مالسر في اختيارلفظة[لاحتنكن]في سورة الاسراء؟وهل لها دلالة معينة؟

ابوالحارث

New member
إنضم
06/04/2006
المشاركات
25
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
مالسر في اختيارلفظة[لاحتنكن]في سورة الاسراء؟وهل لها دلالة معينة؟

[وهل تعطي معنى ادق وأوضح لعداوة الشيطان للانسان
 
[align=right]كيد الشيطان لبني آدم كان بسبب لعنه وطرده من الجنة :

إن طرد الشيطان وإخراجه من الجنة كان بسبب آدم عليه السلام، ولهذا توعد بالانتقام من ذريته من بعده،
قال تعالى :
{قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتنِ إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا} الإسراء 62،
وقال أيضاً :
{قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين} الآية الحجر 39.
وقال كذلك :
{لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} الأعراف: 16.
يقول ابن كثير رحمه الله :
«إن في هذه الآية الكريمة دلالة واضحة على عظم خطر الشيطان على الإنسان وأنه لا يترك طريقاً ولا باباً في إضلال بين آدم إلا سلكه ودخله فإنه يأتي من جميع الجهات إلا من فوق الإنسان فإنه لا يستطيع أن يحول بينه وبين رحمة الله».
[/align]
 
الاحتناك يطلق في اللغة ويراد به معنيان:

المعنى الأول: الإتيان على الشيء واستئصاله

ومنه قول العرب: احتنك الجرادُ الأرضَ إذا أتى على نبتِها فأكلَه.
ويقولون: احتنكتُ الرجل، أي أخذت ماله، فلم أبقِ له شيئاً.
وقولهم: أَحنكُ الشاتينِ، وأحنك البعيرين، آكلُهما، أي: أكثرهما أكلاً.
والحَنَكُ والأحناكُ: الجماعة من الناس ينتجعون بلداً يرعونه، يقال: ما ترك الأحناكُ في أرضنا شيئاً، يعنون الجماعات المارة.
فاحتناكُهم نبتَ الأرضِ استئصالهم لما ظهر منه وإتيانهم عليه.

المعنى الثاني: أن تجعل للدابة حنكاً أي حبلاً تديره من تحت حنكها تقودها به.

قال ابن سيده الأندلسي (ت: 458هـ) : (حَنَكَ الدابة يَحْنِكُها ويَحْنُكُها حَنْكا واحتَنَكَها، شد في حِنكها الأسفل حبلاً يقودها به،
وحَنكَها يَحنِكُها ويَحْنُكُها، جعل الرسن في فيها).
قال الأزهري (ت:370 هـ) : (أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنشده لزبان بن سيار الفزاري:
لئن كنت تُشْكَى بالجماحِ ابنَ جعفر = فإن لدينا ملجمين وحانكا).
تُشْكَى أي: تُتَّهم.
ومعنى البيت: إن كنت يا ابن جعفر ممن لصقت بهم تهمة الجماح والتطاول علينا؛ فإنا قادرون على إلجامك وتحنيكك حتى نروِّضَك، كما تروَّضُ الدابة.


وقد ذكر هذين المعنيين يونسُ بن حبيب الضبي (ت:182هـ) وهو من النقلة الأثبات للغة العرب
قال الأزهري (370هـ) : (قال محمد بن سلام: سألت يونس عن هذه الآية فقال:
يقال: كان في الأرض كلأ فاحتنكه الجراد، أي: أتى عليه.
ويقول أحدهم: لم أجد لجاماً فاحتنكت دابتي، أي: ألقيت في حنكها حبلاً وقدتها به).
فذكر المعنيين عن العرب، وتورع عن تفسير الآية بأي منهما وكان هذا دأب عدد من علماء اللغة يتحاشون الكلام في التفسير.

