كلام ابن العربي في (العواصم) عن القراءات !

حسين بن محمد

فريق إشراف ملتقى الكتب
إنضم
08/09/2008
المشاركات
934
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
القاهرة
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
01.png


الحمد لله وحده ؛ لعل من توفيق الله عز وجل للباحث أن يوقفه على فوائد جليلة في مسائل في غير مظانها ، ومن ذلك مثلا ما كان قد أشار إليه الدكتور مساعد الطيار - وفقه الله - من إيداع الأندرابي صاحبِ (الإيضاح) كتابَه كثيرا من مسائل علوم القرآن ، مع أن كتابه في القراءات أصلا ، ولعل من ذلك أيضا ما كنت قد وقفت عليه قديما من كلام القاضي ابن العربي رحمه الله في القراءات ، ضمن كتابه (العواصم من القواصم) ، غفل عنه كثير من طلاب هذا العلم الشريف ، وفيه فوائد كثيرة ، فرأيت نشره بعدما لم أجده على الشبكة نصّاً ، مع أن بعضه منثور في كتبه الأخرى ، كما في كتابه ( أحكام القرآن ) ، وكتابيه (المسالك) و (القبس) في شرح الموطإ ، وكذا (عارضة الأحوذي) في شرحه على الترمذي ، فدونكم نص كلامه ، نفع الله به :

