ليلة مع ~ كتاب ~

بريق هدى

New member
إنضم
11 ديسمبر 2010
المشاركات
8
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، الليل والكتاب أصدق صحبة ومحبة وأنعم بها من صحبة ومحبة ، أحببت أن أسعدكم بما مر بي بهذه الكتب وأتناولها مرة بإيجاز ومرة بترسل ، بعض هذه المشاركة كانت رسائل وسائط أصل بها أخواتي في الله لذا قد تشكل علامات الترقيم فيه لأن النت عندي بالجوال فقط لكن لعل به نفع ودعوة لهذه الكتب النفيسة ،
أول كتاب هو :

[وصية أبي الوليد الباجي لولديه]

تأليف
أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي



أول الوصايا: الإيمان بالله
وأول ما أُوصيكما به ما أوصى به إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ: {يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [ البقرة: 132].
وأنهاكما عمَّا نهى عنه لقمانُ ابنَه وهو يعظه: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم} [ لقمان:13] وأؤكد عليكما في ذلك وصيتي،
وأكررها حرصاً على تعلُّقكما وتمسُّككما بهذا الدين الذي تفضَّل الله تعالى علينا به، فلا يستَزِِلُّكما عنه شيء من أمور الدنيا،
وابذُلا دونَه أرواحَكما، فكيف بدنياكما؟ فإنه لا ينفع خيْرٌ بعدَه الخلودُ في النار، ولا يضرُّ ضيْرٌ بعدَه الخلود في الجنة.
{ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85].

والعلم سبيلٌ لا يُفضي بصاحبه إلا إلى السعادة، ولا يُقَصِّرُ به عن درجة الرِّفعةِ والكرامة. قليلُه ينفع، وكثيره يُعلي ويرفع،
كَنْزٌ يزكو على كل حال، ويكثُر مع الإنفاق، ولا يَغصِبُه غاصبٌ، ولا يُخاف عليه سارق ولا محارب.


رفعة أهل العلم
وانظرا أيَّ حالةٍ مِنْ أحوال طبقاتِ الناس تختاران، ومنْزلةَ أيِّ صنفٍ منهم تُؤثران؛ هل تريان أحداً أرفعَ حالاً مِنَ العلماء،
وأفضلَ منْزلةً مِنَ الفُقهاء؟ يحتاج إليهم الرئيسُ والمرؤوس، ويَقتدي بهم الوضيعُ والنَّفيسُ، يُرجعُ إلى أقوالِهم في أمور
الدنيا وأحكامها، وصحةِ عقودها وبِياعاتِها، وغيْرِ ذلك مِنْ تصرُّفاتِها، وإليهم يُلجأ في أمور الدين وما يلزم مِنْ صلاة وزكاة
وصيام وحلال وحرام. ثم مع ذلك السلامةُ منَ التَّبعات، والحظوةُ عند جميع الطبقات.



والعلم ولايةٌ لا يُعزَلُ عنها صاحبُها، ولا يَعرى من جمالها لابسها، وكلُّ ذي ولاية وإنْ جلَّتْ، وحُرمةٍ وإنْ عَظُمَتْ، إذا خرج عن وِلايتِه، أو زال عن بلدتِه، أصبح مِنْ جاهِه عارياً، ومِنْ حالِه عاطلاً، غيْرَ صاحبِ العلمِ؛ فإنَّ جاهَه يصحبُه حيثُ سار، ويتقدَّمُه إلى جميعِ الآفاق والأقطار، ويبقى بعده في سائر الأعصار.

