لماذا نظم ابن الجزري الطيبة؟

أحمد كوري

New member
إنضم
13/06/2008
المشاركات
153
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
موريتانيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

يضع كل مصنف نصب عينيه هدفا واضحا لتصنيفه؛ فالشاطبي مثلا نظم "حرز الأماني" ليقرأ بمضمنها، وابن الجزري نظم الدرة كذلك ليقرأ بمضمنها؛ فمن السهل على من حفظ القرآن العظيم بإحدى الروايات ثم درس هذين المتنين أن يقرأ بطرقهما، لأن كل واحد منهما ليس فيه إلا طريق واحدة؛ فليس في الشاطبية مثلا من طرق قالون إلا طريق أبي نشيط، وليس فيها من طرق أبي نشيط إلا طريق التيسير، وليس فيها من طرق ورش إلا طريق الأزرق، وليس فيها من طرق الأزرق إلا طريق التيسير، فإذا نسبت الشاطبية وجها إلى قالون فمعنى ذلك أنه من طريق أبي نشيط، ومن طريق التيسير عن أبي نشيط، وإذا نسبت وجها إلى ورش فمعنى ذلك أنه من طريق الأزرق ومن طريق التيسير عن الأزرق، وهكذا لا يجد القارئ صعوبة في تحرير الطرق والقراءة بها من هذين المتنين، باستثناء زيادات وإطلاقات وأوهام قليلة نسبيا، نبه عليها شراح المتنين.
أما الطيبة فليست كذلك؛ فلم ينظمها ابن الجزري ليقرأ بمضمنها؛ والدليل على ذلك أن طرقها غير محررة، فقد تضمنت طرق الشاطبية والتيسير ثم زادت عليها ضعف ضعفها، كما يقول عن الحرز (في البيت: 57):
حوت لما فيه مع التيسير=وضعف ضعفه سوى التحرير
وقد بلغت طرقها نحو ألف طريق، كما يقول (في البيتين: 34 - 35):
وهذه الرواة عنهم طرق=أصحها في نشرنا يحقق
باثنين في اثنين وإن لا أربع=فهي زها ألف طريق تجمع
ففي الطيبة أورد ابن الجزري عن قالون مثلا طريقي أبي نشيط والحلواني، ثم أورد عدة طرق لأبي نشيط (فطريق ابن بويان عن أبي نشيط: من التيسير والشاطبية وهداية المهدوي، وكافي ابن شريح، وغاية ابن مهران، وكامل الهذلي، ومستنير ابن سوار، وتلخيص أبي معشر، ومبهج سبط الخياط، وتجريد ابن الفحام، وروضة المالكي، وكفاية أبي العز، ومصباح أبي الكرم، وغاية أبي العلاء، وكفاية السبط في الست. وطريق القزاز عن أبي نشيط: من الشاطبية وتذكرة أبي الحسن بن غلبون، وهادي ابن سفيان، وتلخيص ابن بليمة، وتبصرة مكي، وإعلان الصفراوي، وقراءة ابن الجزري على ابن اللبان)، (انظر: النشر: 1/99 - 102، والروض النضير: 59 - 60). وأورد عدة طرق للحلواني كذلك، وفي الطيبة أورد ابن الجزري عن ورش طريقي الأزرق والإصبهاني، ثم أورد عدة طرق للأزرق، وعدة طرق للإصبهاني، ولم يحرر ابن الجزري هذه الطرق؛ كما يتضح من هذا المثال: فالشاطبي مثلا أفادنا أن قالون وجميع القراء ليس لهم من طرق الشاطبية في "يمل هو" إلا ضم الهاء؛ كما يقول (في البيت: 450):
وثم هو رفقا بان والضم غيرهم=وكسر وعن كل يمل هو انجلى
فعرفنا من ذلك أن مقصوده من طريق أبي نشيط عن قالون، ومن بقية طرق الشاطبية، أما ابن الجزري في الطيبة فقد أفادنا أن قالونا له طريقان في المسألة؛ فله طريق تضم الهاء وطريق تسكنها، كما قال (في البيتين: 439 - 440):
واو ولام رد ثنا بل حز ورم=ثم هو والخلف يمل هو وثم
ثبت بدا ...
لكن ما هي الطريق التي تضم الهاء لقالون وما هي الطريق التي تسكن الهاء لقالون؟ لم يرد ابن الجزري أن يحرر لنا هذه الطرق في طيبته؛ ومن ثم فلا يمكننا نحن أن نحررها اعتمادا على الطيبة وحدها، بل لا بد أن نلجأ إلى النشر وإلى أصوله لكي نحرر هذه الطرق؛ وهكذا لا تمكن مطلقا القراءة بطرق الطيبة منها إلا بالاستعانة بمصادر خارجية.
صحيح أن ابن الجزري في الطيبة قد استعمل مستوى من التحرير في رواية ورش؛ فهو قد حرر بين طريقي الأزرق وورش، وميز كل واحدة منهما في الأصول، كما يقول (في البيتين: 39 - 40):
وحيث جا رمز لورش فهوا=لأزرق لدى الأصول يروى
والاصبهاني كقالون وإن=سميت ورشا فالطريقان إذن
لكنه لم يحرر بين طرق الأزرق، ولم يحرر بين طرق الاصبهاني؛ فهو مثلا قد ذكر الخلاف عن الأزرق في ترقيق الكثير من الراءات، ولكنه لم يحرر لنا طرق الأزرق في هذه المسألة؛ فأي طرق الأزرق تقرأ بترقيق هذه الراءات، وأيها تقرأ بتفخيمها؟ وابن الجزري كذلك قد ذكر الخلاف عن الإصبهاني في مد المنفصل، لكنه لم يحرر لنا طرق الإصبهاني في هذه المسألة؛ فأي طرق الإصبهاني تقرأ بقصر المنفصل؟ وأيها تقرأ بالتوسط؟ وأيها تقرأ بالإشباع؟ وقد خالف ابن الجزري قاعدته هذه – وهي التحرير بين طريقي الأزرق والإصبهاني عن ورش – في كلمة واحدة، هي: "أصطفى البنات"؛ فذكر فيها الخلاف لورش مجملا؛ كما يقول ابن الناظم (شرح الطيبة لابن الناظم: 18): " فإن اتفق الأزرق والإصبهاني في حرف سُمي ورش باسمه، وأما إذا وقع رمز ورش في الفرش فالمراد به ورش من الطريقين ولم يخرج عن ذلك إلا في حرف واحد وهو اصطفى في الصافات ذكر فيه الخلاف عن ورش وهو مفرع على الطريقين فالوصل للاصبهاني والقطع للأزرق كالجماعة".
فقد ركب الناظم إذن جميع الطرق، ولم يحررها، إذا استخدمنا مصطلحات المحررين؛ فأصبح من غير الممكن أن يُقرأ بطرق الطيبة منها، وأصبحت كلها مجملة، حسب عبارة الأصوليين، والمجمل عند الأصوليين: "هو الذي المراد منه يجهل" حسب عبارة مراقي السعود، وكذلك الطيبة لا يمكن أن نعرف منها خصوصيات كل طريق على حدة.
وهذا هو سبب حاجة الطيبة إلى التحريرات، بل هو سبب نشوء فن التحريرات؛ فقد أراد المحررون أن يقرؤوا بمضمن الطيبة، فواجهتهم هذه المشكلة، فحاولوا أن يحرروا طرقها، والغرض الوحيد من التحرير هو تخليص الأوجه من التركيب، كما يقول الإمام المتولي (الروض النضير: 39): "وغاية الغرض منه هنا تخليص الأوجه من التركيب"، ويقول د. عبد الغفور محمود مصطفى جعفر (القراءات : دراسات فيها وتحقيقات : 86): "ويمكننا أن نقول إن حالة الطيبة هذه بعد الاعتماد على حفظها والرواية عن طريقها دون طريق النشر استدعت التأليف في التحريرات". ويقول د. إبراهيم الدوسري عن التحريرات (الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 337): "ولكنها لم تظهر ظهورا فاشيا وتفرد بالتأليف – والله أعلم – إلا بعد أن عكف القراء على القراءة بمضمن الطيبة التي جمعت زهاء ألف طريق". وما زالت بعض مناطق العالم الإسلامي لم تعرف وجود التحريرات مطلقا، مثل بلاد المغرب العربي، والسبب في ذلك أن المغاربة لم يحتاجوا إلى التحريرات؛ لأن الطيبة لم تكن من مقررات علم القراءات في مدارسهم العلمية.
إن الهدف الأسمى من التحريرات والحلم الذي يراود كل المحررين عبر التاريخ، هو رد الطيبة إلى أصولها، بحيث نستطيع أن نفرد كل طريق على حدتها، ونفرق ما جمعه ابن الجزري في الطيبة، ونعيد أصول النشر سيرتها الأولى قبل نظم الطيبة؛ فنفرد طريق التيسير، ونفرد طريق التذكرة، ونفرد طريق التبصرة ... وهكذا، كما حاول ذلك في عصرنا الشيخ العلامة المقرئ: محمد إبراهيم محمد سالم في موسوعته العظيمة: "فريدة الدهر في تأصيل وجمع القراءات العشر"؛ فقد حاول في هذا الكتاب الذي يمثل قمة ما يطمح إليه المحررون، أن يفرد ما جمعه ابن الجزري ويفرق ما جمعه؛ فذكر كل طريق من طرق الطيبة على حدة.
لكن المفارقة أن منهج المحررين هنا مخالف لمنهج ابن الجزري ومناقض لهدفه من نظم الطيبة أصلا؛ فإذا كان ابن الجزري يهدف إلى إفراد كل رواية وحدها فلماذا جمع هذه الروايات أصلا؟ ولماذا نظم الطيبة أصلا؟ ولماذا لم يحرر الطرق فينظم مضمن التبصرة على حدة، ومضمن التذكرة على حدة، وهكذا كل أصول النشر؟ لو كان ابن الجزري قد فعل ذلك لانتفت الحاجة إلى علم التحريرات من أساسه، ولم يبق للمحررين ما يحررونه. ولو فرضنا أن المحررين قد نجحوا في مسعاهم هذا وفرقوا ما جمع ابن الجزري من الطرق، وميزوا طريق كل كتاب على حدة، لكان عملهم هذا مجرد تحصيل حاصل، لأنهم باختصار سيعيدون الأمور إلى ما كانت عليه قبل تأليف الطيبة؛ فهذه الكتب والطرق كانت متميزة قبل أن ينظمها ابن الجزري في الطيبة، فماذا أضاف ابن الجزري بنظم الطيبة إذن؟
إن الطيبة "لم تخلق لهذا"؛ كما قالت البقرة؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يقول: "وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفتت إليه فكلمته فقالت: إني لم أخلق لهذا ولكني خلقت للحرث. قال الناس: سبحان الله! قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب. رضي الله عنهما" متفق عليه. [رواه البخاري برقم: [3463] ومسلم برقم: [2388].
فإذا كانت البقرة لم تخلق للركوب وحمل المتاع عليها، فإن الطيبة أيضا لم تخلق لتحرير الطرق؛ ولذلك فإن المحررين لم ينجحوا في تحريرها حتى الآن؛ لأنهم أرادوا منها ما لم يرده ناظمها، ولا يزال الخلاف بين المقرئين قائما حول مسوغات وجود علم التحريرات، ولا يزال المحررون يحاولون تحرير طرق الطيبة، ولا يزالون مختلفين حول تحرير طرقها في المناهج والوسائل والمسائل.
ليس من المقبول كذلك أن يقال إن ابن الجزري قد نظم الطيبة لاختصار القراءات أو تيسيرها؛ لأن هذا الاختصار المفترض هو مخل جدا، ويجعل الطيبة عديمة الجدوى، فلو أن طالبا حفظ الطيبة بدون تحريراتها فإنه لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات؛ بل لا بد لحافظ الطيبة لكي يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات أن يحفظ متون التحريرات، وهي متون طويلة بعضها قريب من طول الطيبة أو أطول منها، وهنا لا يبقى محل لفرضية الاختصار. يقول د. إبراهيم الدوسري (الإمام المتولي وجهوده في علم القراءات: 366): "لذا لو حفظ الطالب الطيبة كلها عن ظهر قلب لم يمكنه أن يقرأ القراءات بمضمنها؛ نظرا لتشعب الطرق، بخلاف الشاطبية والدرة كما تقدم. فلا سبيل إذن إلى القراءة بمضمن الطيبة إلا عن طريق تخليص القراءات المختلف فيها من التركيب، وذلك بنسبة الطرق إلى أصحابها وهو ما يسمى بـ(التحريرات)، وبمعرفتها يسلم القارئ من الخلط والتلفيق الممتنعين رواية". وحفظ متن الطيبة ومتون تحريراتها وفهم كل ذلك وتطبيقه لا يتأتى إلا لقلة قليلة جدا من الناس؛ لأن معناه باختصار: أن نرجع الطيبة إلى أصولها ونقرأ بطرق ستة وثلاثين كتابا متفرقة، وذلك مناف تماما للاختصار والتيسير، يقول الشيخ محمد تميم الزعبي (في مقدمة طبعته من الطيبة: 11): "فإنه لم يبق في هذه الأيام من يقرأ القراءات بهذا الطريق مع التحقيق والإتقان والبحث والتدقيق إلا القليل، وأكاد أقول: لا يبلغ عددهم عدد أصابع اليد الواحدة، وإن كثر الأدعياء في هذا الزمان".
فإذا افترضنا أن ابن الجزري لم ينظم الطيبة لكي يقرأ بمضمنها، فلماذا نظمها إذن؟
يبدو من صنيع ابن الجزري أنه نظم الطيبة لهدفين اثنين:
الهدف الأول:
تسهيل الجمع بين القراءات؛ فإذا لم تكن الطيبة قد حررت طرق القراءات، فإنها على الأقل قد جمعت الوجوه المقروء بها، فإذا كانت مثلا لم تحرر أي طرق قالون تسكن هاء "يمل هو" وأي طرقه تضمها، فإنها على الأقل قد جمعت الوجهين اللذين قرأ بهما قالون في هذه الكلمة؛ فكأنما تقول لنا: "لم يقرأ قالون في جميع طرقه بأكثر من هذين الوجهين"، وإن كانت لم تنسب كل واحد من الوجهين إلى طريقه. وهذا ما يحتاج إليه الطلاب المتأهلون في جمعهم للقراءات؛ فهم يريدون أن يقرؤوا على الشيخ أو يعرضوا عليه كل الوجوه، حتى يحصلوا على الإجازة، ولا تهمهم في حالة الجمع نسبة الوجوه إلى طرقها، والشيوخ لا يكلفونهم أن يفردوا كل طريق على حدة، إذا كانوا قد جمعوا على شيخ معتبر، كما يقول ابن الجزري (النشر: 2/196): "نعم كانوا إذا رأوا شخصا قد أفرد وجمع على شيخ معتبر وأجيز وتأهل، فأراد أن يجمع القراءات في ختمة على أحدهم لا يكلفونه بعد ذلك إلى إفراد؛ لعلمهم بأنه قد وصل إلى حد المعرفة والإتقان". فالطالب الذي قرأ على الشيخ بالوجوه التي في الطيبة، يكون قد نجح في مهمته، وهكذا يكون الهدف الأول من أهداف تأليف الطيبة، هو تسهيل الجمع بين القراءات للطلاب المتأهلين. فإذا جمع بها الطلاب وقرؤوا بكل وجوهها مجملة، صار بإمكانهم بعد ذلك - لأنهم متأهلون - أن يرجعوا إلى الطرق فيحرروها؛ فإذا وقفوا على التبصرة مثلا كان بإمكانهم أن يقرؤوا بطريقها محررة، وإذا وقفوا على التذكرة، صار بإمكانهم أن يقرؤوا بطريقها محررة، كذلك.
وقد كان الجمع بين القراءات منهجا متبعا في عصر ابن الجزري وقبله، وليس من باب العبث أن ابن الجزري قد ذكر في الطيبة فصلا عن جمع القراءات، وابتكر هو نفسه طريقة تسهل هذا الجمع، وفي كل ذلك إشارة إلى أن تسهيل الجمع بين القراءات كان من أهداف نظم الطيبة.
الهدف الثاني:
هو تنظيم الزيادات التي أتى بها الشاطبي؛ فالشاطبي قد نظم التيسير، لكنه زاد عليه زيادات أو "فوائد"، كما يقول (البيتين: 68 - 69):
وفي يسرها التيسير رمت اختصاره=فأجنت بعون الله منه مؤملا
وألفافها زادت بنشر فوائد=فلفت حياء وجهها أن تفضلا
لكن الشاطبي لم يتخذ منهجا موحدا لهذه الزيادات؛ فقد يزيد خلافا في موضع، ولا يزيد نظيره في موضع آخر، وهنا لاحظ ابن الجزري هذا النقص فحاول أن ينظم هذه الزيادات؛ فجعل الشاطبية أساس الطيبة، ولكنه قام بتنظيم هذه الزيادات فجعلها من طرق معينة، واستوعب جميع زيادات هذه الطرق؛ فطريق الشاطبية لدوري الكسائي مثلا هي طريق النصيبي؛ لكن الشاطبي والداني ذكرا زيادات من الطريق الأخرى للدوري وهي طريق الضرير؛ فذكرا إمالة يواري وأواري كما يقول الشاطبي (في البيت: 329):
يواري أواري في العقود بخلفه ...
وقد اعترض ابن الجزري على صنيع الشاطبي والداني، وتعجب لماذا لم يعتمدا منهجا موحدا في الزيادات ولماذا خصا هذه الكلمة بالذكر وحدها دون جميع ما تختلف فيه الطريقان، كما يقول (2/39): "وأما ما ذكره الشاطبي رحمه الله ليوارى وأوراى في المائدة فلا أعلم له وجها سوى أنه تبع صاحب التيسير حيث قال: "وروى أبو الفارس عن أبي طاهر عن أبي عثمان سعيد بن عبد الرحيم الضرير عن أبي عمر عن الكسائي أنه أمال يواري وفأواري في الحرفين في المائدة ولم يروه غيره" قال: "وبذلك أخذه - يعني أبا طاهر - من هذا الطريق وغيره ومن طريق ابن مجاهد بالفتح" انتهى. وهو حكاية أراد بها الفائدة على عادته؛ وإن لا فأي تعلق لطريق أبي عثمان الضرير بطريق التيسير؟! ولو أراد ذكر طريق أبي عثمان عن الدوري لذكرها في أسانيده ولم يذكر طريق النصيبي، ولو ذكرها لاحتاج أن يذكر جميع خلافه نحو إمالته الصاد من النصارى والتاء من اليتامى وغير ذلك من ما يأتي، ولذكر إدغامه النون الساكنة والتنوين في الياء حيث وقع في القرآن". وتعجب أيضا من زيادة الشاطبي على طريق التيسير في مسألة ويبصط وفي الخلق بصطة لابن ذكوان (النشر: 2/229): "ولم يكن وجه السين فيهما عن الأخفش إلا في ما ذكرته، ولم يقع ذلك للداني تلاوة، والعجب كيف عول عليه الشاطبي ولم يكن من طرقه ولا من طرق التيسير، وعدل عن طريق النقاش التي لم يذكر في التيسير سواها، وهذا الموضع من ما خرج فيه عن التيسير وطرقه؛ فليعلم ولينبه عليه".
وهكذا أراد ابن الجزري أن يُنَظِّم هذه الزيادات ويجعلها من طرق محددة؛ فذكر مثلا جميع الخلافات بين طريق النصيبي وطريق الضرير عن دوري الكسائي، ولم يقتصر على كلمتي: "يواري" و"فأواري" كما فعل الشاطبي، فإذا كان الطالب يحفظ متن الشاطبية ثم درس الطيبة، فإنه سيلاحظ ما زادته الطيبة على الشاطبية، وسيعرف إجمالا أن هذه الزيادات هي من الطرق المذكورة في النشر.
وقد أشار ابن الجزري إلى ذلك حين وصف الطيبة بأنها لا تغني عن الشاطبية وإنما هي تكملة لها، كما يقول (في البيت: 56):
ولا أقول إنها قد فضلت=حرز الأماني بل به قد كملت
وأشار إلى ذلك أيضا حين أسس طريقته في الرمز على رموز الشاطبية؛ لأن الطيبة لا تغني عنها وإنما هي تكملة لها، كما يقول (في البيت: 54):
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي=ليسهل استحضار كل طالب
 