يقول القاضي أبو بكر ابن العربي المالكي ( ت 543 ﻫ ) في كتاب ( العواصم من القواصم ) له ؛ في سياق رده على مآخذ بعض المعتدين على عثمان ؛ إذ قالوا فيما أخذوا عليه : ( وابتدع في جمع القرآن وتأليفه ، وفي حرق المصاحف ) ؛ فقال :
" وأما جمع القرآن : فتلك حسنته العظمى وخصلته الكبرى ، وإن كان وجدها كاملة ، ولكنه أظهرها وردّ الناسَ إليها ، وحسم مادة الخلاف فيها ، وكان نفوذ وعد الله بحفظ القرآن على يديه ، حسبما بيناه في كتب القرآن وغيرها .
روى الأيمة بأجمعهم أن زيد بن ثابت قال : ( أرسل إليّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن ؛ قلتُ لعمر : كيف نفعل شيئا لم يفعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هذا والله خير . فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر . قال زيد : قال لي أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتتبع القرآن فاجمعه . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمروني به من جمع القرآن . قلتُ : كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال عمر : هذا والله خير . فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ، فتتبعتُ القرآنَ أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال ، حتى وجدتُ آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري ، لم أجدها مع أحد غيره { لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم } حتى خاتمة براءة ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ، ثم عند عمر حياتَه ، ثم عند حفصة بنت عمر ، حتى قدم حذيفة بن اليمان على عثمان ، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفةَ اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر زيدَ بن ثابت ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف . وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ؛ فإنما نزل بلسانهم . ففعلوا حتى نسخوا الصحف في المصاحف ، رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق . قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت : سمع زيدَ زيد بن ثابت قال : فقدتُ آية من الأحزاب حين نسخنا الصحف قد كنتُ أسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدنا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } ، فألحقناها في سورتها في المصحف ) .
وأما ما رُوي أنه حرقها أو خرقها - بالحاء المهملة أو الخاء المعجمة ، وكلاهما جائز - إذا كان في بقائها فساد ، أو كان فيها ما ليس من القرآن ، أو ما نسخ منه ، أو على غير نظمه = فقد سلَّم في ذلك الصحابة كلهم .
إلا أنه روي عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال : ( أما بعد ، فإن الله قال : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة }. وإني غال مصحفي ، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل ) ، وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصحفه ، وأن يثبت ما يعلم فيه ، فلما لم يفعل ذلك له قال ما قال ، فأكرهه عثمانُ على دفع مصحفه ، ومحا رسومه ، فلم تثبت له قراءة أبدا ، ونصر الله عثمانَ والحقَّ بمحوها من الأرض " .
[ ( العواصم من القواصم ) / 281 - 284 ] .
ثم قال بعد ذلك في موضع آخر :
" قاصمة وعاصمتها :
قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه ) :
عظّم الناسُ هذا الحديث ، وتكلموا على معناه ، واختلفوا فيه . وقد بيّنتُ أقوالهم وحررت مقاطع الكلام في جزء مفرد ، ووقع منثوراً حيثما جاء الكلام من الأمالي .
ومعنى الكلام : أن الله وسع على هذه الأمة وأذن للصحابة في أن يقرأ كل واحد بما استطاع من لغته ، ولذلك أذن لعمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في قراءتهما ، وكانا قرشيين ، وأذن لأبي بن كعب الأنصاري ومن خالفه في القراءة ، بأن يقرأ كل واحد منهما بما كان قرأ ؛ قال أبيٌّ : ( فدخل قلبي ما لم يدخله قط مذ أسلمتُ . فقال لي النبيُّ : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرأوا ما تيسر منه ) .
واستمرت الحال هكذا حياةَ النبي رخصةً من الله وتوسعة على الخلق ؛ إذ لو كلفوا أن يقرأوا باللغة التي نزل القرآن بها - وهي لغة قريش - لنفر قومٌ وشق على آخرين ، والشريعة سمحة ، ولم يزل جبريل يتعاهد النبيَّ بالقرآن في رمضان ويدارسه ، حتى كان العام الذي توفي فيه دارسه به مرتين ، فقال النبيُّ : ( أرى أجلي قد حضر ) ، والنبي يضبط كل الذي يدارسه به ، ويمليه على كُتّابه ، ويقيده في الصحف .
ثم استأثر الله برسوله ، واشتعلت الفتنة ، واشتغلت الصحابة بتمهيد الإسلام وتوطيد الدين ، وتأليف القلوب على شعائر الإسلام .
فلما كان يوم اليمامة في عهد أبي بكر ، واستحر القتل بالقراء = قال زيد بن ثابت : ( فأرسل إليّ أبو بكر فجئتُه ، فإذا عمر عنده ، فقال لي أبو بكر : إن عمر جاءني فقال : إن القتل قد استحر بقراء القرآن ، وإني أخشى أن يستحر القتل بهم في المواطن كلها ، فيذهب قرآن كثير ) وذكر الحديث المتقدم في ذكر عثمان رضي الله عنه إلى قوله ( ووجدت آخر سورة التوبة عند خزيمة بن ثابت ) .
فنفذ وعد الله في ذلك بالحفظ على يدي شريفي الإسلام وكريمي الدنيا والآخرة ، وسيدي كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين . وكان هذا أصلاً في استعمال الرأي في الدين ، والحكم من المصالح والمعاني بما لم يكن ذكره النبي صلى الله عليه وسلم .
فلما كان زمان تمم الله هذه البقية على يديه ، فجاءه حذيفة ، وكان بمغازي فتح أرمينية وأذربيجان ، فقال له : ( يا أمير المؤمنين أدرك الناس قبل أن يختلفوا في القرآن كما اختلفت اليهود والنصارى . وكانت الصحف الأول قد استقرت عند أبي بكر ، ثم عند عمر ، ثم عند حفصة ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إليّ بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثم نردها إليك ، فأرسلت حفصة إلى عثمان بها ، فأرسل عثمان إلى زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبد الله بن الزبير ، أن انسخوا الصحف في المصاحف ، فبعث عثمان إلى كل أفق بمصحف . وقال زيد : فقدتُ آية من سورة الأحزاب كنتُ أسمع رسولَ الله يقرأها { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } فوجدتها مع خزيمة بن ثابت . قال الزهري : فاختلفوا يومئذ في ( التابوت ) أو ( التابوه ) ، فقال عثمان : اكتبوه بالتاء ، فإن القرآن نزل بلغة قريش . وكتبت المصاحف ووجه بها عثمان إلى الآفاق ) انتهى الحديث الصحيح .
ثم روي بعد ذلك أنه كتب سبعة مصاحف : مصحف لمكة ، وللبصرة ، وللكوفة ، وللشام ، ولليمن ، وللبحرين ، وحبس عنده واحداً . فأما مصحف اليمن والبحرين فلم يسمع لهما خبر .
ويُروى أنه أرسل ثلاثة مصاحف ؛ إلى الشام والعراق واليمن .
ورُوي أنه أرسل أربعة ؛ إلى الشام والحجاز والكوفة والبصرة ، وحبس واحداً عنده . وهو الأصح .
وكانت هذه المصاحف تذكرة لئلا يضيع القرآن ، وتبصرة لئلا يضل الخلق بالاختلاف ؛ فإنه لو قرأوا آخراً كما كانت قراءتهم أولا لم ينضبط الأمر ، وكان الخرق يتسع والاختلاف يقع ، فنسخ الإجماع الرفق الميسر في أول الإسلام بالمصلحة المتحققة آخراً ، في ضبط الأمر ، ورده إلى القانون الذي نزل القرآن عليه ، فكانت المصاحف أصلا ، وكانت القراءة رواية أقرأت الصحابة التابعين ، وكان نقل المصحف إلى نسخة على النحو الذي كانوا يكتبونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتابة عثمان وزيد وأبيّ وسواهم ، من غير نقط ولا ضبط .
واعتمدوا هذا النقل ليبقى بعد جمع الناس على ما في المصحف ، نوع من الرفق في القراءة باختلاف الضبط ، وفي أثناء النقل اختلفت المصاحف في أحرف يسيرة ، أربعة أو خمسة ، ثم زاد الأمر إلى أن اختلفت القراء في زيادة أربعين حرفاً ، منها واو وألف وياء . وأما كلمة فلم تكن إلا في حرفين ؛ أحدهما في (التوبة) ، والآخر في (الحديد) : { فإن الله هو الغني الحميد } بزيادة (هو) قرأت الجماعةُ إلا نافعاًوابنُ عامر ، وهذا أمر يسير ، لا يؤثر في الدين ، ولا يحط من حفظ القرآن . وقد رويت أحرف كثيرة زيدت من غير هذه الروايات المعروفة .
فإن قيل : فهذه الروايات المعروفة ما شأنها ؟ هل عندك بيانها ؟
قلنا : نعم ؛ قد تكلم عليها العلماء ، وتعاطاها من أهلها مَن ليس من أهلها كما جرى في كل علم ؛ فذكر أبو حاتم القراءَ وأقوالَهم وقراءاتِهم ، وأسقط حمزة والكسائيَّ وابنَ عامر ، وزاد عشرين رجلا ، وجمع أبو عبيد قراءاتٍ ، وجمع إسماعيل القاضي ، وجمع ابنُ مجاهد ، وعدّ يعقوبَ من السبعة ، ثم أسقطه بعد أن تكلم فيه ، وذكر الكسائيَّ ، والكسائيُّ من حمزة كيعقوب من أبي عمرو ، وقد قرأ أبو عمرو على ابن كثير ، وقد ذكر الطبريُّ في كتاب القراءات - وذكر نحواً من عشرين قارئاً - ذلك كله ؛ لتعلموا أن ضبط الأمر على سبع قراء ليس له أصل في الشريعة ، وقد جمع قومٌ ثمانيَ قراءات ، وقد جمع آخرون عشر قراءات .
والأصل في ذلك كله عندي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : ( أنزل القرآن على سبعة أحرف ) = انقسم الحال بقومٍ ؛ فظن جاهلون أنها سبع قراءات ، وهذا ما لا يصح في علم عالِمٍ ، وتيمّن آخرون بهذا اللفظ فقالوا : ( تعال فلنجمع سبع قراءات ) ، وكانت الأمصار جمة ، وقد جمع قراؤها وقراءاتها ، حتى خطر هذا الخاطر لمن خطر فجمع السبع ؛ وهو ابن مجاهد ، وذكر يعقوبَ فأسقط بالسلطان ، وذكر الكسائي ، وألزمت المملكة ذلك للناس ، فجرى القولُ فيه كذلك .
وجرت القراءة على حرف أبي عمرو بالعراق إلى اليوم ، ولما ظهرت الأموية على المغرب وأرادت الانفراد عن العباسية وجدت المغرب على مذهب الأوزاعي ، فأقامت - في قولها - رسم السنة ، وأخذت بمذهب أهل المدينة في فقههم وقراءتهم ، وكانت أقرب من إليهم قراءة ورش ، فحملت روايته ، وألزم الناس بالمغرب حرف نافع ، ومذهب مالك ، فجروا عليه ، وصاروا لا يتعدونه ، وحمل حرف قالون إلى العراق ، فهو فيه أشهر من ورش ، وكذلك هو ، فإن إسماعيل القاضي نوه بذكر قالون ، فأما ورش فلم يحمل عنه من له ظهور في العلم . ودخلت بعد ذلك الكتب وتوطدت الدولة ، فأذن في سائر العلوم ، وترامت الحال إلى أن كثرت الروايات في هذه القراءات ، وعظم الاختلاف ، حتى انتهت في السبع إلى ألف وخمسمائة رواية ، وفي شاذ السبع إلى نحو الخمسمائة . وأكب الخلق على الحروف ليضبطوها فأهمو لها وليحصروها فأرسلوها إلى غير غاية .
وأراد بعضهم أن يردها إلى الأصل فقرأ بكل لغة ، وقال : ( هذه لغة بني فلان ، وهذه لغة بني فلان ) .
قال القاضي أبو بكر رضي الله عنه :
وبعد أن ضبط الله الحروف والسور لا تبالون بهذه التكليفات ؛ فإنها زيادات في التشغيب ، وخالية من الأجر ، بل ربما دخلت في الوزر . ولقد انتهى التكليف بقوم إلى أن رووا في بعض سور القرآن التهليلَ والتكبير .
وما ثبت ذلك قط عن عدل ولا نقل في صحيح . وانتهت الحال ببعضهم إلى أن يرى البسملة عند كل ابتداء ، كان في أول السورة أو لم يكن ، حين رأى بعضهم قد قال ( لا نبسمل إلا في سورة مخصوصة ) ، يتصل أول سورة بآخِر أخرى ، على التضاد ، فيفصل البسملة ، وغفل عن نوع كثير في القرآن من ذلك كان ينبغي أن يبسمل فيه أو يستعيذ ؛ لئلا يتصل الشيء بنقيضه في المعنى .
فلئن قال : إن قوله في آخر (الفجر) : { وادخلي جنتي } لا بد أن يقول { بسم الله الرحمن الرحيم } ، وحينئذ { لا أقسم } ؛ لئلا يتصل قولك { لا } بقولك { ادخلي جنتي } .
يقال له : فكيف يتصل قوله { وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا إنهم أصحاب النار ، الذين يحملون العرش ومن حوله } ؟! وهذا لازم .
حتى انتهت الجهالة إلى البدعة بقوم ؛ فكان المقرئ منهم بمكة في عشر الخمسمائة يبسمل في سورة (براءة) ويتلوه ويرويه . وهذه بدعة خرقت إجماع الصحابة والأمة ، وهو كله كذب موضوع ، يلزم رواتها الأدب ، وقائله الاستتابة .
كيفية القراءة اليوم :
قال بعضهم : نقرأ بما اجتمعت فيه ثلاثة شروط : ما صح نقله ، وصح في العربية لفظه ، ووافق خط المصحف . وقال إسماعيل القاضي : ما وافق خط المصحف يقرأ به .
وهذا كله إنما أوجبه أن جمع السبع لم يكن بإجماع ، وإنما كان باختيارٍ مِن واحد أو آحاد . والمختار أن يقرأ المسلمون على خط المصحف بكل ما صح في النقل ولا يخرجوا عنه ، ولا يلتفتوا إلى قول من يقول : ( نقرأ السورة الواحدة أو القرآن بحرف قارئ واحد ) ، بل يقرأ بأي حرف أراد ، ولا يلزمه أن يجعل حرفا واحدا ديدنه ولا أصله ، والكل قرآن صحيح .
وضم حرف إلى حرف ، وقارئ إلى قارئ = ليس له في الشريعة أصل . وما من القراء واحد إلا وقد قرأ بما قرأ به الآخر ، وإنما هذه اختياراتهم ، وليس يلزمهم اختياراتهم أحداً ، فإنهم ليسوا بمعصومين ، ولا دل دليل على لزوم قول واحد من الصحابة ، فكيف بهؤلاء القراء !
ولكن لما صارت هذه القراءة صناعة ، رفرفوا عليها ، وناضلوا عنها ، وأفنوا أعمارهم من غير حاجة إليهم فيها ، فيموت أحدهم وقد أقام القرآن كما يقام القدح لفظا ، وكسر معانيه كسر الإناء فلم يلتئم عليه منها معنى ، ولا فرق بين أن يقرأ كتاب أبي عبيد أو الطبري ، وهما خير من كتاب ابن مجاهد وأصحّ ؛ فعلى أحدهما عولوا إن أردتم النظر في شيء من ضبط الحروف .
فإن قيل : فما صح سنده من القراءات وخالف خط المصحف ، ماذا ترون ؟
قلنا : لا يقرأ بحال ؛ فإن الإجماع قد انعقد على تركه ؛ ألا ترى إلى ابن مسعود كره نسخ زيد بن ثابت للمصاحف ، وقال : ( يا معشر المسلمين أأعزل عن نسخ كتابة المصحف ، ويتولاها رجل - والله - لقد أسملتُ وإنه لفي صلب رجل كافر ؟! ) يريد زيدَ بنَ ثابت ، وقال ابن مسعود : ( يا أهل العراق ، إن الله يقول : { ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة } ، وأنا غال مصحفي ، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل . فكره ذلك من مقالة ابن مسعود رجالٌ من أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ) ، وفي رواية : ( أتأمروني أن أقرأ على قراءة زيد ، ولقد حفظت من في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا سورة وإنه لفي صلب كافر ! ) .
قلنا : هذا كله صحيح ، وقد بينا أنه كان يقرأ هو وأبي وزيد وعمر وهشام وكل أحد ، والنبي يقرئ الكل ، ثم حدث من الأفراد كما قدمنا ، واستقرت الحال كما بينا ، فكان الواجب على ابن مسعود وسواه أن يرجع إلى المتفق عليه ، ولا حجة لابن مسعود على عثمان في اختياره لزيد ؛ فإن أبا بكر وعمر قد اختاراه وعبدُ الله بن مسعود حيٌّ حاضر وسواه .
واعلموا بهذا وغيره أن عثمان مظلوم في كل ما يؤخذ عليه فيه ، فإنه اقتدى بمن سبقه من الخلفاء ، وبِمَ يُخَصُّ بالملامة دونهم ؟! وهذا من فساد الناس وقلة إنصافهم .
سبب الاختلاف :
وقد قال بعضُ الناس : إن سبب اختلاف القراء بعد خط المصحف أن الناس كانت لهم قبل إرسال عثمان المصاحف قراءات ، فلما ردوا إلى خط المصحف التزموا ذلك فيما كان محفوظا ، وقرأ كل واحد بما كان عنه ملفوظا مما لم يعارض الخط ، وهذا ممكن ظاهر . والذي قلناه هو الاصل الذي يعول عليه ، والله الموفق للصواب برحتمه .
والذي أختاره لنفسي إذا قرأتُ : أكثرَ الحروف المنسوبة إلى قالون ، إلا الهمز ؛ فإني تركته أصلا ، إلا فيما يحيل المعنى أو يلبسه مع غيره ، أو يسقط المعنى بإسقاطه . ولا أكسر باء (بُيوت) ، ولا عين (عُيون) ؛ فإن الخروج من كسر إلى ياء مضمومة لم أقدر عليه ، ولا أكسر ميم (مُتّ) ، وما كنت لأمدّ مدّ حمزة ، ولا أقف على الساكن وقفتَه ، ولا أقرأ بالإدغام الكبير لأبي عمرو ، ولو رواه في تسعين ألفا قراءة ، فكيف في رواية بحرف من سبعة أحرف ! ، ولا أمد ميم ابن كثير ، ولا أضم هاء (عليهِم) و (إليهِم) ، وذلك أخف .
وهذه كلها أو أكثرها عندي لغات ، لا قراءات ؛ لأنها لم يثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، وإذا تأملتها رأيتَها اختيارات مبنية على معان ولغاتٍ .
وأقوى القراءات سنداً : قراءةُ عاصم عن ابن عبد الرحمن عن علي ، وعبد الله بن عامر ؛ فما اجتمع رواة هؤلاء عليه فهو ثابت ، وقراءة أبي جعفر ثابتة صحيحة لا كلام فيها . وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهوراً ، ورأيتُ أمرها على اللغات وخط المصحف مبنياً .. والله أعلم " .​
[ ( العواصم من القواصم ) للقاضي أبي بكر ابن العربي ، 356 - 364 ، تحقيق د. عمار الطالبي ، مكتبة دار التراث ، 1417 / 1997م ] .
 
