لطيفة في سورة الكهف

إنضم
19/12/2010
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
نقرأ سورة الكهف دائماً .. ولكن هل توقفنا عند هذه الآية : "لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً ولملئت منهم رعباً"
تصف هذه الآية الحالة النفسية التي تعتري من نظر إلى فتية أهل الكهف الراقدين.. ولكن ما يلفت النظر أن الإنسان يخاف أولاً ثم يهرب.. فكان الأصل أن يكون ترتيب الآية: "لو اطلعت عليهم لملئت منهم رعباً ولوليت منهم فراراً " .. ولكن البلاغة القرآنية السامقة ترسم وصفاً آخر لا يخطر بالبال.. وإليك البيان:
من تمام حفظ الله لهؤلاء الفتية أنه ضرب على سمعهم وهيأ لهم أسباب الحفظ من تقليبهم لئلا تأكل الأرض اجسادهم.. ومن دخول الشمس عليهم عند الغروب لتوصل إليهم ما يحتاجون من فوائدها.. ومن تمام الحفظ أنه ألقى الرعب في قلوب من ينظر إليهم.. ولكن لماذا جاء التعبير هكذا..
من عادة الإنسان إذا رأى شيئاً يخافه أن يسرع بالفرار منه.. ولكن إذا هدأ خوفه واطمأنت جوارحه بدأ يعيد النظر في ذلك الخوف ويجمع قوة نفسه و بدنه ليرجع ويواجه ذلك الخوف.. ولكن لحفظ الله لهؤلاء الفتية أن من هرب خوفاً منهم وثم همّ بالرجوع إليهم فإن الله يقذف في قلبه رعباً لا يستجمع معه أي قوة.. ولذلك جاء الترتيب يصف هذه الحالة: لو اطلعت عليهم .. لوليت منهم فراراً.. ولو فكرت فيهم وحاولت استجماع قوتك واستجاشة جأشك لترجع إليهم لأحسست برعب لا تطيقه فلا يكون لك خيار إلا أن تبتعد عنهم وتنسى فكرة الرجوع إليهم.
والله تعالى أعلم وأحكم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) "
شعور الإنسان بخطورة أمر ما يجعله يفر من ذلك الأمر ؛ الشعور بالخطر هو أول مرحلة من مراحل الخوف؛ والخوف هو حالة نفسية داخلية، بمعنى أنك قد ترى إنسانا خائفا ولا تظهر علامات الخوف الخارجية عليه ؛ هذا في أول مراحل الخوف فإذا كانت الصورة المرئية محذرة ومخيفة على نحو كبير؛ فإن استرجاع (الذهن/ المخيلة) لها يزيد الخوف خوفا ؛ حتى تصل حالة الخوف إلى حالة "الرعب" ؛ أي أن الرعب هو الخوف الشديد الذي تظهر علاماته الخارجية على صاحبه، من تبدل لون الوجه واضطراب جسم الخائف وفقدان التوازن؛ ولذلك فإن في الآية السابقة بلاغة قرآنية تصف بشكل متصاعد الحالة النفسية لمن يرى أصحاب الكهف؛ التي تبدأ بالشعور بالخطر خصوصا وأن الله تعالى يقول: "وتحسبهم أيقاضا"؛ فهم في نظر الرائي لهم أيقاض وهم في كثرة وهيئة تثير الخوف في نفس الرائي لهم؛ فيفر منهم؛ وينتقل من مرحلة الخوف إلى مرحلة الرعب ؛بل يتجاوز مرحلة الرعب ليصل إلى حد (الامتلاء) رعبا؛ وهذا وصف عجيب للحالة النفسية لمن يمتلأ رعبا لرؤية هيئة أصحاب الكهف؛ فكيف هي هيئة أصحاب الكهف؟!، ولذلك لا أعتقد أن الفرار جاء قبل الخوف، بل هناك وصف تصاعدي للحالة النفسية للرائي لهم؛ والله أعلم.
 
(لوليت منهم فراراً) . في حقائق التفسير : أي ما قدرت على الثبات لمشاهدة ما بهم . انتهى
قلت : ولعله أولى من أن يقال ما قدرت على الرجوع إليهم - كما سبق - فإنه غريب .
 
لطيفة أخرى في ذات الآية ..!!

لطيفة أخرى في ذات الآية ..!!

وإذ ذكرت لطائف الآية فإليكم هذه اللطيفة من القشيري صاحب اللطائف : قوله جلّ ذكره : { وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بالوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } .
كما ذَكَرَهُم ذَكَر كلبَهم ، ومَنْ صَدَقَ في محبة أحدٍ أحبَّ مَنْ انتسب إليه وما يُنْسَبُ إليه .
ويقال كلبٌ خَطَا مع أحبائه خطواتٍ فإلى القيامة يقول الصبيان - بل الحق يقول بقوله العزيز- : { وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ } فهل ترى أنَّ مُسْلِماً يصحب أولياءَه من وقت شبابه إلى وقت مشيبه يردُّه يوم القيامة خائباً؟ إنه لا يفعل ذلك .
ويقال كلبٌ بَسَطَ يده على وصيد الأولياء فإلى القيامة يقال : { وَكَلْبُهُم باسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } . . . فهل إذا رَفَعَها مسلمٌ إليه خمسين سنة ترى يرِدُّها خائبةً؟ هذا لا يكون .
ويقال لما صَحِبهَم الكلبُ لم تضره نجاسةُ صِفتِهِ ، ولا خساسةُ قيمته .
ويقال قال في صفة أصحاب الكهف إن كانوا { سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } [ الكهف : 22 ] ، أو { خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلُبُهُمْ } فقد قال في صفة هذه الأمة : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةِ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] . وشتَّان ما هما! انتهى

قلت : وبعض ما ذكر القشيري كالورد " يشم ولا يدعك " كما يقولون ، وفي الأخيرة نظر ظاهر فإن آية المجادلة ليست خاصة بهذه الأمة والمعية فيها على معنى العلم لا على معنى التشريف ..ألم ترها وردت في سياق ذم أولئك الذين (يتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ) .. والله أعلم
 
أحبابي الكرام .. أشكر لكم تفاعلكم الرائع .. وأسأل الله أن يحشرني وإياكم في زمرة الأولياء الصالحين.
 
لطيفة أخرى بين آيتين
قال الله تعالى في سورة إبراهيم : ] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [ [ إبراهيم : 34 ] .
وقال Y في سورة النحل : ] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ [ النحل : 18 ] .
فتأمل قوله تعالى في الآيتين : ] وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [ فنعم الله تعالى لا تحصى ، وقد تكرر الامتنان بها في الآيتين بنفس الألفاظ .
ثم تأمل ذيل الآية من سورة إبراهيم : ] إِنَّ الْإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [ ؛ أي ظلوم لنفسه كفار بنعم ربه .
ثم تأمل ذيل الآية من سورة النحل وهي في مقابل ذيل الآية من سورة إبراهيم : ] إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [ .
فمقابل كثرة الظلم من الإنسان ] لَظَلُومٌ [ ؛ كثرة المغفرة من الله Y ] لَغَفُورٌ [ .
ومقابل كفران النعم ] كَفَّارٌ [ ، كثرة الرحمة من الرحمن Y ] رَحِيمٌ [ .
قال صديق حسن خان – رحمه الله – في ( فتح البيان ) 7 / 224 : أي : كثير المغفرة والرحمة ، لا يؤاخذكم بالغفلة عن شكر نعمه ، والقصور عن إحصائها ، والعجز عن القيام بأدناها.
فنعم الرب ربنا ، خلقنا وعلم منا الضعف والتقصير ، فقابل ضعفنا وتقصيرنا بكثرة المغفرة والرحمة ؛ فطوبى لمن فهم ذلك واستدرك على نفسه ، وتعرض لمغفرة ربه ورحمته بالتوبة والإنابة ، وكثرة ذكر الغفور المنان ، وكثرة الاستغفار .
وفقنا الله وإخواننا لذلك .. آمين .
 
عودة
أعلى