ناصر عبد الغفور
Member
بسم1
قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام:" إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"- المائدة:118-.
وقفت عند هذه الآية فتساءلت لماذا قال:" إن تغفر لهم" مع أن السياق يدل على الأمر يتعلق بمن أشرك بالله تعالى و اتخذ عيسى عليه السلام و أمه إلهين من دونه سبحانه، كما قال تعالى قبلها:" ءأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله"، إذن فالكلام حول كفار أو مشركين، فكيف قال:" إن تغفر لهم"، مع أن فعلهم هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، كما صرح عيسى عليه السلام محذرا قومه من ذلك بقوله:" إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظالمين من أنصار-المائدة:72-؟
- قد يقال: أن الكلام خرج مخرج العموم، فقوله:" إن تعذبهم فإنهم عبادك..."الآية، الضمير يعود على عموم الناس، لكن يرد على هذا أن اعتبار السياق مهم في فهم كلام الله تعالى، و السياق كما سبق يدل على أن الكلام بخصوص من اتخذ عيسى و أمه إلهين من دونه سبحانه.
-كما يمكن القول كجواب: أن عيسى عليه السلام قال:" إن تغفر لهم" و لم يقل:"اغفر لهم" أو نحوها، بل استعمل أداة الشرط، و جواب الشرط- و الله أعلم- قوله: " فإنك أنت العزيز الحكيم"، و لم يقل:"فإنك أنت الغفور الرحيم"، لأن المقام مقام عزة لا مقام مغفرة، إذ كيف يغفر لمثل هؤلاء.
كما أن تعليق شيء على شرط لا يقتضي الوقوع.
- و قد اطلعت على بعض أقوال أهل التفسير فوجدت ما يلي:
يقول الألوسي رحمه الله تعالى:" { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } أي فإن تغفر لهم ما كان منهم لا يلحقك عجز بذلك ولا استقباح فإنك القوي القادر على جميع المقدورات التي من جملتها الثواب والعقاب الحكيم الذي لا يريد ولا يفعل إلا ما فيه حكمة ، والمغفرة للكافر لم يعدم فيها وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن لأنه أدخل في الكرم وإن كانت العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر ، وعدم المغفرة للكافر بحكم النص والإجماع لا للامتناع الذاتي فيه ليمتنع الترديد والتعليق بإن ."اهـ.
و هذا الكلام فيه نظر لأن الكافرلم يستوجب أسباب المغفرة، فكفره مانع كبير لها، و هذا لا تختلف فيه الشرائع إطلاقا.، و الآية الثانية و السبعون من سورة المائدة من الأدلة على ذلك.
- و قال إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى:" قوله تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها ="فإنهم عبادك"، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به ="وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم ="فإنك أنت العزيز"..".
ثم حكى عن السدي أنه قال:" "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام ="فإنك أنت العزيز الحكيم""اهـ.
و قد تعقبه الإمام الألوسي بقوله أنه مخالف لما يقتضيه السباق و السياق.
- و من أهل العلم من قال باختلاف العائد عليه الضمير، فقال أن الضمير-أي الهاء و الميم- في :"تعذبهم" يعود على من مات منهم كافرا، و الضمير في:" تغفر لهم" يعود على من مات تائبا.
-و قد ذكر الفخر الرازي في تفسيره، كجواب على هذا التساءل أربعة وجوه:
الأول : أنه تعالى لما قال لعيسى عليه السلام : {قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّه قَالَ} (المائدة : 116) علم أن قوماً من النصارى حكوا هذا الكلام عنه ، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافراً بل يكون مذنباً حيث كذب في هذه الحكاية وغفران الذنب جائز ، فلهذا المعنى : طلب المغفرة من الله تعالى.
لكن هذا الوجه بين الضعف، و قد تعقبه الشيخ راشد رضا في مناره بقوله:" وَهَذَا وَجْهٌ أَمْلَاهُ عَلَيْهِ مَا اعْتَادَ مِنَ الْجَدَلِ فِي الْأَلْفَاظِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ حَالِ مَنْ حَكَى الله عَنْهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلَ..."
الثاني : أنه يجوز على مذهبنا-أي مذهب الأشاعرة- من الله تعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل الزهاد والعباد النار ، لأن الملك ملكه ولا اعتراض لأحد عليه.
و هذا مذهب من مذاهبهم، فهم ينفون الحكمة و يقولون أن الله تعالى يفعل لمجرد المشيئة-تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك-، و هو ما يسميه بعضهم بنفي الغرض عن الله، و لذلك لم يثبتوا الحكمة ضمن الصفات السبع.
ثم ذكر وجهين آخرين قريبين من بعض الأقوال التي سبق ذكرها.
و الذي يظهر و الله أعلم أن قول عيسى عليه السلام :" و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، ليس فيه سؤال المغفرة لهؤلاء المشركين، فإن الجملة شرطية و تعليق الشيء بالشرط كا سبق لا يستلزم وقوعه، خاصة إذا أمعنا النظر في جواب هذا الشرط، فإنه جاء باسمين كريمين: اسم العزيز الدال على كمال عزته سبحانه، و اسم الحكيم الدال على كمال حكمته، و الحكمة وضع الشيء موضعه المناسب له، و لا شك أن المغفرة لمن اتخذ عيسى و أمه إلهين من دونه جل في علاه ليس من الحكمة في شيء.
و مع هذا، فإن القول بأن الكلام و إن كان يوم القيامة- و هو الصحيح- يتعلق بمن من الله عليه بالتوبة و الهداية في الدنيا، فهذا لا شك أن مغفرته سبحانه شاملة له.
و الله أعلم و أحكم.
لماذا قال عيسى عليه السلام:" و إن تغفر لهم" مع أن الكلام عن كفرة؟
قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام:" إن تعذبهم فإنهم عبادك و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"- المائدة:118-.
وقفت عند هذه الآية فتساءلت لماذا قال:" إن تغفر لهم" مع أن السياق يدل على الأمر يتعلق بمن أشرك بالله تعالى و اتخذ عيسى عليه السلام و أمه إلهين من دونه سبحانه، كما قال تعالى قبلها:" ءأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله"، إذن فالكلام حول كفار أو مشركين، فكيف قال:" إن تغفر لهم"، مع أن فعلهم هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، كما صرح عيسى عليه السلام محذرا قومه من ذلك بقوله:" إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار و ما للظالمين من أنصار-المائدة:72-؟
- قد يقال: أن الكلام خرج مخرج العموم، فقوله:" إن تعذبهم فإنهم عبادك..."الآية، الضمير يعود على عموم الناس، لكن يرد على هذا أن اعتبار السياق مهم في فهم كلام الله تعالى، و السياق كما سبق يدل على أن الكلام بخصوص من اتخذ عيسى و أمه إلهين من دونه سبحانه.
-كما يمكن القول كجواب: أن عيسى عليه السلام قال:" إن تغفر لهم" و لم يقل:"اغفر لهم" أو نحوها، بل استعمل أداة الشرط، و جواب الشرط- و الله أعلم- قوله: " فإنك أنت العزيز الحكيم"، و لم يقل:"فإنك أنت الغفور الرحيم"، لأن المقام مقام عزة لا مقام مغفرة، إذ كيف يغفر لمثل هؤلاء.
كما أن تعليق شيء على شرط لا يقتضي الوقوع.
- و قد اطلعت على بعض أقوال أهل التفسير فوجدت ما يلي:
يقول الألوسي رحمه الله تعالى:" { وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم } أي فإن تغفر لهم ما كان منهم لا يلحقك عجز بذلك ولا استقباح فإنك القوي القادر على جميع المقدورات التي من جملتها الثواب والعقاب الحكيم الذي لا يريد ولا يفعل إلا ما فيه حكمة ، والمغفرة للكافر لم يعدم فيها وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرماً كان العفو عنه أحسن لأنه أدخل في الكرم وإن كانت العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر ، وعدم المغفرة للكافر بحكم النص والإجماع لا للامتناع الذاتي فيه ليمتنع الترديد والتعليق بإن ."اهـ.
و هذا الكلام فيه نظر لأن الكافرلم يستوجب أسباب المغفرة، فكفره مانع كبير لها، و هذا لا تختلف فيه الشرائع إطلاقا.، و الآية الثانية و السبعون من سورة المائدة من الأدلة على ذلك.
- و قال إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى:" قوله تعالى ذكره: إنْ تعذب هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، بإماتتك إياهم عليها ="فإنهم عبادك"، مستسلمون لك، لا يمتنعون مما أردت بهم، ولا يدفعون عن أنفسهم ضرًّا ولا أمرًا تنالهم به ="وإن تغفر لهم"، بهدايتك إياهم إلى التوبة منها، فتستر عليهم ="فإنك أنت العزيز"..".
ثم حكى عن السدي أنه قال:" "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم" ، فتخرجهم من النصرانية، وتهديهم إلى الإسلام ="فإنك أنت العزيز الحكيم""اهـ.
و قد تعقبه الإمام الألوسي بقوله أنه مخالف لما يقتضيه السباق و السياق.
- و من أهل العلم من قال باختلاف العائد عليه الضمير، فقال أن الضمير-أي الهاء و الميم- في :"تعذبهم" يعود على من مات منهم كافرا، و الضمير في:" تغفر لهم" يعود على من مات تائبا.
-و قد ذكر الفخر الرازي في تفسيره، كجواب على هذا التساءل أربعة وجوه:
الأول : أنه تعالى لما قال لعيسى عليه السلام : {قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـاهَيْنِ مِن دُونِ اللَّه قَالَ} (المائدة : 116) علم أن قوماً من النصارى حكوا هذا الكلام عنه ، والحاكي لهذا الكفر عنه لا يكون كافراً بل يكون مذنباً حيث كذب في هذه الحكاية وغفران الذنب جائز ، فلهذا المعنى : طلب المغفرة من الله تعالى.
لكن هذا الوجه بين الضعف، و قد تعقبه الشيخ راشد رضا في مناره بقوله:" وَهَذَا وَجْهٌ أَمْلَاهُ عَلَيْهِ مَا اعْتَادَ مِنَ الْجَدَلِ فِي الْأَلْفَاظِ وَهُوَ غَافِلٌ عَنْ حَالِ مَنْ حَكَى الله عَنْهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلَ..."
الثاني : أنه يجوز على مذهبنا-أي مذهب الأشاعرة- من الله تعالى أن يدخل الكفار الجنة وأن يدخل الزهاد والعباد النار ، لأن الملك ملكه ولا اعتراض لأحد عليه.
و هذا مذهب من مذاهبهم، فهم ينفون الحكمة و يقولون أن الله تعالى يفعل لمجرد المشيئة-تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك-، و هو ما يسميه بعضهم بنفي الغرض عن الله، و لذلك لم يثبتوا الحكمة ضمن الصفات السبع.
ثم ذكر وجهين آخرين قريبين من بعض الأقوال التي سبق ذكرها.
و الذي يظهر و الله أعلم أن قول عيسى عليه السلام :" و إن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"، ليس فيه سؤال المغفرة لهؤلاء المشركين، فإن الجملة شرطية و تعليق الشيء بالشرط كا سبق لا يستلزم وقوعه، خاصة إذا أمعنا النظر في جواب هذا الشرط، فإنه جاء باسمين كريمين: اسم العزيز الدال على كمال عزته سبحانه، و اسم الحكيم الدال على كمال حكمته، و الحكمة وضع الشيء موضعه المناسب له، و لا شك أن المغفرة لمن اتخذ عيسى و أمه إلهين من دونه جل في علاه ليس من الحكمة في شيء.
و مع هذا، فإن القول بأن الكلام و إن كان يوم القيامة- و هو الصحيح- يتعلق بمن من الله عليه بالتوبة و الهداية في الدنيا، فهذا لا شك أن مغفرته سبحانه شاملة له.
و الله أعلم و أحكم.