قراءة كتب المنطق تكون بعد التمكن في الدين
وأحذِّرُكما من قراءتِها ما لم تقرءا مِنْ كلامِ العلماء ما تَقويان به على فهمِ فسادِه وضعفِ شُبَهِهِ، وقلَّةِ تحقيقه؛
مخافةَ أنْ يسبِقَ إلى قلبِ أحدِكما ما لا يكون عنده من العلم ما يَقوى به على رده. ولذلك أنكرَ جماعةُ العلماء
المتقدمين والمتأخرين قراءةَ كلامِهم لمن لم يكن مِنْ أهل المنْزلة والمعرفة به؛ خوفاً عليهم مِمَّا خوَّفتُكما منه


ولو كنتُ أعلم أنكما تبلُغان منْزلةَ الميْزِ والمعرفة، والقوة على النظر والمقدرة، لحضضتُكما على قراءته،
وأمرتُكما بمطالعتِه، لتُحَقِّقا ضعفَه وضعفَ المعتقِدِ له، وركاكةَ المغتَرِّ به، وأنه مِنْ أقبح المخاريق والتمويهات،
ووجوهِ الحيل والخُزَعبلات التي يغتَرًّ بها مَنْ لا يعرفها، ويستعظمُها مَنْ لا يُميِّزُها.

وقد رأيتُ ببغدادَ وغيْرِها مَنْ يدَّعي منهم هذا الشأنَ مستحقَراً مُستهجَناًَ مُستضعَفاً، لا يناظره إلا المبتدئُ،
وكفاك بعلمٍ صاحبُه في الدنيا مرموقٌ مهجورٌ، وفي الآخرة مدحورٌ مثبورٌ. وأمَّا مَنْ يتعاطى ذلك مِنْ أهل بلدنا،
فليس عندَه منه إلا اسمُه، ولا وصل إليه إلا ذكرُه.


وليلزمْ أكبَرُكما لأخيه الإشفاقَ عليه والمسارعةَ إلى كلِّ ما يُحبُّه، والمعاضدةَ فيما يُؤثِرُه، والمسامحةَ لكلِّ ما يرغبُه.
توقير الصغير للكبير
ويلتزمُ أصغرُكما لأخيه تقديمَه عليه، وتعظيمَه في كلِّ أمرٍ بالرجوع إلى مذهبِه، والاتباعَ له في سرِّه وجهرِه، وتصويبَ قولِه وفعلِه.

المناصحة بالحسنى
وإنْ أنكر منه في الملأ أمراً يريده، أو ظهر إليه خطأ فيما يقصِدُه، فلا يُظهر إنكارَه عليه، ولا يجهرُ في الملأ بتخطئتِه، وليبيِّنْ له ذلك على انفرادٍ منهما، ورِفقٍ مِنْ قولِهما؛ فإنْ رجع إلى الحقِّ، وإلا فليَتْبَعْه على رأيِه، فإنَّ الذي يدخل عليكما مِنَ الفساد باختلافِكما أعظمُ مِمَّا يُحذرُ مِنَ الخطأ مع اتفاقِكما، ما لم يكن الخطأُ في أمرِ الدين، فإنْ كان في أمر الدين، فليتبَعِ الحقَّ حيث كان، وليُثابِرْ على نُصح أخيه وتسديدِه ما استطاعَ، ولا يُخْلِ يدَه عن تعظيمِه وتوقيرِه.



لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا
وإياكما والتنافسَ والتقاطعَ والتدابرَ والتحاسدَ وطاعةَ النساءِ في ذلك؛ فإنه مما يفسدُ دينَكما ودنياكما، ويضعُ مِنْ قدرِكما، ويَحُطُّ مِنْ مكانِكما، ويَحقِرُ أمرَكما عند عدوِّكما، ويُصغِّرُ شأنَكما عند صديقِكما.

لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
ومَنْ أسدى منكما إلى أخيه معروفاً أو مُكارمةً أو مُواصلةً، فلا ينتظرْ مُقارضةً عليها، ولا يذكرْ ما أتى منها؛ فإنَّ ذلك مِمَّا يُوجب الضغائنَ، ويُسبب التباغضَ، ويُقبح المعروفَ، ويَحقرُ الكبيرَ، ويدُلُّ على المقتِ والضَّعَةِ ودناءةِ الهِمَّةِ.


