ناصر عبد الغفور
Member
بسم1
كيف ندم ابن آدم الأول على قتل أخيه ولم تقبل توبته؟
قال الله تعالى:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)"-المائدة-.
لا ريب في إثم ابن آدم الأول الذي قتل أخاه واستحقاقه للوعيد الشديد الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل." –متفق عليه-، وقوله تعالى عنه:" فأصبح من الخاسرين" يكفي في بيان عظم جرمه عند ربه خاصة وأن الوصف جاء مطلقا ليفيد العموم أي: أنه من الخاسرين في الدنيا والآخرة –عياذا بالله-.
وقد تكون هذه الآية مشكلة عند البعض منا، وهذا ما حدث فعلا معي، حيث أوقفتني هذه الآية في الأيام القليلة الخالية، متسائلا في نفسي:
ألم يقل الله تعالى عن ابن آدم الأول:" فأصبح من النادمين"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الندم توبة"؟
وقد قتل أحدهم فيمن كان قبلنا مائة نفس فندم وتاب الله عليه كما هو ثابت في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح.
فلم لم يكن ندم ابن آدم الأول كافيا لتوبته؟
وقد ظهر لي بعض الأجوبة، منها:
- أن ندمه لم يكف لعظم جرمه لكونه أول من سفك دما حراما على وجه هذه البسيطة وأول من سن القتل لمن بعده إلى قيام الساعة...
- أن قوله تعالى عنه:"فأصبح من النادمين" لا يتعلق بالدنيا وإنما بالآخرة، وأنه إنما ندم على فعله الشنيع حينما عاين عقوبة الله تعالى يوم القيامة.
- أن ندمه لم يكن نابعا من قلبه وإنما كان متظاهرا به، والله تعالى يعلم السر وأخفى وهو العليم سبحانه بذات الصدور.
- ويمكن القول أن اعتبار الندم توبة لم يكن شرعا في ذلك الوقت، وهذا ما ألفيته عند الإمام القرطبي رحمه الله تعالى حيث قال في جامعه:" قد قيل : إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة"-الجامع لأحكام القرآن:6/142-.
- ويحتمل أن يكون ابن آدم الأول كافرا فلم ينفعه ندمه من معصيته لتلبسه بما لا يغفره الله من الكفر به سبحانه.
- ومن الأجوبة ما ذكره العلامة التونسي ابن عاشور رحمه الله تعالى:" ويحتمل أن هذا النّدم لم يكن ناشئاً عن خوف عذاب الله ولا قصد توبة ، فلذلك لم ينفعه ... ويحتمل أن يكون دليلاً لمن قالوا : إنّ القاتل لا تقبل توبته وهو مروي عن ابن عبّاس –رضي الله عنهما-" – التحرير والتنوير:6/174-.
- ومن الأجوبة المحتملة ما ذكره الإمام القرطبي في جامعه:"وقيل : إنما ندمه كان على فقده لا على قتله[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP] ، وإن كان فلم يكن موفيا شروطه. أو ندم ولم يستمر ندمه ؛ فقال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه."-الجامع في أحكام القرآن:6/142-.
- ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن حيان في بحره المحيط:" وقيل من النادمين على حمله ، وقيل من النادمين خوف الفضيحة ، وقال الزمخشري : من النادمين على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ، وتبين له من عجزه ، وتلمذته للغراب ، واسوداد لونه ، وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين."-البحر المحيط:3/481-.
- ومن الأجوبة ما ذكره الحسين بن الفضل:" يجوز ألا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، ويكون توبة في هذه الأمة ، لأن الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم" – الجامع لأحكام القرآن:17/167-.
لكن هذا القول غير مسلم، فكون الندم توبة خاص بهذه الأمة يرده حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه، فقد ندم وتاب رجل من قتل مائة نفس، وقبل الله توبته-كما أسلفت-.
لكن يمكن القول بأن الندم لم يكن توبة في ذلك الوقت دون غيره.
وبنفس الحديث –أي حديث أبي سعيد رضي الله عنه- يمكن الرد على ما ذكره العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى بقوله:"ويحتمل أن يكون دليلاً لمن قالوا : إنّ القاتل لا تقبل توبته وهو مروي عن ابن عبّاس –رضي الله عنهما-".
والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
([1] ) وهذا ما أشار إليه الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى:" أنه ندم على فوات أخيه لا على ركوب الذنب"- زاد المسير:2/339-.
كيف ندم ابن آدم الأول على قتل أخيه ولم تقبل توبته؟
قال الله تعالى:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)"-المائدة-.
