الأستاذان الكريمان محمد الحسن وشايب أعزكما الله تعالى:
الأخ محمد الحسن: لا والله ما دخلت للمراء ولا أزكّي من نفسي على الله تعالى ولكني لا أشعر أن لي في المراء حاجة، مع من لا أودّ فكيف بمن أودُّ وأُجِلُّ؟!
بل إني لأزهدُ في التعليق لمجرّد التعليق أو المرور لتسجيل الحضور كما يقال ولكني رأيت موضوعا يستحثني على مشاركة من أودّ في التفكير فيه فدخلت. وأنا - العبدَ لله تعالى- لا أنكر تعصبي لابن جرير وحبّي الشديد له.
عندما كنت في وسط التعليق تذكرت ما قاله الأستاذ محمد الحسن حفظه الله "
أنه معلوم لديك أن موقفي من القراءات القرآنية تنافي موقفك منها على طول الخط"، وهممت حفاظا على مودته وخشية إحفاظه أن لا أرسل التعليق لكني اعتمدت على سعة صدره وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية فأرسلت التعليق. ولو علمتُ أنه يسوءه أنّ لي رأيا يخالف رأيه لاختبأت منه خلف شاشة الحاسوب!
وقد أطاعك من أرضاك ظاهرُه . وقد أجلّكَ من يعصيك مستترا
وفي الجانب العلمي في المسألة
فإن موقفي من القراءات القرآنية الذي تراكم في سنين طويلة لا يخرج عن موقف ابن جرير في شيء. والحديث هاهنا عن الموقف بصورته العامة لا عن أفراد المواقف فابن جرير قد يرجّح قراءة على قراءة ولا يقنعنا في ترجيحه مثلما أنه رجح معنى على معنى في تفسيره فلم نستطع أن نقتنع بترجيحه، كما فعل في اختيار أن{الذي بيده عقدة النكاح} هو الزوج بدل الوليّ(!).
وسبب تحسس الناس - أو بعضهم- من هذا الموقف في القراءات ذهاب ظنهم إلى أنه ينافي أو يصادم أو -على الأقل - ينافي تعهد الله تعالى بالحفظ لجميع القرآن العظيم حتى بالروايات التي قبلها الناس لأسباب تاريخية ثم علمية [أو علمية ثم تاريخية وليس سواهما معاً]. وعسى أن تكشف الأيام لنا ذات يوم العثور على نسخة من كتاب ابن جرير الكبير في القراءات فيحسم الأمر في تجلية رؤيته إذ لا بد أن فيه تعليقات وآراء لم يتضمنها تفسيره.
وهذا الموقف على الرغم من أنه لا يماشي عواطف الناس إلا أنه يردّ الاعتبار لحروف كثيرة من القرآن لم يتمكن المذهب الآخر (الشائع) من المحافظة عليها. وضربتُ على ذلك مثلا وهو قراءة ابن محيصن{لكل امرئ منهم يومئذ شأن يعنيه} بالعين المهملة فلو قرأ بها أحد في الصلاة لقال الظانّون بتواتر العشر وشذوذ ما سواها إن هذا المصلي قد قرأ بالشاذّ وإنّ صلاته لا تجوز وإن الإعادة خلفه أسلم، في حين أن من ذهب مذهب ابن جرير ، كما فعل صاحب هذا التعليق، سيعدُّ هذا القارئ قد قرأ بحرف صحيح لا شذوذ فيه وإن لم تحوه الكتب التي اختار مؤلفوها لسبب عمليّ قبول قراءة ما من أولها إلى آخرها أو رفضها من أولها إلى آخرها لأنه لم يمكن في وقتهم من الناحية العملية ردّ حروف معينة فقط من قراءة معينة وقبول البواقي. (وإن كنا لا نحب أن يقرأ إمام بما يستفز الناس ويشغلهم عن صلاتهم).
ولكن الإخوة يزيد استغرابهم إذا أضفنا أن هذا الحرف "يعنيه" قد يكون أصحّ في الواقع من بعض الحروف المفردة في قراءات لا يحسن أكثر الناس غيرها مما انفرد أصحابها من الرواة بها عن سائر القرّاء.
الأخ شايب: يبدو لي أن الشيخ عبدالسلام قد أعلن إيمانه بذلك وأحسن رد عليه قول صديقنا الدكتور السالم الجكني حفظه الله تعالى ورعاه "إن التواتر هو من مصطلحات المحدّثين ومن صفات الأخبار وإنه لا حقّ للقراء أن يستخدموه في غير ما وضع له"، فهو قول في غاية الدقة وفيه تلميح إلى تضعيف مذهب من ذهب إلى ادعاء التواتر في مفردات الحروف ومختلِف الفرش لمجرد أنه يوافق فهمه لقوله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}
وبعد فإذا كان لما نقوله وجه في العلم فإنا نحمد الله تعالى عليه وإذا كان ظاهر البطلان أو راجحه فإنا نعتذر من الإخوان ونعوذ بالله من الخذلان
والله من وراء القصد