جزاك الله خيرا فضيلة الدكتور أحمد كوري على هذه الإثارة العلمية.
ألا يمكن أن يقال إن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ جعل الطيبة معتمدة على النشر، وذلك لكثرة الطرق والأوجه، فلا يستطيع أن يبين كل ذلك في النظم.
وثمت إشكال هنا يعرضه بعض الفضلاء، ومفاده أن المدة التي قرئ فيها بمضمن الطيبة بين ابن الجزري والإزميري بماذا كان يُقرأ؟
الجواب: أحد أمرين:
الأول: أن يقال: إنهم كانوا يأخذون التحريرات مشافهة، وهذا بعيد؛ لكثرتها وصعوبتها ودقتها، ولو كانوا يقرؤون بها لدونوها قطعا، على عادة العلماء في تدوين العلم؛ للحفاظ عليه من الضياع.
الثاني: أنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم، مع الاستناد إلى ما نبه عليه في النشر.
وفي الحقيقة أقول بعد طول تأمل ونظر خال من التقليد والتعصب: ثمت أمور كثيرة مشكلة في هذا العلم، لابد أن يسارع المتخصصون لحلها بطريقة علمية، وهذا ظاهر لكل منصف متجرد.
أسأل الله أن يفتح على قلوبنا، وأن يبصرنا بعيوبنا.
والله ولي التوفيق.
 
بارك الله فيك على هذا البحث القيم .
الثاني: أنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم، مع الاستناد إلى ما نبه عليه في النشر.
أظن و الله أعلم أن الأمر كذلك و هذا ما اهتدى إليه الشيخ إيهاب فكري حفظه الله بعد طول تأمل ـ كما ذكره في تقريب الطيبة ـ
و أقول : لو كان من مقاصد نظم الطيبة أن يكون الطالب الذي يحفظها و يقرأ بمضمنها مُلِمّاً بالتحريرات كما هي عليه اليوم و التي تصل إلى مئات الأبيات لنبه عليه الإمام ابن الجزري رحمه الله و أفرد له بابا كما صنع في باب "إفراد القراءات و جمعها" .
و لكنه ذكر بعض التحريرات التي لا يستغني حافظ الطيبة مثل تحرير الإدغام الكبير لأبي عمرو و امتناعه على وجه المد و الهمز [ لكن بوجه الهمز و المد امنعا] .
و هنا سؤال :
هل هذه التحريرات البسيطة التي ذكرها في أثناء الطيبة هي ما عناه بقوله [ و ضعف ضعفه سوى التحرير] ؟
 
فهو قد حرر بين طريقي الأزرق وورش

جزاكم الله خيرا يا أصحاب الفضيلة على الشكر والاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.
وأعتذر عن خطإ ورد في الفقرة السابقة، والصواب: "فهو قد حرر بين طريقي الأزرق والإصبهاني من رواية ورش".
 
