{ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) } (سورة فاطر) في الاية رابط الخشيه والعلم
وطلبي ورجائي من الاخوة الكرام
أن يكون الاستدال بالقران والسنه ماأمكن
كقوله تعالى ({ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) } (سورة الحشر ) ، فهم أقرب الناس شهودا لحقيقه هذا المثل ، فتكاد قلوبهم تنصدع بذكر الله سبحانه وتعالى والقران، فأعلى هذه الامه علما بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام ، هو أبوبكر الصديق رضى الله عنه ، يكاد قلبه ينفطر عند قراءته للقران .
قال بعض المفسرين: الخشية راس العلم، قال ابن عطية: وهذه عبارة وعظية لاتثبت عند النقد، بل الصحيح المطرد ان يقال: العلم راس الخشية وسببها، والذي ورد عن النبيصلى الله عليه وسلم انه قال: خشية الله راس كل حكمة، وقال: راس الحكمة مخافة الله، فهذا هو الكلام المنير.
صحيح اخي مخلص ، ولكن هل توجد خشيه وبغير علم ؟ ، ومن الملاحظ أيضا ، وجود العالم ويطلق عليه إسم العالم ولايخشى الله ولانها عباده قلبيه ، تظهر اثارها على الجوارح ولكن الاية السابقه وهذا رايي ... أنها لنوع من الخشيه العالي جدا (الخشيه الحقه )، فلا تدرك إلا بفضيله العلم بالله سبحانه وتعالى ، لا تجدمن يخشى الله سبحانه وتعالى وليس بعالم لانها عباده قلبيه (مطلع عليها الله وحده ) ، ولكن بالعكس قد تجد العالم (فيما يظهر للناس ) الذى لايخشى الله سبحانه وتعالى ، ومن عرف العالم بحفظ النصوص وكثرتها لايصح قوله لان العلم هو شهاده (أن لاإله إلا الله ومحمد رسول الله عليه الصلاة والسلام ) والايمان ، وما أدى وأوصل لهذا الايمان والعلم فهو من العلم ، والدليل على ذلك ، إصابه كثير من الصحابه رضوان الله عليهم الفردوس الاعلى ولم يحفظوا كثير من النصوص بل ولم يكتمل نزول القران ، فهم أخشى الناس لله سبحانه وتعالى ، وهم العلماء بحق ، فلابد إذن من ربط الخشيه بالايمان وربطهما معا بالعلم .
صحيح ان الخشية من اعمال القلوب لكن اثرها يظهر على الجوارح وتقترن بالاعمال، والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم، ومن ءاياته انك ترى الارض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت، واصلها عن العلم والمعرفة لذا عرفها ابن القيم بانها: خوف مقرون بمعرفة.
ولو تتبعنا مواضع الأمر بالعلم في الثلاثين موضع لوجدناها جامعة لقدرة الله وصفاته سبحانه فمن آمن و علم بها كان من العلماء وتحققت في قلبه الخشية التي لا تتأتى لمن جهل ، وتعريف العلماء هنا ليس تخصيص لفئة من المسلمين بالمصطلح الذي نعرفه اليوم وإلا لكان الحصر في قوله تعالى (إنَّما) يخرج عامة المسلمين والمؤمنين من الخشية لله ولكن العلماء هنا صفة لمن تحقق لديه العلم الذي أمر به الله فكل من تحقق لديه ذلك دخل في هذه الآية.
ولنجتزئ مواضع الامر بالعلم فنقول : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وَاتَّقُوا اللَّهَوَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاتَّقُوا اللَّهَوَاعْلَمُواأَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ وَاعْلَمُواأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْفَاعْلَمُواأَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ وَاعْلَمُواأَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ اعْلَمُواأَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاعْلَمُواأَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِكَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ.
