كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة - لمحمود الرضواني

كتب المؤلف في مقدمة كتابه المذكور أعلاه :

" جاءت خطة البحث في إحصاء الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة على النحو التالي:
المقدمة: واشتملت على أهمية الموضوع وخطة البحث .
الباب الأول: تمييز الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .
وقد اشتمل على المحاور التالية:
— أسماء الله الكلية وإحصاء الأسماء الحسنى .
— الجمع بين رواية ابن مسعود ورواية أبي هريرة .
— ظهور الأسماء الحسنى مرتبط بمقتضى الحكمة الإلهية .
— رأي ابن القيم في مقتضى الأسماء الحسنى .
— شروط الإحصاء وجهود المعاصرين في جمع الأسماء .
— الشرط الأول ثبوت النص في القرآن أو صحيح السنة .
— الشرط الثاني علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية .
— الشرط الثالث إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد .
— الشرط الرابع دلالة الاسم على الوصف .
— الشرط الخامس دلالة الوصف على الكمال المطلق .
— اللؤلؤة الفضلى في نظم أسماء الله الحسنى .
— الأسماء المدرجة في الروايات وتمييزها بشروط الإحصاء .
الباب الثاني: الإيمان بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .
وقد اشتمل على المحاور التالية:
— منهج السلف في العقيدة وأثره في الإيمان بأسماء الله الحسنى .
— موقف السلف ممن عطل دلالة الأسماء على الصفات .
— أزلية الأسماء والصفات الإلهية .
— القول في مسألة الاسم والمسمى .
— دلالة الأسماء على العلمية والوصفية .
— جلال أسماء الله الحسنى .
— اسم الله الأعظم ودلالته على الصفات .
— قصص واهية حول الاسم الأعظم .
— الروايات الثابتة في الاسم الأعظم .
— دلالة اقتران الأسماء الحسنى على الصفات .
— هل الأسماء مشتقة من الصفات أم العكس؟
— أنواع الدلالات وتعلقها بالأسماء والصفات .
— موقف المسلم من الأسماء المشهورة التي لم تثبت .
الباب الثالث: الدعاء بأسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .
وقد اشتمل على المحاور التالية:
— دعاء المسألة والعبادة لغة واصطلاحا .
— المقصود بدعاء المسألة ودعاء العبادة .
— دعاء المسألة أعلى أنواع التوسل إلى الله .
— أنواع دعاء المسألة وتعلقها بالأسماء الحسنى .
— آداب دعاء الله بأسمائه دعاء مسألة .
— الشرك في الدعاء والإلحاد في الأسماء .
— دعاء العبادة ومقتضى الأسماء الحسنى .
— التفاضل والتكامل بين دعاء المسألة ودعاء العبادة .
— حكم تسمية العباد بأسماء الله الحسنى .

الباب الرابع: مراتب الإحصاء لكل اسم من الأسماء .
وقد اشتمل على دراسة موسوعية لكل اسم من الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، وقد تضمنت المحاور التالية:
أولا: الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه .
ثانيا: شرح الاسم وتفسير معناه .
ثالثا: دلالة الاسم على أوصاف الله .
رابعا: الدعاء بالاسم دعاء مسألة .
خامسا: الدعاء بالاسم دعاء عبادة .
أما الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة والتي شملتها الدراسة الموسوعية فبيانها على النحو التالي: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الأَوَّلُ الآخِرُ الظَّاهِرُ البَاطِنُ السَّمِيعُ البَصِيرُ المَوْلَى النَّصِيرُ العَفُوُّ القَدِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ الوِتْرُ الجَمِيلُ الحَيِيُّ السِّتيرُ الكَبِيرُ المُتَعَالُ الوَاحِدُ القَهَّارُ الحَقُّ المُبِينُ القَوِيُّ المَتِينُ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الشَّكُورُ الحَلِيمُ الوَاسِعُ العَلِيمُ التَّوابُ الحَكِيمُ الغَنِيُّ الكَرِيمُ الأَحَدُ الصَّمَدُ القَرِيبُ المُجيبُ الغَفُورُ الوَدودُ الوَلِيُّ الحَميدُ الحَفيظُ المَجيدُ الفَتَّاحُ الشَّهيدُ المُقَدِّمُ المُؤخِّرُ المَلِيكُ المُقْتَدِرْ المُسَعِّرُ القَابِضُ البَاسِطُ الرَّازِقُ القَاهِرُ الديَّانُ الشَّاكِرُ المَنانَّ القَادِرُ الخَلاَّقُ المَالِكُ الرَّزَّاقُ الوَكيلُ الرَّقيبُ المُحْسِنُ الحَسيبُ الشَّافِي الرِّفيقُ المُعْطي المُقيتُ السَّيِّدُ الطَّيِّبُ الحَكَمُ الأَكْرَمُ البَرُّ الغَفَّارُ الرَّءوفُ الوَهَّابُ الجَوَادُ السُّبوحُ الوَارِثُ الرَّبُّ الأعْلى الإِلَهُ، وقد رتبت ترتيبا اجتهاديا حسب اقتران ورودها في النصوص القرآنية والنبوية مع مراعاة تقارب ألفاظها وسهولة حفظها .
خاتمة البحث: واشتملت على ما يلي:
— النتائج المتعلقة بتمييز الأسماء وكيفية التعرف عليها.
— النتائج المتعلقة بشرح الأسماء وتفسير معانيها .
— النتائج المتعلقة بدلالة الأسماء على الصفات .
— النتائج المتعلقة بدعاء المسألة .
— النتائج المتعلقة بدعاء العبادة .
— تعقيبات وتعليقات على إحصاء الأسماء الحسنى " .
 
بسم الله الرحمن الرحيم


هذا رابط كتاب الدكتور محمود عبد الرازق الرضواني : أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة


كتاب أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة.rar - 4shared.com - online file sharing and storage - download


جاء في كتاب الرضواني :


· شروط الإحصاء وجهود المعاصرين في جمع الأسماء:

علمنا أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيين الأسماء الحسنى أو سردها في نص واحد وأن سر الأسماء في حديث الترمذي مما جمعه الوليد بن مسلم باجتهاده أو عن شيوخه من أهل الحديث، وقد ذكر ابن الوزير اليماني أن تمييز التسعة والتسعين يحتاج إلى نص متفق على صحته أو توفيق رباني، وقد عدم النص المتفق على صحته في تعيينها؛ فينبغي في تعيين ما تعين منها الرجوع إلى ما ورد في كتاب الله بنصه أو ما ورد في المتفق على صحته من الحديث (1) .

ويضاف إلى ما ذكره ابن الوزير ضرورة استخراج الشروط أو القواعد أو الضوابط المنهجية التي حملتها النصوص القرآنية والنبوية في تمييز الأسماء الحسنى والتعرف على العلة في إحصاء كل اسم منها؛ لأن كثيرا من الذين اعتمدوا في منهجهم على تتبع الأسماء الحسنى التي نص عليها الكتاب ووردت في صحيح السنة استبعدوا أسماء يقتضي منهجهم إدخالها، وأدخلوا أسماء يقتضي المنهج إخراجها، فالعملية البحثية الاستقصائية الشاملة المبنية على تتبع ما ورد في الكتاب والسنة ينبغي أن تكون محكومة بضوابط علمية وشروط منهجية يجب التزامها في عملية الجمع والإحصاء .

ومن أفضل من جمع الأسماء الحسنى حتى عصرنا الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في كتابه القيم ــ القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ــ حيث اعتمد في منهج الإحصاء على تتبع ما ورد في القرآن وصحيح السنة من غير أن يذكر شروطا معلنة أو ضوابط محددة، غير أنه استبعد أسماء كان ينبغي إدخالها على مقتضى منهجه في الحصر كاسم الله الديان والمسعر والرازق والستير والمالك، مع أن اسم الله الديان ثبت في نص صحيح، وإن كان معلقا عند البخاري إلا أنه موصول ثابت صحيح عند غيره كما سيأتي بيانه .

وكذلك اسم الله المسعر والرازق وردا مع القابض الباسط في أكثر من حديث صحيح، فأدخل الشيخ اسمين اثنين واستبعد اثنين دون ذكر علة أو سبب، وكذلك اسم الله الستير ورد مع اسمه الحيِيِّ في نص واحد صحيح فأدخل أحدهما واستبعد الآخر دون بيان السبب في ذلك، واسم الله المالك ورد مطلقا في السنة ومضافا في القرآن ولم يدخله الشيخ في الأسماء، وأدخل اسم الله العالم والحافظ والمحيط والحفي مع أن هذه الأسماء إنما وردت مضافة أو مقيدة، والشيخ رحمه الله نبه على علة تردده في إدخال اسم الله الحفي فقال: ( وإن كان عندنا تردد في إدخال الحفي لأنه إنما ورد مقيداً في قوله تعالى عن إبراهيم u: { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [مريم:47] ) (2)، مما يشعر بمفهوم المخالفة أن العالم والحافظ والمحيط أسماء وردت مطلقة وهي ليست كذلك .

كما أن إدخال هذه الأسماء المضافة أو المقيدة يؤدي إلى ضرورة إدخال جميع الأسماء التي تركها الشيخ رحمه الله كالبديع والفاطر والنور والغافر والسريع والواسع والفالق والجامع والقابل والزارع والمنزل والبالغ والجاعل والكاتب والمتم والحاسب والخليفة والصاحب والمقلب والمحيي والماهد والمرسل والمبتلي والمخرج والهادي والمخزي والمستعان والشديد والعلام والكفيل والمنتقم، وغير ذلك من الأسماء المضافة أو المقيدة، والقصد أن الشيخ رحمه الله لم يبين منهجا يلتزمه في الجمع والإحصاء غير أنه اعتمد على مجرد ورود النص فقط، وهذا وحده لا يكفي لتمييز التسعة والتسعين كما ذكرنا آنفا، وقد وافق جمعه أربعة وتسعين اسما مما ورد في بحثنا .

وكذلك الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله في كتابه قطف الجنى الداني استبعد اسم الله المسعر والقابض والباسط والرازق، أو بمعنى آخر استبعد الأسماء التي وردت في الحديث الصحيح الذي رواه أصحاب السنن من حديث أنس t أنه قال: ( قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ غَلاَ السِّعْرُ فَسَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ، وإني لأَرْجُو أَنْ أَلْقَي اللهَ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يُطَالِبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي دَمٍ وَلاَ مَالٍ ) (3) .

ويصعب القول بأن الشيخ حفظه الله لم يصل علمه إلى وجود الحديث في السنن أو أنه لم يصح عنده؛ لأنه ذكر في جمعه وإحصائه اسم الله المحسن استنادا إلى الحديث الذي رواه الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حَكمْتم فاعْدِلوا، وإذا قَتَلتم فأحْسِنوا؛ فإنَّ الله عَز وجَل محْسِن يحبُ الإحْسَان ) (4) .

والمنهج العلمي يقتضي المساواة في الحكم، لأنه طالما أدخل الباحث في جمعه وإحصائه اسما واحدا محتجا فيه بحديث صحيح رواه الطبراني؛ فإنه من باب أولى لا ينبغي أن يترك حديثا ثابتا صحيحا رواه أصحاب السنن لا سيما وهو مشتمل على أربعة أسماء وردت مطلقة معرفة، ودالة بالمطابقة على ذات الله وأوصاف الكمال التي اتصف بها رب العزة والجلال، وإلا اعتبر ذلك خللا علميا وقصورا منهجيا .

كما أن هذا الحديث الذي تركه الشيخ حفظه الله من الشهرة بمكان فهو الدليل الوحيد على اسمين مشهورين ضمن ما أدرجه الوليد بن مسلم عند الترمذي من الأسماء التي يحفظها الناس منذ أكثر من ألف عام، وهما القابض والباسط؛ فلم يردا في القرآن أو السنة اسمين إلا في هذا الحديث .

ومن الأسماء التي تركها الشيخ عبد المحسن أيضا اسم الله الجواد والمالك مع ثبوت هذه الأسماء في صحيح السنة، وأدخل حفظه الله في المقابل اسم الله الهادي والحافظ والكفيل والغالب والمحيط مع كونها وردت مضافة أو مقيدة، ويلزمه على ذلك إحصاء جميع ما تركه من أنواع المضاف المقيد في القرآن والسنة، وعلى أي حال فقد وافق جمعه ثلاثة وتسعين اسما من الأسماء التي وردت في بحثنا (5) .

وفي أطروحته العلمية المتميزة التي تناول فيها دراسة أسماء الله الحسنى استبعد الشيخ عبد الله صالح الغصن حفظه الله اسم الله المعطي والمالك والسيد والمسعر وأدخل بدلا منها اسمه العالم والهادي والمحيط والحافظ والحاسب، مع أن ما استبعده ثابت صحيح مطلق، وما أدخله في جمعه وإحصائه مضاف أو مقيد (6) .

ويبدوا أن ضابط التقييد والإطلاق عنده فيه نظر حيث يقول في الفصل الثاني المعنون بضوابط في تمييز الأسماء الحسنى عن غيرها، البند الرابع: ( ما ورد مقيدا أو مضافا من الأسماء في القرآن أو السنة فلا يكون اسما بهذا الورود مثل اسم المنتقم فلم يرد إلا مقيدا في قوله تعالى: { إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ } [السجدة:22]، وفي قوله: { إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } [إبراهيم:47]، وما ورد مضافا مثل قوله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الرعد:9]، وقوله تعالى: { اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة:257]، فلا يؤخذ الاسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أخر، فيؤخذ اسم العالم من قوله تعالى: { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [الأنبياء:81]، ويؤخذ اسم الله الولي من قوله تعالى: { وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ } [الشورى:28]، وإذا ورد في الكتاب والسنة اسم فاعل يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فهذا لا يكون من الأسماء الحسنى لأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات، ولا تدل على معنى خاص؛ مثل مجري السحاب هازم الأحزاب الزارع الذارئ المسعر ) (7) .

ومما يلاحظ أنه حفظه الله جعل كل اسم مضاف أو مقيد غير داخل في جمعه وإحصائه كمنهج ملزم للتعرف على الأسماء الحسنى، وهذا بالفعل شرط من الشروط المعتمدة في البحث والتي قام عليها الدليل، لكن الشيخ حفظه الله لم يطبق هذا المنهج في جميع الأسماء التي جمعها أو حتى الفقرة السابقة التي ذكرها، فمن الأسماء التي أدخلها اسم الله العالم والهادي والمحيط والحافظ والحاسب وهي مضافة أو مقيدة، أما العالم والمحيط فالتقييد اللفظي بالباء ظاهر فيهما، وهذه الأسماء مقيدة أيضا بحال الكمال لاحتمال معنى الباء الحلول والظرفية كما في قوله: { وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [الأنبياء:81]، وقوله U: { وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً } [النساء:126] .

وأما اسمه الهادي فقد ورد في جميع المواضع مقيدا بالإضافة كما في قوله: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيرا ً } [الفرقان:31]، والمعنى كفاك ربك هاديا لك ونصيرا، نصب على الحال أو التمييز أي يهديك وينصرك فلا تبال بما عاداك (8)، وما قيل في اسم الله الهادي يقال أيضا في اسمه الحاسب؛ فقد ورد مقيدا في قوله: { وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47]، وقوله: { أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } [الأنعام:62]، وأما اسم الله الحافظ فلم يرد مطلقا وإنما ورد مقيدا في نصوص كثيرة كقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9]، وقوله عز وجل: { فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [يوسف:64] .

وأما ما ذكره في استبعاد اسم الفاعل الذي يدل على نوع من الأفعال ليس بعام شامل وأنه لا يكون من الأسماء الحسنى وتعليله ذلك بأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدل على الذات ولا تدل على معنى خاص، ثم ضرب لذلك أمثلة بمجري السحاب وهازم الأحزاب والزارع والذارئ والمسعر فهذا أمر فيه نظر؛ لأن الأسماء الحسنى جميعها تدل بالمطابقة على الذات والوصف معا؛ فهي علمية ووصفية وليست أعلاما مجردة، وهي مترادفة باعتبار دلالتها على الذات ومتنوعة باعتبار دلالتها على الصفات .
كما أن اسم الفاعل هو ما يدل على التجدد والحدوث دون النظر إلى العموم أو الخصوص كالخالق والقاهر والرازق والشاكر والمالك والقادر وغير ذلك من الأسماء المشتقة من الأفعال؛ فهذه أسماء تحدث أثارها في المخلوقات بمقتضيات الزمان والمكان وإظهار حكمة الله في ابتلاء كل إنسان .

وكذلك المسعر اسم عام لا يظهر أثره في سلعة واحدة بل في كل السلع تدبيرا ورزقا وقبضا وبسطا لكل ما يتفاعل معه الإنسان في بيعه وشرائه، وليس الاسم مرتبطا بسلعة معينة أو مقيدا بزمان مخصوص أو بمكان دون آخر بحيث يمكن القول إنه نوع من الأفعال ليس بعام ولا شامل، كما أن الاسم لا يظهر أثره في البيع والشراء فقط بل يتعلق أيضا بمشيئة الله في إظهار أثر عدله وحكمه في الآخرة، وذلك بتسعير النار وزيادتها على من كفر بربه وتمادى في شركه ومات ظالما لنفسه مصرا على ذنبه دون إنابة أو توبة، قال تعالى: { وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [الإسراء:97] .

أما الأمثلة الأخرى التي ذكرها كمجري السحاب وهازم الأحزاب والزارع والذارئ فالعلة في عدم إحصائها ليس كما ذكر في كونها نوعا من الأفعال ليس بعام أو شامل وإنما لكونها مضافة كما في مجري السحاب وهازم الأحزاب، أو مقيدة كما في الذارع حيث ورد مقيدا بما يحرثون كما قال الله تعالى: { أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة:63/64] .

وكذلك الذاريء لم يرد في القرآن اسما وإنما ورد فعلا، وورد في السنة بلفظ مقيد رواه أحمد من حديث عبد الله بن عباس t أنه قال: ( لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الدَّيْنِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاَة وَالسَّلاَمُ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ ذَارِئٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) (9)، فاللفظ ظاهر على تقيده على فرض صحة الحديث، والمعنى أخرج منه ما هو ذارؤه من البشر، وإن كان اللفظ الثابت الصحيح ليس فيه اسم الذارئ أصلا فالرواية الصحيحة المرفوعة:(إِنَّ أَوَّلَ مَنْ جَحَدَ آدَمُ، إِنَّ اللهَ U لَمَّا خَلَقَه مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِىَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فعَرضهُمْ عَلَيْهِ)(10) .