مقالة قيمة حقاً أفدت منها كثيراً حول هذه المنظومة الطويلة ، فبارك الله في علمك وعقلك يا دكتور أحمد ونفع بجهودك وبحوثك القيمة التي نترقبها ترقباً ، وليهنك العلمُ والأجر.
 
بارك الله فيكم على هذا الموضوع القيم
وموضوع التحريرات موضوع يطول الحديث فيه و انا أوافق الرأي الشيخ طه بخصوص ما اهتدى إليه الشيخ إيهاب فكري حفظه الله في كتابه المسمى( تقريب الطيبة)
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا يا أصحاب الفضيلة على الشكر والاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.

"ألا يمكن أن يقال إن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ جعل الطيبة معتمدة على النشر، وذلك لكثرة الطرق والأوجه، فلا يستطيع أن يبين كل ذلك في النظم".

صحيح؛ ومن هنا فإن الناظم لم يحرر الطرق في الطيبة، فصار تحريرها غير ممكن إلا عن طريق مصادر خارجية، كأصول النشر. ولو أراد أن يقرأ بطرق الطيبة لنظم معها تحريراتها كما فعل المحررون المتأخرون، أو لنظم كل كتاب مستقلا.
والمنهج الصحيح للتحرير في رأيي هو أخذ الطرق من أصول النشر مباشرة؛ فإذا أراد المحرر مثلا أن يقرأ بالطرق التي اختارها ابن الجزري من غاية أبي العلاء فلا بد من وقوفه على الغاية نفسها، أما ما لم يقف عليه المحرر من أصول النشر – وتدخل فيه الكتب المفقودة – فلا يمكن مطلقا تحريره اعتمادا على النشر؛ فالنشر لا يمكن استخلاص جميع الطرق منه، كما أثبت ذلك المحررون أنفسهم، لكثرة سكوته عن مذاهب الكتب، ولكثرة ما نسبه إليه المحررون من الأوهام في العزو للكتب، ولا داعي لسرد الأمثلة لكثرتها.

"الأول: أن يقال: إنهم كانوا يأخذون التحريرات مشافهة، وهذا بعيد؛ لكثرتها وصعوبتها ودقتها، ولو كانوا يقرؤون بها لدونوها قطعا، على عادة العلماء في تدوين العلم؛ للحفاظ عليه من الضياع".

هذا الاحتمال اعتمده بعض أنصار التحريرات مثل د. عبد الغفور محمود مصطفى جعفر، كما يقول (القراءات: دراسات فيها وتحقيقات: 97): "فقد وجدت التحريرات إذن في المشافهات واشتملت عليها التلاوات وعبرت عنها الفقرات واستفادها الطلبة من قبل البيتين المذكورين عن ابن الجزري وسألوا عنها إحساسا منهم بل علما بأنها لا مفر منها وهم أهل الرواية الكاملة المفصلة".

"الثاني: أنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم، مع الاستناد إلى ما نبه عليه في النشر".

الظاهر رجحان هذا الاحتمال؛ أما الاحتمال السابق فيعكر عليه أن المحررين كثيرا ما يصرحون بأنهم لم يأخذوا تحريراتهم عن شيوخهم، وأنهم لم يُسبَقوا إليها، ولا داعي لسرد الأمثلة لكثرتها.

"و هنا سؤال : هل هذه التحريرات البسيطة التي ذكرها في أثناء الطيبة هي ما عناه بقوله [ و ضعف ضعفه سوى التحرير]".

يبدو أن ابن الناظم فهم "التحرير" هنا بمعناه اللغوي، كما يقول: (ص: 26) في شرح هذا البيت: "قول: "سوى التحرير": أي: غير ما فيها من الإتقان والتحقيق والتقويم، ومن نظر في ذلك بعين الإنصاف علم ذلك بحقه". أما النويري فيبدو أنه فهم "التحرير" في البيت بمعناه الاصطلاحي؛ فجعل المعنى أن الطيبة زادت على التيسير والحرز بطرق وزادت عليهما بالالتزام بالطرق، ونقصت عنهما بالمواضع الضعيفة والخارجة عن الطرق، كما يقول (1/159) في شرح هذا البيت: "وسوى التحرير: مستثنى من مقدر دل عليه قوله: "حوت"، أي: حوت لما في الكتابين ولم تنقص عنهما سوى شيء بدل التحرير وهو الإشكال فإنها نقصت به، أي: لم تحوه، أي: حوت هذه الأرجوزة كل ما في حرز الأماني وكل ما في التيسير من القراءات والطرق والروايات، بل حوت ضعف ضعف ما فيهما، بل أكثر من ذلك؛ لأن ضعف الضعف ستة وخمسون طريقا، ولم تنقص عنهما بشيء أصلا إلا المواضع المشكلة المخالفة للمنقول أو لطرقهما".
 
جزاكم الله خيرا وبارك في علمكم , ولدي سؤلان أرجو التكرم بالإجابة عنهما:

1- من أراد القراءة برواية راوٍ من طريق الطيبة , كيف يفرد هذه الرواية , هل له أن يقرأ مثلا برواية قالون كاملة من غير تمييز لطرقه , أم يميز الطرق بأسماء الرجال مثلا رواية قالون من طريق ابن بويان عن أبي نشيط, أم يميز الطرق بأسماء الكتب مثلا طريق الهداية , طريق الكافي وهكذا ؟ وما هو الجائز في ذلك والممتنع ؟
2- ألا يكون في تحرير الطرق والروايات , وأخذ الطرق من أصول النشر مباشرة فتح لباب القراءة بما لم يتصل سنده أو لنقل بما لم يتواتر إسنادا ؟
أو بعبارة أخرى كيف يُقرئ شيخ بشيء قد لا يوافق ما أخذه عن شيخه بناء على ما اجتهد في تحريره من أصول النشر ؟

 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا يا أصحاب الفضيلة على الشكر والاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

جواب السؤال الأول:
الخلط بين القراءات والروايات والطرق لا يجوز شرعا في كلمة واحدة مثل قراءة: "الرحيم مالك" بالإدغام الكبير مع زيادة ألف بعد الميم؛ لأن اجتماعهما لم يقرأ به أحد، ولا يجوز أيضا في كلمتين تترتب إحداهما على الأخرى، مثل: "آدم من ربه كلمات" بنصب الكلمتين جميعا أو رفعهما جميعا؛ لأن ذلك مفسد للمعنى، إذ لا بد أن تكون إحدى الكلمتين فاعلا والأخرى مفعولا. أما في غير هاتين الحالتين فهو جائز في غير مقام الرواية؛ لأن القراءات إنما نزلت توسعة وتيسيرا على الأمة، وإن معيبا على العلماء لا على العوام (انظر: النشر: 1/19). وكل هذا خارج عن موضوع السؤال، وإنما ذكر من باب تتميم الصور العقلية.
أما الخلط في مقام الرواية – وهو موضوع السؤال - فهو لا يجوز من حيث أن القارئ به كذب في نسبة رواية هذه الوجوه إلى من لم يروها. فمن قرأ في غير مقام الرواية مثلا: "ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته" بقصر المنفصل وضم راء قربة وصلة ميم الجمع، فهذا جائز، وما قرأ به هو قرآن متواتر نزل من عند الله. فإن قرأ بذلك في مقام الرواية أي: نسب ذلك إلى الأزرق فما قرأ به هو قرآن متواتر نزل من عند الله أيضا، ولكنه كذب في الرواية؛ لأن الأزرق لم يقرأ بقصر المنفصل ولا بصلة ميم الجمع.
وعليه فإذا التزم القارئ أنه سيقرأ بإحدى طرق النشر كطريق التيسير، فلا يجوز له أن يقرأ بما يخالفها من الطرق الأخرى المروية عن قالون، وإن لا كان كاذبا في الرواية، فمن أراد أن يفرد طريقا من طرق النشر فليرجع إلى الكتاب الذي رواها منه النشر وليلتزم بما في هذا الكتاب وإن لا كان كاذبا في الرواية.
والخلاصة أن القارئ إذا قرأ برواية قالون عموما دون تمييز طريق من طرقها، أو بطريق أبي نشيط بدون تمييز طريق من طرقها، فكل هذا من باب خلط القراءات فيفرق فيه بين مقام الرواية وغيره؛ ففي مقام الرواية إذا التزم شخص بطريق كتاب معين فلا يصح أن يخلط به غيره، وإن لا كان كاذبا في الرواية، فطرق قالون مختلفة وطرق أبي نشيط مختلفة كذلك، ولا يتم تحاشي الخلط بين الطرق الفرعية إلا بالتزام كتاب معين، لا بمجرد التزام الرواية عموما كرواية قالون، ولا بمجرد التزام الطريق عموما كطريق ابن بويان.

جواب السؤال الثاني:
إذا قابلنا النشر بأصوله كالمستنير فاتفق ما فيهما فلا إشكال، فإن اختلفا فلا يخلو الأمر من احتمالين:
1 – أن نقدم ما في المصدر الأصلي كالمستنير على ما في النشر.
2 – أن نقدم ما في النشر على ما في المصدر الأصلي.
وهذا الاحتمال الأخير في غاية الغرابة!! فابن الجزري قد صرح بأنه أخذ هذا الوجه من هذا المصدر ونحن قد وقفنا على المصدر نفسه، فكيف نصادم المحسوس ونقدم نقل ابن الجزري على ما في المصدر نفسه تقليدا؟! خصوصا إذا كان المصدر محققا تحقيقا علميا على عدة نسخ. ولا شك أن ابن الجزري هو محقق الفن وهو شيخ القراء والمحدثين، ولكنه غير معصوم. ولا يوجد مقرئ ولا محدث إلا وله أوهام نبه عليها القراء والمحدثون، وقد نبه ابن الجزري نفسه على الكثير من أوهام أئمة المقرئين المتقدمين كالداني والشاطبي.
أما كون من قدم ما في المصدر الأصلي على ما في النشر يلزمه مخالفة السند وقراءة ما لم يرو، فقد أجابنا عليه ابن الجزري نفسه، فهو يقول (النشر: 2/401 - 402): "فإن الراوي إذا ظن غلط المروي عنه لا يلزمه رواية ذلك عنه إلا على سبيل البيان سواء كان المروي صحيحا أم ضعيفا؛ إذ لا يلزم من غلط المروي عنه ضعف المروي في نفسه، فإن قراءة "مردفين" - بفتح الدال - صحيحة مقطوع بها، وقرأ بها ابن مجاهد على قنبل مع نصه أنه غلط في ذلك، ولا شك أن الصواب مع ابن مجاهد في ذلك".
وأكثر المحررين يعملون بهذا، فيخالفون النشر – مع أن روايتهم منحصرة فيه – إذا تبين لهم أنه وهم.
وإن تعجب فعجب أن بعض المحررين يبلغ به حسن الظن بالمحقق ابن الجزري أن يقدم تقليد النشر على ما في المصدر الأصلي؛ فالإمام الأزميري هو من المحررين القليلين في التاريخ الذين يستحقون اسم "محرر"؛ فهو قد وقف على جل أصول النشر وقارنها بما فيه مقارنة دقيقة، وبين ما بينهما من اختلافات، ولذلك فقد أصبح عمدة أكثر المحررين المتأخرين. ومع ذلك نجده قد وقف على وجه نسبه النشر إلى المستنير، ووقف على نسخ كثيرة من المستنير نفسه ووجدها كلها متفقة على خلاف ما في النشر، لكنه لم يجرؤ على مخالفة النشر فاعتمد ما في النشر رغم مخالفته لعدة نسخ من المستنير!! وقدم احتمال خطإ النسخ الكثيرة على احتمال وهم النشر!! من باب حسن الظن بالمحقق!! يقول الأزميري في البدائع: "تنبيه: قال في النشر بعد تمثيل "لا" التي للتبرئة: "نص له على ذلك ابن سوار في المستنير". قلت: رأيت نسخا كثيرة من المستنير لم يتعرض لذكر التوسط في هذا النوع إلا نسخة واحدة ذكر فيها أول البقرة قال فيها: "روى القطان عن ابن سعدان عن سليم عن حمزة التوسط في لا ريب ونحوها"، فعلى هذا لا يجيء التوسط من المستنير لخلف وخلاد، ولكن نأخذ بالتوسط منه اعتمادا على ابن الجزري، لأنه عالم بالفن، ويحتمل خطأ جميع ما رأيته من النسخ".
والله أعلم.
 