ولو تتبعنا واستقرأنا ما أمر الله بالعلم به في الآنف من الآيات لوجدناه منصباً جلُّه على قدرة الله المطلقة وصفاته العليَّة التي لا يشاركه فيها أحد فالعلم والتقوى متلازمان فلا يتحقق التقوى بدون العلم فالأمر بالتقوى يحققه العلم بالله ومن علم به كما أمر الله في كتابه في هذه المواضع على وجه كمال العلم وتمام الإيمان تحققت الخشية من الله وحصل التقوى ،
والله أعلى وأعلم وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
بارك الله فيك ، اخي عدنان على هذا الجمع الطيب ، الذي يظهر لنا جليا علاقة العلم بالايمان بالله سبحانه وتعالى ، ومن علم بكل ذلك من كتاب الله فهو العالم بحق ، إذن هو أخشى عباد الله ، لله سبحانه وتعالى ، فكلما زاد العلم الايماني المذكور في الايات السابقه ، زادت الخشيه .
ووجه إستنباطي أخر إضافه لما سبق ..
هناك مجموعه من الصفات للمؤمنين مذكورة في سورة المؤمنين ، فمن تحققت فيه هذه الصفات هو : (العالم بحق ) وأن الخشيه المذكوره في سورة المؤمنون ، هي نفسها الخشيه في سورة فاطر وقوله تعالى (إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) . كيف ذلك .. تابعوا معي ..
ثانيا : الدليل : بملاحظة أن الخشية التى وردت في سورة المؤمنون ، لم تقع في القران مقترنه بالشفقه ، إلا مرتين ، في سورة الانبياء ، مع الملائكه عليهم السلام وقوله تعالى ({ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) } (سورة الأنبياء ) وقوله تعالى في نفس السورة عن المؤمنين ({ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) }(سورة الأنبياء) . فدلنا ذلك على أنها أعلى وأجل مراتب الخشيه لانها خشية الملائكة ، ولاتحقق إلا لمن تحققت فيه الصفات المذكورة في سورة المؤمنون ، وأنها خشيه العلماء ، والعلماء هم من تحققت فيهم الصفات السابقه في سورة المؤمنون ، لماذا؟ ، لان الله سبحانه وتعالى وعد من فعل ذلك أعلى درجات الجنه ، بقوله سبحانه وتعالى في سورة المؤمنون( { أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11 } (سورة المؤمنون ) ، ولاحظ أن الفردوس درجة رفيعه وأعلى منازل الجنة ، لم تذكر في القران إلا مرتين .
الخلاصه :
({ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } هم العلماء
لو قال قائل : ولكن يوجد من المسلمين من يخشى الله ولم ياتي بكل الصفات في سورة المؤمنون أقول : نعم ..كلام صحيح ولكن علينا ملاحظة أن الاية فيها قصر ، والقصر فيها حقيقي يدل على حصر وتخصيص صفه (الخشيه ) بالموصوف (العلماء) ، فلابد إذن من إمرار الاية وإثباتها كما هي ، فمثلاوعلى قولك ..، قد لايخشع المؤمن في صلاته ، او قد لايحفظ لسانه . أقول : عند ذلك تنقص عنده الخشيه وبقدرلايعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، ويكون قد خرج بذلك من طائفه العلماء وليس من الاسلام ، فالخشيه هنا كالايمان تزيد وتنقص في القلب ، والعالم لايكون عالما إلا إذا أتي بكل ماذكر في سورة المؤمنون ، وإستدلا بالموصوف عرفنا علو شأن الصفه ، وأنها خشيه مقترنه بالشفقه وهي خشيه الملائكه عليهم السلام ، وليس بالامكان .. تخصيص الموصوف لانه مطلق (يتستغرق كل العلماء ) إلا بتخصيص الصفه وإعطائها معنى تضمني لأنها عباده ، فالصفه وهي : (الخشية ) فيها معنى تضمني وهو الشفقه، إستدلا بالايات ، وهذا التضمن وضح لنا حقيقه هؤلاء العلماء ، والحمد لله رب العالمين .
وابشركم بالخير .. وبقوله تعالى ( وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) } (سورة المؤمنون )، فكل ما علينا العمل وتحضير النيه الصادقه والالتزام بصفات سورة المؤمنون .