هذا من جهة أصل معنى اللفظة في لغة العرب
وأما من جهة الآثار المروية عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية فروي فيه عن ابن عباس ومجاهد وابن زيد

أثر ابن عباس رضي الله عنهما
قال ابن جرير (ت:310هـ) : (حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول: لأستولينّ).

أثر مجاهد بن جبر المخزومي رحمه الله:
قال ابن جرير (ت:310هـ) : (حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال: لأحتوينهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله).
قال عبد الرحمن بن الحسن الهمداني (ت:352هـ) : (نا إبراهيم، قال : نا آدم، قال: نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله : {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} يعني: لأحتوين).
قال ابن حجر: (وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( لَأَحْتَنِكَنَّ ) قَالَ : لَأَحْتَوِيَن).

فأما أثر مجاهد فهو متجه إلى المعنى الأول، قائم عليه.
وأما أثر ابن عباس فوقع التنازع بين العلماء في تفسيره
- فمن نظر إلى المعنى الأول وجده منسبكاً معه، فالاستيلاء فيه معنى الاستحواذ والاحتواء.
وممن فسره بهذا المعنى النحاس
قال أبو جعفر النحاس (ت:338هـ) : (أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله.
وقيل: هو من قولهم حنك الدابة يحنكها به إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت، وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى: لأسوقنهم كيف شئت).


ومن نظر إلى المعنى الثاني وجده أيضاً منسبكاً معه، فالاستيلاء فيه معنى التملك والتمكن من الشيء.
ولذلك قال السمين الحلبي (ت: 756هـ) : (ومعنى {لأحْتَنِكَنَّ}لأَسْتَوْلِيَنَّ عليهم استيلاءَ مَنْ جَعَلَ في حَنَكِ الدابَّةِ حَبْلاً يقودُها به فلا تأبى ولا تُشْمِسُ عليه).


وهو عندي يشتمل على المعنيين ولذلك لم يزد عليه الفراء
قال الفراء(ت: 207هـ ) : (وقوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً...} يقول: لأستولينَّ عليهم {إِلاَّ قَلِيلاً} يعنى المعصومين).

فاحتنكهم الشيطان بأن احتواهم واجتالهم واستأصلهم وأتى عليهم كلهم إلا من عصمه الله تعالى
واحتنك أيضاً أتباعه كما يحتنك الرجل دابته،يقودهم إلى معصية الله.

فتفسير ابن عباس بديع جداً لانتظامه المعنيين

واختيار هذه اللفظة (لأحتنكن) التي اشتملت على هذين المعنيين، من روائع التعبير القرآني.
 
مسالك العلماء في تفسير قوله تعالى (لأحتنكن ذريته)

اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: {لأحتنكن ذريته} على خمسة مسالك:

المسلك الأول: مسلك من اختار المعنى الأول
وسلك هذا المسلك من العلماء: الخليل بن أحمد،والبخاري، وابن فارس، وابن سيده، والبيضاوي
ونسبه النحاس لأكثر أهل اللغة، ورجحه الشوكاني
قال الخليل بن أحمد (ت: 170هـ ) (واحتَنَكتُ الرجلَ: أخذتُ مالَه ومنه قوله تعالى: {لأَحَتنِكَنَّ ذُرِّيَتَه إلا قليلاً}).
قال البخاري (ت:256هـ) : (( لأَحْتَنِكَنَّ ) لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ).
قال ابن فارس (ت:395هـ) : (ويقال احتنك الجرادُ الأرضَ، إذا أتى على نبْتها؛ وذلك قياس صحيح، لأنه يأكل فيبلغ حنكَه.
ومن المحمول عليه استئصال الشيء، وهو احتناكه، ومنه في كتاب الله تعالى: { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلاَّ قَلِيلاً} أي أُغوِيهم كلَّهم، كما يُستأْصَل الشيءُ إلا قليلا).
قال ابن سيده الأندلسي (ت: 458هـ) : (واحْتَنَكَ الجرادُ الأرضَ، أتى على نبتها، وقوله تعالى: (لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَه) مأخوذ من هذا.
واحتَنكَ الرجلَ، أخذ مالَه كأنه أكلة بالحَنَكِ).
قال البيضاوي: (ت: 685هـ): ({ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } أي لأستأصلنهم بالإغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً ، مأخوذ من الحنك).