كثر استخدام بعض العلماء لكلمة " كذب في الرواية " وأحسب أن ابن بجدتها هو الإمام السخاوي رحمه الله .
والسؤال هنا :
ما هي نتيجة هذا " الكذب " !
أقول وبكل صراحة :
كل ماخطه العلماء في مسألة " خلط القراءات وتركيبها " هو " تجيير " للمسألة من باب القراءة إلى باب الفقه ، وهو فيه ما فيه .
والله من وراء القصد .
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.
نبهتم إلى مسألة مهمة، وهي أن الكذب في الرواية لا يضر القراءة نفسها؛ فالخلافات في التحريرات والمقدم أداء لا انعكاس لها على قرآنية الوجه، إذ قصارى الأمر أن هذا الوجه لا تصح نسبته إلى هذه الطريق، ولكن ذلك لا يعني عدم صحته في نفسه، وهذا مثل ادعاء الإجازات في القراءات؛ إذ تذكر لنا كتب تراجم القراء بعض المقرئين الذين ادعوا إجازات في القراءات، ثم تبين عدم صحة هذا الادعاء، مثل مسعود الحلي الذي ادعى أن ابن سوار أجازه، ثم تبين عدم صحة ادعائه؛ لكن عدم صحة ادعائه لا ينعكس على صحة طرق المستنير.
ورأيي المتواضع في التحريرات هو الاقتصاد وعدم الغلو فيها، والحسنة بين السيئتين، وكان بين ذلك قواما.
والله أعلم.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
سيدي وشيخي العلامة أحمد كوري حفظكم الله ورعاكم
لئن كنت أعلم أني بمشاركتي في الموضوع مخالف لأمركم لي بعدم التعليق ( حتى لا يكون تعليقي من باب تزكية المرء لنفسه )، فإني أجد العذر لي في التأسي بأبي السبطين كرم الله وجهه في تقديمه الأدب على الامتثال.
ولم يسعني أن أبقى مراقبا لما تنثرونه من الدرر والجواهر دون مشاركة أو تعليق

أود أن أسأل:

هذه الطرق الوافرة عن كل راوٍ، هل من دليل على أنه يعد كل طريق منها اختياراً مستقلاًّ لشيخه؟ وكأن نافعاً مثلاً روَّى تلميذه قالونا عددا من الاختيارات بعدد هذه الطرق المتمايزة في أصول النشر، كل اختيار منها على حدة، وروَّى ورشا ( أو أقرَّه ) على مثلها ؟ وكذا لبقية الرواة عنه.
أم إنه لا دليل على ذلك ؟ فيكون قد أجاز كل واحد باختيار فيه الكثير من الأوجه المقبولة التي لا مانع من القراءة بها ؟

وإذا كان الجواب بالاحتمال الأول فأين ذلك من التيسير المطلوب في كل الأمور ، أحرى في نشر القرآن وتعليمه ؟

وإن كنتم ترون يا شيخنا أن هذا يفتح موضوعاً مستقلاًّ ، فلا بأس لو جعلتموه كذلك
 
قال الإمام ابن الجزري رحمه الله في النشر : ( و كذلك إضافة الحروف و القراءات إلى أئمة القراء و رواتهم المراد بها أن ذلك القارىء اختار القراءة بذلك الوجه من اللغة حسبما قرأ به فآثره على غيره و داوم عليه ، و لزمه حتى اشتهر و عرف به و قصد فيه و أخذ عنه ؛ فلذلك أضيف إليه دون غيره من القراء . و هذه الإضافة إضافة اختيار و دوام و لزوم ، لا إضافة اختراع و رأي و اجتهاد ) انتهى .

أريد أن أسأل سؤالا يتعلق بالتحريرات و سأمثل له بمثال :

المحررون الآن يمنعون بعض الأوجه في قراءة واحدة بل في بعض الأحيان في رواية واحدة و عللوا ذلك بأنه [
[FONT=&quot]احترازا عن التركيب ، لأنه حرام فى القرآن على سبيل الرواية أو مكروه كراهة تحريم كما حققه أهل الدراية ] (1).[/FONT]
و قد اشتهر عن الإمام نافع رحمه الله أنه قرأ القرآن على سبعين من التابعين و سمى منهم خمسة إلخ ..
و السؤال الآن : هل يعتبر الإمام نافع رحمه الله ملفقا بين الطرق و الروايات في نظر المحررين لأنه لم يعز كل قراءة إلى من أخذها عنه ؟
لأن السند إذا انتهى إلى الإمام يقال بعده مباشرة :
و قرأ نافع على سبعين من التابعين و سمى منهم خمسة أبوحعفر يزيد بن القعقاع و عبدالرحمن بن هرمز و شيبة بن نصاح و مسلم بن جندب و يزيد بن رومان ..
و مالفرق بين ترك التحرير هنا و التشدد فيه هناك ؟
لا يفهم من كلامي هذا أنني أوافق على خلط الروايات و القراءات ببعضها معاذ الله
و إنما أرجو من المحررين أن يوضحو لي هذه النقطة و الإجابة على سؤالي .

ـــــــــــــــــــ
(1) عمدة العرفان للإزميري
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
فضيلة الشيخ د. محمد الأمين، وفضيلة الشيخ طه محمد عبد الرحمن، جزاكما الله خيرا على المشاركة والاهتمام والإفادة، وشكرا جزيلا لكما.
هذه الأسئلة التي طرحتماها هي أسئلة في صميم التحريرات، وقد كثر الجدل حول هذا الموضوع، وليس من حقي أن أفتات بالجواب عنه؛ لأن في منتدانا هذا وفي غيره من العلماء والمقرئين الأجلاء من هم أولى مني بحل هذه الاستشكالات، قال يحيى بن معين: "الذي يحدث ببلد به من هو أولى بالتحديث منه أحمق، وإذا رأيتني أحدث ببلد فيها مثل أبي مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق"!!
لذلك فإننا جميعا نوجه هذه الأسئلة إليهم ليفتونا مأجورين، جزاهم الله خيرا.
ومساعدة مني على تنظيم البحث والحوار في هذه المسألة، سأبدأ – على سبيل المذاكرة - بطرح "ورقة عمل"، كأوراق العمل التي تقدم عادة إلى المؤتمرات ليتخذ كل مؤتمِر منها موقفا، مخالفة أو موافقة أو تعديلا:

سبب كثرة الطرق:

صحيح أن الطرق كثيرة في القراءات، لكن كثرة الروايات لا تستلزم كثرة المروي، خصوصا في الفرش؛ فقد اختار ابن الجزري مثلا قراءة نافع من أربع وأربعين ومائة طريق، ولكن ليس معنى ذلك أن لنافع في كل حرف من حروف الخلاف أربعة وأربعين ومائة وجه مختلفة، بل كل هذه الطرق متفقة في أغلب مسائل الفرش؛ فكل طرق نافع مثلا متفقة عنه على يخادعون ويكذبون، وهكذا ...
أما في الأصول فقد اختلفت الطرق عن نافع كثيرا، ولكن لا غرابة في ذلك؛ لأن الطريق لا تنفي الطريق الأخرى، وأكثر ما روي عن نافع قد روي عن غيره، فقد روي عن نافع مثلا قصر المنفصل وتوسطه ومده، وكل ذلك قد روي عن غير نافع أيضا، فلا غرابة أن يكون نافع قد روى كل ذلك؛ لأنه من أئمة هذا الشأن، وقد أخذ عن سبعين من التابعين، كما سيأتي، قال مكي (الإبانة عن معاني القراءات: 61): ".. الجواب أن كل واحد من الأئمة قرأ بقراءات مختلفة فنقل ذلك على ما قرأ فكانوا في برهة من أعمارهم يقرئون الناس بما قرؤوا فمن قرأ عليهم بأي حرف كان لم يردوه عنه إذ كان ذلك من ما قرؤوه على أئمتهم".
فيصدق على أصحاب الطرق قول الإمام سفيان الثوري عن حمزة: "ما قرأ حمزة حرفا من كتاب الله إلا بأثر"، وقول أئمة القراء كنافع وأبي عمرو (النشر: 1/17): "لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرأت لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا". وقال أبو عمرو (المفردات: 112): "ما قرأت حرفا من القرآن إلا بسماع واجتماع من الفقهاء ولا قلت برأي إلا حرفا واحدا فوجدت الناس قد سبقوا إليه: وأملي لهم".
فلم يخترع أحد من أصحاب الطرق الصحيحة شيئا من عند نفسه، وإنما روى أصحاب طرق نافع مثلا ما رروه عن شيوخهم إلى نافع، ومن الدليل على ذلك أنهم لو كانوا يقرؤون بما لم يرووا لكثر اختلافهم في الفرش أيضا، فلما وجدناهم لا يتبعون قاعدة محددة، بل كثر اختلافهم في الأصول وقل في الفرش، علمنا أنهم إنما يتبعون ما رووا بلا زيادة ولا نقص. باستثناء حروف وهم فيها بعض الرواة، وتتبعها المقرئون المحققون ونبهوا عليها وأحصوها عددا.
وقد اشتهرت التحريرات في المشرق دون المغرب؛ لأن الشائع بالمغرب هو القراءات السبع فقط من ثلاث طرق فقط، هي: طريق الداني وطريق مكي وطريق ابن شريح. وهي طرق غير متباعدة كثيرا. أما المشارقة فالمعتمد عند المتأخرين منهم في الإقراء طيبة النشر، وفيها زهاء ألف طريق، فدعت كثرة الطرق وتباعدها إلى نشوء فن التحريرات.
والمشارقة والمغاربة متفقون على تحرير القراءات فلا يخلطون مثلا قراءة نافع بغيرها، ومتفقون على تحرير الروايات فلا يخلطون مثلا رواية قالون برواية ورش، ومتفقون على تحرير الطرق الكبرى فلا يخلطون مثلا طريق أبي نشيط بطريق الحلواني. لكن المغاربة يتساهلون في خلط الطرق الفرعية كطرق أبي نشيط، ولا يلزمهم الكذب في الرواية؛ لأنهم لا يقولون إنهم يلتزمون بطريق الداني وحده مثلا، وإنما يأخذون بالطرق الثلاثة المعتمدة عندهم دفعة، بخلاف المحررين المشارقة فهم يحاولون أن يحرروا الطرق الفرعية أيضا.