وقد حرصت على لقاء الشيخ الدكتور الغصن حفظه الله أو الاتصال به هاتفيا لأسأله عن علة واضحة لاستبعاده اسم الله المسعر؟ ولماذا أدخل في جمعه وإحصاءه ثلاثة أسماء واستثنى المسعر من حديث أنس t الذي اشتمل على أربعة أسماء هي المسعر القابض الباسط الرازق، في حين أن الشيخ ابن عثيمين أدخل القابض والباسط واستثنى المسعر والرازق؟!

وبعد جهد كبير عثرت على هاتفه وتمكنت من الاتصال به وكان في دولة أخرى وأخبرني أنه لا يعرف علة أو ضابطا لذلك، وأنه لا دليل لديه على عدم اعتبار المسعر اسما، وقد عده ابن حزم والقرطبي، وذكر لي أيضا أن الأمر في إحصاء الأسماء ما زال غامضا يفتقر إلى مزيد من الدراسة، فجزاه الله خير الجزاء ونفعنا وإياه ببحثه المتميز في دراسة الأسماء، فقد اتفق معنا في خمسة وتسعين اسما .

وفي دراسته المتميزة عن صفات الله الواردة في الكتاب والسنة جمع الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف حفظه الله مائة اسم غير لفظ الجلالة، وقد تتبع في منهجيته ما ورد في النص بلفظ الاسم، وإن لم يبين ضابطا معلنا في جمعه من حيث الإطلاق أو عدمه أو دلالة الاسم على كمال الوصف أو غير ذلك مما سيأتي بيانه في شروط الإحصاء .

وقد ظهر ذلك في تردده بين الطبعة الأولى والثانية حيث تراجع عن بعض الأسماء التي وافقت معنا شروط الإحصاء وأدخل فيها ما لم يوافقها، فقال حفظه الله: ( أما الأسماء الحسنى فقد أضفت ثلاثة أسماء ترجح لي بالدليل أنها من أسماء الله U وهي الديان والمقيت والهادي، وتوقفت في اسمين فلم أوردهما في هذه الطبعة وهما العالم والوارث ) (11)، ولم يبين الشيخ ماهية الدليل الذي ترجح لديه غير أنه أدخل الهادي في الطبعة الثانية وهو مقيد كما تقدم، وتوقف في العالم وهو مصيب في توقفه لأنه ورد مقيدا بالإضافة، لكن اسم الله الوارث الذي استبعده يتفق مع ضوابط الإحصاء كما سيأتي بيانه .

أما الأسماء التي عدها ولم تتوافق مع شروط الإحصاء فهي الأعز والحافظ والمحيط والهادي، وقد تقدم الحديث عن التقيد في الحافظ والمحيط والهادي، أما الأعز فلم يرد مرفوعا، وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود t وابن عمر رضي الله عنهما: ( رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم ) (12)، واعتباره الموقوف في حكم المرفوع عند بعض المحدثين لا يكفي لإثباته، وشأنه في ذلك شأن القراءة الشاذة التي صحت عن عمر بن الخطاب t ورواها الإمام البخاري في صحيحه عندما قرأ الحي القيوم في آية الكرسي: الحي القيام (13)، وهي من حيث الصحة أثبت من رواية الأعز، ومع ذلك ذكر الشيخ حفظه الله الأعز اسما والقيام وصفا وغض الطرف عن اعتبار القيام اسما مع وضوح العلمية فيه كوضوح الشمس (14) .

أما ما لم يدخله الشيخ السقاف حفظه الله مما ثبت من الأسماء اسم الله المسعر والوارث والمالك، وهي أسماء ثابتة تتوافق مع ضوابط الإحصاء كما سيأتي بيانها، وأيا كان الأمر فقد بذل الشيخ جهدا مباركا مشكورا يشهد له كل منصف، بل يعد ما توصل إليه الشيخ في كتابه من نتائج أقرب ما يكون إلى بحثنا من حيث الاتفاق في إحصاء الأسماء حيث اتفق معنا في ستة وتسعين اسما .

والقصد أن الأمر في إحصاء الأسماء الحسنى يتطلب منهجا علميا دقيقا مبنيا على قواعد أو ضوابط أو أسس تحدد الشروط اللازمة لإحصاء الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .

وهؤلاء العلماء الأجلاء من أفضل ما يعتمد على أبحاثهم في تمييز الأسماء الحسنى والتعرف عليها حتى الآن، حيث يدور إحصاؤهم جميعا حول تسعة وتسعين اسما، وهي دائرة قريبة جدا كما هو ملاحظ مهدت الطريق لاستخراج الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة .

غير أن الأمر في إحصاء الأسماء الحسنى لا يكفي فيه كما سبق مجرد تتبع اللفظ الثابت في النص الصحيح، بل لا بد من مراعاة الضوابط العلمية الأخرى التي يمكن من خلالها تمييز الاسم عن الوصف والفعل، ومتى يراد به في النص العلمية ومتى يراد به الوصفية؟ هذا مع تحري دلالة الاسم على مطلق الكمال والحسن، ومراعاة ما إذا كان الوصف مطلقا في الدلالة على الكمال أو مخصصا مقيدا بالإضافة؛ أو محمولا على وجه الكمال فقط عند انقسام المعنى وتطرق الاحتمال، حيث يكون المعنى عند تجرده كمالا في حال ونقصا في حال، وهل قضية اشتقاق الأسماء الحسنى من الأوصاف والأفعال تعود إلى اجتهاد الشخص أو إلى ثبوت النص؟

ومن ثم لا بد من تحديد الضوابط اللازمة للتعرف على أسماء الله الحسنى بحيث يكون البحث والتمييز المعتمد عليها سهلا ميسرا في مقدور العامة والخاصة أن يصلوا بأنفسهم إلى تسعة وتسعين اسما إذا طبقوها بدقة، ولا يكون الأمر مقتصرا فقط على تمييز الأسماء الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، بل لا بد أيضا من بيان الأسماء التي لم تنطبق عليها شروط الإحصاء مع ذكر العلة في استبعادها، فيقال هذا اسم والعلة كذا وهذا ليس باسم والعلة كذا وكذا، وفوق ذلك وقبله يتطلب البحث كما ذكر ابن الوزير اليماني توفيقا ربانيا في جمع النصوص واستيفائها والالتزام بمنهجية البحث والدقة في تطبيقها .

وبعد بحث طويل وجهد كبير في استخراج الشروط المنهجية أو القواعد الأساسية لإحصاء الأسماء الإلهية التي تعرف الله U بها إلى عباده يمكن حصر هذه القواعد أو تلك الضوابط في خمسة شروط لازمة لكل اسم من الأسماء الحسنى دل عليها بوضوح شديد قوله U: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، وقوله: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]، وحديث أبي هريرة t في الصحيحين مرفوعا: ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (15)، أما كيفية استخراج الشروط من هذه الأدلة فبيانها مفصلا على النحو التالي:

الشرط الأول: ثبوت النص في القرآن أو صحيح السنة .

الشرط الأول من شروط إحصاء الأسماء الحسنى أن يرد الاسم نصا في القرآن أو ما ثبت في صحيح السنة، وهذا الشرط مأخوذ من قوله U: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، وقوله: { فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110] .

ووجه الدلالة أن لفظ الأسماء الحسنى يدل على أنها معهودة موجودة، فالألف واللام هنا للعهد، ولما كان دورنا حيال الأسماء هو الإحصاء دون الاشتقاق والإنشاء فإن الإحصاء لا يكون إلا لشيء موجود معهود، ولا يعرف ذلك إلا بما نص عليه كتاب الله وما صح بالسند المتصل المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الشرط ذكره ابن تيمية في قوله: ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) (16) .

ومعلوم من مذهب السلف أن أسماء الله الحسنى توقيفية على الأدلة السمعية، ولا بد فيها من تحري الدليل بطريقة علمية تضمن لنا مرجعية الاسم إلى كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى ما ورد في القرآن أو ما ورد في صحيح السنة النبوية على طريقة المحدثين؛ لأن محيط الرسالة لا تخرج دائرته عن ذلك، والرسالة تلقاها النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي وبأشكاله المختلفة، قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَىإِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:3/4]، ثم انقطع الوحي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينزل على أحد إلى يوم القيامة، وهذا واضح في قوله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيما } [الأحزاب:40] .

كما أن هذا الشرط يعتمد منهج السلف أيضا في كون الاحتجاج بصحيح السنة النبوية كالاحتجاج بالآيات القرآنية سواء بسواء، فلا خلاف بين جمهور العلماء الذين يعتد بهم في أن السنة حجة مستقلة في تشريع الأحكام، وأنها كالقرآن في تمييز الحلال من الحرام، وأنها المصدر الثاني لمعرفة أصول الإسلام، وأنها المفصحة عن معاني القرآن والموضحة لأوامره وأخباره والكاشفة عن تأويل النص وبيان أسراره .

وقد أكد القرآن بوضوح لا لبس فيه أن السنة وحي من الله U يجب الإيمان به ويجب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء وفي كل وقت؛ في حياته وبعد مماته؛ لأنها أصول لم تخصص بزمن دون زمن؛ فيجب تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم في خبره، والطاعة لأمره عن يقين ومحبة وإخلاص .

قال ابن حزم: ( إن القرآن لما كان هو الأصل الذي يرجع إليه في معرفة الإسلام وجدنا فيه وجوب طاعة ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفا لرسوله صلى الله عليه وسلم : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:3/4]، فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين: أحدهما وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام وهو القرآن، والثاني وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو المبين عن الله U مراده منا ) (17) .

ولا فرق أيضا في الاحتجاج بالسنة النبوية بين باب الأحكام الفقهية وباب القضايا الاعتقادية، وقد عبر أبو طالب المكي عن العلة في ذلك بقوله: ( فإنا قوم متبعون نقفوا الأثر غير مبتدعين بالرأي والمعقول نرد به الخير .. إلى أن قال: وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام، لأن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الإيمان فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول في كل ما نقلوه، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذب مردود القول في كل ما جاءوا به ) (18) .

ولم يختلف أحد من الأمم في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الملوك رسولا واحدا يدعوهم إلى الإسلام، واحدا واحدا مفردا إلى كل مدينة وقبيلة، كصنعاء وحضرموت ونجران وتيماء والبحرين وعمان وغير ذلك من البلدان، وكان كل رسول يُعَلم الناس أحكام دينهم كلها، عقيدة وشريعة، وافترض النبي صلى الله عليه وسلم على كل جهة قبول رواية أميرهم ومعلمهم؛ فصح قبول خبر الواحد الثقة عن مثله مبلغا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (19) .

أما القواعد التي اعتمد البحث عليها في تمييز الحديث المقبول من المردود والصحيح من الضعيف فهي قواعد المحدثين، أو ما عرف بعلم مصطلح الحديث الذي يشترط في الحديث الصحيح اتصال السند بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، وعلى ما هو معتبر أيضا في قواعدهم (20) .

وليس كل ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل بلا ضابط أو نقاش، فلا بد من الترابط العلمي المتصل بين رواة السند؛ بحيث يتلقى الراوي اللاحق عن السابق؛ فلا يكون بين اثنين من رواة الحديث فجوة زمنية أو مسافة مكانية يتعذر معها اللقاء أو يستحيل معها التلقي والأداء، كما يلزم أيضا اتصاف الرواة بالعدالة، وهى صفة خلقية تكتسبها النفس الإنسانية وتحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة ومجانبة الفسوق والابتداع فلا يعرف بارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة، ولا بد أن يتصف الراوي أيضا بالضبط والتثبت من الحفظ والسلامة من الخطأ وانعدام الوهم مع القدرة على استحضار ما حفظه وهذا شرط في جميع رواة الحديث الصحيح من أول السند إلى آخر راوٍ فيه، يضاف إلى ذلك عدم مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه وأثبت، ولا يكون في روايته أيضا علة قادحة أو سبب ظاهر يؤدي إلى الحكم بعدم ثبوت الحديث، فالطريق الوحيد المعتمد في ثبوت السنة هو الالتزام بقواعد المحدثين وأصولهم في معرفتها (21) .

أما الحكم على ثبوت الحديث بالأصول الكلامية أو المناهج الفلسفية أو الكشوفات الذوقية فلا مجال له في بحثنا؛ لأن الآراء العقلية كثيرة ومتضاربة والمواجيد الذوقية مختلفة ومتغيرة، فالحكم على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة يحكمه الهوى ويسوقه استحسان النفس .

ومن ثم لا عبرة بقول من قال من أصحاب الطرق: ( ربما صح عندنا من أحاديث الأحكام ما اتفق المحدثون على ضعفه وتجريح نقلته، وقد أخذناه بالكشف عن قائله صحيحا فنتعبد به أنفسنا على غير ما تقرر عند علماء الأصول، ورب حديث قد صححوه واتفقوا عليه وليس بصحيح عندنا بطريقة الكشف فنترك العمل به ) (22) .

إن من أعظم الأسس في الاعتماد على السنة الالتزام بقواعد المحدثين في معرفة المقبول من المردود والصحيح من الضعيف، وقد التزمت في منهجية العمل بالشرط الأول أنه إذا لم يرد الاسم نصا في القرآن فيلزم لأخذه من السنة أن يكون الحديث ثابتا صحيحا، فلا يعتد في النص على ذكر الأسماء الحسنى بالضعيف، ولا يعتمد اعتمادا كاملا على ما ثبت وخف ضبطه كالحسن؛ لأن الحسن على ما ترجح عند المحدثين من رواية الصدوق، أو هو ما اتصل سنده بنقل العدل الذي خف ضبطه قليلا عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، وربما يثير ذلك إنكار البعض لكنهم لا يختلفون معنا في تطرق الاحتمال إلى ضبط النص والتيقن منه في ثبوت لفظ الاسم دون الوصف، اللهم إلا إذا كان الحديث صحيحا بمجموع طرقه وكثرتها، ومن ثم لم أعتمد على الحديث الحسن في إحصاء نص الأسماء الحسنى، وإن اعتمدته حجة في إثبات الأوصاف وشرح معاني الأسماء، وبيان دلالة الاسم على المعنى سواء بالمطابقة أو التضمن واللزوم، وأيضا في التعرف على كيفية الدعاء بالاسم، أو الدعاء بالوصف الذي دل عليه، سواء في دعاء المسألة أو في دعاء العبادة، شأنه في ذلك شأن الاحتجاج به في سائر الأحكام وأمور الإسلام، فالحديث الحسن حجة مقبول عند جمهور أهل العلم .

وإذا كان الاسم معتمدا في ثبوته على نص ورد في أحد الصحيحين اكتفيت بالإحالة عليهما لأنهما أصح الكتب بعد كتاب الله، وقد اتفقت الأمة على تلقيهما بالقبول، قال الإمام النووي: ( اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخاري ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول ) (23) .

وقال أبو عمرو بن الصلاح: ( أول من صنف في الصحيح البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، وتلاه أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ومسلم مع أنه أخذ عن البخاري واستفاد منه فإنه يشارك البخاري في كثير من شيوخه، وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز ) (24) .

وكذلك إذا لم يرد الاسم نصا في القرآن وورد في السنة معتمدا في حجيته على ثبوت الحديث فقط وكان الحديث في غير الصحيحين فلا بد من الحكم على صحته من قبل جمع من أعلام المحدثين عملا بالأحوط على قدر المستطاع، أما ما عدا البحث عن حجية دليل السنة في ثبوت الاسم فاكتفيت غالبا فيما لم يرد في الصحيحين بتراث الشيخ الألباني رحمه الله وحكمه على الحديث من جهة القبول أو الرد .

وسبب ذلك كثرة الأحاديث الواردة في شرح الاسم لغة وشرعا، وفهم دلالتها مطابقة وتضمنا والتزاما، وكذلك كثرة ما ورد منها في الدعاء بنوعيه، دعاء المسألة ودعاء العبادة، كما أن الشيخ الألباني من المحدثين المعاصرين الذين أسهموا في تنقية السنة الشريفة من الأحاديث المكذوبة والضعيفة، وألف كتبا خصصها للأحاديث الصحيحة وأخرى للأحاديث الضعيفة والموضوعة، وعزل الصحاح عن الضعاف في كثير من كتب السنن وغيرها، وتعد موسوعته الالكترونية مرجعا هاما لدى الباحثين المحققين بعد مطابقتها على المراجع الأصلية .

أما الأسماء التي لم تتوافق مع الشرط الأول أو مع ثبوت النص مما اشتهر في جمع الوليد بن مسلم المدرج في رواية الترمذي والمشهور بين الناس منذ أكثر من ألف عام فهما الواجد والماجد، وكذلك الحنان في جمع عبد العزيز بن حصين المدرج في رواية الحاكم، وسيأتي تفصيل ذلك عند الحديث عن الأسماء التي لم تثبت في تلك الروايات إن شاء الله تعالى .

ومن الأسماء التي لم تتوافق أيضا مع هذا الشرط مما ذكره أهل العلم اسم السخي والنظيف والهْوِيّ والمفضل والمنعم ورمضان وآمين والأعز والقيام .

أما السخي فورد مع النظيف في رواية ضعيفة عند السيوطي في الجامع الصغير من حديث ابن عمر t مرفوعا: ( إِنَّ اللهَ تَعَالى جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، سَخي يُحِبُّ السَّخاءَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ ) (25) ، وكذلك ورد النظيف في عدة روايات ضعيفة عند الترمذي وغيره، من حديث سعد بن أبي وقاص t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ؛ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلاَ تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ ) (26) .

وهذا الحديث والذي قبله ليس أصلا في إثبات الأسماء الأخرى التي تضمنها، وإنما ثبوتها معتمد لورودها في روايات أخرى صحيحة سيأتي بيانها في موضع كل اسم .

وأما الهْوِيّ فقد ورد في حديث صحيح رواه النسائي من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي t أنه قال: ( كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ حُجْرَةِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِىَّ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ الْهَوِىَّ ) (27)، وقد فسره البعض على أنه اسم، وليس هذا مقصد الراوي لأن الحديث ورد تفسيره في روايات أخرى صحيحة أنه يعني بالهوي وقت الليل الطويل قبل منتصفه أو بعده، ولا يعنيه اسما لله U، فعند الترمذي وصححه الشيخ الألباني قال ربيعة t: ( كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ بَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ فَأَسْمَعُهُ الْهَوِىَّ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَأَسْمَعُهُ الْهَوِىَّ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (28) .

