كلمة للمشتغلين بأبحاث الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم

مرهف

New member
إنضم
27 أبريل 2003
المشاركات
511
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
ـ سوريا
الموقع الالكتروني
www.kantakji.org
بسم الله الرحمن الرحيم

إن قضية الإعجاز القرآني من أهم مباحث علوم القرآن وأدقها وأعظمها، بل إن علوم القرآن لو دققنا الفكرة لوجدناها في النهاية تخدم الإعجاز القرآني، ومن المقرر لدى علماء التفسير أن الأصل في إعجاز القرآن هو الإعجاز البياني والبلاغي، ومنه تتفرع أنواع الإعجاز من إعجاز تشريعي وإعجاز غيبي وإعجاز علمي وغير ذلك مما عدده العلماء في مصنفات علوم القرآن، لأنها من دلالات الإعجاز البياني للقرآن الكريم.

وإن قضية الإعجاز العلمي في عصرنا أخذت شهرة عظيمة ورواجاً واسعاً نظراً لما يتسم به العصر الحديث من تسارع في الاكتشافات العلمية والابتكارات المذهلة، ولعل بعضهم يقوم بذلك لوجود إشارات في القرآن الكريم لما يستجد من علوم ومحاولة آخرين ربط كل جديد بالقرآن ولذلك نجد كثيرين يخوضون فيه ويتسارعون للبحث عن جديد.

وأثناء بحثي عن الجديد في مؤلفات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والتفسير العلمي للقرآن الكريم سواء في المكتبات أو المواقع على الشبكة العنكبوتية ذهلت لكثرة المؤلفات والمقالات المكتوبة في هذه القضية العلمية، ولكن ما أذهلني في هذه المؤلفات أكثر هو ثلاثة أمور:

أحدها: الاختصاص العلمي للمؤلف والكاتب، إذ وجدت أن جُلَّ الكاتبين في الإعجاز العلمي هم من غير المتخصصين بالتفسير وعلوم القرآن أو علوم الشريعة الإسلامية، فهم إما مهندسون أو أطباء أو ما يقارب ذلك من اختصاصات أخرى غير شرعية، والعجيب في هؤلاء المؤلفين أنهم يكتبون فيما يتعلق بتخصصهم العلمي وما لا يتعلق فيه، فتجد كاتباً مهندساً معمارياً أو ميكانيكياً أو محامياً أو طبيباً أو غير ذلك يكتب في خلق الجنين وعلم الفضاء وعلم الفلك والفيزياء و..الخ، ويستدل على ذلك كله من القرآن، بل إنك تجده بعد حين أصدر موسوعة في الإعجاز العلمي وتصدر الشاشات والإعلام يصوب رأي المفسرين ويخطؤهم ويزاحمهم الأكتاف، فهل يعقل أن يكون متبحراً في كل هذه العلوم وبالأخص علوم القرآن وتأهل للكتابة بهذا الكم وهو لم يفتح كتاباً في أصول التفسير وعلوم القرآن ولم يدرس أصول الاستنباط ناهيك عن دراسة باقي العلوم التي يكتب فيها، فأين احترام التخصص العلمي.

أما الثاني: فهو التكرار لمواضيع "الإعجاز العلمي" واتسم هذا التكرار عند بعضهم بأخذ موضوع من مؤلف سابق ونشره باسمه دون الإشارة لذلك مع إضافات طفيفة في بعض المعلومات التطبيقية وقد لا تكون ثمة إضافات، أو يكون سبب التكرار هو إعادة نشر البحث نفسه من المؤلف نفسه ولكن بعنوان آخر وفي موقع غير الموقع الأول.

أما الثالث: فهو تمييع مصطلح الإعجاز ونقله من سدة التحدي والسبق المضبوط، إلى فوضى العبث العلمي والترهل الفضفاض، إذ صارت كل لائحة في الخيال إعجازاً، وصار كل ما يخطر ببال هؤلاء الكتاب إعجازاً علمياً، حتى تحكم هؤلاء في صياغة هذا المصطلح الشرعي بعيداً عن ضوابط صياغة المصطلحات وقواعدها، ثم يريدون من العلماء أن يسلموا لهم هذه الفوضى العلمية.

ومما يؤسف في هذا المجال قلة الكتاب المتخصصين في علوم القرآن والتفسير في مجال التفسير العلمي والإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فعلى سبيل المثال بحثت في موقع معرض الكتاب الدولي في الرياض – على النت - عن مادة "الإعجاز العلمي" فوجدت 116 عنواناً لم يتجاوز عدد المؤلفين في هذا الشأن من المختصين في التفسير وعلوم القرآن عدد أصابع اليد الواحدة.

ثم إنك تجد في الجهة المقابلة آخرين جعلوا من قضية الإعجاز العلمي عدواً لدوداً وبارزوا بالمحاربة كل من يشتغل به، تراه يتكئ على أخطاء من تكلمنا عنهم في البداية ليطعن في هذا اللون من الإعجاز القرآني، وإذا امتدحت بحثاً في الإعجاز العلمي بأنه سليم علمياً ولا يخالف الأصول الشرعية صنفك هؤلاء في قسم "الإعجازيين"، أو المبتدعين أو غير ذلك من الألقاب المتداولة لديهم بكثرة.

والحقيقة أننا نفتقد أحياناً للإنصاف العلمي كما أنه يلزمنا التخلي عن الأحكام المسبقة في القضايا العلمية حتى لا نفقد التوازن العلمي الهادئ في مثل هذه القضايا الحساسة.

وعلى كل حال فإني أذكر نفسي والأخوة الكاتبين في أبحاث الإعجاز العلمي بتقوى الله في كتابه وكلامه، وأن ينظروا في أنفسهم بإنصاف ملتزمين قوله تعالى ((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً))، وأختم مقالي بما ينبغي على المشتغل بكتاب الله تعالى مراعاته والتزامه وبيان مراتب الناس في الاشتغال ببيان كتاب الله تعالى كما في كتاب علوم القرآن لشيخنا الدكتور نور الدين عتر حفظه الله إذ يقول:

((التحفظ من القول في كتاب الله تعالى إلا على بينة: باستيفاء العلوم التي ذكرناها فإن الناس في العلم بالأدوات المحتاج إليها في التفسير على ثلاث طبقات:

إحداها: من بلغ في ذلك مبلغ الراسخين كالصحابة والتابعين ومن يليهم، وهؤلاء قالوا في التفسير برأيهم مع التوقي والتحفظ، والهيبة والخوف من الهجوم، فنحن أولى منهم إن ظننا بأنفسنا أنا في العلم والفهم مثلهم.

الثانية [أي من طبقات الناس]: من علم من نفسه أنه لم يبلغ مبالغهم ولا داناهم، فهذا طرف لا إشكال في تحريم ذلك عليه، وسبيله أن يأخذ تفسيراً يدرسه بمراجعة العلماء.

الثالثة: من شك في بلوغه مبلغ أهل الاجتهاد أو ظن ذلك في بعض علومه دون بعض، فهذا أيضا داخل تحت حكم المنع من القول فيه، لأن الأصل عدم العلم، فعندما يبقى له شك أو تردد في الدخول مدخل العلماء الراسخين فانسحاب الحكم الأول عليه باق بلا إشكال، وكل أحد فقيه نفسه في هذا المجال، وربما تعدى بعض أصحاب هذه الطبقة طوره، فحسن ظنه بنفسه، ودخل في الكلام فيه مع الراسخين، ومن هنا افترقت الفرق، وتباينت النحل، وظهر في تفسير القرآن الخلل)) ا.هـ

ثم أكمل الشيخ الدكتور نور الدين باقي شروط المفسر ألخصها بالآتي:

"منها أن يعتمد المفسر على من تقدمه في التفسير وله في ذلك سعة، ومنها أن يكون على بال من الناظر والمفسر والمتكلم على القرآن أن ما يقوله من التفسير هو قول بلسان بيانه: هذا مراد الله تعالى من هذا الكلام، فليثبت أن يسأله الله تعالى: من أين قلت عني هذا؟ فلا يصح له ذلك إلا ببيان الشواهد وإلا كان باطلاً، ومنها أن يلاحظ المفسر في كلامه المنهجية في البيان وأن يتحرى في التفسير مطابقة المفسر ومنها أن يبين المفسر خطة تفسيره".