خلط الطرق والربط بين الوجوه:

إذا كان الإصبهاني قد روي عنه قصر المنفصل وتوسطه وإشباعه، وروي عنه أيضا إثبات الألف وحذفها في هاءنتم؛ فهل نحن مخيرون في هذه الوجوه في المنفصل؟ وهل يجوز أن نجمع بين كل وجه من هذه الوجوه وبين حذف الألف وإثباته من هاءنتم؟
هنا يفرق بين مقام الرواية وغيره، فإذا أردنا أن نقرأ القرآن بدون التزام قراءة معينة فلا بأس بخلط القراءات بشروطه المعروفة ما دمنا لم نخرج من القراءات المتواترة، وهذا منها.
وخلط القراءات في هذه الحالة لا بأس به، وقد كان بعض الأئمة يأخذ به، فالقراءات نفسها هي اختيارات؛ قال القرطبي في مقدمة تفسيره: "وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء؛ وذلك أن كل واحد منهم اختار في ما روى وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى فالتزمه طريقة ورواه وأقرأ به واشتهر عنه وعرف به ونسب إليه، فقيل: حرف نافع وحرف ابن كثير ولم يمنع واحد منهم اختيار الآخر ولا أنكره بل سوغه وجوزه، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران أو أكثر وكل صحيح".
فقد اختار نافع قراءته من مروياته عن سبعين من التابعين، ولم يلتزم قراءة واحد منهم بل كان يأخذ بما اجتمع عليه أكثرهم، حتى "ألَّفَ" هذه القراءة من مرويات شيوخه، فقد روى محمد بن إسحاق المسيبي عن أبيه عن نافع أنه قال: أدركت هؤلاء الأئمة الخمسة وغيرهم من من سمى فلم يحفظ أبي أسماءهم . قال نافع : فنظرت إلى ما اجتمع عليه اثنان منهم فأخذته، وما شذ فيه واحد فتركته حتى ألفت هذه القراءة في هذه الحروف". (انظر: السبعة: 61 – 62، والتذكرة: 47 – 48، والمبسوط: 19، وجامع البيان: اللوحة: 24 ب – 25 ب، وغاية الاختصار: 1/18 – 19، وجمال القراء: 525، وقراءات القراء المعروفين: 62، والكنز: 120 – 121، والإبانة: 38 و 61، وطبقات القراء السبع: 43).
وكذلك الإمام أبو عمرو، قال اليزيدي: "كان أبو عمرو قد عرف القراءة فقرأ من كل قراءة بأحسنها وبما يختاره العرب وبما بلغه من لغة النبي صلى الله عليه وسلم وجاء تصديقه في كتاب الله عز وجل". (انظر جامع البيان: اللوحة: 17 ا و 27 ب، والمفردات: 113، وقراءات القراء المعروفين: 87 و 88). وقال الأصمعي (المستنير: 82): "قلت لأبي عمرو بن العلاء : أقرأت على ابن كثير ؟ قال : نعم ! ختمت على ابن كثير بعدما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم باللغة من مجاهد. قلت له : فلم لم تفرق بين القراءتين؟ قال : لم يكن بينهما كثير، إلا أني ربما سألت ابن كثير عن الشيء فيقول لي : هو جائز والذي أختار غيره. قال الأصمعي : يعني من قراءة مجاهد".
وكذلك الإمام الكسائي فقد "ألَّفَ" قراءته أيضا من ما روى من القراءات المتواترة، كما يقول عنه أبو الحسن بن غلبون (التذكرة: 78): "وكان قد قرأ على حمزة وروى عن إسماعيل بن جعفر عن نافع وعن أبي بكر بن عياش عن عاصم وعن غيرهما . وكان بصيرا باللغة والنحو ، فاختار من قراءة الأئمة المتقدمين من ما قرأ به ورواه عنهم ، وما صح لديه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب وعن عبد الله بن مسعود وعن ابن عباس وغيرهم حتى ألف قراءته هذه التي يقرأ بها". (وانظر أيضا: قراءات القراء المعروفين: 119، والسبعة: 78، وجامع البيان: اللوحة: 33 ب، ومعرفة القراء الكبار: رقم الترجمة: 45).
حتى أننا نجد قلة من المتأخرين يختارون أيضا قراءة ينتخبونها من القراءات المختلفة، فنجد الهذلي في كتابه الكامل يختار قراءة من القراءات المختلفة التي روى، ويقول عن اختياره (الكامل: مخطوط): "وسئلت أن أختار اختيارا يوافق العربية والأثر والمعاني والأحكام فأجبتهم إلى ذلك"، ويقول: "ونرجو أن يقع اختيارنا كما يجب فيتلى كما يتلى غيره من الاختيارات ويقتدى به إن شاء الله".
ونجد مكيا أيضا في كتابه الكشف يختار قراءة من بين القراءات السبع بدون أن يلتزم فيها بقراءة محددة منها، ويقول عن اختياره (الكشف: 1/5): "ثم أذكر اختياري في كل حرف، وأنبه على علة اختياري لذلك، كما فعل من تقدمنا من أئمة المقرئين".
ونجد الجعبري في شرحه للشاطبية يختار قراءة أيضا من بين القراءات السبع بدون أن يلتزم فيها بقراءة محددة منها، ويقول عن اختياره (كنز المعاني للجعبري: 2/25): "ومضيت على اختياري من القراءات، غير مقلد أحدا من أرباب الاختيارات، ذاكرا جهة الترجيح، وهو الأفصح من الفصيح".
وهذا من مظاهر تيسير القرآن؛ قال الإمام أبو الفضل الرازي (كما نقله عنه النشر: 1/ 43 – 44): "وإني لم أقتف أثرهم تثمينا في التصنيف أو تعشيرا أو تفريدا إلا لإزالة ما ذكرته من الشبهة، وليعلم أن ليس المراعي في الأحرف السبعة المنزلة عدد من الرجال دون آخرين، ولا الأزمنة ولا الأمكنة، وأنه لو اجتمع عدد لا يحصى من الأمة فاختار كل واحد منهم حروفا بخلاف صاحبه وجرد طريقا في القراءة على حدة في أي مكان كان وفي أوان أراد بعد الأئمة الماضين في ذلك بعد أن كان ذلك المختار بما اختاره من الحروف بشرط الاختيار، لما كان بذلك خارجا عن الأحرف السبعة المنزلة بل فيها متسع إلى يوم القيامة".
لكن بعد ابن مجاهد "مسبع السبعة" بدأ المقرئون يكتفون بحفظ اختيارات السلف ويعزفون عن إنشاء اختيارات جديدة، فابن مجاهد نفسه لم يختر، ولعل ذلك كان منهم سدا للذريعة وخوفا من أن يؤدي التوسع في الاختيار إلى القراءة بما لم ينزل، وبما لم يصح من القراءات، وقد وقع بعض ذلك؛ فالإمام الهذلي مثلا ربما يختار في كامله بعض القراءات التي لم يصح سندها، فلعل عزوف جمهور القراء المتأخرين عن الاختيار من القراءات المتواترة كان كعزوف جمهور الفقهاء والأصوليين عن الاجتهاد بعد عصر السلف سدا للذريعة وخوفا من الوقوع في البدعة ومخالفة الإجماع، كما يقول ابن خلدون في المقدمة: "ووقف التقليد في الأمصار عند هؤلاء الأربعة، ودرس المقلدون لمن سواهم، وسد الناس باب الخلاف وطرقه؛ لما كثر تشعب الاصطلاحات في العلوم، ولما عاق عن الوصول إلى رتبة الاجتهاد، ولما خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله، ومن لا يوثق برأيه ولا بدينه، فصرحوا بالعجز والإعواز، وردوا الناس إلى تقليد هؤلاء، كل من اختص به من المقلدين، وحظروا أن يتداول تقليدهم لما فيه من التلاعب، ولم يبق إلا نقل مذاهبهم، وعمل كل مقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الأصول واتصال سندها بالرواية، لا محصول اليوم للفقه غير هذا. ومدعي الاجتهاد لهذا العهد مردود منكوص على عقبه مهجور تقليده. وقد صار أهل الإسلام اليوم على تقليد هؤلاء الأئمة الأربعة".
فمن تقدم ذكرهم من القراء (نافع وأبو عمرو والكسائي) كانوا يختارون القراءة على أساس الشهرة والكثرة؛ فهم سلف المتأخرين الذين يعتمدون الشهرة في اختيار المقدم أداء، وبالمقابل هناك من القراء من يحرر القراءات؛ فيجرد كل قراءة على حدة ولا يختار من عدة قراءات، مثل الإمام عاصم الذي حرر قراءته على عبد الرحمن السلمي عن علي وأقرأها لصاحبه حفص، وحرر قراءته على زر عن ابن مسعود وأقرأها لصاحبه شعبة، وقال الداني (جامع البيان: اللوحة: 34 ب): "وكان الأعمش يجرد حرف ابن مسعود وكان ابن أبي ليلى يجرد حرف علي وكان أبو إسحاق السبيعي يقرأ من هذا الحرف ومن هذا الحرف وكان حمران يقرأ قراءة ابن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان رضوان الله عليه بغير حروف معاني عبد الله فيوافق معاني حروف عبد الله ولا يخرج من موافقة مصحف عثمان وهكذا كان اختيار حمزة". (وانظر غاية النهاية: 1/262). فهؤلاء أيضا سلف المتأخرين الذين يعتمدون التحريرات.
فإذا كنا في مقام الرواية فالأمر مختلف؛ فنحن نعرف مثلا أن الإصبهاني قد روي عنه توسط المنفصل وإثبات الألف في هاءنتم من طريق التجريد، وروي عنه قصر المنفصل وحذف الألف في هاءنتم من طريق الكفاية، فإذا قلنا مثلا: "سنقرأ بطريق التجريد للإصبهاني"، فيجب أن نقرأ بتوسط المنفصل وإثبات الألف في هاءنتم، وإذا قرأنا له بغير ذلك كان كذبا في الرواية ومخالفة للمنهج الملتزم، قال ابن حجر في الفتح (شرح الحديث: 4706): "والذي منع ذلك من القراء إنما هو محمول على ما إذا قرأ برواية خاصة؛ فإنه متى خلطها كان كاذبا على ذلك القارئ الخاص الذي شرع في إقراء روايته".
فالصواب في رأيي – إذا أردنا أن نحرر تحريرا صحيحا - أن نرجع إلى المصدر الذي اختار منه النشر الطريق التي سنقرأ بها ثم نلتزم بما فيه.

عسر التحريرات ويسر القرآن:

"القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان" كما يقول الشهاب البناء في مقدمة الإتحاف؛ فلا يلزم من صعوبة القراءات صعوبة القرآن نفسه، ومن الأدلة على تغاير حقيقتي القرآن والقراءات أنه لا يلزم من إنكار بعض القراءات المتواترة إنكار القرآن نفسه، فهذا الإمام ابن جرير الطبري قد أنكر كثيرا من القراءات المتواترة، ولا شك أن إنكار قراءة متواترة هو خطأ جسيم، ولكنه ليس كفرا كإنكار القرآن نفسه، ومن ثم فلم يقل أحد بكفر الطبري، لأنه إنما أنكر قراءة معينة بشبهة قامت في ذهنه، ولكنه لم ينكر كل القراءات.
فالقرآن الكريم قد يسره الله تعالى للذكر، وتيسره حاصل بقراءته بدون التزام قراءة معينة أي: بالخلط بين القراءات المتواترة، وحاصل أيضا بقراءته بطريق واحدة، وفي هاتين الحالتين لا يتصور عدم التيسر.
أما من سمت به همته إلى أن يقرأ القرآن من زهاء ألف طريق، في ستة وثلاثين كتابا (هي طرق النشر ومصادره) فلا شك أنه اهتم بشيء صعب، قد يسهل عليه وقد يعسر "وإنه ليسير على من يسره الله عليه"؛ لأنه لا يهتم بمجرد قراءة القرآن نفسه، وإنما يهتم بحفظ أكثر القراءات، ولو كان يهتم بمجرد قراءة القرآن لكفاه أن يقرأه بطريق واحدة أو بالخلط بين القراءات المتواترة، وذلك أمر يسير؛ فلا يلزم إذن من تيسر القرآن تيسر حفظ أكثر القراءات.
والله أعلم.
 
