ليالٍ مع أخلاق المفسرين.. في كتاب طبقات المفسرين للداودي ... (2)

إنضم
24/04/2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
5
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فلا يزال هذا الجانب الأخلاقي في حياة السلف رحمهم الله تعالى بحاجة إلى بيان وتوضيح، والأخلاق الكريمة الفاضلة هي السمة العامة في ذلك الجيل الفاضل، بل ذكرها بعض العلماء ضمن كتب العقيدة للتأكيد عليها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه و سلم : ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً ) ويندبون إلى أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك ويأمرون ببر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل والرفق بالمملوك وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق ويأمرون بمعالي الأخلاق وينهون عن سفسافها" . [الواسطية: 32 ].
وقد سبق أن طرحت موضوعاً بعنوان :
[align=center]ليلة مع كتاب طبقات المفسرين للسيوطي أسرار وعجائب ونكت ... [/align]ثم تبعه موضوع آخر في نفس الاتجاه بعنوان:
[align=center]ليالٍ مع أخلاق المفسرين.. في كتاب طبقات المفسرين للداودي ... (1) [/align]
وهذه هي الحلقة الثانية لهذا الموضوع ، أسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً حسن الاتباع، وأن يجمع لنا العلم والعمل، إنه جواد كريم، والآن ننتقل إلى تلك الصور الجميلة لأخلاقهم رحمهم الله تعالى :

1- الهيبة والجد، مع العبادة والزهد:
قال في ترجمة والد إمام الحرمين عبد الله بن يوسف (ت:483هـ):
( وكان لفرط الديانة مهيباً، لا يجري بين يديه إلا الجدُّ، والكلام إما في علمٍ، أو زهدٍ، وتحريض على التحصيل).
وقال في ترجمة عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان تقي الدين أبي عمرو السهرزودي الشافعي ( ت : 643 هـ ):
( وأجهد نفسه في الطاعة والعبادة، وكان وافر الجلالة، حسن البزّة، كثير الهيبة، موقراً عند السلاطين والأمراء ).

2- المهارة في التعليم :
وقال في والد إمام الحرمين عبد الله بن يوسف (ت:483هـ): ( وكان ماهراً في إلقاء الدروس ).

3- الورع :
وقال في نفس الترجمة:
( ومن ورعه : أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدقُّ فيه وتداً، وإنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتى كان يؤدي في سنة واحدة مرتين، حذراً من نسيان النية، أو دَفْعها إلى غير مستحق ).

4- الدعاء في القنوت بالعلم :
وقال في نفس الترجمة:
( قال: سمعت إمام الحرمين يقول: كان والدي يقول في دعاء قنوت الصبح: لا تَعُقْنا عن العلم بعائق، ولا تمنعنا عنه بمانع ).

5- التواضع وعدم التكلف مع الذكاء الشديد:
قال في ترجمة أبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم (ت: 665هـ):
( وكان مع فرط ذكائه ، وكثرة علمه، متواضعاً مطرحاً للتكلف، حليماً ).

6- وعظ العلماء :
أورد في ترجمة الإمام ابن الجوزي ( ت : 597هـ ):
( ومن بدائع كلامه: عقارب المنايا تلسع، وخدران الأمل يمنع، من قنع طاب عيشه، ومن طمع طال طيشه.
وقال في وعظه: يا أمير المؤمنين! إن تكلمتُ خفتُ منك، وإن سكتُ خفتُ عليك، فأنا أقدم خوفي عليك على خوفي منك. قول الناصح : اتق الله. خير من قول القائل: أنتم أهل بيت مغفور لكم.
وقال: يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه).

7- ولا تنس نصيبك من الدنيا:
وقال في نفس الترجمة:
( وكان يراعي حفظ صحته، وتلطيف مزاجه، وما يفيد عقله قوةً، وذهنه حدة... ولباسه أفضل لباس، الأبيض الناعم الطيب. وله ذهن وقاد، وجواب حاضر).

8- الخوف من الكلام في الناس:
قال في ترجمة الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم ( ت : 327 هـ ) :
(...سمعتُ يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطُّوا رحالهم في الجنة من مائتي سنة.
قال ابن مهرويه: فدخلتُ على ابن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب الجرح والتعديل، فحدثته بها، فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب، وجعل يستعيدني الحكاية، ويبكي).