أقول: فهؤلاء الذين يرتجلون التفسير ويتعجلون المعاني دون تفكير ويتلقفون ما هب ودرج من النقول والنظريات دون تمحيص ولا تحقيق ثم يصدرونها في ما يسمى بأبحاث في التفسير و الإعجاز العلمي أين هم في هذا التصنيف، وأين أمانتهم في بيان كتاب الله تعالى، نعم لا أحد يستطيع أن يحجر على العقول التدبر بكتاب الله تعالى ولا أن يحجر على المتدبر فهم معاني القرآن الكريم بشكل صحيح، ولكن كلامنا هنا في الذين يكتبون ويشرقون ويغربون في كتاب الله بما يدخل وما لا يدخل في معانيه، ثم بعد ذلك يقال: إياك أن تعترض علينا لأنك إن فعلت فسنصفك بالمتزمت والمتحجر وبأنك تمنع حرية الرأي وأنك تحتكر فهم القرآن على الناس.

وأختم مقالتي بما ورد عن سلفنا الصالح في المهابة والحذر من الخوض في كتاب الله دون علم، ومن ذلك ما ورد عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا سئل عن تفسير آية من القرآن قال : "أنا لا أقول في القرآن شيئا" ، وكان سعيد إذا سئل عن الحلال والحرام تكلم ، وإذا سئل عن تفسير آية من القرآن سكت ، كأن لم يسمع شيئا.

ومنه : ما روي عن الشعبي أنه قال : "ثلاث لا أقول فيهن حتى أموت : القرآن ، والروح، والرؤى"، وما روي عن محمد بن سيرين قال : سألت عبيدة : يعني السلماني -وهو تابعي جليل- عن آية من القرآن فقال : "ذهب الذين كانوا يعلمون فيما أنزل القرآن، فاتق الله وعليك بالسداد" ، وروي عن مسروق : أنه قال : اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله". إلى نحو ذلك من النقول، والله أعلم.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا أخي الحبيب
و لعلي أسألك عن قولك أن المقرر لدى علماء التفسير أن الأصل في إعجاز القرآن هو الإعجاز البياني والبلاغي..
على أي شيئ كان اعتمادهم في تقرير ذلك ؟ ..
ثم إنك أخي الحبيب نسيت التنبيه إلى أقوال بعض المفسرين باللغة الخاطئة.. من ذلك من فسر "و إلى الارض كيف سطحت " أنها مسطحة.. و لعلك تجد في بعض التفاسير ردودا على من سبقها من التفاسير.. و إنما كان الخطأ لأنهم لم يثوروا آيات الله تعالى و أخذوها بظاهر ظنهم بها..
و على كل فإني أرى أن لا يقال في القرآن إلا بعلم.. و لا أحسب عالما من تعلم اللغة و غفل عن غيرها و لا من تعلم بقية العلوم و غفل عن اللغة.. لأن القرآن من أين أخذته معجز.. و كل علم هو بالنسبة لمتدبر القرآن معين..
و فقني و وفقكم الله
عمارة
 
وفقك الله يادكتور مرهف على هذا التعليق الموفق .
وكلامكم كلام متخصص في علوم التفسير ، بله الإعجاز العلمي الذي قدمتم فيه رسالة عليمة ، وإذا لم نستفد من مثلكم ممن حنى ظهره سنين على هذا الموضوع ، فممن نستفيد ؟!
وكم أتمنى من الإخوة الذين يعلقون أن يتنبهوا لأمور مهمة :
الأولى : أننا حينما ننتقد بعض كتاباتهم فإننا لا نحجر عليهم التفكير ، لكن المشكلة التي يقعون فيها أنهم يرون أنفسهم جديرين بمقارعة المتخصصين ، وكأن فحوى كلامهم أن المتخصصين قد وضعوا أنفسهم في صندوق مغلق ، وأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع العلوم التي ينسبها غيرهم إلى القرآن ، أو أنهم يخافون من كل جديد يُنسب إلى القرآن ، فكم أتمنى منهم رعاية التخصص ، وأن يعلموا أن المتخصصين حينما يتشددون في قبول مثل هذه الأمور ، فإن في هذا ممدحة لهم ، وهو رعاية كتاب الله ، والخوف عليه من التحريف ، سواءٌ أكان التحريف مقصودًا أم كان غير مقصود ؛ لأن بعض الباحثين يذكر ما توصل إليه ، وهو حسن النية ، لكنه يفقد جانبًا من العلم بالقرآن فيقع في التحريف ، وهو لا يدري .
ثانيًا : ياحبذا لو أن من أراد الحديث والتعليق في أمر ما أن يشبعه بحثًا ، وأن لا يعلق بحسب الخاطر أو العلم القاصر ، وكلنا خطاؤون ، لكن علينا أن نلين لإخواننا ، فكيف إذا كانوا ممن أفنوا أعمارهم في تخصص ما ، وكتبوا فيه ، وعرفوا ظاهره وباطنه ؟!
ثالثًا : إننا قد نتفق في كليات ، ونختلف في جزيئات ، فعلينا حينما ننتقد أو نعلق نتبه لهذا ، فقد نكون نتكلم في أمر نتفق عليه ، أو نتكلم في أمر الجهة فيه منفكة ، أو نتجادل في أمر جزئي لا يؤثر على الأصل الكلي ، وكل هذا من عيوب المناظرة والجدل ، فياحبذا لو تنبهنا لمثل هذا .
أسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى ، وأن يؤلف بين قلوبنا ، وأن لا يجعل اختلافنا نقمة ، بل رحمة ، وأن يؤول أمرنا إلى ما يحبه الله ورسوله منا ، فأسأله لنا جميعًا سلامة الجنان ، وعفَّة اللسان ، وحسن البيان .
 
أشكر لك مرورك يا أخ جمال وأسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه.
أخي الحبيب عمارة
أشكرك على تعليقك ومرورك، ولكني أسجل استغرابي من سؤالك عن أصل اعتماد العلماء في أن الأصل في تقرير الإعجاز هو الإعجاز البياني والبلاغي، ولا أعلم إن كان السؤال هو للاعتراض أم للاستفسار؟!، وفيما أعلم - والله أعلم - أن هذه القضية من البدهيات والضروريات ولا تحتاج لكثرة شرح وبيان، فالمثلية التي تحدى بها القرآن أفصح عرب مروا على التاريخ كانت في الدرجة الأولى في أساليب العرب وطرق كلامهم وتفننهم في الكلام.
كما أن ما تفضلت به عن اللغة الخاطئة وأن بعض المفسرين تكلم بظنه ثم ضربك المثل بالآية (وإلى الأرض كيف سطحت)، والاستدلال بها على كون الأرض مسطحة، فأقول:
أولاً: إن هذه الكلمة المسطرة أمامك ليست لمناقشة أبحاث أو أمثلة وإنما هي كلمة عامة لعموم المشتغلين في مثل هذه الأبحاث، وكل مفسر مجتهد في ضمن إطار الأصول العلمية التي اتفق عليها العلماء وما دام هذا الاجتهاد كذلك فهو مأجور، سواء أصاب الحق أم لا، أما الذي يجتهد ويتكلم بالظن دون دراية ولا علم ولا قواعد فهذا آثم سواء أصاب الحق أم لا، ويدل لذلك حديث أبي داود والترمذي وأبي يعلى والطبراني مرفوعاً: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ)، وقد تكلم بعض أهل العلم في هذا الحديث ولكن يشهد له أحاديث أخرى وآثار كثيرة موقوفة ومقطوعة وعلى معناه عمل أهل العلم.
ثانياً: أما المثال الذي ضربته يا أخي عمارة ليتك ذكرت قائله من المفسرين المعتمدين وعند ذلك يناقش حسب الأصول العلمية أما أن تتخذ من هذا المثال مطعناً في المفسرين وأنهم لم يثوروا آيات الذكر الحكيم، وأنهم قالوا بظاهر ظنهم فأحسبك يا أخي الودود تعجلت في هذا.
والله ولي التوفيق
 