جزاكم الله خيراً يا أستاذنا الدكتور
واسمح لنا فما زال بعض من الإشكال، من قصور فهمنا في المسألتين معاً:
- سؤالي الأول هو في صميم الاختيار، أي هل قصد القارئُ قصداً أن يختار ستة وثلاثين اختياراً - مثلاً - ؟ ألا يتنافى ذلك مع مبدأ الاختيار نفسه، الذي يقصد به حصر نطاق الأوجه والاختلافات ؟
وكما قلتم فقد أحجم الأئمة عن المزيد من الاختيار مع إمكان ذلك، أفليس تشعب الطرق كلما ابتعدنا عن الرواة يعيد مشكلة التشعب التي كانت سابقة على عصر الاختيارات؟
- في مسألة القرآن والقراءات؛ ألا ترى أن الأولى أن نقول:
إن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً؛ فكل قراءة قرآن من غير عكس، فـ "ملك يوم الدين" نقول فيها إن "ملك" قراءة، لأنها شطر خلاف، وهي قرآن مع ذلك لأنها صحيحة متواترة مثل "مالك"، وأن "يوم" قرآن فقط، لأن فيها وجها واحدا
وأما الاستدلال بالإنكار فقد ورد أيضا عن بعض الصحابة في ما هو من قبيل المتواتر مما لا خلاف فيه، فما ذا يقال فيه ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
فضيلة الشيخ د. محمد الأمين، جزاكم الله خيرا على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.
هذه الأسئلة التي طرحتموها مثيرة للبحث والتأمل، وأنا أطرحها معكم على علمائنا ومقرئينا الأجلاء.
وأقول على سبيل المذاكرة لفضيلتكم:

تعدد اختيار القارئ الواحد:

قد تنسب القراءة إلى الإمام لأنها رويت عنه دون أن يختارها، وقد تنسب إليه لأنها رويت عنه وقد اختارها أيضا؛ ومن ثم فلا غرابة في تعدد الوجوه التي تروى عن الإمام الواحد، ولاسيما من كان واسع الرواية كنافع، فقد روى الداني في ترجمة نافع من جامع البيان: "أنه كان يجيز كل ما قرئ عليه، إلا أن يسأله إنسان أن يَقِفَه على قراءته فيَقِفَه عليها". وقال المنتوري في شرح الدرر اللوامع 1/50: "وكان نافع لا يرد كل من قرأ عليه عن شيء قرأه؛ لاتساع روايته وكثرتها، حتى يقول له القارئ: "أريد قراءتك التي تقرأ بها لنفسك" فيرده إليها، ومن أجل ذلك كثر الاختلاف عنه في القراءة". وقال مكي في الإبانة معللا كثرة اختلاف الرواة عن نافع وغيره من القراء: "فهذا قالون ربيبه وأخص الناس به، وورش أشهر الناس في المتحملين عنه، اختلفا في أكثر من ثلاثة آلاف حرف من قطع وهمز وتخفيف وإدغام وشبهه، ولم يوافق أحد من الرواة عن نافع رواية ورش عنه، ولا نقلها أحد عن نافع غير ورش؛ وإنما ذلك لأن ورشا قرأ عليه بما تعلم في بلده، فوافق ذلك رواية قرأها نافع على بعض أئمته فتركه على ذلك، وكذلك ما قرأ عليه قالون وغيره، وكذا الجواب عن اختلاف الرواة عن جميع القراء". وقال ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة معلى بن دحية: "وروى الداني عنه قال: "سافرت بكتاب الليث بن سعد إلى نافع لأقرأ عليه، فوجدته يقرئ الناس بجميع القراءات، فقلت له: "يا أبا رويم ما هذا؟!" فقال لي: "سبحان الله! أحرم ثواب القرآن! أنا أقرئ الناس بجميع القراءات حتى إذا كان من يطلب حرفي أقرأته به".
وليس من اللازم للقارئ أن لا يختار إلا وجها واحدا؛ فقد يختار أكثر من وجه، ويخص بعض الرواة عنه باختيار ويخص راويا آخر باختيار آخر من اختياراته، كما اختار عاصم الوجوه الموجودة في رواية حفص، واختار أيضا الوجوه الموجودة في رواية شعبة، وهما مختلفتان كثيرا. وكذلك نافع كان يخص بعض أصحابه ببعض اختياراته؛ فقد روى عنه الهذلي في الكامل أنه قال لورش: "خصصتك بنقل الحركات وهو اختياري، لجودة قراءتك وتعهدك لكتاب الله".

تشعب الطرق:

ليس تشعب الطرق أمرا لازما للقراءات، وإنما هو أمر عارض دعا إليه طول الأسانيد بتقدم الزمن؛ فكلما طال الزمن طالت الأسانيد وكثرت الطرق وتشعبت؛ لكن ذلك لا يستلزم تشعب المروي فهو نفسه لا يزيد، وإنما تكثر رواته فتتشعب نسبته إليهم. ومثال ذلك روايات المصريين: ورش وسقلاب ومعلى بن دحية عن نافع؛ فكل واحدة من هذه الروايات هي رواية مستقلة اصطلاحا، لكن هذه الروايات الثلاث لم تختلف في حرف واحد، وإنما سميت روايات مختلفة لاختلاف أسانيدها لا لاختلاف حروفها؛ فقد ذكر ابن الجزري في غاية النهاية في ترجمة معلى بن دحية أن الأزرق قال: "لم يذكر سقلاب ولا ابن دحية خلافا لورش في سائر الحروف". قلت [القائل ابن الجزري]: وكذا قال يونس بن عبد الأعلى: "أقرأني ابن دحية مثل ما أقرأني ورش من أوله إلى آخره". أما ما قاله مكي في كلامه المذكور أعلاه من أن ورشا انفرد بما رواه عن نافع، فهو يعني من روايات نافع المشهورة. فالفرق إذن بين الاختيار وتشعب الطرق أن الاختيار هو تأليف قراءة من عدة قراءات، وقد تركه المتأخرون سدا للذريعة. أما تشعب الطرق فهو مجرد تعدد الطرق لاختيار واحد، وهو أمر لا ضير فيه.

إنكار بعض الصحابة لبعض القراءات المتواترة:

إذا صح عن بعض الصحابة أنه أنكر قراءة متواترة، فإنكاره محمول على إنكار اختياره لها، لا إنكار صحتها؛ فقد روى الداني في المحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: (عباد الرحمن) قال سعيد: "فقلت لابن عباس: "إن في مصحفي (عند الرحمن)" قال: "امحها واكتبها (عباد الرحمن)". وعلق الداني على هذا الخبر بقوله: "أمر سعيدَ بنَ جبير بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية مع علمه بصحة القراءتين في ذلك وأنهما منزلتان من عند الله تعالى وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بهما جميعا وأقرأ بهما أصحابه، غير أن التي أمره بإثباتها منهما كانت اختياره؛ إما لكثرة القارئين بها من الصحابة وإما لشيء صح عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أو أمر شاهده من علية الصحابة".
أو يحمل إنكار الصحابي للقراءة على أنها لم تبلغه؛ فقد يسمع بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم قراءة، ثم تنسخ هذه القراءة ولا يعلم الصحابي بالنسخ، مثل (والذكر والأنثى) التي رواها الشيخان وغيرهما عن أبي الدرداء وابن مسعود، ولكنها مخالفة للسواد الذي كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الموافق للعرضة الأخيرة والذي أجمع عليه الصحابة، قال الحافظ في الفتح في شرح الحديث المذكور: " ثم هذه القراءة لم تنقل إلا عن من ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا (وما خلق الذكر والأنثى)، وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا من ما نسخت تلاوته ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا؛ فهذا من ما يقوي أن التلاوة بها نسخت". وقد تنسخ الآية في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعلم بعض الصحابة بنسخها، مثل حديث الرضعات، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان في ما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات؛ فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن في ما يقرأ من القرآن" رواه مسلم. قال السيوطي في الإتقان في النوع السابع والأربعين في الناسخ والمنسوخ، معلقا على حديث عائشة هذا: "وأجيب بأن المراد قارب الوفاة، أو أن التلاوة نسخت أيضا ولم يبلغ ذلك كل الناس إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفي وبعض الناس يقرؤها".
وقد يبقى بعض الصحابة متمسكا بالمنسوخ لأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يأخذ بالناسخ لأنه لم يسمعه منه، فقد روى البخاري في باب (ما ننسخ من آية أو ننسها): "قال عمر رضي الله عنه: "أقرؤنا أبي وأقضانا علي، وإنا لندع من قول أبي؛ وذاك أن أبيا يقول: "لا أدع شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقد قال الله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها)". قال ابن حجر في الفتح : "قوله: "وقد قال الله تعالى إلخ" هو مقول عمر محتجا به على أبي بن كعب، ومشيرا إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ، واحتج عمر لجواز وقوع ذلك بهذه الآية".
والله أعلم.
 
بحق هذا الموضوع الذي تفضل بطرحه فضيلة الدكتور أحمد كوري هو مثير للغاية؛ حيث إنه له تعلق كبير بالتحريرات, والمادة التي تفضل بطرحها كانت غاية في الإتقان والإفادة فجزاه الله خيرًا, وكذلك ما علق به الشيوخ الأفاضل وأضافوه من جواهر ثمينة تستحق الوقوف عندها والاستفادة منها, وإن كان لي حق المشاركة في هذه الصفحة, فإن لي وقفات عند بعض العبارات سأعبر فيها عن وجهة نظري, والله يوفقنا إلى الحق في القول والعمل.
قال د. أحمد كوري حفظه الله:
لكن المفارقة أن منهج المحررين هنا مخالف لمنهج ابن الجزري ومناقض لهدفه من نظم الطيبة أصلا؛ فإذا كان ابن الجزري يهدف إلى إفراد كل رواية وحدها فلماذا جمع هذه الروايات أصلا؟ ولماذا نظم الطيبة أصلا؟ ولماذا لم يحرر الطرق فينظم مضمن التبصرة على حدة، ومضمن التذكرة على حدة، وهكذا كل أصول النشر؟ لو كان ابن الجزري قد فعل ذلك لانتفت الحاجة إلى علم التحريرات من أساسه، ولم يبق للمحررين ما يحررونه.
قد صرح ابن الجزري بأنه أراد بنظم الطيبة كتاب النشر حيث يقول:
ضمنتها كتاب نشر العشر *** فهي به طيبة في النشر
والمحررون ـ فيما يظهر لي ـ لا يهدفون إلى إفراد كل رواية على حدة, ولو أرادوا ذلك لأفردوا كل رواية بالتحريرات في كتاب مستقل, ولكنهم يضعون بعض القواعد التي تنطبق على كثير من الروايات في آن واحد, بل كتب التحريرات التي بين أيدينا جلها يذكر التحرير لقالون مثلاً ثم يذكر تحريرات تخص ابن كثير ثم يعودون لتحريرات لورش, مما يدل على أنهم لا يقصدون أن تفرد كل رواية بالتلقي على حدة, وإنما مقصدهم من ذلك عدم الخلط والتركيب بين الطرق وذلك في أثناء قراءتهم بالجمع خاصة في طريقة الجمع بالآية, وفي حالة القراءة برواية من الروايات كأن يكون في الصلاة أو في غيرها, لا أنهم يتلقونها بروايات مفردة, وهذا الهدف هو موافق لمنهج ابن الجزري ومحقق لمراده, فهو قد عزا كل طريق إلى صاحبها تجنباً للتركيب, حيث يقول في (نشره: 56): بعد أن فصل الطرق طريقًا طريقًا" لم أدع من هؤلاء الثقات الأثبات حرفاً إلا ذكرته، ولا خلفاً إلا أثبته، ولا إشكالاً إلا بينته وأوضحته، ولا بعيداً إلا قربته، ولا مفرقاً إلا جمعته ورتبته، منبهاً على ما صح عنهم وشذ, وما انفرد به منفرد وفذ, ملتزماً للتحرير والتصحيح, والتضعيف والترجيح, معتبراً للمتابعات والشواهد, رافعاً إبهام التركيب بالعزو المحقق إلى كل واحد".
فإن لم يقصد ابن الجزري تحرير الطرق, وعدم الخلط والتركيب, فلأي فائدة فصلت هذه الطرق, ونسبت الأوجه في مواضع الخلاف إلى أصحابها؟
ليس من المقبول كذلك أن يقال إن ابن الجزري قد نظم الطيبة لاختصار القراءات أو تيسيرها؛لأن هذا الاختصار المفترض هو مخل جدا، ويجعل الطيبة عديمة الجدوى، فلو أن طالبا حفظالطيبة بدون تحريراتها فإنه لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات؛ بل لابد لحافظ الطيبة لكي يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق القراءات أن يحفظ متونالتحريرات، وهي متون طويلة بعضها قريب من طول الطيبة أو أطول منها، وهنا لا يبقىمحل لفرضية الاختصار.
كون الطيبة نظمًا لكتاب النشر ويصعب تفصيل الطرق فيها, وعزو الأوجه إلى أصحابها, فاستُغني بالتفصيل الموجود في أصلها, ثم إن الطالب الذي يحفظها هو لن يقرأ بها من تلقاء نفسه دون التلقي من الشيوخ الذين يوقفونه على تقييداتها, وكثيرٌ من المشايخ لا يلزمون بحفظ متون في التحريرات, بل يُملون على تلاميذهم القواعد المهمة التي تنطبق على جزئيات متعددة, ثم ينبهونهم على التحريرات الأخرى التي لا تندرج تحت تلك القواعد, مع أن حفظ متن فيها أولى, وحتى مع هذا فنظم الطيبة قد أدى دورًا كبيرًا وهو ضبط مواضع الخلاف عن القراء والرواة التي لو اعتمد الطالب فيها على النثر لكان الأمرُ أكثرَ صعوبةً, ولو فرضنا فرضًا أن ابن الجزري رحمه الله أراد أن يُقرأ بما في الطيبة دون تمييز الطرق بعضها عن بعض, وبالتركيب المترتب على خلط الأوجه فهل يجوز أن يؤخذ بهذه الإرادة على سبيل الرواية؟ فلا شك عندي أن الإجابة ستكون بـ (لا)؛ لذلك كان لا بد من التحريرات المنجية من التركيب, والعلم عند الله تعالى.
الخلط بين القراءات والروايات والطرقلا يجوز شرعًا في كلمة واحدة مثل قراءة:
"الرحيم مالك" بالإدغام الكبير مع زيادة ألف بعد الميم؛ لأن اجتماعهما لم يقرأ به أحد