9- العبادة وقراءة القرآن في الصلاة:
قال في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الرازي ( ت : 732 هـ ) :
( عفيفاً ديناً، حج مرات، وأقام بمكة أشهراً، وكان مواظباً على قراءة جزئين من القرآن في الصلاة كل ليلة ).

10 – الخاتمة الحسنة :
قال في نفس ترجمة:
(وأخبر بعض أقاربه ـ وكان يخدمه في مرضه الذي توفي فيه ـ قال : آخر ما سمعتُ منه عند موته، أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله " ثم مات ).
وقال في ترجمة علي بن المسلم السلمي ( ت : 533 هـ ):
( مات ساجداً في صلاة الفجر ).

11- كثرة الذكر:
قال في ترجمة عبد الرحمن بن محمد المظفر البوشنجي ( ت : 467 هـ ) :
( ويحكى أنه كان لا تسكن شفتاه من ذكر الله عز وجل، وأنَّ مزيناً جاء ليقصَّ شاربه، فقال له: أيها الإمام يجب أن تسكِّنَ شفتيك، فقال: قل للزمان حتى يَسْكُنْ ).
وقال في ترجمة عبد الرحيم بن أبي القاسم أبي نصر القشيري ( ت : 514 هـ ) :
( ومن العجائب أنه اعتقل لسانه في آخر عمره عن الكلام إلا عن الذكر، فكان يتكلم بآي القرآن ).

12- الكرم :
قال في ترجمة عبد العزيز بن عبد السلام سلطان العلماء ( ت : 660 هـ ):
( وحكي أنه ركب يوماً بغلة، وعليه قميص وهو معتم على طرطور لباد، فتعرض له فقير يسأله شيئاً، فقطع نصف العمامة من على رأسه ودفعها إليه، وسار، فقصده آخر فدفع إليه النصف الآخر ) .

13- المراجعة :
وقال في نفس الترجمة:
( قال : مضت لي ثلاثون سنة، لا أنام كل ليلة إلا بعد أن أُمِرَّ أبواب الشريعة على خاطري ).

14- الرجوع إلى الحق:
وقال في نفس الترجمة:
( وأفتى مرة بفتيا، ثم ظهر له أنه أخطأ، فنادى في مصر والقاهرة على نفسه: من أفتى له فلانٌ بكذا فلا يعمل به فإنه خطأ ) .
وقال في ترجمة علي بن عبد الكافي السبكي ( ت : 756 هـ ):
(في غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق في المباحث، ولو على لسان آحاد المستفيدين منه).

15- الأمانة العلمية:
وقال في ترجمة عبد الكريم بن محمد أبي القاسم الرافعي القزويني ( ت : 623 هـ ):
( شديد الاحتراز في المنقولات، فلا يطلق نقلاً عن أحد غالباً إلا إذا رآه في كلامه ).

16- الهيبة العلمية:
وقال في ترجمة عبد الملك بن سراج ( ت : 489 هـ ):
( وكان وقور المجلس لا يجسر أحدٌ على الكلام به لمهابته وعلو مكانته ).

17- العبادة والعفة :
وقال في ترجمة عبيد الله بن إبراهيم النسائي التفتازاني ( ت: حدود 550 هـ ):
( كان إماماً مفنِّناً مفسراً محدثاً واعظاً، مشتغلاً بالعبادة، يتولى الحرث والحصاد بنفسه، ويأكل من كدِّه ).

18- المزاح :
قال في ترجمة الحافظ عثمان بن أبي شيبة ( ت : 239هـ ):
( وكان مزَّاحاً حتى فيما يتصحف من القرآن ).

19 – طول الطلب:
قال في ترجمة عكرمة ( ت : 104هـ ) تلميذ ابن عباس:
( قال عكرمة : طلبت العلم أربعين سنة، وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن ).

20 – التأمل العلمي :
وقال في نفس الترجمة:
( قال عكرمة: إني لأخرج إلى السوق فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فَيُفْتَتَح لي خمسون باباً من العلم ).