ما زالت كتاباتك تأتي بالمفيد أخانا الأستاذ الدكتور مساعد وفقكم الله ونفع بكم، فأسأل الله أن يستجيب دعاءك ويرفع قدرك، ولي تعليق على المسألة الأولى التي طرحتها، وهذا التعليق للزيادة وهو أن نقد قضية ما لا يعني بالضرورة رفضها وتركها، فالذي ينتقد ما يطرح من أبحاث الإعجاز العلمي والتفسير العلمي لا يعني بالضرورة أنه معارض لأصل القضية، كما أن نقد بحث معين لا يعني تسفيه صاحبه أو انتقاص قدره وإنما تقويم لمساره وللأسف فإن بعض الأخوة يعتبرون أشخاصهم فوق النقد ويربطون أفكارهم وأبحاثهم بذواتهم، وبذلك يكون كل من ينتقد أبحاثهم فإنه بنتقد شخصهم بالذات، فيقابلون هذا النقد بألسنة حداد وبالتسفيه فيخرجون عن أصل الموضوع، وبدل أن يكون الانتصار للحق يصبح الانتصار للذات.
فأسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله مختلفاً علينا فنتبع الهوى.
 
أحبتي في الله بارك الله تعالى بكم ...واسمحوا لي أن أنقل لكم بعضاً من حوار أجرته مجلة الفرقان الأردنية مع شيخنا وأستاذنا الدكتور عدنان محمد زرزور- حفظه الله - أنقل منه ما يتعلق بالموضوع فقط في هذا المكان ... وآثرت أن أنقل كلامه بدلاً مما وقر في ذهني سماعاً منه أيام تلقينا عنه في جامعة دمشق أو مما هو موجود في بعض كتبه حول الموضوع لأنه الأحدث زمناً والأيسر عرضاً... علها تعزز بعضاً مما سطرتموه أو تضفي على بعض جوانبه شيئاً من البيان
[align=center]((قضية الإعجاز العلمي))[/align]
الفرقان: ثمة جدل في قضية الإعجاز العلمي في القرآن وخلاف حول التسمية والمضمون، ولقد بحثتم في هذا الموضوع. نرجو منكم جلاء هذا الأمر.

أ. د. زرزور: أتت فكرة الإعجاز العلمي من أن القرآن أشار إلى مجموعة من الحقائق المتصلة ببناء الكون وبعلوم خلق الإنسان والنبات والبحار والجنين وغير ذلك، وأن تفسير الآيات التي حملت هذه الإشارات بما انتهى إليه العلم الحديث يسمى إعجازاً. أنا لا أسميه إعجازاً إطلاقاً، لأن الإعجاز أساساً هو ثمرة التحدي كما يقول العلماء القدامى {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات}، فعجزوا فثبت أن القرآن معجز. كما أن الحقائق العلمية التي تضمنها القرآن في آيات عدة إنما جاءت في سياق الاستدلال على الله تعالى لا في سياق التحدي أساساً. فمثلاً: آيات الطبيعة والإنسان وردت في سياقين: سياق الانتفاع والتسخير، وسياق التأمل والتدبر والانتقال من المخلوق إلى الخالق بمعنى الدلالة على الصنعة الإلهية.
أنا أريد أن أفرّق بين ثلاثة مصطلحات: إعجاز القرآن، والتفسير العلمي للقرآن، والمنهج العلمي في القرآن. فإعجاز القرآن هو القضية الأساسية القديمة التاريخية، التي كتب فيها العلماء وتداولوا فيها وكُتبت فيها نظريات كثيرة أبرزها نظرية (النظم) لعبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس الهجري وما زال الناس حتى الآن يقتبسون من نوره أو يسرجون مصابيحهم من زيته، لأن كلامه في غاية العمق، وهو قدّم النظرية الهيكلية لإعجاز القرآن إن صح التعبير، ثم جاء على هذا المنوال من بعده الرافعي وسيد قطب وآخرون.

أما التفسير العلمي للقرآن فمعناه الانتفاع بحقائق العلم التجريبي في شرح الآيات، مثل: {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل} أو خلق الجنين أو غير ذلك. وفي هذا التفسير قد نضلّ أو نخطئ، أو قد يتبين لنا فيما بعد أنّ كلامنا حول ذلك غير صحيح ولذلك لا يمكن أن يقال عنه إنه إعجاز. دعنا نقول إن (موريس بوكاي) هو أصح ذهناً من كثير من المسلمين المعاصرين. وهنا أشير إلى أن (مراد هوفمان) نصّ في كتابه (الإسلام كبديل) على أن بوكاي أسلم، وهو أمر تؤيده بعض أفكاره في كتبه وبالذات كتابه: ما الإنسان؟ - يقول بوكاي: لا يمكن إدراك هذه الحقائق العلمية خارج النص العربي أي خارج القرآن باللغة التي نزل بها التي يسمى معها قرآناً، لأن الترجمة لا تسمى قرآناً، يريد القول إن الترجمة ستضيّع المعاني. ويقول: أنا لا أريد المجازفة، لا يفسَّر القرآن بأية نظرية إنما يفسَّر بالفعل القائم الواقع. فمثلاً: دوران الأرض حول الشمس فعل واقع وليس نظرية، لكن المدار الذي تدور فيه نظرية، وقد تأتي نظرية فتحدد المدار بشكل أفضل. وهذا تنزيه للنص القرآني عن أن يكون كلاماً في الطب أو الفلك أو الرياضيات أو غير ذلك.

ما أريد قوله: إن هذه الحقائق أو الأدلة العلمية تصب في خانة أن القرآن وحي يوحى. لكن هل هذه الأدلة تسمى إعجازاً؟ لا، إنها تدل على أن القرآن من كلام الله مثله في ذلك مثل التوراة والإنجيل قبل أن يدخلهما التحريف. لكن القرآن ينفرد عنهما بوصف آخر، وهو أن هذا الوحي معجز، فالإعجاز وصف زائد على كونه وحياً، ومن ثم فالأدلة التي يسوقها الباحثون في الإعجاز العلمي على أن القرآن وحي لا تدخل في باب الاستدلال على أن القرآن معجز.

الفرقان: الدكتور زغلول النجار لا يتكلم في الإعجاز من باب التحدي، وإنما من باب الاستدلال على أن هذا القرآن من عند الله.

أ. د. زرزور: نعم هذا لا بأس به، لكن يجب أن يتم إخراجه من باب المصطلحات.

الفرقان: ولماذا يحدث خلط في هذا الموضوع إذن؟

أ. د. زرزور: أنا أقول: إن القرآن معجز بنفسه وليس بتفسيرنا له. وكأن الدكتور النجار وغيره يتحدثون عن إعجاز التفسير العلمي وليس عن إعجاز القرآن، علماً بأن الإعجاز وصف للقرآن نفسه، بمعنى أن النص نفسه معجز، سواء فهمنا معناه أم لم نفهم، أو أدركنا المدلول العلمي له أم لم ندركه.
وهناك قضية مهمة: قد نقول إن القرآن تحدّانا بهذه العلوم فعرفناها. فهل إذا عرفناها انتهى إعجاز القرآن، أم ماذا؟ هذه قضية خطيرة حقّاً، القرآن لم يتحدَّ بموضوع معين، لقد تحدَّى بالنظم، تحدَّى بالسور، تحدَّى بسورة، لأن السورة هي عبارة عن نظام بياني يعجز عنه الإنسان، لم يتحدَّ القرآن بعشر آيات في موضوع معيّن.