بارك الله فيك على هذا النقل القيم.
 
والذي أختاره لنفسي إذا قرأتُ : أكثرَ الحروف المنسوبة إلى قالون ، إلا الهمز ؛ فإني تركته أصلا ، إلا فيما يحيل المعنى أو يلبسه مع غيره ، أو يسقط المعنى بإسقاطه . ولا أكسر باء (بُيوت) ، ولا عين (عُيون) ؛ فإن الخروج من كسر إلى ياء مضمومة لم أقدر عليه ، ولا أكسر ميم (مُتّ) ، وما كنت لأمدّ مدّ حمزة ، ولا أقف على الساكن وقفتَه ، ولا أقرأ بالإدغام الكبير لأبي عمرو ، ولو رواه في تسعين ألفا قراءة ، فكيف في رواية بحرف من سبعة أحرف ! ، ولا أمد ميم ابن كثير ، ولا أضم هاء (عليهِم) و (إليهِم) ، وذلك أخف.
وهذه كلها أو أكثرها عندي لغات ، لا قراءات ؛ لأنها لم يثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، وإذا تأملتها رأيتَها اختيارات مبنية على معان ولغاتٍ .[/SIZE]
إنه بهذا يقرأ روايته وليس رواية قالون. كنتُ أجلّ أبا بكر بن العربي من الدخول في أمور كهذه. ويظهر من المقتبس هنا - والعهدة على الناقل - أنه لا يرى صحة قراءة غير قراءة عاصم وقراءة ابن عامر وأبي جعفر، واستعماله "أقوى القراءات سندا" ليس دليلا على تفاوت الأسانيد مع صحة الجميع، لأنه يقول:
وأقوى القراءات سنداً : قراءةُ عاصم عن ابن عبد الرحمن عن علي ، وعبد الله بن عامر ؛ فما اجتمع رواة هؤلاء عليه فهو ثابت ، وقراءة أبي جعفر ثابتة صحيحة لا كلام فيها . وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهوراً ، ورأيتُ أمرها على اللغات وخط المصحف مبنياً .. والله أعلم " .
بمعنى أن قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف ليست ثابتة لأنه لم يجمع عليه رواة ابن عامر وعاصم، وفيها أيضا كلام لأنها ليست قراءة أبي جعفر. يقول
وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهوراً
روى قالون ضم باء {البيوت} عن نافع عن الأعرج عن أبي هريرة عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، من غير المشهور من هذه السلسلة ؟ أوَلم يطلع على هذه ؟ إذا لم يضم باء {البيوت} فيضُمُّها سائرُ المسلمين وليس نيابة عنه، غفر الله له. !
 
وأقوى القراءات سنداً : قراءةُ عاصم عن ابن عبد الرحمن عن علي ، وعبد الله بن عامر ؛ فما اجتمع رواة هؤلاء عليه فهو ثابت ، وقراءة أبي جعفر ثابتة صحيحة لا كلام فيها .
قال الإمام مكي- رحمه الله - وربما جعلوا الاختيار ما اتفق عليه نافع وعاصم، فقراءة هذين الإمامين أوثق القراءات، وأصحها سنداً، وأفصحها في العربية، ويتلوهما في الفصاحة قراءة أبي عمرو والكسائي رحمهم الله. الإبانة ص (51).
وطلبت أسانيد الباقين فلم أجد فيها مشهوراً، ورأيتُ أمرها على اللغات وخط المصحف مبنياً .. والله أعلم "
إذا كانت القراءة تبنى على خط المصحف والعربية لقرئ بكل ماوافق خط المصحف وله وجه في العربية.
 
رحم الله ابن العربي

رحم الله ابن العربي

رحم الله ابن العربي وكتب له أجره في دفاعه عن ذي النورين رضى الله عنه
ولكن ترك صلة الميم لابن كثير وأخذ بقراءة أبي جعفر ورواية قالون وصلة الميم لأبي جعفر واجبه ولقالون اختيارا
 
عودة
أعلى