوله تعالى: " وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ " ، وقوله تعالى : " بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ " .

● أقسام العزة :
1 ـ عزةٌ شرعية وهي :التي ترتبط بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعتز المرء بدينه ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة فهو لا يُريق ماء وجهه ولا يبذل عرضه فيما يدنسه فيبقى موفور الكرامة مرتاح الضمير مرفوع الرأس شامخ العرين سالماً من ألم الهوان متحرراً من رق الأهواء ومن ذل الطمع لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه والحق الذي يحمله ويدعو إليه, روى البيهقي في شعب الإيمان ج2/ص247,قال:" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا الحسن بن محمد بن إسحاق قال سمعت أبا عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول ثلاثة من أعمال المراقبة ايثار ما أنزل الله وتعظيم ما عظم الله وتصغير ما صغر الله قال وثلاثة من أعلام الاعتزاز بالله التكاثر بالحكمة وليس بالعشيرة والاستعانة بالله وليس بالمخلوقين والتذلل لأهل الدين في الله وليس لأبناء الدنيا".
2 ـ عزةٌ غير شرعية وهي:التي ترتبط بالكفر والفسق و النسب والوطن والمال ونحوها. فكل هذه مذمومة.
ولها صورٌ منها:
● الاعتزاز بالكفار من يهودٍ ونصارى ومنافقين وعلمانيين وحداثيين وغيرهم.
● الاعتزاز بالآباء والأجداد.
● الاعتزاز بالقبيلة والرهط.
● الاعتزاز بالكثرة, سواءاً كان بالمال أو العدد.
● الاعتزاز عند النصح والإرشاد, وذلك بعدم قبول النصيحة.
● الاعتزاز بجمال الثياب.
● الاعتزاز بالأصنام والأوثان.
● الاعتزاز بالجاه والمنصب.

● مصدر العزة:
هو الله تعالى والالتجاء إليه فهو يُذِلُّ من يشاء ويُعِزُّ من يشاء وهو على كل شيء قدير.
قال القرطبي: فمن كان يريد العزة لينال الفوز الأكبر ويدخل دار العزة, فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله.
قال أبو بكر الشبلي: من اعتز بذي العز فذو العزِّ له عزٌُ.
قال الشافعي: من لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عز له.
قال المناوي في كتابه فيض القدير ج4/ص290,:"فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطمع ولو ممن يعلمه بنحو مال أو خدمة وإن قل ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لم يهدها وقد حث الأئمة على أن لا يدنس العلم بالأطماع ولا يذل بالذهاب إلى غير أهله من أبناء الدنيا بلا ضرورة ولا إلى من يتعلمه منه وإن عظم شأنه وكبر قدره وسلطانه والحكايات عن مالك وغيره مشهورة فعلى العالم تناول ما يحتاجه من الدنيا على الوجه المعتدل من القناعة لا الطمع وأقل درجاته أن يستقذر التعلق بالدنيا ولا يبالي بفوتها فإنه أعلم الناس بخستها وسرعة زوالها وحقارتها وكثرة عنائها وقلة غنائها




صفة العــزة

ما الذي تفهمه عن معاني ما يلي من الآيات الكريمات، ((ولله العزة ولرسوله)) قوله عن إبليس ((فبعزتك لأغوينهم أجمعين)) ((إن العزة لله جميعاً)) ((هو السميع العليم)) واذكر ما في ذلك منتقاسيم؟

تضمنت هذه الآيات إثبات صفة العزة وهي من الصفات الذاتية التي لاتنفك عن الله. وهي تنقسم ثلاثة أقسام: عزة القوة الدال عليها من أسماء القويالمتين. وعزة الامتناع فإنه الغني فلا يحتاج إلى أحد ولن يبلغ العباد ضره فيضروهولا نفعه فينفعوه. وعزة القهر والغلبة لكل الكائنات. قال ابن القيم رحمه الله تعالىفي النونية:


وهو العزيز فلن يرام جنـابه
وهوالعزيز القاهر الغلاب
وهو العزيز بقوة هي وصفـه



أنى يرام جناب ذو السلطـان
لم يغلبه شـيء هذه صفتـان
فالعزحينئذ ثلاث مــعان


معاني العزة

والعزة تحتمل عدة معاني: منها الغلبة، تقول: عز فلان فلاناً، أي: غلبه، سواء أكانت الغلبة بالحجة أم كانت الغلبة بالقوة، ولعل منه قوله تعالى على لسان دواد عليه السلام: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23] فقوله: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ [ص:23] أي: غلبني بالحجة، فالغلبة من معاني العزة. ومن معاني العزة: القوة والصلابة، كما يقول العرب: هذه الأرض عزاز -وهذا مستخدم حتى عند العامة- أي: أرض قوية صلبة، وليست أرضاً رمليةً رخوةً، فمن معاني العزة: القوة. ومن معاني العزة: العلو، سواء أكان علو القدر أم علو القهر أم علو الذات، وكل هذه ثابتة لله تعالى.

والعزيز من أسمائه :


العلي

الأعلى

المتعال



قال الله تعالى ( ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم ) وقال تعالى ( سبح اسم ربك

الأعلى ) وقال تعالى ( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) وذلك دل على أن جميع

معاني العلو ثابتة لله من كل وجه ، فله علو الذات ، فإنه فوق المخلوقات ، وعلى

العرض استوى أي علا وارتفع ، وله علو القدر وهو علو صفاته وعظمتها فلا يماثله صفة

مخلوق ، بل لا يقدر الخلائق كلهم أن يحيطوا ببعض معاني صفة واحدة من صفاته ، قال

تعالى : ( ولا يحيطون به علماً ) . وبذلك يعلم أنه ليس كمثله شئ في كل نعوته ، وله

علو القهر ، فإنه الواحد القهار الذي قهر بعزته وعلوه الخلق كلهم ، فنواصيهم بيده ،

وما شاء كان لا يمانعه فيه ممانع ، وما لم يشأ لم يكن ، فلو اجتمع الخلق على إيجاد ما

لم يشأه الله لم يقدروا ، ولو اجتمعوا على منع ما حكمت به مشيئته لم يمنعوه ، وذلك

لكمال اقتداره ، ونفوذ مشيئته ، وشدة افتقار المخلوقات كلها إليه من كل وجه ..

وللبحث صلة ـ بمشيئة الله ـ
ولكن رمضان قد يؤخر ذلك ؛ لأنه بحاجة
إلى تفرغ ودقة
وشكرا
 
عودة
أعلى