موسى أحمد زغاري
New member
- إنضم
- 07/03/2006
- المشاركات
- 14
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
لا إعجاز للقرآن إلا بالبلاغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
استثارني موضوع القرآن وإعجازه ، وقد انصرف كل منصرف إلى ما يرتئي من أوجه لأعجاز القرآن ومنها :
الوجه العلمي
الوجه التاريخي الماضي (أخبار السابقين)
الوجه الغيبي ( المستقبلي)
الوجه العددي
الوجه اللوني ( الألوان في القرآن)
الوجه النفسي ( التأثير النفسي)
وفي كل يوم جديد قد يخرج الجديد من هذه الأوجه ، ومنها أُوجس خيفة ، ويتطرق الشك إلى عقلي ، وتداهمني الأسئلة المتلاحقة ؛ هل يحتاج القرآن إلى كل هذا الكم الهائل من الأوجه التي تسمى إعجازية ؟ ولم كل هذا التهافت على هذه الأمور ولحاقها بشكل مستمر ؟ وهل يجب البحث عنها واستظهارها ؟ ألا يكفينا ما عندنا من إعجاز القرآن ببلاغته وفصاحته بأسلوبه الأخاذ ؟ وبما يتمثل في هذا الأسلوب من القوة والوضوح والجمال ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة امتطيت جواد الجَد ، وشمرت عن ساعد الجِد ، علَّنِي استطيع أن أواجه كل هذه التيارات المتدفقة ، والتي تكاد تكون مجتمعة على جعل هذه الأوجه مظهر إعجاز للقرآن الكريم ، والله الكريم أستعين ، وبه أستجير ، وأسأله التوفيق ، وأن يُرِينَا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ، ويرزقنا اجتنابه .والله يُعين ويوفق سبحانه ما أوسع رحمته .
أقول وبالله المستعان :
القرآن هو معجزة للنبي محمد ، وأنه وإن كانت هنالك معجزات أخرى للنبي . قد جرت على يده غير القرآن ، كما ورد ذلك في القرآن وفي صحاح السنة ، فإن النبي لم يتحدَّ بها ، بل كان التحدي بالقرآن وحده .
ولذا نقول أن القرآن هو معجزة النبي محمد التي بها ثبتت رسالته منذ نزول القرآن عليه إلى يوم القيامة .
وقد أعجز القرآن العرب عن أن يأتوا بمثله وتحداهم أن يأتوا بمثله ،
آيات التحدي
:
قال تعالى في تحديه لهم :{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } البقرة .(23)وقال :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }. يونس (38) وقال :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هود (13) .وقد بلغ من تحديه لهم أنه قال لهم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله :
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } الإسراء (88)وقال:
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } الطور (34) . فعجز الذين خوطبوا بالقرآن عن أن يأتوا بمثله ، وعجزهم هذا ثابت بطريق التواتر ولم يعرف التاريخ ولا روى أحد أنهم أتوا بمثله .
وهذا التحدي ليس خاصاً بالذين خوطبوا بل هو تحد ٍ عام ٍ إلى يوم القيامة . لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . فالقرآن متحد ٍ للبشر كلهم منذ نزوله إلى يوم القيامة أن يأتوا بمثله .ولذلك ليس القرآن معجزاً للعرب الذين كانوا في أيام الرسول فقط ، ولا العرب وحدهم في كل زمان ومكان ، بل هو معجز للناس أجمعين ، لا فرق بين قبيل وقبيل ، لأن الخطاب به للناس أجمعين .قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سبأ(28) .، ولأن آيات التحدي عامة تقول : يشمل الناس جميعاً ، ولأن القرآن أخبر عن عجز الإنسان والجن قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }الإسراء ( 88 ).
.
وهنا ينبغي أن نقف وقفة تأمل ونبحث فيها أمراً مهماً وهو :
قوله تعالى مثله أو بمثل ، فما هو المثل يا ترى ؟
ولكي نعرف المِثْلَ المطلوب ونأتي به يجب أن نعرف القرآن أولاً ما هو ، ثم نأتي بمثله .
والقرآن يتحدث عن نفسه بنفسه :
قال تعالى :
{ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }يوسف .
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } النحل .
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} طه .
{ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) } الشعراء .
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } الزمر .
{ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } فصلت .
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7)( الشورى .
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) } الزخرف .
