لماذا كانت بقرة بني اسرائيل تسر الناظرين!

إنضم
20/04/2003
المشاركات
566
مستوى التفاعل
24
النقاط
18
لماذا كانت بقرة بني اسرائيل تسر الناظرين!



قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [البقرة : 69]

لماذا زاد في الوصف" تَسُرُّ النَّاظِرِينَ" مع أنهم لم يطلبوا إلا معرفة لون البقرة ؟

لا شك أن عبارة "صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا" قيد مميز كاف لأنه حسي موضوعي ، أما تسر الناظرين فهو قيد ذاتي نفسي لن يعول عليه في التمييز لأن اليهود – وهم قوم بهت - سيقولون دائما هذه البقرة الصفراء ليست هي المطلوبة لأنها لا تسرنا في النظر!

لكن القرآن أنزله الله بعلم فجملة " تَسُرُّ النَّاظِرِينَ" ليست موجهة إلى قوم موسى بصدد نازلة خاصة فحسب ، بل هي موجهة لكل متدبر للقرآن ستقوده في نهاية المطاف إلى الوقوف على آية علمية باهرة تتعلق بطبيعة الألوان .

ذلك أن اللون تخترعه العين وليس له وجود موضوعي في الجسم المرئي !

بيان ذلك باختزال:

أن شعاع الضوء يسقط على الجسم ...وهنا ثلاث حالات:

1- إما أن يمتص الجسم الشعاع كله فلا يرجع منه إلى العين شيء فيكون الجسم أسود،

2- إما أن يعكس الجسم الشعاع كله ولا يمتص منه شيء فيكون الجسم أبيض،

3- إما أن يمتص الجسم بعض الشعاع ويعكس بعضه ،وسيتحدد اللون فيما بعد بحسب طول موجة الضوء المنعكس.

ثم تستقبل العين الضوء المنعكس من الجسم الخارجي بحسب تركيبتها العضوية (القرنية، الشبكية،الوريقات العصبية...الخ)

وعليه فلا يكون البياض والسواد لونين بل حالتين: فالبياض مثلا يتحلل إلى ألوان الطيف ،وألوان الطيف (ألوان قوس قزح) تصبح بياضا - كما أثبت نيوتن في تجربته ونظريته الشهيرة-.فالبياض ليس قسيما للصفرة والحمرة والخضرة لأنها من مكوناته ولا يمكن للشيء أن يكون قسيما لجزئه!

قالوا:

"نرى الأشياء في صورة معتدلة. ولكن في الحقيقة تكوّن العدسة صورة مصغرة مقلوبة على البقعة الحساسة من الشبكية؛ وتترجم تلك الصورة بألوانها في الشبكية إلى إشارات كهروكيميائية تنتقل عن طريق عصب العين إلى الدماغ لمعاملتها. ترى كل عين من العينين صورة للشيء ويقوم الدماغ بدمج الصورتين فنرى صورة مجسمة للشيء..تتم رؤية الألوان بواسطة نوع معين من الخلايا الحساسة لألوان الضوء، تلك هي خلية مخروطية: نوع من تلك الخلايا المخروطية يرى اللون الأحمر، ونوع يرى اللون الأزرق ونوع ثالث يرى اللون الأخضر. هذا يكفي العين أن تميز جميع الألوان التي نراها للأشياء..."

حاصل هذا الكلام التقني أن اللون هو مجرد تأويل للدماغ بحسب ما ترسله إليه العين....فلا وجود للون في الجسم الخارجي بل هو من إنتاج الناظرفقط...فلا غرابة أن يختلف الناظران إلى جسم واحد في لونه، فالوردة التي يراها الأنسان زرقاء مثلا قد تراها النحلة بنفسجية بسبب اختلاف تركيبة العينين الناظرتين ...ومن الناس من عندهم عمى الألوان فلا يرون بعض الألوان أو يرونها على نحو مختلف كل ذلك رهين بالمعطيات التي ترسلها العين إلى الدماغ المؤول!