وقد عده الإمام القرطبي من الأسماء الحسنى وقال: ( منها الهوي جل جلال الله وتقدست أسماؤه ) (29)، ثم تأوله معناه بأنه المحبوب من خلقه العارفين بحقه .

وهذا على فرض ثبوته أو احتمال أن يكون ما أخطأ فيه الراوي صحيحا من وجه، مع أنه نقل عن الأقليشي أن ذلك من أغرب ما ورد في صفات الله تعالى، وأنه خطأ من أبي نعيم صاحب ابن المبارك في تفسيره للأسماء، حيث جعله اسما وفسره في حق الله بمعنى الطويل الدائم، ثم بين أنه أشكل عليه الأمر ودخل عليه اللبس، وأن رواية الترمذي فسرت ما حدث من اللبس، وأن الهوى ليس بصفة لله تعالى وإنما هو وصف الليل، ومراد الراوي أنه كان يسمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يصلي، فربما كان يسمعه في النصف الأول، وربما كان يسمعه في النصف الآخر (30) .

وأما المنعم والمفضل فقد وردا في حديث ضعيف مرسل رواه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض أشياخه أنه قال: ( كَانَ صلى الله عليه وسلم إذا أتَاهُ الأمْرُ مما يُعْجبه قَال: الحمْدُ لله المنْعِم المفْضِل الذي بنعْمَتِه تَتِم الصَّالحات، وإذا الأمْرُ أتَاهُ مما يَكرَهُه قال: الحمْدُ لله عَلى كُلِّ حَال ) (31) .

وأما اعتبار رمضان من أسماء الله الحسنى فلا يصح لأنه لم يثبت في حديث صحيح وإنما رواه البيهقي وابن عدي من حديث أبي هريرة t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ تَقُولُوا رَمَضَانَ فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ ) (32)، وهو حديث ضعيف وقيل موضوع، وقد عده الإمام القرطبي من الأسماء الحسنى وشرح معناه، مع أنه جزم بأنه لم يأتي في الكتاب ولا في السنة الثابتة، بل نفي في تفسيره أن يكون اسما فقال: ( روى رمضان اسم من أسماء الله تعالى وهذا ليس بصحيح؛ فإنه من حديث أبي معشر نجيح وهو ضعيف ) (33) .

وكذلك الحال في اعتبار آمين اسما من أسماء الله الحسنى استنادا إلى بعض الروايات الموقوفة والمرفوعة التي لم تصح كما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن هلال بن يساف موقوفا، وكذلك عن جابر بن عبد الله t أنه قال: ( آمين اسم من أسماء الله تعالى ) (34)، ورواه أيضا عبد الرزاق في مصنفه موقوفا على أبي هريرة t (35)، قال ابن كثير: ( وحكى القرطبي عن مجاهد وجعفر الصادق وهلال بن يساف أن آمين اسم من أسماء الله تعالى، وروي عن ابن عباس مرفوعا ولا يصح، قاله أبو بكر بن العربي المالكي ) (36) .

وأما الأعز والقيام فقد تقدم أن الأعز لم يرد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما ورد موقوفا على ابن مسعود t وابن عمر t: ( رب اغفر وارحم وأنت الأعز الأكرم ) (37)، قال الشيخ الألباني: ( وروي مرفوعا ولم يصح ) (38)، أما اعتباره في حكم المرفوع عند بعض المحدثين فلا يكفي ذلك لإثباته اسما، بل لا بد في الشرط الأول من شروط الإحصاء ثبوت الاسم في نص صريح ورد في حديث مرفوع صحيح .

وأما القيام فقد ورد في قراءة شاذة صحت عن عمر بن الخطاب t أنه قرأ: ( اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيَّامُ )، وقد رواها الإمام البخاري في صحيحه (39)، قال ابن جرير الطبري: ( والقراءة التي لا يجوز غيرها عندنا في ذلك ما جاءت به قراءة المسلمين نقلا مستفيضا عن غير تشاعر ولا تواطؤ وراثة، وما كان مثبتا في مصاحفهم، وذلك قراءة من قرأ الحي القيوم ) (40) .

1. العواصم والقواصم 7/228 .

2. القواعد المثلي ص16، نشر دار الأرقم، الطبعة الأولى، الكويت سنة 1406هـ .

3. رواه الترمذي في البيوع، باب ما جاء في التسعير 3/605 (1314)، وأبو داود في كتاب الإجارة، باب في التسعير 3/272 (3451)، وابن ماجه في التجارات، باب من كره أن يسعر 2/741 (2200)، وأحمد في المسند 3/286 (14089)، وانظر تصحيح الشيخ الألباني للحديث في غاية المرام ص194(323) .

4. الطبراني في المعجم الكبير الأحاديث من (7114) إلى (7123)، وانظر تصحيح الألباني للحديث في صحيح الجامع (494)، وانظر قطف الجنى الداني ص90 .

5. قطف الجنى الداني ص85 : ص92 .

6. أسماء الله الحسنى ص186:175، نشر دار الوطن الرياض الطبعة الأولى 1417 .

7. السابق ص137:136 .

8. انظر تفسير القرطبي 13/28، وتفسير ابن كثير 3/318، وتفسير الطبري 19/10 .

9. المسند 1/371 (3519)، وانظر تعليق الحافظ ابن كثير على الحديث في تفسيره 1/335 .

10. مسند الإمام أحمد 1/251 (2270)، وانظر ظلال الجنة (204) .

11. صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ص8، ط2 نشر دار الهجرة الرياض 1422هـ .

12. انظر مصنف ابن أبي شيبة 4/68، وصححه الألباني موقوفا في مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف وسرد ما ألحق الناس بها من البدع ص53 .

13. البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة نوح 4/ 1872 .

14. صفات الله الواردة في الكتاب والسنة ص347 .

15. تقدم تخريجه .

16. شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .

17. الإحكام في أصول الأحكام 1/93 .

18. قوت القلوب في معاملة المحبوب لأبى طالب المكي 2/124 .

19. المحلى لابن حزم 1/52 بتصرف .

20. المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي لمحمد بن إبراهيم بن جماعة ص33 بتصرف .

21. المرجع السابق ص 33 وما بعدها، وانظر أيضا صحيح مسلم بشرح النووي 1/27، وتدريب الراوي للسيوطي 1/63 بتصرف .

22. رسائل ابن عربي ص4، دار إحياء التراث العربي، حيدر آباد، الهند، 1948م .

23. صحيح مسلم بشرح النووي 1/14 .

24. هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ص10.

25. فيض القدير شرح الجامع الصغير 2/225، وانظر ضعيف الجامع (1596) .

26. أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في النظافة 5/111( 2799)، وضعفه الألباني في غاية المرام ص89 (113)، وضعيف الجامع (1616)، وحسنه في مشكاة المصابيح (4487) .

27. أخرجه النسائي في كتاب قيام الليل وتطوع النهار والحث على الصلاة في البيوت، باب فضل صلاة الليل 1/416 (1318)، وانظر تصحيح الألباني للحديث مشكاة المصابيح (1218) .

28. الترمذي في الدعوات، رواه البخاري في الأدب المفرد 1/418 (1218) .

29. الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى 1/431 .

30. السابق 1/434 .

31. انظر المصنف 6/71 (29554)، وقال أبو داود: روي متصلا وفيه أحاديث ضعاف ولا يصح انظر المراسيل ص357 (532)، وانظر الأسنى 1/510 .

32. سنن البيهقي الكبرى 4/201 (7693) .

33. تفسير القرطبي 2/292، وانظر للمقارنة الأسنى 1/169، وانظر فتح الباري 4/113 .

34. المصنف لابن أبي شيبة 2/188 (7971) (7972) (7973) .

35. مصنف عبد الرزاق 2/99 (2651)، وانظر الأسنى 1/295 .

36. تفسير ابن كثير 1/32 .

37. تقدم الحديث عنه ص47 .

38. مناسك الحج والعمرة ص45 .

39. البخاري في كتاب التفسير، تفسير سورة نوح 4/ 1872 .

40. تفسير الطبري 3/164 .


....................................................................يتبع إن شاء الله...
 
تعقيب

تعقيب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب الرضواني المذكور آنفاً عليه مآخذ تتضح بقراءة كتاب نفيس للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي عميد البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،واسم الكتاب هو: (معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)
والكتاب موجود على هذا الرابط -مع تعريف موجز بفضيلته وبعض كتبه-:
محمد بن خليفة التميمي • الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة
وللإفادة فقد اجتزأت من كتابه هذه الفقرات النافعة حيث يبحث فيها بعض ما يصلح أن يكون تعقيبا على ما نُقل عن الرضواني.

يقول الأستاذ محمد بن خليفة بن علي التميمي:
((ومن حيث الطريقة التي ساروا عليها في جمع تلك الأسماء هناك أربعة مناهج وقفت عليها من خلال استقراء جهودهم في هذا المجال، أوردها لك على النحو التالي:
المنهج الأول:
الاعتماد على العد الوارد في روايات حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وبالأخص طريق الوليد بن مسلم، عند الترمذي وغيره، وذلك (لاعتقادهم بصحة حديث الأسماء وتعدادها على مذهب المتساهلين في التصحيح وعدم النظر في العلل الواردة فيه)
المنهج الثاني:
الاقتصار على ما ورد من الأسماء بصورة الاسم فقط، أي ما ورد إطلاقه.
وهذا منهج ابن حزم في عد الأسماء قال عنه ابن حجر: "فإنه- أي ابن- حزم - اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} 1 ولا ما ورد مضافا كالبديع من قوله: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} 2" 3.
المنهج الثالث:
منهج المتوسطين الذين اشتقوا من كل صفة وفعل اسما ولم يفرقوا بين البابين- أي باب الأسماء وباب الصفات- بل إنهم يدخلون ما يتعلق بباب الإخبار أحيانا.
ومن هؤلاء ابن العربي المالكي وابن المرتضى اليماني والشرباصي.
المنهج الرابع:
منهج المتوسطين الذين توسطوا بين أصحاب المنهج الثاني والمنهج الثالث، فلا هم الذين حجروا تحجر ابن حزم، ولا هم الذين توسعوا توسع ابن العربى وأمثاله.
وهذا المنهج هو الأشهر والأكثر تطبيقا عند أهل العلم، فهم حافظوا على خاصية هذا الباب، وبالتالي جعلوا شروطا لاشتقاق الاسم من الصفة، وهذه الشروط دلت عليها النصوص، وسيأتي تفصيلها في المطلب الثالث والرابع من هذا المبحث.))

...((المطلب الثاني: منهج المقتصرين على ما ورد بصورة الاسم
أصحاب هذا المنهج يرون الاقتصار على ما ورد إطلاقه من الأسماء في النصوص، ويستبعدون ما يؤخذ بالإضافة أو الاشتقاق.
وهذا المنهج سار عليه ابن حزم الظاهريّ، وإن كنت لم أجد في كلامه ما ينص على ذلك نصّا، ولكن طريقته في تتبع الأسماء وحصرها تؤكد ذلك، بالإضافة إلى أن غير واحد نسب إليه ذلك.
فإن ابن حجرينسب ذلك إلى ابن حزم حيث قالت عنه: (فإنه اقتصر على ما ورد بصورة الاسم لا ما يؤخذ بالاشتقاق "كالباقي " ولاما ورد مضافا "كالبديع").
وكذلك ابن العربى المالكيّ ذكر هذا المنهج لابن حزم، وقال معترضا عليه (قال سخيف من جملة المغاربة (يعني ابن حزم) : عددت أسماء الله فوجدتها ثمانين، وجعل يعدّد الصّفات النّحويّة، وياليتني أدركته فلقد كانت فيه حشاشة لو تفاوضت معه في الحقائق لم يكن بدّ من قبوله والله أعلم) إلى أن قال: (والعالم عندنا اسم، كزيد اسم وأحدهما يدل على الوجود، والآخر يدلّ على الوجود ومعنى زائد عليه، والذي يعضُدُ ذلك أن الصحابة وعلماء الإسلام حين عدّدوا الأسماء ذكروا المشتق والمضاف والمطلق في مساق واحد.)
والشاهد من كلام ابن العربيّ هو اعتراضه على ابن حزم لاقتصاره على لمطلق من الأسماء دون المشتق أوالمضاف.
وإليك الأسماء التي عدّها ابن حزم في كتابه المحلى (8/ 31) والتي تؤكد اقتصاره على المطلق من الأسماء دون المشتق أو المضاف.
ويلاحظ على القاعدة التي سار عليها ابن حزم قصورها، ودليل ذلك عجزه حتى عن إكمال التسعة والتسعين اسما التي ورد بفضلها الحديث الصحيح، فقد وقف على عدّ ثمانين أو أربعة وثمانين اسما فقط.
ولعلّ ابن حزم ألزم نفسه بالاقتصار على المطلق من الأسماء واستبعد المشتق والمضاف منها، لعقيدته المعروفة في الأسماء والصفات، فالمشهور عنه إثباته للأسماء مجرّدة من المعاني وإنكاره للصفات، فهو يرى رأي المعتزلة في هذه المسألة الذين ينظرون إلى أسماء الله على أنها أعلام محضة خالصة من الدّلالة على أيّ معنى، فإذا كان هذا هو اعتقاد ابن حزم في أسماء الله وصفاته فليس بمستغرب منه أن يتجاهل الأسماء المشتقة والمضافة، إذ أنه لا يثبت أصلها فضلأ عن أن يثبتها، ويظهر أن ابن حزم أراد أن يطبِّق القاعدة النحويّة التي وضعها النّحاة لأنفسهم في الئفريق بين الاسم والصِّفة، فالنّحاة يفرِّقون بين الاسم والصِّفة، فحقيقة الاسم عندهم: هو كل لفظ جعل للدّلالة على المعنى إن لم يكن مشتقا، فإن كان مشتقا فليس باسم، وإنّما هو صفة. وهذه قاعدة أسّسها سيبويه ليرتب عليها قانونا من الصِّناعة في التصريف والجمع والتصغير والحذف والزِّيادة والنسبة وغير ذلك من الأبواب. ولكن مسألة التفريق بين الوصفيّة والعلميّة لا تنطبق على أسماء الله لأن أسماء الله الحسنى أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلميّة، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميّتهم) وذلك لسبببين:
السبب الأوّل: أن أوصاف الخالق مختصّة به، فلذلك لا تنافِي بينها وبين
العَلَميّة المختصة. بخلاف أوصاف العباد فهي مشتركة بينهم فنافتها العَلَميّة المختصة.
وشرح ذلك: أن الاسم وظيفته الاختصاص والتعيين، ولذلك قالوا في تعريفه: هو اللفظ الموضوع للشيء تعيينا له وتمييزا. وبالتالي لا يمكن للصفات أن تؤدي هذه الوظيفة بالنسبة للمخلوق لأن صفات العباد مشتركة بينهم فيتعذر بذلك الاختصاص الذي هو وظيفة الاسم.
ولذلك إذا سمي الإنسان بوصف من الأوصاف مثل كريم، وشجاع، وجميل فإن هذه الألفاظ تتجرّد من خصائص الوصفيّة ويصبح لها خصائص العلميّة.
السبب الثاني: لا تُقاس أسماء الله بأسماء المخلوق؛ لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم، بل قد تكون مخالفة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفا لصفاته، ولا شيء من صفاته مخالفا لأسمائه.
فمن ادّعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر، لأئك إذا قلت: (الله) فهو (الله) ، وإذا قلت (الرحمن) فهو (الرحمن) وهو (الله) ، فإذا قلت: (الرّحيم) فهو كذلك، وإذا قلت: (حكيم- عليم- حميد- مجيد- جبّار- متكبّر- قاهر- قادر فهو كذلك هو (الله) سواء لا يخالفه اسمٌ اسم صفتَه ولا صفتُه اسما. فهذا في حقّ الخالق.
وأما في حقّ المخلوق فقد يُسمَّى الرّجل "حكيما" وهو جاهل، وحكما وهو ظالم، وعزيرا وهو حقير، وكريما وهو لئيم، وصالحا وهو طالح، وسعيدا وهو شقيّ، ومحمودا وهو مذموم، وحبيبا وهو بغيض، وأسدا
وحمارا وكلبا وجديا وكليبا وهرّا وحنظلة وعلقمة؛ وليس كذلك.
والله تعالى وتقدّس اسمه كُلُّ أسمائه سواء, لم يزل كذلك، كان خالقا قبل المخلوقين، ورازقا قبل المرزوقين وعالما قبل المعلومين، وسميعا قبل أن يسمع أصوات المخلوقين، وبصيرا قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة.
وبهذين السببين يتأكَّدُ التَّفريق بين أسماء الخالق وأسماء المخلوقين، وأن أسماء الله مشتقة من صفاته وليست أعلاما جامدة لا تدلّ على معنى كما يزعم ابن حزم والمعتزلة، ولهذا الموضوع تتمّة في الفصل الثاني من هذه الدّراسة والله أعلم.
وخلاصة القول إنّ الّذي دعى ابن حزم لاستبعاد الأسماء المشتقّة والمضافة هو استبعاده لأصلها الذي جاءت به النّصُوص الّذي هو الصفات.))

((المطلب الرابع: الشرط الثاني للأسماء الحسنى وهو: أن تقتضي الأسماء المدح والثناء بنفسها
إن من شرط الأسماء الحسنى صحة الإطلاق.
بمعنى أن يقتضي الاسم المدح والثناء بنفسه بدون متعلق أو قيد.
وهذا الشرط هو الذي يميز باب الأسماء عن باب الصفات بخلاف الشرط الأول فإنه شرط مشترك بين الاثنين، فأسماء الله وصفاته لابد من ورود النص بهما "توضيح هذا الشرط":
هذا الشرط من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فنحن إذ وقفنا وقفة تأمل عند نصوص الكتاب والسنة الواردة في هذا الشأن نجد الحقائق التالية.
أولا: أن الله أطلق على نفسه أسماء ك "السميع" و"البصير"، وأوصافا
"السمع" و"البصر"، وهكذا أخبر عن نفسه بأفعالها فقال: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} 2 وقال تعالى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} فاستعملها في تصاريفها المتنوعة، مما يدل على أن مثل ذلك يجوز إطلاقه عليه في أي صورة ورد.
ثانيا: وأطلق على نفسه أفعالا ك"الصنع" و "الصبغة" و "الفعل" ونحوها.
قال تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْمن كُلَّ شَيْءٍ} 1 وقال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} 2 وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} 3 لكنه لم يتسم ولم يصف نفسه بها ولكن أخبر بها عن نفسه، مما يدل على أنها تخالف الأول في الحكم فوجب الوقوف فيها على ما ورد.
ثالثا: ووصف نفسه بأفعال في سياقها المدح ك"يريد" و"يشاء" فقال جل شأنه: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} إلا أنه لم يشتق له منها أسماء فدل على أن هذا النوع مخالفة للقسمين الأولين، فوجب رده إلى الكتاب والسنة وذلك بالوقوف حيث أوقفنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: ووصف نفسه بأفعال أخرى على سبيل المقابلة بالعقاب والجزاء فقال تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} ولم يشتق منها أسماء له تعالى فدل ذلك على أن مثل هذه الأفعال لها حكم خاص فوجب الوقوف على ما ورد.
فهذه الحقائق السابقة قررت عند العلماء النتائج التالية:
1- أن النصوص جاءت بثلاثة أبواب هي "باب الأسماء" و"باب الصفات" و"باب الإخبار".
2- أن باب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، فما صح إسما صح صفة وصح خبرا وليس العكس.
3- باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فما صح صفة فليس شرطا أن يصح إسما، فقديصح وقد لايصح، مع أن الأسماء جميعها مشتقة من صفاته.
4- أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته، فالله يخبر عنه بالاسم وبالصفة وبما ليس باسم ولا صفة كألفاظ "الشيء" و"الموجود" و"القائم بنفسه" و"المعلوم"، فإنه يخبر بهذه الألفاظ عنه ولاتدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
والذي يعنينا هنا من بين تلك النتائج هو تحديد سبب خصوصية باب الأسماء، وما المانع من دخول بعض ألفاظ الصفات وغيرها في هذا الباب وهذا يتضح لنا عند تحليل ما اشتقت منه أسماء الله.
فمن المعلوم أن أسماء الله الحسنى كلها مشتقة، فكل اسم من أسمائه مشتق إما من صفة من صفاته أو فعل قائم به، ولمعرفة صحة الاسم ينطر إلى الصفة أو الفعل الذي اشتق منه، ولبيان ذلك، نقول:
أولا: باب الصفات أوسع من باب الأسماء؟
فإن كانت الصفة منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه.
مثال ذلك "المتكلم- والمريد- والفاعل- والصانع". فهذه الألفاظ لا
تدخل في أسمائه ، ولهذا غلط من سماه بهذه الأسماء؟ لأن الكلام والإرادة والفعل والصنع منقسمة إلى محمود ومذموم.
ومن أجل ذلك كان باب الصفات أوسع من باب الأسماء، فالله يوصف بصفات كالكلام، والإرادة، والاستواء، والنزول، والضحك، ولا يشتق له منها أسماء، فلا يسمى با لمتكلم، والمريد، والمستوي، والنازل، والضاحك، (فهذه الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في أسماء الله الحسنى، لأنها لا تدل في حال إطلاقها على ما يحمد الرب به ويمدح).
وفي المقابل هناك صفات ورد إطلاق الأسماء منها كالعلو، والعلم، والرحمة والقدرة، لأنها في نفسها صفات مدح والأسماء الدالة عليها أسماء مدح) فمن أسمائه: العلي، والعليم، والرحيم، والقدير.
قال ابن القيم رحمه الله: (إن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه، بل يطلق عليه منها كمالها، وهذا كالمريد والفاعل والصانع، فإن هذه الألفاط لا تدخل في أسمائه، ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق، بل هو الفعال لما يريد، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة، ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا).
وقال رحمه الله: (ومن هنا يتبتن لك خطأ من أطلق عليه اسم الصانع والفاعل والمربي ونحوها؟ لأن اللفظ الذي أطلقه سبحانه على نفسه وأخبر به عنها أتم من هذا، وأكمل وأجل شأنا، فإنه يوصف من كل صفة كمال بأكملها وأجلها وأعلاها.
فيوصف من الإرادة بأكملها وهو الحكمة وحصول كل ما يريد بإرادته ... وكذلك العليم الخبير أكمل من الفقيه العارف، والكريم الجواد أكمل من السخي، والرحيم أكمل من الشفيق، والخالق البارىء المصور أكمل من الفاعل الصانع؟ ولهذا لم تجئ هذه في أسمائه الحسنى، فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات، والوقوف معها وعدم إطلاق مالم يطلقه على نفسه، مالم يكن مطابقا لمعنى أسمائه وصفاته، وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته لها دون اللفظ، ولاسيما إذا كان مجملا أو منقسما أو مما يمدح به غيره فإنه لا يجوز إطلاقه إلا مقيدا، وهذا كلفظ الفاعل والصانع فإنه لا يطلق عليه في أسمائه الحسنى إلا إطلاقا مقيدا كما أطلقه على نفسه كقوله: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْمن كُلَّ شَيْءٍ} ، فإن اسم "الفاعل" و"الصانع" منقسم المعنى إلى ما يمدح عليه ويذم، فلهذا المعنى لم يجىء في الأسماء الحسنى "المريد" كما جاء فيها "السميع" "البصير"، ولا "المتكلم، الآمر، الناهي" لإنقسام مسمى هذه الأسماء، بل وصف نفسه بكمالاتها وأشرف أنواعها.
وقال رحمه الله: (وما كان مسماه منقسما إلى كامل وناقص وخير وشر لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى. كالشيء والمعلوم. ولذلك لم يسم بالمريد ولا بالمتكلم. وإن كان له الإرادة والكلام، لانقسام مسمى "المريد" و"المتكلم" وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى. فتأمله، وبالله التوفيق). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم، فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها، والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح، وأما الكلام والإرادة فلما كان جنسه ينقسم إلى محبوب كالصدق والعدل، وإلى مذموم كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم جاء ما يوضح به من الكلام والإرادة في أسماء تخص المحمود كاسمه الحكيم والرحيم والصادق والمؤمن والشهيد والرؤوف والحليم والفتاح ونحو ذلك.
فلهذا لم يجىء في أسمائه الحسنى المأثورة المتكلم المريد).
وقال رحمه الله: (إن الله سبحانه له الأسماء الحسنى، كما سمى نفسه بذلك، وأنزل كتبه، وعلمه من شاء من خلقه كاسمه (الحق) و (العليم) ، و (الرحيم) و (الحكيم) و (الأول) و (الآخر) و (العلي) و (العظيم) و (الكبير) ونحو ذلك. وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما، والله له الأسماء الحسنى، وليس له مثل السوء قط، فالأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم لا توجد في أسماء الله الحسنى، لأنها لا تدل على ما يحمد الرب ويمدح، فالإرادة إذا أخذت مطلقا وقيل: "المريد" فالمريد قد يريد خيرا، يحمد عليه، وقد يريد شرا يذم عليه، وإذا أخذ الكلام وقيل: "متكلم" فالمتكلم بصدق وعدل، وقد يتكلم بكذب وظلم، ولذلك لم تذكر مطلقة). ))

 
المنهج الثالث:
منهج المتوسطين الذين اشتقوا من كل صفة وفعل اسما ولم يفرقوا بين البابين- أي باب الأسماء وباب الصفات- بل إنهم يدخلون ما يتعلق بباب الإخبار أحيانا.
ومن هؤلاء ابن العربي المالكي وابن المرتضى اليماني والشرباصي.
الظاهر أن الصواب : منهج المتوسعين.
ثم أنقل هذين الجوابين من موقع الإسلام سؤال وجواب:

السؤال:ما معنى من أحصاها دخل الجنة ؟
الجواب :
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي :
1- حفظها .
2- معرفة معناها .
3- العمل بمقتضاها : فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره ، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره ، وإذا علم أنّه الرحيم ، فإنه يفعل من الطاعات ما هو سبب لهذه الرحمة ... وهكذا .
4- دعاؤه بها ، كما قال عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 . وذلك كأن يقول : يا رحمن ، ارحمني ، يا غفور ، اغفر لي ، يا توّاب ، تُبْ عليّ ونحو ذلك .
قال الشيح محمد بن صالح العثيمين : " وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك :
أولاً : الإحاطة بها لفظاً .
ثانياً : فهمها معنى .
ثالثاً : التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان :
الوجه الأول : أن تدعو الله بها ؛ لقوله تعالى : ( فادعوه بها ) الأعراف/180 ، بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك ، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك ، فعند سؤال المغفرة تقول : يا غفور ، اغفر لي ، وليس من المناسب أن تقول : يا شديد العقاب ، اغفر لي ، بل هذا يشبه الاستهزاء ، بل تقول : أجرني من عقابك .
الوجه الثاني : أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء ، فمقتضى الرحيم الرحمة ، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله ، هذا هو معنى إحصائها ، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/74) .
والله أعلم


الإسلام سؤال وجواب

هل أسماء الله تعالى الحسنى تسعة وتسعون اسماً فقط ؟ أم أنها أكثر من ذلك.
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد . انظر : "المحلى" (1/51) .
وهذا الذي قاله ابن حزم رحمه الله لم يوافقه عليه عامة أهل العلم ، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد . وكأنهم اعتبروا قول ابن حزم شذوذاً لا يلتفت إليه .
واستدلوا على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى في هذا العدد بما رواه أحمد (3704) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه ، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/374) عن هذا الحديث :
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ .
وقال أيضاً (22/482) :
قَالَ الخطابي وَغَيْرُهُ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : ( إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) أَنَّ فِي أَسْمَائِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : إنَّ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) فَأَمَرَ أَنْ يُدْعَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ .
ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم اتفاق العلماء على ذلك ، فقال :
اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَصْر لأَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , فَلَيْسَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاء غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ , وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة , فَالْمُرَاد الإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لا الإِخْبَار بِحَصْرِ الأَسْمَاء اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال :
" أسماء الله ليست محصورة بعدد معين ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك . . إلى أن قال : أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) .
وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء ، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة ، فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة ، ونظير هذا قول العرب : عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله . فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة ؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء" اهـ .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/122) .
الإسلام سؤال وجواب
 
السؤال:ما معنى من أحصاها دخل الجنة ؟
الجواب :
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
والإحصاء المذكور في الحديث يتضمّن ما يلي :
1- حفظها .
2- معرفة معناها .
3- العمل بمقتضاها : فإذا علم أنّه الأحد فلا يُشرك معه غيره ، وإذا علم أنّه الرزّاق فلا يطلب الرّزق من غيره ، وإذا علم أنّه الرحيم ، فإنه يفعل من الطاعات ما هو سبب لهذه الرحمة ... وهكذا .
4- دعاؤه بها ، كما قال عزّ وجلّ : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف/180 . وذلك كأن يقول : يا رحمن ، ارحمني ، يا غفور ، اغفر لي ، يا توّاب ، تُبْ عليّ ونحو ذلك .
قال الشيح محمد بن صالح العثيمين : " وليس معنى إحصائها أن تكتب في رقاع ثم تكرر حتى تحفظ ولكن معنى ذلك :
أولاً : الإحاطة بها لفظاً .
ثانياً : فهمها معنى .
ثالثاً : التعبد لله بمقتضاها ولذلك وجهان :
الوجه الأول : أن تدعو الله بها ؛ لقوله تعالى : ( فادعوه بها ) الأعراف/180 ، بأن تجعلها وسيلة إلى مطلوبك ، فتختار الاسم المناسب لمطلوبك ، فعند سؤال المغفرة تقول : يا غفور ، اغفر لي ، وليس من المناسب أن تقول : يا شديد العقاب ، اغفر لي ، بل هذا يشبه الاستهزاء ، بل تقول : أجرني من عقابك .
الوجه الثاني : أن تتعرض في عبادتك لما تقتضيه هذه الأسماء ، فمقتضى الرحيم الرحمة ، فاعمل العمل الصالح الذي يكون جالباً لرحمة الله ، هذا هو معنى إحصائها ، فإذا كان كذلك فهو جدير لأن يكون ثمناً لدخول الجنة " انتهى .
"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (1/74) .
والله أعلم


أشكر لك مشاركتك أخي صلاح الدين ،
ولا أختلف معك بشيء مما جئت به ، ولكن ألا يفترض مسبقا لتحقيق الشروط التي ذكرتها لمعنى إحصاء أسماء الله الحسنى أن نعرف أولا ما هي هذه الأسماء وأن نميزها مما ليس من الأسماء الحسنى؟ فهذا الموضوع يشكل العمود الفقري لكتاب الرضواني .وأخشى أنك تعجلت في الحكم على الرجل ، وأن مضامين كتابه المتميز لم تتناهى إلى علمك .



الإسلام سؤال وجواب

هل أسماء الله تعالى الحسنى تسعة وتسعون اسماً فقط ؟ أم أنها أكثر من ذلك.
الحمد لله
روى البخاري (2736) ومسلم (2677) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
استدل بعض العلماء (كابن حزم رحمه الله) بهذا الحديث على أن أسماء الله تعالى محصورة في هذا العدد . انظر : "المحلى" (1/51) .
وهذا الذي قاله ابن حزم رحمه الله لم يوافقه عليه عامة أهل العلم ، بل نقل بعضهم (كالنووي) اتفاق العلماء على أن أسماء الله تعالى ليست محصورة في هذا العدد . وكأنهم اعتبروا قول ابن حزم شذوذاً لا يلتفت إليه .
واستدلوا على عدم حصر أسماء الله تعالى الحسنى في هذا العدد بما رواه أحمد (3704) عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلَاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا . صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .
فقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) دليل على أن من أسماء الله تعالى الحسنى ما استأثر به في علم الغيب عنده ، فلم يطلع عليه أحداً من خلقه ، وهذا يدل على أنها أكثر من تسعة وتسعين .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (6/374) عن هذا الحديث :
فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً فَوْقَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ اهـ .
وقال أيضاً (22/482) :
قَالَ الخطابي وَغَيْرُهُ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَسْمَاءً اسْتَأْثَرَ بِهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : ( إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) أَنَّ فِي أَسْمَائِهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : إنَّ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ أَعْدَدْتهَا لِلصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ . وَاَللَّهُ فِي الْقُرْآنِ قَالَ : ( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) فَأَمَرَ أَنْ يُدْعَى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَقُلْ : لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُ الْحُسْنَى إلا تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا اهـ .
ونقل النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم اتفاق العلماء على ذلك ، فقال :
اتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيث لَيْسَ فِيهِ حَصْر لأَسْمَائِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى , فَلَيْسَ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاء غَيْر هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ , وَإِنَّمَا مَقْصُود الْحَدِيث أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَة وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّة , فَالْمُرَاد الإِخْبَار عَنْ دُخُول الْجَنَّة بِإِحْصَائِهَا لا الإِخْبَار بِحَصْرِ الأَسْمَاء اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ذلك فقال :
" أسماء الله ليست محصورة بعدد معين ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : ( اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك . . إلى أن قال : أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) .
وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يُعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .
فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء ، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة ، فقوله (مَنْ أَحْصَاهَا) تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة ، ونظير هذا قول العرب : عندي مائة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله . فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المائة ؛ بل هذه المائة معدة لهذا الشيء" اهـ .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (1/122) .

الإسلام سؤال وجواب


لم يخرج ما اقتبسته هنا - أخي صلاح الدين - عما جاء به الرضواني بتفصيل أوسع في الجمع بين الحديثين .وإن شئت التحقق فاقرأ الكتاب ثم عد للرد عليه في هذه الجزئية أو في سواها .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


كتاب الرضواني المذكور آنفاً عليه مآخذ تتضح بقراءة كتاب نفيس للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي عميد البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،واسم الكتاب هو: (معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)​

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .​

بارك الله فيك أخي صلاح الدين على هذا التعقيب ، وأعتذر مقدما على تأخري في الرد عليك ، وإن لي بضع ملاحظات على تعقيبك ، الأول : لا يصح لك ولا للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة التميمي - حفظكما الله - أن تعتقدا أن ما جاء في كتاب الدكتور محمد يمثل معتقد أهل السنة والجماعة حصرا في أسماء الله الحسنى كما يوحي كتابه عنوانا ومضمونا ، ذلك أن اختلاف بعض العلماء عما يعتقده الدكتور لا يقصي مخالفيه خارج الجماعة .
ثانيا : يبدو لي من تعقيبك الثمين أنك لم تطلع على كتاب الرضواني الذي لا أتعصب له تعصبك لكتاب الدكتور محمد بن خليفة التميمي الذي أحلتنا ، مشكورا ، لرابطه . وأنا لم أقم برفع الكتاب لأني مفتون فيه ، رغم إعجابي بما جاء به وبطريقة تفكيره غير التقليدية . كل ما في الأمر أني أحببت أن يستفيد زملائي الأفاضل في هذا المنتدى من كتاب لفت انتباهي في معالجته لموضوع إشكالي إلى حد ما ، هو : موضوع الأسماء الحسنى الثابتة لله عز وجل ، ومتن الكتاب يعالج إشكالات الموضوع بشكل مستفيض ، وإن كان مكرورا في بعض الأحيان .
ثالثا : لو أنك تأنيت قليلا في التعقيب حتى أكمل بقية الشروط التي وضعها الرضواني لإحصاء أسماء الله الحسنى لتخليت عن الغالبية العظمى من ملاحظاتك على كتابه وشروطه ، وكان يكفيك أن تلاحظ ما ذيلت به الشرط الأول إذ قلت :" يتبع إن شاء الله ... " وبخط مميز ، لكي تعلم أن الموضوع لا يحكم عليه بدون معرفة بقية الشروط .​

لذلك اسمح لي أن أستعمل ردي على تعقيبك لكي أكمل موضوع الشروط التي وضعها الرضواني لإحصا أسماء الله الحسنى .​

يقول الرضواني في كتابه المشار إليه سابقا :​

الشرط الثاني: علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية .

يشترط في إحصاء الأسماء الحسنى وجمعها من الكتاب والسنة علمية الاسم، فلا بد أن يرد في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب وخطابهم الله عز وجل على ما يعرفون من قواعدها وأصولها، ومن ثم فإن قواعد اللغة تعد أساسا مهما في تمييز الاسم والتعرف عليه .
ويتميز الاسم عن الفعل والحرف بخمس علامات لغوية أساسية معروفة، كأن يدخل عليه حرف الجر، كما ورد في قول الله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ }[الفرقان:58]، وكذلك قوله: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }[فصلت:2]، أو يرد الاسم منونا؛ فالتنوين من علامات الاسمية كقوله تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }[سبأ:15]، وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }[النساء:17] .
أو تدخل عليه ياء النداء كما ورد عند البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ ) (1) ، وكما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنهأنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا: ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ) (2) ، أو يكون الاسم معرفا بالألف واللام، فذلك من أهم العلامات المميزة للاسم كما ورد في قوله تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [الأعلى:1]، وقوله عز وجل: { تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } [يس:5]، أو يكون المعنى مسندا إليه محمولا عليه كقوله تعالى: { الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان:59]، وقوله: { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ } [الكهف:58]، فالمعنى في الآيتين ورد محمولا على اسم الله الرحمن واسمه الغفور مسندا إليهما وهذه من أهم العلامات التي تميز الاسم وعلميته .
قال في شرح قطر الندى في معنى الإسناد إليه: ( وهي الحديث عنه كقام زيد فزيد اسم لأنك حدثت عنه بالقيام وهذه العلامة أنفع العلامات المذكورة للاسم ) (3).
وقال ابن هشام الأنصاري: ( الإسناد إليه وهو أن يسند إليه ما تتم به الفائدة سواء كان المسند فعلا أو اسما أو جملة .. وهذه العلامة هي أنفع علامات الاسم ) (4 )، فهذه خمس علامات يتميز بها الاسم عن الفعل والحرف، وقد جمعها ابن مالك في قوله:

بالجر والتنوين والندا وأل : ومسند للاسم تمييز حصل (5) .

أما الدليل على هذا الشرط فهو مأخوذ من قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، وقوله أيضا: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]، ووجه الاستدلال أنه سبحانه قال: ولله الأسماء، فله الأسماء، ولم يقل: ولله الأوصاف الحسنى أو فله الأفعال الحسنى وشتان بين الأسماء والأوصاف عند سائر العلماء وسائر العقلاء، فالوصف لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بموصوفه، والفعل لا يتم إلا بفاعله؛ إذ لا يصح أن نقول: الرحمة استوت على العرش، أو العزة أجرت الشمس، أو العلم والحكمة والخبرة وغير ذلك من الصفات أنزلت الكتاب وأظهرت على النبي صلى الله عليه وسلم ما غاب، فهذه كلها أوصاف لا تقوم بنفسها بخلاف الأسماء الدالة علي المسمى الذي اتصف بها، ولذلك قال سبحانه وتعالى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[طه:5]، فذكر الاسم وهو يتضمن الوصف دون انعكاس، وقال تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس:38]، فاسم الله العزيز دل على وصف العزة دون العكس، وقال عز وجل:{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [الزمر:1]، وقال أيضا: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير } [التحريم:3] .
وجميع المواضع التي يذكر فيها الاسم المميز بعلاماته الخمس فإنه يكون في موضعه علما ووصفا معا، بخلاف انفراد الوصف أو الفعل، فلا بد من قيام الوصف بموصوفه وقيام الفعل بفاعله، وبخلاف أسمائنا وأوصافنا أيضا، لأنه من الأمور الجوهرية في فهم الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات ضرورة التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق والاسم ودلالته في حق الخالق .
وعدم فهم هذه المسألة أحدث لبسا أو غموضا عند بعض أهل العلم وتردد في إدخال اسم الجميل الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (6)، ظنا منه أن اسم الله الجميل في هذا الموضع وصف وليس اسما، وهو من باب الخبر كما تقول: سعيد سعيد؛ فالأول عند العقلاء اسم والثاني وصف، وكذلك ظنهم في اسم الله الوتر والطيب والجواد والحيي والستير والمحسن والرفيق حيث اعتقدوا أنها أوصاف لله عز وجل وليست من الأسماء الحسنى .
وهذا الظن غالبا ما ينشأ في توحيد الأسماء والصفات من عدم التمييز بين دلالة الاسم على الوصف في حق الله تعالى ودلالته في حقنا، فلو قلنا مثلا: سعيدٌ سعيد كلاهما من الناحية اللغوية اسمان، لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره، ولا يعني المنادي في ندائه أو مخاطبته سعيدا غير ذاته المتميزة بالاسم فقط، بغض النظر إن كانت صفة السعادة موجودة فيه أم معدومة فالاسم في حق البشر فارغ من الوصفية عند التسمي أو حال الولادة، لأن وجود الوصف وتحققه فيه مستقبلا يكون مجرد احتمال، بل لما سمى الإنسان سعيدا عند الولادة فإن أحدا لا يعلم أنه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا، لأن ذلك أمر غيبي غير معلوم أو سر مخبأ في قدره المحتوم، فلما اكتسب المولود المسمى سعيدا وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت به ووصف بها استدعى ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول صفة السعادة فيه واكتسابه لها، فقلنا: سعيد سعيد أو سعيد في منتهى السعادة .
أما الأسماء في حق الله عز وجل فتختلف اختلافا كليا عن ذلك، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته وأفعاله كما قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11]، فأسماؤه علمية ووصفية معا في آن واحد، ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق، ولذلك لم يقل النبيصلى الله عليه وسلم فيما ثبت من الروايات: إن الجواد سبحانه جواد، وإن المحسن عز وجل محسن، وإن الحيي الستير حيي ستير، وإن الجميل سبحانه جميل، والوتر وتر، كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح؛ لأن الأسماء في حق الله عز وجل أعلام وأوصاف، سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا، مبتدأ أو خبرا، أو في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف معا .
أما الأسماء في حقنا فهي على الأغلب أعلام بلا أوصاف فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح، لكن لو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا بلا معنى يتنزه عنه من أوتي جوامع الكلم e ، ولذلك فإن الثابت عن النبي e أنه قال: ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ) (7) ، فالجميل اسم لله عز وجل ورد في الحديث منونا والتنوين من علامات الاسمية، وأضيف إليه المعنى بعده، وهو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : يحب الجمال، وكذا الحال في اسم الله الجواد الذي ورد من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جَوادٌ يُحِبُّ الجودَ ) (8).
وكذلك الوتر ورد عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ) (9)، والرفيق اسم ورد عند الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ) (10)، والمحسن ورد عند الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فإِنَّ اللهَ محسِن يُحِبُّ الإحْسان ) (11)، والحيي والستير وردا كذلك عند أبي داود من حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ ) (12).
ومن ثم فإن اسم الله الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير وغير ذلك من الأسماء الحسنى كلها تدل على العلمية والوصفية معا، لأن الله عز وجل أسماؤه وأوصافه أولية أزلية ودائمة أبدية، فلم يطرأ عليه وصف كان مفقودا أو يستجد به كمال لم يكن موجودا كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح على سعيد ومنصور وصالح، وسوف يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله عند الحديث عن دلالة الأسماء على الصفات، ومن ثم فإن الشرط الثاني من شروط الإحصاء علمية الاسم لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، ولم يقل الأوصاف أو الأفعال، كما أن معنى الدعاء أن تدخل علي الأسماء أداة النداء، سواء ظاهرة أو مضمرة، والنداء من علامات الاسمية، فلا بد أن تتحقق في الأسماء الحسنى علامات الاسم اللغوية، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله هذا الشرط ضمن قوله: ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) (13) .
وعليه فإن كثيرا من الأسماء المشتهرة على ألسنة الناس هي في الحقيقة أوصاف وأفعال وليست من الأسماء الحسنى، ونحن قد علمنا من مذهب السلف الصالح أن أسماء الله الحسنى نصية توقيفية، لا بد فيها من أدلة قرآنية أو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية، وليست أسماء الله مسألة عقلية اجتهادية يشتق فيها الإنسان لربه من وصفه أو فعله ما يشاء من الأسماء، فهذا قول على الله بلا علم أو دليل .
وكثير من العلماء لاسيما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم جعلوا المرجعية في علمية الكثير من الأسماء إلى أنفسهم واجتهادهم، وليست إلى النص الثابت في الكتاب والسنة، وهذا يعارض ما اتفق عليه السلف الصالح في كون الأسماء الحسنى توقيفية .
ومثال الأسماء التي تدخل تحت هذه النوعية، تسمية الله عز وجل بالمعز المذل الخافض المبديء المعيد الضار النافع المميت الباعث الباقي العدل المحصي المقسط المغني، فمن الذي سمى الله بهذه الأسماء؟! هل سمى الله نفسه بها أم سماه رسوله صلى الله عليه وسلم ؟!
هذه الأسماء جميعها لم ينطبق عليها الشرط الأول ولا الشرط الثاني وهو ورود النص بعلمية الاسم؛ وقد سبق وأشرنا أن المعز والمذل اسمان اشتهرا بين الناس شهرة واسعة على أنهما من الأسماء الحسنى، وهما وإن كان معناهما صحيحا لكنهما لم يردا في القرآن أو السنة اسمين علمين على ذات الله عز وجل، فقد ذكرهما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وكذلك عند ابن ماجة والبيهقي وغيرهم (14) .
أما حجتهم أو دليلهم على الاسمين فهو قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26] .
وكذلك اسم الخافض استندوا فيه إلى ما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ) (15) ، واستند الإمام البيهقي في ثبوته إلى المعنى الذي ورد في قوله تعالى: { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن:29]، وما ذكره بسنده مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مِنْ شَأنه أنْ يِغفرَ ذَنبا وَيفَرِّج كَربا وَيرْفَعُ قَومَا وَيَضَعُ آخَرين ) ( 16) ، وهذا غير كاف في إثبات الاسم .
وكذلك أيضا اسم المبديء والمعيد ذكرهما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك البيهقي وغيرهم كثير فقد اشتقوا هذين الاسمين باجتهادهم استنادا إلى الأفعال كما قوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [البروج:13]، ومعلوم أن أسماء الله عز وجل توقيفية وليس في الآيتين سوى الفعلين فقط، وكذلك أيضا الضار والنافع اسمان مشهوران استندوا فيهما إلى المفهوم من قوله تعالى: { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [الأعراف:188]، أو ما ورد عند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عباس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ) (17) .
ولم يُذكر في الآية أو الحديث النص على الاسم أو حتى الفعل ولم أجد في القرآن أو في السنة إلا الفعل نفع فيما ورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللهُ بِذَلِكَ ) (18)، وهذا أيضا لا يكفي في إثبات الاسم لأن تسمية الله بما نشاء ليس من حقنا ولم يرد به إذن شرعي، أما الضار فالجميع استند إلى المفهوم من الآية والحديث (19).
وكذلك تسمية الله عز وجل بالعدل، والعدل معناه صحيح في حق الله ولكنه لم يرد اسما ودليلهم المعنى المفهوم من قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90]، أو قوله سبحانه وتعالى:{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الأنعام:115]، أو قوله سبحانه: { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } [الانفطار:7]، وهذا كله غير كاف في إثبات الاسم، وليس من حقنا تسمية الله بما لم يسم به نفسه .
وكذلك تسمية الله سبحانه وتعالى بالجليل حيث ذكره جمع كبير من العلماء وهو محفوظ ضمن الأسماء المشهورة؛ مع أن الاسم لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ومن أدرجه استند في إثباته إلى اجتهاده في الاشتقاق من الوصف الذي ورد في قوله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ } [الرحمن:27]، وقوله سبحانه وتعالى أيضا: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ َوالْإكْرَامِ } [الرحمن:78]، وهذا غير كاف في التسمية فذو من الأسماء الخمسة وليست من الأسماء الحسنى، وفرق كبير بين الجلال والجليل أو بين الوصف والاسم، كما أن الله عز وجل وصف نفسه بالقوة فقال: { ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات:58] وسمى نفسه القوي فقال: { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } [الشورى:19]، ووصف نفسه بالرحمة فقال تعالى: { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ } [الأنعام:133]، وسمى نفسه الرحمن الرحيم فقال: { تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [فصلت:2]، ولما كانت أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية ولا يجوز لنا أن نسمي الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله وصف نفسه بالجلال ولم يسم نفسه الجليل .
ومن ذلك أيضا تسمية الله بالباعث استنادا إلى الاشتقاق من الفعل الذي ورد في قوله تعالى: { وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } [الأنعام:36]، وقوله: { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:56]، وتسميتهم لله بالمحصي استنادا لقوله سبحانه وتعالى:{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس:12]، أو قوله: { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة:6] .
وكذلك التسمية بالمميت والقاضي استندوا في ذلك إلى اجتهادهم في الاشتقاق من الفعل الذي ورد في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [غافر:68]، وتسمية الله بالمقسط لم يستندوا فيها إلى وصف أو فعل ولكن إلى أمره تعالى بالقسط ومحبته للمقسطين كما في قوله تعالى: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [الأعراف:29]، وقوله عز وجل:{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [المائدة:42]، وكذلك تسميته بالمانع استنادا إلى اجتهادهم في الاشتقاق من الفعل الذي ورد في حديث معاوية رضي الله عنه مرفوعا: ( اللهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ ) (20) .
وكذلك تسمية الله بالمغني استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في قوله: { حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور:33]، وأيضا تسمية الله بالباقي لم أجد دليلا استندوا إليه إلا ما ورد في قوله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ َالْإكْرَامِ } [الرحمن:27]، والدافع استندوا إلى المصدر من الفعل دفع في قوله: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة:251] (21) ، وكذلك تسمية الله سبحانه وتعالى بالمصلي استنادا إلى اشتقاقهم من الفعل في قوله: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب:43]، أو قوله عز وجل:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56]، وقس على ذلك أيضا تسمية الله سبحانه بالفاتن والبالي والراتق والساتر والسخط والمبغض والمحب والمفني والمنجي والمرشد والمنزع وغير ذلك من الأسماء التي اشتقت من أوصاف الله وأفعاله .
والأمثلة في ذلك كثيرة والقصد أن كثيرا من الأسماء المدرجة والمشتهرة على ألسنة العامة والخاصة ليست من الأسماء الحسنى وإنما هي أوصاف لله عز وجل أو أفعال وهي إن كان معناها حق إلا أن دورنا حيال الأسماء الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والإنشاء أو تسمية الله بما نشاء .
والله سبحانه وتعالى لا يقاس على خلقه بقياس تمثيلي أو شمولي (22) ، لأن أفعاله صادرة عن أسمائه وصفاته بعكس أسماء المخلوقين فهي صادرة عن أفعالهم؛ فالرب تبارك وتعالى أفعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن أفعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، أما الرب سبحانه فلم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، كمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به (23) ، ومن ثم فإن ورود النص صريحا بعلمية الاسم من أهم الضوابط أو الشروط في التعرف على أسماء الله الحسنى، وسيأتي بإذن الله تعالى حصر الأسماء التي أدرجت في الروايات والتي لم تنطبق عليها شروط الإحصاء .

الشرط الثالث: إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد .

من الشروط الأساسية اللازمة لإحصاء الأسماء الحسنى أن يرد الاسم في سياق النص مفردا مطلقا دون إضافة مُقَـيِّدة أو قرينة ظاهرة تحد من الإطلاق وذلك بأن يفيد المدح والثناء على الله بنفسه؛ لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر ما أضيف إليه الاسم أو قيد به، والله سبحانه وتعالى ذكر أسماءه باللانهائية في الحسن وهذا يعني الإطلاق التام الذي يتناول جلال الذات والصفات والأفعال .
وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الأعراف:180]، أي البالغة مطلق الحسن بلا حد ولا قيد، قال الإمام القرطبي: ( وحسن الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع لإطلاقها والنص عليها، وانضاف إلى ذلك أنها تقتضي معاني حسانا شريفة ) (24) ، وقال الآلوسي: ( الحسنى أنيث الأحسن أفعل تفضيل ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها لأنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها ) (25) .
ويدخل في معنى الإطلاق اقتران الاسم بالعلو المطلق لأن معاني العلو جميعها سواء علو الشأن أو علو القهر أو علو الذات والفوقية هي في حد ذاتها إطلاق؛ فالعلو يزيد الإطلاق كمالا على كمال وجلالا فوق الجلال، وقد ذكر الله من أسمائه الحسنى القدير فقال: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التوبة:39] حيث ورد الاسم في الآية مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ومقرونا بمعاني العلو والفوقية، وفي موضع آخر ذكره مطلقا فقط من غير اقتران بالعلو فقال سبحانه: { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الممتحنة:7]، وعند المقارنة بين الموضعين نجد أن العلو لا يحد من إطلاق الوصف، بل يزيده كمالا على كمال وجمالا فوق الجمال .
ومن ثم فإن كل اسم اقترن بمعاني العلو أو الفوقية فهو مطلق في الدلالة على الحسن والكمال يفيد المدح والثناء على الله بنفسه، كقوله تعالى في اسمه المقيت: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً } [النساء:85]، وقوله عز وجل في اسمه الشهيد: { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [سبأ:47]، وكذلك اسم الله الحفيظ في قوله تعالى: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [سبأ:21]، والرقيب في قوله سبحانه: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } [الأحزاب:52]، والحسيب أيضا في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } [النساء:86]، والمقتدر في قوله جل وعلا:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً } [الكهف:45]، وكذلك القاهر في قوله: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام:18] .
وكذلك أيضا إذا ورد الاسم معرفا بالألف واللام مطلقا بصيغة الجمع والتعظيم فإنه يزيد الإطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا، وينفي في المقابل أي احتمال لتعدد الذوات أو دلالة الجمع على غير التعظيم والإجلال كما ورد في قوله تعالى: { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المرسلات:23]، وقوله سبحانه وتعالى:{ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ } [الحجر:23]، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }[الصافات:75] .
وهذا الشرط ذكره ابن تيمية ضمن تعريفه للأسماء الحسنى حيث قال: ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) (26) .
وإذا كانت الأسماء الحسنى لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كاسم الله الخالق والخلاق والرازق والرزاق؛ أو لا تخلو من تخصيص عقلي ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض كالأسماء الدالة على صفات الرحمة والعفو والمغفرة مثل الرحيم والعفو والغفور والغفار؛ فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور، وإنما المقصود هو التقييد بالإضافة الظاهرة في النص التي تستدعي أن يذكر الاسم كما ذكره الله ورسوله e كالغافر والقابل والشديد في قوله: { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } [غافر:3] .
وكذلك الفاطر والجاعل في قوله تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً } [فاطر:1]، والمنزل والسريع في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب على المشركين فقال في دعائه: ( اللهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ ) (27) ، فهذا كله تقييد يجعل حسن الاسم مقرونا بالإضافة الظاهرة في النص، ولو أطلق لا يصح كإطلاق البالغ فيما قيده الله بالإضافة في قوله: { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [الطلاق:3]، وأيضا الخادع في قوله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142]، وكذلك لا يصح إطلاق العدو في قوله: { مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة:98]، وكذلك المخزي يذكر كما ورد في قوله: { وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } [التوبة:2]، وهكذا في سائر الأسماء التي قيدها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن الأسماء التي لم ينطبق عليها شرط الإطلاق المحيي حيث ورد مقيدا في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى } [فصلت:39]، والرفيع في قوله سبحانه وتعالى:{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } [غافر:15]، والمتم في قوله: { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } [الصف:8] .
وكذلك المستعان في قوله تعالى عن يعقوب صلى الله عليه وسلم:{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18]، وقد يظن البعض أن الاسم ورد مطلقا فيما رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه: ( افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ) (28) ، والأمر ليس كذلك لأمور منها أن الإطلاق في المستعان ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد دار الأمر بين الصحابيين، ومنها أن المقصود هو طلب عثمان رضي الله عنه الاستعانة والصبر على إنجاز مقتضى الوعد أخذا من قول يعقوب عليه السلام: والله المستعان، ولذلك شك أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في قول عثمان رضي الله عنه هل قال: الله المستعان أم طلب الصبر من الله؟ ففي رواية مسلم عنه أنه قال: ( فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: فَفَتَحْتُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: وَقُلْتُ الَّذِي قَالَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا أَوِ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ ) (29)، وفي رواية أحمد: ( اللَّهُمَّ صَبْراً وَعَلَى اللَّهِ التُّكْلاَنُ ) (30)، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتأسون بأدعية القرآن كما في حادثة الإفك لما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) (31) ، وكثيرا ما يذكره المفسرون في كلامهم ويدعو به المسلمون في حياتهم اليومية لطلب الاستعانة على حاجة ما، فيذكر أحدهم الاسم مختصرا من غير إضافة وهو يعني الاستعانة المقيدة بقضاء حاجة بعينها، ذكر الدعاء بسببها ولأجلها .
ومن الأسماء التي لم ينطبق عليها شرط الإطلاق الفالق والمخرج في قوله: { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [الأنعام:95]، والحفي في قوله: { قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّا } [مريم:47]، ومن المقيد بالإضافة أيضا اسم النور في قوله: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [النور:35]، والهادي في قوله تعالى: { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الحج:54]، وكذلك البديع في قوله: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [البقرة:117]، والجامع في قوله تعالى: { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } [آل عمران:9]، وكذلك العالم في قوله: { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الرعد:9]، وقوله جل وعلا:{ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [الأنبياء:81]، والعلام في قوله: { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ } [سبأ:48]، والمحيط ورد مقيدا في غير آية كقول الله تعالى: { أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ }[فصلت:54]، هذا فضلا عن إفادة الباء لمعنى الحلول الظرفية وهو أحد معانيها اللغوية (32) ، فيذكر الاسم على تقييده بمعنى الكمال فقط .
ومن الأسماء المقيدة في ظاهر النص والتي لا توافق شرط الإطلاق اسم الله الكاشف الذي ورد في قوله تعالى: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ } [الأنعام:17]، وكذلك الصاحب والخليفة فيما ورد عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند السفر أنه كان يقول: ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الأَهْلِ ) (33) ، وكذلك مقلب القلوب ورد مقيدا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند أبي داود وصححه الألباني قال: ( أكثرُ مَا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحلفٌ بهذه اليَمِين: لا ومُقَلِّبَ القُلوبِ ) (34) ، فلا يصح إطلاق ما قيده النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس من أسمائه الحسنى المقلب على إطلاق اللفظ، وكذلك القائم في قوله سبحانه وتعالى:{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }[الرعد:33] .
ويدخل في حكم المقيد أيضا ما قيد بقرينة ظاهرة تعلق بها الاسم في سياق النص كما في قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة:63/64] حيث قيد اسمه الزارع بما يحرثون، وكذلك المنزل في قوله: { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } [الواقعة:68/69]، وكذلك قيد اسمه المنشيء في قوله تعالى بعد ذلك: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ { [الواقعة:71/72]، والموسع تعلق في ظاهر النص بالسماء والماهد بفراشة الأرض قال تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } [الذاريات:47/48]، وأيضا المستمع ورد مقيدا في قوله: { قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } [الشعراء:15]، وكذلك الفاعل في قوله: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء:104] .
وكذلك اسم الأجل فيما رواه البخاري من حديث البراء رضي الله عنه في قول أبي سفيان يوم غزوة أحد: ( يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟ قَالَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ ) (35) ، والمعنى الظاهر من قرينة النص ورد هم على القائل، الله أعلى وأجل من هبل وآلهتكم الباطلة .
ويجدر التنبيه على أن بعض الصيغ التي يتعلق بها الاسم كصيغة إنا كنا، وما كنا، وإن كنا، وكنا بكل شي، وكفى به، أو كفى بنا، وإنا المقترنة بلام الخبر لا تتوافق مع شرط الإطلاق كالمنذر في قوله عز وجل:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } [الدخان:3]، والمبتلي في قوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيات وَإِنْ كُنَّالَمُبْتَلِينَ } [المؤمنون:30]، والمرسل في قوله: { وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [القصص:45]، والصادق في قوله عز وجل:{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [الأنعام:146]، وكذلك المبرم في قوله تعالى: { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } [الزخرف:79]، والحاسب في قوله عز وجل: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47] .
وهذه الصيغ ــ منذرين مبتلين مرسلين صادقون مبرمون حاسبين ــ ليس فيها من علامات الاسمية إلا الواو والنون أو الياء والنون كبديل عن التنوين في حال الإفراد ولو أفردت لقيل: منذرٍ مبتلي مرسلٍ صادقٌ مبرم حاسبٍ؛ فلم تدخل عليها في هذه المواضع أو غيرها لام التعريف ولا ياء النداء ولا حرف الجر، بخلاف اسمه القادر والوارث والمجيب فهي أسماء صريحة في الصياغة بغض النظر عن إضافة الواو والنون أو عدم إضافتها؛ فهذه الثلاثة معرفة بلام التعريف ومطلقة في دلالتها بنفسها على العلمية وصريحة أيضا بمفردها في صياغتها الاسمية، فإذا اقترنت بالواو والنون أو الياء والنون أو لم تقترن لا يتطرق إليها أي احتمال للكثرة والعددية، ولا يتصور معها التعدد في الذات الإلهية، بل تجعل الجمع محصورا في دلالته على التعظيم مع إثبات العلمية والوصفية، والتعظيم كما علمنا يزيد الإطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا، كما قال سبحانه وتعالى: { وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ } [الحجر:23]، وقال جل شأنه: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ } [الصافات:75]، وقال سبحانه: { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المرسلات:23] .
أما تلك الصيغ فهي أقرب إلى الأفعال الوصفية من العلمية أو من قبيل مشابهة الصفة بالفعل لأن الفعل تتصل به هذه العلامة، فضاربون مثل يضربون، وكذلك مبتلون ومرسلون ومبرمون وحاسبون مثل يبتلون ويرسلون ويبرمون ويحسبون (36) .
ومعلوم أن جمْعها بالواو والنون أو الياء والنون محمول على جمع المذكر السالم في الإعراب كأسماء الجموع، ومن جهة أخرى فإن هذه الصيغ مقيدة بموضع التعظيم والكمال دون المعنى الذي يتطرق إليه الاحتمال؛ وهذا بخلاف التنوين في حال الإفراد أو دخول لام التعريف والنداء (37) .
وأيضا فإن هذه الصيغ تقيد دائما بما ورد من قرينة في السياق لأن تصور التقييد العقلي فيها لا يحسن مع الإطلاق، ولذلك فإن هذه الأسماء يذكرها المفسرون دائما على معنى التقييد، فالفاعل يذكر متعلقا بالشيء المفعول، والمبتلي مثلا يذكر متعلقا بمن وقع عليه الابتلاء، والصادق يذكر مقيدا بما يدفع الكذب والافتراء .
قال ابن جرير الطبري: ( وقوله وإنا لصادقون يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنا حرمنا عليهم وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه ) (38) ، وقال أبو السعود: ( وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شيء مما أحل لهم، وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم، فرد ذلك عليهم وأكد بقوله تعالى: وإنا لصادقون، أي في جميع أخبارنا التي من جملتها هذا الخبر ولقد ألقمهم الحجر ) (39).
والإمام القرطبي مع توسعه في الإحصاء وتسويته بين المقيد والمطلق من الأسماء لم يستطع تفسيرها إلا بتقييد المعنى فقال: ( وإنا لصادقون في أخبارنا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من اللحوم والشحوم ) (40) .
وكذلك أيضا فإن هذه الأسماء لم يذكرها أحد من المحققين الذين التزموا شرط الإطلاق في إحصائهم للأسماء الحسنى، وإنما ذكرها كثير من المتوسعين الذين أجازوا لأنفسهم إطلاق المقيد وفصل المضاف، وتحويل الأفعال والأوصاف إلى أسماء حسنى باجتهادهم في الإحصاء .
ومن الصيغ التي لا تتوافق مع شرط الإطلاق أيضا صيغ التفضيل المقرون بالإضافة كخير الماكرين وخير الناصرين وخير الفاصلين وخير الحاكمين وخير الفاتحين وخير الغافرين وخير المنزلين وخير الراحمين وأسرع الحاسبين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، تلك الصيغ تذكر في حق الله كما هي، ولا يصح فصلها أو إطلاقها ثم جعلها ضمن الأسماء الحسنى التي تفيد المدح والثناء بنفسها، فتقول كما قال البعض: من أسمائه الحسنى الخير والأسرع والأحكم والأرحم، أو تطلق لفظ الماكرين وتفصله عن اللفظ المقارن في خير الماكرين، ثم تسميه الماكر والناصر والغافر والفاصل والفاتح والحاكم والحاسب والراحم وغير ذلك؛ فلا يصح أن نطلق ما قيده الله سبحانه وتعالى أو نفصل ما أضافه رسوله صلى الله عليه وسلم .
وكثير من الذين توسعوا في جمع الأسماء ولم يلتزموا شرط الإطلاق وقعوا عند إحصاء الأسماء في اضطراب شديد حتى بدا جمعهم مبنيا على الاجتهادات الشخصية دون القواعد العلمية أو الأصول المنهجية؛ فأدخل بعضهم ما استحسنه من الأسماء واستعبد منها ما يشاء، ولو ضربنا مثلا بإطلاق جميع المقيد في القرآن واعتباره من الأسماء الحسنى التي توسع المتوسعون في عدها للزم بالضرورة إدخال الأسماء الآتية: الآخذ الأحسن الأحق الأحكم الأرحم الأسرع الأشد الأصدق الأعلم الأقرب الأكبر الأهل والماكر البديع البريء الجاعل الجامع الحاسب الحافظ الحاكم الحفي الخادع الخير الممسك الراحم الرافع الرفيع الزارع السريع الشاهد الشديد الشفيع الصادق العالم العدو العلام الغافر الغالب الفاتح الفاصل الفاطر الفاعل الفالق الفعال القائم القابل الكاتب الكاشف الكافي الماهد المبتلي المبرم المتم المتوفي المحيط المحيي المخرج المخزي المرسل المستعان المستمع المطهر المعذب المغير المنتقم المنذر المنزل المنْشئ المهْلك الموسع الموهن الناصر الهادي الوالي الوحيد .
والمتوسعون أنفسهم ذكروا منها ما شاءوا ففصلوا المضاف وأطلقوا المقيد ومنع الحياء بعضهم أن يطلقوا على ربهم ما قيده في كثير من الأسماء كالعدو والخادع والمخزي والمهلك والمعذب والمنزل فذكروها في كتبهم مقيدة كما هي وخالفوا منهجهم في الإطلاق .
وعلى ذلك فالأسماء المقيدة بالإضافة حسنها أن تذكر على ما ورد به نص كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لا توافق شرط الإطلاق اللازم لإحصاء الأسماء الحسنى، ويجوز الدعاء بها على الوضع الذي قيدت به فتقول: يا مقلب القلوب، ولا تقل: يا مقلب فقط، ومعلوم أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الإخبار أوسع من باب الأفعال (41).


1. البخاري في أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم 3/1213 (3155) .

2. أبو داود في الصلاة، باب الدعاء 2/79 (1495)، صحيح أبي داود1/279 (1326).

3. شرح قطر الندى وبل الصدى ص12 .

4. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب 1/19 .

5. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 3/156، وشرح بن عقيل 1/21 .

6. مسلم في الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91)، من حديث ابن مسعود t .

7. تقدم تخريجه ص 59 .

8. السلسلة الصحيحة (236) (1378) (1627)، وصحيح الجامع (1744) (1800) .

9. مسلم في الذكر، باب في أسماء الله تعالى 4/2062 (2677) .

10. البخاري في كتاب استتابة المرتدين، باب الرد على أهل الذمة 5/2308 (5901) .

11. المعجم الكبير من (7114) إلى (7123)، وانظر صحيح الجامع (1824) .

12. أبو داود في كتاب الحمام 4/39 (4012)، وانظر صحيح أبي داود 2/758 (3387) .

13. شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .

14. الأحاديث التي أدرج فيها الرواة أسماء الله الحسنى كرواية الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم يكمن الرجوع إلى تفصيلها والتعرف على عللها في كتاب: جزء فيه طرق إن لله تسعة وتسعين اسما لأبي نعيم الأصفهاني من ص93: ص172، تحقيق مشهور حسن سلمان، طبعة مكتبة الغرباء الأثرية 1413هـ، وانظر للإمام البيهقي: كتاب الأسماء والصفات ص108، دار الكتب العلمية، بيروت، والاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث ص57 .

15. مسلم في الإيمان، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179).

16. الأسماء والصفات للبيهقي ص 99.

17. الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516)، صحيح الجامع (7957) .

18. البخاري في فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلملو كنت متخذا خليلا 3/1341 (3467) .

19. الأسماء والصفات ص 96.

20. البخاري في الدعوات، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .

21. انظر المزيد عن الأسماء التي اشتقها العلماء من الصفات والأفعال في كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير 7/228، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 80، ص102 .

22. قياس التمثيل هو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة، وهو محرم في باب الأسماء والصفات لأن الممثل يجعل صفة الله فرعا وصفته أصلا ويحكم بينهما بالتماثل لعلة الاشتراك في الصفة عند التجرد عن الإضافة وهذا باطل، أما قياس الشمول فهو قياس كلي علي جزئي ويستخدمه المشبه والمكيف ومثاله قولهم: لو كان علي العرش لكان محمولا، ولو كان في مكان لكان محصورا، ولو كان كذا لكان كذا، فالمشبه يجعل هذه القوانين التي تحكمنا قانونا شاملا عاما ويجعل الله تعالي فردا من البشر تسري عليه تلك القوانين، ويجدر التنبيه على أنه يجوز في حق الله قياس الأولي لقوله: }وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى { [النحل:60]، وهو كل كمال لله لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات فالله هو أولى به، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات فالرب هو أولى أن ينزه عنه، انظر مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للمؤلف ص13 .

23. بدائع الفوائد 1/169 بتصرف .

24. تفسير القرطبي 10/343 .

25. روح المعاني 9/120 .

26. شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .

27. البخاري في المغازي، باب من صف أصحابه ثم الهزيمة 3/1072 (2775) .

28. البخاري في فضائل الصحابة y، باب مناقب عمر بن الخطاب t 3/1350 (3490) .

29. مسلم كتاب فضائل الصحابة y، باب من فضائل عثمان بن عفان t 4/1867 (2403) .

30. أحمد في المسند 4/406 (19661) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين .

31. البخاري في أحاديث الأنبياء،باب قول الله تعالى لقد كان في يوسف وأخوته 3/1239 (3208) .

32. شرح ابن عقيل المصري الهمذاني 3/21 .

33. مسلم في الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر 2/978 (1342) .

34. أبو داود في الأيمان والنذور 3/255 (3263)، وانظر صحيح أبي داود 2/629 (2796) .

35. البخاري في الجهاد والسير،باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب 3/1105 (2874) .

36. اللباب في علل البناء والإعراب 2/190 .

37. شرح ابن عقيل 1/60 .

38. تفسير ابن جرير 7/76 .

39. تفسير أبي السعود 3/195 .

40. تفسير القرطبي 7/127 .

41. انظر ما ذكره ابن القيم في ذلك في كتابه بدائع الفوائد1/171 .



.............................. يتبع إن شاء الله ...
 
.............................. يتبع إن شاء الله ...

الشرط الرابع: دلالة الاسم على الوصف .

لا بد لإحصاء الاسم من دلالته على الوصف وأن يكون اسما على مسمى؛ فأسماء الله عز وجل لا تكون حسنى بلا معنى، فلا بد من دلالتها على المعنى الذي تضمنه كل اسم والذي يختلف عن الآخر، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }[الأعراف:180]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به، ولهذا كانت كلها حسنى، والحسنى بخلاف السوأى فكلها حسنة والحسن محبوب ممدوح ) (1).
كما أن الأسماء الجامدة لا مدح فيها، ولا دلالة لها على الثناء، ويلزم أيضا من كونها جامدة أنه لا معنى لها، ولا قيمة لتعدادها أو الدعوة إلى إحصائها، ويترتب على ذلك أيضا رد حديث أبي هريرة رضي الله عنهالذي ورد في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: ( إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمَا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) (2).
كما أن الله عز وجل بين أن أسماءه الحسنى أعلام تدل على ذاته وأوصاف تدل على معاني الكمال، فقال سبحانه في الدلالة على علميتها: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء:110]، فكلها تدل على مسمى واحد، ولا فرق بين الرحمن أو الرحيم أو الملك أو القدوس أو السلام أو المؤمن أو المهيمن أو العزيز أو الجبار أو المتكبر إلى آخر ما ذكر من أسمائه الحسنى في الدلالة على ذاته، فهي من جهة العلمية مترادفة .
أما من جهة دلالتها على الوصفية فهي متنوعة ومختلفة، قال تعالى في الدلالة على وصفيتها: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، ووجه الاستدلال أن دعاء الله بها مرتبط بحال العبد ومطلبه وما يناسب حاجته واضطراره، من ضعف أو فقر، أو ظلم أو قهر، أو مرض أو جهل، أو غير ذلك من أحوال العباد، فالضعيف يدعو الله باسمه القادر القدير المقتدر القوي، والفقير يدعوه باسمه المعطي المقيت الرزاق الغني، والمقهور المظلوم يدعوه باسمه الحي القيوم إلى غير ذلك مما يناسب أحوال العباد والتي لا تخرج على اختلاف تنوعها عما أظهر لهم من أسمائه الحسنى .
ولولا يقين العبد الفقير عند دعائه أن الله سبحانه وتعالى غني قدير موصوف في غناه بأنه لا مثيل له ولا نظير ما التجأ إليه أو دعاه، والله سبحانه وتعالى بين أنه يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء لكمال أسمائه وصفاته، ولانفراده عن عباده بالإلهية المطلقة كما قال سبحانه: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ } [النمل:62]، فعلم العقلاء أنه لا يجيب المضطر إذا دعاه وهو عاجز لا صفة له مطلقا .
وقد ذكر ابن القيم في تعريفه بمنهج السلف الصالح في أسماء الله الحسنى أن الأسماء لها اعتباران: اعتبار من حيث الذات، واعتبار من حيث الصفات، فهي أعلام وأوصاف، وهي بالاعتبار الأول مترادفة وبالاعتبار الثاني متباينة، والوصف بها لا ينافي العلمية بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم (3) ؛ فالرحمن اسمه تعالى ووصفه، لا تنافي اسميته وصفيته، فمن حيث هو صفة جرى تابعا على اسم الله، ومن حيث هو اسم ورد في القرآن علما غير تابع، وكذلك فإن الأسماء مشتقة من الصفات إذ الصفات مصادر الأسماء الحسنى (4) .
وقد استقبح أهل العلم مذهب المعتزلة في إثبات الأسماء ونفي دلالتها على الصفات لأن معنى ذلك أنهم أثبتوا وجود الذات فقط، وجعلوا أسماء الله الدالة عليها أسماء فارغة من الأوصاف أو أسماء بلا مسمى فقالوا: هو العليم بلا علم، والسميع بلا سمع والبصير بلا عين، ومعلوم من مذهب السلف أن أسماء الله في دلالتها على الصفات لا تشبه أسماء المخلوقين في دلالتها، فقد يسمى الإنسان سعيدا وهو حزين، أما رب العزة والجلال فهو الغني الذي اتصف بالغنى دون الفقر، وهو القوي الذي اتصف بالقوة لا الضعف، وهو السميع الذي اتصف بالسمع تعالى الله عن ضدها، وهكذا في سائر الأسماء والصفات، ولهذا كانت أسماؤه حسنى وعظمى ولا تكون حسنى وعظمى بغير ذلك، ومن ثم فإن دلالة الاسم على الوصف شرط من شروط الإحصاء .
أما مثال ما لم يتحقق فيه دلالة الاسم على الوصف من الأسماء الجامدة ما ورد في عند البخاري من حديث أَبِي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قَالَ اللهُ سبحانه وتعالى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ الليْلَ وَالنَّهَارَ ) (5) ، فالدهر ذكره ابن حزم في الأسماء استنادا للحديث (6) ، والأمر ليس كذلك لأن الدهر اسم جامد لا يتضمن وصفا يفيد المدح والثناء على الله بنفسه .
وقد ذكر الشيخ محمد بن صالح العثيمين من أسباب استبعاده أنه لا يحمل معنى يلحقه بالأسماء الحسنى، كما أنه في حقيقته اسم للوقت والزمن كما قال سبحانه وتعالى عن منكري البعث: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ }[الجاثية:24]، وهم يريدون مرور الليالي والأيام، والحديث لا يدل على أن الدهر من أسماء الله تعالى، وذلك أن الذين يسبون الدهر إنما يريدون الزمان الذي هو محل الحوادث، لا يريدون الله تعالى، فيكون معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( وأنا الدهر ) ما فسره بقوله: ( بيدي الأمر أقلب الليل والنهار )، فهو سبحانه خالق الدهر وما فيه، وقد بين أنه يقلب الليل والنهار وهما الدهر، ولا يمكن أن يكون المقلَّب هو المقلِّب، وبهذا يتبين أنه يمتنع أن يكون الدهر في هذا الحديث مرادا به الله تعالى (7).
قال ابن حجر العسقلاني: ( وقال عياض: زعم بعض من لا تحقيق له أن الدهر من أسماء الله وهو غلط؛ فإن الدهر مدة زمان الدنيا، وعرفه بعضهم بأنه أمد مفعولات الله في الدنيا، أو فعله لما قبل الموت، وقد تمسك الجهلة من الدهرية والمعطاة بظاهر هذا الحديث واحتجوا به على من لا رسوخ له في العلم، لأن الدهر عندهم حركات الفلك وأمد العالم ولا شيء عندهم ولا صانع سواه، وكفى في الرد عليهم قوله في بقية الحديث: أنا الدهر أقلب ليله ونهاره، فكيف يقلب الشيء نفسه ! تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ) (8).
ويلحق بذلك أيضا الحروف المقطعة في أوائل السور والتي اعتبرها البعض من أسماء الله عز وجل، حيث قيل: هي اسم الله الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها، وقيل: هي أسماء لله أقسم بها، وقال آخرون: الم، الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد صلى الله عليه وسلم وقيل: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه اللطيف والميم مفتاح اسمه المجيد، وقيل أيضا: الم تعني أنا الله أعلم، والر أنا الله أرى، والمص أنا الله أفصل فالألف تؤدي عن معنى أنا، واللام تؤدي عن اسم الله، والميم تؤدي عن معنى أعلم وهذه كلها آراء اجتهادية ليست مبنية على حديت ثابت مرفوع (9).
والأعجب من ذلك قول العكبري: ( هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذي في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الأخير من قال وكذلك ما أشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهي مبنية لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشيء، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها، فهي كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب ) (10).
وقد ذكر القاضي أبو بكر بن العربي بطلان مثل هذا الكلام فقال: ( ومن الباطل علم الحروف المقطعة في أوائل السور ) (11).
وقال الإمام السيوطي: ( وقد تحصل لي فيها عشرون قولا وأزيد، ولا أعرف أحدا يحكم عليها بعلم، ولا يصل منها إلى فهم، والذي أقوله إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولا متداولا بينهم لكانوا أول من أنكر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل تلي عليهم حم فصلت وص وغيرهما فلم ينكروا ذلك، بل صرحوا بالتسليم له في البلاغة والفصاحة مع تشوفهم إلى عثرة وغيرها وحرصهم على زلة؛ فدل على أنه كان أمرا معروفا بينهم لا إنكار فيه ) (12).
ولا يعني القول باشتراط دلالة الاسم على الوصف جواز اجتهاد الشخص في اشتقاق الأسماء من صفات الذات والأفعال؛ لأن الاشتقاق ليس من حق أحد إلا رب العزة والجلال، والمرجعية في ذلك إلى النص الشرعي دون القياس العقلي أو التلاقي اللغوي .
وليس مراد من قال من أهل العلم بأن أسماء الله مشتقة من الصفات والأفعال سوى أنها تلاقي مصادرها اللغوية في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة منها وصادرة عنها صدور الفرع عن أصله، وتسمية النحاة المصدر والمشتق منه أصلا وفرعا ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر؛ وإنما هو باعتبار أن أحدهما متضمن للآخر وزيادة فالاشتقاق هنا ليس اشتقاقا ماديا أو تشبيها يحكم فيه على أسماء الخالق بما يحكم أسماء المخلوقين، وإنما هو اشتقاق لغوي متلازم بين الاسم والفعل والوصف؛ ولا محذور في القول باشتقاق أسماء الله الحسنى على هذا المعنى، مع التنبيه على أن حق التسمية تكون المرجعية فيه إلى تسمية الله لنفسه أو تسمية نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأن الأسماء الحسنى أزلية أولية بأولية الذات (13).
وعلى ذلك فإن الاسم إذا أطلق على الله عز وجل جاز أن يشتق منه المصدر والفعل فيخبر به عنه فعلا ومصدرا، نحو السميع البصير القدير يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة، ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو قوله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }[المجادلة:1]، وقوله: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ }[المرسلات:23]، هذا إن كان الفعل متعديا، فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو الحي، بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل (14).

الشرط الخامس: دلالة الوصف على الكمال المطلق .

يشترط في إحصاء الأسماء الحسنى أن يكون الوصف الذي دل عليه الاسم في غاية الجمال والكمال، فلا يكون المعنى عند تجرد اللفظ منقسما إلى كمال أو نقص أو يحتمل شيئا يحد من إطلاق الكمال والحسن، وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، أي البالغة مطلق الكمال في الحسن التي لا تحمل أي معنى من معاني النقص، وكذلك قوله سبحانه وتعالى:{ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ }[الرحمن:78]، ووجه الاستدلال أن اسم الله جل شأنه تنزه وتمجد وتعظم وتقدس عن كل معاني النقص، لأنه سبحانه وتعالى له مطلق الحسن والجلال وكل معاني الكمال والجمال (15) .
والله عز وجل لا يتصف إلا بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه كالحياة والعلم والقدرة، والسمع والبصر والرحمة، والعزة والحكمة والعظمة، وغير ذلك من أوصاف الكمال، أما ضد ذلك من أوصاف النقص كالموت والعجز والظلم، والغفلة والسنة والنوم فالله سبحانه وتعالى منزه عنها وعن كل وصف لا يليق بجلاله مما وصف الواصفون فقال: { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات:180] .
أما إذا كان الوصف عند تجرده عن الإضافة في موضع احتمال، فكان كمالا في حال ونقصا في حال فلا يصح فيه إطلاق الاسم على الله عز وجل أو حتى إطلاق الوصف دون تقييد، وينبغي على المسلم ألا يثبته لله إثباتا مطلقا ولا ينفيه عنه نفيا مطلقا، بل لا بد من البيان والتفصيل والتقيد بما ورد في التنزيل، وهذا منهج السلف في الألفاظ التي تحتمل وجهين عن التجرد عن الإضافة كالمكر والخداع والنسيان، والاستهزاء والكيد والخذلان، وغير ذلك من الأوصاف كالإبرام والتردد والصحبة والاستخلاف (16) .
والمكر هو التدبير في الخفاء بقصد الإساءة أو الإيذاء وهذا قبيح مذموم، أو بقصد الابتلاء والجزاء وهذا ممدوح محمود، ولهذا لا يصح إطلاق الماكر اسما أو وصفا في حق الله عز وجل دون تخصيص لأن الإطلاق فيه احتمال اتصافه بالنقص أو الكمال، وقد نسب الله سبحانه وتعالى المكر إلى نفسه مقيدا في مقابل مكر الكافرين فقال: { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [آل عمران:54]، وقال سبحانه وتعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم :{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [الأنفال:30]، وفي هذه المواضع لا يحتمل التقييد إلا الكمال فجاز أن يتصف به رب العزة والجلال .
وما يقال في المكر يقال أيضا في الاستهزاء؛ فالاستهزاء على إطلاق الوصف يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر؛ فلا يصح إطلاقه في حق الله دون تقيد كقول القائل الله مستهزئ فهذا باطل، ولكن يصح أن القول بأن الله سبحانه وتعالى يستهزئ بالمنافقين في مقابل استهزائهم بالمؤمنين، فالاستهزاء في موضع النقص هو شأن المنافقين، والاستهزاء في موضع الكمال هو ما ورد في قول رب العزة والجلال: { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } [البقرة:14/15]، وكذلك الخداع والسخرية والكيد، فإن ذلك يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر فلا يتصف به إلا في موضع الكمال كما قال تعالى: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [النساء:142]، وفي السخرية بالمنافقين قال عز وجل: { الذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة:79]، وقال في الكيد بالكافرين: { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً } [الطارق:15/16]، وكذلك أيضا ما ورد في السنة عن صفة التردد، روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: ( وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءتَهُ ) (17) ، فوصف التردد عند الإطلاق يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر، فلو كان التردد عن جهل وقلة علم وعدم إحكام للأمر كان التردد نقصا وعيبا، وإن كان التردد لإظهار الفضل والمحبة في مقابل إنفاذ الأمر وتحقيق الحكمة كان كمالا ولطفا وعظمة وهو المقصود في الحديث .
وعلى ذلك ليس من أسماء الله الحسنى الماكر أو الخادع أو الفاتن أو المضل أو الفاعل أو الكاتب أو نحو ذلك، لأنه يكون كمالا في موضع ونقصا في آخر، فلا يتصف به إلا في موضع الكمال فقط .
وكذلك اسم الطبيب لا بد أن يذكر مقيدا، لأن المعنى عند التجرد ينقسم إلى كمال ونقص، فقد يكون معناه تدبير أسباب الشفاء، وقد يكون بمعنى السحر والإمراض والبلاء، قال ابن منظور: ( والطِّبُّ والطُّبُّ السِّحْر .. وقد طُبَّ الرجلُ والـمَطْبوبُ الـمَسْحُورُ ) (18)، فمن الأول ما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أبي رمثة t أنه قال: ( فَقَالَ لَهُ أَبِى: أرني هَذَا الذي بِظَهْرِكَ فإني رَجُلٌ طَبِيبٌ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم :( اللهُ الطَّبِيبُ، بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ، طَبِيبُهَا الذي خَلَقَهَا ) (19) .
والاسم هنا مقيد بالقرينة المنصوص عليها في الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم : طبيبها الذي خلقها، لأن الرجل لما رأى خاتم النبوة في كتف النبي صلى الله عليه وسلم ظنه جرح أو خُراج فأراد أن يزيله حبا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإظهارا لمهارته في الطب، وقد كان أغلب الصحابة رضي الله عنهم يعلمون أنه ليس جرحا ولكنه خاتم النبوة، فلم يتفطن الرجل لذلك وتعجل فقال للنبي صلى الله عليه وسلم ما قال، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم من شدة حيائه وكرم أخلاقه أن يسبب له حرجا ويبين له أنه ليس مرضا ولكنه خاتم النبوة وهذا أمر في سائر الأنبياء، فقال له: طبيبها الذي خلقها، أو يداويها الذي خلقها، ومعنى كلام النبي صلى الله عليه وسلم : إن كان فيها داء كما تظن فالله عز وجل طبيب ما أصابني (20) ، فالاسم هنا مقيد وليس مطلقا .
والدليل على ذلك ما ورد في الروايات الأخرى؛ ففي المسند عند أحمد ورجاله ثقات أنه قال: ( فَقُلْتُ لَهُ: يَا نَبِيَ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ أَطِبَّاءَ فَأَرِنِي ظَهْرَكَ، فَإِنْ تَكُنْ سَلْعَةٌ أَبُطُّهَا، وَإِنْ تَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ أَخْبَرْتُكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ إِنْسَانٍ أَعْلَمَ بِجُرْحٍ أَوْ خُرَاجٍ مِنِّى، قَالَ: طَبِيبُهَا اللهُ ) (21).
وفي رواية أخرى قال: ( قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَلَمْ أَكُنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ فَقُلْتُ لاِبْنِى: هَذَا وَاللهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَجَعَلَ ابْنِي يَرْتَعِدُ هَيْبَةً لِرَسُولِ اللهِ عليه السلام فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي رَجُلٌ طَبِيبٌ، وَإِنَّ أَبِي كَانَ طَبِيباً وَإِنَّا أَهْلُ بَيْتِ طِبٍّ، وَاللهِ مَا يَخْفَى عَلَيْنَا مِنَ الْجَسَدِ عِرْقٌ وَلاَ عَظْمٌ؛ فَأَرِنِي هَذِهِ التِي عَلَى كَتِفِكَ، فَإِنْ كَانَتْ سَلْعَةً قَطَعْتُهَا ثُمَّ دَاوَيْتُهَا، قَالَ: لاَ، طَبِيبُهَا اللهُ ) (22) .
وورد عند الطبراني أنه قال: ( فَنَظَرْتُ فَإِذَا في نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلُ بَعْرَةِ الْبَعِيرِ أَوْ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ، فَقُلْتُ: أَلاَ أُدَاوِيكَ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ نُطَبِّبُ فَقَالَ: يُدَاوِيهَا الذي وَضَعَهَا ) (23).
وروى الطبراني وأحمد اللفظ له: ( خَرَجْتُ مَعَ أَبِى حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ، قَالَ أَبِى: إِنِّي طَبِيبٌ أَلاَ أَبُطُّهَا لكَ؟ قَالَ: طَبِيبُهَا الذي خَلَقَهَا ) (24).
أما الرواية التي روت عن مجاهد وفيها: ( الطبيب الله ولعلك ترفق بأشياء تخرق بها غيرك )، فهي رواية مرسلة عن مجاهد وقد ضعفها الشيخ الألباني (25).
ومن الطب بمعنى السحر والإمراض ما ورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( سُحِرَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيءَ وَمَا يَفْعَلُهُ حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ دَعَا وَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا فِيهِ شِفَائِي أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَي، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ . قَالَ: وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي مَاذَا؟ قَالَ: فِي مُشُطٍ وَمُشَاقَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِعَائِشَةَ حِينَ رَجَعَ: نَخْلُهَا كَأَنَّهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، فَقُلْتُ: اسْتَخْرَجْتَهُ؟ فَقَالَ: لاَ، أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ، وَخَشِيتُ أَنْ يُثِيرَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، ثُمَّ دُفِنَتِ الْبِئْرُ ) (26) فالطبيب معناه عند التجرد منقسم إلى كمال ونقص، ولا يذكر في حق الله إلا مقيدا بموضع الكمال فقط، بخلاف الشافي فإن معناه مطلق في الكمال، ولذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: أما أنا فقد طببني الله، ولكنه قال: أَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّهُ .
وقال المناوي: ( وليس الطبيب بموجود في أسماء الله تعالى، فإن قيل يجوز إطلاقه عليه تعالى فيقال: يا طبيب عملا بهذا الخبر، قلنا: لا، لأنه حديث ضعيف، وقد شرطوا لجواز الإطلاق صحة الحديث كما مر، وبفرض صحته فهو ممنوع لأنه وقع كما قال الطيبي مقابلا لقوله: أنا طبيب مشاكلة وطباقا للجواب على السؤال ) (27).
وهكذا القول في وصف الصحبة والخلافة التي تضمنها الاسم المقيد عند مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال في دعاء السفر: ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الأَهْلِ ) (28) ، فلا يصح إطلاق الصاحب أو الخليفة بعد أن ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم مقيدين، لأن الصحبة عند التجرد عن الإضافة تكون في الخير والشر كما قال تعالى عن التي في الخير: { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم:2]، وقال عن صحبة الشر: { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] .
والخلافة أيضا عند التجرد عن الإضافة تعني النيابة عن الغير، وتكون عن نقص أو عن كمال، فلا يمكن أن يحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم إلا على الوجه الأخير، قال الراغب الأصفهاني: ( والخلافة النيابة عن الغير، إما لغيبة المنوب عنه، وإما لموته، وإما لعجزه، وإما لتشريف المستخلَف، وعلى هذا الوجه الأخير استخلف الله أولياءه في الأرض ) (29) ، ولذلك أيضا لا يصح القول بأن الإنسان خليفة عن الله U في أرضه إلا على التقييد بموضع الكمال، لأن استخلاف الإنسان بالمعنى الذي ورد في القرآن والسنة له عند التحقيق معنيان:
الأول: استخلاف عن نقص الأوصاف بحكم طبيعة الإنسان، ويكون عند عجز المستخلف عن القيام بملكه أو تدبير أمره، إما لغيابه أو قلة علمه، وإما لمرضه أو موته كاستخلاف القائد نائبا على جنده أو قومه، كما ورد ذلك في قوله U: {وَقَال مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيل المُفْسِدِين } [الأعراف:142]، وكما ورد عند البخاري من حديثسعد بن أبي وقاص t أنه قال: ( خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ e إِلَى تَبُوكَ وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي؟(30) ، ومن ذلك أيضا استخلاف ولى الأمر نائبا عنه قبل موته، كما ورد عند البخاري من حديث ابن عمر t أنه قال: ( حَضَرْتُ أَبِي حِينَ أُصِيبَ فَأَثْنَوْا عَليْهِ وَقَالُوا: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، فَقَال: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ، قَالُوا: اسْتَخْلفْ، فَقال: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيّا وَمَيِّتًا لوَدِدْتُ أَنَّ حَظِّي مِنْهَا الكَفَافُ لا عَليَّ وَلا لي، فَإِنْ أَسْتخلفْ فَقَدِ اسْتَخْلفَ منْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هوَ خَيْرٌ مِنِّي، رَسُولُ اللهِ e ، قَال عَبْدُ اللهِ: فَعرَفْتُ أَنَّهُ حِينَ ذَكَرَ رَسُول اللهِ e غَيْرُ مُسْتَخْلفٍ ) (31) .
الثاني: استخلاف عن كمال الأوصاف، وذلك إذا كان لتشريف الإنسان وإكرامه أو اختباره وامتحانه، وليس لعجز المستخلف عن القيام بشؤونه، كالطبيب في سنة الامتياز عندما يفحص مريضا حال مراقبة الأستاذ، فمثل هذا إن اجتاز الامتحان فقد فاز ونال الشرف بشهادة عظيمة بين الناس، وإن لم يؤد الواجب على الوجه المطلوب استحق العقوبة والرسوب حتى يتمكن من النجاح عند الإعادة، وإن تكرر منه الفشلُ والنسيان استحق المنع والحرمان من أي شرف أو فضل، ولله المثل الأعلى - ويجوز في حقه قياس الأولى - يصح القول إن الإنسان خليفة عن الله U في الأرض على وجه الابتلاء والامتحان لأن هذا الوجه كله مقيد بالكمال الذي لا نقص فيه ولا عجز .
قال ابن القيم: ( لفظ الخداع ينقسم إلى محمود ومذموم؛ فإن كان بحق فهو محمود وإن كان بباطل فهو مذموم ) (32) ، وذكر أيضا مما يدخل تحت هذه النوعية المكر فإنه ينقسم إلى محمود ومذموم وحقيقته إظهار أمر وإخفاء خلافه ليتوصل به إلى مراده، فمن المحمود: مكره تعالى بأهل المكر مقابلة لهم بفعلهم، وجزاء لهم بجنس عملهم، وكذلك الكيد ينقسم إلى نوعين (33).
وقال أيضا في معنى الشرط الخامس من شروط الإحصاء: ( فعليك بمراعاة ما أطلقه سبحانه على نفسه من الأسماء والصفات، والوقوف معها وعدم إطلاق ما لم يطلقه على نفسه ما لم يكن مطابقا لمعنى أسمائه وصفاته، وحينئذ فيطلق المعنى لمطابقته له دون اللفظ، ولاسيما إذا كان مجملا أو منقسما إلى ما يمدح به وغيره؛ فإنه لا يجوز إطلاقه إلا مقيدا، وهذا كلفظ الفاعل والصانع فإنه لا يطلق عليه في أسمائه الحسنى إلا إطلاقا مقيدا أطلقه على نفسه كقوله تعالى: { فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } [البروج:16] وقوله: { إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } [الحج:18]، وقوله U: { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [النمل:88]، فإن اسم الفاعل والصانع منقسم المعنى إلى ما يمدح عليه ويذم ولهذا المعنى والله أعلم لم يجيء في الأسماء الحسنى المريد كما جاء فيها السميع البصير، ولا المتكلم ولا الآمر الناهي لانقسام مسمى هذه الأسماء، بل وصف نفسه بكمالاتها وأشرف أنواعها، ومن هنا يعلم غلط بعض المتأخرين وزلقه الفاحش في اشتقاقه له سبحانه من كل فعل أخبر به عن نفسه اسما مطلقا فأدخله في أسمائه الحسنى؛ فاشتق له اسم الماكر والخادع والفاتن والمضل والكاتب ونحوها من قوله: { وَيَمْكُرُ اللَّهُ } [الأنفال:30]، ومن قوله: { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142]، وقوله U: { لِنَفْتِنَهُمْ فِيه } [طه:131]، ومن قوله: { يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ } [الرعد:27]، وقوله U: { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [المجادلة:21] ) (34)، ثم بين رحمه الله خطأهم في ذلك من عدة وجوه:
الأول: أنه عز وجل لم يطلق على نفسه هذه الأسماء فإطلاقها عليه لا يجوز .
الثاني: أنه سبحانه أخبر عن نفسه بأفعال مختصة مقيدة فلا يجوز أن ينسب إليه مسمى الاسم عند الإطلاق .
الثالث: أن مسمى هذه الأسماء منقسم إلى ما يمدح عليه المسمى به وإلى ما يذم فيحسن في موضع ويقبح في موضع، فيمتنع إطلاقه عليه سبحانه من غير تفصيل .
الرابع: أن هذه ليست من الأسماء الحسنى التي يسمى بها سبحانه كما قال: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، وهي التي يحب سبحانه أن يثنى عليه ويحمد بها دون غيرها .
الخامس: أن هذا القائل لو سمي بهذه الأسماء، وقيل له: هذه مدحتك وثناء عليك فأنت الماكر الفاتن المخادع المضل اللاعن الفاعل الصانع ونحوها لما كان يرضى بإطلاق هذه الأسماء عليه ويعدها مدحة، ولله المثل الأعلى سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون به علوا كبيرا .
السادس: أن هذا القائل يلزمه أن يجعل من أسمائه اللاعن والجائي والآتي والذاهب والتارك والمقاتل والصادق والمنزل والنازل والمدمدم والمدمر وأضعاف ذلك
فيشتق له اسما من كل فعل أخبر به عن نفسه وإلا تناقض تناقضا بينا، ولا أحد من العقلاء طرد ذلك، فعلم بطلان قوله والحمد لله رب العالمين (35).
هذه الشروط هي التي تتبعنا من خلالها أسماء الله الحسنى الثابتة في الكتاب والسنة، وقد ذكر مختلف العلماء الذين تكلموا في إحصاء الأسماء الحسنى ما يزيد على المائتين والثمانين اسما، سواء اجتهدوا في جمعها مستندين إلى نص مطلق أو نص مقيد أو باشتقاقهم لها من الصفات والأفعال، وعند تطبيق هذه الشروط على ما جمعوه أو اشتقوه، وما ورد في كتاب الله وسنة رسوله e لم تنطبق إلا على تسعة وتسعين اسما فقط دون لفظ الجلالة، وقد تكررت تجربة ذلك مرات عديدة فكانت النتيجة واحدة، ويعلم الله أنها كانت مفاجأة لي كما هو الحال لدى القارئ، وقد ساعد في ذلك التقنية الحديثة في استقصاء الاسم ومشتقات المعنى اللغوي في القرآن ومختلف كتب السنة من خلال الموسوعات الإلكترونية الضخمة، فكانت النتيجة كما ذكر نبينا e تسعة وتسعين اسما .
وكما ذكرت في المقدمة أنه ليس في الأمر تكلف وافتعال، أو تعسف أو تحايل على واقع الحال؛ فالأمر في جمع الأسماء وإحصائها أصبح مرهونا بشروط أو قواعد أو ضوابط أو أسس سمها ما شئت، إذا طبقت بدقة على كل نص ثابت في الكتاب والسنة لإحصاء الأسماء الحسنى فنتيجتها واحدة إن شاء الله، ومن ثم يمكن التعرف بسهولة ويسر على العدد الذي ذكره النبي e في حديث أبي هريرة t، كما أنه بهذه الشروط والقواعد قد علم حال كل اسم من الأسماء التي اجتهد في ذكرها مختلف العلماء .
وكما قلت لم نكن نتوقع أن تكون النتيجة على هذا النحو، وكما أشرت سابقا أنه لا تعارض بين إحصاء الأسماء في تسعة وتسعين اسما وما ثبت في كون أسماء الله غير محصورة في عدد معين، لأن العدد الكلى لأسمائه الحسنى لا يعلمه إلا الله، وما استأثر به في علم الغيب عنده لا يمكن لأحد حصره ولا الإحاطة به، أما التسعة والتسعون فهي الأسماء التي تعرف الله بها إلى عبده في كتابه وفي سنة رسوله e .

1. منهاج السنة النبوية 5/409 .

2. تقدم تخريجه ص7 .

3. بدائع الفوائد 1/170.

4. السابق 1/28، وانظر شرح قصيدة الإمام ابن القيم، لأحمد بن إبراهيم بن عيسى 1/14 .

5. البخاري في التفسير، باب تفسير سورة حم 4/1825 (4549) .

6. المحلى لابن حزم 8/31، والفصل في الملل والنحل 2/112.

7. القواعد المثلى ص10 .

8. فتح الباري 10/ 566 .

9. انظر تفسير القرطبي 1/154، والبرهان في علوم القرآن 1/172.

10. التبيان في إعراب القرآن 1/10 .

11. الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/26 .

12. السابق 2/26 .

13. انظر بتصرف شرح قصيدة ابن القيم 1/12 .

14. بدائع الفوائد1/170 بتصرف .

15. زاد المسير 3/214، وروح المعاني 18/230 .

16. انظر هذا المعنى في المواضع الآتية: الحقيقة والمجاز لابن تيمية 20 /471، وانظر له أيضا الرسالة التدمرية ص 14، والمحلى لابن حزم 1/34، وإعلام الموقعين لابن القيم 3/218، وحز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر لابن حيدرة 2/39 .

17. البخاري في الرقاق، باب التواضع 5/2384 (6137) .

18. لسان العرب 1/554 .

19. أبو داود في الترجل، باب في الخضاب 4/86 (4207)، وصحيح أبي داود (3544) .

20. عون المعبود 11/175 .

21. مسند الإمام أحمد 2/227 (7111) .

22. السابق 2/228 (7118) .

23. المعجم الكبير 22/278 (713)، وطبقات ابن سعد ا/427، والسابق 2/226 (7108) .

24. السابق 22/ 280 (718)، ومسند الإمام أحمد 4/163 .

25. ضعيف الجامع (3656) .

26. البخاري في بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده 3/1192 (3095) .

27. فيض القدير شرح الجامع الصغير 4/289.

28. مسلم في كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره 2/978 (1342) .

29. مفردات غريب القرآن ص 156 .

30. البخاري في المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة 4/1602 (4154) .

31. البخاري في كتاب الأحكام، باب الاستخلاف 6/2638 (6792) .

32. انظر إغاثة اللهفان 1/386، وانظر أيضا في هذا المعنى المحلي لابن حزم 1/34، والموافقات للشاطبي 2/150، رسالة في الحقيقة والمجاز ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 20/471، كتاب الإيمان الكبير ضمن المرجع السابق 7/111، إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 3/218، القواعد المثلي في صفات الله وأسمائه الحسني للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص29:27.

33. السابق 1/387 .

34. انظر طريق الهجرتين 1/ 486، 1/487 .

35. انظر طريق الهجرتين لابن القيم 1/ 486، 1/487، وانظر له أيضا بدائع الفوائد 1/169، وإعلام الموقعين عن رب العالمين 3/218 .
 
لعل الراجح أن الحَكَم ليس من أسماء الله سبحانه ؛ إذْ يغني عنه اسم : (الحكيم)
وبيان ذلك : أن أيَّ حُكْمٍ لمخلوق لا يكون نافذاً وبالغاً إلا إن حَكَم الله به قدراً ؛ لأنه الحكيم سبحانه . وحُكم المخلوق قد يعتريه اختلال أو تغير بحُكم الله السابق ، لأنّ المخلوق حاكم وليس حكيماً .
فالله هو الحاكم إذاً في كل شيء .
وهذا ما تضمنه اسم : الحكيم .

وكذلك اسم : (الحميد) ، لمّا كان الله سبحانه الحميدَ في كل نعمة وخير ، دلّ ذلك على إفادة اسم الحميد شمولَ الحمد له سبحانه .
 
أسماء الله عز وجل يمكن أن يتحقق حُسْن كل اسم منها ، في المسلم :
وبيان ذلك أنّ الله سبحانه -في سورة الأعراف- بعد أن شبّه المشركين بأنهم كالأنعام بل هم أضلّ ، أمر بأن ندعوه بأسمائه الحسنى .
ولعل المناسبة : هي أنّ المؤمنين إذا دعوا الله باسم من أسمائه ، فإن الله سيستجيب هذا الدعاء لهم بمقتضى الاسم الذي دعوه به سبحانه ، ويجعل سبحانه الاسمَ متحققاً حسْنُه في العبد الداعي .
مثلاً : لو دعاه داعٍ باللهم اجعل الكفرة صاغرين يا قوي يا متكبر .
فإن الله سيجعل المؤمنين أكبر من الكفرة وأقوى .
فكان دعاء الله بأسمائه الحسنى جاعلاً شيئاً من حُسن أسمائه تعالى متحققاً في عباده .
والله أعلم .
 
{ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]
لعل مناسبة الآية الكريمة لما قبلها ، تتضح بهذا الحديث الشريف :
صحيح مسلم - (2 / 48) :
(.... وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِى الدُّعَاءِ ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ ) .
 
أسماء الله عز وجل يمكن أن يتحقق حُسْن كل اسم منها ، في المسلم :
وبيان ذلك أنّ الله سبحانه -في سورة الأعراف- بعد أن شبّه المشركين بأنهم كالأنعام بل هم أضلّ ، أمر بأن ندعوه بأسمائه الحسنى .
ولعل المناسبة : هي أنّ المؤمنين إذا دعوا الله باسم من أسمائه ، فإن الله سيستجيب هذا الدعاء لهم بمقتضى الاسم الذي دعوه به سبحانه ، ويجعل سبحانه الاسمَ متحققاً حسْنُه في العبد الداعي .
مثلاً : لو دعاه داعٍ باللهم اجعل الكفرة صاغرين يا قوي يا متكبر .
فإن الله سيجعل المؤمنين أكبر من الكفرة وأقوى .
فكان دعاء الله بأسمائه الحسنى جاعلاً شيئاً من حُسن أسمائه تعالى متحققاً في عباده .
والله أعلم .
ولعله بناء على ذلك ، فإنه يصح أن نحمل نحن العباد بعض أسمائه سبحانه على التعدي أيضاً ، لا اللزوم فحسب :
كالرحيم والعليم والقوي .
فهو الذي وضع الرحمة في قلوب خلقه ، وهو الذي علّم عباده ، وهو الذي يقوّي خلقه (لا قوة إلا بالله) .
 
ولعله بناء على ذلك ، فإنه يصح أن نحمل نحن العباد بعض أسمائه سبحانه على التعدي أيضاً ، لا اللزوم فحسب :
كالرحيم والعليم والقوي .
فهو الذي وضع الرحمة في قلوب خلقه ، وهو الذي علّم عباده ، وهو الذي يقوّي خلقه (لا قوة إلا بالله) .
((قالوا أتعجبين من أمر الله ، رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت ، إنه حميد مجيد)) .
هو جعلكم محمودين -أهلَ البيت- واصلين إلى المجد .
 
اسم (الحكم) ثابت لله عز وجل بالحديث الصحيح.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إنَّ اللهَ هو الحَكَمُ ، و إليه الحُكمُ ).

وإذ قد صح النص على هذا الاسم فلا يجوز إنكاره، ولو كان يترادف مع غيره من الأسماء في معناه، فما بالك إذا كان لا يوجد في العربية كلمتان متطابقتان في المعنى تطابقا تاما من كل وجه، وإذا نظرنا إلى اسمي (الحكيم) و(الحكم) على وجه الخصوص، نجد الفرق ظاهرا.
 
أسماء الله الحسنى التسعة و التسعون بين إحصاء العدد و دعوى الحصر
دراسة نقدية على كتاب الأسماء الحسنى للدكتور محمود الرضوانى
قدم له: الشيخ المحدث عبد الله السعد
تأليف : محمد بن أحمد خليل
طبعة: دار المعالى الحديثة
 
كتاب محمود الرضواني كتاب فيه أخطاء منهجية ، من قواعد وضعها المؤلف بنفسه غير مسلمة عند أهل العلم ، ومن إنكار على العلماء ، وتجهيل للأمة ، وقد أنكر كثير من العلماء على مؤلفه أشياء كثيرة ، ومن أشهر من أنكر كتابه العالم الكبير د محمد سيد احمد المسير رحمه الله .
 
عودة
أعلى