د محمد الجبالي
Well-known member
سألني أخي وصديقي الماليزي - وهو أستاذ داعية أزهري على علم - قال:
لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة في آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)".
وقد بحثت في كتب التفسير فما وقفت على جواب للسؤال، فاجتهدت وأرجو الله أن أكون قد أصبت الحق، وأساله العفو والمغفرة إن كانت الأخرى.
أرى أن لجواب هذا السؤال وجهين:
الوجه الأول:
لكي نقف على هذا الوجه يجب أن نعود للآيات السابقة فإن بعض الجواب متعلق بها موجود فيها ، فلو تأملنا آية التوبة (71) وآية التوبة (67) سنجد الآيتين قد عقدتا موازنة بين فريقين متناقضين متقابلين في كل شيء.
فإن قول الله عز وجل: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)"
تناولت الآية فيه الخصال المقيتة للمنافقين والمنافقات ، وذكرت أفعالهم القبيحة، فهم – المنافقون والمنافقات – يشبه بعصهم بعضا خُلُقا وعملا، فهم ذَوُو طبيعة واحدة حقيرة، ونفوس عليلة مريضة ، وقلوب سقيمة ، ومن شنيع خصالهم سوء الطوية ، ولؤم السريرة ، والغَمْز واللَّمْز الدَّسِّ ، والضعف عن المواجهة ، والجبن عن المصارحة ، فإن تلك الطبائع فيهم أصيلة راسخة ، أما سلوكهم وأفعالهم فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويبخلون أشد البخل ، وإنْ أَعْطَوْا فَرِئَاءَ الناس. فهم لا يجرؤون على الجهر بما في نفوسهم إلا حين يأمنون، فإنهم يخشون الناس، ولا يخشون الله لأنهم " نسوا الله" فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، فكان لهم سوء العاقبة أن "فنسيهم" الله فلا وزن لهم ولا اعتبار؛ فهم أحقر وأهون من أن يكون لهم عند الله وزن.
أما آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
فقد ذكرت الآية المؤمنين والمؤمنات، وأَثْنَت عليهم ، ومَدَحَتْهُم بِذِكْرِ أَخَصِّ وأهم الصفات التي تجمعهم: فإن المؤمنين والمؤمنات أولياء بعض ، يتناصرون ، ويتعاونون ، ويتحابون ، ويتناصحون، ويتولى المؤمن أخاه المؤمن ، فولاء المؤمن لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين.، وهم يأمرون بالمعروف الذي هو الخير من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة ، وهم ينهون عن المنكر الذي هو القبيح من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة، ويقيمون الصلاة على أوقاتها حق الإقامة خشوعا وأركانا، ويؤدون زكاة أموالهم، وهم قائمون على طاعة الله وطاعة رسوله، ثم كان عاقبة هؤلاء رحمة الله والفوز العظيم.
إن الآيتين تكادان تتساويان في عدد الصفات لكل فريق، فنجد صفة للمؤمنين يقابلها صفة للمنافقين تأمل هذه الموازنة:
- "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ" يقابلها "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ"
- "بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" يقابلها "بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ"
- "يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" يقابلها " يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ"
- "وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" يقابلها " وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ"
- "أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" يقابلها "فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
الوجه الثاني: لجواب السؤال المتقدم نجده في آية أخرى من كتاب الله عز وجل:
إن الله تعالى يقول:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
إن قول الله عز وجل: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} تعليل وسبب لما قبله، فإذا انقطع السبب انقطع المُسَبَّب ، فإن انقطعت الأمة عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، انقطعت الخيرية عنها وزالت.
إن المناكير الشديدة تفقأ عيوننا ولا تتحرك لنا نَخْوَة، والباطل الفاحش يَنْتَفِشُ ويَتَجَبَّر ولا تَتَمَعَّرُ له الوجوه ، والظلم القاهر يضرب أَطْنَابَه وينشر فِسْقَة وفَوَاحِشَه ، ويُمَكِّنُ للْفَسَقَةِ الفَجَرَة ولا تَثُورُ في نفوسنا غَيْرَةُ ولا حَمِيَّة ،كأنَّ الناس صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، إلا ما رحم الله. فهل مع هذه الحال : مازالت الأمة خير أمة؟
أشك في ذلك ، إني لا أشكك في قول الله عز وجل { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }، لا ، أعوذ بالله من ذلك ، ولكني آخذ قول الله ووصفه لنا بأسبابه التي على أساسها تحققت خيرية الأمة، فإن تعطلت الأسباب انقطعت النتائج المترتبة عليه.
ولقد جاء بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو أشد من ذلك وأخطر ، ألا وهو:{وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، لقد جاء الإيمان بالله بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي أن الإيمان مُتَرَتَّبٌ عليهما ، ناتج عنهما ، فإن تعطلا ، تعطل بتعطلهما الإيمان.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، وصدق الإيمان بك، وحسن التوكل عليك.
