لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة؟

د محمد الجبالي

Well-known member
إنضم
24/12/2014
المشاركات
400
مستوى التفاعل
48
النقاط
28
الإقامة
مصر
سألني أخي وصديقي الماليزي - وهو أستاذ داعية أزهري على علم - قال:

لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة في آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)".
وقد بحثت في كتب التفسير فما وقفت على جواب للسؤال، فاجتهدت وأرجو الله أن أكون قد أصبت الحق، وأساله العفو والمغفرة إن كانت الأخرى.
أرى أن لجواب هذا السؤال وجهين:
الوجه الأول:
لكي نقف على هذا الوجه يجب أن نعود للآيات السابقة فإن بعض الجواب متعلق بها موجود فيها ، فلو تأملنا آية التوبة (71) وآية التوبة (67) سنجد الآيتين قد عقدتا موازنة بين فريقين متناقضين متقابلين في كل شيء.
فإن قول الله عز وجل: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)"
تناولت الآية فيه الخصال المقيتة للمنافقين والمنافقات ، وذكرت أفعالهم القبيحة، فهم – المنافقون والمنافقات – يشبه بعصهم بعضا خُلُقا وعملا، فهم ذَوُو طبيعة واحدة حقيرة، ونفوس عليلة مريضة ، وقلوب سقيمة ، ومن شنيع خصالهم سوء الطوية ، ولؤم السريرة ، والغَمْز واللَّمْز الدَّسِّ ، والضعف عن المواجهة ، والجبن عن المصارحة ، فإن تلك الطبائع فيهم أصيلة راسخة ، أما سلوكهم وأفعالهم فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويبخلون أشد البخل ، وإنْ أَعْطَوْا فَرِئَاءَ الناس. فهم لا يجرؤون على الجهر بما في نفوسهم إلا حين يأمنون، فإنهم يخشون الناس، ولا يخشون الله لأنهم " نسوا الله" فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، فكان لهم سوء العاقبة أن "فنسيهم" الله فلا وزن لهم ولا اعتبار؛ فهم أحقر وأهون من أن يكون لهم عند الله وزن.

أما آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
فقد ذكرت الآية المؤمنين والمؤمنات، وأَثْنَت عليهم ، ومَدَحَتْهُم بِذِكْرِ أَخَصِّ وأهم الصفات التي تجمعهم: فإن المؤمنين والمؤمنات أولياء بعض ، يتناصرون ، ويتعاونون ، ويتحابون ، ويتناصحون، ويتولى المؤمن أخاه المؤمن ، فولاء المؤمن لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين.، وهم يأمرون بالمعروف الذي هو الخير من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة ، وهم ينهون عن المنكر الذي هو القبيح من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة، ويقيمون الصلاة على أوقاتها حق الإقامة خشوعا وأركانا، ويؤدون زكاة أموالهم، وهم قائمون على طاعة الله وطاعة رسوله، ثم كان عاقبة هؤلاء رحمة الله والفوز العظيم.

إن الآيتين تكادان تتساويان في عدد الصفات لكل فريق، فنجد صفة للمؤمنين يقابلها صفة للمنافقين تأمل هذه الموازنة:
- "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ" يقابلها "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ"
- "بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" يقابلها "بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ"
- "يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" يقابلها " يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ"
- "وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" يقابلها " وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ"
- "أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" يقابلها "فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"

الوجه الثاني: لجواب السؤال المتقدم نجده في آية أخرى من كتاب الله عز وجل:

إن الله تعالى يقول:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
إن قول الله عز وجل: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} تعليل وسبب لما قبله، فإذا انقطع السبب انقطع المُسَبَّب ، فإن انقطعت الأمة عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، انقطعت الخيرية عنها وزالت.
إن المناكير الشديدة تفقأ عيوننا ولا تتحرك لنا نَخْوَة، والباطل الفاحش يَنْتَفِشُ ويَتَجَبَّر ولا تَتَمَعَّرُ له الوجوه ، والظلم القاهر يضرب أَطْنَابَه وينشر فِسْقَة وفَوَاحِشَه ، ويُمَكِّنُ للْفَسَقَةِ الفَجَرَة ولا تَثُورُ في نفوسنا غَيْرَةُ ولا حَمِيَّة ،كأنَّ الناس صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، إلا ما رحم الله. فهل مع هذه الحال : مازالت الأمة خير أمة؟
أشك في ذلك ، إني لا أشكك في قول الله عز وجل { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }، لا ، أعوذ بالله من ذلك ، ولكني آخذ قول الله ووصفه لنا بأسبابه التي على أساسها تحققت خيرية الأمة، فإن تعطلت الأسباب انقطعت النتائج المترتبة عليه.
ولقد جاء بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو أشد من ذلك وأخطر ، ألا وهو:{وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، لقد جاء الإيمان بالله بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي أن الإيمان مُتَرَتَّبٌ عليهما ، ناتج عنهما ، فإن تعطلا ، تعطل بتعطلهما الإيمان.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، وصدق الإيمان بك، وحسن التوكل عليك.

بقلم د. محمد الجبالي
 
بارك الله في علمك و بك أخي الكريم
يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان.

مشكلتنا أخي الكريم تنحصر في أن الدعاة تولوا أمر الدعوة فأمروا بالمعروف تلو المعروف تلو المعروف... لكنهم تراجعوا عن النهي عن المنكر تلو المنكر لأسباب قد تكون عظيمة عند البعض و عندك وعندي أيضاً , ولكنها كلها أسباب دنيوية .




أسوق لك مثلين لأقوام ذكرهما الله عزو جل في القرآن و أنت و القارئ الكريم تحكمان على نهي النفس عن الهوى عند كليهما!




الأول : في حكاية سورة البروج إذ صبرالمؤمنون على ما فعله أصحاب الأخدود بهم و نهوا أنفسهم عن الهوى باتباع غير الحق فدخلوا الجنة لأنهم تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر , و لعلك تذكر أن الطفل تكلم في المهد ليخبر أمه أنها على خير فلا تخش إلا الله .




الثاني : أصحاب الجاهلية "الأولى " .. و أنا عادة أسميها الجاهلية الأولى كما أسماها الله في القرآن الكريم , ذلك أني وجدت أننا قد نكون وصلنا إلى الجاهلية رقم 20 بتخلينا عن القيم والدين و الأخلاق و قيمة الإنسان و كل شيء حسن!




أصحاب الجاهلية الأولى يقول الله عنهم : (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم و حرموا ما رزقهم الله افتراءا على الله قد ضلوا و ما كانوا مهتدين).




لاحظ التعابير القرآنية الرائعة :



  • سفهاً
  • بغير علم
  • حرّموا ما رزقهم الله ( يعني رزقهم الله و لم يقدر رزقه عليهم ) و مع ذلك حرّموا رزق الله على صبيانهم و بناتهم.
  • و أخيرا : خسر و ضلوا بسبب تلك الأفعال التي منشأها السفاهة , و الموضة المنتشرة من وأد البنات إذ ذاك , وتقتير الرزق بل و تحريمه على الأبناء , و قتل الذكور بسبب النذور كما فعل جد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نذر أن يذبح ابنا له لو رزق بعشرة من الأبناء الذكور!


كانت نظرتهم عادية لتلك الأمور و السبب سفاهة المجتمع ككل و غياب النهي عن المنكر ( لأن المنكر هنا أصبح عادة ) , و إلا فإن المجتمعات الراقية لا تقبل بتعدي أحد على حق آخر حتى لو كان طفلاً!




أعتقدأن الأب الذي يئد ابنته أول ما تولد لديه فكرتين لا ثالث لهما:


أولاهما: أن زوجته حملت بتلك الفتاة تسعة أشهر وهذا زمن طويل على المرأة الحامل , هذا صحيح !


وثانيهما : لكن لا مانع أن نقتل الفتاة - بدافع شخصي إذ لم يكن أحد يجبر أحد على وأد ابنته و لم يكن فرعون و النمرود متواجدين وقتها- , لكن لا مانع و لا بأس أن نقتل طفلة بريئة بدافع الشح الذي يعلمه الله , و بدافع أن تلك الفتاة سوف يصرف عليها لسنين قبل أن تذهب لزوج غريب , وتلك السنين أطول – في نظره - من فترة التسعة أشهر التي حملت بها الأم تلك الطفلة الموؤودة! و لذلك يسأل الله الموؤودة يوم القيامة بأي ذنب قتلت !




خاصة أن الطفلة الموؤودة لن تدر عليه الأموال , فهي ليست كلب يتعهده ليرعى به الغنم ويحفظها , وهي ليست أنعام يأكل لحومها و ويستفيد من أصوافها و أوبارها و لبنها وثمنها! إنما هي طفلة بحاجة لماله الذي رزقه الله إياه فحرمه على البنت لأن لا منفعة و لا طائل من وراء تربيتها فهو عليه أن يتوارى من القوم ( خجلا ) من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ! لاحظت السفاهة و الجهل و عدم وجود فرعون يقتل أبناءهم!




أقول هذا لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن نتقي الظلم و الشح في حديث واحد, و برّر تجنب الشح بالتالي : " فإنه أهلك من كان قبلكم , حملهم على أن سفكوا دماءهم و استحلوا محارمهم!




سقت لك مثلين لأقوام و ردة فعلهم تجاه المنكر


أما المؤمنون في قصة البروج فقد صبروا على منكر شديد و لم يفتنوا في دينهم.


و أما الجاهليون فلم يصبروا على عادة نشأت في فترة قريبة جدا من ظهور الإسلام و محاها الإسلام بفضل الله عز و جل... و ذلك منكر خفيف , ولكنهم لم يطيقوا البعد عن عادات من حولهم.. و لعل القارئ الكريم يستغرب حين يعلم أن أول من وأد ابنته فجَرَت عادة وأد البنات بسببه , قد أدرك الإسلام!




ولعلي أذكر بغضب الله على اليهود و لعنته لهم إذ ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) , هذه هي الفريضة المعطلة : النهي عن المنكر



 
جَزَاكم اللهُ خيراً وأحسنَ إليكم يا دكتور ، ولعلّي أعبّر عَمَّا تَفَضلت بهِ بتعبيرٍ وَ وَجْهٍ آخر فأقول:
{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة:71]
السُّؤالُ هُو : لِمَ تَقَدَّم الأمرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهيِ عَنِ المُنكرِ عَلى إقامَةِ الصّلاةِ وإيتاءِ الزّكاة وَ طَاعَةِ اللهِ وَ رَسُوْلِهِ ؟
ولِنُفصّل الإجَابة فَإنّها سَتَكون في نِقاطٍ مُتّصلةٍ بِبَعْضِهَا مَعنْويّاً :
أوّلُهَا : يُمكِنُ تَحْليل الآيةِ القُرآنيّة وَتَقْسِيْمِها لأرْبَعَةِ مَقَاطع نبدأ بِأوَّلِ مَقْطَعَيْنِ مِنْهَا (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وَيَشْتَملُ هَذا المَعْنى صَوْرَةَ المُشْتَرك العَقَائِدِيّ وَهُوَ الإيْمَان ، والعَلاقَةُ بَيْنَهُم وَهِيَ الوِلاَيَة (بعضهم أولياء بعض) وَهَذا يَتّصِلُ بِالمَقْطَعِ الثَّانِي (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فَهَذا المَقْطَع اسْتِئنَافٌ لَفْظِيٌّ وَمَعْنَويٌ لِلولايَة بَيْنَ المُؤمِنِينَ وَبَيْنَ المُؤْمِنَات فَكُلٌ مِنْهُم يَتَمّثلُ تَوَلّيهِ لأخِيهِ بَأنَّهُ يَأمُرُهُ بِالمَعْرُوْفِ وَيَنْهَاهُ عَنِ المُنْكر، والمَأمُورُ وَالمَنْهِيُّ يَقْبَلُ هَذَا الأمْر وَيَرْضَخُ لَهُ تَحْقِيْقَاً لِهَذِهِ الوِلايَة.

ثَانِيْهَا: فَيَقُوْلُ قَائِلٌ حِيْنَهَا وَلِمَ تَأخَّرَتْ إقَامَةُ الصَّلاةِ وإيْتَاءُ الزَّكَاةِ وَطَاعَةُ اللهِ وَرَسُوله ؟ ، وَهُنَا فَإنَّ هَذِهِ أعْمَالُ جَوَارِحٍ مُتَرَتِّبَةٍ أصْلاً عَلَى إيْمَانِهِمْ (الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ) فَمُقْتَضَى الإيْمَانُ هُوَ هَذِهِ الأعْمَالُ الّتيْ أتَتْ في المَقْطَعِ الثَّالِثْ (وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، وَلَوْلا أنَّهُمْ مُقِيْمِيْنَ عَلَيْهَا لمَا أَثْبَتَ لَهُم رَبُّهُم الإيْمَان ، فَتَأخِيْرُهَا إنَّما هُوَ لأوْلَويّةِ مَا قَبْلَهَا وَمُنَاسَبَتهِ للسِّيَاق (أولياء بعض) فَلِزَمَ إِتْبَاعُ الوِلاَيَةِ مَا يُنَاسِبُهَا وَ هُوَ الأمْرُ بِالمعْرُوْفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ لأنَّهُ أعْظَمُ صُوَرِ الرُّضُوْخِ وَ الانْصِيَاعِ لِمَعْنى الوِلايَةِ بَيْنَ المُؤْمِنْين.
أمَّا إتْيَانُ الطّاعَاتِ مِنْ صَلاَةٍ وَزَكَاةٍ وَطَاعَةٍ للهِ وَرَسُولهِ فَهِيَ عِبَادَاتٌ مُرْتَبِطَةٌ بِاسْتِقْرَارِ الإيْمَانِ وَتُمَثّلُ عِلاَقَةٌ مَعَ اللهِ تَعَالَى وَليْسَ مَعَ خَلْقِهِ ، مَضْمُوْنَةً بِالإيْمَانْ فَلاَ إيْمَانَ أصْلاَ لِتَارِكَهَا وَهُوَ مُقَدَّمٌ فِيْ بِدَايَةِ الآيَة.

ثَالِثَهَا : لَمْ يَكُنْ إتْيَانُ إقَامَةِ الصَّلاةِ وإيْتَاءُ الزَّكاةِ وَطَاعَةُ اللهِ وَرَسُوْلِهِ – فِيْمَا يَظْهَر- إلا لِتَعَلقِها بِمِحْوَرِ الآيةِ أصْلاً ، فَقَدْ جَرَى ضَمَانُهَا بِوَصْفِهِمْ بِالإيْمَانِ كَمَا أسْلَفْنَا ، وقد أتَتْ هُنَا لِمَا فِيْهَا مِنْ تصُويَرٍ لِتَشَارُكِ المُؤْمِنينَ وَ المُؤْمِنَاتِ واستمرار لمفهوم الولاية بينهم ، فَالصَّلاةُ جَمَاعَةُ بَيْنَهُم ، وَالزّكَاةُ تُؤْتَىَ لِفَقِيْرِهِمْ ، وَطَاعَةُ اللهِ وَرَسُوْلِه فِي كلِّ مَا يُحقِّقُ الوِلاَيَةَ بَيْنَهم ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أنَّهُ بَابُ حُصُوْلِ الرَّحْمَةِ المُحَقّقّةِ بِقُدْرَةِ اللهِ وَإذْنِهِ وِفْقَ مَا جَاءَ فِي المَقْطَعِ الرَّابِعِ مِنَ الآيْة (أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).