الفرقان: ولكن الإعجاز العلمي –كما يرى الدكتور زغلول النجار– يفيدنا في دخول غير المسلمين في الإسلام؟

أ. د. زرزور: أنا أعتبر أن أثر هذا الأمر ضعيف. وقد أشرت إلى هذا في المؤتمر القرآني. وأقول: إن دعوة للقرآن بمبادئه وأخلاقه وأحكامه تحقق نتائج أضعاف أضعاف ما تحققه الفكرة التي أشرتَ إليها. من الذي يدخل في الإسلام الآن؟ إنه الذي يعاني من أزمة عقائدية أو أزمة فكرية أو أخلاقية أو روحية. إذن الإعجاز لم ينته بالتحدي ولن ينتهي، الإعجاز ليس بالسبق (1400 عام أو أكثر) إنما بالتفرد، بمعنى أن أحداً لا يستطيع أن يأتي بمثله من حيث النظم ومن حيث النظام؛ نظام وحدة السورة التي فيها ترابط وبلاغة. والجاحظ يشير إلى أنه لم يجر التحدي بأقل من سورة. وعبد القاهر الجرجاني في معرض حديثه عن (عشر سور مفتريات) يقول: "إن الافتراء في المعاني وليس في النظم". فالقرآن لم يتحدَّ بالمضامين إطلاقاً بدليل (مفتريات)، وهذا من أعظم أنواع التسهيل على العرب وغيرهم أن يتحداهم القرآن بأي موضوع شاءوا. ونضرب مثالاً بالقصص القرآني؛ فالقصة القرآنية ملتزمة بواقع معين، ومع ذلك عُرضت عرضاً فنيّاً رائعاً بلغ حدّ الإعجاز. القرآن يقول لك: تحدّث بالقصة التي تريدها، ولكن بشرط أنك إذا عرضتها أن يكون لها مثل رواء النظم القرآني وبهائه وأناقة أسلوبه... إلخ. هذا تسهيل لأن الخيال أقوى من الحقيقة... وأنا إذا كنت فناناً أو قصاصاً وأردت مثلاً أن أكتب قصة وألتزم فيها بالوقائع سأصير مؤرخاً، وإذا أردت الخروج عن النص لم أعد مؤرخاً.

لذلك أقول: إن الإعجاز هو بياني في الأساس، لكن الآيات التي موضوعها علمي فيها مسحة بيانية إضافية، وجاء التعبير عن هذه الموضوعات على وجه لا يعجز عن خطاب الإنسان في أي عصر ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. وهذا أمر لا يستطيعه أحد من خلق الله. فأنا لا أستطيع – مثلاً – أن أنشئ جملة فيها حقيقة علمية يكتشفها الناس بعد (1000) عام، والذي نزلت عليه يفهمهما ويتعامل معها، والذين يقرؤها بعد (2000) عام يرى فيها أمراً آخر. هذا يدل على أن الإنسان ابن عصره وزمانه، لذا أنا أرجعت الإعجاز العلمي إلى التفسير البياني من هذه الزاوية؛ من زاوية التعبير عن هذه الحقائق العلمية على نحو لا يعجز عن خطاب الإنسان في عصر التنزيل ولا في العصور اللاحقة، ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. تصوّر الآن، لو نزلت في القرآن آية تتحدث عن كروية الأرض في عصر التنزيل لكُذّب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أساساً – عليه الصلاة والسلام – لم يأت بما يخالف الناس وكذّبوه! فجاء التعبير {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}، {رب المشارق والمغارب}، {رب المشرقين ورب المغربين} ففهمنا هذا – كما يقول موريس بوكاي – في عصر متأخر ولا غبار علينا ولا حرج.

الفرقان: فهمت من كلامك أنه يمكن أن يكون هناك إعجاز فيما يخص القضايا العلمية الثابتة، وهذا يدعو إلى ضرورة وجود ضوابط منهجية لترشيد البحث في الإعجاز العلمي. أليس كذلك؟

أ. د. زرزور: نعم، أنا بحثت هذا الموضوع تحت اسم (شروط التفسير العلمي) وليس الإعجاز العلمي، بمعنى أنه لا يُفسَّر القرآن إلا باليقينيات العلمية. واليقينيات هي التي ارتقت من درجة الفروض إلى مقام الحقائق التي لا يتطرق إليها شك. يقول موريس بوكاي: يجب أن نرتقي بها إلى درجة الفعل القائم المشاهد أو المحسوس. وهناك نقطة مهمة وهي أن التفسير العلمي لا تفسَّر به المعجزات لأن المعجزات ثبتت على خلاف القضية العلمية، فهي استثناء من قضايا العلم؛ لأن العلم بمعنى القانون أو السنة، فالمعجزات لإيقاف السنة أو إبطال عملها أو لإيقاف الدلالة على أن الذي يأتي بها نبي أو موحى إليه، فعندما يأتي البعض – تحت عنوان الدفاع عن القرآن وبيان أن القرآن لا يتعارض مع العلم – ويفسر المعجزات بأنها قضايا علمية، فهذا عكس الموضوع تماماً. وهذا (علي فكري) فسَّر أن العصر السليماني كان يعرف الحروب الهوائية والطيران الشرعي، لأنه كان فيه سفر هوائي منظم، وأن الجنود التي تهبط بالمظلات ليس قضية جديدة، لأن يوم بدر هبطت فيه الملائكة.. هذا الكلام سخيف في الحقيقة
.
 
للشيخ زرزور كل تقدير واحترام،

هذه فرصة لنبين الآتي:

1. نحن على استعداد أن نتنازل عن اصطلاح إعجاز إذا استبدل باصطلاح يشير إلى أن القرآن الكريم من الله، وأن محمد عليه السلام رسول. فلو قيل دلائل نبوة لكان جميلاً.
2. نحن لا نسلّم أن الإعجاز لا يكون إلا مقترناً بالتحدي، وإنما الإعجاز يقيم الحجة أن المرسِل هو الله تعالى، وعجز البشر دليل على ذلك.
3. عندما تكلم المسيح عليه السلام في المهد كان ذلك معجزة غير مقترنة بالتحدي، وإنما قصد منها أمور مثل إثبات براءة مريم عليها السلام. وكون المسيح عليه السلام قادر على الكلام بعد سنين لا يلغي كون كلامه في المهد من الإعجاز، لأن كلام المسيح في الكبر جاء وفق السنة، أما كلامه في المهد فخارق للسنة ومعهود البشر. وكذلك الأمر في كلام الناس اليوم في العلوم الكونية فقد جاء وفق المعهود، أي وفق التطور العلمي المتدرج، كما هو الكلام. أما الإخبار العلمي المتعدد والمتنوع في عصور التخلف فهو على خلاف المعهود، أي معجز من هذا الوجه.
4. جمهور أهل العلم على أن الإعجاز لا يقتصر على الإعجاز البياني، ولكن هذا الوجه مجمع عليه، وإنما الاختلاف في ما زاد من وجوه. وإذا كان الإعجاز البياني نجده في كل نص كريم فإن ذلك لا يعني أن الإعجاز العلمي يجب أن يكون في كل نص. ولكن لا يمكن ان يوجد نص كريم يتناقض مع حقيقة علمية، وهذا على خلاف مألوف البشر، فلا يعقل أن يمضي أكثر من 1400 سنة ثم لا نجد تناقضاً واحداً. وهذا ما أقر به موريس بوكاي عندما حاول أن يجد تناقضاً واحداً بين حقيقة علمية وحقيقة قرآنية.
 