ما أظنُّ هذا إلا وهمًا من فضيلة الدكتور حفظه الله:
وإلا فإنه يقرأ ليعقوب بهذا على وجه الأخذ له بالإدغام الكبير (العام), والله أعلم.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم.
وأشكركم خصوصا على التنبيه على الخطإ الذي وقعت أنا فيه في مسألة "الرحيم مالك"، وأعتذر لفضيلتكم ولسائر المتصفحين عن هذا الخطإ. وجزاكم الله خيرا.
 
جزاك الله خيرا فضيلة الدكتور أحمد كوري على هذه الإثارة العلمية.
ألا يمكن أن يقال إن ابن الجزري ـ رحمه الله ـ جعل الطيبة معتمدة على النشر، وذلك لكثرة الطرق والأوجه، فلا يستطيع أن يبين كل ذلك في النظم.
وثمت إشكال هنا يعرضه بعض الفضلاء، ومفاده أن المدة التي قرئ فيها بمضمن الطيبة بين ابن الجزري والإزميري بماذا كان يُقرأ؟
الجواب: أحد أمرين:
الأول: أن يقال: إنهم كانوا يأخذون التحريرات مشافهة، وهذا بعيد؛ لكثرتها وصعوبتها ودقتها، ولو كانوا يقرؤون بها لدونوها قطعا، على عادة العلماء في تدوين العلم؛ للحفاظ عليه من الضياع.
الثاني: أنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم، مع الاستناد إلى ما نبه عليه في النشر.
وفي الحقيقة أقول بعد طول تأمل ونظر خال من التقليد والتعصب: ثمت أمور كثيرة مشكلة في هذا العلم، لابد أن يسارع المتخصصون لحلها بطريقة علمية، وهذا ظاهر لكل منصف متجرد.
أسأل الله أن يفتح على قلوبنا، وأن يبصرنا بعيوبنا.
والله ولي التوفيق.
وثمت إشكال هنا يعرضه بعض الفضلاء، ومفاده أن المدة التي قرئ فيها بمضمنالطيبة بين ابن الجزري والإزميري بماذا كان يُقرأ؟
أقول: ليس الإمام الإزميري رحمه الله هو أول من ألف في تحريرات الطيبة, بل قد سبقه عدد من المحررين, منهم: محمد العوفي, وعلي المنصوري, وغيرهما.
ولو فرضنا أنه من عهد ابن الجزري إلى زمن الإزميري رحمة الله على الجميع كانوا يخلطون بين الطرق, فهل هذا العمل صحيحًا؟ لا سيما وفيه نسبة أوجهٍ إلى غير أصحابها ـ أعني على سبيل الرواية ـ, وهل ما قام به الإزميري ـ باعتباره أول من قال بالتحريرات على ما فهمته من قول أخينا الشيخ ضيف الله الشمراني ـ من تخليص الأوجه من التلفيق والتركيب والخلط, هل ما قام به من عمل يُعدُّ عملاً صحيحًا أو خطأً؟
الأول: أن يقال: إنهم كانوا يأخذون التحريرات مشافهة، وهذا بعيد؛ لكثرتها وصعوبتها ودقتها،ولو كانوا يقرؤون بها لدونوها قطعا، على عادة العلماء في تدوين العلم؛ للحفاظ عليهمن الضياع.
الثاني: أنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم، مع الاستناد إلى ما نبه عليهفي النشر.
الظن بعلماء القراءات أنهم يحرصون على عدم الخلط والتركيب بين الطرق, وإن كانت هذه التحريرات كثيرة وصعبة بالنسبة لنا فلا يلزم صعوبتها عليهم, ولا يلزم من إقرائهم بها تدوينها, فكم من العلوم تُلُقيت تلقيًا فترةً من الزمن ولم تدون إلا في فترة متأخرة, فليس عدم تدوينهم لها في فترة من الزمن دليلاً قطعيًا على عدم أخذهم بها, وعلى قولكم ـ بارك الله فيكم ـ بأنهم كانوا يأخذون بظاهر النظم, مع الاستناد إلى ما نبه عليه ـ ابن الجزري ـ في النشر, فهلا دونوا ذلك؟ مع العلم أنه يصعب ويشق على القارئ الآن أن يستخرج هذه التنبيهات من النشر, فلماذا لم يدونوها على عادتهم في تدوين العلم؟
وفي الحقيقة أقول بعد طول تأمل ونظر خال من التقليد والتعصب: ثمت أموركثيرة مشكلة في هذا العلم، لابد أن يسارع المتخصصون لحلها بطريقة علمية، وهذا ظاهرلكل منصف متجرد.

أقترح عليكم ـ فضلاً لا أمرًا ـ أن تتكرموا بذكر ما يحضركم على الأقل من الأمور المشكلة في هذا العلم ليسهل على المتخصصين الرجوع إليها ودراستها دراسة شاملة, والله يوفقنا إلى الحق في الأقوال والأفعال.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة، وشكرا جزيلا لكم على هذه المشاركات العلمية المفيدة.
الهدف الصحيح للتحريرات – في رأيي المتواضع – هو إفراد كل طريق على حدة، حتى يستطيع القارئ أن يقرأ كل طريق على حدة بدون خلط طريق بطريق، أما مجرد الربط بين الوجوه – أي: معرفة ما يجوز اجتماعه من الوجوه وما لا يجوز – فهو أمر مهم؛ لأنه يمكن العارف به من تحاشي الخروج عن القراءات المتواترة أو عن قراءة بعينها كقراءة أبي عمرو، ولكنه لا يجعل من العارف به محررا؛ ومن أمثلة ذلك تحرير اجتماع المد المنفصل وتحقيق أو إبدال الهمز الساكن والإدغام الكبير، التي يقول فيها ابن الجزري في الطيبة خلافا لعادته في إهمال التحريرات:
إذا التقى خطا محركان=مثلان جنسان مقاربان
أدغم بخلف الدور والسوسي معا=لكن بوجه الهمز والمد امنعا
قال ابن الناظم في شرح هذين البيتين: "فلو اجتمع مع الإدغام همز ومد فيحتمل ثمانية أوجه كقوله تعالى: (قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما)، يمتنع منها ثلاثة أوجه، وهي: الإدغام مع الهمز والمد، والإدغام مع الهمز والقصر، والإدغام مع البدل والمد، وتجوز الخمسة الباقية".
فإذا عرف القارئ هذا التحرير فإن ذلك لن يجعل منه محررا؛ فهو لن يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق أبي عمرو – ومجموعها أربع وخمسون ومائة – التي ذكرها ابن الجزري في النشر؛ إذ بقي عليه أن يعزو كل واحد من هذه الوجوه الخمسة لطريقه، ويترتب على ذلك معرفة ما يوافق هذه الطريق من الوجوه الأخرى المختلف فيها عن أبي عمرو، فلو قيل له مثلا: "اقرأ لنا بطريق تذكرة ابن غلبون للدوري أو بطريق العنوان للسوسي" لما استطاع، ويقال مثل ذلك في سائر هذا النوع من التحريرات. فمن الصعب إذن أن نطلق وصف "محرر" على من لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة! لذلك فإن بعض كتب التحريرات لم يقتصر على مجرد تبيان الربط بين الوجوه، بل كان يعزو الوجوه إلى طرقها؛ حتى يتمكن القارئ من القراءة بكل طريق على حدة، مثل ما فعل الإمام المتولي في الروض وفي منظومة العزو.
صحيح أن العارف بالتحرير المذكور يمكن أن يقرأ هذه الآية قراءة صحيحة ليس فيها الخلط في كلمة واحدة ولا بين كلمتين ترتبط إحداهما بالأخرى، لكنه في هذه الحالة لن يكون أحسن حالا من العامة الذين يقرؤون بخلط القراءات خلطا لا يخالف القراءات المتواترة لكن بدون أن يلتزم بواحدة منها.
وصحيح أن التحريرات (بمعنى الربط بين الوجوه) قد وضعت أصلا لتسهيل الجمع، لكن الجمع ليس مقصدا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لقراءة الطالب لكل الوجوه على الشيخ في أقصر وقت ممكن، لكن بعد الجمع لا بد أن يرجع الطالب إلى الطرق فيحررها، حتى يستطيع أن يقرأ بكل واحدة منها على حدة، وإن لا كان قد توقف قبل نهاية الطريق.
ويظهر المنهج التحريري الصحيح في تلك المحاولة التي قام بها الشيخ الضباع في "صريح النص"، حين حاول أن يفرد كل طريق من طرق حفص على حدة، وكذلك فعل الشيخ محمد إبراهيم محمد سالم في "فريدة الدهر"، حين حاول إفراد كل طريق من طرق الطيبة على حدة. فالشيخ الضباع قد بدأ أول كتابه "صريح النص" بالربط بين الوجوه، ولكنه كان مدركا أن الاقتصار على تلك المرحلة لا يحقق التحرير الكامل؛ إذ لا يستطيع المقتصر عليها أن يقرأ طريقا واحدة، وكان مدركا أن ثمت مرحلة تالية لا بد منها للمحرر، وهي إفراد كل طريق على حدة وبذلك فقط يستطيع المحرر أن يأمن الخلط بين الطرق، فخصص الضباع جداول في آخر كتابه لإفراد طرق حفص، وقدم لها بقوله (صريح النص: 26، ط شركة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر): "ربما تشتاق نفس القارئ إلى معرفة مذهب كل إمام من أئمة الأداء في الكلمات المذكورة على حدته؛ ليتم له الأمن من التلفيق، ولا يلتبس عليه مذهب بآخر، ولذا وضعت لكل طريق من الطرق الأربعة (الهاشمي وأبي طاهر والفيل وزرعان) جدولا بخصوصه بينت فيها ما يجوز له في كلمات الخلاف ..".
فالمقصود أن ابن الجزري إنما ألف الطيبة في رأيي لتسهيل الجمع ولتنظيم زيادات الشاطبية، ولم ينظمها لتحرير الطرق ولم يعز فيها طريقا إلى صاحبها، أي: أن حافظها لا يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرقها إلا بالاستعانة بمصادر خارجية، لكن المحررين حاولوا أن يحرروها بمعنى أن يفردوا طرقها، وهو ما لم يرده ناظمها في رأيي، وإن كان تحرير الطرق أمرا ضروريا.
وصحيح أن ابن الجزري في النشر قد عزا أكثر وجوه الخلاف إلى طرقها، لكنه في الطيبة لم يفعل ذلك، وقد كان بإمكانه أن يفعله لو أراد، فقد كان بإمكانه أن ينظم كل طريق على حدة، أو أن ينظم الطرق مجتمعة ولكن يزيد عليها منظومة تحررها، كما فعل المتولي في منظومة العزو التي تناهز الطيبة في الطول؛ إذ تبلغ تسعة وعشرين وألف بيت، وليس المتولي بأقدر من ابن الجزري على النظم. وابن الجزري لم ينظم كل محتوى النشر في الطيبة وهذا أمر محسوس، وإنما نظم منه وجوه الخلاف بلا عزو.
وليس المقصود أن ابن الجزري قد عمد إلى خلط القراءات وتركيبها في النشر، فهذا مخالف للواقع، بل هو قد عزا أكثر الوجوه في النشر، أما الطيبة فلم ينظمها للقراءة بطرقها وإنما نظمها لتسهيل الجمع ولإكمال الشاطبية كما نص على ذلك، فكان العزو والتحرير خارجين عن موضوعها.
والله أعلم.
 
لماذا نظم ابن الجزري الطيبة؟

حفظكم الله فضيلة الشيخ الدكتور أحمد كوري فقد أفدتنا كثيرًا بهذا الطرح الرائع, واسمح لي بالوقوف مع بعض مما ذكرتموه.
الهدف الصحيح للتحريرات – في رأيي المتواضع – هو إفراد كل طريق على حدة، حتى يستطيع القارئ أن يقرأ كل طريق على حدة بدون خلط طريق بطريق، أما مجرد الربط بين الوجوه – أي: معرفة ما يجوز اجتماعه من الوجوه وما لا يجوز – فهو أمر مهم؛ لأنه يمكن العارف به من تحاشي الخروج عن القراءات المتواترة أو عن قراءة بعينها كقراءة أبي عمرو، ولكنه لا يجعل من العارف به محررا؛

أصحاب التحريرات الذين تيسر لنا الاطلاع على تحريراتهم, أمثال الإزميري, والمتولي, والخليجي ـ حسب اطلاعي القاصر ـ الذي يظهر لي أن غايتهم من التحريرات عدم التركيب ولا يلزم عندهم حفظ أصحاب الطرق لما في ذلك من المشقة الكبيرة, حيث إن الطرق الفرعية عن الراوي الواحد تتردد ما بين 9 ـ 126 طريقًا, ولا يخفى صعوبة حفظ الطرق الفرعية عن كل راوي فضلاً عن حفظ الخلافات المروية عن كل طريق, ولو أراد المحررون ذلك لجمعوا خلافات كل طريق على حِدة, ولكنهم يكتفون بذكر الأوجه الممتنعة أو الجائزة.

فإذا عرف القارئ هذا التحرير فإن ذلك لن يجعل منه محررا؛ فهو لن يستطيع أن يقرأ بطريق واحدة من طرق أبي عمرو – ومجموعها أربع وخمسون ومائة – التي ذكرها ابن الجزري في النشر؛ إذ بقي عليه أن يعزو كل واحد من هذه الوجوه الخمسة لطريقه، ويترتب على ذلك معرفة ما يوافق هذه الطريق من الوجوه الأخرى المختلف فيها عن أبي عمرو،

لا تخفى المشقة الكبيرة التي تلازم من أراد أن يحفظ جميع الطرق الفرعية عن كل راوي, فضلاً عن حفظ الأوجه المعزوة إليه؛ لذلك معرفة ما يجوز وما يمتنع ـ في رأيي القاصر ـ كافٍ للسلامة من التركيب, ولا شك أن من أعطاه الله ملكة كبيرة في الحفظ ففعل ذلك فقد أحسن, وأغلب مشايخنا الذين يهتمون بالتحريرات يكتفون بوضع قواعد يُعرَف من خلالها ما يجوز وما يمتنع من الأوجه.

لذلك فإن بعض كتب التحريرات لم يقتصر على مجرد تبيان الربط بين الوجوه، بل كان يعزو الوجوه إلىطرقها؛ حتى يتمكن القارئ من القراءة بكل طريق على حدة، مثل ما فعل الإمام المتوليفي الروض وفي منظومة العزو.
بالنسبة للروض فهو ـ كما تعلمون ـ شرح لنظمه العظيم " فتح الكريم ", ولو أراد حفظ الوجوه معزوةً إلى طرقها لفعل ذلك فيه؛ إذ أنه أسهل حفظًا من النثر, وإنما فعل ما فعل في الروض ـ والعلم عند الله ـ لزيادة الفائدة, وهو كالتعليل للجواز والمنع, لا أنه يلزم حفظ ذلك معزوًّا لطرقه, وأما منظومة عزو الطرق فهي مرحلة متقدمة في التحريرات يمكن أن يطلق عليها ـ إن صح التعبير ـ مرحلة عليا في التحريرات يصل إليها من أراد التخصص العالي في هذا العلم, والذي أريد أن أقوله بالضبط أن أهم شيء يهدف إليه المحررون هو عدم التركيب والخلط, لا أن القارئ يلزمه معرفة كل طريق والأوجه الواردة منها, والله أعلم.

فالمقصود أن ابن الجزري إنما ألف الطيبة في رأيي لتسهيل الجمع ولتنظيم زيادات الشاطبية، ولم ينظمها لتحرير الطرق ولم يعز فيها طريقا إلى صاحبها،
الذي يظهر ـ والعلم عند الله ـ أن ابن الجزري مقصوده من تأليف الطيبة نظم ما يُقرأ به من كتاب النشر؛ لما يتميز به النظم من سهولة الحفظ عن النثر, ولو أراد تنظيم زيادات الشاطبية لاقتصر على ما فيها, أما أنه لم يعز فيها طريقًا إلى صاحبها فإنه قد أشار إلى طرقها مع الإشارة إلى مكان وجودها, حيث يقول:
وَهــذِهِ الــرُّوَاةُ عَنْـهُـمْ طُـــرُقُ *** أصَحُّـهَـا فــي نَشْـرِنَـا يُـحَـقَّـقُ
بِاثْنَـيْـنِ فــي اثْنَـيْـنِ وَإلاَّ أَرْبَــعُ *** فَهـيَ زُهَـا أَلْــفِ طَـرِيـقٍ تَجْـمَـعُ
ويمكن أن يقال إنه اكتفى بالإشارة إليها دون ذكرها اختصارًا, كما صنع الشاطبي في حرزه حيث قال:
لَهُمْ طُـرُقٌ يُهْدَى بِهَا كُلُّ طَارِقٍ *** وَلاَ طَارِقٌ يُخْشى بِهاَ مُتَمَــحِّلاً
ولم يفصل طرقه, والله أعلم.
وإنما نظمها لتسهيل الجمع ولإكمال الشاطبية كما نص على ذلك،
أين نص ابن الجزري أنه نظم الطيبة لإكمال الشاطبية؟
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة والتصحيح، وشكرا جزيلا لكم على هذه الفوائد العلمية الماتعة، التي أبنتم من خلالها عن علم واسع وتمسك بالمنهجية العلمية وبأدب الحوار. وفقكم الله وأكثر من أمثالكم.
بالنسبة للعبارة الأخيرة المقصود منها الإشارة إلى قوله الناظم:
ولا أقول إنها قد فضلت=حرز الأماني بل به قد كملت
حوت لما فيه مع التيسير=وضعف ضعفه سوى التحرير
وقوله:
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي=ليسهل استحضار كل طالب
فالناظم في البيت الأول يقول إن الحرز هو مكمل للطيبة وهي لا تغني عنه؛ لأنه أساسها الذي بنيت عليه، وفي البيت الثاني يقول إن الطيبة هي كذلك مكملة للحرز؛ فقد جعل الناظم الحرز أساس نظمه، وذكره في مقدمته ولم يشر إلى غيره من كتب القراءات الوفيرة، ثم أكمله بذكر الطرق الأخرى، واتبع طريقته في الرمز والاصطلاحات غالبا، كما قال في البيت الثالث.
والحرز أيضا هو أساس الدرة وهي مكملة له، كما أن التيسير هو أساس التحبير.
والله أعلم.
 
جزاكم الله خيرا فضيلة الشيخ على الاهتمام والمشاركة والإفادة والتصحيح، وشكرا جزيلا لكم على هذه الفوائد العلمية الماتعة، التي أبنتم من خلالها عن علم واسع وتمسك بالمنهجية العلمية وبأدب الحوار. وفقكم الله وأكثر من أمثالكم.
بالنسبة للعبارة الأخيرة المقصود منها الإشارة إلى قوله الناظم:
ولا أقول إنها قد فضلت=حرز الأماني بل به قد كملت
حوت لما فيه مع التيسير=وضعف ضعفه سوى التحرير
وقوله:
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي=ليسهل استحضار كل طالب
فالناظم في البيت الأول يقول إن الحرز هو مكمل للطيبة وهي لا تغني عنه؛ لأنه أساسها الذي بنيت عليه، وفي البيت الثاني يقول إن الطيبة هي كذلك مكملة للحرز؛ فقد جعل الناظم الحرز أساس نظمه، وذكره في مقدمته ولم يشر إلى غيره من كتب القراءات الوفيرة، ثم أكمله بذكر الطرق الأخرى، واتبع طريقته في الرمز والاصطلاحات غالبا، كما قال في البيت الثالث.
والحرز أيضا هو أساس الدرة وهي مكملة له، كما أن التيسير هو أساس التحبير.
والله أعلم.

أشكرك فضيلة الدكتور على حسن ظنك بي, وعلى مواصلتك في إفادتنا, رزقنا الله وإياك التوفيق والقبول, وبالنسبة لقول ابن الجزري رحمه الله:
(ولا أقول أنها قد فضلت ...) الذي يظهر لي أنه ساق هذه العبارة تتميمًا لقوله:
وكل ذا اتبعت فيه الشاطبي *** ليسهل استحضار كل طالب
أي سبب اتباعه للشاطبي في الترتيب, واستعمال الرموز, وغير ذلك مما هو مشابه للحرز؛ من أجل تسهيل استحضار قارئها, ثم ساق ما بعده من كلام, وهذا سبب ذكره للشاطبية والتيسير دون سائر كتب القراءات, مع أن الطيبة مشتملة على أوجه القراءات وطرقها المتفرقة في أصول متعددة من كتب القراءات, لا أنه ـ حسب فهمي القاصر ـ قصد بالطيبة تنظيم زيادات الشاطبية, والله أعلم.
 
عودة
أعلى