لماذا عبر عن إخوة يوسف بجمع القلة"إخوة" مع أنهم كثرة..؟

لطيفة

New member
إنضم
15/07/2007
المشاركات
471
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
إخوة يوسف عليه السلام أحد عشر : ((إني رأيت أحد عشر كوكبا)) فهم كثرة ، ومع ذلك عبر عنهم القرآن بجمع القلة((إخوة)).. فما الغرض من ذلك...؟

 
لعله من المفيد في هذا الباب هو دراسة لغوية لكلٍ من ( إخوان، إخوة...) من حيث الدلالة، ثم استقراء و تتبع الآيات كلها فيها هذه الألفاظ للتعرف على الفرق، و الله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل.
و هنا أنقل مقالاً لمحمد إسماعيل عتوك (لا أعرفه) حول الفرق بين الأخ و الإخوة و الإخوان لعله يفيد...
الأخ والإخوة والإخوان
أولاً- الأَخُ – كما قال الجوهري وغيره من علماء اللغة- أَصله : أَخَوٌ ، بالتحريك ؛ لأَنك تقول في التثنية : أَخَوان ، وبعض العرب يقول : أَخَانِ على النقْص . والنسبة إِليه : أَخَوِيّ . فالذاهب منه- على هذا- واوٌ ، ومثله في ذلك : الأب . قال المبرِّد : الأَبُ ، والأَخُ ذهب منهما الواو . تقول : في التثنية : أبَوان ، وأخَوان ، ولم يُسَكِّنوا أوائلهما ؛ لئلاَّ تدخل أَلفُ الوَصْل ، وهي همزة على الهمزة التي في أَوائلهما ، كما فعلوا في الابْنِ والاسْمِ اللذيْنِ بُنِيا على سكون أَوائلهما ، فدخلَتهما أَلفُ الوصل . وذهب الخليل في معجم العين إلى أن حدَّ تأليف الخاء مع الهمزة : الأَخُ ، وكان أَصل تأليف بنائه على بناء : فَعَل ، بثلاث حركات ، فاستثقلوا ذلك ، وفيها ثلاثة أَشياء : حَرْف ، وصَوْت ، وصَرْف ، فألقَوُا الواو بصرفها ، وأبقَوْا منها الصوت ، فاعتمد صوت الواو على فتحة الخاء ، فصار معها ألفًا ليِّنة ، ثم ألقَوا الأَلفَ استخفافًا ، لكثرة استعمالهم إياها ، وبقيت الخاء على حركتها ، فجرت على وجوه النحو لقِصَر الاسم . فإِذا لم يضيفوه قَوَّوْهُ بالتنوين ، وإِذا أضافوه لم يَحْسُن التنوين ، فقَوَّوْهُ بالمدِّ في حالات الإضافة . فإذا ثَنَّوْا قالوا : أخَوان ؛ لأَن الاسم متحرِّك الوسط ، فلم تَصِرْ حركتُه خَلَفًا من الواو الساقط ؛ كما صارت حركة الدالِ في اليَدِ ، وحركة الميم في الدَّمِ ، فقالوا : دَمَان ، ويَدَان ؛ لأن وسطهما ساكن ، فصار تحرك الدال والميم خلفًا من الحرف الساقط ، فقالوا : دَمَان ويَدَان . وبعض العرب يقول : أخا ، مقصور ، ومنه قولهم في المثل :« مكرَه أخاك لا بطل » . وذهب بعضهم إلى أن الأَخُ ، كان في الأَصل : أَخْوٌ ، بتسكين الخاء ، فحذفت الواو ؛ لأنها وقعت طرَفًا ، وحرِّكت الخاءُ . وقيل : الأَخَا مقصور . والأَخْوُ ، بتسكين الخاء لغتان في الأخ ، حكاهما ابن الأَعرابي .
ومؤنَّث الأخ : أخت ، وقد اجتمعا في قوله تعالى :﴿ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾(النساء: 176) ، ويطلق كل منهما على المشارك آخر في الولادة من الطرفين ، أو من أحدهما ، أو من الرضاع . أو في الدين ويستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة ، أو في صنعة أو في معاملة أو في مودة ، وفى غير ذلك من المناسبات ، حتى إنه ليقال في السلع ونحوها إذا اشتبهت في الصورة ، أو في الجَوْدة ، أو في القِيمة ، قالوا : هذا أخو هذا .
واشتقاق الأَخ من : تأخَّيت الشيءَ تأخِّيًا ، بمعنى : قصدته وتحرَّيته ؛ فسُمِّيَ الأخوان : أخوين ؛ لأن كل واحد منهما يتأخَّى ما تأخَّاه الآخر . أي : يقصده . قال الزجاج :« أصل الأخ في اللغة من التوخِّي ، وهو الطلب ؛ فإن الأخ مقصده مقصد أخيه » . وقال الأزهري في تهذيب اللغة :« قال بعض النحويِّين : سُمِّيَ الأَخُ : أَخًا ؛ لأن قَصْدَه قَصْدُ أخيه ، وأَصله من : وَخَى يَخِي . أي : قَصَد ، فقلبت الواو همزة » . وإلى هذا أشار ابن فارس بقوله في :« الهمزة والخاء والواو ليس بأصل ؛ لأن الهمزة عندنا مبدلة من واو .. وكذلك الآخِيَّة » .
وقال الخليل :« الأخيَّة عود يعرض في الحائط تشد إليه الدابة ، وتجمع على : الأواخي . ولفلانٍ عند الأمير أَخِيَّةٌ ثابتةٌ . والفعل : أخَّيت تأْخِِيةً ، وتأخَّيت أنا ، واشتقاقه من آخيَّة العود ، وهي في تقدير الفعل : فاعولة . ويقال : آخِيَةٌ ، بالتخفيف في كل ذلك » . وقال الراغب الأصفهاني :« واعتبر من الأخوة معنى الملازمة ، فقيل : أخيَّة الدابة » . وقال الزمخشري في أساس البلاغة :« ومن المجاز قولهم : بين السماحة ، والحماسة تآخٍ .. وله عند الأمير آخية ثابتة . وشددت له آخيَّة لا يحلُّها المُهْرُ الأَرِنُ . وشدَّ الله بينكما أَوَاخِي الإِخاء ، وحلَّ أواري الرِّياء » . و( المُهْرُ الأَرِنُ : النشيط ) .
والوَخْيُ في اللغة : القصد والتوجُّه . قال ابن فارس :« الواو والخاء والحرف المعتلّ : كلمةٌ تدلُّ على سَيْرٍ وقصد . يقال : وخَت الناقة تَخِي وَخْيًا » . وقال الأزهري :« التَّوَخِّي للحقِّ - بمعنى التَّحَرِّي - مأخوذٌ من هذا . يقول الرجل لصاحبه : تَوَخَّيْتُ فيما أتيته محبَّتك . أي : تحرَّيْتُ . وربَّما قلبُوا الواو ألفًا ، فقالوا : تأخَّيْتُ » . وقال الخليل :« التَوَخِّي : أن تيمم أمرًا ، فتقصد قصده . وتقول : وَخىَّ يُوَخِّي تَوخيةً ، من قولك : تَوَخَّيْتُ أمر كذا . أي : تيمَّمته من دون ما سواه . وإذا قلت : وَخَّيْتُ ، فقد عدَّيت الفعل إلى غيره » .
فالتأخِّي مصدر : تأخَّى ، وهو مأخوذ من التوَخِّي مصدر : توَخَّى . والتوَخِّي مأخوذ من الوَخْي ، وكذلك الأخيَّة والآخيَّة . والإخاء مصدر : آخى ، وهمزته منقلبة عن واو . يقال : آخيت بينهما إخاء ، ووخاء . والاسم : الأُخُوَّةُ ، والخُوَّة لغة فيها . وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار . أي : ألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان . قال الخليل :« بيني ، وبينه أُخُوَّةٌ وإِخاءُ . وتقولُ : آخَيْته ، ولغة طيءٍ : وَاخَيْتُهُ » . ثم قال :« وتقول : آخَيْتُ ، على أصل التأسيس ، ومن قال : واخَيْتُ ، بلغة طيء ، أخذه من الوِخاء » . وعن الزبير بن العوام قال :« أنزل الله عز وجل فينا خاصة معشر قريش والأنصار :﴿ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ﴾(الأنفال: 75) ؛ وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة ، قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نِعْمَ الإخوانُ ، فواخيناهم ووارثناهم . فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانًا ، وآخى عثمان بن عفان رضي الله عنه رجلا من بني زُرَيق .. وواخيت أنا كعب بن مالك » .
والتأَخِّي اتّخاذُ الإِخْوان . وفي صفة أَبي بكر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت متَّخذًا خليلاً ، لاتَّخذت أبا بكر خليلاً ؛ ولكن خُوَّة الإسلام . قال ابن الأثير : كذا جاء في رواية ، وهي لغة في الأُخُوَّة . وفي تهذيب اللغة للأزهري :« حكى أبو عبيد عن اليزيدي : ما كنت أبًا ، ولقد أَبْيت أُبُوَّة . وما كنت أخًا ، ولقد أَخَّيت وتأَخَّيت . وقال غيره : ما كنت أبًا ، ولقد أَبَوْت . وما كنت أخًا ، ولقد أَخَوْت » . وفي تاج العروس للزَّبيدي :« وما كنت أخًا ، ولقد أَخَوْت أُخُوَّة ، بالضم وتشديد الواو ، وآخَيت ، بالمد ، وتأخَّيت : صرت أخًا » .
ثانيًا- ويجمع الأخ على ( إِخْوةٍ ) ، و( إِخْوان ) . قال الْخِليلُ :« يقال : الأخُ للواحد ، والاثنان : أَخَوان ، والجميع : إِخوانٌ ، وإِخوةٌ » ، بكسر الهمزة فيهما . وعن الفرَّاء وابن السّكيت ( أُخوَةٌ ) ، بضم الهمزة . ونسب بعضهم القول إلى سيبويه بأن ( إِخْوَة ) ، بكسر الهمزة ، اسم جمع ، وليس بجمع ، وهو منسوب إلى ابن السرَّج أيضًا . وتحرير القول في ذلك : أن ( إِخْوَة ) ، بكسر الهمزة جمع : أخٍ ؛ كـ( فتْيَة ) جمع : فتى . وأما ( أُخْوةٌ ) ، بضم الهمزة ، فهو اسم جمع ، وليس بجمع . قال ابن سيدة :« وزعم أبو سعيد السّيرافي أنه وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه في ( باب ما هو اسم يقع على الجميع ) : ومثل ذلك : إِخْوَة . قال : وهذا خطأ ؛ لأن فِعْلَةً من أبنية الجموع ؛ وإنما هو أُخْوَةٌ ؛ لأن فُعْلَةً ليست من أبنية الجموع ؛ وإنما هو اسم للجميع كَفُرْهَة ، وصُحْبَة » .
ويجمع الأخ أيضًا على ( آخَاء ) ؛ كـ( أَبٍ وآبَاء ) ، حكاه سيبويه عن يونس . وقال الخليل :« تقول : هذا رجلٌ من آخائي ، على وزن : أفْعاليِ » ، وبه استدل النحويون على أَن أَخًا : فَعَلٌ ، مفتوح العين . وإذا جمعوه بالواو والنون ، قالوا : ( أخون ) ؛ كما قالوا :( أبون ) ، في جمع : أب . قال سيبويه :« وسألت الخليل عن أبٍ ، فقال : إن ألحقت به النون والزيادة التي قبلها قلت : أبون ، وكذلك أخ ، تقول : أخون ، لا تغيِّر البناء ، إلا أن تُحْدِثَ العربُ شيئًا » .
والمشهور من هذه الجموع جمعان : الأول :( إِخْوةٍ ) ، والثاني :( إِخْوان ) ، وجمهور علماء اللغة والنحو يطلقون ( الإخوة والإخوان ) على أُخُوَّة الولادة والنسب ، وأُخُوَّة الصداقة والدين ، وفرق بعضهم بينهما بأن خصَّ ( الإخوة ) بأخوة الولادة ، وخصَّ ( الإخوان ) بأخوة الصداقة ، وهذا ظاهر قول الخليل :« هم الإخوةُ إذا كانوا لأب ، وهم الإخوانُ إذا لم يكونوا لأب » . وحكى الأزهري هذا القول في تهذيب اللغة ، ثم عقَّب عليه بقوله :« هذا خطأ ، الإخوةُ ، والإخوان يكونون إخوةً لأبٍ ، وإخوةً للصَّفاء » . ثم قال :« قال أَبو حاتم : قال أَهلُ البَصْرة أَجمعون : الإِخْوة في النسَب ، والإخْوان في الصداقة . تقول : قال رجل من إخواني . فإِذا كان أخاه في النسب ، قالوا : إخوتي . قال : وهذا غلط ، يقال للأصدقاء ، وغير الأصدقاء : إخوة وإخوان . قال الله عز وجل :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10) ولم يعن النسب ، وقال :﴿ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ (النور: 61) وهذا في النسب » . وعقَّب الزركشي على ذلك في البرهان ، فقال :« وهذا هو الصواب » . ومن قبله قال أبو حيان في البحر :« والإخوان ، والإخوة جمع : أخ ، من نسب أو دين ، ومن زعم أن الإخوة تكون في النسب والإخوان في الصداقة ، فقد غلط » .
وقال ابن عادل في اللباب :« وقال بعضهم : إن الأخ في النسب يجمَع على ( إخوة ) ، وفي الدين يجمَع على ( إخوان ) ، هذا أغلب استعمالهم » . ثم حكى قول أبي حاتم السابق عن أهل البصرة ، وعقَّب عليه قائلاً :« هذا الرد من أبي حاتم إنما يتّجه على هذا النقل المطْلق ، ولا يرد على النقل الأول ؛ لأنهم قيدوه بالأغلب في الاستعمال » .
ثالثًا- ويتحصل مما تقدم : أن لفظ ( الإخوة ) يغلب استعماله في أخوة الولادة ، وأن لفظ ( الإخوان ) يغلب استعماله في أخوة الصداقة . وهذا ما نصَّ عليه الجوهري بقوله في الصحاح :« وأكثر ما يستعمل الإخوان في الأصدقاء ، والإخوة في الولادة » ، وقد يتداخل الجمعان ، فيستعمل كل منهما مكان الآخر ، إذا اقتضى المقام ذلك . هذا قول أكثر النحاة والمفسرين ، واتفقوا جميعًا على أن ( الإخوة ) جمع قلة ، وأن ( الإخوان ) جمع كثرة . وإلى هذا القول ذهب الدكتور فاضل السامرائي ، فقال في ذلك ما نصُّه :
« فالإخوة جمع قلة ، والإخوان جمع كثرة ، وأكثر ما تستعمل ( الإخوة ) في أخوة النسب .. ووردت كلمة ( الإخوان ) في اثنين وعشرين موطنًا في كتاب الله ، منها ما هو بمعنى الأصدقاء .. ومنها ما هو بمعنى النسب .. وسبب ذلك أن كل ما ورد من ( إخوان ) بمعنى الأخ في النسب ، فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة ، فجاء بصيغة إخوان الدالة على الكثرة ، بدل إخوة ، والتي هي للقلة » .
هذا القول للدكتور السامرائي هو أحد الأقوال التي استشهد بها صاحب مقال ( الدكتور فاضل السامرائي– إبداع بلا حدود ) على إبداع السامرائي الذي لا حدود له ، وهو من كتابه ( معاني الأبنية في العربية ) ، وقد ذكر السامرائي في مقدمة هذا الكتاب سبب تأليفه ، فقال :« إن اللغويين القدامى- ويا للأسف- لم يولوه ما يستحق من الأهمية ، فإنهم نظروا بصورة خاصة في شروط الصيغ ، ومقيسها ومسموعها ، وقعدّوا لذلك القواعد . أما مسألة المعنى فإنهم كانوا يمرون بها عرضًا ، وكانت دراساتهم في الأكثر منصبة على كيفية صوغ البناء ، وهل هو مسموع ، أو مقيس ، مجردًا من المعنى » .
ومن تأمل قول السامرائي السابق ، لم يجد فيه شيئًا جديدًا يدل على تأسفه من جهة ، وإبداعه المنسوب إليه من جهة ثانية سوى ما ذكره من أن « كلمة الإخوان وردت في اثنين وعشرين موطنًا في كتاب الله ، منها ما هو بمعنى الأصدقاء .. ومنها ما هو بمعنى النسب » . أما تعليله لذلك بقوله :« وسبب ذلك أن كل ما ورد من إخوان بمعنى الأخ في النسب ، فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة » فلست أدري ما علاقة ورود لفظ ( الإخوان ) في القرآن في اثنين وعشرين موضعًا ومجيئه في بعضها بمعنى الأصدقاء ، وفي بعضها الآخر بمعنى النسب بما يقول ! وكيف يكون ذلك سببًا في أن كل ما ورد من إخوان بمعنى الأخ في النسب فالخطاب فيه لعموم المؤمنين ، وليس لواحد منهم ، فاقتضى المقام الكثرة ؟ وماذا عن الآيات التي ورد فيها لفظ ( الإخوان ) بمعنى ( الأخ في الصداقة ) ، فهل جاء الخطاب فيها لواحد من الأصدقاء ، وليس لعمومهم ، فاقتضى المقام القلة ؟
أسئلة كان ينبغي على الباحث في القرآن صاحب مقال ( الدكتور فاضل السامرائي– إبداع بلا حدود ) أن يسألها لنفسه ، ويجيب عنها قبل أن يستشهد بهذا القول على إبداع السامرائي الذي لا حدود له كما يزعم . ومن يستقرىء الآيات القرآنية التي ورد فيها لفظ ( الإخوان ) ، ولفظ ( الإخوة ) يجد بينهما فرقًا من وجهين :
الوجه الأول : أن لفظ ( الإخوان ) يطلق على أخوَّة النسب في الولادة والدين ، ويطلق على أخوَّة الصداقة والوداد ؛ مثله في ذلك مثل لفظ ( الأخ ) سواء بسواء . وأما لفظ ( الإخوة ) قلا يطلق إلا على أخوَّة النسب في الولادة والدين . وبذلك يعلم أن اللفظين يشتركان في إطلاق كل واحد منهما على أخوَّة النسب في الولادة والدين ، ثم يفترقان ، فينفرد الأول في إطلاقه على أخوة الصداقة والوداد ، دون الثاني .
ومن الأمثلة على أُخُوَّة الصداقة والوداد المُعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) دون لفظ ( الإخوة ) قوله تعالى :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ﴾(الأعراف: 202) . أي : إخوان الشياطين يمدون الشياطين في الغي ؛ وذلك لأن شياطين الأنس هم إخوان لشياطين الجن ، فشياطين الإنس يغوون الناس ، فيكون ذلك إمدادًا منهم لشياطين الجن على الإغواء والإضلال ؛ وذلك معنى الأخوَّة بينهم ، وهي أخوَّة صداقة ومودَّة .
ومثل ذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾(الإسراء: 27) . قال ابن عاشور :« والإخوان جمع : أخ ، في الحقيقة والمجاز ، وأطلقت الأخوَّة هنا على المودَّة والصداقة » . وقال الرازي :« المراد من هذه الأخوة التشبه بهم في هذا الفعل القبيح ؛ وذلك لأن العرب يُسمُّون الملازم للشيء أخًا له ، فيقولون : فلان أخو الكرم والجود ، وأخو السفر ، إذا كان مواظبًا على هذه الأعمال . وقيل قوله :( إخوان الشياطين ) . أي : قرناؤهم في الدنيا والآخرة ؛ كما قال :﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (الزخرف: 36) ، وقال تعالى :﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (الصافات: 22) . أي : قرناءهم من الشياطين » .
ومن ذلك قوله تعالى :﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (ق: 13) . قيل : كان لوط- عليه السلام- مرسلاً إلى طائفة من قوم إبراهيم عليه السلام ، هم معارف لوط . وقيل : كانوا من أصهاره ، فسماهم الله تعالى إخوانه . فالمراد بالأخوَّة هنا أخوَّة المودة والصداقة ، وليس الأخوَّة الحقيقية من النسب .
وقوله تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾(الحجر: 47) . قال أبو حيان :« معنى إخوانًا : ذوو تواصل وتوادد » . وروي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال :« إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً ﴾ . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال علي : فلمن هذه الآية ؟ لا أمّ لك ، بفيك التراب » .
هذا النوع من الأخوَّة يعبَّر عنه بلفظ ( الإخوان ) ، دون لفظ ( الإخوة ) ، فلا تقول : هم إخوتي ، وأنت تعني أخوَّة الصداقة ؛ وإنما تقول : هم إخواني . والفرق بينهما : أنك إذا قلت : هم إخوتي ، فإنك قد تعني أخوَّة النسب في الولادة ، وقد تعني أخوَّة النسب في الدين ، وقد تعنيهما معًا . فإذا قلت : هم إخواني ، فإنك قد تعني أخوَّة الصداقة والوداد ، إضافة إلى ما عنيت بلفظ ( الإخوة ) ، هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، فإن الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) أقوى من الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوة ) . ومن هنا قيل :« أخوَّة الدين أثبت من أخوَّة النسب ؛ لأن أخوَّة النسب تنقطع بمخالفة الدين ، وأخوَّة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب » . وكان الحسن يقول :« إخواننا أحبُّ إلينا من أهلينا وأولادنا ؛ لأن أهلينا يذكروننا في الدنيا ، وإخواننا يذكروننا في الآخرة » . ومن أمثالهم :« إخوان الوداد ، أقرب من إخوة الولاد » . فالأُخُوَّة على هذا مراتب ومنازل : أعلاها أخُوَّة النسب في الدين ، وأدناها أخُوَّة النسب في الولادة ، وهذه ثلاثة أنواع :
أولها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة الأعيان ، وهم الأشقاء من أب واحد ، وأم واحدة ؛ كالأُخُوَّة التي بين يوسف- عليه السلام- وأخوه بنيامين من أبيه وأمه .
وثانيها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة العَلات ، وهم الإخوة من أب واحد ، وأمهات شتى ؛ كالأخوَّة التي بين يوسف- عليه السلام- وإخوته من أبيه .
وثالثها : الأُخُوَّةُ التي تكون بين الإخوة الأَخْياف ، وهم الإخوة من أم واحدة ، وآباء شتى .
فهذه الأقسام الثلاثة من اُخُوَّةِ النسب في الولادة يشترك في التعبير عنها لفظُ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) . ومن الأمثلة عليها قوله تعالى :
﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) .
﴿ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (النساء: 176) .
﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء (التوبة: 23) .
﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ (التوبة: 24) .
﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ (النور: 31) .
قال الألوسي في تعقيبه على الآية الأخيرة :« والمراد بالإخوان ما يشمل الأعيان ، وهم الأُخُوَّةُ لأب واحد وأم واحدة ، وبني العَلَّات وهم أولاد الرجل من نسوة شتى ، والأخْياف وهم أولاد المرأة من آباء شتى ، ونظير ذلك يقال في الأخوات » .
وأما أُخُوَّةُ النسب في الدين فهي كأخوَّة بني العَلَّات ، ويعبَّر عنها أيضًا بلفظ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) ، وقد اجتمعا معًا في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾(الحجرات: 10) ، فسماهم الله تعالى ( إخوة ) ؛ كما سمَّاهم بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله :« المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم » ؛ لأنهم يرجعون إلى أصل واحد في النسب وهو الإسلام ، كما يرجع أولاد بني العَلاَّت إلى أصل واحد في النسب وهو الأب ، والأمهات شتى . قال الزجاج :« الدين يجمعهم ، فهم إخوة إذا كانوا متفقين في دينهم ، فرجعوا بالاتفاق في الدين إلى أصل النسب ؛ لأنهم لآدم وحواء ، فإذا اختلفت أديانهم افترقوا في النسب » .
ثم قال تعالى :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ . أي : أصلحوا بين كل أخوين . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ ﴾ ، وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوانكُمْ ﴾ ، فجمعت هاتان القراءتان بين لفظ ( الإخوة ) ، ولفظ ( الإخوان ) ، والظاهر أن القراءة الثانية أبلغ من القراءة الأولى ؛ وذلك لما في لفظ ( الإخوان ) من معنى المبالغة .
فالمؤمنون هم ( إخوة ) وهم ( إخوان ) ؛ كما أن بني العَلَّات هم ( إخوة ) وهم ( إخوان ) . فما بينهم من الأُخُوَّة شبيه بما بين يوسف عليه السلام وإخوته ، وإن كانوا يرجعون في أصل النسب إلى آدم وحوَّاء . ومثل هذه الأُخُوَّة التي بين بني العَلَّات ، وبين المؤمنين الأخوَّة التي بين الأنبياء عليهم السلام ، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« نحن معاشر الأنبياء إخْوةٌ لعَلَّاتٍ ، أمهاتهم شتى ، ودينهم واحد » ؛ فالدين واحد ، وهو عبادة الله وحده لا شريك له ، وإن تنوعت الشرائع التي هي بمنزلة الأمهات . ولكون هذه الأُخُوَّة أقوى وأثبت وأدوم من أُخُوَّة النسب في الولادة عبَّر عنها القرآن في أغلب الآيات بلفظ ( الإخوان ) ، بدلاً من لفظ ( الإخوة ) ؛ للعلة التي تقدم ذكرها . ومن الأمثلة عليها قوله تعالى :
﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ (التوبة: 11) .
﴿ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ لأحزاب: 5) .
فأثبت لهم سبحانه الأُخُوَّةَ الدينية ، وهي أعظم وأقوى من الأُخُوَّة النَّسَبيَّة ، وبهذه الأُخُوَّةَ استُدِلَّ في الآية الأولى على تحريم دماء أهل القبلة . ولو جاء التعبير عنها بلفظ :( إخوتكم ) بدلاً من ( إخوانكم ) ، لكان ذلك بليغًا ؛ ولكن تعبير القرآن أبلغ . وفي الحديث الذي رواه أبو هريرةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خرج إلى المقبرة , فقال :« السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، ودِدْت أني رأيت إخواننا » . قالوا : يا رسولَ الله ! ألسنا بإخوانك ، قال :« بل أنتم أصحابي ، وإخواني الذين لم يأتوا بعدُ ، وأنا فَرَطُهُمْ على الحوض » . أي : سابقهم ؛ لأهيئ لهم طيب المنزل والمقام .
وعقَّب الطحاوي في مشكل الآثار على الحديث السابق بقوله :« قتأملنا هذين الحديثين ، فوجدنا الأخوَّة هي المصافاة التي لا غش فيها ، ولا باطن لها يخالف ظاهرها ؛ ومنها قول الله عز وجل َ:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات: 10) . أَي : لأن مَا بينهم ، وما بعضُهم عليه لبعض ، فظاهره غير مخالف لباطنه ؛ ومنه قوله عز وجل :﴿ اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ (الحشر: 10) . ثم منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا أمر به أمَّته ، فقال :« لَا تَحَاسَدُوا ، وَلَا تَبَاغَضُوا ، وَلَا تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا » .
وتأمل بعد ذلك قول الله تعالى :﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾(آل عمران: 103) ، كيف أخبر سبحانه عنهم بأنهم أصبحوا ( إخوانًا ) ، بعد أن ألف بين قلوبهم ، ولم يخبر عنهم بأنهم أصبحوا ( إخوة ) ؛ لأن التعبير عن الأُخُوَّة بلفظ ( الإخوان ) أقوى وأبلغ من التعبير عنها بلفظ ( الإخوة ) ؛ ولأن الأُخُوَّة المعبَّر عنها بلفظ ( الإخوان ) تشمل أُخُوَّةَ النسب في الولادة ، والنسب في الدين ، وأخوَّة الصداقة والوداد . قال محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار تعقيبًا على الآية السابقة :« كان الأوس والخزرج أخوين لأب وأم ، فوقعت بينهما عداوة قتيل ، ثم تطاولت تلك العداوة والحروب بينهم مائة وعشرين سنة ، إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام ، وألف بينهم بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم » .
فهذا الخبر يدل على أن الأوس والخزرج كانوا ( إخوة ) قبل أن تقع العداوة بينهم ، وبعد أن وقعت ، ثم أصبحوا ( إخوانًا ) ؛ وذلك بعد أن ألف الإسلام بين قلوبهم ، فانتقلوا بهذا التأليف من مرتبة ( الإخوة ) إلى مرتبة ( الإخوان ) . وهذه الآية الكريمة تبين لك السر في استعمال لفظ ( الإخوان ) بدلاً من لفظ ( الإخوة ) في كثير من آيات الذكر الحكيم ؛ ومنها قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ (آل عمران: 156) . قيل : المراد بالأُخُوَّة هنا أُخُوَّةُ النسب في الولادة ؛ إذ كان قتلى أحد من الأنصار وأكثرهم من الخزرج ، ولم يقتل من المهاجرين إلا أربعة . وقيل : خمسة ، ويكون القائلون منافقي الأنصار جمعهم أب قريب أو بعيد . وقيل : المراد بها أُخُوَّةُ النسب في الدين ؛ كما في قوله تعالى :﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ﴾(آل عمران: 103) .
وقوله تعالى :﴿ أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (الحشر: 11) قيل : المراد بالأُخُوَّة هنا أُخُوَّةُ النسب في الدين واعتقاد الكفر ، وقيل : المراد أُخُوَّةُ الصداقة والوداد . وعلى القولين لا يجوز إطلاق لفظ ( الإخوة ) عليهم ؛ لأن الكفار لا يسمون ( إخوة ) بخلاف المؤمنين ؛ ولأن لفظ ( الإخوة ) لا يطلق على أُخُوَّة الصداقة والوداد ، بخلاف لفظ ( الإخوان ) . ومثل ذلك يقال في قوله تعالى :﴿ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ (الأعراف: 202) .
الوجه الثاني : أن بناء ( إخوة ) جاء على ( فِعْلَة ) ، وبناء ( إخوان ) جاء على ( فِعْلان ) ، ويقرر علماء اللغة أن ( فِعَلَة ) من أبنية جموع القلَّة ، وهي محصورة عندهم في أربعة أبنية :( أَفْعِلَةٌ ) كأرغفة ، و( َأَفْعُلٌ ) كأبحر ، و( َفِعْلَةٌ ) كَإخوة ، و( أَفْعَالٌ ) كأحمال ، ودلالتها على القلة- كما يقولون- دلالة وضعية ، وهي من الثلاثة إلى العشَرَة . وأما ( فِعْلان ) فهو من أبنية جموع الكثرة ، وهي كثيرة موضوعة لما زاد على العشرة . فالعشرة على هذا داخلة في جمع القلة . ومنهم من أخرجها منه ، وجعلها أوَّل جمع الكثرة ، وجعل التسعةُ مُنْتَهَى جمع القلَّة . والقول الأول هو قول من أدخل ما بعد ( إلى ) فيما قبلها ، والقول الثاني هو قول من لم يدخل . قال تعالى:﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (المدثر: 30) ، فجمع في هذين العددين أكثر القليل وأقل الكثير . وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال :« كل قليل في القرآن فهو دون العشرة » . وأما ما بعد العشَرَة فهو كثيرٌ باتفاقهم جميعًا .
هذا ، وقد نقل الصبَّان عن بعض المحققين بأن مدلول جمع الكثرة من الثلاثة إلى ما لا يتناهى ، خلافًا لما عليه الجمهور . فعلى هذا يكون الفرق بينه ، وبين جمع القلة من جهة النهاية فقط . وهذا القول– على ما قيل- هو القول السديد ؛ لأن معناه أعم ، والأخذ به يحقق المعنى المراد من كثير من أساليب العرب والقرآن ، فوق أنه يمنع التعارض والتناقض الذي قد يقع بين العدد المفرد : الثلاثة والعشرة وما بينهما ، ومعدوده حين يكون هذا المعدود من صيغ جموع الكثرة ؛ كما في قوله تعالى :﴿ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ (البقرة: 228) جمع قَرْء بفتح القاف ، وقوله تعالى :﴿ سَبْعَ سَنَابِلَ (البقرة: 261) جمع سنبلة ، وكلاهما من صيغ جموع الكثرة . فلو أخذنا بالرأي الأول ، لكان العدد في هاتين الآيتين وأشباههما دالاً على شيء حسابي معين لا يزيد على عشرة . في حين يدل المعدود على شيء يزيد على العشرة حتمًا ، وهذا هو التعارض والتناقض ، لو أخذنا بالقول الأول . أما على القول الثاني فلا وجود لهذا التعارض والتناقض .
ولقائل أن يقول : إذا كان ما بعد العشرة كثير بالاتفاق ، وأن ( إخوة ) من صيغ جموع القلة وهي موضوعة لما دون العشرة ، فكيف أخبر الله عز وجل عن إخوة يوسف بقوله :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وهم أحدَ عشَرَ أخًا ؛ كما دل عليه قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، والأحد عشر أخًا ليسوا بالقليل ؟ ثم كيف أخبر تعالى عن المؤمنين بأنهم إخوة في قوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾(الحجرات: 10) ، والمؤمنون كثرة ، والإخوة قلة ؟ ولمَ لمْ يخبر عنهم بما يدل على الكثرة ؛ كما أخبر عنهم بذلك في قوله تعالى :﴿ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾(آل عمران: 103) ؟ ثم إذا كان أقل الجمع ثلاثة ، فكيف قال تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾(الحجرات: 10) ، ثم عقَّب عليه بقوله :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾(الحجرات: 10) ؟
ويجاب عن ذلك كله بأن لفظ ( الإخوة ) ، و( الإخوان ) ، وسائر ألفاظ الجمع ، له في الاستعمال اللغوي ثلاثة أحوال :
الحال الأولى : قد يعنى به الجنس من غير قصد التعدُّد ؛ كقوله تعالى :﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (النساء: 34) . قال أبو حيان في البحر :« والذي يظهر أن هذا إخبار عن الجنس لم يتعرض فيه إلى اعتبار أفراده ، كأنه قيل : هذا الجنس قوام على هذا الجنس » . ومثل ذلك قولك :« الخلان أفضل من الإخوان » . أي : هذا الجنس أفضل من هذا الجنس .
وقد يطلق لفظ الجمع ويراد به الجنس ، أو يراد به الواحد من ذلك الجنس ؛ كقوله تعالى :﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ (آل عمران: 39) . قال أبو حيان :« والظاهر أن مناديه جماعة من الملائكة لصيغة اللفظ .. وذكر الجمهور أن المنادي هو جبريل وحده ، ويؤيده قراءة عبد الله ومصحفه :( فناداه جبريل وهو قائم ) . وقال الزمخشري : وإنما قيل الملائكة على قولهم : فلان يركب الخيل . يعني : أن الذي ناداه هو من جنس الملائكة ، لا يريد خصوصية الجمع ؛ كما أن قولهم : فلان يركب الخيل لا يريد خصوصية الجمع ؛ إنما يريد مركوبه من هذا الجنس » ، وخُرِّج عليه قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ (آل عمران: 173) ، فقيل : المراد من ( الناس ) الأول نعيم بن مسعود ، ومن الثاني أبو سفيان ومن معه ، فأخبر بلفظ اسم الجمع عن الواحد ، وما زاد عليه بقصد الإبهام . قال الزمخشري :« إن قلت : كيف قيل :( الناس ) ، إن كان نعيم هو المثبط وحده ؟ قلت : قيل ذلك ؛ لأنه من جنس الناس ؛ كما يقال : فلان يركب الخيل ، ويلبس البرود ، وماله إلا فرس واحد وبرد فرد . أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه ، ويصلون جناح كلامه ، ويثبطون مثل تثبيطه » .
الحال الثانية : قد يُعنَى به العدد من غير قصد لعدد معين ؛ بل لجنس التعدُّد ؛ كـ( سبعة أبحر ) ، و( كلمات الله ) في قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾(لقمان: 27) ، فـ( سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) جمع قلة يراد به الكثرة من غير قصد لعدد معين . قال الألوسي :« والمراد بالسبعة الكثرة ، بحيث تشمل المائة والألف مثلاً ، لا خصوص العدد المعروف ؛ كما في قوله عليه الصلاة والسلام : المؤمن يأكل في معي واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء » . وقال أبو حيان :« لا يراد به العدد ؛ بل ذلك إشارة إلى القلة والكثرة » . وكذلك ( كَلِمَاتُ اللَّهِ ) . قال الزمخشري :« فإن قلت : الكلمات جمع قلة ، والمواضع مواضع التكثير لا التقليل ، فهلا قيل : كلم الله ؟ قلت : معناه أن كلماته لا تفي بكتبها البحار ، فكيف بكلمة ؟ » . وغقَّب أبو حيان عليه بقوله :« وعلى تسليم أن كلمات جمع قلة ، فجموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .
وعلى ذلك يحمل قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وقوله تعالى :﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ (يوسف: 58) . فالمراد بإخوة يوسف- عليه السلام- الكثرة من غير قصد لعدد معين ، وليس المراد به القلة ؛ لأنهم أكثر من عشرة ، بدليل قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، وما فوق العشرة كثير باتفاقهم . ومثل لفظ ( الإخوة ) هنا في دلالته على العدد من غير قصد لعدد معين لفظ ( الإخوان ) قي نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ﴾(الإسراء: 27) .
الحال الثالثة : قد يُعنَى به الاثنان وما زاد عليهما ؛ كلفظ ( إخوة ) في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾(الحجرات: 10) ؛ وكأنه قيل : إنما المؤمنون : أخوين ، أخوين ، ﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ . هكذا قرأ الجمهور بلفظ التثنية . وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ ﴾ ، وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة :﴿ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ إِخْوانكُمْ ﴾ . قال أبو الفتح :« وقراءة الجمع تدل على أن قراءة الجمهور لفظها لفظ التثنية ، ومعناها الجماعة . أي : كل اثنين ، فصاعدًا من المسلمين اقتتلا » . أما الرازي فقال :« وقراءة الجماعة أبلغ لدلالتها على الاثنين فما فوقهما بالمطابقة » . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين (النساء: 11) . فلفظ ( نساء ) اسم جمع صالح للثِّنتين فما فوقهما ؛ ولذلك حسُن تقييده بقوله تعالى :﴿ فَوْقَ اثنتين . ولو لم يكن كذلك ، لما كان لهذا القيد أي فائدة .
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى :﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) . أي : أخوان فأكثر . قال الألوسي : الجمهور على أن المراد بالإخوة عدد ممن له إخوة من غير اعتبار التثليث ، سواء كانوا من الإخوة أو الأخوات ، وسواء كانوا من جهة الأبوين أو من جهة أحدهما . وخالف ابن عباس في ذلك ، فإنه جعل الثلاثة من الإخوة والأخوات حاجبة للأم دون الاثنين ، فلها معهما الثلث عنده ، بناءً على أن الإخوة صيغة جمع ، فلا يتناول المثنى . وبهذا حاج عثمانَ ابنُ عباس رضي الله تعالى عنهما ، فقد أخرج ابن جرير والحاكم والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث ، وتلا الآية ، ثم قال : والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة ، فقال عثمان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ، ومضى في الأمصار وتوارث به الناس » .
وذكر ابن كثير الخبر السابق عن ابن عباس مرويًّا عن البيهقي ، من طريق شُعْبة مولى ابن عباس ، ثم عقَّب عليه قائلاً :« وفي صحة هذا الأثر نظر ؛ فإن شُعْبَة هذا تكلَّم فيه مالك بن أنس ، ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصَّاء به ، والمنقول عنهم خلافه » . وسواء صح هذا الأثر عن ابن عباس أم لم يصح ، فإنه معارض بما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن أبيه من أنه قال :« الأخَوان تُسمَّى إخوة » ، وبما أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت ، من أنه كان يحجب الأم بالأخويْن ، فقالوا له : يا أبا سعيد : إن الله تعالى يقول :﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ ﴾(النساء: 11) ، وأنت تحجبها بأخويْن ؟ فقال : إن العرب تسمِّي الأخويْن إخوة » . فهذان الخبران يعارضان الخبر السابق عن ابن عباس ، ويوافقان ما أجمع عليه جمهور الصحابة من أن حكم الأخوين في حجب الأم عن الثلث إلى السُدُس حكم الإخوة ، وحكمها في الحجب هنا ؛ كحكم البنتين أو الأختين في الميراث ، فإن الأمة مُجمعةٌ على أن قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ (النساء: 11) يدخل في حكمه البنتان أو الأختان ، وإن اختلفوا في كيفيَّة دخولهما في الحكْم ؛ فهكذا دخول الأخوين في الإخوة .
ومما يدل على ذلك- كما قال ابن قيم الجوزية- أنه سبحانه وتعالى قال :﴿ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ (النساء: 12) . فقوله تعالى :﴿ فَإِنْ كَانُوا ﴾ جمع ، ثم قال :﴿ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ، فذكرهم بصيغة الجمع المضمَر ، وهو قوله تعالى :﴿ فَهُمْ ، وصيغة الجمع المظهَر ، وهو قوله :﴿ شُرَكَاءُ ﴾ ، ولم يذكر سبحانه قبل ذلك إلا قوله تعالى :﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾ ، فذكر حكم الواحد ، وحكم اجتماعه مع غيره ، وهو يتناول الاثنين قطعًا ؛ فإن قوله تعالى :﴿ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . أي : أكثر من أخ أو أخت ، ولم يُرِدْ أكثر من مجموع الأخت والأخ ؛ بل أكثر من الواحد ، فدلَّ على أن صيغة الجمع في الفرائض تتناول العدد الزَّائد على الواحد مطلقًا ، اثنان كان ذلك العدد ، أو ثلاثةً ، أو أكثرَ ِمن ذلك . ونظير ذلك قوله تعالى :﴿ وَإِنْ كَانُوا إخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، فلفظ ( إخوة ) هنا يتناول الأخ الواحد ، والأخت الواحدة ؛ كما يتناول من فوقهما .
ومما يوضِّح ذلك أن لفظ الجمع قد يختصُّ بالاثنيْن مع البيان وعدم اللَّبْس ، كالجمع المضاف إلى اثنين ، مما يكون المضاف فيه جزءًا من المضاف إليه ؛ نحو جمع ( قلب ) في قوله تعالى :﴿ إِنْ تَتُوبَا فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (التحريم: 4) ، وجمع ( يد ) في قوله تعالى :﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا (المائدة: 38) ؛ فكذلك يتناول الاثنيْن فما فوقهما ، مع البيان بطريقِ الأوْلى . حكى سيبويه عن أستاذه الخليل ، فقال :« وسألتُ الخليل رحمه الله عن : ما أحسنَ وجوهَهما ! فقال : لأن الاثنين جميعٌ . وهذا بمنزلة قول الإثنين : نحن فعلنا ذاك ؛ ولكنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما يكون منفردًا ، وبين ما يكون شيئًا من شيء . وقد جعلوا المفردين أيضًا جميعًا . قال الله جلّ ثناؤه :﴿ وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ (ص: 21) . وقد يثنّون ما يكون بعضًا لشيء ، زعم يونس أن رؤبة كان يقول : ما أحسنَ رأسيهما . وقالوا : وضعا رحالهما ، يريد : رحلَيْ راحلتين . وحدُّ الكلام أن يقول : وضعت رحلي الراحلتين ، فأجرَوه مجرى شيئين من شيئين » . فثبت بذلك أن استعمال الاثنين في الجمع ، والجمع في الاثنين بقرينة جائز ؛ بل واقع .
نخلص مما تقدم إلى أن للجمع ثلاثة أحوال :
أحدها : اختصاصه بالاثنيْن ؛ نحو قوله تعالى :﴿ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ (المائدة: 6) ، ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا (المائدة: 38) ، ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾(الحج: 19) ، ﴿ إِنْ تَتُوبَا فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا (التحريم: 4) .
الثانية : صلاحيته لهما ؛ نحو قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾(الحجرات: 10) ، ﴿ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ ﴾(النساء: 11) ، ﴿ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثنتين (النساء: 11) .
الثالثة : اختصاصه بما زاد عليهما . وهذه الحال له عند إطلاقه ؛ كقولك : عندي إخوة أو إخوان ، وله عليَّ دراهم . أي : ثلاثة وما زاد على ذلك . وأما عند تقييده فبحسَب ما قُيِّدَ به ، وهو حقيقةٌ في الموضعيْن ، فإن اللفظ تختلف دلالته بالإطلاق والتقييد ، وهو حقيقة في الاستعمالين .
فظهر بذلك أن فهم جمهور الصحابة في مسألة حجْب الأم بالاثنين أحسنُ من فهم ابن عبَّاس ، وبه يعلم أن الحكم في ذلك كله للسياق ؛ لأنه هو المحدد الأساس لدور الكلمة في الاستعمال اللغوي ، وليس للقوالب الجامدة التي تبتعد عن روح النص . وفرق كبير بين أن تقول : هم الإخوة والإخوان ، وهم إخوتي وإخواني ، وعندي إخوة وإخوان ، وكان لي إخوة أو إخوان أربعة .. والله تعالى أعلم !
 
إذاً نخلص إلى أن المراد بإخوة يوسف عليه السلام الكثرةُ من غير قصدٍ لعددٍ معينٍ، و ليس المراد به القلة لأنهم أكثر من عشرة. أو يعنى بـ"الإخوة" الاثنان و ما زاد عليهما، كلفظ "إخوة" في قوله تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، و كأنه قيل: إنما المؤمنون: أخوين، أخوين. أو الغرض بهذا التعبير "الإخوة" هو بيان المرتبة التى هي دون مرتبة "الإخوان" لما في الثاني من معنى الصداقة و الوداد. و الله تعالى أعلم.
و لعلَّ منْ له تخصصٌ في هذا الباب يفيدنا بشيء و يحرر المسألة هنا مشكوراً.
 
شكر الله لك أخي الفاضل
 
السلام عليكم
تقدم الأخ بتفصيل مطول ورغم ذلك لم نقف على الوجه البلاغى من ورود كلمة أخوة التى هى جمع قلة مكان جمع الكثرة رغم أن المقام مقام جمع كثرة حسب قواعد النحويين والبلاغيين أنفسهم
وهنا يحق للمتابع أن يقول بأحد خيارين
الأول إن الكلام غير بليغ -حاشاه -
والثانى : إن قاعدتهم فاسدة
والثانى هو الأرجح .... فأخوة يوسف ليسوا اخوان لانتفاء المحبة والود بينهم ....، ولذلك هم أخوة بالنسب فقط .وقد يُقال أنهم أصبحوا "اخوانا " بعد السجود له والاقرار بأحقيته بالنبوة وبمحبة أبيه
وفى آية "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، كان هناك نزاع بين طائفتين من المؤمنين ... فهم عندئذ أخوة فقط وليسوا اخوانا، و " أخويكم "فى الآية لأنهم طائفتان متمايزتان فكانت كلمة "أخويكم " عند خطاب الطائفة الثالثة المُصلحة

الخلاصة أنه يجدر بنا أن نخرج من هذا القيد ..جمع القلة وجمع الكثرة
وحتى لانحتال على الأمر ... فنقول أنه جمع قلة دون ارادة عدد معين .... لأن هذا يهدم القاعدة ويضيع دلالتها ؛ إذن الأولى ألا تكون قاعدة بهذه الدلالة ....
ويكفى أن أقول أنه قد قيل بها فى كثير من المواطن وتسببت فى التباس كبير ،
 
أخي مصطفى بارك الله فيك
قولك: إن قاعدتهم فاسدة فيه تسرع وإصدار حكم على جماهير اللغويين وهذا لا يصح؛ لأن فيه إهمالاً لفهم مرادهم، وعدم الوقوف على دقائق المفارقات المقامية للنص اللغوي.
فكون هذه القاعدة التي وضعها اللغويون لم تستطع أن تقف على تخريج بياني لها على ضوء الآية المذكورة لا يعني أبداً أن قاعدتهم فاسدة، فليس عقلك أو عقلي هو الذي يلغي قواعد علماء هذا الفن، فحري بنا أن نتروى قبل التعجل.
وأما الآية فتوجيهها لا يحتاج إلى كبير عناء، وغاية ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين أن إخوة يوسف هم إخوة من حيث الفعل وليسوا إخوان، وهم إخوان من حيث العدد وليسوا إخوة، فنزلهم منزلة القلة مع أنهم كثرة ليرشدك أيها المؤمن إلى أن العبرة هي فيما يصدر عنهم من أفعال لا في عددهم، والله الموفق لكل خير.
 
السلام عليكم
وغاية ما في الأمر أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يبين أن إخوة يوسف هم إخوة من حيث الفعل وليسوا إخوان، وهم إخوان من حيث العدد وليسوا إخوة، فنزلهم منزلة القلة مع أنهم كثرة ليرشدك أيها المؤمن إلى أن العبرة هي فيما يصدر عنهم من أفعال لا في عددهم، والله الموفق لكل خير.
ما معنى - نزلهم منزلة القلة مع أنهم كثرة -؟
هل لقلة عملهم ....أم لتفاهته
أولم يصدر عنهم أعمال كان لها آثارا كبيرة .....
وقد وردت الكلمة فى سياقات كثيرة فى السورة .... إخوته ، إخوتى ، إخوة
فأيها تكون الحكمة فى ايرادها جمع قلة لنقول أن عملهم قليل ؟

ثم ما العور البلاغى الذى سيصيب الجملة إن جاءت بصيغة -إخوان -؟
أقول أنا أنهم لم يكونوا اخوانا بل إخوة بغض النظر عن عددهم .

ولئن بحثنا لماذا وضعت هذه القاعدة فى النحو لوجدنا أن الأمر ليس لدقائق خفيت علينا بقدر ما أنه مخرج لهم من مآزق لم يجدوا لها تفسير
مثل عبون وأعين ، نفوس وأنفس ،.... فاخترعوا هذه التقسيمة ؛ بدلا من البحث عن المعنى الحقيقى .
فإذا ماوردت كلمة تخالف القاعدة ظلوا يلفون وبدورون حتى يخرجوا من مأزقها بأي كلام والسلام .

هذا ماعندى والله أعلم
 
فأخوة يوسف ليسوا اخوان لانتفاء المحبة والود بينهم ....، ولذلك هم أخوة بالنسب فقط .وقد يُقال أنهم أصبحوا "اخوانا " بعد السجود له والاقرار بأحقيته بالنبوة وبمحبة أبيه
وفى آية "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ"، كان هناك نزاع بين طائفتين من المؤمنين ... فهم عندئذ أخوة فقط وليسوا اخوانا، و " أخويكم "فى الآية لأنهم طائفتان متمايزتان فكانت كلمة "أخويكم " عند خطاب الطائفة الثالثة المُصلحة

،

أخي الكريم ..أشكر لك مشاركتك
لكن ألبس علي النص السابق ..فهل هو إشارة إلى المقولة الشائعة (إن إخوة تقال في أخوة النسب وإخوان في غير النسب كالصداقة ونحوها)..؟
إن كان الأمر كذلك فالنص السابق ـ حفظك الله ـ يشير إلى العكس : إخوة لغير النسب ، وإخوان للنسب.. فما توجيهك..؟
 
علينا قبل التعجل في كتابة أي كلمة، أو تسطير أي حرف أن ننتبه لكماتنا تجاه علمائنا الذي بذلوا الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على تراث الأمة من الضياع، وهي كلمات تصدر لتملأ صحائفنا في الدنيا والآخرة، فعلينا أن نتخير الأقرب للعدل والتقوى.
وإن سمح لي أخي سعيد ببعض الملاحظات على مشاركتيه السابقتين:
1- لو قلت: قاعدتهم غير مطردة لكان أجمل من قولك: قاعدتهم فاسدة.
2- كون الوجه البياني لم يظهر لك على ضوء قاعدة لغوية لا يعني ذلك نفيها وانتفاء الوجه البياني.
3- قولك بأنهم وضعوا هذه القاعدة ليخرجوا من مآزق لم يجدوا لها تفسيراً، ألا ترى معي أن فيه تجنياً واتهاماً لعلماء الأمة الذين أقروا بهذه القاعدة؟! ثم لو أعدت الكرة مرة أخرى ألا ترى في قولك هذا، توجيه اتهام قد يؤدي بمن يقرأه من المغرضين أن يقول: إن المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن يقولون: إن علماء اللغة يحتالون ويلفون ويدورون عندما لا يجدون تفسيراً لبعض الظواهر اللغوية، وهذا إقرار من أولئك المتخصصين بأن في تراث القوم خللاً عظيماً؟! وبالطبع سينسب هذا الكلام إلى القائمين على هذا الملتقى ولن ينسبه لشخصك الكريم؛ لأن هذه طبيعة المغرضين المتربصين، ولا يخفى عليك طبيعة هذا الملتقى الذي يقوم على ضوابط معهودة لدى المتابعين، فلا نريد أن نكون لقمات سائغة للآخرين.
4- هل تظن أن العلماء فعلاً يقولون أي كلام هكذا من غير استقراء وبحث ونقاش؟ بمعنى هل هذه قناعتك الحقيقية تجاه أولئك الأعلام؟! وهل تظن أن الواحد فيهم ينام ليلته ليستيقظ وقد رأى مناماً فقعد من خلاله قاعدة لغوية؟!؟! ثم هل ترى أن أولئك إذا اتفقوا فيما بينهم - ولا أقول: أجمعوا - على قاعدة يكونون اتفقوا عليها بلف ودوران وتلفيق ليهربوا من مأزق ما؟؟؟؟
5- أما فيما يخص التوجيه الذي ذكرته لك فواضح إن شاء الله، وهو أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر إخوة ولم يذكر إخوان، لتنزيل الكثرة منزلة القلة، فهم وإن كانوا من حيث العدد جمع كثرة، إلا أنهم من حيث الفعل وأثرهم في أخيهم وأبيهم قلة قليلة، ولو كانوا من حيث العدد قلة واستعمل جمع القلة لما ظهر هذا الوجه البياني، وقد نطقت كلمة علماء التفسير أن القرآن إذا عدل من لفظ لآخر، أو من أسلوب لآخر، إنما يعدل لينبه على نكتة بيانية، يكون من ورائها معنى مقصود، فقف على المقصود.
ملاحظة: وقع منك أخي بعض التعبيرات البعيدة عن الأسلوب العربي السليم من مثل قولك:
هل لقلة عملهم أم لتفاهته والصحيح أن تقول: أو لتفاهته؛ لأن أم تحتاج إلى معادل.
وكذلك بعض الأخطاء النحوية التي أظنها غير مقصودة وإنما لاستعجال الكاتب ليس إلا، فبارك الله فيك، وأسأله أن يجمعنا على مائدة العلم الثابت، وأن يبعد عنا زيغ الشيطان وشركه، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
السلام عليكم
أخى الكريم
طبعا نحن حريصون على ألا نكون لقمة سائغة لأعدائنا ؛
ولكن حرصنا هذا لايمنعنا من نقد أنفسنا .
والنقد الحاد أحيانا يكون بسبب استعلاء البعض عليه وكأنه يجب ألا يُنقد .
كما أن هذا المنكر علينا النقد له ولمن والاه من علماء النحو يغفل عن ماهو أعظم .. لقد نقد كلام الله وهو لايدرى ،ولايشفع له أنه يحاول تخريجها تخريجا يدفع عنه كونه ناقدا ،كما أن القول بالنكتة البيانية لايكفى للدفاع عن نقده لكتاب الله .
فمثلا :( فـسَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) جمع قلة يراد به الكثرة من غير قصد لعدد معين . قال الألوسي :« والمراد بالسبعة الكثرة ، بحيث تشمل المائة والألف مثلاً ، لا خصوص العدد المعروف ........
فنسأل القائل ... لماذا حدد سبعة ، ولماذا لم يقل تسعة أو عشرة بدلا من سبعة ؟ وهل لو قيل مئة بحر يجعل البحر المفردة دليلا على القلة
وأقول لمن يقول بقوله : ألم يئن الأوان أن نتعامل معاملة أدق مع الكلمات المحددة الدقيقة ولا نعمد لتموعيها وافقادها دقتها ؟

قولك
أما فيما يخص التوجيه الذي ذكرته لك فواضح إن شاء الله، وهو أن الله سبحانه وتعالى عندما ذكر إخوة ولم يذكر إخوان، لتنزيل الكثرة منزلة القلة، فهم وإن كانوا من حيث العدد جمع كثرة، إلا أنهم من حيث الفعل وأثرهم في أخيهم وأبيهم قلة قليلة، ولو كانوا من حيث العدد قلة واستعمل جمع القلة لما ظهر هذا الوجه البياني، وقد نطقت كلمة علماء التفسير أن القرآن إذا عدل من لفظ لآخر، أو من أسلوب لآخر، إنما يعدل لينبه على نكتة بيانية، يكون من ورائها معنى مقصود، فقف على المقصود.
لاأجد له شاهدا فى فصل العدد عن الفعل ، بل هذا يُفسد النحو كله ، فهل نتصور - مثلا -الواحد بصيغة الجمع دلالة على كثرة الفعل ؟
أليس هذا يدلل على كلامى: أن الأمر لايعدو أن يكون بحثا عن مخرج .؟

وأنا لا أقول أن استقرأت مواضع جموع القلة - كما يسمونها -كلها ...ولكن فى كثبر من المواطن أجدها لاتوافق ماجاءوا به .
" إخوة يوسف - المؤمنون إخوة " تنسف قاعدتهم مهما برروا وقالوا .

بل انظر إلى قول أبى حيان فى موضع آخر عند الكلام على كلمات وكلم : فجموع القلة إذا تعرفت بالألف واللام غير العهدية أو أضيفت ، عمَّت وصارت لا تخص القليل ، والعام مستغرق لجميع الأفراد » .
بالرغم من أنه يفسر لماذا جاءت أخوة يوسف جمع قلة رغم كونهم كثرة ، إلا أنه قد لايكون مطردا .. فمثلا : " المؤمنون إخوة " تخالفها
؛ وبهذا فهى قاعدة تفصل حسب كل موقف ، فإذا جاء مايخالفها تفصل له قاعدة ثانوية من باطن الأولى أو استثناءا منها للخروج من مأزق مخالفتها لقاعدتهم
الخلاصة أننى لست مع قاعدة القلة والكثرة ولكنى مع قول الأخ أبو ابراهيم فى نهاية مداخلته الأولى
وبه يعلم أن الحكم في ذلك كله للسياق ؛ لأنه هو المحدد الأساس لدور الكلمة في الاستعمال اللغوي ، وليس للقوالب الجامدة التي تبتعد عن روح النص . وفرق كبير بين أن تقول : هم الإخوة والإخوان ، وهم إخوتي وإخواني ، وعندي إخوة وإخوان ، وكان لي إخوة أو إخوان أربعة .. والله تعالى أعلم !
السياق يختار الكلمة المناسبة له ،ذات المعنى المحدد سلفا الذى يختلف عن معنى ودلالة الأخرى .

أما احترامى للعلماء - علماء النحو - فهو لايعنى أنى اقدسهم ، كما لايعنى نقدى لهم أنى أبغضهم ؛ وأقول اننى أشكر لهم اجتهادهم ... ووضعهم علم النحو وقواعده ؛
ولكن هذا لايمنع أن بعض القواعد تحتاج للمراجعة لما ثبت من أدلة كثيرة على ضعفها أو عدم اطرادها أو فسادها .... ؛
وأعدك أن أبحث عن كتاب فى هذه المسألة خاصة - جموع القلة والكثرة - وأدرسه جيدا ، عسى أن نصل إلى قول فصل فى هذه المسألة
 
.
ولقائل أن يقول : إذا كان ما بعد العشرة كثير بالاتفاق ، وأن ( إخوة ) من صيغ جموع القلة وهي موضوعة لما دون العشرة ، فكيف أخبر الله عز وجل عن إخوة يوسف بقوله :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وهم أحدَ عشَرَ أخًا ؛ كما دل عليه قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، والأحد عشر أخًا ليسوا بالقليل ؟
........
... وعلى ذلك يحمل قوله تعالى :﴿ لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ ﴾(يوسف: 7) ، وقوله تعالى :﴿ وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ (يوسف: 58) . فالمراد بإخوة يوسف- عليه السلام- الكثرة من غير قصد لعدد معين ، وليس المراد به القلة ؛ لأنهم أكثر من عشرة ، بدليل قوله :﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا (يوسف: 4) ، وما فوق العشرة كثير باتفاقهم .!


بسم الله الرحمن الرحيم

للتنبيه فقط ليس غير :

ليس صحيحا أن المراد بعدد إخوة يوسف في الآيتين المذكورتين في الاقتباسين أعلاه من سورة يوسف هو أحد عشر ، بل عشرة فقط . والاحتجاج بقوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : {... إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً }(يوسف4) أنهم أحد عشر أخا احتجاج لايستقيم ، لأنه ينزع ،في الحالتين ، لفظ " إخوته " ولفظ " إخوة " من سياقه الدلالي . فقوله تعالى :{لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ }(يوسف7) المقصود به عشرة ، لأن بنيامين مستثنى من الإخوة المقصودين في هذه الآية بدليل قوله تعالى في الآية اللاحقه لها : {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }(يوسف8 )، فالمقصود ، إذن ، بالإخوة في الآية السابعة هم جميع أبناء يعقوب عليه السلام ما عدا يوسف وبنيامين أي عشرة فقط : ( العصبة ) .

وفي الآية الأخرى ، أي في قوله تعالى : {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }(يوسف58 )، المراد هنا أيضا عشرة إخوة ، أي دون بنيامين ، وهذا ما يدل عليه سياق الآيات اللاحقة عندما طلب يوسف من إخوته إحضار أخ لهم من أبيهم في المرة القادمة .

ومن نافل القول أن هذا التنبيه ينطبق على مطلع هذا الموضوع الذي سألته الأخت لطيفه - حفظها الله - إذ قالت :

" لماذا عبر عن إخوة يوسف بجمع القلة"إخوة" مع أنهم كثرة..؟


إخوة يوسف عليه السلام أحد عشر : ((إني رأيت أحد عشر كوكبا)) فهم كثرة ، ومع ذلك عبر عنهم القرآن بجمع القلة((إخوة)).. فما الغرض من ذلك...؟ "


 
السلام عليكم
بارك الله بك
هذا هو الجواب الصحيح إن شاء الله
 
هذا رابط لبحث اسمه: جموع التكسير عند الصرفيين والمفسرين
وقد ناقش هذه القضية مناقشةً جميلة كما تطرق لصيغة الإخوة والإخوان في صفحة رقم 10
http://www.kau.edu.sa/Files/372/Researches/2379_8_2.pdf
 
أشكر الأخوين الفاضلين على مشاركتهما
ولي بعض الملحوظات:
1- استدلال أخينا فيصل بقوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} على أن المقصود بالإخوة في قوله تعالى السابق: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} استدلال لا يستقيم.
2- وجه عدم استقامة هذا الاستدلال أن الله سبحانه وتعالى ذكر يوسف وإخوته جميعاً، فدخل في كونه وإخوته آيات للسائلين جميع الإخوة دون استثناء، بل هو عليه السلام داخل في هذا المفهوم.
3- الآية الثانية وهي قوله تعالى: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} نعم هي تخرج بنيامين من مفهوم {قالوا}، وهذا التخصيص مستفاد من هذه الآية وهي قوله تعالى: { وَأَخُوهُ } فخرج بهذا القيد بنيامين، لكنه لا يخرج أبداً من الآية السابقة، فهو تخصيص للقائلين، وليس تخصيصاً لإخوة يوسف عليه السلام في كونهم آيات للسائلين.
4- هاتان الآيتان إحداهما جاءت على عمومها وهي الأولى، والثانية جاءت على التخصيص السياقي، وهذا اللون من ألوان التخصيص لم يذكره الأصوليون ولم أطلع على إفرادٍ له بالذكر عند أحد من المفسرين، وقد ذكرته في كتابي "نظرية السياق القرآني دراسة تأصيلية دلالية نقدية"، وهو نوع من الأنواع التي استقل به المفسرون في تطبيقه في تفاسيرهم دون الأصوليين.
5- الآية الثانية وهي قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} فالتخصيص السياقي بدليل اللحاق واضح للبديهة ولا أحد يزعم خلاف ذلك.
6- قوله تعالى: {قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} نهي ليوسف عليه السلام أن يقص رؤياه على جميع إخوته ولا دليل لإخراج بنيامين منها، خصوصاً أنها جاءت بعد قوله تعالى: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} فالمقصود بإخوة هنا أحد عشر.
7- يبقى السؤال قائماً ولا يزول بهذا الاستدلال، فإخوة قصد فيها أحد عشر أخاً، وفي موطن واحد قصد فيها عشرة.
8- أقول: على الباحث أن يُعمل القواعد التي اتفق عليها العلماء، وإن خالف ظاهر النظم بعضها فلذلك علة بيانية يجب البحث عنها، أما إدارة الظهر لتلك القواعد بحجة أنها تخالف ظاهر القرآن فذلك سيقودنا إلى هدم جميع ما اتفق عليه العلماء، ولن تبقى ضوابط للفهم والعلم، وهي نتيجة خربة كما لا يخفى على ذي لب.
والجواب الذي تطمئن له النفس أن إخوة المقصود بها في آيات سورة يوسف هم إخوة يوسف عليه السلام جميعهم، وهم أحد عشر أخاً، إلا ما ورد في قوله تعالى: {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ} فهي على الأصل، فهم جمع كثرة لا جمع قلة، والعدول في التعبير عنهم بجمع القلة لبيان قلة بركتهم ونفعهم، هذا ما يقتضيه الجواب المبني على قواعد علم اللغة والنحو بناءً على الاستقراء الذي قام به علماؤنا، وهو ما يثري جانب التواصل التراثي بين الباحثين المعاصرين، وبين أرباب العلم.
نسأله سبحانه أن يرزقنا حسن الفهم وعظيم العلم ودقيق التدبر والتفكر.
 
أخي الدكتور المثنى أشكر لك إضافاتك العلمية القوية .. وأوافقك في كل ما ذكرت وأسأل الله أن يزيدك علمًا.


أخي مصطفى سعيد .. شكر الله جهدك .. وزادك من فضله ، ولي إشارة يسيرة على قولك:

فمثلا :( فـسَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) جمع قلة يراد به الكثرة من غير قصد لعدد معين . قال الألوسي :« والمراد بالسبعة الكثرة ، بحيث تشمل المائة والألف مثلاً ، لا خصوص العدد المعروف ........
فنسأل القائل ... لماذا حدد سبعة ، ولماذا لم يقل تسعة أو عشرة بدلا من سبعة ؟ وهل لو قيل مئة بحر يجعل البحر المفردة دليلا على القلة


فسبعة يستعمل عند العرب للدلالة على الكثرة ، بل قد يستعمل في أمور ليس عددها سبعة بل أكثر من ذلك ، لكن يشار به إلى الكثرة .. وقد أشار المفسرون واللغويون إلى ذلك.. أتمنى لو يسعفني الوقت لإضافة ما قالوا.
 
أخي الفاضل فيصل أشكر لك إثراءك الموضوع بتلك الإضافة القيمة ..شكر الله لك
والشكر موصول لأخينا الفاضل يحيى ..شكر الله سعيه
 
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الدكتور مثنى ، أختي الفاضلة لطيفة - حفظكما الله .
ما زال الموضوع الذي يخص تعقيبي ورد الدكتور المثنى عليه مفتوحا للنقاش ( أقصد فيما يخص سورة يوسف تحديدا ) ، ولم يغلق بعد ، فإن لي فيه رأيا .. غير أني مشغول في هذه الفترة ، لذلك استميحكما العذر للعودة للرد فيما بعد .
 
في انتظارك .. وفقك الباري
 
كلام الأخ فيصل في غاية الإتقان..
فإخوة يوسف عشرة لا أكثر..
وهم المعنيون بقول الله تعالى {في يوسف وإخوته} مع ما يليها {إذا قالوا}
ومضمون القصة يؤكد ذلك..
فالشيطان نزغ بين يوسف وإخوته العشرة، ولم يكن لبنيامين من ذلك نصيب {من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي} ..
أما إطلاق تسمية الإخوة على الأحد عشر أخا، فأين هو؟
يوسف ذكر مجموع إخوانه..
والله تعالى يحكي قصة نزغ شيطان بين عشرة منهم وبينه، فسمى هؤلاء المعنيين بالإخوة.
ولما حذر يعقوب ابنه من قص الرؤيا إنما عنى هؤلاء العشرة، وذكر السبب أنه يخاف من نزغ الشيطان بينه وبينهم!
اما بنيامين فما كان يخشى عليه من ذلك حين الوصية لأنه كان صغيرًا..
ولما كبر يمكن إلحاقه بوصية الوالد لجامع العلة، والله تعالى أعلم
 
عودة
أعلى