لماذا لا نتأثر بالقرآن ؟

إنضم
4 سبتمبر 2009
المشاركات
36
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
الإقامة
السعودية - الرياض
لماذا لا نتأثر بالقرآن ؟
الحلقة (1)
قال تعالى : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [الحشر21].
سؤال نطرحه على أنفسنا عند تلاوتنا ، أو سماعنا لكتاب الله ، لماذا لا نتأثر بالقرآن ؟
القرآن الذي كان بأيدي الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان ... هو القرآن الذي بين أيدينا اليوم .
لماذا هم يتأثرون بالقرآن ، ونحن لا نتأثر ؟
لماذا هم يعملون بمحكمه ، ويؤمنون بمتشابهه ، ويقفون عند حدوده ، ونحن في إعراض مستمر عن أحكامه ، وتعاليمه ، وتوجيهاته ؟ .
لماذا يبكون عند تلاوة القرآن ، ونحن لا نبكي إلا من رحم الله ؟
لو سألت أحداً منا اليوم :
ماذا استفدت من قراءتك للقرآن ؟
لن يتعدى الجواب عند أحدنا : " للحصولِ على الثواب " .
وأنعم بها من فائدة ... ولكن أين العناية والاستفادة من معاني القرآن ، وما تحمله من هداية واستقامة على دين الله ، وأوامر الله :
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) [ البقرة185] .
هدى ، وبينات من الهدى والفرقان ....
(إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) [ الإسراء 9] .
يهدي للتي هي أقوم ....
( مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) [ طه2] .
سعادة ...
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) [ الفرقان32 ] .
تثبيت للقلوب ...
( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) [ الزمر 27] .
( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ ) [ق45] .
ذكرى وموعظة ...
( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [ الحشر21].
خشوع لله ، وتعظيم ...
فالواحد منا يقرأ القرآن ، ويختم القرآن ، ويجود القرآن ، ويقرأه على عدة قراءات ، ويفسره ، دون أن تجد أثراً لهذه القراءة ، وهذا التفسير في أفعاله وسلوكه ـ إلا من رحم الله ـ بل لو سألت أحداً منا عن الآيات التي أستوقفته وأثرت فيه وفي حياته ، لا تجد عنده جواباً .
فهل القرآن نزل من أجل تجويده ، وترتيله ، وتفسيره ، وطلب الثواب في قراءته فقط ؟ !!
لا ، قيمة القرآن وبركته ، تكمل في معانيه ، في تدبره وتأمله ، والعمل به ، فما اللفظ وترتيله إلا وسيلةٌ في إدارك المعنى وتحصيله ، وطلبِ الخشوع ، و التأثرِ به ..
( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) [ النساء82 ] .
(كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [ص29] .
( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) [محمد24] .
يتبع ...
 
الحلقة (2)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ قدس الله روحه ـ في مقدمة أصول التفسير ( ص 75) : « ومن المعلوم أن كلَّ كلامٍ فالمقصودُ منه فهمُ معانيه دون مجردِ الفاظه ، فالقرآنُ أولى بذلك » أهـ .
فالعبرةُ ليست بمقدار ما يقرأه الإنسان ، بل بمقدار ما يستفيده .
فأين التأثيرُ من قراءة القرآن .. والله تعالى يقول :
( وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً ) الآية [ الرعد31 ] .
ويقول : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) [الحشر21].
هل يكون تأثرُ الجن بهذا القرآن خيراً منا ؟ !
( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (32) .[ سورة الأحقاف ] .
أين النفوسُ والقلوبُ التي تحسنُ الاستماعَ إلى القرآن ، واستقبالَه ، والتعاملَ معه على أنه كتابُ هدايةٍ وشفاءُ للناس من الجهل ، والشرك ، والذنوب ، والمعاصي ، شفاءٌ للقلوب من ظلمةِ الكفر والشرك بالله إلى نور الإيمان والهداية ، والفرحِ والسرور ، والرضا عن الله تعالى ؟
أين القلوب التي تحسن الاستماعَ إلى القرآن ، والتأثرَ به ، والعملَ به ..
قبل أيام من شهر رمضان المبارك كنت أستمع إلى قراءة أحد أئمة الحرم عبر الرائي يقرأ ـ حفظه الله ـ بقراءة كلها خشوع وبكاء ، وكنت أنظر إلى عدسة التصوير تجوب أرجاء الحرم المكي الشريف وترى الناس وكأنهم لا يسمعون القرآن ـ إلا من رحم الله ـ وعندما قنت الإمام وأخذ بالدعاء رأيت العجب من البكاء ، والخشوع ، والتضرع ـ وهذا طيب ـ ولكن كان الأولى أن ترى هذا الخشوع ، وهذا البكاء ، وهذا السؤال والتأثر في الناس وهم يستمعون القرآن ، وهم يستمعون تلك الآيات التي لو أنزلت على ( جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) [الحشر21] .
يتبع ...

 
الحلقة (3)
لماذا غير القرآنُ حياةَ الصحابة – رصي الله عنهم - ، ولم يغير حياتَنا ؟!
الجواب : لأنهم أحسنوا التعاملَ مع القرآن ، أدركوا قيمتَه وفهموا المقصدَ من نزوله ، وأنه لا عزَّ لهم ولا نصرَ لهم إلا بالتمسك به وبتعاليمه .
عاش الصحابةُ القرآنَ بكل ما فيه ، تلاوةً ، وخشوعاً ، وتدبراً ، وعلماً ، وعملاً ، حتى صار الواحدُ منهم كأنه قرآناً يمشي على الأرض .
كان القرآنُ حياتهُم :
أخرج ابن إسحاق ، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في غزوة ذات الرِقاع من نخل ، فأصاب رجل إمرأة رجل من المشركين . فلما انصرف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ قافلاً أتى زوجُها ـ وكان غائباً ـ فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً . فخرج يتبع أثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ منزلاً فقال : «من يكلؤنا ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ، ورجل من الأنصار فقالا : نحن يا رسول الله . قال : «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري : أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه ؟ قال : بل أكفني أوّلَه ، فاضطجع المهاجريُّ فنام ؛ وقام الأنصاريُّ يصلِّي .
قال : وأتى الرجل : فلما رأى شخصَ الرجلِ عرف أنه ربيئةُ القوم ، فرمى بهم فوضعه فيه ، فانتزعه الأنصاريُّ ووضعه وثبت قائماً .
قال : ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه ، فنزعه فوضعه وثبت قائماً .
قال : ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه ، ثم ركع وسجد ، ثم أهبّ صاحبَه ، فقال : إجلس فقد أُثْبِتُ.
قال : فوثب الرجل ، فلما رآهما عرف أنه قد نَذِرا به ، فهرب .
قال : ولما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدماء ، قال : سبحان الله !! أفلا أهببتني أول ما رماك ؟ قال : كنت في سورة أقرؤها ، فلم أحبَّ أن أقطعها حتى أنفذها .
فلما تابع عليّ الرمي ركعت فآذنتك ، وايْمُ الله ، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها .
علقه البخاري في "صحيحه" في " كتاب الوضوء" فقال : ويذكر عن جابر بن عبد اللّه ، أن النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم ـ كان في غزوة ذات الرقاع ، فرمى رجل بسهم فنزفه الدم ، فركع وسجد ومضى في صلاته . انتهى .
قال الحافظ في الفتح ( 1 / 375) : « وصله ابن إسحق في المغازي ، قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن أبيه مطولاً .
وأخرجه أحمد ، وأبو داود ، والدارقطني ، وصححه ابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، كلهم من طريق ابن إسحق .
وشيخه صدقة ثقة ، وعَقيل بفتح العين لا أعرف راوياً عنه غير صدقة ، ولهذا لم يجزم به المصنف ، أو لكونه اختصره ، أو للخلاف في ابن إسحق » .
وقال : « وأخرجه البيهقي في الدلائل من وجه آخر ، وسمى الأنصاري المذكور عباد بن بشر ، والمهاجري عمار بن ياسر ، والسورة الكهف » .
القوةُ في تعظيم القرآن ، الهيبةُ لكلام الله وهو يقرأ ، سرُ حياتهم هذا القرآن .
وايْمُ الله ، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها .
يتبع ..

 
<BLOCKQUOTE>الحلقة (4)
العبرةُ ـ والله ـ ليس بختم القرآن فقط دون تدبر وتعقل لمعانيه ، العبرة أن نقيم القرآن في حياتنا وواقعنا ، أن نقرأ القرآن على مكث :

<FONT face="Traditional Arabic">(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْ
 
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته

كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته

اولا اشكر الاخ الفاضل علي اثارة هذا الموضوع لانه من وجهة نظري مهم جدا
تدبر القرآن
وردت نصوص كثيره تحث المسلمين علي تدبر القران وانه ما نزل الا لهذا الامر
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها وايضا قوله تعالي كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته . وغيرها
ترك التدبر هو نوع من انواع الهجر, هجر القرآن ليس فقط هجر تلاوة كما تعلمون ولكنه هجر 1-تلاوه 2- سماع 3- تدبر 4- استشفاء وتداوي 5- عمل
ولكن كل من يقرا القران الامن رحم ربي لا يعنيه فقط الا هجر التلاوه فاذا قرا يعتقد بذلك ادي الذي عليه حتي ولم يعي شيئا مما قرا
وهذا الذي عليه حالنا اليوم ,فقوم يقومون باقامة حروفة ومضيع لحدوده ! وقوم مضيع لحدوده وحروفه !
فعندما يخطئ بعضنا في نطق ايه يقولون اين التجويد ولكن اذا قرات مجود لا يسالك عن التدير
وانا اعتقد من وجهة نظري ان تدبر القرآن واجب وتجويده مستحب.
تدبروا حفطكم الله (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله ) انا اعلم انكم تحفظونها منذ نعومة اظفاركم , ولكن اين الخشوع من خشية الله , فيالهها من غفله .
وسوف اقوم بطرح موضوع جديد حول كيفية تدبر القران علي الاعضاء والمشرفين لعلهم يفيدوننا في هذا الموضوع الذي والله لا يقل اهميه عن علم القرآت او التجويد.
 