بقلم د. محمد الجبالي
لماذا قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة في آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)".
وقد بحثت في كتب التفسير فما وقفت على جواب للسؤال، فاجتهدت وأرجو الله أن أكون قد أصبت الحق، وأساله العفو والمغفرة إن كانت الأخرى.
أرى أن لجواب هذا السؤال وجهين:
الوجه الأول:
لكي نقف على هذا الوجه يجب أن نعود للآيات السابقة فإن بعض الجواب متعلق بها موجود فيها ، فلو تأملنا آية التوبة (71) وآية التوبة (67) سنجد الآيتين قد عقدتا موازنة بين فريقين متناقضين متقابلين في كل شيء.
فإن قول الله عز وجل: "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)"
تناولت الآية فيه الخصال المقيتة للمنافقين والمنافقات ، وذكرت أفعالهم القبيحة، فهم – المنافقون والمنافقات – يشبه بعصهم بعضا خُلُقا وعملا، فهم ذَوُو طبيعة واحدة حقيرة، ونفوس عليلة مريضة ، وقلوب سقيمة ، ومن شنيع خصالهم سوء الطوية ، ولؤم السريرة ، والغَمْز واللَّمْز الدَّسِّ ، والضعف عن المواجهة ، والجبن عن المصارحة ، فإن تلك الطبائع فيهم أصيلة راسخة ، أما سلوكهم وأفعالهم فهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويبخلون أشد البخل ، وإنْ أَعْطَوْا فَرِئَاءَ الناس. فهم لا يجرؤون على الجهر بما في نفوسهم إلا حين يأمنون، فإنهم يخشون الناس، ولا يخشون الله لأنهم " نسوا الله" فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، فكان لهم سوء العاقبة أن "فنسيهم" الله فلا وزن لهم ولا اعتبار؛ فهم أحقر وأهون من أن يكون لهم عند الله وزن.
أما آية التوبة : "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)
فقد ذكرت الآية المؤمنين والمؤمنات، وأَثْنَت عليهم ، ومَدَحَتْهُم بِذِكْرِ أَخَصِّ وأهم الصفات التي تجمعهم: فإن المؤمنين والمؤمنات أولياء بعض ، يتناصرون ، ويتعاونون ، ويتحابون ، ويتناصحون، ويتولى المؤمن أخاه المؤمن ، فولاء المؤمن لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين.، وهم يأمرون بالمعروف الذي هو الخير من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة ، وهم ينهون عن المنكر الذي هو القبيح من كل شيء قولا وفعلا وعقيدة، ويقيمون الصلاة على أوقاتها حق الإقامة خشوعا وأركانا، ويؤدون زكاة أموالهم، وهم قائمون على طاعة الله وطاعة رسوله، ثم كان عاقبة هؤلاء رحمة الله والفوز العظيم.
إن الآيتين تكادان تتساويان في عدد الصفات لكل فريق، فنجد صفة للمؤمنين يقابلها صفة للمنافقين تأمل هذه الموازنة:
- "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ" يقابلها "الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ"
- "بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" يقابلها "بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ"
- "يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" يقابلها " يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ"
- "وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" يقابلها " وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ"
- "أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" يقابلها "فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
الوجه الثاني: لجواب السؤال المتقدم نجده في آية أخرى من كتاب الله عز وجل:
إن الله تعالى يقول:{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
إن قول الله عز وجل: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} تعليل وسبب لما قبله، فإذا انقطع السبب انقطع المُسَبَّب ، فإن انقطعت الأمة عن الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، انقطعت الخيرية عنها وزالت.
إن المناكير الشديدة تفقأ عيوننا ولا تتحرك لنا نَخْوَة، والباطل الفاحش يَنْتَفِشُ ويَتَجَبَّر ولا تَتَمَعَّرُ له الوجوه ، والظلم القاهر يضرب أَطْنَابَه وينشر فِسْقَة وفَوَاحِشَه ، ويُمَكِّنُ للْفَسَقَةِ الفَجَرَة ولا تَثُورُ في نفوسنا غَيْرَةُ ولا حَمِيَّة ،كأنَّ الناس صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، إلا ما رحم الله. فهل مع هذه الحال : مازالت الأمة خير أمة؟
أشك في ذلك ، إني لا أشكك في قول الله عز وجل { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }، لا ، أعوذ بالله من ذلك ، ولكني آخذ قول الله ووصفه لنا بأسبابه التي على أساسها تحققت خيرية الأمة، فإن تعطلت الأسباب انقطعت النتائج المترتبة عليه.
ولقد جاء بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما هو أشد من ذلك وأخطر ، ألا وهو:{وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، لقد جاء الإيمان بالله بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أي أن الإيمان مُتَرَتَّبٌ عليهما ، ناتج عنهما ، فإن تعطلا ، تعطل بتعطلهما الإيمان.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية، وصدق الإيمان بك، وحسن التوكل عليك.
بقلم د. محمد الجبالي