هذا سر من أسراراقترن صفرة بقرة بني إسرائيل بالناظرين؟

واستقراء اللون الأصفر في التنزيل يثبت هذا الاقتران بين اللون وفعل الرؤية:

1-

وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ [الروم : 51]

2-

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [الزمر : 21]

3-

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد : 20]

جاءت الصفرة في الآيتين مقترنة بالرؤية والموضوع فيهما واحد ، هو استعراض تعاقب الحالات المختلفة على النبات ، إلا أننا نلحظ أن في حالة الحطام قد تغير الفعل العامل ( ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا- ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا) هذا التفنن ممكن في صفة الحطام لأنها صفة موضوعية مستقلة عن الملاحظ فالزرع حطام في نفسه سواء أكان هناك مشاهد أم لا أما اللون فصفة نسبية لا جود لها إلا بوجود عين باصرة!

4-

كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ [المرسلات : 33]

لم تذكر هنا الرؤية ، لكن هذا الاستثناء تأكيد للقاعدة وليس نقضا لها ، كما سنبين إن شاء الله.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
( ذلك أن اللون تخترعه العين وليس له وجود موضوعي في الجسم المرئي ! )
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .
 
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ . وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ [فاطر : 28]

في الآيتين استعراض شامل للألوان فقد امتدت إلى المملكات الثلاث:

مملكة النبات

مملكة الجماد
مملكة الحيوان

في مملكة النبات ذكرت الثمرات المختلفة الألوان التي أخرجت بعد نزول الماء ، وفي مملكة الجماد ذكرت ألوان التربة والصخور في الجبال ،وفي مملكة الحيوان ذكرت ألوان البشر والأصواف والأوبار في الناس والدواب والأنعام...

وهنا أيضا ما يثبت فرضيتنا عن اقتران اللون والعين فقد سورت الآيتان بالجملة الاستفهامية :"أَلَمْ تَرَ" والرؤية تحتمل القلبية والبصرية...

ذكرت الالوان بإجمال وفصلت قليلا في معرض ذكر الجبال (البياض والحمرة والسواد) وهاهنا مذهبان : المذهب (العرفي ) الذي يعتبر البياض والسواد لونين من جملة الألوان والمذهب (العلمي ) الذي يعتبر البياض والسواد "وضعيتين" أما الألوان فهي ألوان الطيف السبعة التي ينحل إليها البياض وأما السواد فهو أمر عدمي أي عدم انعكاس أي موجة ضوئية من الجسم.

وقد يكون في الآية إشارة إلى هذا المعنى فقد ذكر اختلاف الالوان عند ذكر الحمرة فقط لأنها فرد منها وعطفها على الجدد البيض وعطف عليها الغرابيب السود...والعطف يفيد المغايرة والله أعلم.



لا تقترن الألوان بالعين في موضعين:

1- عندما يكون اللون في الآخرة:

أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف : 31]

مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ [الرحمن : 76]

عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا [الإنسان : 21]

كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ [المرسلات : 33]

وتعليل ذلك أن الرؤية في الآخرة لا تتحقق على النحو الذي تتحقق فيه في الحياة الدنيا ، وأكبر دليل على ذلك رؤية الله سبحانه وتعالى، فالله يستحيل أن يرى في الدنيا ،لأن الرؤية لا تكون إلا بانعكاس موجة ضوئية من جسم ، والله ليس بجسم ...هذه حجة المعتزلة والفلاسفة وهي صحيحة هنا لكنهم قاسوا الرؤية في الآخرة على الرؤية في الدنيا فضلوا وأضلوا، وأنكروا رؤية الله الثابتة بالسنة ، وانحرفوا عن عقيدة أهل السنة والجماعة...

الله يرى في الآخرة قطعا فلا بد أن تكون طريقة الإبصارهناك مختلفة

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق : 22]

2- لا يقترن اللون بالرؤية إذا كان لفظ اللون لا يراد به اللون مثل لفظ "الأخضر" فالأخضر قد يدل على اللون فيكون مقابلا للأحمر والأصفر وقد يكون دالا على الطراوة فيكون مقابلا للجاف واليابس

كما في قولهم :"أتت النار على الأخضر واليابس"

ولهذا ذكر الشجر الأخضر بدون اقتران بالرؤية في آية ( يس)

الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ [يس : 80]

فالمراد بالأخضر الطري الذي يسري فيه النسغ والماء فإخراج النار من الماء أدل على قدرة الله....لأنه إنشاء للشيء من المادة النقيض...

ونجد دلالة الأخضر على الطري في رؤيا ملك مصر:

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف : 43]

فقابل الخضر باليابسات....
 
السواد يُرى:
"وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ" الزمر 60
 
عودة
أعلى