كتاب مرجليوث في النبي صلى الله عليه وسلم

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
(9/529)
الكاتب : محمد رشيد رضا
من مجلة المنار
غرة رجب - 1324هـ
23 أغسطس - 1906م​
كتاب مرجليوث
في النبي صلى الله عليه وسلم

ألف الدكتور مرجليوث الإنكليزي المستشرق كتابًا بِلُغته في سيرة النبي صلى
الله عليه وسلم قال في مقدمته : إنه يَعدّ النبي محمدًا من أعاظم الرجال وأنه حل
معضلة سياسية هي تكوين دولة عظيمة من قبائل العرب ، وأنه يُجله ويؤدي له ما
يستحقه من التعظيم والتبجيل ، ولا يقصد بتأليف كتابه الدفاع عنه ، ولا إدانته كما
فعل غيره من كتاب المسلمين أو النصارى ، فليس من غرضه تفضيل الدين
الإسلامي على غيره ولا تقبيحه والطعن فيه ، ومَنْ علم أن هذا المؤلف عرف اللغة
العربية معرفة قلما يساويه أحد من الفرنج فيها ، واطلع على كثير من كتب
المسلمين يظن أن فهمه للإسلام وتاريخه أدق من أفهامهم ، فهو أجدر بالقدرة على
بيان الحقيقة ؛ ولكن قراءة بعض ما كتب تكفي للذهاب بهذا الظن .
يحول بين الإفرنج وفهم الإسلام وتاريخه أمور إذا سَلِمَ بعضهم من بعضها
فيندر أن يسلم منها كلها أحد ( منها ) تأثير ما تربَّوْا عليه ونُشِّئوا فيه من كراهة
الإسلام واحتقار المسلمين تعصبًا لدينهم ، ومَنْ خُتِمَ على شعوره ووجدانه من أول
نشأته بخاتم تعسَّر عليه فَضُّه ، فإن هو فضه تعسر عليه محو أثره ، وإن هو نزع
رِبْقَة التقليد ، آوى إلى ركن الاستقلال الشديد ، وناهيك إذا كانت حياته الاستقلالية
تؤيد ذلك الشيء لمصلحة سياسية ، وهذا هو الأمر الثاني وبيانه أن حرص
الأوربيين على الفتوح والتغلب وشَرَههم في الكسب من الشرق ، وما تُكنُّ صدورهم
من الضغن والحقد على جيرانهم من أهله ، كل ذلك مما يصرف أبصارهم عن
محاسن الإسلام حتى لا يكاد يقع بها إلا على ما يمكن انتقاده ، إلا أهل الإنصاف
الكامل الذين انسلخوا من تأثير التقاليد والسياسة ، ووَجَّهوا كل عنايتهم إلى معرفة
الحقائق وقليل ما هم .
( ومنها ) وهو الأمر الثالث سوء حال المسلمين في هذه القرون التي ارتفع
فيها شأن أوربا في السياسة والعلم والعمران فقد أمسى المسلمون حُجَّة على أنفسهم
وعلى دينهم كما بيَّنا ذلك مرارًا .
( ومنها ) ما تعوَّدوه من الجراءة على الحكم في المسائل التاريخية وكل ما
هو غير محسوس بالقرائن الضعيفة واستنباط الأمر الكلي من أمر جزئي واحد ،
واختراع العلل والأسباب للحوادث بمجرد الرأي والتحكم .