لا ريب في إثم ابن آدم الأول الذي قتل أخاه واستحقاقه للوعيد الشديد الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل." –متفق عليه-، وقوله تعالى عنه:" فأصبح من الخاسرين" يكفي في بيان عظم جرمه عند ربه خاصة وأن الوصف جاء مطلقا ليفيد العموم أي: أنه من الخاسرين في الدنيا والآخرة –عياذا بالله-.
وقد تكون هذه الآية مشكلة عند البعض منا، وهذا ما حدث فعلا معي، حيث أوقفتني هذه الآية في الأيام القليلة الخالية، متسائلا في نفسي:
ألم يقل الله تعالى عن ابن آدم الأول:" فأصبح من النادمين"، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الندم توبة"؟
وقد قتل أحدهم فيمن كان قبلنا مائة نفس فندم وتاب الله عليه كما هو ثابت في حديث أبي سعيد الخدري الصحيح.
فلم لم يكن ندم ابن آدم الأول كافيا لتوبته؟
وقد ظهر لي بعض الأجوبة، منها:
- أن ندمه لم يكف لعظم جرمه لكونه أول من سفك دما حراما على وجه هذه البسيطة وأول من سن القتل لمن بعده إلى قيام الساعة...
- أن قوله تعالى عنه:"فأصبح من النادمين" لا يتعلق بالدنيا وإنما بالآخرة، وأنه إنما ندم على فعله الشنيع حينما عاين عقوبة الله تعالى يوم القيامة.
- أن ندمه لم يكن نابعا من قلبه وإنما كان متظاهرا به، والله تعالى يعلم السر وأخفى وهو العليم سبحانه بذات الصدور.
- ويمكن القول أن اعتبار الندم توبة لم يكن شرعا في ذلك الوقت، وهذا ما ألفيته عند الإمام القرطبي رحمه الله تعالى حيث قال في جامعه:" قد قيل : إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة"-الجامع لأحكام القرآن:6/142-.
- ويحتمل أن يكون ابن آدم الأول كافرا فلم ينفعه ندمه من معصيته لتلبسه بما لا يغفره الله من الكفر به سبحانه.
- ومن الأجوبة ما ذكره العلامة التونسي ابن عاشور رحمه الله تعالى:" ويحتمل أن هذا النّدم لم يكن ناشئاً عن خوف عذاب الله ولا قصد توبة ، فلذلك لم ينفعه ... ويحتمل أن يكون دليلاً لمن قالوا : إنّ القاتل لا تقبل توبته وهو مروي عن ابن عبّاس –رضي الله عنهما-" – التحرير والتنوير:6/174-.
- ومن الأجوبة المحتملة ما ذكره الإمام القرطبي في جامعه:"وقيل : إنما ندمه كان على فقده لا على قتله[SUP]([/SUP][1][SUP])[/SUP] ، وإن كان فلم يكن موفيا شروطه. أو ندم ولم يستمر ندمه ؛ فقال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه."-الجامع في أحكام القرآن:6/142-.
- ومن ذلك ما ذكره العلامة ابن حيان في بحره المحيط:" وقيل من النادمين على حمله ، وقيل من النادمين خوف الفضيحة ، وقال الزمخشري : من النادمين على قتله لما تعب فيه من حمله وتحيره في أمره ، وتبين له من عجزه ، وتلمذته للغراب ، واسوداد لونه ، وسخط أبيه ولم يندم ندم التائبين."-البحر المحيط:3/481-.
- ومن الأجوبة ما ذكره الحسين بن الفضل:" يجوز ألا يكون الندم توبة في تلك الأمة ، ويكون توبة في هذه الأمة ، لأن الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم" – الجامع لأحكام القرآن:17/167-.
لكن هذا القول غير مسلم، فكون الندم توبة خاص بهذه الأمة يرده حديث أبي سعيد الخذري رضي الله عنه، فقد ندم وتاب رجل من قتل مائة نفس، وقبل الله توبته-كما أسلفت-.
لكن يمكن القول بأن الندم لم يكن توبة في ذلك الوقت دون غيره.
وبنفس الحديث –أي حديث أبي سعيد رضي الله عنه- يمكن الرد على ما ذكره العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى بقوله:"ويحتمل أن يكون دليلاً لمن قالوا : إنّ القاتل لا تقبل توبته وهو مروي عن ابن عبّاس –رضي الله عنهما-".
والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
([1] ) وهذا ما أشار إليه الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى:" أنه ندم على فوات أخيه لا على ركوب الذنب"- زاد المسير:2/339-.