الحلقة (4)
العبرةُ ـ والله ـ ليس بختم القرآن فقط دون تدبر وتعقل لمعانيه ، العبرة أن نقيم القرآن في حياتنا وواقعنا ، أن نقرأ القرآن على مكث :
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) [الإسراء106]
على مُهل وتؤدة ليفهموه ..
وأخيراً : هذا القرآن ، هو القرآن الذي كان بأيدي الصحابة ..والذي صنع منهم الجيل المثالي للأمة ، صنع منهم العلماء ، صنع منهم الدعاة ، صنع منهم العُبّادَ ، والأتقياءَ ، والقادةَ ، والأبطالَ ، صنع منهم النساءَ المثاليات ، والأمهاتِ المربيات ، لا يعرفن تبرجاً ولا سفوراً ، نصب أعينهن قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) [الأحزاب 33 ] .
صنع لهم حياةً مثاليةً فيها عزُّ الدنيا والآخرة ..
فما الذي حدث ؟
لماذا لم يعد القرآن ينتج مثل نماذج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والتابعين ـ رحمه الله ـ ؟
هل فقد مفعوله في الأمة ، أم الأمة فقدت مفعولها من القرآن ؟
لا واللهِ ، العيبُ فينا .. العيبُ في الأمة ... وليس في القرآن ، حاشا لله أن يكون في القرآن ، وهو معجزةُ الله الخالدة إلى يوم القيامة ، الهدايةُ من الله للأمة :
( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) [ الإسراء 9] .
الخلل فينا نحن ، فمع وجود المصاحف في كل بيت ، وما تبثه الإذاعات ليل نهار من آيات القرآن ، ومع وجود عشرات بل مئات الآلاف من الحفاظ على مستوى الأمة وبصورة لم تكن موجودةً في العصر الأول ، إلا أن الأمة لم تجن ثماراً حقيقية لهذا الاهتمام بالقرآن ..
لأننا لا نوفر للقرآن الشروط التي يحتاجها لتظهرَ آثارُ معجزته ويقوم بمهمة التغيير ، فلقد اقتصر اهتمامنا بالقرآن على لفظه ، واختزل مفهومُ تعلم القرآن على تعلم حروفه ، وكيفية النطق بها دون أن يصحبَ ذلك تعلمُ معانيه ، وأصبح الدافعُ الرئيسي لتلاوته هو نيل الثواب والأجر دون النظر إلى ما تحمله آياته من معان هادية وشافية ، مما جعل الواحدَ منا يسرح في أودية الدنيا وهو يقرأ القرآن ، ويفاجأ بانتهاء السورة ليبدأ في غيرها ، ويبدأ في السرحان مرة أخرى دون أن يجد حرجاً في ذلك ، بل إنه في الغالب ما يكون سعيداً ، وفرحاً بما أنجزه من قراءة كماً لا كيفاً !
ندير مؤشر المذياع على صوت قارئ القرآن ، ثم نتركه يرتل الآيات ، ويخاطب بها الجدران ( وأستغفر الله من هذا اللفظ ، فإنه عظيم ) ، أو للبركة ، أو من أجل العين ، أو الحسد ، أو السحر فقط ، هذا هو حالنا وواقعنا مع القرآن ، ثم ينصرف كل منا إلى ما يشغله ، فأين الاستماع إلى القرآن ؟ .
هذا هو تعاملنا مع القرآن ، تعاملٌ شكليٌّ لاحقيقة فيه ، تعاملٌ مع حروفه ، تعاملٌ مع التغني به ، تعاملٌ مع تجويدِهِ وقراءتِهِ على عدةِ أوجه .. تعاملٌ لجعله فقط رُقى نعالج به المرضى ...
وهذا ، والله طيب ، ولكن أين التعامل الحقيقي مع القرآن ، أين التعامل مع معانيه ، أين التعامل مع حدوده وواجباته ، وأوامره ونواهيه ، أين التعامل مع توجيهاته وتوصياته ، أين التعامل مع التفقه فيه ، أين التعامل مع أوامره ونواهيه ، لهذا فقدنا تأثير القرآن ، فقدنا معجزة القرآن ، تغيرت علينا أنفسُنا وقلوبنُا وأصبحنا لا ننتفع بالقرآن .
فلا بد من عودة لنحيا بالقرآن ..
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) [الأنفال2] ..
( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ (92) [ النمل ] .
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
تم بحمد الله تعالى ..
 
يعطيك العافية يا شيخ ضيدان

على هذه الكلمات المباركات ..

وأظن أن الأمر متعلق بالتوفيق والإعانة ، والحرمان والخذلان

ولا يخفاك ما ماز الله به تعالى الرعيل الأول رضي الله عنهم من غيرهم

ولا يمنع أن يتحقق ذلك بعدُ في جماعة محدودة أو أفرادٍ معينين بفضله ومنّه عز وجلّ

كما أن الله سبحانه - يغار على كتابه إذا جمع العبد به ما يضاده فيصرفه عنه ..

وأيضاً لطبعنا وجبلتنا الناقصة المقصّرة نحتاج دوماً إلى التذكير والموعظة والتوسع في ذلك

أما أن تطمع أن نكون ملائكة لا نذر صغيرة ولا كبيرة منه إلاّ قمنا بها .. فهيهات !

أسأل الكريم الرحمن لي ولك ، ولكل مسلم أن يجعله ربيع قلوبنا ونور صدورنا

وجلاء همومنا وغمومنا وأن يتوفانا وهو راضٍ عنّا

يارب ..
 
موضوع جميل وبحاجة للتأمل في هذه الأيام قبل ورود الشهر الكريم علينا.
 
لماذا لا نتدبر القرآن الكريم؟

لماذا لا نتدبر القرآن الكريم؟

أولاً : أسباب هجر تدبر القرآن الكريم
قل مَنْ يقرأ القرآن ، وقل مِنْ هؤلاء القارئين مَنْ يتدبر القرآن ، ويقف مع وعده ووعيده؛ حتى تتحقق له الدعوة إلى الطاعة، والزجر عن المعصية ، فإذ بالقرآن - الذي لو أنزله الله على الجبال الرواسي الشامخات لتصدعت من خشية الله – إذا به يٌقرأ، وآيات الوعد والوعيد تسمع، ولكن قلوب قاسية، وأبدان جامدة، وأعين متحجرة، فلا قلب يخشع ، ولا بدن يخضع، ولا عين تدمع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
( مَنْ لم يقرأ القرآن فقد هجره ، ومَنْ قرأ القرآن ولم يتدبره فقد هجره ، ومَنْ تدبر القرآن ولم يعمل به فقد هجره ) ([1]) .
وترجع ( ظاهرة ) هجر تدبر القرآن إلى أسباب كثيرة منها :
1ـ الذنوب والمعاصي 2 ـ ترك الدعاء 3ـ الجهل باللغة العربية
4ـ التخلي عن موانع الفهم 5ـ هجر كتب التفسير
وإليك بيان هذه الأسباب بشيء من التفصيل:
أولاً : الذنوب والمعاصي
من عقوبات الذنوب والمعاصي أنها تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه ، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فإن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان ، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (14) سورة المطففين. قال العلماء : هو الذنب بعد الذنب حتى يطبع على قلب صاحبها فيكون من الغافلين ، ويحرم من العلم ؛ ولذلك قال الله تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. فينبغي لمن أراد أن يتدبر القرآن أن يبتعد عن الذنوب والمعاصي ( وبخاصة التي تتعلق بأدوات ووسائل التدبر: القلب والسمع واللسان والبصر. فاستخدام هذه الأدوات في الحرام يعرضها لعدم الانتفاع بها في الحق قال تعالى : { وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } (25) سورة الأنعام. وقال تعالى : {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } (5) سورة فصلت.
فذكر الله غطاء القلب وهو الأكنة ، وغطاء الأذن وهو الوقر ، وغطاء العين وهو الحجاب، فالحجاب يمنع من رؤية الحق ، والأكنة تمنعه من فهمه ، والوقر يمنعه من
سماعه )([2]) .

لما جلس الإمام الشافعي - رحمه الله - بين يدي الإمام مالك - رحمه الله - ، وقرأ عليه ، أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ؛ فقال له: (إن الله - تعالى - قد ألقى على قلبك نوراً ، فلا تطفئه بظلمة المعصية ) .
ومما ورد عن الشافعي – رحمه الله – قوله :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي

فأرشدني إلى ترك المعاصي


وأخبرني بأن العلم نور


ونور الله لا يؤتاه عاص


ومما سبق يتضح أن الذنوب والمعاصي من أعظم الأسباب التي تحول بين العبد وتدبر القرآن الكريم ([3]).

ثانياً : ترك الدعاء
إن الدعاء سلاح المؤمن في جميع أموره ، ولذلك فإن سير الأنبياء والصالحين مليئة بالأدعية الصالحة المستجابة ، وكان السلف الصالح إذا استعصى عليهم فهم آية من كتاب الله وتدبرها ، لجأوا إلى الله بالتضرع والدعاء مع تخير الأوقات المناسبة للإجابة، وسنذكر بعضاً من سيرهم في ذلك :
يذكر الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في سياق هجرة عمر بن الخطاب مع عياش بن ربيعة وهشام بن العاص - رضي الله عنهم - (ولقد حبس الكفار هشاماً عن الهجرة، واستطاع أبوجهل أن يرد عياشاً إلى مكة بعد حيلة ماكرة وخطة غادرة ... وقد كان شائعاً بين المسلمين أن الله لا يقبل ممن افتتن توبة ، وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم حتى قدم رسول الله r المدينة ، وأنزل الله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (53ـ55) سورة الزمر. قال عمر: وكتبتها وبعثت بها إلى هشام بن العاص .قال هشام : فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها وأصوب، ولا أفهمها؛ حتى قلت: اللهم فهمنيها؛ فألقى الله في قلبي أنها إنما أنزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ، ويقال فينا ، قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله r بالمدينة ) ([4]).
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - يقول في دعائه دائماً: ( اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمني ، ويا مفهم سليمان فهمني ) فيجد الفتح في ذلك([5]). فالزم - أخي الحبيب - الدعاء دائماً ، وسل الله من فضله أن يرزقك فهم كتابه ، وتدبر معانيه، وقل : ( اللهم إني عبدك ابن عبدك ، ابن أمتك ، ماضٍ فيَّ حكمك ، عدلٌ فيَّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وجلاء حزني، وذهاب همي )([6]).

ثالثاً : الجهل باللغة العربية
إن الله - تعالى - أنزل القرآن الكريم بلغة العرب قال تعالى :
{وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}
(103) سورة النحل، وقال تعالى : {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (192ـ195) سورة الشعراء.
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله - :
( وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات ، وأبينها ، وأوسعها ، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ؛ فلهذا أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات )([7]) .
وبَيَّنَ اللهُ - تعالى - الحكمة من إنزاله بلغة العرب فقال : {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (2) سورة يوسف. {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (28) سورة الزمر. {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (3) سورة فصلت.
وإذا كان العبد لا يعرف لغة العرب ولا أساليب كلامهم ؛ فأنى له أن يفهم مقصود ربه - سبحانه وتعالى - أو يتدبر آيات القرآن الكريم ) ([8]).
ذكر الإمام القرطبي - رحمه الله -:
( أن أعرابياً قدم المدينة فقال : مَنْ يقرئني مما أُنْزِلَ على محمد r ؟ فأقرأه رجل سورة براءة حتى أتى على الآية الكريمة :{وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } (3) سورة التوبة. فقرأها عليه بالجر {وَرَسُولِهِ} - أي بالكسرة تحت اللام - ، فقال الأعرابي : وأنا أيضاً أبرأ من رسوله ، فاستعظم الناس الأمر. وبلغ ذلك عمر فدعاه، فقال: يا أعرابي! أتبرأ من رسول الله r ؟! فقال: يا أمير المؤمنين ! قدمت المدينة فأقرأني رجل سورة براءة ، فقلت : إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه . فقال عمر : ما هكذا الآية يا أعرابي ! . قال : فكيف يا أمير المؤمنين ؟ فقرأها عمر عليه بالضم {وَرَسُولُهُ }. فقال الأعرابي : وأنا أبرأ مما برئ اللهُ ورسولُه منه. فأمر عمر ألا يُقْرِئُ الناس إلا عالمٌ بلغة العرب )([9]) .
كيف يفهم المسلم كتاب ربه ، ويتدبره وهو لا يعرف قواعد اللغة العربية ، ولا يميز بين الاسم والفعل والحرف، ولا الفاعل من المفعول ، وغيرها مما يتوقف عليه فهم الخطاب، فمثلاً كيف يفهم قوله تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة. أو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} (28) سورة فاطر

رابعاً : عدم التخلي عن موانع الفهم
( وموانع الفهم كثيرة منها :
1- أن يكون الهم منصرفاً إلى تحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها ، وعدم التفكر في معاني كلام الله – عز وجل - ، بحيث يحرص كل الحرص على ترديد الحرف وتكراره وذلك لأن الشيطان يخيل إليه أنه لم يخرج الحرف من مخرجه ، ولم يعطه حقه في النطق.
2- أن يكون المسلم مقلداً لمذهب سمعه بالتقليد وجمد عليه ، وثبت في نفسه التعصب له بمجرد الاتباع للمسموع من غير وصول إليه ببصيرة ومشاهدة ، فهذا إن سمع تفسيراً للآية غير ما سمع ، إذا به يرده من غير تردد: مثل مَنْ عرف أن تفسير قولـه تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه. أن معنى: {اسْتَوَى} استولى . واستقر ذلك في نفسه حتى صار عقيدة راسخة له ، فإذا به لو عرف بعد ذلك أن معنى: {اسْتَوَى} ليس استولى وأنه خلاف الحق والصواب الذي عليه جمهور السلف الصالح ، وأن معناها الحقيقي: استقر وعلا وارتفع، فإذ به يرد هذا المعنى الحق ، ولا يقبله ، وأحياناً يعادي ويبغض من يدعو إليه .
3- أن يكون المسلم مُصِّراً على ذنب، أو متصفاً بكبر، أو مبتلى - في الجملة - بهوى في الدنيا، فإن ذلك يسبب ظلمة القلب وصدئه، وقد شرط الله الإنابة في الفهم والتذكير، فقال تعالى : {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} (8) سورة ق. وقال عز وجل: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} (13) سورة غافر. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} (19) سورة الرعد. فالذي آثر غرور الدنيا على نعيم الآخرة فليس من ذوي الألباب؛ ولذلك لا تنكشف له أسرار الكتاب)([10]).
خامساً : هجر كتب التفسير
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله - : (إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله - تفسيره - كيف يلتذ بقراءته) ([11]).
كيف يتدبر القرآن من هجر كتب تفسير القرآن ولم يطالعها ويدارسها ، ولم يعرف أسباب النزول … وغيرها من علوم القرآن، وغالباً لا يسلم صاحب هذا المنهج من الخطأ في فهم الآيات ، والاستدلال بها ، والخطأ في العمل والتطبيق .
عن أسلم أبي عمران التجيبي قال: (كنا بمدينة الروم ، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة فُضَالة بن عُبيد، فحمل رجل من المسلمين على صف الروم ، حتى دخل عليهم فصاح الناس، وقالوا : سبحان الله ! يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقام أبوأيوب الأنصاري فقال: (يا أيها الناس إنكم لتأولون هذه الآية هذا التأويل؛ وإنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعز الله الإسلام، وكثر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله r: إن أموالنا قد ضاعت، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله – تبارك وتعالى – على نبيه r يرد علينا ما قلنا: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (195) سورة البقرة. فكانت التهلكة الإقامة على الأموال، وإصلاحها، وتَرْكنا الغزو، فما زال أبوأيوب شاخصاً في سبيل الله حتى دُفِنَ بأرض الروم )([12]) .
فتأمل - أخي الحبيب - كيف تأول بعض التابعين الآية على غير مراد الله، وهم من أفضل القرون، وأقرب إلى عصر التنزيل، فكيف بنا في هذا الزمان وقد صارت الألسن أقرب إلى لسان العجم منها إلى لسان العرب ؛ فما أحوجنا - نحن المسلمين - إلى دراسة كتب التفسير ليحصل لنا فهم كلام الله - عز وجل - وبخاصة ما يسمى (التفسير بالمأثور) ومن أشهر هذه الكتب: تفسير الإمام الطبري، وتفسير الإمام البغوي، وتفسير الإمام ابن كثير ، وتفسير الدر المنثور للسيوطي، وتفسير الإمام الشوكاني ...
وإليك نماذج من كتاب الله - جل وعلا - يوهم ظاهرها التعارض، وبالرجوع إلى كتب التفسير يزول هذا الإشكال، ويُدْفَعُ هذا الإيهام والتعارض وصدق الله إذ يقول: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (82) سورة النساء ([13]).
النموذج الأول : الهداية هدايتان :
قال الله - تعالى - عن وصف رسوله r :{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى. وقال في موضع آخر : {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (56) سورة القصص . في الآية الأولى أثبت الله لرسوله r الهداية ، وفي الآية الثانية نفى عنه ذلك ، فكيف نوفق بينهما ؟

بالرجوع إلى كتب التفسير يتبين لنا أن الهداية هدايتان :
أ- هداية الدلالة والإرشاد : وهذه هي المثبتة في حق النبي r فهو يهدي : أي يدل ويرشد ويبين الصراط المستقيم ، والطرق الموصلة إليه ، وكذلك القرآن الكريم ، فقد قال - تعالى - :{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
ب- هداية التوفيق والسداد : وهذه هي المنفية عن النبي r وعن غيره فهي خاصة بالله – عز وجل – فهو وحده الذي يوفق ويسدد من يستحق إلى الهداية والصلاح .

النموذج الثاني : أين الله ؟
قال تعالى : {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } (16) سورة الملك.{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } (84) سورة الزخرف. ويقول {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} (3) سورة الأنعام. في الآية الأولى ذكر الله عن نفسه أنه في السماء ، وفي الآيتين الثانية والثالثة ربما يفهم البعض منهما أن الله في السماء والأرض ، ومن ثم في كل مكان !
وبالرجوع إلى كتب التفسير يتضح أن الآية الأولى: تثبت عقيدة أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين والأئمة والصالحين أن الله - تعالى - في السماء كما أخبر مستوٍ على عرشه قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (5) سورة طـه ([14]) .

وأما الآية الثانية: فلا علاقة لها بموضوع المكان ، وإنما تتحدث عن العبودية لله - سبحانه وتعالى - ، فإن لفظ {إِلَهٌ} تعني : المعبود بحق ، فمعنى الآية إذن : أن الله معبود من في السماء كما أنه معبود مَنْ في الأرض . وأما الآية الثالثة : تتناول قضية العلم فمعناها : أن الله يعلم ما في السموات والأرض .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref1([1]) كتاب ففروا إلى الله للشيخ أبي ذر القلموني ص ( 187) طبعة دار المنار .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref2([2]) شفاء العليل ص (93) ، والتفسير القيم ص (347) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref3([3]) انظر لمزيد من الفائدة كتاب الداء والدواء للإمام ابن القيم – رحمه الله .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref4([4]) البداية والنهاية للحافظ ابن كثير (3/136-137) بتصرف ، طبعة دار الكتب العلمية .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref5([5]) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (4/38) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref6([6]) (حديث صحيح ) أخرجه أحمد وابن حبان من حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه - مرفوعاً ، انظر السلسلة الصحيحة (199) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref7([7]) تفسير ابن كثير (2/467) طبعة دار الفكر.

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref8([8]) كيف يحفظ القرآن لإبراهيم الشربيني ص (81-82) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref9([9]) تفسير القرطبي (1/21) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref10([10]) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي (1/235-236) بتصرف ، طبعة دار الريان .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref11([11]) مقدمة تفسير الطبري لمحمود شاكر (1/10) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref12([12]) ( حديث صحيح ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2373) ، والسلسلة الصحيحة للألباني (13) .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref13([13]) راجع كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للإمام محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله - .

http://vb.tafsir.net/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=152570#_ftnref14(1) راجع هذه المسألة في كتب العقيدة الواسطية وشروحها ومعارج القبول، والعلو للذهبي ومختصره للألباني.
 
عودة
أعلى