لا تقابل الإساءة بالإساءة
وإنْ أحدُكما زلَّ وترك الأخذ بوصيتي في بِرِّ أخيه ومراعاتِه، فليتلافَ الآخرُ ذلك بتمسُّكِه بوصيتي، والصبْرِ لأخيه، والرِّفقِ به، وتركِ المقارضةِ له على جفوَتِه، والمتابعةِ له على سوءِ معاملته؛ فإنه يَحمدُ عاقبةَ صبْرِه، ويفوزُ بالفضلِ في أمرِه، ولا يكون ما يأتيه أخوه كبيرُ تأثيٍر في حالِه.

بركة الاتفاق
واعلما أني قد رأيتُ جماعةً لم تكن لهم أحوالٌ ولا أقدارٌ، أقام أحوالَهم، ورفع أقدارَهم اتفاقُهم وتعاضُدهم. وقد رأيتُ جماعةً كانت أقدارُهم ساميةً، وأحوالُهم ناميةً، مَحَقَ أحوالَهم، ووضع أقدارَهم اختلافُهم. فاحذرا أنْ تكونا منهم.

الصبْر على أذى الناس
ولا يجب أنْ تعتقدا معاداةَ أحد، واعتمدا التحرُّزَ مِنْ كلِّ أحدٍ، فمنْ قصدَكما بِمطالبةٍ، أو تكرَّرَ عليكما بأذِيَّةٍ، فلا تُقارضاه جَهدَكما، والتزِما الصبْرَ له ما استطعتما، فما التَزم أحدٌ الصبْرَ والحِلمَ إلا عزَّ ونُصِرَ، {ومنْ بُغِيَ عليه لينصُرَنَّه الله} [الحج :60]. وقد استعملتُ هذا بفضلِ الله مراراً، فحَمِدتُ العاقبةَ، واغتطبتُّ بالكفِّ عَنِ المقارضةِ.

ولا تستعظِما مِنْ حوادثِ الأيامِ شيئاً، فكلُّ أمرٍ ينقرضُ حقيرٌ، وكلُّ كبيرٍ لا يدومُ صغيرٌ، وكلُّ أمرٍ ينقضي قصير، وانتظرا الفرجَ؛ فإنَّ انتظارَ الفرجِ عبادة، وعلِّقا رجاءَكما بربِّكما، وتوكلا عليه، فإنَّ التوكلَ عليه سعادةٌ.

والحذرَ الحذرَ مِنْ أن تُهينا نعمةَ ربِّكما، فتَتْرُكَكما مذمومَيْنِ، وتزول عنكما مَمقوتَيْن. رُوِيَ عن النبي  أنه قال: "يا عائشةُ، أَحْسِني جِوارَ نِعَمِ الله تعالى؛ فإنَّها قلَّما زالتْ عن قومٍ، فعادت إليهم"( ).
وإياكما أنْ تُطغِيَكما النعمةُ، فتُقَصِّرا عن شكرِها، أو تنسيا حقَّها، أو تظُنَّا أنكما نِلتماها بسعيِكما، أو وصلتُما إليها باجتهادِكما، فتعود نِقمةً مُؤذيةً، وبَليةً عظيمةً.

الزهد في الدنيا
وإياكما والاستكثارَ مِنَ الدنيا وحُطامِها، وعليكما بالتوسطِ فيها، والكفافِ الصالح الوافرِ منها، فإنَّ الجمعَ لها والاستكثارَ منها، مع ما فيه مِنَ الشغل بها، والشغبِ بالنظرِ فيها، يصرِفُ وجوهَ الحَسدِ إلى صاحبها، والطمعِ إلى جامعِها، والحنقِ على المنفردِ بها.