21- تدريب الطلاب على التعليم:
قال في ترجمة علي بن إبراهيم بن نجا المعروف بابن نجية ( ت : 599هـ ):
( حفظني خالي مجلس وعظ ، وعمري يومئذ عشر سنين، ثم نصب لي كرسياً في داره، وأحضر لي جماعته ، وقال : تكلم، فتكلمتُ، فبكى!. قال: وكان ذلك المجلس يذكره بنصه وهو ابن تسعين ).

22- العبادة ثم العبادة :
قال في ترجمة علي بن إسماعيل القونوي ( ت : 729هـ ):
( أقام ثلاثين سنة يصلي الصبح جماعة ، ثم يقرأ إلى الظهر، ثم يصليها ، ويأكل شيئاً في بيته، ثم يذهب إلى عيادة المريض أو تهنئة أو نحو ذلك، ثم يرجع وقت حضور الخانقاه الصلاحية ويشتغل بالذكر إلى آخر النهار ).

23 – طول الملازمة :
وقال في ترجمة علي محمد بن عبد الصمد علم الدين السخاوي ( ت : 643 هـ ):
( قال الشهاب أبو شامة شيخ وقته: توفي شيخنا عَلَمُ الدين علامة زمانه ... وصحبته من شعبان سنة 614 هـ ومات وهو عني راضٍ في ثاني عشر جمادى الآخرة، سنة 643 هـ).
[align=center]والله تعالى أعلم،،
السبت 18 / 12 / 1430هـ[/align]
 
ما أجمل العيش مع الرعيل الأول ! ولو كان ذلك للحظات فإنه يسعد النفس ويدفعها نحو

الاقتداء بهم ويذكرها بتقصيرها.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع


جزاكم الله كل خير، وليتكم تكرمونا بمزيد من هذه الفوائد.
 
شكر الله لك دكتور فهد :
ملاحظة يسيرة :

وقال: يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه، ما أجراه).

لعل ضبطها : وقال: يفتخر فرعون مصر بنهر ما أجراه، ما أجرأه .
فتكون الكلمة الأولى من الجريان والكلمة الثانية من الجرأة .
 
جزاك الله خيرا أبا مبارك هذه الخلاصات الماتعة والأخلاق النافعة
إنها بحق أخلاق أهل القرآن
 
التذكير بهذا الجانب (الأخلاق) من المقاصد المهمة..
فأحسن الله إليك ..

واستظهار كتب التراجم هو من أحسن ما يخدم هذا الجانب، كما يخدم بالمقابل الكتب نفسها وذلك بتقريبها واستخراج فوائدها مع حسن العرض والترتيب.
 
شكر الله لك ما أوردت من أخلاق، فهي المقصد والغاية، كما الفضيل بن عياض: (إنما يراد من العلم العمل).
لكن أشكل علي (ماتحته خط)

( ومن ورعه : أنه ما كان يستند في داره المملوكة له إلى الجدار المشترك بينه وبين جيرانه، ولا يدقُّ فيه وتداً، وإنه كان يحتاط في أداء الزكاة، حتى كان يؤدي في سنة واحدة مرتين، حذراً من نسيان النية، أو دَفْعها إلى غير مستحق).
 
ما أجمل العيش مع الرعيل الأول ! ولو كان ذلك للحظات فإنه يسعد النفس ويدفعها نحو

الاقتداء بهم ويذكرها بتقصيرها.

أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع


جزاكم الله كل خير، وليتكم تكرمونا بمزيد من هذه الفوائد.

[align=center]نعم أحسنت جزاك الله خيراً، وأبشر بإذن الله تعالى بالمزيد ...[/align]
 
أحسنت أبا مبارك على هذه النقولات .. وقد قيل: انتقاء الرجل قطعة من عقله ..

وبخصوص ما ذكره د.أحمد البريدي ، فما ذكره صحيح وواضح ،لكن ألا يمكن أن يكون عدم الهمز من باب التخفيف ، وكم في قراءة ورش من ذلك؟
 
جزاكم الله خيراً..طرح موفق وجميل..فشكر الله لكم ونفع بكم الإسلام والمسلمين..
 
عودة
أعلى