بارك الله فيك أخي مرهف لكن لدي إشكال هوهل نأخذ بتفسير السلف رضوان الله عليهم في بعض الآيات لانهم هو عاصروا التنزيل وتفسيرهم أقرب الى الحق أم نأخذ بالحقائق العلمية لتفسير هذه الايات أم بالاثنين معا مع الاختلاف بينهم ولنضرب مثلا قال المولى سبحانه وتعالى في سورة الرعد (اولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها 000)الاية فسر السلف رضوان الله عليهم النقص بموت العلماء وفسر بعض العلماء المعاصرين أن النقص حقيقة وأن الارض تنقص من أطرافها كل مدة بمقدار معين بناء على النظريات الحديثة علما بوجود أيات أخر ينطبق عليها مثل هذا الاشكال
ارجو التوضيح من الاخوة الاعزاء بشكل مفصل حتى يزول هذا الاشكال
 
بارك الله فيك أخي مرهف لكن لدي إشكال هوهل نأخذ بتفسير السلف رضوان الله عليهم في بعض الآيات لانهم هو عاصروا التنزيل وتفسيرهم أقرب الى الحق أم نأخذ بالحقائق العلمية لتفسير هذه الايات أم بالاثنين معا مع الاختلاف بينهم ولنضرب مثلا قال المولى سبحانه وتعالى في سورة الرعد (اولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها 000)الاية فسر السلف رضوان الله عليهم النقص بموت العلماء وفسر بعض العلماء المعاصرين أن النقص حقيقة وأن الارض تنقص من أطرافها كل مدة بمقدار معين بناء على النظريات الحديثة علما بوجود أيات أخر ينطبق عليها مثل هذا الاشكال
ارجو التوضيح من الاخوة الاعزاء بشكل مفصل حتى يزول هذا الاشكال

الأخ الفاضل الريس عبد الرحمن

يقول بن كثير رحمه الله تعالى:
"وقوله : ( أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) قال ابن عباس : أو لم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض ؟

وقال في رواية : أو لم يروا إلى القرية تخرب ، حتى يكون العمران في ناحية ؟

وقال مجاهد وعكرمة : ( ننقصها من أطرافها ) قال : خرابها .

وقال الحسن والضحاك : هو ظهور المسلمين على المشركين .

وقال العوفي عن ابن عباس : نقصان أهلها وبركتها .

وقال مجاهد : نقصان الأنفس والثمرات وخراب الأرض .

وقال الشعبي : لو كانت الأرض تنقص لضاق عليك حشك ، ولكن تنقص الأنفس والثمرات . وكذا قال عكرمة : لو كانت الأرض تنقص لم تجد مكانا تقعد فيه ، ولكن هو الموت .

وقال ابن عباس في رواية : خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها . وكذا قال مجاهد أيضا : هو موت العلماء .

وفي هذا المعنى روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد العزيز أبي القاسم المصري الواعظ سكن أصبهان ، حدثنا أبو محمد طلحة بن أسد المرئي بدمشق ، أنشدنا أبو بكر الآجرى بمكة قال : أنشدنا أحمد بن غزال لنفسه :

الأرض تحيا إذا ما عاش عالمها ،،،،،،،،متى يمت عالم منها يمت طرف
كالأرض تحيا إذا ما الغيث حل بها ،،،،،وإن أبى عاد في أكنافها التلف

والقول الأول أولى ، وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية ، [ وكفرا بعد كفر ، كما قال تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ) [ الأحقاف : 27 ] الآية ، وهذا اختيار ابن جرير ، رحمه الله ]"

والذي نلحظه أخانا الكريم هو :

أن السلف رضي الله عنهم ورحمهم فسروا الآية بأكثر من معنى ولا نعرف لهم مستنداً غير فهمهم للغة القرآن ودلالة السياق وواقع سير دعوة النبي صلى الله عليه وسلم والجزم بأن واحدا منها هو الصحيح وما عداه باطل وراءه خرط القتاد.

ولكن النظر في الاية والأقوال نرى أنها يمكن أن تحمل على كل المعاني لأنها صالحة لتحمل عليها ولاشك أنه يمكن لطالب العلم أو المفسر أن يرى أن هناك قولا أرجح من قول كما فعل بن كثير والطبري من قبله.

وعليه نقول إذا ثبت علمياً أن الأرض بمعناها العام" الكرة الأرضية" تنقص من أطرافها بسبب عوامل التعرية فما المانع أن يدخل تحت عموم دلالة الآية؟
 
السلام عليكم أيها الأخوة الأكارم:
أشكرك أخي طارق على نقلك كلام الأستاذ الدكتور محمد، الذي حوى درراً من المعلومات، ونسأل الله أن يطيل في عمره ويزيد به النفع، والكلام حول هذه النقاط المثار في كلام فضيتله ذو شجون ويحتاج لوقت ليس محله هنا، ولكني أميل إلى أن يكون للإعجاز العلمي في القرآن مصطلحاً خاصاً يصاغ على طريقة العلماء المتقدمين في صياغة المصطلحات الشرعية بالقيود والمحترزات، ولكن للأسف أكثر من يشتغل في هذا الاتجاه لا دراية له في ذلك.
والأمر الآخر هو تأكيد ارتباط التفسير العلمي بالللغة وعلم البيان وهذا في غاية الأهمية.
وقد ناقشت هاتين القضيتين في رسالتي الدكتوراه، وهي الآن قيد الطبع وقريبا جداًستنتهي إن شاء الله.
أما المثال الذي أورده الأخ الريس ورد عليه مشكوراً الأخ الغامدي فأضيف أيضاً:
إن منهج التعامل مع تفسير سلفنا الصالح في اتجاه التفسير العلمي له تفصيل يطول شرحه وقد فصلته في رسالتي الدكتوراه ولعلي إن أذن الله أختصره في مناسبة قادمة. والمثال الذي ضربته حول تفسير المعاصرين لنقصان الأرض مخالف لتفسير السلف كما هو وارد في السرد الذي نقله الغامدي، ومخالف لسياق الآية وللغة، فإن سياق الآية جاء بالتهديد للكافرين، والقرآن فرق بين البر والأرض، وما يقوله "المعاصرون" من نقصان الأرض ينطبق على طرفين (قطبي الأرض) ولا ينطبق على أطرافها بالجمع.
 
لذلك أقول: إن الإعجاز هو بياني في الأساس، لكن الآيات التي موضوعها علمي فيها مسحة بيانية إضافية، وجاء التعبير عن هذه الموضوعات على وجه لا يعجز عن خطاب الإنسان في أي عصر ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. وهذا أمر لا يستطيعه أحد من خلق الله. فأنا لا أستطيع – مثلاً – أن أنشئ جملة فيها حقيقة علمية يكتشفها الناس بعد (1000) عام، والذي نزلت عليه يفهمهما ويتعامل معها، والذين يقرؤها بعد (2000) عام يرى فيها أمراً آخر. هذا يدل على أن الإنسان ابن عصره وزمانه، لذا أنا أرجعت الإعجاز العلمي إلى التفسير البياني من هذه الزاوية؛ من زاوية التعبير عن هذه الحقائق العلمية على نحو لا يعجز عن خطاب الإنسان في عصر التنزيل ولا في العصور اللاحقة، ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. تصوّر الآن، لو نزلت في القرآن آية تتحدث عن كروية الأرض في عصر التنزيل لكُذّب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أساساً – عليه الصلاة والسلام – لم يأت بما يخالف الناس وكذّبوه! فجاء التعبير {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}، {رب المشارق والمغارب}، {رب المشرقين ورب المغربين} ففهمنا هذا – كما يقول موريس بوكاي – في عصر متأخر ولا غبار علينا ولا حرج.
[/QUOTE]

شكرا أخي مرهف على التعليق على مداخلتي و أود منك و من الاخوة التعليق والتوضيح لهذا المقطع من كلام الدكتور زرزور فهو كلام نفيس جدا و يحتاج الى توضيح أكثر
 
أخانا الفاضل الريس عبد الرحمن
لو عدنا إلى تفسير السلف لفهم الآية ونظرنا فيما قاله الطبري رحمه الله تعالى حيث فسر الآية بقوله:
"القول في تأويل قوله تعالى : ( خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار ( 5 ) )

يقول - تعالى ذكره - واصفا نفسه بصفتها : ( خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) يقول : يغشي هذا على هذا ، وهذا على هذا ، كما قال ( يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) يقول : يحمل الليل على النهار .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله : ( يكور الليل على النهار ) قال : يدهوره .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) قال : يغشى هذا هذا ، ويغشى هذا هذا .

حدثنا محمد قال : ثنا أحمد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قوله : [ ص: 254 ] ( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) قال : يجيء بالنهار ويذهب بالليل ، ويجيء بالليل ، ويذهب بالنهار .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد فى قوله : ( يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ) حين يذهب بالليل ويكور النهار عليه ، ويذهب بالنهار ويكور الليل عليه.