( ومنها ) عدم إتقانهم لفهم اللغة العربية وفنونها اللغوية والشرعية ؛ لأنهم لا
يتلقون كل فن عن الأساتذة الماهرين فيه ، وقد ينبغ المحصل لبعض العلوم باجتهاده
دون التلقي عن الأساتذة المهرة حتى يبرز على كثير ممن تلقى ذلك العلم ويظهر
فضله عليهم ، ثم هو يخطئ فيما لا يخطئ فيه مَنْ هو دونه في التحصيل من أهل
التلقي ، وقد سمعت رجلاً من أَعْلَمِ المستشرقين بالعربية وأدقهم فهمًا لها يقول : إن
المسلمين يقدمون الحديث على القرآن ، فأنكرت عليه ذلك فاحتج بكلام علي لابن
عباس ( رضي الله عنهما ) لما بعثوا للاحتجاج على الخوارج ، وهو : لا تخاصمهم
بالقرآن ، فإن القرآن حمال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن حاجّهم بالسُّنة فإنهم لن
يجدوا عنها محيصًا . اهـ . فقلت له : ليس المراد بالسُّنة هنا ما اصطلح عليه
المحدثون والفقهاء ، وإنما المراد بالسنة الطريقة التي جرى عليها النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه في العمل ، فهذه هي التي لا محيص عنها ؛ لأنها لا تحتمل
التأويل ولا القال والقيل ، وأما الأحاديث القولية فإن التأويل ينال منها كما ينال من
القرآن أو يكون أشد نَيْلاً ، ومن ذلك تأويل عمرو بن العاص الحديث الناطق بأن
عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية بقوله : إنما قتله مَنْ أخرجه يعني عليًّا ، فقال علي :
إذًا ما قتل حمزة إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه هو الذي أخرجه ، ولم نعلم أن
أحدًا من المسلمين قَويِّهم وضعيفهم متبعهم ومبتدعهم وَهِمَ من كلمة علي كرم الله
وجهه ما فهم هذا العالم المستشرق .
وجملة القول : أن المنصف من الأوربيين يعسر عليه أن يفهم الإسلام حق
فهمه بمجرد الوقوف على فنون العربية والاطلاع على كتبها ، فما بالك بغير
المنصف وغير المتقن ، وسترى فيما ننتقده على الدكتور مرجليوث أن السبب في
أكثر غلطه وخطئه في هذه السيرة هو التحكم في الاستنباط والقياس الجزئي وبيان
أسباب الحوادث ، كما هو شأنهم في أخذ تاريخ الأقدمين من الآثار المكتشفة واللغات
المنسية ، وأقله عدم فهم اللغة وإلا فهو من أعلمهم ومحبي الاعتدال فيهم ، وإننا نبدأ
بخير قوله وأقربه من الصواب .
ذكرنا ما قال في مقدمة الكتاب من أنه يَعدُّ النبي محمدًا من أعظم الرجال إلخ .
ومما عده له من المآثر غير تكوين دولة عظيمة من قبائل العرب أمران
عظيمان أحدهما وجوب حسم المسائل التي تتعلق بسفك الدماء بغير الحرب ،
والثاني أنه إذا ثارت الحرب يجب الحصول بسرعة على النتيجة لا أن تعاد الحرب
وتكرر دون جدوى ( راجع ص 55 ) منه .
ومما اعترف به أن النبي كان صادق الكُرْه للشعر والسجع ، قال : ولعل
السبب في ذلك أنه لم يتعلمهما ولم يكن للعرب من أساليب الإنشاء سواهما . قال هذا
في ص 60 وفيه رَدَّ على ما نقله في ص 55 ، عن ما يدور في قوله : إن أهل
البدو كانوا كثيري الاهتمام بتعلم اللغة وطلاقة اللسان في التعبير ، وأنه إن صح ذلك
فلا يبعد أن النبي مارس هذا الفن حتى نبغ فيه ، أقول : ولو كان النبي صلى الله
عليه وسلم عني بذلك أو مارسه لعُرِفَ ذلك ولظهر أثره في لسانه في سن الشباب
ولكن لم يًنقل عنه قبل النبوة شيء من ذلك قط ، ولم يكن يوصف بالفصاحة والبلاغة
بل كان يوصف بالصدق والأمانة وأحاسن الأخلاق فقول المؤلف هو الصواب .
ومما خلط فيه الثناء بالانتقاد قوله ( في ص 63 ) : إن النبي بين لقومه بيانًا
مؤكدًا أن الكسوف والخسوف لا يكونان لأجل امرئ مهما علا قدره ، ولكنه مع ذلك
عدهما أمرًا ذا بال وأنشأ لهما صلاة مخصوصة . ونقول : إن في بيانه هذا منقبة
غير مجرد بيان الحقيقة وتطهير العقول من الوهم ، وهي أنه لم يرض أن يعظم
شأنه بالباطل ، فقد قال ذلك يوم مات ولده إبراهيم عليه السلام ، وكَسَفَت الشمس
فظن الناس أنها كسفت لأجل موته ، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن الشمس
والقمر آيتان من آيات الله ، أي من دلائل حكمته وقدرته كما بين ذلك في آيات من
كتابه كقوله : { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } ( الرحمن : 5 ) وأنهما لا يكسفان
لموت أحد ولا لحياته ، والحديث في البخاري وغيره ، وأما أمره بذكر الله والصلاة
عند الخسوف والكسوف ، فذاك لأن أهم أغراض الدين التذكير بقدرة الله تعالى
وحكمته وتوجيه القلوب إليه بالشكر والدعاء ، وتأثر القلوب بذلك عند حدوث مظاهر
القدرة والحكمة والنظام ،أقوى وأكمل ؛ ولذلك كانت مواقيت الصلوات الخمس متعلقة
بما يحدث من التغيير في الطبيعة كل يوم وليلة كطلوع الفجر وزوال الشمس وميلها
وغروبها وزوال أثر ضوئها بمغيب الشفق ؛ ولذلك شُرع الذكر والدعاء أيضًا عند
نزول المطر ، فالدين يرشد الناس إلى ذكر الله تعالى عند كل حادث يذكِّر بقدرته
وحكمته كيلا ينسوه فتغلب عليهم حيوانيتهم فيفترس بعضهم بعضًا .
ومما اعترف به من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وحَارَ في تعليله
على اتساع دائرة التعليل عنده كما ستعلم ما قاله في ص 63 أيضًا وهو : أنه كان له
وسائل لمعرفة الأسرار نعجز عن إدراك حقيقتها ، وأن الطبيعة دون الحنكة أعطته
موهبة يُحسد عليها ألا وهي معرفة طبائع البشر ، فقلما أخطأ في معرفة أحد بل لم
يخطئ قط ، ونحن نقول : إن إله الطبيعة هو الذي فضله بذلك ليستعين به على
هداية البشر ، وقد كان ذلك ، وما النبوة إلا تخصيص إلهي غايته هداية الناس
وإخراجهم من الظلمات إلى النور فما هذه الحيرة في التعليل ، والانقطاع في وَسَط
السبيل .
ومما حار في تعليله وهو من هذا القبيل سبب شروع النبي صلى الله عليه
وسلم في دعوى الرسالة فقد قال ( في ص 72 ) يستفاد من تاريخ أشهر الرجال أن
بَدْءَهم بالأعمال العظيمة كان لأسباب معروفة تدعو إلى ذلك ، أما النبي فلا يعلم
سبب لبدئه في دعوى الرسالة : ونقول : لو كان هذا الأمر من قَبيل تأسيس الممالك
لكان يستحيل أن يقدم عليه العاقل من غير أسباب طبيعية تمهد له النجاح : ككثرة
المال والمواطأة مع الزعماء والأعوان وسائر أسباب القوة ، ولا عجب في ذلك فإنه
كان معتمدًا على خالق الأسباب والمسببات ، وفاطر الأرض والسموات ، الذي أمره
بالدعوة والتذكير ، على أنه هو الولي له والنصير .
وقال ( في ص 74 ) : إن عظمة النبي كانت في أمرين : أحدهما معرفة أن
الأمة العربية تحتاج إلى نبي ، وثانيهما جَعْل هذه المعرفة ذات أثر ، ونقول : إن
أمر النبوة لم يكن بمثل هذا التعمّل والتدبر والعمل والتدبير ؛ إذ لو كان كذلك لكان
الاعتماد فيه على الأسباب الطبيعية ، وقد تقدم آنفًا أنه لم يكن هناك أسباب ؛ إذ لو
كانت لعُرِفَتْ ؛ لأن الأسباب التي تأتي بأعظم المسببات لا تخفى .
وقال ( في ص 80 ) سؤالان لا يمكن الإجابة عنهما ( الأول ) كيف أَتَتْ
فكرة النبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل العربي دون سواه ( الثاني )
كيف صادفت فيه من الصبر والعزيمة وقوة العارضة ما تحققت به ؟ ولكن نقول كما
كان يقول كارليل من أيام ( تيوبال كين ) كان الماء يصل إلى درجة الغليان وكان
الحديد موجودًا ولم يوجد من تلك الربوات من الناس من يخترع الآلات البخارية
ونقول نحن : إنه ذهل عن الفرق العظيم بين اختراع الآلات البخارية وبين النبوة ،
فإن أول مَنْ لاحظ أن لبخار الماء قوة يمكن استخدامها للرفع والدفع مثلاً لم يهتد إلى
استخدامها في تسيير المراكب البحرية والبرية ونحو ذلك ، وإنما وصل الناس إلى
هذه الغاية بتدرج بطيء يبني فيه اللاحقون على ما وضع السابقون ، والنبي ادَّعَى
النبوة ، وجاء بالشريعة وقررها بالكتاب والعمل وجذب الناس ، فتم له تكوين دين
وشريعة وأمة أحدثت بهدايته دولة قوية ومدنية راقية .
وقال ( في ص 144 ) : إن النبي كان يعتقد في نفسه أنه كأحد أنبياء بني
إسرائيل . ونقول : إن هذا ينافي ما زعم في غير موضع من أنه قام بهذا الأمر عن
فكر وتدبير ، وأنه كان يتعلم ويستفيد ويدعي أن ما استفاده من الناس وحي
من الله .
ومما أَعْياه تعليله فأحاله على الغيب ما تراه ( في ص 368 ) من قوله : لا بد
أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم وسائط سِرِّيَّة لمعرفة الأخبار بسرعة غريبة ،
يعلل بذلك ما كان يقوله صلى الله عليه وسلم بالوحي والإلهام ، ولو كان هناك
وسائط لَمَا خفيت عن أولئك الأذكياء الذين كانوا معه ، وكان ذلك كافيًا لانفضاضهم
من حوله ، وعدم بذل أرواحهم في سبيل دعوته .
ومما مدح به وأثنى قوله في ( ص458 ) : إن النبي نهى عن التعذيب
والتمثيل الذي لم تُحرّمه أوربا إلا حديثًا . ونقول : إنها وإنْ حرّمته في بلادها ؛ لأن
الأمة قويت على السلطة فيها فهي تبيحه أحيانًا في غير بلادها ، فهي لم تتمكن من
هذه الفضيلة تمام التمكُّن .
هذا جُلّ ما أنصف فيه وسدد وقارب ، وسنذكر نموذجًا من خطئه في تاريخ الحوادث وبيان تعليلها وأسبابها .
 
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
إن القول أن مارجيليوث من المستشرقين المنصفين الذين كتبوا في التاريخ الإسلامي ليس على إطلاقه، فلا ندري الأهداف الخفية وراء كتاباته تلك .
فقد أثر مارجليوث في واحد من أبناء جلدتنا ويتكلم بلغتنا الدكتور الذي قيل أنه عميد الأدب العربي "طه حسين" خاصة في كتابه في الشعر الجاهلي الذي جاء فيه تشكيكات صريحة في القرآن الكريم.
 
نعم اختنا بارك الله فيكم
النص للشيخ محمد رشيد رضا، وهذا تقريبا هو النص الوحيد له ,الذي وجدته وانا اتصفح سنوات مجلة المنار حتى عام 1905، وأنا مضيت في تتبع كل مافي المجلة حتى هذه السنة، بل حتى نوفمبر - 1909م-وأضع ماأراه مناسبا منها، في موضوعنا، في الملتقى المفتوح، وما خُبرته حتى الآن من مجلة المنار أي حتى العام الذي فيه هذه المقالة او بالأحرى حتى عام 1909م، هو أن رشيد رضا دخل في صراع مبكر مع الصوفية المنحرفة، ومع الفكر العلماني، وكتب عن محمد علي وعن الحركة الوهابية وأنصفها هنا، وعن الخلاقة، والحرب الأوروبية الداخلية وحربها مع تركيا، وتربصها بالإسلامية مع وجود إحتلال في البلاد، وتكلم عن المجلات المنتشرة يومذاك وقدم لبعض الكتب في التقاريظ ومنها كتب لفرح اطون وجورجي زيدان وقاسم أمين وعلق أحيانا على بعضها،(مع الإشارة هنا أنه لم يعجبني موقف رشيد رضا من كتاب قاسم أمين المرأة الجديدة خصوصا أن قاسم أمين تغرب كثيرا في هذا الكتاب- وتكلم عن الثورة العرابية، وعن كرومر وعن السودان وعن تاريخ الأستاذ الإمام وعن الأفغاني، وعن شبلي شميل أخيرا،وقبل نهاية 1909 ارسل شميل رسالة للمنار ورد عليها رشيد رضا ويبدو أن المرحلة التالية هي مرحلة الصراع القوي وان الرود المطولة-التي بدأت في الحقيقة منذ عام 1904- سيزداد وقعها ولابد أننا سنقرأ ردودا على طه حسين ومن ثم مرجليوت أو مرجليوث ومن ثم طه حسين، وهذا يعني ايضا زيادة خبرة رشيد رضا وزيادة قراءاته فما رأيته كانت زيادة قراءات في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقد رأيت أن الرافعي بدأ يكتب بنفسه في المنار ثم بعض الكتاب غير المشهورين الآن،اقصد غير المشهورين اليوم مثل مصطفى الغلاييني وله كتاب عظيم في الرد على كرومر فأنا عزمت على قراءة المجلدات وعزل اختيارات منها، وبعضها أضعه في الملتقى المفتوح، أما هذه المقالة فقد آثرت وضعها هنا، لأني استشرف معركة على صفحات المجلة تظهر من خلالها ماتتوقين إليه من زيادة خبرة ومعلومات وردود، كما رأيت ذلك بنفسي مع موقف رشيد رضا من قاسم أمين فبدأ بتقريظ لكتابه تحرير المرأة منذ سنوات مع بعض النقد الخفيف كعادة المنار في التقاريظ، ثم بدأ الرد المطول، وربما كان ذلك بتحرض من بعض القراء.
علينا أن ننتظر -لنرى إن كان هناك من مزيد أم لا، وأي إضافة في الموضوع سأضعها هنا حتى يكتمل الملف، وقد صنعت بنفسي بعض الملفات، عن مثلا، كرومر، وعن قاسم أمين ، وعن جورجي زيدان، وفرح انطون وملف ورد من كتاب الاسلام والنصرانية لمحمد عبده، وسيكون ملف مرجليوث هنا إن شاء الله.
جزاكم الله خيرا على التنبيه والمشاركة الملفتة.
 
رجب - 1326هـ
أغسطس - 1908م​
الكاتب : محمد رشيد رضا
_
تقريظ المطبوعات الجديدة

( إرشاد الأريب ، إلى معرفة الأديب )
المعروف بمعجم الأدباء ، أو : طبقات الأدباء :
مؤلف هذا الكتاب هو أبو عبد الله ياقوت : الحموي المولد ، البغدادي الدار ,
الروميّ الجنس , صاحِبُ كتاب معجم البلدان المشهور . كان غلامًا لتاجر حموي
علمه ليكون عونًا له في تجارته , ثم أعتقه وتركه مدّة , ثم استعمله في تجارة سفره
بها , فلما عادَ كان مولاه قد تُوُفِّيَ , فأعطى أولاده وزوجته شيئًا مما كان بيده
فأرضاهم واتّجر بالباقي , وجعل بعض تجارته كتبًا , فكانت عونًا له على ما تَصْبُو
إليه نفسُه مِن العلم لا سِيَّمَا التاريخ والأدب . فألف مؤلفات كثيرة في ذلك أشهرها
معجم البلدان , ومعجم الأدباء الذي ذكر ابن خِلِّكان أن اسمه ( إرشاد الألباء إلى
معرفة الأدباء ) ولكننا أهدينا منذ أشهر المجلد الأول منه مطبوعًا طبعًا متقنًا على
ورق جيد , وإذا باسمه الذي كتب عليه ( إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ) وكان
بعض النسخ كتب عليها هذا الاسم , وبعضها كتب عليها ذاك .
موضوع هذا المعجم تراجم مَن كانوا يعرفون بالأدباء في تلك العصور ،
قال المؤلف في فاتحته ( ص 5 ) : ( وجمعْتُ في هذا الكتاب ما وَقَعَ إليّ مِن
أخبار النَّحْوِيِّين واللغويين والنّسّابِين والقُرّاء المشهورين والإخباريّين والمؤَرّخِين
والورّاقِين المعروفين ، والكُتّاب المشهورين ، وأصحاب الرسائل المدوّنة ، وأرباب
الخطوط المنسوبة والمعينة ، وكل مَن صَنَّفَ في الأدب تصنيفًا ، أو جمع في فنّه
تأليفًا ، مع إيثار الاختصار والإعجاز ، في نهاية الإيجاز ، ولم آلُ جهدًا في إثبات
الوفيات ، وتبين المواليد والأوقات ، وذكر تصانيفهم ومستحسن أخبارهم ، والإخبار
بأنسابهم وشيء من أشعارهم إلخ ) فالكتاب من أحسن دواوين التاريخ والأدب ,
وقد كان كنزًّا مخفيًّا فأظهرته همة أوربية . ذلك أن رجلاً من الناشئين في البلاد
الإنكليزية اسمه إلياس جب كان مغرمًا بدرس العلوم والتواريخ العربية والتركية
والفارسية , ثم مات في الخامسة والأربعين مِن سِنِّهِ , فوقّفَتْ أُمّه مالاً عظيمًا على
إحياء الكتب الشرقية التي كان مشتغلاً بها يصرف ريعه في ذلك , وعهدت بالعمل
إلى لجنة من الرجال القادرين عليه , وقد شرعت اللجنة بطبع هذا الكتاب بعدما
عُنِيَ الدكتور مرجليوث العالم المستشرق الشهير بتصحيحه , وقد أهدتنا الجزء الأول
منه , فإذا فيه بعد الفاتحة فصلان في علم الأدب وعلم الأخبار , يتلوهما باب
الهمزة , وهو يبتدئ باسم آدم بن أحمد الهرمي وينتهي باسم أحمد بن علي بن المعمر
وصفحاته تزيد على أربع مائة , منها ترجمة أبي العلاء المعري في 43 صفحة ,
فنشكر لجميع العاملين في إحياء هذا الكتاب وأمثاله فضلهم , ونخص بالذِّكْرِ
المُصَحِّح , ونرجو أن يُعْنَى طابعو الكتب في مصر ولو بعض هذه العناية في
التصحيح والإتقان .


 
الكاتب : أحمد أفندي الألفي
ذو القعدة - 1327هـ
ديسمبر - 1909م​
من مجلة المنار
الصديق وميراث النبي صلى الله عليه وسلم
[*]

سيدى الدكتور مرجليوث :
إليك ما وعدتك في جواب عن تذكرتك من الملاحظة على بعض ما جاء في
انتقادك لكتاب بلاغات النساء الذي شرحته وطبعته .
( 1 ) جاء في انتقادك أن الكتاب لم يذكره ياقوت في مؤلفات ابن أبي طاهر
وأنه قد يكون هو كتاب المستظرفات .
وأفيدك : أنَّ بلاغات النساء هو الجزء الحادي عشر من كتاب المنظوم
والمنثور لابن أبي طاهر ، أسماه باسم خاص به هو اسم بلاغات النساء .. إلخ ،
وقد اخترت نشره بهذا الاسم ؛ لأنه خير عنوان لمشتملاته ، وأدعى لإلفات النظر
إليه ، فإن غرضي من نشره هو مساعدة الحركة العاملة عندنا لترقية المرأة ، وترى
عقب المقدمة التي وضعناها للكتاب إشارة إلى ذلك فلتراجع هذا ، وإن كتاب
المنظوم والمنثور ذكره ياقوت في مؤلفات ابن أبي طاهر ( راجع معجم الأدباء ) .
( 2 ) ثم جاء في الانتقاد : أنَّ إخراج أبي بكر لفاطمة من ميراث أبيها ، كان
يقينا بتحريض عائشة التى لم تسامح عليًّا قط ؛ فيما كان له من اليد في
حديث الإفك ! !
أقول : إن أنباء الحوادث لا تثبت إلا من طريق النقل ، وهذه كتب التاريخ
كلها خلو من ذكر ما حسبته يقينًا ، ولم يشر إليه في واحد منها لا تصريحًا ولا
تلميماً ، فتفردك بقول في حادثة مضى عليه 13 قرنًا موضع نظر !
إن الفكر لا يلجأ إلى الاستنتاج العقلي لمعرفة السبب في حادثة تاريخية ، إلا
إذا خلت روايتها من ذكره على وجه صريح معقول ، وليس ذلك في حادثتنا فإن أبا
بكر لم يخرج فاطمة من الميراث إلا أخذًا بقول أبيها صاحب الشريعة الإسلامية :
( لا نورث ما تركناه فهو صدقة ) وقد اقتنعت فاطمة وَآلُهَا وأشراف الأمة حينئذ
بصحة هذا القول ، وأقروا العمل به وقبلوه .
إن مثلك لا يند عنه معرفة قوة سلطة الدين على منتحلين في إِبَّان نشأته ، كما
كان ذلك في عهد تلك الحادثة حينئذ ، والعرب على فطرتهم البدوية وسذاجتهم
الطبيعية ، فلا يمكن أن يلتئم مع ذلك أن يجنح أبو بكر إلى هضم إنسان حقه
بتحريض محرض ، وأنْ يقره على ذلك الباطل أعيان الأمة ، وأن يخفي كل ذلك
على رواة التاريخ فيغفلوه .
إن العيان يكذب أنَّ الموجدة الشخصية تكون سببًا في أن يمنع الإنسان غيره
من حقه ، فإن كثيرًا من المتعاملين ، يجني بعضهم على بعض ، ومع ذلك فقل أن
يكون ذلك سببًا للجسارة على أن يهضم إنسان حق آخر خصوصًا ، إذا كان صريحًا
كما في مسألة الميراث في تلك الظروف .
إن عليًّا لم تكن له يد في حديث الإفك ، وإنما صدر عنه رأي في تخفيف وقعه
على محمد ، وإليك ما نسبته عائشة نفسها إلى علي في هذا الشأن ، وقد نقلته عن
كتاب البخاري أصح كتب الرواة الإسلاميين بالإجماع ، قالت :
( ثم أصبحت فدعا رسول الله علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد
يستشيرهما في فراقي ؛ فأما علي فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء
سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعاها رسول الله فقال لها : يا بريرة ، هل
رأيت فيها شيئًا يريبك ؟ فقالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، ما رأيت منها أمرًا
أغمصه عليها قط
وقد طُوي حديث الإفك بأسبابه ونتائجه ؛ لما تحققت براءة عائشة حتى إن أبا
بكر أعاد صدقته على مسطح أحد القائلين فيه ، وكان قطعها عنه أثناءه .
إن عائشة لم يكن لها في حياة أبي بكر وعمر إلى أواخر زمن عثمان دخل في
شئون الأمة العامة ، وبعيد أن يحصل منها تحريض في مسألة الميراث يخفى خبره
على رواة الأخبار ، حتى لا يذكره منهم ذاكر ؛ ويجوز باطله على أعيان الأمة في
ذلك الحين ، لا يجهر بالحق منهم جاهر .
إن الميراث لم يكن راجعًا إلى علي ، حتى تندفع عائشة بدافع موجدتها منه ،
فتحرض أباها عليه فيه ، بل الميراث ميراث فاطمة والعباس عم النبي وأزواج
الرسول ومنهن عائشة .
جاء في تاريخ الطبري رواية عن عائشة نفسها :
أن فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يطلبان ميراثهما من رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر :
أما إني سمعت رسول الله يقول : لا نورث ما تركناه فهو صدقة ، إنما يأكل آل
محمد من هذا المال ، وإني والله لا أدع أمرًا رأيت رسول الله يصنعه إلا صنعته .
لو لم تقتنع فاطمة والعباس بحجة أبي بكر ، أو لو أحسا بأن الدافع إليه حقد
يضم جوانحه عليه ، لأبت لهما أنفتهما العربية وهما هما صفوة بني هاشم ،
وعزتهما الإسلامية وهما هما آل الرسول وبجانبهما علي وشيعته ؛ أن يستخذيا
للباطل ، ولأثارا على أبي بكر غارة شعواء لا قبل له بها .
