وللدكتور أمين فلاتة من جامعة أم القرى بمكة رسالة علمية للماجستير درس فيها الاختيار عند القراء ، فياليت أحد طلابه من رواد الملتقى يلخص لنا أهم ماتوصل إليه في البحث . والله أعلم .
يمكن تحميل الرسالة من
هنا . وقد قال في خاتمتها وفقه الله :
" في ختام هذا البحث أسجل النتائج العامة التي توصلت إليها من خلاله :
1- تحديد معنى الاختيار عند القراء بدقة من خلال تعريفه اللغوي ثم الاصطلاحي . وقد ذكرتُ أن التعريف الذي اخترته للاختيار هو : انتقاء القارئ العارف باللغة طريقةً خاصةً به في القراءة ، منسوبة إليه ، مستلة من بين ما روى عن شيوخه ، لعلةٍ ما .
2- تحديد معنى التخيير عند القراء من خلال تعريفه اللغوي ثم الاصطلاحي . وقد اخترتُ في تعريف التخيير أنه : التسوية بين وجهين أو أكثر في القراءة بها ، لمن ذكر له ، مقرون بالنص عليه منه ، على وجه لا ينقص شيئا من الرواية .
3- تحرير الفرق بين مصطلحي (الاختيار) و (التخيير) عند القراء . وأن الفرق بينهما أن الاختيار دال على تقديم وتفضيل وانتقاء ، بينما التخيير يدل على التسوية بين الأوجه وعدم اختيار أحدها .
4- القراءة والحرف والاختيار مترادفات .
5- هناك أسباب أدت إلى الاختيار يمكن إجمالها في خمسة أسباب .
أ- ثبوت أحاديث التخيير في قراءة القرآن بأي حرف من الأحرف السبعة المنزلة ، وعمل الصحابة رضي الله عنهم بها .
ب- كثرة القراءة من الصحابة رضي الله عنهم ، وانتشارهم في الآفاق ، وكثرة الآخذين عنهم ، ثم كثرة الآخذين عمن أخذ عنهم ، من التابعين ، ثم تابعيهم ومن جاء بعدهم ، مما جعل طرق القراءات تتشعب وتزداد ، ولا تتميز لاختلاف درجة الرواة ضبطاً وإتقاناً .
ج- جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ، وإرسال المصاحف إلى الأمصار .
د- التسهيل على آخذي القرآن ، وعلى العامة .
هـ- تبحر بعض القراء في اللغة والنحو حتى صاروا أئمة أيضا في النحو واللغة ، وهذا بدوره جعلهم يختارون من القراءات الثابتة ما كان أقوى عندهم وجهاً في العربية مما ثبت .
6- يمكن تقسيم مراحل الاختيار إلى ثمان مراحل ، لكل مرحلة ملامح وآثار . وهذه المراحل هي التالية :
أ- مرحلة ورود التخيير في قراءة القرآن بالأحرف السبعة المنزلة .
ب- مرحلة اشتهار اختيارات وقراءات بعض الصحابة ، ونسبتها إليهم ، وأخذ الناس بها ، وتناقلهم لها .
ج- مرحلة الإجماع على اختيار ما وافق المصاحف العثمانية .
د- مرحلة التخصص للإقراء ، والتزام اختيار معين ، أو قراءة معينة .
هـ- مرحلة الاقتصار على اختيارات قراء معينين من أصحاب القرن الذهبي للاختيار . ويمكن أن تسمى بمرحلة ضبط بعض اختيارات الماضين .
و- مرحلة تمحيص وتحقيق اختيارات القراء السبعة .
ز- مرحلة حصر القراءات والاختيارات المشهورة الصحيحة المسندة .
ح- مرحلة التحريرات للأوجه .
7- المصنفات في الاختيار تمثل جزءاً كبيراً من المصنفات في علم القراءات ، وهي متفاوتة من حيث التحرير ، والترتيب ، والتعليل ، والحجم ، والمنهج . وقد أحصيت منها مما له علاقة مباشرة بموضوع الاختيار أكثر من ثمانين (80) مصنفا . أما المصنفات غير المباشرة فلا تحصى كثرة .
8- الاختيار مشروع بدلالة السنة ، والإجماع ، وأدلة أخرى . وأقوال العلماء وتطبيقات القراء شاهدة بذلك .
9- ضوابط قبول القراءة ضابطان :
الأول : ثبوت القراءة ثبوتا يفيد العلم ، ويمكن تقسيم هذا الثبوت إلى قسمين :
أ- ما ثبت بالتواتر ، فيكتفى فيه به .