فهذا الطبري رحمه الله فسر التكوير بالغشيان وبالحمل وبالمجيء والذهاب وقريب من هذه المعاني جاء تفسير القرطبي حيث قال:


"قوله تعالى : يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل قال الضحاك : أي : يلقي هذا على هذا وهذا على هذا . وهذا على معنى التكوير في اللغة ، وهو طرح الشيء بعضه على بعض ، يقال كور المتاع أي : ألقى بعضه على بعض ، ومنه كور العمامة . وقد روي عن ابن عباس هذا في معنى الآية . قال : ما نقص من الليل دخل في النهار ، وما نقص من النهار دخل في الليل . وهو معنى قوله تعالى : يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل [ ص: 210 ] وقيل : تكوير الليل على النهار تغشيته إياه حتى يذهب ضوءه ، ويغشي النهار على الليل فيذهب ظلمته ، وهذا قول قتادة . وهو معنى قوله تعالى : يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا ."

وهذا التفسير نرى أنه يتماشى مع ثقافة العصر ومعارفه ، وأقصد الثقافة العامة وليس ما قد يفهمه الخواص ، وأقول هذا لأن العلماء قد تقرر عندهم كروية الأرض ، ولهذا نرى شيخ الإسلام صرح بمعنى الآية بما يتناسب مع ثقافة عصره كما جاء في الفتاوى:

"سُئِلَ :
عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي " كَيْفِيَّةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ " هَلْ هُمَا " جِسْمَانِ كُرِّيَّانِ " ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُرِّيَّانِ ؛ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ : لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ وَرَدَّهَا فَمَا الصَّوَابُ ؟.
فَأَجَابَ :
السَّمَوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ : مِثْلُ أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي أَحَدِ الْأَعْيَانِ الْكِبَارِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ . وَحَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ . وَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلَائِلُ حِسَابِيَّةٌ . وَلَا أَعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ ؛ إلَّا فِرْقَةٌ يَسِيرَةٌ مَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ لَمَّا نَاظَرُوا الْمُنَجِّمِينَ فَأَفْسَدُوا عَلَيْهِمْ فَاسِدَ مَذْهَبِهِمْ فِي الْأَحْوَالِ وَالتَّأْثِيرِ خَلَطُوا الْكَلَامَ مَعَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي الْحِسَابِ وَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً أَوْ مُسَدَّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ؛ وَلَمْ يَنْفُوا أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيرَةً لَكِنْ جَوَّزُوا ضِدَّ ذَلِكَ . وَمَا عَلِمْت مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ - وَجَزَمَ بِذَلِكَ - إلَّا مَنْ لَا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ . وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } وَقَالَ تَعَالَى : { لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ : فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ . وَهَذَا صَرِيحٌ بِالِاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ : أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ؛ لِاسْتِدَارَتِهَا . فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ : مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ : الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ . وَقَالَ تَعَالَى : { يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ } قَالُوا : وَ " التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ : كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا : إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ : لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا ."

ولما أصبحت كروية الأرض من الأمور التي يمكن أن يدركها عامة الناس وأصبحت ثقافة عندهم جاءت التفاسير صريحة في بيان دلالة الآية على ذلك المعنى الذي ربما أنكره الكثير في زمن سابق لا لأن اللفظ لا يدل عليه وإنما لأنه يتعارض مع مدركات الناس وثقافتهم العامة.

يقول الطاهر بن عاشور:

"والتكوير حقيقته : اللف واللي ، يقال : كور العمامة على رأسه إذا لواها ولفها ، ومثلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكس ذلك على التعاقب بهيئة كور العمامة إذ تغشى اللية اللية التي قبلها .

وهو تمثيل بديع قابل للتجزئة بأن تشبه الأرض بالرأس ، ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامة ، ومما يزيده إبداعا إيثار مادة التكوير الذي هو معجزة علمية من معجزات القرآن المشار إليها في المقدمة الرابعة والموضحة في المقدمة العاشرة فإن مادة التكوير جائية من اسم الكرة ، وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي ، والأرض كروية الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذ فأومأ القرآن إليه بوصف العرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب وهما النور والظلمة ، أو الليل والنهار ، إذ جعل تعاورهما تكويرا لأن عرض الكرة يكون كرويا تبعا لذاتها ، فلما كان سياق هذه الآية للاستدلال على الإلهية الحق بإنشاء السماوات والأرض اختير للاستدلال على ما يتبع ذلك الإنشاء من خلق العرضين العظيمين للأرض مادة التكوير دون غيرها من نحو الغشيان الذي عبر به في قوله تعالى يغشي الليل النهار في سورة الأعراف ، لأن تلك الآية مسوقة للدلالة على سعة التصرف في المخلوقات لأن أولها إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش فكان تصوير ذلك بإغشاء الليل والنهار خاصة لأنه دل على قوة التمكن من تغييره أعراض مخلوقاته ، ولذلك اقتصر على تغيير أعظم عرض وهو النور بتسليط الظلمة عليه ، لتكون هاته الآية لمن يأتي من المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئة فتكون معجزة عندهم" .
 
من الأمور التي استوقفتني في كلام العلامة الأستاذ الدكتور محمد قوله : (تصوّر الآن، لو نزلت في القرآن آية تتحدث عن كروية الأرض في عصر التنزيل لكُذّب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أساساً – عليه الصلاة والسلام – لم يأت بما يخالف الناس وكذّبوه! فجاء التعبير {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}، {رب المشارق والمغارب}، {رب المشرقين ورب المغربين} ففهمنا هذا – كما يقول موريس بوكاي – في عصر متأخر ولا غبار علينا ولا حرج).
فهذه العبارة لا أراه تليق في مقام تصديق الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرهم عليه الصلاة والسلام بما هو أعجب من ذلك وأعظم كإخبارهم بالإسراء والمعراج وفتح قصور كسرى وفتوح غيرها من البلدان واستهزأ به المنافقون في المدينة والمشركون في مكة، ولم يكن ذلك سبباً لسكوته صلى الله عليه وسلم.
كما أن منهج موريس بوكاي ليس حجة على الباحثين في طريقة البحث، فبوكاي جعل العلوم منطلق بحثه وهو معذور في فعله بحكم البيئة المادية التي ترفض الدين أصلاً وتعتقد بتعارض الدين مع العلم، وهذا منفي في ثقافة المسلمين وعقيدتهم، فالآيات التي استشهد بها على كروية الأرض إنما أفادت ذلك بإشارة النص وباستخدام أدوات التفسير العلمية وكذلك فهمها علماء المسلمين سلفاً وخلفاً، ولابن حزم كلام طويل في ذلك في كتابه الملل.
 
ما قاله الدكتور مرهف صحيح

وهنا يجب أن ننظر إلى المسألة من وجه آخر ونقول:

لماذا جاءت هذه الإشارات التي لا يمكن أن يستوعبها العامة ـ وأقول يستوعبها لأنه فرق بين أن أومن بالشيء وبين أن أدرك حقيقته ـ في ذلك العصر؟
 
نعم يا أخي الكريم أبا سعد الغامدي، الحكمة في ذلك أن دلالات الآيات القرآنية تستوعب كل ما يستجد من العلوم لتصبح هذه العلوم شارحة ومبينة للقرآن إما تصريحا أو تلويحا بحسب طرق الاستدلال، وسعة مدارك العقل المبنية على العلم، فالقرآن الكريم - كما يقول الدكتور فتحي الدريني - : (جم المدارك عميق الدلالات يبلغ العقل الإنساني المتفهم منها ما تسعفه طاقته العلمية والثقافية التي بلغها عصره بما يدبر أمر الأمة في شتى مناحي حياتها، ... وقد جرى على لسان السلف الصالح قولهم: "لن تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً" ليحمل النص القرآني اجتهاداً بالرأي إبان تطبيقه على الوجه الذي يحقق للأمة مصالحها الجدية الحقيقية المعتبرة مما يكون للخبرة العلمية مكان في تقويمها شريطة أن لا يكون ذلك النص قداستكره النص القرآني على حمله عليه) [انظر: منهج الطبري في التفسير د. فتحي الدريني مجلة التراث العربي.].
فلو جاء النص القرآني دالاً على قضية بعينها مباشرة لجمد النص عليها ولم يستوعب غيرها وما يستجد فيها، ولما وجدنا له هذه اللذة من التدبر والاستنباط والحركة العلمية التي تميز بها المسلمون من المرونة والجدة والجدية والله أعلم.
 
التعديل الأخير:
[align=center]شكراً لكم أخي الدكتور مرهف وأسأل الله لكم التوفيق فيما توصلتم إليه بنظركم العلمي التخصصي ولعلي أميل إلى ماذهبتم إليه... وفعلا أرى ضرورة تحديد دلالة مصطلح الإعجاز العلمي في القرآن ..تحديدا علمياً بحيث يكون جامعاً لجميع النصوص الدالة على الحقائق العلمية في الكون ومشتملاته ووضعها في الإطار الذي دل عليه السياق وعدم بترها عن مسار ورودها وما سيقت له وأن يكون عاصماً من دخول ماليس منه فيه حقيقة مراعيا للاحترازات التي شكلت مانعا من اعتباره لدى الجمهور من المانعين له كقسيم للاعجاز البياني المشتمل عليه في الحقيقة وشريطة أن يكون الحاكمون فيه هم أهل الاختصاص في الدراسات القرآنية وعلوم القرآن والأصول
كما نحن بشوق لرؤية ما توصلتم إليه في رسالتكم والتي أرجو أن تكون قد أضافت جديدا أو أسهمت تحقيقا في هذا المجال الهام من علوم القرآن والشريعة الإسلامية وإن شاء الله سأعرض لكم دراستي في هذا المجال إذ وضعتها كدلالات شاهدة على ربانية هذا الكتاب وظواهرها في البيان الرباني وموجبات تلك الربانية(( منهج القرآن الكريم في بيان حقيقة ربانيته وأثرها في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها))
ملحوظة اسم الدكتور عدنان محمد زرزور وليس ((محمد))
أما العبارة التي استوقفتكم أخي الكريم من كلام الدكتور عدنان... فليس سياقها المؤمنين به(( صحابته الكرام)) وإنما المدعون للإيمان به(( من أرسل لدعوتهم)) من باب حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله ومن باب مأنت مبلغا مقالة لاتدركها عقولهم إلا كانت لبعضهم فتنة إذ لايمكن أن تكون البراهين ودلالاتها لديهم من خارج المألوف والمعروف وحاشا أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم- من ذلك، ومن البدهي أن أستاذنا مما لايخفى عليه ذلك بدلالة أن مقتضيات الإيمان التصديق بالغيب أدركوا كنههه أم لم يدركوا حيثياته المادية
[/align]
 
أخي الحبيب طارق نفع الله بك:
أعتذر عن الخطأ في كتابة اسم العلامة الفاضل الدكتور عدنان محمد زرزور ولعل سبب ذلك انشغالي بكلامه النافع وسبق الكتابة في الاسم، وأشكرك على هذا التنبيه، وكم سعدت بما تفضلتم به عن بحثكم وبانتظار الانتفاع بما فيه.
أما بخصوص العبارة التي تعقبتم بها عليَّ فحاشا الدكتور أن ينتقص في سلف الأمة شيئاً ولكني وجدت هذا التعليل من عدد ممن يكتب في هذا الاتجاه ويتكرر كثيرا في مناسبات متعددة ولا أجده مقنعاً، فهل كان الإسراء والمعراج مما يعقله المشركون، وهل كان الإخبار بفتوح البلدان في وقت حصار الأحزاب مما يعقله المنافقون، وهل ذكر أيام خلق السموات والأرض مما يعقله هؤلاء وهؤلاء...
إن أثر علي رضي الله عنه (حدثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) الموقف عليه كما أورده البخاري في( باب من خص قوما بعلم دون قوم كراهية أن لا يفهموه) قاعدة عامة لا تنطبق على كل كلام وحال، والذي أراه بفهمي القاصرأن هذا ليس محله في أمور العقائد وتصحيح التصورات التي تبني عقلية المسلم وعقيدته وشخصيته، كما أنه ليس محلها في بيان الأحكام الشرعية، وإنما محلها في المتشابه كما قال العيني في شرح البخاري، أو يكون محلها في الأمور الغيبية المستقبلية التي قد يخشى من ذكرها افتتان بعض ضعاف النفوس والعقول، كما صح عن أبي هريرة حفظت عن النبي وعائين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم)، ولذلك كان ابن عباس يخفي أشياء لا يحدثها لعامة الناس وكان يحدث بها أهل العلم كما ذكر ذلك الإمام السخاوي في المقاصد الحسنة، وكان هذا ما يفعله ابن مسعود رضي الله عنه كما في مقدمة صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة).
وأما ما يتعلق بكروية الأرض وما شابه ذلك فإنها ليس من أصول العقائد، وليست من الأحكام الشرعية،ولا من المتشابه وليس في التصريح بها -بالنص- فائدة عظيمة، ولكن فيها تحريك لعقول المسلمين وفتح مدارك العقول والحث على الاستكشاف، كما فتح لهم القرآن أفاق التفكر في قوله تعالى ((والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون))،وغيرها من الآيات الكونية ولكن في خلق الإنسان من نظفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاماً ثم كسا العظام لحماً ثم أنشأه خلقاً آخر، فقد فصل فيه القرآن وكان من الغيب الذي لا يدركه العقل وقتها وصدق به المسلمون، وكذلك صرح القرآن بأن اللبن يخرج من بين فرث ودم وكان مما لا يتصوره المسلمون ولا غيرهم والله أعلم.
 
الإخوة الكرام السلام عليكم
أشكل علي مما قرأت هنا أمور.. وهي :
أخرج الدكتور عدنان زرزور العلميات (المضامين) من مناط الإعجاز .. أو كاد.. لأنه لم يقع به التحدي إبان نزول الوحي.
ودفع الشيخ الكريم أبو عمرو البيروني بأن التحدي ليس شرطاً لازماً لإثبات الإعجاز.
وهذان النظران مشكلان؛ الأول (الدكتور عدنان حفظه الله) أخرج نوعاً من أنواع الإعجاز مرجعا القول بالإعجاز إلى البيان، وأراه أرجعه إلى البيان بمعنى ضيق.
والثاني (أبو عمرو حفظه الله) أخرج شرطاً من شرائطه.. وهو التحدي، وهو شرط مدرسي ألفناه في الإعجاز كما تؤلف فاتحة الكتاب..
هل شرط أن يُصرّح المُعجز بالتحدي مع كل آية أو سورة أو تأويل؟..
وهل البيان الإعجازي محدود بالتركيب اللغوي للقرآن فقط دون (مضامينه)؟..
وهل الإسراء والمعراج ليس أمراً معجزاً، ولا يصح أن يطلق على كل منهما أنه معجزة؟.. وهو الذي بلغ فيه صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى .. وخرق فيه قانون الجذب والضوء والسرعة والكتلة؟..
وهل أفعال الله تعالى خارجة عن دائرة الإعجاز التي تصرح بها أقواله في كتابه؟.
فأرجو البيان.. وزيادة البيان من الإخوة الأفاضل .. وأخص منهم أبا عمرو البيراوي.
والله الموفق.
 