قد كان علي ينفس على أبي بكر منصب الخلافة ، ولكن منعه دينه أن
يتعرض لخليفة سلك مسلك الحق ، ولو وجد علي في عمل أبي بكر منفذًا يدخل
عليه منه لما ونى ، وقد أراده أبو سفيان رأس بني أمية ( راجع الطبري ) على
مناوأة أبي بكر ، فاستعصم علي لعدم المسوغ ، وأي مسوغ كان أدعى من أن يجبر
أبو بكر على منع فاطمة بنت رسول الله والعباس عم رسول الله ميراثهما بتحريض
عائشة ؟
إن أبا بكر في حسن سياسته وقوة إيمانه أجل قدرًا ، وأرجح رأيًا ، من أن
يندفع بالباطل لمنع آل الرسول حقهم الصريح ، وسيرته تترفع بقارئها عن أن يظن
به ذلك ؛ خصوصًا أن أبا بكر لما ولي الخلافة تخلف عن بيعته من تخلف ، وارتد
عن الإسلام من ارتد ، فكان إزاء نارين فارتأى بحكمته مداراة المتخلفين ، حتى
سكتوا عنه وراجعوه ، وعزم بحزمه حرب المرتدين حتى انصاعوا إليه ، فكيف مع
هذه الظروف يجسر على منع رؤوس بني هاشم وآل الرسول حقهم بالباطل ؟ وبعيد
جدًّا أن يغلبوا على حقهم الصريح بغالب الباطل والغرض ، مع قدرتهم على
المقاومة لو أرادوا ، وبعيد جدًّا أنْ يقر العرب أجمع أبا بكر على باطل ارتكبه بدافع
التحريض ، وهم الذين أنكروا على عثمان توليته بعض مناصب الدولة لأحداث
قومه حتى قتلوه .
لو أن حادثة الميراث غير معلومة السبب ، وكان لابد من تلمس العلة فيها ،
لكان خير رأي يتفق مع طبيعة ذلك العصر وظروف هؤلاء الناس ? أن يقال : إن
أبا بكر أراد بتقرير أن النبي لا يورث ؛ توهين اعتماد علي في أحقيته بالخلافة
على قرابته من النبى ؛ لأنه إذا كان النبي لا ترثه قرابته في عقار وهو ملك
خصوصي ، فبالحري ، أو بالأولى أن لا تتخذ قرابته وصلة للأحقية في أمر
عمومي .
( 3 ) أما إسناد خطبة فاطمة فإن ملاحظتك عليه صحيحة ، والصواب أن
زيدًا الذى سأله ابن أبي طاهر ليس هو زيد بن علي المتوفى سنة 122 ، بل هو
زيد حفيده كان معاصرًا لابن أبي طاهر المتوفى سنة ( 280 ) . وقد روى ابن أبي
طاهر عنه غير هذه الخطبة كما ورد في صفحة 162 من الكتاب ذاته ؛ إذ قال :
حدثني زيد بن علي بن حسين بن زيد العلوي , فزيد العلوي هذا هو المتوفى سنة
122 ، وهو من أجداد زيد المعاصر لابن أبي طاهر .
وعليه فيكون قد سقط من إسناد خطبة فاطمة ثلاثة رجال خطأ من الناسخ
للنسخة الخطية التى طبعت عنها هذا الكتاب .
هذه ملاحظاتي أقدمها مع الثناء الجميل لك ، وإعجابي الزائد بفضلك ، وأود
أن تنشرها في المجلة التى نشرت فيها تقريظ الكتاب ، حتى يطلع عليها قارئو
التقريظ ، فلا يفوتهم ما جاء فيها من التصحيحات والملاحظات ، أرجو أن ترسل
لي نسخة من العدد الذى تنشر فيه ، وعلى كل حال أحب أن تتفضل بإفادتي عن
رأيك فيها ، فإن الحقيقة بنت البحث ، وهى ضالتنا المنشودة جميعًا .
__________
(*) كتاب لأحمد أفندي الألفي بعث به إلى الدكتور مرجليوث المدرس بجامعة أكسفورد ؛ ردًّا على ما تعرض له بتقريظه كتاب بلاغات النساء من اتهام الصديق - رضي الله عنه - بحرمان فاطمة عليها السلام من ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم ؛ إجابة لتحريض عائشة رضي الله عنها ، وقد بعث به لننشره بمناسبة ما أثبتناه في التفسير من الإفاضة في الموضوع ، راجع (ص727- 734) من هذا المجلد .​
(12/868)
 
عودة
أعلى