كراهة قول: (اللهم أعتقنا من النار) !

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.

محمد العبادي

مشارك فعال
إنضم
30/09/2003
المشاركات
2,157
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
الخُبر
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
وصلتني هذه الرسالة عبر بريدي الالكتروني، فأحببت أن أشارككم فائدتها، مع بعض التعديلات التي يقتضيها المقام.


[align=center]كان السَّلف الصَّالح يكرهون الدُّعاء بـ:
(اللهمَّ أعتِقنا مِن النَّار)[/align]

روى ابنُ أبي الدُّنيا في «الصَّمت» (345)، وأبو نُعَيْم في «حِلية الأولياء» (2/314) -بسندٍ جيِّد- عن الإمام أبي عِمران الجَوْنِي-مِن ثِقات التابعِين-، أنَّهُ قال:
أدركتُ أربعةً-مِن أفضل مَن أدركتُ-؛ فكانوا يكرهون أنْ يقولوا: (اللهم أَعْتِقْنا مِن النار)، ويقولون: (نستجيرُ بالله مِن النار)، و: (نعوذ بالله مِن النار).
قلتُ:
وذلك -أوَّلاً- اتِّباعاً للهَدْيِ المُحَمَّدِيّ:
وفي هذا المعنى نصوصٌ نبويَّةٌ:
الأوّل: قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «ما اسْتَجار عبدٌ مِن النار -سبع مرَّاتٍ- إلاّ قالتِ النَّارُ: يا ربِّ؛ إنَّ عبدَك فُلاناً قد استجارَكَ مِنِّي؛ فأَجِرْهُ...» [«السلسلة الصحيحة» (2506) -وقد نبَّه العلامة الألباني -فيه- على عدم وُرودِ أيِّ تقييدٍ لهذا الدُّعاء].
الثاني: قولُه صلى الله عليه وسلم: «لله عُتقاءُ مِن النّار، وذلك كُلَّ ليلةٍ [مِن رمضان]» [«هداية الرواة (1960)»].
وليس مِن شكٍّ أنَّ «خيرَ الهَدْي هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم».

(تنبيه)
هذا الحديثُ الصَّحيحُ يُخالِفُ ما رُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم مِن قولِه -في شهر رمضان- مِن حديثِ سَلْمانَ الفارسيِّ...«وآخِرُهُ عِتْقٌ مِن النار».
فَذَا حديثٌ مُنْكَرٌ لا يصحُّ بحالٍ!
ووجْهُ نكارتِهِ ومعارضَتِه ظاهرٌ...
ونحمدُ اللهَ -وحدَه- أنَّ هذا الفضلَ الواردَ في السُّنَّةِ الصحيحةِ أشْمَلُ وأوْسَعُ مِن ذاكَ الوارِدِ في هذا الحديثِ المُنْكَر!
{وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا}...
وانظُر «السلسلة الضعيفة» (871).
ولا يشفعُ له (!) كونُهُ مرويًّا مِن طريقٍ آخَرَ عن أبي هُرَيْرَةَ!
فهو مُنْكَرٌ-مِثلُهُ-!
وقد فصَّل في بيانِ ذلك -أيضاً- الألباني -رحمه الله- في «السلسلة الضعيفة» (1569).
الثالث: قولُهُ صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: «ما تقولُ في الصَّلاة؟».
قال: أتشهَّدُ، ثم أسألُ اللهَ الجنَّةَ، وأعوذُ به مِن النَّار.
أَمَا -واللـهِ- ما أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك، ولا دَنْدَنَةَ مُعاذ!
فقال صلى الله عليه وسلم: «حولَها نُدَنْدِن».

(تنبيهٌ ثانٍ)
ذَكَرَ الغزاليُّ في «الإحياء» (3/162) هذا الأثرَ، وقال -في تَوْجِيهِهِ-:
«وقالوا: العِتْقُ يكونُ بعدَ الوُرُودِ!» -أي: استحقاقاً له-.
وهذا -بالنِّسْبَةِ للأَثَرِ-ثانياً-.
وقال المُرْتَضى الزَّبِيديُّ في «شرحِه» -له- المُسَمَّى: «إتحاف السَّادة المُتَّقين» (7/575) -بعد إيرادِه الأثَرَ-:
«وهذا مِن جُملة الدقائق؛ فإنْ أرادَ القائلُ بـ(العِتْق): العِصْمَةَ والحفظَ -أو ما يجري مَجْراه-؛ فلا أرى بأْساً في الإطلاق؛ فقد اشْتَهَرَ الدُّعاءُ بمثلِ ذلك مِن غيرِ نكيرٍ»!
قلتُ:
أمَّا أنَّه: (مِن جُملة الدَّقائق)؛ فنعم...
وأمَّا إرادةُ معنى (العصمة والحِفظ) -في مِثلِ هذا الدُّعاءِ-؛ فبعيدٌ.
وأمَّا (اشتهارُهُ مِن غيرِ نكيرٍ)؛ فمع مُخالفة بعض أفضل التابعين: لا وزن له!
وما أجملَ ما رواهُ الإمامُ أبو داودَ في«سُننه» (4614) -بالسندِ الصحيح-عن الإمام عُمر بن عبد العزيز -رحمه الله-، أنَّه قال:
«فارْضَ لنفسِك ما رَضِيَ به القومُ لأنفُسِهم؛ فإنَّهُم على علمٍ وَقَفُوا، وببَصرٍ نافِذٍ كُفُوا.
ولَهُم على كَشْفِ الأُمور كانوا أقْوَى، وبفضلِ ما كانوا فيه أوْلَى»

(تنبيهٌ ثالثٌ)
وما وَرَدَ في الحديثِ الصَّحِيحِ: -الآنِفِ الذِّكْرِ: «للـهِ عُتَقاءُ مِن النَّار» إنَّما هُو وَفْقَ علمِ الله -تعالى- فيمن يستحقُّ النَّار -عِياذاً بالله-؛ لا بحسب ظُنونِ خَلْقِهِ!
فمِن اليَقين: أنَّهُ ليس (كُلُّ) عبادِ الله مِن أهلِ استحقاقِ دُخول النَّار؛ ليكونوا -بَعْدُ- عُتقاءَ منها...!
إذِ الأصلُ في العبدِ المُوَفَّقِ لطاعةِ مولاه: تحسينُهُ ظَنَّهُ بربِّهِ العظيم؛ كما صحَّ في الحديثِ القُدُسِيِّ: «أنا عند ظنِّ عبدِي بي: إنْ خيراً؛ فخيرٌ، وإنْ شرًّا؛ فشرٌّ» [«السلسلة الصحيحة» (1663)].
ومِن لطائِفِ التوفيقِ الإلهِيِّ: أنَّ آخِرَ حديثٍ في كتابِ «حُسْنِ الظنّ بالله» (150) -للإمام ابن أبي الدُّنيا- هو حديث: «إن لله عُتقاء من النار... »...
وما استدلَّ به بعضُ أفاضل أهل العِلْم -رحمهُمُ اللهُ- تجويزاً لهذا الدُّعاء!- مِن حديث أبي هُرَيْرَةَ، عنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أَعْتَقَ رَقَبَةً مؤمنةً؛ أعْتَقَ اللهُ مِنْهُ بكلِّ عُضْوٍ منهُ عُضواً مِن النَّار» [مُتَّفَقٌ عليه «إرواء الغليل» (1742)]؛ فهو لا يخرُجُ عمَّا ذَكَرْتُهُ –ألْبَتَّة-!
وبيانُهُ مِن وَجْهَيْنِ:
الأوّل: أنَّ هذا الحديثَ -أيضاً- موصولٌ بعِلْمِ الله -تعالى- في هؤلاء المُعتَقِين، وليس ذا صِلَةٍ -بأيِّ وجهٍ مِن الوُجوه- بعلمِ العبدِ نفسَهُ أنَّهُ يُعْتَق -أو سَيُعْتَق- مِنْهُ!
الثاني: أنَّ الحديثَ واردٌ فيمن (استحقَّ دُخولَ النَّار) -وهذا مِن عِلْمِ العظيمِ الجَبَّار -سُبحانَهُ- وَحْدَهُ-.
وقد دلَّ على ذلك روايةٌ عند البخاريِّ -رحمهُ اللهُ- للحديثِ نفسِهِ- فيها قولُهُ صلى الله عليه وسلم: «...اسْتَنْقَذَ اللهُ بكلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضواً مِن النَّارِ... »:
فقد قال العَلامةُ الصَّنْعانِيُّ في «سُبُل السَّلام» (4/426) -شارحاً هذا الحديثَ-:
«وفي قولِهِ: «استَنْقَذَ» ما يُشْعِرُ بأنَّهُ بعد استحقاقِهِ لها».
وأمَّا الاعتراضُ على أصل الاستدلال بهذا الأثر السلفيِّ -على مقصودِهِ- بما صحَّ عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم مِن وصفِهِ سيِّدَنا أبا بكرٍ الصدِّيقَ رضي الله عنه بأنَّهُ: «عتيق الله مِن النار» [«السلسلة الصحيحة» (1574)]؛ فهو اعتراضٌ ليس قائماً؛ لسبَبَيْن:
الأوَّل: أنَّ هذا الوصفَ قد يَرِدُ بحَسَبِ الاستحقاقِ –حُكماً-، وقد يَرَدُ -أيضاً- باعْتِبارِ حقيقةِ الدُّخُول -واقِعاً-؛ وفي كُلٍّ وَرَدَ النصُّ النبويُّ:
- أمَّا الاستحقاقُ الحُكْمِيُّ؛ فحديثُ أبي بكرٍ -هذا- واضحٌ في مقصودِهِ.
ومِثْلُه -تماماً- الأحاديثُ المذكورةُ –قبلاً-.
- وأمَّا بحَسَبِ حقيقة الدُّخُول -واقعاً- مع اتِّحادِ اللّفظِ النبويِّ-؛ فما وَرَدَ في حديثِ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -في وَصْفِ الجهنَّمِيِّين- عند الإمامِ مُسلم في «صحيحِه» (302) عنه صلى الله عليه وسلم: «عُتقاء الله».
وروايةُ الإمام البخاريّ (7001) بلَفْظِ: «عُتقاء الرحمن».
قال ابنُ الجوزي في «صيد الخاطر» (ص307) -في وَصْفِ حالِ هؤلاء (الجهنَّمِيِّين)-:
«أَزْرَى بهم اتِّباعُ الهَوَى، ثُمَّ لَحِقَتْهُمُ العافيةُ؛ فنَجَوْا بعدَ لأْيٍ» -ربِّ سلِّم سلِّم-.
الثاني: أنَّ ما يتميَّزُ به أبو بكرٍ الصدِّيق رضي الله عنه في هذه الخَصِيصَةِ- عن باقي الأُمَّة -جميعاً- أنَّهُ أوَّل مَن أسلمَ . [«مجموع الفتاوى» (4/462)، و«أحكام أهل الذِّمَّة» (2/905)]؛ فكان هذا المَدْحُ النبويُّ له لهذا المعنى؛ وباعتبارِ ما كان عليهِ رضي الله عنه قبل بعثتِهِ -صلوات الله وسلامُه عليه-.
وأمَّا الاستدلالُ بحديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنكُم مِن أحدٍ إلا وله منزِلان: منزلٌ في الجنَّةِ، ومنزلٌ في النار؛ فإنْ ماتَ ودَخَلَ النَّارَ؛ وَرِثَ أهلُ الجنَّةِ منزلَهُ؛ فذلك قولُهُ: {أولئك هم الوارِثُون}» [«السلسلة الصحيحة» (2279)]:
فقد رواهُ البخاريُّ (6200) عنهُ رضي الله عنه بلفظ: «لا أحدَ يدخُلُ الجَنَّةَ إلاّ أُرِيَ مقعدَهُ مِن النَّارِ لو أساءَ؛ ليزدادَ شُكراً، ولا يدخُلُ النَّارَ أحدٌ إلاّ أُرِيَ مَقْعَدَهُ مِن الجنَّةِ لو أحسنَ؛ ليكونَ عليه حسرةً».
وعليهِ؛ فما قيلَ في هاتيك الأحاديث -مِن جهةِ الاستحقاقِ الحُكْمِيِّ- يُقال في هذا الحديث -سواءً بسواءٍ-؛ فهو على وَفْقِ عِلْمِ الله -عزَّ وجَلَّ-؛ كما وَرَدَ عن محمد بن النَّضْر الحارِثِيّ -وقد قال فيه عبدُ الرحمن بن مهدي: ما رأيتُ مثلَهُ في الصلاح. «العلل» (1119) -للإمام أحمد- توفي قبل سنة 150هـ-، أنَّهُ كَتَبَ إلى أخٍ له:
«أمَّا بعدُ؛ فإنَّك في دار تمهيد، وأمامَكَ منزلان؛ لا بُدَّ مِن أن تسكُنَ أحدَهُما، ولمْ يأْتِكَ أمانٌ فتطمَئِنَّ، ولا براءةٌ فتُقَصِّر.
والسلام» [«اقتضاء العلم العمل» (رقم:161)].

(تنبيهٌ رابعٌ)
أمَّا التساؤُل عن حُجِّيَّةِ (قولِ) !التابعين؛ فليس وارداً -ها هُنا- بحثُهُ؛ لأنَّ كراهيَّتهم -هذه- رحمهُمُ اللهُ -هُنا- مبنيَّةٌ على (فَهْمٍ) سديدٍ لِنَهْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في الدُّعاءِ؛ يلتقي أصلاً شرعيًّا عظيماً هو حُسنُ الظنِّ بالله -تعالى-؛ مع ضميمةِ استحضارِ المعنى الغَيْبِيِّ لاستِحْقاقِ النَّارِ، ودُخولها -كما تقدَّم-...
وما أثرُ عُمَر بن عبد العزيز عنّا ببعيدٍ!
فيُخْشَى -أُكَرِّرُ: يُخْشَى!- على مُخالِف هذا المعنى الإيجابيِّ الدخولُ في (بعضِ!) ما يدلُّ عليه قولُ الله -عزَّ وجَلَّ-: {أتستبدلونَ الذي هُو أدْنَى بالذي هو خيرٌ}؟!
وعليه؛ فلا خَلَلَ -كما قالَ بعضُ الحريصين- في استخراجِ معانٍ صحيحةٍ، أو استنباطِ ألفاظٍ فصيحةٍ ممّا وَرَدَ في الكتابِ الكريمِ، أو في سُنَّةِ النبيِّ العظيمِ صلى الله عليه وسلم؛ بشرطِ أن لا تُخالِفَ -أو على الأقل: تبدُو مُخالِفةً!- لِنَصٍّ شرعيٍّ- كتاباً أو سُنَّةً-.

وأخيراً:
ما قيلَ في «اللهمَّ أعْتِقْنِي مِن النَّار» يُقال -هُو نَفْسُهُ- في: «اللهمَّ زَحْزِحْنِي عَنِ النَّار» -سواءً بسواءٍ-؛ فكأنَّ العبدَ -بهذا الدُّعاءِ الأخيرِ!- على أبوابِ النِّيران! ويسألُ ربَّهُ أنْ يُزَحْزِحَهُ (!) عنها!!
فأينَ هذا مِن قولِه صلى الله عليه وسلم: »إذا سألتُمُ اللهَ فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ؛ فإنَّهُ أوْسَطُ الجَنَّةِ، وأعْلَى الجَنَّة»؟!« البخاري» (2637)؛ «فإنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لهُ»، [رواهُ البخاريُّ (5980)، ومسلم (2679)]-، وقولِه صلى الله عليه وسلم: «إذا دَعَا أحدُكُم فلا يَقولُ: إنْ شئتَ؛ ولْيَعْزِم المسألةَ، ولْيُعَظِّم الرَّغْبَةَ؛ فإنَّ اللهَ لا يَعْظُمُ عليه شيءٌ أعطاه» [«صحيح الأدب المفرد» (607)].
وما ذكرتُهُ -ثَمَّةَ- مِن أهميَّة حُسْنِ الظنِّ بالله -تعالى- لا يُعارضُ -ألْبَتَّةَ- لُزومَ الخوفِ مِن الله -عزَّ شأنُهُ-؛ كما رُوِيَ أنَّ أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على شابٍّ في الموت، فقال له:
«كيف تجدك؟!».
قال: أرجو اللهَ -يا رسولَ الله-، وأخافُ ذنوبي.
فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ -في مثل هذا الموطن- إلاّ أعطاهُ الذي يرجُو، وأمَّنَهُ ممّا يخاف».
رواهُ النَّسائيُّ في «الكُبرى» (10901)، والترمذيُّ (983)، وابنُ ماجه (4261)وغيرهم-.
وحسَّنَهُ شيخُنا في «صحيح الترغيب» (1271).
وهذا معنى ما وَرَدَ عن بعضِ الصحابةِ رضي الله عنهم:
فقد رَوَى الطبريُّ في «تفسيرِه» (20478)، والبيهقيّ في «القضاء والقدر» (189)، والدولابي في «الأسماء والكُنى» (1/155)، واللالَكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (1206) مِن طُرُقٍ عن عُمَر بن الخطّاب قالَ:
«اللهمّ إنْ كنتَ كتَبْتَنِي شَقِيًّا فامْحُنِي».
فهو -بتحفُّظِه-: يخاف، وبطلبِه: يرجو..
وزاد السُّيوطيُّ في «الدّر المنثور» (8/471-هجر) نسبتَهُ لابنِ المنذر، وعبدِ بنِ حُمَيْد.
وأخرجَهُ البَرْقانِيُّ -كما في «مُسند الفاروق» (2/593)- للإمام ابن كثير-رحمهُ الله-، وقال: «إسنادٌ حسن».
وروى الطبرانيُّ في «المعجم الكبير» (8847)، والطبريُّ في «تفسيره» (20477)، وابنُ أبي شيبةَ في «المصنَّف» (29530)، والبيهقيُّ في «القضاء والقدر» (188) عن ابنِ مسعودٍ -مثلَه- بأطولَ منه-.
وزاد السيوطيُّ نسبتَهُ في «الدر المنثور» (8/471-هجر) لابن أبي الدنيا في «الدعاء» .
وروى الفاكهيُّ في «تاريخ مكة» (1017) مثله عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى السِّلَفِيُّ في «معجم السفر» (1239)والطبريُّ في «تفسيره» (20476) مثلََه عن شقيق -رحمه الله-.
وهذا -كُلُّهُ- يردُّ ما رواهُ الطبريُّ في«تفسيره» (20470) عن منصور، قال: قلت لمجاهدٍ: «إن كنتَ كتبتني سعيداً؛ فأثْبِتْنِي، وإن كنتَ كتبتَني شقيًّا؛ فامحُنِي؟!
قال: «الشقاء والسعادة قد فُرِغَ منهُما!».
وفي روايةٍ عند البيهقيّ في «القضاء والقدر» (رقم190) عن منصور، قال:
قُلتُ لمُجاهد: ما تقولُ في هذا الدُّعاء: اللهمَّ إنْ كان اسمي في السُّعداء فأثْبِتْهُ فيهم، وإن كان في الأشقياء فامْحُهُ منهُم، واجْعَلْهُ في السُّعداء؟ فقال: حَسَنٌ.
ثم مكثتُ حَوْلاً، فسألتُه عن ذلك؟ فقال:{حم.وَالْكِتَابِ الْمُبِين.إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين.فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم}[الدخان:1-4].، قال: يُفْرَقُ في ليلةِ القدر ما يكونُ في السَّنَةِ مِن رِزْقٍ أو مُصيبة؛ فأمَّا كتابُ الشقاء والسعادة فإنَّهُ ثابتٌ لا يغير].
قلتُ:
لعلَّ مَكْمَن الإشكال في قولِ مُجاهد -رحمهُ الله- قائمٌ على مسألة (الرزق [والعمل]: قد يزيد وينقص)؟!
وقد سُئل شيخُ الإسلام -رحمهُ الله- عن ذلك؛ فأجاب -كما في «مجموع الفتاوى» (8/540):
«الرزق [والعمل] نوعان:
أحدُهما: ما علمه اللهُ أنَّه يرزُقُهُ؛ فهذا لا يتغيَّر.
والثاني: ما كتبه، وأعلمَ به الملائكة؛ فهذا يزيدُ وينقصُ بحسب الأسباب، فإنَّ العبدَ يأمُرُ اللهُ الملائكةَ أنْ تكتبَ له رزقاً، وإنْ وَصَلَ رَحِمَهُ: زادهُ اللهُ على ذلك؛ كما ثبتَ في «الصحيح» [البخاريّ (1961)، ومُسلم (2557). عن النبيِّ أنَّهُ قال: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، ويُنْسأَ له في أَثَرِهِ؛ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ»...
ومِن هذا الباب قول عُمر...».
فذكره...
وانظُر «شفاء العليل» (90) لابن القيِّم.


(تنبيهٌ أخير)
يُتَلَطَّفُ في بيانِ هذه المسألةِ -جِدًّا-؛ لِغَرابَتِها -أوَّلاً-، ولِفَضْلِ (الرِّفْق) -ثانِياً- مِن غير نكيرٍ ولا تشديد...

واللهُ المُستعان.
 
[align=center]السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه كلمات كتبتها حول الموضوع من مدَّة وكنت أتردد في نشرها أو تركها ، فرأيت أن في نشرها فائدة للجميع إن شاء الله ، ولن أعدم إن شاء الله ناصحا وموجها من المطالعين للموضوع ، ممن لديهم أهلية في العلوم الشرعية .



خطأ من قَالَ إن قول الداعي في دعائه
" اللهم أعتق رقابنا من النار "
من الخلل الكبير في الدعاء


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد استمعت إلى تسجيل لأحد طلبة العلم يَقُوْل فيه إن من الأخطاء الَّتِيْ يرتكبها بعض الأئمة في دعائهم في رمضان قول الدَّاعي " اللهم اجعلنا من عتقائك من النار " ، وزعم أن هَذَا الدعاء فيه خلل كبير ! ، ثم زعم أن هَذَا الداعي يتحقق فيه قول الإمام القرطبي " لربما كان في دعائه العطب وهو لا يشعر "
ثم بدأ يشرح للمستمعين مكمن الخطورة والخطإ العظيم في هَذَا الدعاء فَقَالَ _ مضمون الكلام دون إخلال _ :
عتقاء الله من النار هم الجهنميون !
ثم قرأ بعض حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الطويل في الشفاعة المخرَّج في الصحيحين وغيرهما إلى أن وصل إلى الشَّاهد المزعوم وهو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( يعرفهم أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الله من النار ))
قَالَ : يأتي بعض الأئمة فيقول : اللهم اجعلنا من عتقائك .
يعني يلزم من هَذَا دخول النَّار ! .
وقال : وإنما الحديث الَّذِيْ " إن في كل ليلة عتقاء "
لم يرد فيه من النار ، وقد تقصيت هَذَا .
ثم بدأ يؤول معني العتق ليوافق رأيه الَّذِيْ قاله . اهـ
هَذَا ما قاله الشيخ ملخصا ، ولم أزد عليه أو أنقص منه حتى لا يتهمني بعض الجهلة أني اقتطعت أو قوَّلت الرجل ما لم يقل أو أني لم افهم ما قَالَ أو نحوها من العبارات التافهة الَّتِيْ تتردد من بعضهم ، والتسجيل الصوتي موجود في موقع البث الإسلامي ومنه استمعت إلى الدرس


الجواب عن هذا القول :
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن من أهم الأمور الَّتِيْ ينبغي على طالب العلم الَّذِيْ يوجِّه النَّاس ويعلِّمهم شرائع الدين وسنة سيد المرسلين أن يكون متحريا في جميع أحكامه الحق والصواب ، وأن لا يتعجَّل الحكم على بعض الأمور الَّتِيْ يراها مخالفة لما يعتقده أو يراها من المحدثات أو الأمور الَّتِيْ تخالف هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويزدادُ العبءُ على كاهل طالبِ العلمِ الَّذِيْ عُرف بين الناس أنه لا يُخرج كلمة إلا بعد أن يتحرى الصواب فيها ، لأن الناس يثقون في كلامه وعلمه ويحسبونه والله حسيبه من أهل الخير الذين يحسبون للكلمة حسابا قبل إخراجها .

ومن الأمور المعلومة لمن باشر العلمَ وطلَبَهُ على أيدي العلماء ، ولم يقنع بمعلوماتٍ تكفيْهِ لمعرفةِ بعضِ أمورِ دينِهِ ، ثمَّ جَدَّ في طلبِ العلمِ واجتهَدَ ، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحصيله ، فمن كان هَذَا حاله ستمرُ عليه حالاتٍ كثيرةٍ يقفُ فيها متحيِّرا ، وستمرُ عليه بعض الأحكام الَّتِيْ يقف فيها موقف العاجز عن الإقدام على القول بالجواز أو القول بالحرمة ، وستمر عليه نوازل جديدة يعجز عن تصنيفها بين الإباحة أو البدعة ، ولكنه لن يعجز عن ذلك إلى الأبد ، بل تجده حريصا على بحثها والتقصي حولها ، حتى يشرح الله صدره للحق إن شاء الله ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ بعد تحريه واجتهاده فلن يُعدم نيل الأجر الواحد إن شاء الله .

ومن المقاتل الَّتِيْ ينبغي لطالب العلم أو العالم مهما بلغ قدره أن لا يقع فيها ، أن يدَّعي التقصي والتتبع ثم يظهر أنه لم يتقص ولم يتتبع ، بل أطلق القول لثقته فيما توصل إليه ، بناء على معلومات قديمة ، أو ثقة في محفوظه من الأدلة ، والذَّاكرة خوَّانة ، فليحذر طالب العلم المحقِّق الانقياد لها دون مراجعة الأصول من كتب المنقول والمعقول ، فكم من دعاوى أطلقها فضلاء ، لا تساوي عند التحقيق والبحث شيئا ، وإني أنصح نفسي المقصِّرة وبقية إخواني أن يكون الحق غايتنا ، وأن نخضع له دون شرط أو قيد ، وأن نعود إليه إن بان لنا ، فالتراجع عن الخطإ رفعة للمتراجع ، ورده والتكبر عليه بداية السقوط ، أسأل الله أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه .
أعود إلى كلام طالب العلم الفاضل لأبين ما فيه من الخلل الَّذِيْ أدى به إلى إنكار ما ليس منكرا ، واتهام الناس بالخطإ وهو أولى أن يتهم نفسه به ، وسأجعله في نقاط حتى يسهل فهم الرد على المطالع :

1- الادعاء أن هَذَا الدعاء فيه خلل كبير !
لو أن هَذَا الخلل صغير ، وكان مغمورا ، ولم يسمع به أحد من أهل العلم ، لهان الخطب ، لكنَّ الزَّعم أن الخلل كبير ، مع العلم أن أهل العلم الذين يثق الجميع بعلمهم ممن توفَّاهم الله سمعوا هَذَا الدعاء وطرق آذانهم ، هم أكثر من هَذَا الطالب علما ، وأرسخ منه عقيدة ، وأفهم منه لغة ، وأحرص منه على نقد البدع والمحدثات ، لم يَفُهْ أحدا منهم بما فاه به هَذَا الطالب ، أو حذَّر مما حذَّر منه ، وأنا لا أدَّعي لأحد العصمة ، ولا أوجب تقليدهم في كل صغيرة وكبيرة ، لكن التفوَّه بأن هَذَا الخلل الكبير لم يكتشفه إلا هَذَا الطالب يعد ضُحكة على عقول الأغمار الأغرار الذين لم يبلغوا من العلم شيئا ، فأين علماؤنا عن هَذَا الخلل ، فقد بينَّنوا أخطاء وبدعا أقلَّ منه شأنا ، وأقل منه شهرة ، فكيف فاتهم هَذَا ، أم كيف سكتوا عنه إن علموه ، وأنا أطالب هَذَا الطالب للعلم أن يأتينا بمن سبقه من أهل العلم ممن يوثق بدينهم وعلمهم إلى هَذَا القول المنكر ، وليتهم أحدنا نفسه ويراجع قوله ويتحرى فيه قبل أن يتهم الناس بالجهل في أمر ظاهر .
فكيف إذا عرفنا أن أحد أفاضل أهل العلم في عصرنا ممن توفاه الله عزَّ وجلَّ قد ردَّ على هذه الشبهة ، وبين خطأ قائلها ، طالع أخي السؤال والجواب ثم احكم :
السؤال:
فضيلة الشيخ : هناك دعاء يدعو به بعض الناس وهو: " اللهم أعتق رقابنا من النار"
وقد قال أحد طلبة العلم : بأن هذا الدعاء لا ينبغي أن يقال أو شيء مثل هذا
ويقول: كأن الداعي يحكم على نفسه بأنه من أهل النار.
الجواب:
لا. هذا غير صحيح
إذا قال الإنسان: اللهم أنجني من النار ، فهل معناه أنه دخل فيها؟
طبعاً: لا
لكني ظننتُ أنه يقول: لماذا يسأل بالإعتاق بدل النجاة ؟!
أنا أقول : لا بأس أن يسأل بالإعتاق بدلاً من النجاة، كما جاء في الحديث في باب صيام رمضان : (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) وجاء فيمن أعتق عبداً ( أن الله يعتقه بكل جزء منه أو بكل عضو منه عضواً من النار ).
أتدري أخي من المجيب
إنه فقيه العصر ، العالم الفاضل المربي مُحَمَّد بن صالح بن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وألحقنا به في الصالحين .
لقاء الباب المفتوح (27/122)
فأي الرجلين أولى بالمتابعة ؟

2- عتقاء الله من النَّار هم الجهنميون
هَذَا الكلام انتزعه طالب العلم الفاضل من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وزعم أنه في الصحيحين ، وقد صدق في قوله إنه في الصحيحين أي أصل الحديث ، لكن هذه اللفظة لم ترد في البخاري أو مسلم وكثير من كتب السنن الَّتِيْ روي هَذَا الحديث فيها ، وإنما جاءت في بعض الكتب سأذكرها بعد قليل إن شاء الله ، واللفظ الوارد في البخاري هو : (( فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ )) ، وفي مسلم (( يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ ))
فأين لفظة (( من النار )) الَّتِيْ زعم الشيخ أنها في الصحيحين ، وأنا أعلم أنه قرأ الحديث من صحيح الجامع وأن أصل الحديث في الصحيحين ، لكني سأكون دقيقا معه في النقاش ، لأنه زعم أنه تقصَّى في وجود لفظة (( كل ليلة عتقاء من النار )) ، وسنرى هل يصح تقصيه أم لا ، فهذا أول ممسك عليه ، حيث زعم أن حديث أبي سعيد في الصحيحين وساق اللفظ بقوله (( يَعرفهم أهل الجنَّة : عتقاء الله من النار )) ، والتسجيل موجود فلا أريد من الأغرار المغفلين أن يدَّعوا أنه لم يقل أو أني أزوِّر عليه .
فهل يرضى الشيخ لنفسه هَذَا ، لو دققنا معه في الألفاظ الَّتِيْ يقولها ، وهل هَذَا من الكذب في عزو ألفاظ حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإدراج ألفاظ في الصحيحين ليست في أحدهما .
وتأمل معي قول الإمام الزيلعي رحمه الله تعالى في نصب الرَّاية :
1- وهم شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث لأبي داود مقلدا لغيره في ذلك ، وأبو داود وإن كان أخرجه لكن لم يقل فيه : " { وإن قطر الدم على الحصير } " فليس هو حديث الكتاب ، والذي أوقعه في ذلك أن أصحاب " الأطراف " عزوه لأبي داود ، وابن ماجه ، ومثل هذا لا ينكر على أصحاب " الأطراف " ولا غيرهم من أهل الحديث ؛ لأن وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث ، فينظر من خرجه ولا يضره تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص وأما الفقيه فلا يليق به ذلك ، لأنه يقصد أن يستدل على حكم مسألة ، ولا يتم له هذا إلا بمطابقة الحديث لمقصوده ، والله أعلم .
2- وقال أيضا : والثاني بصيغة الأمر ، فهي ابدءوا ، وهذا هو حديث الكتاب ، وهو عند النسائي ، والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما "
وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الفقهاء عزا لفظ الأمر لمسلم ، وهو وهم منه ، وقد يحتمل هذا من المحدث لأن المحدث إنما ينظر في الإسناد وما يتعلق به ، ولا يحتمل ذلك من الفقيه ، لأن وظيفته استنباط الأحكام من الألفاظ ، فالمحدث إذا قال : أخرجه فلان ، فإنه يريد أصل الحديث لا بتلك الألفاظ بعينها ، ولذلك اقتصر أصحاب الأطراف على ذكر طرف الحديث ، فعلى الفقيه إذا أراد أن يحتج بحديث على حكم أن تكون تلك اللفظة التي تعطيه موجودة فيه

وقد ورد هَذَا اللفظ عند : (( عتقاء الله من النار ))
1- السنة لابن أبي عاصم . من حديث أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
2- اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة . من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما
3- ابن أبي عمر العدني في مسنده ، كما نقل ابن حجر في المطالب العالية

فهل تأكد طالب العلم الفاضل من وجود اللفظة التي يستشهد بها في المصدر المحال إليه ، قبل أن يجزم بذلك أو يتندر على من يدعوا بهذا الدعاء ، ثم يتهمهم بالجهل وعدم العلم والمعرفة ، فقد وقع فيما انتقدهم به ، فهو يقول إن لفظة " من النار " غير موجودة في المصادر _ وهي دعوى غير صحيحة كما سيظهر _ ، ثم ينسب هو لفظة " من النار " إلى الصحيحين وليست في أحدهما .

3- قوله إنه تقصى فلم يجد الحديث إلا بهذا اللفظ " إن في كل ليلة عتقاء " . فقط
وسأسوق هنا الرواية الَّتِيْ تبين أن اللفظ موجود ، وأنَّ كلامه غير صحيح مع بيان تصحيح الشيخ الألباني للروايات بهذه اللفظة الَّتِيْ زعم أنها غير موجودة ، حتى لا يطعن في صحتها أو يتوقف في قبولها ، وأنا أعلم أن هذه الرواية فيها الكثير من الاختلاف ، لكني ألزمه بما يلتزمه هو من متابعة الشيخ الألباني رحمه الله في التصحيح والتضعيف إلا نادرا .
تأمل معي أخي الحديث :
عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
(( إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَنَادَى مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ )) .
أخرجه ابن ماجة (1642) . والتِّرمِذي (682) . وابن خزيمة (1883) . وابن حِبَّان (3435) قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى.
أربعتهم (ابن ماجة ، والتِّرمِذي ، وابن خزيمة ، وابن حِبَّان) عن أبي كريب ، محمد بن العلاء بن كريب ، حدَّثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، فذكره.
صححه الألباني رَحِمَهُ اللهُ في : صحيح ، ابن ماجة ( 1642 ) ، صحيح الترغيب والترهيب ( 2 / 68 ) ، وحسنه في صحيح الجامع 759
فكيف يزعم طالب العلم أن اللفظ لم يرد ، وأنه ليس موجودا
فهلاَّ تحرَّى وراجع قبل أن يتهم غيره بعدم التنبه لهذا الخلل الكبير ! .

4- قوله إن المعتوق من النار لا يصلح ذلك إلا بعد أن يدخلها " هَذَا معنى كلامه "
أقول إن هَذَا الفهم غير صائب ، ولن أجيب عليه من كلامي أو كلام الشيخ مُحَمَّد بن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ السَّابق ، بل أجيب من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنا لا أدلل إلا بحديث يقبله هَذَا الطالب للعلم من تصحيح الألباني رَحِمَهُ اللهُ ، وإن كنت أخالف الشيخ في حكمه ، لأن هَذَا الطالب للعلم يلتزم بأحكام الشيخ إلا ما ندر .
أخرج ابن سعد في الطبقات والترمذي في الجامع والدولابي في الكنى وابن الأعرابي في معجمه وابن حبان في الأنواع والتقاسيم " المسمى بالصحيح " والحاكم في مستدركه والبزار في مسنده المعلل وأبو نعيم في معرفة الصَّحابة وغيرهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عن أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (( أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ ))
وهذا الحديث صحَّحه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في السلسلة الصحيحة رقم : 1574 ، وفي صحيح الجامع برقم : 2362 وغيرها من كتبه .

وهذا حديث آخر فاتني ذكره وذكَّرني به أحد الإخوة الأفاضل :
أخرج مسلم في الصحيح وابن ماجه في السنن وابن خزيمة في مختصر المختصر وابن حبان في الأنواع والتقاسيم المسمَّى بالصَّحيح والحاكم في المستدرك والطبراني في الأوسط والبيهقي في فضائل الأوقات وغيرهم من طريق ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ انَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( مَا مِنْ يَوْمٍ اكْثَرَ مِنْ انْ يُعْتِقَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَانَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلائِكَةَ فَيقول : مَا ارَادَ هَؤُلاءِ )) .
وانظر الصحيحة للألباني رحمه الله رقم : 2551

فهل يلتزم هَذَا الطالب للعلم الفاضل بأن أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حسب فهمه وتفسيره لا بد أن يدخل النَّار قبل دخول الجنة ؟! ، أم أن الحجَّاج الذين أعتقهم الله من النَّار يوم عرفة لا بد أن يدخلوا جهنَّم ؟!
أنا أعلم أنه لن يَقُوْل ذلك وحاشاه من هَذَا القول الشنيع ، لكني هنا في بيان مقام خطإ الفهم الَّذِيْ وقع في باله عند استنكاره لهذه اللفظة ، والتشنيع على قائلها والداعي بها .


وفي الختام
ما أنا إلا طويلب علم بالنِّسبة لهذا الطالب للعلم ، وهو من شيوخي الَّذِيْ استفدت منهم ؛ ولا أزال أستفيد العلم والأدب ، ولست أتقدم بين يديه بهذا الكلام حبا في التصدر أو التنقيب عن الأخطاء ، لكني أعلم أن كثيرا ممن يسمعون كلامه ليست لديهم الأهلية الحقيقية للبحث والتنقيب في كتب أهل العلم ، ليعلموا أن ما قاله غير صحيح وأنه جانب الصواب .
وأسأل الله أن يغفر لي ولإخواني الذين سبقوني بالإيمان ، وأسأله أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتِّباعه .
والحمد لله ربِّ العالمين


وَكَتَبَ أَبُوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
خَالِدُ بْنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ الغَامِدِيُّ
بَلْجُرَشِي _ البَرَكَةُ
صبيحة يوم السبت
22/10/1428 هـ
المصــدر : ملتقى أهل الحديث
[/align]
 
جزك الله خيرا أخي الكريم طه..
وما سقتَه هنا يكمل الموضوع ويثريه.
ويمكن أن نجمع بين وجهتي النظر بأن الأحسن هو تجنب هذا اللفظ لأنه ثبت عن بعض السلف كراهيته، ولا يصل إلى عده من المنهيات حيث إن لفظه يحتمل معنى صحيحا يمكن الأخذ به.

والله تعالى أعلم.
 
لا يفضض الله فاك أنت ومن نقلت عنه

لا يفضض الله فاك أنت ومن نقلت عنه

[
QUOTE=طه محمد عبدالرحمن;85800][

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فقد استمعت إلى تسجيل لأحد طلبة العلم يَقُوْل فيه إن من الأخطاء الَّتِيْ يرتكبها بعض الأئمة في دعائهم في رمضان قول الدَّاعي " اللهم اجعلنا من عتقائك من النار " ، وزعم أن هَذَا الدعاء فيه خلل كبير ! ، ثم زعم أن هَذَا الداعي يتحقق فيه قول الإمام القرطبي " لربما كان في دعائه العطب وهو لا يشعر "
ثم بدأ يشرح للمستمعين مكمن الخطورة والخطإ العظيم في هَذَا الدعاء فَقَالَ _ مضمون الكلام دون إخلال _ :
عتقاء الله من النار هم الجهنميون !
ثم قرأ بعض حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الطويل في الشفاعة المخرَّج في الصحيحين وغيرهما إلى أن وصل إلى الشَّاهد المزعوم وهو قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( يعرفهم أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الله من النار ))
قَالَ : يأتي بعض الأئمة فيقول : اللهم اجعلنا من عتقائك .
يعني يلزم من هَذَا دخول النَّار ! .
وقال : وإنما الحديث الَّذِيْ " إن في كل ليلة عتقاء "
لم يرد فيه من النار ، وقد تقصيت هَذَا .
ثم بدأ يؤول معني العتق ليوافق رأيه الَّذِيْ قاله . اهـ
هَذَا ما قاله الشيخ ملخصا ، ولم أزد عليه أو أنقص منه حتى لا يتهمني بعض الجهلة أني اقتطعت أو قوَّلت الرجل ما لم يقل أو أني لم افهم ما قَالَ أو نحوها من العبارات التافهة الَّتِيْ تتردد من بعضهم ، والتسجيل الصوتي موجود في موقع البث الإسلامي ومنه استمعت إلى الدرس


الجواب عن هذا القول :
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد :
فإن من أهم الأمور الَّتِيْ ينبغي على طالب العلم الَّذِيْ يوجِّه النَّاس ويعلِّمهم شرائع الدين وسنة سيد المرسلين أن يكون متحريا في جميع أحكامه الحق والصواب ، وأن لا يتعجَّل الحكم على بعض الأمور الَّتِيْ يراها مخالفة لما يعتقده أو يراها من المحدثات أو الأمور الَّتِيْ تخالف هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ويزدادُ العبءُ على كاهل طالبِ العلمِ الَّذِيْ عُرف بين الناس أنه لا يُخرج كلمة إلا بعد أن يتحرى الصواب فيها ، لأن الناس يثقون في كلامه وعلمه ويحسبونه والله حسيبه من أهل الخير الذين يحسبون للكلمة حسابا قبل إخراجها .

ومن الأمور المعلومة لمن باشر العلمَ وطلَبَهُ على أيدي العلماء ، ولم يقنع بمعلوماتٍ تكفيْهِ لمعرفةِ بعضِ أمورِ دينِهِ ، ثمَّ جَدَّ في طلبِ العلمِ واجتهَدَ ، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحصيله ، فمن كان هَذَا حاله ستمرُ عليه حالاتٍ كثيرةٍ يقفُ فيها متحيِّرا ، وستمرُ عليه بعض الأحكام الَّتِيْ يقف فيها موقف العاجز عن الإقدام على القول بالجواز أو القول بالحرمة ، وستمر عليه نوازل جديدة يعجز عن تصنيفها بين الإباحة أو البدعة ، ولكنه لن يعجز عن ذلك إلى الأبد ، بل تجده حريصا على بحثها والتقصي حولها ، حتى يشرح الله صدره للحق إن شاء الله ، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ بعد تحريه واجتهاده فلن يُعدم نيل الأجر الواحد إن شاء الله .

ومن المقاتل الَّتِيْ ينبغي لطالب العلم أو العالم مهما بلغ قدره أن لا يقع فيها ، أن يدَّعي التقصي والتتبع ثم يظهر أنه لم يتقص ولم يتتبع ، بل أطلق القول لثقته فيما توصل إليه ، بناء على معلومات قديمة ، أو ثقة في محفوظه من الأدلة ، والذَّاكرة خوَّانة ، فليحذر طالب العلم المحقِّق الانقياد لها دون مراجعة الأصول من كتب المنقول والمعقول ، فكم من دعاوى أطلقها فضلاء ، لا تساوي عند التحقيق والبحث شيئا ، وإني أنصح نفسي المقصِّرة وبقية إخواني أن يكون الحق غايتنا ، وأن نخضع له دون شرط أو قيد ، وأن نعود إليه إن بان لنا ، فالتراجع عن الخطإ رفعة للمتراجع ، ورده والتكبر عليه بداية السقوط ، أسأل الله أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلا وأن يرزقنا اجتنابه .
أعود إلى كلام طالب العلم الفاضل لأبين ما فيه من الخلل الَّذِيْ أدى به إلى إنكار ما ليس منكرا ، واتهام الناس بالخطإ وهو أولى أن يتهم نفسه به ، وسأجعله في نقاط حتى يسهل فهم الرد على المطالع :

1- الادعاء أن هَذَا الدعاء فيه خلل كبير !
لو أن هَذَا الخلل صغير ، وكان مغمورا ، ولم يسمع به أحد من أهل العلم ، لهان الخطب ، لكنَّ الزَّعم أن الخلل كبير ، مع العلم أن أهل العلم الذين يثق الجميع بعلمهم ممن توفَّاهم الله سمعوا هَذَا الدعاء وطرق آذانهم ، هم أكثر من هَذَا الطالب علما ، وأرسخ منه عقيدة ، وأفهم منه لغة ، وأحرص منه على نقد البدع والمحدثات ، لم يَفُهْ أحدا منهم بما فاه به هَذَا الطالب ، أو حذَّر مما حذَّر منه ، وأنا لا أدَّعي لأحد العصمة ، ولا أوجب تقليدهم في كل صغيرة وكبيرة ، لكن التفوَّه بأن هَذَا الخلل الكبير لم يكتشفه إلا هَذَا الطالب يعد ضُحكة على عقول الأغمار الأغرار الذين لم يبلغوا من العلم شيئا ، فأين علماؤنا عن هَذَا الخلل ، فقد بينَّنوا أخطاء وبدعا أقلَّ منه شأنا ، وأقل منه شهرة ، فكيف فاتهم هَذَا ، أم كيف سكتوا عنه إن علموه ، وأنا أطالب هَذَا الطالب للعلم أن يأتينا بمن سبقه من أهل العلم ممن يوثق بدينهم وعلمهم إلى هَذَا القول المنكر ، وليتهم أحدنا نفسه ويراجع قوله ويتحرى فيه قبل أن يتهم الناس بالجهل في أمر ظاهر .
فكيف إذا عرفنا أن أحد أفاضل أهل العلم في عصرنا ممن توفاه الله عزَّ وجلَّ قد ردَّ على هذه الشبهة ، وبين خطأ قائلها ، طالع أخي السؤال والجواب ثم احكم :
السؤال:
فضيلة الشيخ : هناك دعاء يدعو به بعض الناس وهو: " اللهم أعتق رقابنا من النار"
وقد قال أحد طلبة العلم : بأن هذا الدعاء لا ينبغي أن يقال أو شيء مثل هذا
ويقول: كأن الداعي يحكم على نفسه بأنه من أهل النار.
الجواب:
لا. هذا غير صحيح
إذا قال الإنسان: اللهم أنجني من النار ، فهل معناه أنه دخل فيها؟
طبعاً: لا
لكني ظننتُ أنه يقول: لماذا يسأل بالإعتاق بدل النجاة ؟!
أنا أقول : لا بأس أن يسأل بالإعتاق بدلاً من النجاة، كما جاء في الحديث في باب صيام رمضان : (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) وجاء فيمن أعتق عبداً ( أن الله يعتقه بكل جزء منه أو بكل عضو منه عضواً من النار ).
أتدري أخي من المجيب
إنه فقيه العصر ، العالم الفاضل المربي مُحَمَّد بن صالح بن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وألحقنا به في الصالحين .
لقاء الباب المفتوح (27/122)
فأي الرجلين أولى بالمتابعة ؟

2- عتقاء الله من النَّار هم الجهنميون
هَذَا الكلام انتزعه طالب العلم الفاضل من حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، وزعم أنه في الصحيحين ، وقد صدق في قوله إنه في الصحيحين أي أصل الحديث ، لكن هذه اللفظة لم ترد في البخاري أو مسلم وكثير من كتب السنن الَّتِيْ روي هَذَا الحديث فيها ، وإنما جاءت في بعض الكتب سأذكرها بعد قليل إن شاء الله ، واللفظ الوارد في البخاري هو : (( فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ )) ، وفي مسلم (( يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ ))
فأين لفظة (( من النار )) الَّتِيْ زعم الشيخ أنها في الصحيحين ، وأنا أعلم أنه قرأ الحديث من صحيح الجامع وأن أصل الحديث في الصحيحين ، لكني سأكون دقيقا معه في النقاش ، لأنه زعم أنه تقصَّى في وجود لفظة (( كل ليلة عتقاء من النار )) ، وسنرى هل يصح تقصيه أم لا ، فهذا أول ممسك عليه ، حيث زعم أن حديث أبي سعيد في الصحيحين وساق اللفظ بقوله (( يَعرفهم أهل الجنَّة : عتقاء الله من النار )) ، والتسجيل موجود فلا أريد من الأغرار المغفلين أن يدَّعوا أنه لم يقل أو أني أزوِّر عليه .
فهل يرضى الشيخ لنفسه هَذَا ، لو دققنا معه في الألفاظ الَّتِيْ يقولها ، وهل هَذَا من الكذب في عزو ألفاظ حديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وإدراج ألفاظ في الصحيحين ليست في أحدهما .
وتأمل معي قول الإمام الزيلعي رحمه الله تعالى في نصب الرَّاية :
1- وهم شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث لأبي داود مقلدا لغيره في ذلك ، وأبو داود وإن كان أخرجه لكن لم يقل فيه : " { وإن قطر الدم على الحصير } " فليس هو حديث الكتاب ، والذي أوقعه في ذلك أن أصحاب " الأطراف " عزوه لأبي داود ، وابن ماجه ، ومثل هذا لا ينكر على أصحاب " الأطراف " ولا غيرهم من أهل الحديث ؛ لأن وظيفة المحدث أن يبحث عن أصل الحديث ، فينظر من خرجه ولا يضره تغير بعض ألفاظه ولا الزيادة فيه أو النقص وأما الفقيه فلا يليق به ذلك ، لأنه يقصد أن يستدل على حكم مسألة ، ولا يتم له هذا إلا بمطابقة الحديث لمقصوده ، والله أعلم .
2- وقال أيضا : والثاني بصيغة الأمر ، فهي ابدءوا ، وهذا هو حديث الكتاب ، وهو عند النسائي ، والدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما "
وإنما ذكرت ذلك لأن بعض الفقهاء عزا لفظ الأمر لمسلم ، وهو وهم منه ، وقد يحتمل هذا من المحدث لأن المحدث إنما ينظر في الإسناد وما يتعلق به ، ولا يحتمل ذلك من الفقيه ، لأن وظيفته استنباط الأحكام من الألفاظ ، فالمحدث إذا قال : أخرجه فلان ، فإنه يريد أصل الحديث لا بتلك الألفاظ بعينها ، ولذلك اقتصر أصحاب الأطراف على ذكر طرف الحديث ، فعلى الفقيه إذا أراد أن يحتج بحديث على حكم أن تكون تلك اللفظة التي تعطيه موجودة فيه

وقد ورد هَذَا اللفظ عند : (( عتقاء الله من النار ))
1- السنة لابن أبي عاصم . من حديث أبي سعيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
2- اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة . من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عَنْهُما
3- ابن أبي عمر العدني في مسنده ، كما نقل ابن حجر في المطالب العالية

فهل تأكد طالب العلم الفاضل من وجود اللفظة التي يستشهد بها في المصدر المحال إليه ، قبل أن يجزم بذلك أو يتندر على من يدعوا بهذا الدعاء ، ثم يتهمهم بالجهل وعدم العلم والمعرفة ، فقد وقع فيما انتقدهم به ، فهو يقول إن لفظة " من النار " غير موجودة في المصادر _ وهي دعوى غير صحيحة كما سيظهر _ ، ثم ينسب هو لفظة " من النار " إلى الصحيحين وليست في أحدهما .

3- قوله إنه تقصى فلم يجد الحديث إلا بهذا اللفظ " إن في كل ليلة عتقاء " . فقط
وسأسوق هنا الرواية الَّتِيْ تبين أن اللفظ موجود ، وأنَّ كلامه غير صحيح مع بيان تصحيح الشيخ الألباني للروايات بهذه اللفظة الَّتِيْ زعم أنها غير موجودة ، حتى لا يطعن في صحتها أو يتوقف في قبولها ، وأنا أعلم أن هذه الرواية فيها الكثير من الاختلاف ، لكني ألزمه بما يلتزمه هو من متابعة الشيخ الألباني رحمه الله في التصحيح والتضعيف إلا نادرا .
تأمل معي أخي الحديث :
عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:
(( إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَنَادَى مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ )) .
أخرجه ابن ماجة (1642) . والتِّرمِذي (682) . وابن خزيمة (1883) . وابن حِبَّان (3435) قال : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى.
أربعتهم (ابن ماجة ، والتِّرمِذي ، وابن خزيمة ، وابن حِبَّان) عن أبي كريب ، محمد بن العلاء بن كريب ، حدَّثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، فذكره.
صححه الألباني رَحِمَهُ اللهُ في : صحيح ، ابن ماجة ( 1642 ) ، صحيح الترغيب والترهيب ( 2 / 68 ) ، وحسنه في صحيح الجامع 759
فكيف يزعم طالب العلم أن اللفظ لم يرد ، وأنه ليس موجودا
فهلاَّ تحرَّى وراجع قبل أن يتهم غيره بعدم التنبه لهذا الخلل الكبير ! .

4- قوله إن المعتوق من النار لا يصلح ذلك إلا بعد أن يدخلها " هَذَا معنى كلامه "
أقول إن هَذَا الفهم غير صائب ، ولن أجيب عليه من كلامي أو كلام الشيخ مُحَمَّد بن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ السَّابق ، بل أجيب من كلام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأنا لا أدلل إلا بحديث يقبله هَذَا الطالب للعلم من تصحيح الألباني رَحِمَهُ اللهُ ، وإن كنت أخالف الشيخ في حكمه ، لأن هَذَا الطالب للعلم يلتزم بأحكام الشيخ إلا ما ندر .
أخرج ابن سعد في الطبقات والترمذي في الجامع والدولابي في الكنى وابن الأعرابي في معجمه وابن حبان في الأنواع والتقاسيم " المسمى بالصحيح " والحاكم في مستدركه والبزار في مسنده المعلل وأبو نعيم في معرفة الصَّحابة وغيرهم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عن أبي بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (( أَنْتَ عَتِيقُ اللهِ مِنَ النَّارِ ))
وهذا الحديث صحَّحه الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ في السلسلة الصحيحة رقم : 1574 ، وفي صحيح الجامع برقم : 2362 وغيرها من كتبه .

وهذا حديث آخر فاتني ذكره وذكَّرني به أحد الإخوة الأفاضل :
أخرج مسلم في الصحيح وابن ماجه في السنن وابن خزيمة في مختصر المختصر وابن حبان في الأنواع والتقاسيم المسمَّى بالصَّحيح والحاكم في المستدرك والطبراني في الأوسط والبيهقي في فضائل الأوقات وغيرهم من طريق ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ انَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(( مَا مِنْ يَوْمٍ اكْثَرَ مِنْ انْ يُعْتِقَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَبْدا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَانَّهُ لَيَدْنُو عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلائِكَةَ فَيقول : مَا ارَادَ هَؤُلاءِ )) .
وانظر الصحيحة للألباني رحمه الله رقم : 2551

فهل يلتزم هَذَا الطالب للعلم الفاضل بأن أبا بكر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حسب فهمه وتفسيره لا بد أن يدخل النَّار قبل دخول الجنة ؟! ، أم أن الحجَّاج الذين أعتقهم الله من النَّار يوم عرفة لا بد أن يدخلوا جهنَّم ؟!
أنا أعلم أنه لن يَقُوْل ذلك وحاشاه من هَذَا القول الشنيع ، لكني هنا في بيان مقام خطإ الفهم الَّذِيْ وقع في باله عند استنكاره لهذه اللفظة ، والتشنيع على قائلها والداعي بها .


وفي الختام
ما أنا إلا طويلب علم بالنِّسبة لهذا الطالب للعلم ، وهو من شيوخي الَّذِيْ استفدت منهم ؛ ولا أزال أستفيد العلم والأدب ، ولست أتقدم بين يديه بهذا الكلام حبا في التصدر أو التنقيب عن الأخطاء ، لكني أعلم أن كثيرا ممن يسمعون كلامه ليست لديهم الأهلية الحقيقية للبحث والتنقيب في كتب أهل العلم ، ليعلموا أن ما قاله غير صحيح وأنه جانب الصواب .
وأسأل الله أن يغفر لي ولإخواني الذين سبقوني بالإيمان ، وأسأله أن يرينا الحق حقا وأن يرزقنا اتِّباعه .
والحمد لله ربِّ العالمين


وَكَتَبَ أَبُوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
خَالِدُ بْنُ عُمَرَ الفَقِيْهُ الغَامِدِيُّ
بَلْجُرَشِي _ البَرَكَةُ
صبيحة يوم السبت
22/10/1428 هـ
المصــدر : ملتقى أهل الحديث
[/align]
[/quote]
قلت : جزى الله الكاتب والناقل خيرا على هذا التحقيق العلمي العميق والنزيه الذي قطع قول كل خطيب.
 
قلت : جزى الله الكاتب والناقل خيرا على هذا التحقيق العلمي العميق والنزيه الذي قطع قول كل خطيب.[/QUOTE]

بارك الله فيكما أخي طه محمد عبد الرحمن و د خضر


لا يترك ما تناقلته الأمة جيلا بعد جيل ورعيلا عن رعيل

لقول البعض

فالذي عليه علماء الأمة وخطباؤها في عصرنا ويكاد يشبه الإجماع

الدعاء بالقول:اللهم اعتق رقابنا ورقاب أبائنا وأمهاتنا والمسلمين من النار

اللهم اجعلنا من عتقاء شهر رمضان من النيران

يصدح بها أئمة الحرمين منذ عقود عدة ويتناقلها الخطباء والمدرسون

ولم نسمع لهم من علماء الأمة معارض

ولا تجتمع أمة النبي صلى الله عليه وسلم على ضلالة

وفي هذه التحريرات لأخي طه محمد عبد الرحمن ما يشفي السقيم ويروي الغليل

جزاكما الله خيرا .
 
اللهم أعتقنا من النار في هذا الشهر الكريم .
أخي المبارك : ما أوردته من النصوص الدالة على العتق من النار كافية في دفع هذه الكراهة بل داعية إلى الدعاء بها , وما قمت به من توجيه لها لا يخلو من تكلف من وجهة نظري .
 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
عودة
أعلى