الإخوة الكرام السلام عليكم
أشكل علي مما قرأت هنا أمور.. وهي :
أخرج الدكتور عدنان زرزور العلميات (المضامين) من مناط الإعجاز .. أو كاد.. لأنه لم يقع به التحدي إبان نزول الوحي.
ودفع الشيخ الكريم أبو عمرو البيروني بأن التحدي ليس شرطاً لازماً لإثبات الإعجاز.
وهذان النظران مشكلان؛ الأول (الدكتور عدنان حفظه الله) أخرج نوعاً من أنواع الإعجاز مرجعا القول بالإعجاز إلى البيان، وأراه أرجعه إلى البيان بمعنى ضيق.
والثاني (أبو عمرو حفظه الله) أخرج شرطاً من شرائطه.. وهو التحدي، وهو شرط مدرسي ألفناه في الإعجاز كما تؤلف فاتحة الكتاب..
هل شرط أن يُصرّح المُعجز بالتحدي مع كل آية أو سورة أو تأويل؟..
وهل البيان الإعجازي محدود بالتركيب اللغوي للقرآن فقط دون (مضامينه)؟..
وهل الإسراء والمعراج ليس أمراً معجزاً، ولا يصح أن يطلق على كل منهما أنه معجزة؟.. وهو الذي بلغ فيه صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى .. وخرق فيه قانون الجذب والضوء والسرعة والكتلة؟..
وهل أفعال الله تعالى خارجة عن دائرة الإعجاز التي تصرح بها أقواله في كتابه؟.
فأرجو البيان.. وزيادة البيان من الإخوة الأفاضل .. وأخص منهم أبا عمرو البيراوي.
والله الموفق.

تذكير
 
الأخوة الكرام،

1. إذا كان تعريف المعجزة بأنها: "خرق للعادة يُظهره الله على يد النبي تصديقاً له"، قبلنا ذلك ولا إشكال. أما إضافة شرط التحدّي ليصح التعريف فغير مُسلّم، لأنه لا دليل عليه سوى التحكُّم من قِبل من وضع التعريف والتقليد من قِبل الكثيرين. ثم إن التكذيب أوعدم الإيمان هو نوع من التحدي ولو كان صامتاً.
2. لا يزال الدين الإسلامي يواجه التحديات، بل مكر المنكرين اليوم أشد من الماضي. فالتحدي قائم إلى يوم القيامة والمعجزة مستمرة في اثبات النبوة. نقول هذا على فرض تسليمنا بشرط التحدي.
3. ثم إن المعجزات تزيد في يقين المؤمنين. ومعظم المعجزات الحسية التي جرت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم كانت في مواجهة المؤمنين مثل: حنين الجذع، تكثير الطعام، الإخبار بالغيوب.....ألخ.
 
ظهرت لي أمور في إخراج المضامين من دائرة الإعجاز التي قد تُفهم من كلام الدكتور عدنان حفظه الله تعالى.. أوردها هنا :
1) الإعجاز يقتضي التحدي.. وإن لم يُنصّ عليه.. فلماذا سمي إعجازاً إذا لم يصاحبه حال مغالبة، تنتهي بغلبة جهة وبعجز عن مجاراته والإتيان بمثله من الجهة الثانية.. وهو بهذا الوصف إعجاز مستمر ببقاء القرآن .. وعجز ظاهر في الناس معاً مدفوع بحب المنافسة والمغالبة وإظهار العوار والنقص.. والله غالب على أمره.. وهذا دليل من واقع المعجزة نفسه.
بل التحدي واقع على البشرية منذ أول آية من القرآن؛ لأن بني إسرائيل تحكموا في أمر الرسالات وأشاعوا بأن الله لا يبعث رسولاً من بعد أنبئائهم ومن ذلك : (فلما هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً)، وأن لا يكون رسول بعد عيسى المسيح ، وأن لا يكون النبيء مبعوثاً من العرب.. أليس هذا تحدياً يقابل بتحد مثله؟؟.. وهذا دليل من التاريخ.
2) العجز الحاصل من رؤية المعجزة (من حيث هي معجزة خارقة) أو سماعها = شيء .. واكتشاف وجه الإعجاز أو تفسيره = شيء آخر.. الأول قطعي الثبوب متواتر الأثر مدرك في كل زمان.. أما اكتشاف وجه الإعجاز أو تفسيره فأمر اجتهادي يدور بين الصواب والخطأ.. والحجة مع الدليل الكاشف لوجه الإعجاز.. وما زالت العلوم البشرية في تطور في البحث والاكتشاف (سنريهم آياتنا).. ومازال كتاب الله كما هو.
وهل الوجوه البلاغية التي اكتشفت في القرآن هي الحق في تفسير المعجزة البيانية العالمية أم هي اجتهاد يدور صاحبه بين الأجر إن أخطأ في وصف مظاهر العجز والأجرين إن أحسن في وصف ذلك العجز؟..
ثم المعجزة أمر خارق للعادة والقانون.. ومدارك الإنسان وتفسيراته رهن بالاعتياد على جريان القانون.. فهو يصفها بالنسبة لمداركه المختلفة.. وما عليه من سبيل في تأمل تلك القدرة الهائلة التي خرقت القوانين ومحاولة تفسيرها بما يرى من فرق بين الاعتياد الذي يعرفه والخرق الذي يشاهده.. (وذلك إذا انعدم النص الصحيح الصريح الذي يفسر)..
3) لا يصح إخراج المعاني (المضامين) من مناط الإعجاز ؛ لأن دخولها فيه من باب الأولى.. وأظن أن هذا قول نشأ عن الفصام بين علوم العربية وآدابها وعلوم الحياة، وتضييق معنى البيان بالبيان اللغوي المجرد المفصول عن معانيه الموصولة بالحياة = أمر حادث على السليقة العربية، فالبيان إظهار ما في النفس ، وهو بذلك يكون متعدد الأوجه.
4) انبنت الآيات القرآنية على مفهوم التحدي الملازم للآية (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا).. وهي آيات تستغرق بمفهومها القرآن كله وتمتد مع الزمان كله.. حتى كان العجز عن إتيان البشر بأسرهم بمثله هو الأصل وغيره هو الفرع، ولا دعوى !.. (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين).
5) من أوجه دخول المعاني (المضامين) في محل الإعجاز أن الإتيان بها أبعد منالاً من الإتيان بألفاظه المجردة، ووقوع العجز عن الإتيان باللفظ يفضي إلى العجز عن الإتيان بمعانيه، كما يفضي العجز عن القريب إلى العجز عن البعيد.
وقوله تعالى: (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات) لا دلالة فيه على ان الإعجاز المعنوي (المضامين) خارج عن دائرة التحدي ؛ لأسباب:
أ- أن هذه الآية جاءت رداً على من زعم أن القرآن قول افتراه النبي الأمين عليه الصلاة والسلام: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات).. فورودها ههنا من قبيل المقابلة أو التنزل .. وهي من التحدي.. ولكنها ليست كل التحدي.
ب- أن هذه الآية - وإن كانت مكية - ليست وحدها في هذا الموضوع .. بدليل مجيئ التحدي - في القرآن المكي - بسورة منه (سورة يونس) أو حديث مثله (سورة الطور).. فضلاً عن القرآن المدنيّ (سورة البقرة).
ج- عدد السور المفتريات المتحدى بها عشر سور، وهو لا ينطبق مع الآيات التي تتحدى الناس بسورة من مثله.. فدل ذلك على أن المضامين الحقة المنظومة في كلمات في سورة واحدة داخلة مثل السور المفتراة التي لا تقبل إلا إذا كانت عَشراً.
النتيجة أن هذه الآية ليست نصاً في إخراج المعاني (المضامين) من محل الإعجاز المتحدى به.
والله أعلم
 
إن كان مناط معرفة الإعجاز هو التمكن بأساليب العرب في الكلام ليدرك الإعجاز القرآني، فهل يستطيع أحد أن يأتي بشعر من معلقات الشعر العربي يقول بأن هذا الشعر بليغ ويشرح ذلك بدون أن يتطرق إلى المعنى والمضمون، وهل يستطيع أديب أن يكتب مقالاً قويا في البناء والسبك دون أن يعطي للمعنى اعتباراً وللعلوم مكاناً، فإذا كان هذا غير مقبول في حق البشر، فكيف يقبل أن يكون إعجاز القرآن في النظم والبناء دون اعتبار المعنى والمضمون، وهو كلام خالق كل شيء، والله أعلم.
 
عودة
أعلى