ب- ما ثبت بالآحاد ، وهذا لا بد من توفر شرطين فيه :
الشرط الأول : احتفافه بالقرائن التي تدل على إفادته العلم ، ومنها : تلقي العلماء والقراء له بالقبول ، إمامة ناقله وعدالته وضبطه في القراءة ، الشهرة والاستفاضة .
والشرط الثاني : انتفاء العلة القادحة فيه ؛ ومن العلل القادحة : كونه مما حكم عليه أئمة القراء ومحققوهم بوقوع الغلط أو الوهم فيه من ناقله وراويه ، مخالفته للأوثق منه مع عدم إمكان الجمع ،مخالفته للغة العربية وهي قرينة تدل على وهم أو غلط ناقله فيه .
وهذا القسم الثاني - وهو ما ثبت بالآحاد - هو الذي وقع فيه الكلام والأخذ والرد بين بعض القراء والمحدثين واللغوين والمفسرين ، لتنازعهم في تحقق شروطه .
أما الضابط الثاني من ضوابط القراءة الصحيحة فهو : موافقة الرسم العثماني ، الذي وقع الإجماع عليه من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم . فلا بد من تحقق هذا الضابط بعد تحقق الضابط الأول .
10- يمكن إجمال ضوابط الاختيار وعلله في الآتي :
أ- قوة وجه القراءة المختارة في العربية ،وكونها على الأقيس والأشهر لغة .
ب- موافقتها خط المصحف العثماني أكثر من غيرها .
ج- كونها قراءة الجماعة ، أو العامة ، أو جمهور القراء .
د- دلالتها على المعنى أكثر من غيرها عند من اختارها .
هـ- لأنها أوضح من غيرها في الدلالة على الفرق بين المعاني .
و- ورود آية أو حديث يوافق لفظها أو معناها .
ز- موافقتها لمعنى حرف عبد الله بن مسعود أو حرف أبي بن كعب رضي الله عنهما .
ح- موافقة ما قبلها من فواصل السورة .
ط- زيادة الحسنات والأجر فيها بزيادة الحروف .
11- يلزم من الاختيار التفضيل ، ما لم يرد ما يدل على المساواة ، ويلزم من الاختيار عدم إلزام الآخرين به . ولا يلزم من الاختيار بيان العلة ، كما لا يلزم منه عدم الخروج عنه والانتقال منه إلى غيره . ولا يلزم من الاختيار أن يكون شاملا لكل حرف مختلف فيه .
12- أصحاب الاختيارات أئمة كثر ، منهم المشهورون ، ومنهم المغمورون . وقد ذكرتُ من المنصوص على اختياراتهم في كتب القراء ستةً وخمسين (56) إماماً من أصحاب الاختيار ، ما بين اختيارٍ مقبولٍ ، واختيارٍ شاذ .
13- يمكن إجمال مناهج الاختيار العامة في أربعة مناهج هي: ( المنهج الأثري، المنهج اللغوي، المنهج المعنوي، المنهج الرسمي ) .
14- كان من أهم الآثار الإيجابية للاختيار على القراءات :
أ- إثراء علم القراءات .
ب- إثراء علم الاحتجاج للقراءات .
ج- تمييز الضوابط الصحيحة .
15- نتج عن الخلل في التعامل مع قضية الاختيار آثار سلبية ؛ أهمها :
أ- الجسارة على رد القراءات أو الطعن فيها .
ب- إيهام المفاضلة بين القراءات المتواترة أو الصحيحة .
ج- تسور من ليس أهلا للاختيار للدخول فيه .
16- وقد ناقشت في ثنايا البحث قضايا متفرقة ، ألمحتُ إلى ما ظهر لي فيها من رأي ، كقضية المفاضلة بين القراءات ، وقضية الطعن في القراءات ، وأهلية الاختيار .
وإن كان لي من توصيات في هذا البحث فإني أوصي بإعداد دراسات مفصلة عن منهج كل إمام من أئمة الاختيار في اختياره ، إذ ما ذكرته عن مناهجهم إنما هو في العموم . أما تخصيص كل إمام بحديث عن منهجه في الاختيار وعن ضوابط ذلك المنهج وأسسه وتطبيقاته ، فذلك ما يحتاج لا إلى رسالة واحدة ، بل إلى رسائل وبحوث ودراسات متعددة .
ولعل الله ييسر من يقوم بذلك ، ليضيف إلى علم القراءات شيئا مفيدا نافعا بإذن الله تعالى .
هذه هي التوصيات والنتائج العامة التي توصلت إليها من خلال بحثي هذا الذي عنوانه : ( الاختيار عند القراء : مفهومه ، مراحلة ، وأثره في القراءات ) ، وأرجو أن تكون نتائج موفقة تفيد الدراسين ، وتضيف إلى مكتبة علوم القرآن والقراءات شيئا مفيدا جديدا . والله المستعان وعلي التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " .