الخلاصة أن مسألة المجاراة المزعومة ليس لها وجود مطلقا .. فهى وهم من المفسرين
أخي الكريم مصطفى
يفضل لطالب العلم في مسألة من المسائل ألا يستعجل استخلاص الخلاصات حتى يستوفي البحث و ينظر جميع الإحتمالات الممكنة, فيتجنب بذلك الإنتصار لقوله أو تأويل الصحيح من القول الذي يخالف قوله ليوافق ما وصل إليه. و لقد مسكتَ بخيط من خيوط العلم فلنحاول إيجاد خيوط أخرى نضيفها إليه ليصير حبلا مثينا.
مسألة المجاراة التي طرحتها الأخت لطيفة تدعو إلى استيفاء البحث فيها بالنظر في جميع السياقات التي ذكرت فيها الأصنام في القرآن الكريم, ثم نبحث عن أقوال المفسرين فيها و ننظر لِمَ تُذكَر في سياق بصيغة العاقل وفي غيره بصيغة غير العاقل.. و ما قلتَ احتمال من الإحتمالات, ويمكن حمْل ذكرها بصيغة غير العاقل في سياق الآية 36 من سورة إبراهيم أن إبراهيم عليه السلام كان يدعو ربه - فالخطاب هنا بين إبراهيم و ربه- فلا حاجة لذكرها بصيغة العاقل. أما إذا خاطب إبراهيم قومه ذكرها بصيغة العاقل, و هذا ما نحاول أن نفهم سببه. و مثال ذلك قول إبراهيم عليه السلام في سورة الشعراء : {قَالَ هَلْ
يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ
يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ
يَضُرُّونَ (73)} [الشعراء] .
و تجدر الإشارة إلى أن القول بالمجاراة ورد في سؤال الأخت لطيفة و لم يقل به أحد من المفسرين حسب ما أعلم. فهم بينوا أن المواطن التي ذُكِرت فيها الاصنام بصيغة العاقل فلأجل أن من عبدها أنزلها منزلة العاقل كما أوردتُ في مداخلتي السابقة. أما السبب وراء إنزالها تلك المنزلة هل هو مجاراة أو غيره, فلم يتطرق إليه المفسرون حسب ما أعلم و هو ما نحاول التوصل إليه هنا.
و من تدبر الآيات من سورة الشعراء استخلص غير ما بينتَ. فالأصنام هنا و إن كان الكلام فيها خاصة ذُكِرت بصيغة العاقل :"
يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ
يَضُرُّونَ". بل ما يستوقف المتدبر للآيات أن إبراهيم عليه السلام ذكرها بصيغة العاقل بينما أشار إليها قومه بصيغة غير العاقل :{ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ
لَهَا عَاكِفِينَ }[الشعراء:71]. فليست فيها مجاراة.
ما أردت التنبيه عليه أن على المرء إذا كان بصدد بحث مسألة من المسائل أن يستوفي بحثه قبل استخلاص الخلاصات. فما لم نصل إلى ذلك فالأولى أن نتهم فهمنا و لا نستعجل رد خلاصات من قام بالبحث قبلنا. و أختم بخلاصة لك سابقة أراها أدل على ما نحن فيه :
وربما الأمر يحتاج إلى مزيد بحث ... فالله المستعان