فَتَكُوْنُ خُلاصَةُ مَا نَقُوْل
: أنَّ الآيةَ الكَرِيْمَة تُبْرِزُ الوِلاَيَةَ بَيْنَ المُؤْمِنِيْنَ فَقَدَّمَتْ أقْوَىَ دَلائِلِها وَهُوَ الأمْرُ بِالمَعْرُوْفِ والنّهْيُ عَنِ المُنْكَر، فَالإيْمَانُ جَعَلَ النَّفْسَ الّتي تَنْفِرُ مِنْ تَسَلّطِ الآخَريْنَ عَلَيْهَا قَابٍلَةً رَاضِيَةً بِنَهْيٍ وَأَمْرٍ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ، وَعَلاوَةً عَلَى ذَلِكَ فَإنَّ تِلْكَ الوِلاَيَة تَجْعَلُ العِبَادَاتِ العَمَليَّة المُشْتَرَكَة مِنْ إقَامَةٍ للصَّلاةِ وإيتاءٍ للزَّكَاةِ وَطَاعَةٍ للهِ وَرَسُوْلِهِ فِيْ جُمْلَةِ أسَبَابِ تَحَقُّقِ رَحْمَةَ اللهِ الثَّابِتَةِ لَهُمْ جَمِيْعَاً ، فَكاَنَ تَأخِيْرُ العِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ مَوْضِعِهَا فيْ المُشَارَكَةِ بَيْنَ المُؤمِنْين وَ دَلالاتِهَا عَلَى الوِلاَيَةِ بَيْنَهُم وَلَيْسَ مِنْ حَيْث أهَمّيَتها العَقَدِيّة لِلْمُسْلم ، وَذَلِكَ لِمُرَاعَاةِ المَعْنَى الإجْمَاليُّ للآيَةْ.
وَاللهُ أَعْلَمْ
 
جزاكم الله خيرا
أحسنتما والله

بارك الله فيك أختنا الفاضلة [ إبتسام صالح عوقل] ، ونعم إنها الفريضة المعطلة : النهي عن المنكر.

وإنه لوجه وجيه أخانا [عدنان الغامدي] وجه البيان الذي سقته.

بيض الله وجوهكم جميعا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
 
بسم الله الرحمن الرحيم ........
الأخ الكريم الدكتور محمد ..... بارك الله في جهدكم
هذا جزء من كلام علماء المسلمين من أهل السنة والهدى :
جاء في تفسير اللباب :
فإن قيل : لم قدم الأمر بالمعروف , والنهي عن المنكر على الإيمان بالله , في الذكر - مع أن الإيمان بالله - لا بد وأن يكون مُقَدَّماً على كل الطاعات.
فالجواب : أن الإيمان بالله مشترك فيه بين جميع الأمم المُحِقَّةِ , ثم إنه - تعالى - ذكر أن فَضْل هذه الأمَّة أقوى حالاً - في الأمر بالمعروف , والنَّهْيِ عن المنكر - من سائر الأمم , فالمؤثر - إذَنْ - في هذه الخيرية هو الأمر بالمعروف , و النهي عن المنكر , وأما الإيمان بالله فهو شرط لتأثير هذا المؤثر في هذا الحكم ؛ لأنه ما لم يوجد الإيمان لم يصر شيء من الطاعات وصْفاً من صفات الخيرية.
فإن قيل : لم اكتفى بذكر الإيمان بالله , ولم يذكر الإيمان بالنبوة , مع أنه لا بُدَّ منه ؟ فالجواب : أنّ الإيمان بالله يستلزم الإيمان بالنبوة , لأن الإيمان بالله لا يحصل إلا إذا حصل الإيمان بكونه صادقاً , والإيمان بكونه صادقاً لا يحصل إلا إذا كان الذي أظهر المعجزة , على وفق دعواه صادقاً ؛ لأن المعجز قائم مقام التصديق بالقول , فلما شاهد ظهور المعجز على وفق دعوى محمد صلى الله عليه وسلم كان من ضرورة الإيمان بالله الإيمان بنبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم فكان الاقتصار على ذِكْر الإيمان بالله تنبيهاً على هذه الدقيقة.
 
نعم أخي جزاكم الله خيرا
ولعل ما قدمه الخازن رحمه الله حول آية آل عمران يقترب من الوجه الثاني لجواب سؤال أخي الماليزي:
لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في آية التوبة 71 ؟
 
عودة
أعلى