إذن القرآن كما بينت الآيات أعلاه ، هو نصٌ عربي ، وهو كتاب هداية ، وهو منزلٌ من عند الله ، والمطلوب من العرب والناس أجمعين أن يأتوا بمثله ، أي بنص ٍ عربي على غراره ، أو أعلى منه ، وهذا لم يكن ولن يكون ، والبحث هنا لا يدور عن البحث في كنهه واستنباط ما فيه من أسرار وعجائب إذ هذا الأمر لا علاقة له هنا ، وهنا ليس محل بحثها ، فالبحث في هذه الآيات منصبٌ على كونه عربياً ليس غير. ومن ثم ليست آيات التحدي السابقة هذا موضوعها بل الموضوع أن يأتوا بمثله وقد بان لنا ( مثله ) ، وهو نصٌ عربيٌ مبين ، صفته الإبانة وليس فيه شيء من العُجمة .
لذا فإن القول بأن القرآن معجزٌ بتشريعه ،أو بإخباره عن السابقين ، أو بالأمور المستقبلية ، أو بمظاهر الأعداد وغيرها ، كل هذه لا تظهر في آيات التحدي ، ولا تظهر في آيات التي تُبين صفة القرآن من حيث كونه عربياً ، ولا يُفهم منها دلالة ولا استنباطاً ولا إشارةً أن التحدي كان بأوجه الإعجازــ تجاوزاً ــ الأخرى . ولا أدري كيف فهم الفاهمون أو المقلدون أن الإعجاز كان مطلوباً بهذه الأوجه الأخرى .
وأما ما يظهر على أن القرآن فيه أوجه إعجاز ٍ أُخرَ ، فله تفصيلٌ مهم ، وهو أن هذه الأوجه ، ومنها الحقائق ، نعم الحقائق ، تدل على :
1) أن الذي يقول هذا الكلام ليس محمداً . وليس من البشر .
2) أن هذه الحقائق يجب أن تكون حقائق وذلك أن قائل هذا الكلام هو الله ، ويستحيل على الله الخطأ والنقص والعجز . فتحصيل حاصل أن تكون في القرآن كل هذه الحقائق والأمور الغيبية ، والتشريعية ، وغيرها مما يصعب حصرها .
3) أن من أتوا بمثل هذه الأمور لم يُفرقوا بين أن القرآن من عند الله ، وبناءً عليه ففيه ما فيه من الحق ، ومن الأمور المختلفة . وبين أن الإعجاز هو الإتيان بمثل هذا القرآن ، ولو كان يخلو من مثل هذه الأمور الأخرى .
وبعبارةٍ أخرى ، أن الله عزّ وجلّ طلب في التحدي أن يأتوا بمثل هذا القرآن سواءً اشتمل على هذه الأمور أم لم يشتمل ، والإتيان يكون بنص عربي ٍ مبين على غرار القرآن أو يفوقه ، لأن هذا مما يستطيعه الإنسان ، وهو عين العدل من الله تعالى ، وليس من العدل ان يطلب الله منهم أن يأتوا بما لا يستطيعون من حقائق علمية أو غيبية أو تشريعية ، أو غيرها مما لا يستطيع البشر .
أما لماذا لم يستطيع العرب أو غيرهم أو من جاءوا بعدهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟
فالجواب بسيط وهو ان قائل هذا الكلام هو الله ، والتحدي مطروح ومستمر ، والقرآن هو من جنس كلام العرب وفنونهم ، ومما يتداولونه كما البضاعة أخذاً وعَطاءً ، ولكن ثبت عجز العرب .ومن الملاحظ عَجْزُ العرب عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وعَجْزُ الناس جميعاً عن أن يأتوا بمثله ، إنما لأمر ذاتي في القرآن نفسه . فإن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن أقبلوا عليه مأخوذين بسحر بلاغته ، حتى أن الوليد بن المغيرة ليقول للناس وقد سمع النبي يقرأ القرآن (( والله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه وقصيده مني . والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا ، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمورقٌ أعلاه مغدقٌ أسفله ، وإنه ليعلوا ولا يُعلى عليه )) . مع أن الوليد هذا لم يؤمن وأصرَّ على كفره . فالإعجاز آت ٍ من ذات القرآن ، لأن الذين سمعوه والذين يسمعونه إلى يوم القيامة يُشدهون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته ، بمجرد سماعهم له ولو جملة واحدة .
قال تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } غافر (16) . وقوله : { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الزمر (67) . وقوله :{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } الأنفال(58) . وقوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }الحج(2). وهكذا تُتلى آية من القرآن أو آيات ، فإن ألفاظها وأسلوبها ومراميها تستغرق أحاسيس الإنسان وتستولي عليه .
وإعجاز القرآن أظهر ما يظهر في فصاحته وبلاغته وارتفاعه إلى درجة مدهشة . ويتجلى ذلك في أسلوب القرآن المعجز ، فإن ما في أسلوبه من :
الوضوح
والقوة
والجمال
ما يعجز البشر عن أن يصلوا إليه .
والأسلوب: هو معاني مرتبة في ألفاظ منسقة . أو هو كيفية التعبير لتصوير المعاني بالعبارات اللغوية .
ووضوح الأسلوب يكون ببروز المعاني المراد أداؤها في التعبير الذي أُديت به قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت (26) .
وقوة الأسلوب تكون باختيار الألفاظ التي تؤدي المعنى بما يتلاءم مع المعنى . فالمعنى الرقيق يؤدى باللفظ الرقيق ، قال تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا } الإنسان (18.( والمعنى الجزل يؤدى باللفظ الجزل ، قال تعالى : { وإِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } النبأ (23 ) . والمعنى المستنكر يؤدى باللفظ المستنكر ، قال تعالى : { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} النجم (22). وقال تعالى : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } لقمان(19) .
أما جمال الأسلوب فيكون باختيار أصفى العبارات وأليقها بالمعنى الذي أدته ، وبالألفاظ والمعاني التي معها في الجملة والجمل ، قال تعالى : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } الحجر(3) .
والمتتبع للقرآن الكريم يجد الارتفاع الشامخ الذي يتصف به أسلوبه وضوحاً وقوة وجمالاً. اسمع هذا الوضوح والقوة والجمال قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } الحج(9) . وقال تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21 (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22 ) } الحج . وقال تعالى {: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) }الحج .
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته والتابعين بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد:
استثارني موضوع القرآن وإعجازه ، وقد انصرف كل منصرف إلى ما يرتئي من أوجه لأعجاز القرآن ومنها :
الوجه العلمي
الوجه التاريخي الماضي (أخبار السابقين)
الوجه الغيبي ( المستقبلي)
الوجه العددي
الوجه اللوني ( الألوان في القرآن)
الوجه النفسي ( التأثير النفسي)
وفي كل يوم جديد قد يخرج الجديد من هذه الأوجه ، ومنها أُوجس خيفة ، ويتطرق الشك إلى عقلي ، وتداهمني الأسئلة المتلاحقة ؛ هل يحتاج القرآن إلى كل هذا الكم الهائل من الأوجه التي تسمى إعجازية ؟ ولم كل هذا التهافت على هذه الأمور ولحاقها بشكل مستمر ؟ وهل يجب البحث عنها واستظهارها ؟ ألا يكفينا ما عندنا من إعجاز القرآن ببلاغته وفصاحته بأسلوبه الأخاذ ؟ وبما يتمثل في هذا الأسلوب من القوة والوضوح والجمال ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة امتطيت جواد الجَد ، وشمرت عن ساعد الجِد ، علَّنِي استطيع أن أواجه كل هذه التيارات المتدفقة ، والتي تكاد تكون مجتمعة على جعل هذه الأوجه مظهر إعجاز للقرآن الكريم ، والله الكريم أستعين ، وبه أستجير ، وأسأله التوفيق ، وأن يُرِينَا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ، ويرزقنا اجتنابه .والله يُعين ويوفق سبحانه ما أوسع رحمته .
أقول وبالله المستعان :
القرآن هو معجزة للنبي محمد ، وأنه وإن كانت هنالك معجزات أخرى للنبي . قد جرت على يده غير القرآن ، كما ورد ذلك في القرآن وفي صحاح السنة ، فإن النبي لم يتحدَّ بها ، بل كان التحدي بالقرآن وحده .
ولذا نقول أن القرآن هو معجزة النبي محمد التي بها ثبتت رسالته منذ نزول القرآن عليه إلى يوم القيامة .
وقد أعجز القرآن العرب عن أن يأتوا بمثله وتحداهم أن يأتوا بمثله ،
آيات التحدي
:
قال تعالى في تحديه لهم :{ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } البقرة .(23)وقال :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }. يونس (38) وقال :{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } هود (13) .وقد بلغ من تحديه لهم أنه قال لهم لا تستطيعون أن تأتوا بمثله :
{قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } الإسراء (88)وقال:
{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ } الطور (34) . فعجز الذين خوطبوا بالقرآن عن أن يأتوا بمثله ، وعجزهم هذا ثابت بطريق التواتر ولم يعرف التاريخ ولا روى أحد أنهم أتوا بمثله .
وهذا التحدي ليس خاصاً بالذين خوطبوا بل هو تحد ٍ عام ٍ إلى يوم القيامة . لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . فالقرآن متحد ٍ للبشر كلهم منذ نزوله إلى يوم القيامة أن يأتوا بمثله .ولذلك ليس القرآن معجزاً للعرب الذين كانوا في أيام الرسول فقط ، ولا العرب وحدهم في كل زمان ومكان ، بل هو معجز للناس أجمعين ، لا فرق بين قبيل وقبيل ، لأن الخطاب به للناس أجمعين .قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } سبأ(28) .، ولأن آيات التحدي عامة تقول : يشمل الناس جميعاً ، ولأن القرآن أخبر عن عجز الإنسان والجن قال تعالى : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }الإسراء ( 88 ).
.
وهنا ينبغي أن نقف وقفة تأمل ونبحث فيها أمراً مهماً وهو :
قوله تعالى مثله أو بمثل ، فما هو المثل يا ترى ؟
ولكي نعرف المِثْلَ المطلوب ونأتي به يجب أن نعرف القرآن أولاً ما هو ، ثم نأتي بمثله .
والقرآن يتحدث عن نفسه بنفسه :
قال تعالى :
{ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) }يوسف .
{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } النحل .
{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113)} طه .
{ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) } الشعراء .
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) } الزمر .
{ حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) } فصلت .
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (7)( الشورى .
{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) } الزخرف .
إذن القرآن كما بينت الآيات أعلاه ، هو نصٌ عربي ، وهو كتاب هداية ، وهو منزلٌ من عند الله ، والمطلوب من العرب والناس أجمعين أن يأتوا بمثله ، أي بنص ٍ عربي على غراره ، أو أعلى منه ، وهذا لم يكن ولن يكون ، والبحث هنا لا يدور عن البحث في كنهه واستنباط ما فيه من أسرار وعجائب إذ هذا الأمر لا علاقة له هنا ، وهنا ليس محل بحثها ، فالبحث في هذه الآيات منصبٌ على كونه عربياً ليس غير. ومن ثم ليست آيات التحدي السابقة هذا موضوعها بل الموضوع أن يأتوا بمثله وقد بان لنا ( مثله ) ، وهو نصٌ عربيٌ مبين ، صفته الإبانة وليس فيه شيء من العُجمة .
لذا فإن القول بأن القرآن معجزٌ بتشريعه ،أو بإخباره عن السابقين ، أو بالأمور المستقبلية ، أو بمظاهر الأعداد وغيرها ، كل هذه لا تظهر في آيات التحدي ، ولا تظهر في آيات التي تُبين صفة القرآن من حيث كونه عربياً ، ولا يُفهم منها دلالة ولا استنباطاً ولا إشارةً أن التحدي كان بأوجه الإعجازــ تجاوزاً ــ الأخرى . ولا أدري كيف فهم الفاهمون أو المقلدون أن الإعجاز كان مطلوباً بهذه الأوجه الأخرى .
وأما ما يظهر على أن القرآن فيه أوجه إعجاز ٍ أُخرَ ، فله تفصيلٌ مهم ، وهو أن هذه الأوجه ، ومنها الحقائق ، نعم الحقائق ، تدل على :
1) أن الذي يقول هذا الكلام ليس محمداً . وليس من البشر .
2) أن هذه الحقائق يجب أن تكون حقائق وذلك أن قائل هذا الكلام هو الله ، ويستحيل على الله الخطأ والنقص والعجز . فتحصيل حاصل أن تكون في القرآن كل هذه الحقائق والأمور الغيبية ، والتشريعية ، وغيرها مما يصعب حصرها .
3) أن من أتوا بمثل هذه الأمور لم يُفرقوا بين أن القرآن من عند الله ، وبناءً عليه ففيه ما فيه من الحق ، ومن الأمور المختلفة . وبين أن الإعجاز هو الإتيان بمثل هذا القرآن ، ولو كان يخلو من مثل هذه الأمور الأخرى .
وبعبارةٍ أخرى ، أن الله عزّ وجلّ طلب في التحدي أن يأتوا بمثل هذا القرآن سواءً اشتمل على هذه الأمور أم لم يشتمل ، والإتيان يكون بنص عربي ٍ مبين على غرار القرآن أو يفوقه ، لأن هذا مما يستطيعه الإنسان ، وهو عين العدل من الله تعالى ، وليس من العدل ان يطلب الله منهم أن يأتوا بما لا يستطيعون من حقائق علمية أو غيبية أو تشريعية ، أو غيرها مما لا يستطيع البشر .
أما لماذا لم يستطيع العرب أو غيرهم أو من جاءوا بعدهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟
فالجواب بسيط وهو ان قائل هذا الكلام هو الله ، والتحدي مطروح ومستمر ، والقرآن هو من جنس كلام العرب وفنونهم ، ومما يتداولونه كما البضاعة أخذاً وعَطاءً ، ولكن ثبت عجز العرب .ومن الملاحظ عَجْزُ العرب عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، وعَجْزُ الناس جميعاً عن أن يأتوا بمثله ، إنما لأمر ذاتي في القرآن نفسه . فإن العرب كانوا إذا سمعوا القرآن أقبلوا عليه مأخوذين بسحر بلاغته ، حتى أن الوليد بن المغيرة ليقول للناس وقد سمع النبي يقرأ القرآن (( والله ما منكم رجل أعرف بالأشعار مني ولا أعلم برجزه وقصيده مني . والله ما يشبه الذي يقوله شيئاً من هذا ، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإنه لمورقٌ أعلاه مغدقٌ أسفله ، وإنه ليعلوا ولا يُعلى عليه )) . مع أن الوليد هذا لم يؤمن وأصرَّ على كفره . فالإعجاز آت ٍ من ذات القرآن ، لأن الذين سمعوه والذين يسمعونه إلى يوم القيامة يُشدهون ويتحيرون من قوة تأثيره وقوة بلاغته ، بمجرد سماعهم له ولو جملة واحدة .
قال تعالى : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ } غافر (16) . وقوله : { وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الزمر (67) . وقوله :{ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ } الأنفال(58) . وقوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ }الحج(2). وهكذا تُتلى آية من القرآن أو آيات ، فإن ألفاظها وأسلوبها ومراميها تستغرق أحاسيس الإنسان وتستولي عليه .
وإعجاز القرآن أظهر ما يظهر في فصاحته وبلاغته وارتفاعه إلى درجة مدهشة . ويتجلى ذلك في أسلوب القرآن المعجز ، فإن ما في أسلوبه من :
الوضوح
والقوة
والجمال
ما يعجز البشر عن أن يصلوا إليه .
والأسلوب: هو معاني مرتبة في ألفاظ منسقة . أو هو كيفية التعبير لتصوير المعاني بالعبارات اللغوية .
ووضوح الأسلوب يكون ببروز المعاني المراد أداؤها في التعبير الذي أُديت به قال تعالى : {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } فصلت (26) .
وقوة الأسلوب تكون باختيار الألفاظ التي تؤدي المعنى بما يتلاءم مع المعنى . فالمعنى الرقيق يؤدى باللفظ الرقيق ، قال تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17) عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا } الإنسان (18.( والمعنى الجزل يؤدى باللفظ الجزل ، قال تعالى : { وإِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا (22) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا } النبأ (23 ) . والمعنى المستنكر يؤدى باللفظ المستنكر ، قال تعالى : { تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} النجم (22). وقال تعالى : { إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } لقمان(19) .
أما جمال الأسلوب فيكون باختيار أصفى العبارات وأليقها بالمعنى الذي أدته ، وبالألفاظ والمعاني التي معها في الجملة والجمل ، قال تعالى : { رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } الحجر(3) .
والمتتبع للقرآن الكريم يجد الارتفاع الشامخ الذي يتصف به أسلوبه وضوحاً وقوة وجمالاً. اسمع هذا الوضوح والقوة والجمال قال تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } الحج(9) . وقال تعالى : { هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21 (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22 ) } الحج . وقال تعالى {: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) }الحج .
أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم