العلاقة بين الدعاء والقدر
اعلم - رحمني الله وإياك - أنه قد تضافرت الأدلة على أن الدعاء يدفع البلاء ، ويرد القضاء ، فهو من القدر الذي لا شيء أنفع منه في دفع الضر أو جلب النفع .
فعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ " ( 1 ) ؛ وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ " ( 2 ) ؛ وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لَنْ يَنْفَعَ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ ، وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ ، فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ عِبَادَ اللهِ " رواه أحمد والطبراني ( 3 ) . وقد مر بك حديث ثوبان رضي الله عنه ؛ وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : لا ينفع الحذر من القدر ، ولكن الله يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر . رواه الحاكم وصححه ( 4 ) .
فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أن الدعاء يدفع البلاء ، ويرد القضاء .
قال الشوكاني - رحمه الله - تعليقًا على حديث سلمان المتقدم : فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد .. إلى أن قال : والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل ، فقد يقضي بشيء على عبده قضاء مقيدًا بأن لا يدعوه ، فإذا دعاه اندفع عنه .ا.هـ . وقال ابن القيم - رحمه الله : والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يدافعه ويعالجه ، ويمنع نزوله ، أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن ، كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الدُّعَاءُ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ ، وَعِمَادُ الدِّينِ ، وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " ( 5 ) . وله مع البلاء ثلاث مقامات :
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء ، فيقوى عليه البلاء ، فيصاب به العبد ، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفًا .
الثالث : أن يتقاوما ، ويمنع كل منهما صاحبه . ا.هـ ( 6 ) .
وعلى هذا : فينبغي للداعي أن يقوي دعاءه ليدفع به البلاء ، وذلك باستيفاء شروط الدعاء وآدابه .
وقد ذهب قوم إلى أن الدعاء لا معنى له ، لأن الأقدار سابقة والأقضية متقدمة ، والدعاء لا يزيد فيها ، وتركه لا ينقص منها شيئًا ، ولهذا فلا فائدة من الدعاء والمسألة ؛ واحتجت هذه الطائفة بعموم أحاديث القدر ، وهم محجوجون ، لأن الله تعالى أمر بالدعاء في آي ذوات عدد ، وكذلك هم محجوجون بالأحاديث المتقدمة ، والتي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الدعاء يرد القضاء ، وأنه من قدر الله الذي يدفع به قدره ؛ وقد أورد الإمام الخطابي هذا القول في ( شأن الدعاء ) ورده ، فقال : فأما من ذهب إلى إبطال الدعاء فمذهب فاسد ، وذلك أن الله سبحانه أمر بالدعاء وحض عليه ، فقال : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وقال عز وجل : ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ، وقال تعالى : قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ، في آي ذوات عدد في القرآن ؛ ومن أبطل الدعاء ، فقد أنكر القرآن ورده ، ولا خفاء بفساد قوله ، وسقوط مذهبه . ا.هـ ( 7 ) .
وللحديث صلة .
( 1 ) - رواه الترمذي ( 2139 ) وقال : حسن غريب ، والطحاوي في شرح المشكل ( 3068 ) ، والبزار ( 2540 ) ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع : 6 / 23 .
( 2 ) - رواه الحاكم وصححه ، والطبراني في الدعاء ( 32 ) ، والبزار . وحسنه الألباني ، وسبق تخريجه .
( 3 ) - رواه أحمد : 5 / 234 وإسناده ضعيف ، والطبراني في الدعاء ( 33 ) ؛ وله شاهد عند الترمذي ( 3548 ) والحاكم : 1/ 493 عن ابن عمر - رضي الله عنهما – مرفوعا : " الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء " وفيه عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة ؛ وهو ضعيف ، وشاهد آخر عن ابن عباس موقوفا رواه الحاكم وصححه ، فالحديث حسن بشواهده ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع : 6 / 141 .
( 4 ) - رواه الحاكم : 2 / 350 ، وصححه ووافقه الذهبي .
( 5 ) - الحاكم : 1 / 492 وصححه ووافقه الذهبي ؛ ورواه أبو يعلى ( 439 ) ، قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) : 10 / 147 ، وفيه محمد بن الحسن ابن أبي يزيد وهو متروك .ا.هـ . ولجزء الحديث الأول شاهد من حديث جابر رواه أبو يعلى ( 1812 ) ، قال الهيثمي : وفيه محمد بن أبي حميد وهو ضعيف .
( 6 ) - الجواب الكافي : ص 8 .
( 7 ) - شأن الدعاء : ص 8 ، 9 .