المسلك الثاني: مسلك من اختار المعنى الثاني، فقال المراد: لأقودنهم إلى حيث أشاء كما تقاد الدابة التي يحتنكها صاحبها أي: يجعل لها حبلاً يديره من تحت حنكها فيقودها به.

وممن سلك هذا المسلك: ابن عطية، ومحمد الأمين الشنقيطي، وابن عاشور

قال ابن عطية: (ت: 542هـ) : ( وقوله { لأحتنكن } معناه : لأميلن ولأجرن ، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة ، وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد ، وألسنة تحتنك المال ، أي تجتره ، ومنه قول الشاعر :
تشكو إليك سنة قد أجحفت
جهداً إلى جهد بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت
ومن هذا الشعر ، قال الطبري { لأحتنكن } معناه : لاستأصلن ، وعبر ابن عباس في ذلك بـ(لأستولين)).
قلت: (إدراج ابن عطية شاهد المعنى الأول في المعنى الثاني فيه بعد ظاهر، وقد تبعه على ذلك القرطبي)

قال محمد الأمين الشنقيطي (ت:1393هـ) : (الذي يظهر لي في معنى الآية - أن المراد بقوله { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي لأقودنهم إلى ما أشاء، من قول العرب : احتنكت الفرس : إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت).
قال ابن عاشور (ت:1393هـ) : (والاحتناك : وضع الراكب اللجامَ في حَنَك الفرس ليركَبه ويَسيّره ، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراده من الإفساد والإغواء بتسيير الفَرس على حب ما يريد راكبه).

المسلك الثالث: مسلك من ذكر المعنيين ولم يرجح أحدهما على الآخر
وهو ما فعله: يونس بن حبيب، وابن السكيت،وابن قتيبة، والنحاس، وأبو الليث السمرقندي، والراغب الأصفهاني، والبغوي، وابن الجوزي، والرازي، وأبو حيان، وابن الهائم، والفيروزآبادي وغيرهم
سبق نقل كلام ابن حبيب.
قال ابن السِّكِّيتِ (ت: 244هـ ): (الحَنْكُ مصدر حَنَكَ الدَّابَّةَ يَحْنِكُها حَنْكَا، إذا شدَّ في حِنْكِها الأسفلِ حَبْلاً يقودها به، و(قد احتنكَ دابَّتَه)، مثلُ (حنَكَها).
ويقال: قد احتنكَ الجرادُ الأرضَ إذا أتى على نبتها.
وقول الله جل ذكره {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} مأخوذ من أحد هذين)
قال ابن قتيبة (ت:276هـ) : ({ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } لأَستأصلنَّهم. يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض كلَّه؛ إذا أكله كلَّه. واحْتَنكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه.
ويقال: هو من حَنَكَ دابَّتَهُ يَحْنُكُها حَنْكًا: إذا شد في حَنَكِها الأسفل حبلا يقودها به. أي لأَقُودَنَّهم كيف شئتُ).
قال أبو جعفر النحاس (ت:338هـ) : (أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله.
وقيل: هو من قولهم حنك الدابة يحنكها به إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت، وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى: لأسوقنهم كيف شئت).

قال أبو الليث السمرقندي (ت:375) : ({ لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ } ، أي لأستزلنَّ ذريته . يقول : أطلب زلتهم؛ وقال القتبي : لاستأصلنهم ، يقال : احتنك الجراد ما على الأرض ، إذا أكله كله؛
ويقال : هو من حنك الدابة يحنكها حنكاً ، إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به ، أي لأقودنهم حيث شئت).
قلت: (أحتنك، بمعنى أستزل، غريب، ولا أعلم له شاهداً في لغة العرب، فلعله من باب تفسير اللفظ بلازم معناه، وهو مسلك من مسالك التفسير، كما قال بعضهم: (لأحتنكن) أي لأضلنَّ، لأن مؤدَّى احتناكه لهم إضلالهم وإغواؤهم).
قال البغوي (ت:516هـ) : ({لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي: لأستأصلنهم بالإضلال يقال: احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله.
وقيل: هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها: إذا شدَّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها أي: لأقودنَّهم كيف شئت.
وقيل: لأستولين عليهم بالإغواء { إِلا قَلِيلا } يعني المعصومين الذين استثناهم الله عز وجل في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان})
قلت: (ذكر المعنيين، وعد تفسير ابن عباس قولاً ثالثاً).
قال ابن الجوزي (ت:597هـ): (قوله تعالى : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِيَّتَهُ } فيه ثلاثة أقوال .
أحدها : لأَستولِيَنَّ عليهم ، قاله ابن عباس ، والفراء .
والثاني : لأُضِلَّنَّهم ، قاله ابن زيد .
والثالث : لأَستأصلنَّهم؛ يقال : احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض : إِذا أكله؛ واحْتَنَكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم : إِذا استقصاه ، فالمعنى : لأَقودنَّهم كيف شئتُ ، هذا قول ابن قتيبة).
قلت: (سبق نقل كلام ابن قتيبة، وليس كما ذكره ابن الجوزي رحمه الله، وقد خلط ابن الجوزي بين المعنيين في القول الثالث خلطاً عجيباً، وسيأتي الكلام على أثر ابن زيد بإذن الله تعالى).
قال الفخر الرازي : (ت: 606هـ): (في الاحتناك قولان ، أحدهما : أنه عبارة عن الأخذ بالكلية ، يقال : احتنك فلان ما عند فلان من مال إذا استقصاه وأخذه بالكلية ، واحتنك الجراد الزرع إذا أكله بالكلية .
والثاني : أنه من قول العرب حنك الدابة يحنكها، إذا جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به.
وقال أبو مسلم : الاحتناك افتعالٌ من الحَنْكِ كأنه يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه .
فعلى القول الأول معنى الآية لأستأصلنهم بالإغواء .
وعلى القول الثاني: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها).
قلت: (قوله: (لأستأصلنهم بالإغواء) هذه عبارة الواحدي، وهي جمع بين التفسير باللفظ وبلازم المعنى).
قال أبو حيان (ت:754هـ) : (حنك الدابة واحتنكها : جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به ، واحتنك الجراد الأرض أكلت نباتها .
قال :
نشكوا إليك سنة قد أجحفت
جهداً إلى جهد بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت
ومنه ما ذكر سيبويه من قولهم : أحنك الشاتين أي آكلَهما).



المسلك الرابع: مسلك من جمع بين الأقوال
وهو صنيع: أبي عبيدة، والأخفش، وابن جرير ، والواحدي
قال أبو عبيدة (ت:210هـ): ((لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتِهُ إِلاَّ قَلِيلاً) مجازه: لأستميلنّهم ولأستأصلنهم، يقال: احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره أخذه كله واستقصاه
قال:
نشكو إليك سَنة قد اجحفت
جهداً إلى جَهدٍ بنا فأَضعفتْ
واحتنكتْ أموالنا وجلفّتْ).
قال الأخفش (ت:215 هـ) : ({لأحتنكن ذريته} قال: لأستأصلنهم ولأستميلنهم.
واحتنك فلان ما عند فلان أي أخذه كله).
قال ابن جرير (ت:310هـ): (( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) يقول: لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك؛ ومنه قول الشاعر:
نَشْكُو إِلَيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْ
جَهْدًا إلى جَهْدٍ بنا فأضْعَفَتْ
واحْتَنَكَتْ أمْوَالَنا وجَلَّفَتْ
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).
ثم ذكر أثر ابن عباس ومجاهد وابن زيد ثم قال: (وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد، وإذا استولى عليهم فقد أضلهم).
قلت: (هذا مسلك من مسالك الجمع بين الأقوال، باعتبار مؤداها وما تؤول إليه).

قال الواحدي (ت:468هـ) : (لأَحتنكنَّ ذريته } لأستأصلنَّهم بالإغواء ولأستولينَّ عليهم)

المسلك الخامس: مسلك من فسر الآية بلازم معناها
فقال: لأضلنهم، ولأغوينهم ، ولأستزلنهم
كما فعل ذلك ابن زيد، وأبو الليث السمرقندي.
قال ابن جرير (ت:310هـ) : (حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} قال: لأضلنهم).
قال ابن عطية (ت:542هـ) : (وقال ابن زيد: لأضلن ، وهذا بدل اللفظ لا تفسير).


هذا، وقد بالغ الماوردي في تشقيق الأقوال في هذه المسألة حتى أوصلها إلى ستة أقوال، وهي راجعة إلى ماذكرنا، وبعضها خطأ مردود.
 
اثابك الله اخي عبدالعزيز..

ومن نظر إلى المعنى الثاني وجده أيضاً منسبكاً معه، فالاستيلاء فيه معنى التملك والتمكن من الشيء.
ولذلك قال السمين الحلبي (ت: 756هـ) : (ومعنى {لأحْتَنِكَنَّ}لأَسْتَوْلِيَنَّ عليهم استيلاءَ مَنْ جَعَلَ في حَنَكِ الدابَّةِ حَبْلاً يقودُها به فلا تأبى ولا تُشْمِسُ عليه).


وما احرانا لتدبر هذه العبارات،والله المستعان
 
الاحتناك يطلق في اللغة ويراد به معنيان:

المعنى الأول: الإتيان على الشيء واستئصاله


المعنى الثاني: أن تجعل للدابة حنكاً أي حبلاً تديره من تحت حنكها تقودها به.

أثر مجاهد بن جبر المخزومي رحمه الله:
قال ابن جرير (ت:310هـ) : (حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، في قول الله تبارك وتعالى( لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا ) قال: لأحتوينهم.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله).
قال عبد الرحمن بن الحسن الهمداني (ت:352هـ) : (نا إبراهيم، قال : نا آدم، قال: نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله : {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} يعني: لأحتوين).
قال ابن حجر: (وَرَوَى سَعِيد بْن مَنْصُور مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد فِي قَوْله : ( لَأَحْتَنِكَنَّ ) قَالَ : لَأَحْتَوِيَن).

فأما أثر مجاهد فهو متجه إلى المعنى الأول، قائم عليه.
.

ثم وجدت المعنى الثاني منسوباً لمجاهد أيضاً ففي غريب الحديث لأبي سليمان الخطابي (ت: 388هـ): أنه قال: (في حديث أبي هريرة أنه ذكر المزنوقَ؛ فقال: (المائلُ شقُّه لا يذكرُ اللهَ) حدثنيه محمد بن موسى بن حَباب، أخبرنا ابن خزيمة، أخبرنا محمد بن بشارٍ، أخبرنا أبو بكر الحنفي، أخبرنا الضحاك وهو ابن عثمان الحزاميُّ، أخبرنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.
المزنوق: المربوط بالزناق؛ يقال: زنقتُ الدابَّةَ، وهو أن تشدَّ في الحلقةِ التي تقعَ تحتَ حنكهَا سيراً أو نحوه يمنعها من الجماح.
ومن هذا حديثه الآخر وذكر يوم القيامة وأن جهنم يقاد بها مزنوقة.
وقال مجاهد: في قول الله: {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} قال: شبهُ الزِّناقِ.
قال يعقوب: يقال: حنك الرجل دابته حنكاً، واحتنكها احتناكاً إذا شد في حِنْكِهَا الأسفلِ حبلاً يقودها به).
قلت: يعقوب هو ابن السكيت وقد مضى نقل قوله.


ونحتاج للنظر في رواية سعيد بن منصور لأثر مجاهد رحمه الله.
 

===================
أقول:
===================

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ( صحبه و اتباعه أجمعين )

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته




بارك الله فيك يا أخي الحبيب " عبدالعزيز الداخل " و جزاك الله خيرا كثيرا


/////////////////////////////////////////////////
 
ومن لطيف ما وجدته وأنا أجمع الأحاديث والآثار الواردة في صفة وسوسة الشيطان للإنسان

ما أخرجه الإمام أحمد وغيره من طريق الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن أحدكم إذا كان في المسجد جاءه الشيطان فأبس به كما يبس الرجل بدابته فإذا سكن له زنقه أو ألجمه)
قال أبو هريرة: فأنتم ترون ذلك؛ أما المزنوق فتراه مائلا كذا لا يذكر الله وأما الملجوم ففاتح فاه لا يذكر الله عز وجل

ومعنى زنقه بمعنى احتنكه بالمعنى الثاني المتقدم شرحه.
 
ونحتاج للنظر في رواية سعيد بن منصور لأثر مجاهد رحمه الله.

قال سعيد بن منصور الخراساني(ت:227هـ): (نا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل: {لأحتنكنّ}: لأحتوينّ ، يعني شبه الزّناق ). [سنن سعيد بن منصور:6/ 130]
 
السلام عليكم
ماشاء الله لقد أحسن الإخوة في بيان ما قاله أخواننا الذين سبقونا بالإيمان من العلماء رحمهم الله عن "لأحتنكنهم", وخصوصا في ما قدمه الأخ عبدالله الداخل جزاه الله خيرا.

أما بعد , إسمحوا لى بالتذكير أو لفت الإنتباه إلى المستثنين من الإحتناك وهم القليل ؟ فمن هم ؟

لقد حاولت سابقا في مداخلة لي عن معني "القليل" في قول الله عز وجل "وما آمن معه إلا قليل". و سأحاول هنا مرة أخرى إن شاء الله.

أقول والله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم واحكم, وبإختصار شديد أن القليل : " مفردة استعمالاتها في القرآن الكريم تفيد أنها صفة وليست عدد كما هو شائع عند كثير من الناس. عليه فإن القليل هم المؤمنون (المخلصون) الذين يبتغون في ما آتاهم الله الآخرة ولاينسون نصيبهم من الدنيا (أي طيباتهم في الحياة الدنيا لاتزيد عن حاجاتهم) ولا يبتغون فيما آتاهم الله الفساد في الأرض"
إذا بناء على هذا التعريف , يتضح أن الذين لا يبتغون في ما آتاهم الله الآخرة ويكثرون نصيبهم من الدنيا (أي يذهبوا طيباتهم في الحياة الدنيا )و يبتغون الفساد في الأرض هم الذين سيحتنكهم الشيطان الرجيم. كما وصفهم الله عز وجل ؛ إذا مسهم الخير منوعين وإذا مسهم الشر جزوعين.... ألا تراهم مخنوقين يائسين مستأصلين ...

والله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم و احكم
 
أن القليل : " مفردة استعمالاتها في القرآن الكريم تفيد أنها صفة وليست عدد كما هو شائع عند كثير من الناس."
جزاك الله خيرا.
قال ابن منظور "وقومٌ قَلِيلون وأَقِلاَّءُ وقُلُلٌ وقُلُلون: يكون ذلك في قِلَّة العَدَد ودِقَّة الجُثَّة، وقومٌ قَلِيل أَيضاً. قال الله تعالى: واذكروا إِذ كنتم قَليلاً فكثَّركم".
لم أدري أيُ القِلتين هي في القرآن؟ أهي قلة العدد أم قلة الجُثة (حقيقة او مجازاً)؟
ام هي قلة ثالثة؟ مشكوراً.
 
عودة
أعلى