من أتى السلطان افتتن
واجتنبا صُحبةَ السلطانِ ما استطعتُما، وتحرَّيا البُعدَ منه ما أمكنَكُما، فإنَّ البُعدَ منه أفضلُ مِنَ العِزِّ بالقُربِ منه؛ فإنَّ صاحبَ السلطانِ خائفٌ لا يأمَنُ، وخائِنٌ لا يُؤْمَنُ، ومُسيءٌ إنْ أحسن، يَخاف منه ويُخاف بسببه، ويَتَّهمه الناسُ مِنْ أجلِه. إنْ قرَّبَ فتَنَ، وإنْ أبعدَ أحزنَ، يحسُدُك الصديقُ على رضاه إذا رضي، ويتبَرَّأ منك ولدُك ووالداك إذا سَخِطَ، ويكثُرُ لائموك إذا منع، ويقِلُّ شاكروك إذا شبع. فهذه حالُ السلامةِ معه، ولا سبيلَ إلى السلامةِ مِمَّن يأتي بعدَه.




البعد عن طلب الجاه
ولا يرغب أحدُكما في أنْ يكونَ أرفعَ الناس درجةً، وأتَمَّهم جاهاً، وأعلاهم منْزلةً؛ فإنَّ تلك حالٌ لا يسلَمُ صاحبُها، ودرجةٌ لا يثبُتُ مَنِ احتلَّها.

خير الأمور الوسط
وأسلمُ الطبقاتِ الطبقةُ المتوسطة: لا تُهتَضَمُ مِنْ دَعَةٍ، ولا تُرمَقُ مِنْ رِفعةٍ. ومِنْ عيبِ الدرجةِ العُليا أنَّ صاحبَها لا يرجو المزيدَ، ولكنه يَخافُ النقصَ، والدرجةُ الوُسطى يرجو الازديادَ، وبينها وبين المخاوفِ حجاب.
فاجعلا بين أيديكما درجةً يشتغلُ بها الحسودُ عنكما، ويرجوها الصديقُ لكما.


الإقلال من المزاح
وأقِلا مُمازحةَ الإخوانِ وملابَستَهم، والمتابعةَ في الاسترسالِ معهم؛ فإنَّ الأعداءَ أكثَرُ مِمَّنْ هذه صفتُه، وقَلَّ مَنْ يُعاديك مِمَّنْ لا يَعرفُك ولا تعرِفُه.
فهذا الذي يَجبُ أنْ تَمتثلاه وتلتزِماه، ولا تترُكاه لعرَضٍ ولا لوجهِ طمَعٍ، فربَّما عرض وجهُ أمرٍ يروق، فيستَزِلُّ عنِ الحقائق بغيرِ تحقيقٍ، وآخرهُ يظهر مِنْ سوءِ العاقبة ما يُوجب الندمَ حيثُ لا ينفعُ، ويتمنَّى له التلافي فلا يمكن.


فإنْ فقدتُما وصيتي هذه، ونسيتُما معناها، فعليكما بما ذكر الله تعالى في وصيَّةِ لقمانَ لابنِه، فإنَّ فيها جِماعَ الخيْر، وهي: {يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور* ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} [لقمان:17-19].
وإنِّي لأُوصيكما، وأعلمُ أنِّي لن أُغنِيَ عنكما مِنَ الله شيئاً. إنِ الحكمُ إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلونَ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 
جزاك الله خيراً . . ونفع الله تعالى المسلمين بما قدمت . .

وأنعِم بها من مدرسة تربوية عريقة حكيمة . . بل ضاربة جذورها في أعماق الحكمة الإنسانية . .

وكيف لا . . وهي تقتبس من نور الوحي الإلهي , والهداية الإلهية للإنسان منذ أهبطه الله تعالى الأرض. .

وحتى خاتمة الرسالات . وخاتم الأنبياء , عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام . .

{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [آل عمران:164] . . والحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه . .

إلا أن المسلمين الآن لن ينتفعوا بهذه المدرسة التربوية انتفاعاً حقيقياً , ويقطفوا ثمارها اليانعة . .

حتى توجد في بيئتها الطبيعية . . ألا وهي التي تعلو فيها كلمة الله جلّ وعلا فوق كل كلمة . . والتي يتفيّأ فيها الناس ظلال الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء . .

والحمد لله رب العالمين
 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى