ناصر عبد الغفور
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
وردت عدة آيات في احتجاج المشركين على شركهم بأن ما اتخذوه من أصنام وأوثان إنما هي شافعة لهم عند خالق الأنام –سبحانه-، من ذلك قوله جل في علاه:
- "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ"-يونس"18-.
- " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"-الزمر:3-.
- " أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)"-الزمر-.
ومعلوم أن أهل الشرك لا يؤمنون باليوم الآخر وينكرون البعث والميعاد، ولسان حالهم بل ومقالهم ما قص الله عنهم في غير موضع من كتابه الحكيم:
-"وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ"-الجاثية:24-.
- "وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"-الجاثية:25-.
- وقال تعالى: " زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا"-التغابن:7-.
- وقال جل ذكره: " بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)"-ق-.
فكيف يطلبون الشفاعة من آلتهم مع إنكارهم لليوم الآخر الذي تنفع فيه الشفاعة؟
والجواب من وجهين:
الأول:
أن الشفاعة التي يحتجون بها شفاعة متعلقة بالدنيا أي أن تلك الآلهة يتخذونها وسطاء بينهم وبين الله تعالى لقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات وصرف الرهبات وإجابة الدعوات، مع علمهم أن الأمر كله لله وأن هذه الآلهة لا تخلق ولا ترزق...
وهي شفاعة شركية باطلة كما بينه الله تعالى في عدة آيات، وبطلانها من وجوه أعظمها:
قياسهم لله تعالى على خلقه من الملوك والوجهاء الذين يشفع عندهم بغير إذنهم...
فهؤلاء الملوك يفتقرون إلى بطانتهم من الوزراء للحفاظ على ملكهم، وكذا لإخبارهم عن أحوال رعيتهم، وربما لا تكن في قلوبهم رحمة نحو رعيتهم ...وغير ذلك مما يجعلهم يقبلون الشفاعة ولو لم يكن عن رضى –داخلي- منهم...
وهذا قياس باطل حيث أنهم قاسوا الذي ليس كمثله شيء بملوك الدنيا الناقصين من كل وجه، وقاسوا الغني من كل وجه على الفقير من كل وجه، وقاسوا العليم على الجاهل، وقاسوا الرحيم على غيره...
فقياسهم هذا باطل شرعا وعقلا وفطرة.
الثاني:
أن الآيات الواردة في إنكار البعث إنما هي لأغلب المشركين وأكثرهم وإلا فهناك قلة قليلة يؤمنون بالبعث كما تدل عليه بعض أشعارهم، من ذلك ما جاء في معلقة زهير بن أبي سلمى:
فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكم ** ليَخفَى ومَهما يُكتَمِ اللَّهُ يَعلَمِ
يُؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كتابٍ فيُدّخَرْ ** ليَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فيُنقَمِ
يقول الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا }:"إن الكفار –كفار العرب وغيرهم- إلا من رحم الله ينكرون البعث والنشور؛ لأنها حياة منتهية ويرون أن من مات مات فلا عودة ولا بعث ولا نشور هكذا قال لهم شيطانهم."- مجموع فتاوى ابن باز:24/307-.
إذا فقد كانت هناك فئة قليلة تؤمن بيوم الحساب والنشور من القبور، واتخاذ شفعاء بالنسبة لهؤلاء يشمل الدارين ( الدنيا والآخرة ):
- شفاعة دنيوية حيث جعلوا آلهتهم وسائط بينهم وبين الله جل في علاه لقضاء حوائجهم من رزق وحصول ذرية وغير ذلك.
- شفاعة أخروية: حيث اعتقدت هذه الفئة القليلة أن آلهتهم ستشفع لهم بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وقد بين الله عز شأنه في غير موضع من كتابه الحكيم أن هذه الشفاعة باطلة وأن المشركين لا تنفعهم شفاعة مهما كانت إلا ما استثني.
أما بطلانها فإنها لم تحقق الشروط لقبولها: إذن الله تعالى ورضاه عن الشافع والمشفوع، قال تعالى:" مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ"-البقرة:255-، " وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى"-الأنبياء:28-، والله تعالى لا يرضى عن الشرك وأهله حتى يأذن في شفاعتهم ويقبلها.
وأما عدم انتفاع أهل الشرك بالشفاعة فمن ذلك قوله تعالى:" فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ"-المدثر:48-، "فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ"-الشعراء:100-...
ولم يستثنى من ذلك إلا أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحت بذلك الأخبار عن المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والسلام ما تعاقب الليل والنهار، من ذلك حديث العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه- أنه قال : يا رسول الله ، هل نفعت أبا طالب بشيء ، فإنه كان يحوطك و يغضب لك ؟ قال : " نعم ، هو في ضحضاح من نار ، و لولا أنا ( أي شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار "-رواه مسلم- .
هذا والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
t
كيف يتخذ المشركون شفعاء مع إنكارهم للبعث؟
وردت عدة آيات في احتجاج المشركين على شركهم بأن ما اتخذوه من أصنام وأوثان إنما هي شافعة لهم عند خالق الأنام –سبحانه-، من ذلك قوله جل في علاه:
- "وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ"-يونس"18-.
- " وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى"-الزمر:3-.
- " أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)"-الزمر-.
ومعلوم أن أهل الشرك لا يؤمنون باليوم الآخر وينكرون البعث والميعاد، ولسان حالهم بل ومقالهم ما قص الله عنهم في غير موضع من كتابه الحكيم:
-"وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ"-الجاثية:24-.
- "وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"-الجاثية:25-.
- وقال تعالى: " زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا"-التغابن:7-.
- وقال جل ذكره: " بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)"-ق-.
فكيف يطلبون الشفاعة من آلتهم مع إنكارهم لليوم الآخر الذي تنفع فيه الشفاعة؟
والجواب من وجهين:
الأول:
أن الشفاعة التي يحتجون بها شفاعة متعلقة بالدنيا أي أن تلك الآلهة يتخذونها وسطاء بينهم وبين الله تعالى لقضاء الحاجات وتحقيق الرغبات وصرف الرهبات وإجابة الدعوات، مع علمهم أن الأمر كله لله وأن هذه الآلهة لا تخلق ولا ترزق...
وهي شفاعة شركية باطلة كما بينه الله تعالى في عدة آيات، وبطلانها من وجوه أعظمها:
قياسهم لله تعالى على خلقه من الملوك والوجهاء الذين يشفع عندهم بغير إذنهم...
فهؤلاء الملوك يفتقرون إلى بطانتهم من الوزراء للحفاظ على ملكهم، وكذا لإخبارهم عن أحوال رعيتهم، وربما لا تكن في قلوبهم رحمة نحو رعيتهم ...وغير ذلك مما يجعلهم يقبلون الشفاعة ولو لم يكن عن رضى –داخلي- منهم...
وهذا قياس باطل حيث أنهم قاسوا الذي ليس كمثله شيء بملوك الدنيا الناقصين من كل وجه، وقاسوا الغني من كل وجه على الفقير من كل وجه، وقاسوا العليم على الجاهل، وقاسوا الرحيم على غيره...
فقياسهم هذا باطل شرعا وعقلا وفطرة.
الثاني:
أن الآيات الواردة في إنكار البعث إنما هي لأغلب المشركين وأكثرهم وإلا فهناك قلة قليلة يؤمنون بالبعث كما تدل عليه بعض أشعارهم، من ذلك ما جاء في معلقة زهير بن أبي سلمى:
فلا تكتمنَّ الله ما في نفوسكم ** ليَخفَى ومَهما يُكتَمِ اللَّهُ يَعلَمِ
يُؤخَّرْ فَيُوضَعْ في كتابٍ فيُدّخَرْ ** ليَوْمِ الحِسابِ أوْ يُعَجَّلْ فيُنقَمِ
يقول الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا }:"إن الكفار –كفار العرب وغيرهم- إلا من رحم الله ينكرون البعث والنشور؛ لأنها حياة منتهية ويرون أن من مات مات فلا عودة ولا بعث ولا نشور هكذا قال لهم شيطانهم."- مجموع فتاوى ابن باز:24/307-.
إذا فقد كانت هناك فئة قليلة تؤمن بيوم الحساب والنشور من القبور، واتخاذ شفعاء بالنسبة لهؤلاء يشمل الدارين ( الدنيا والآخرة ):
- شفاعة دنيوية حيث جعلوا آلهتهم وسائط بينهم وبين الله جل في علاه لقضاء حوائجهم من رزق وحصول ذرية وغير ذلك.
- شفاعة أخروية: حيث اعتقدت هذه الفئة القليلة أن آلهتهم ستشفع لهم بين يدي الله تعالى يوم القيامة، وقد بين الله عز شأنه في غير موضع من كتابه الحكيم أن هذه الشفاعة باطلة وأن المشركين لا تنفعهم شفاعة مهما كانت إلا ما استثني.
أما بطلانها فإنها لم تحقق الشروط لقبولها: إذن الله تعالى ورضاه عن الشافع والمشفوع، قال تعالى:" مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ"-البقرة:255-، " وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى"-الأنبياء:28-، والله تعالى لا يرضى عن الشرك وأهله حتى يأذن في شفاعتهم ويقبلها.
وأما عدم انتفاع أهل الشرك بالشفاعة فمن ذلك قوله تعالى:" فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ"-المدثر:48-، "فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ"-الشعراء:100-...
ولم يستثنى من ذلك إلا أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحت بذلك الأخبار عن المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة والسلام ما تعاقب الليل والنهار، من ذلك حديث العباس بن عبد المطلب –رضي الله عنه- أنه قال : يا رسول الله ، هل نفعت أبا طالب بشيء ، فإنه كان يحوطك و يغضب لك ؟ قال : " نعم ، هو في ضحضاح من نار ، و لولا أنا ( أي شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار "-رواه مسلم- .
هذا والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
t