السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتاب الرضواني المذكور آنفاً عليه مآخذ تتضح بقراءة كتاب نفيس للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة بن علي التميمي عميد البحث العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ،واسم الكتاب هو: (معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
بارك الله فيك أخي صلاح الدين على هذا التعقيب ، وأعتذر مقدما على تأخري في الرد عليك ، وإن لي بضع ملاحظات على تعقيبك ، الأول : لا يصح لك ولا للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة التميمي - حفظكما الله - أن تعتقدا أن ما جاء في كتاب الدكتور محمد يمثل معتقد أهل السنة والجماعة حصرا في أسماء الله الحسنى كما يوحي كتابه عنوانا ومضمونا ، ذلك أن اختلاف بعض العلماء عما يعتقده الدكتور لا يقصي مخالفيه خارج الجماعة .
ثانيا : يبدو لي من تعقيبك الثمين أنك لم تطلع على كتاب الرضواني الذي لا أتعصب له تعصبك لكتاب الدكتور محمد بن خليفة التميمي الذي أحلتنا ، مشكورا ، لرابطه . وأنا لم أقم برفع الكتاب لأني مفتون فيه ، رغم إعجابي بما جاء به وبطريقة تفكيره غير التقليدية . كل ما في الأمر أني أحببت أن يستفيد زملائي الأفاضل في هذا المنتدى من كتاب لفت انتباهي في معالجته لموضوع إشكالي إلى حد ما ، هو : موضوع الأسماء الحسنى الثابتة لله عز وجل ، ومتن الكتاب يعالج إشكالات الموضوع بشكل مستفيض ، وإن كان مكرورا في بعض الأحيان .
ثالثا : لو أنك تأنيت قليلا في التعقيب حتى أكمل بقية الشروط التي وضعها الرضواني لإحصاء أسماء الله الحسنى لتخليت عن الغالبية العظمى من ملاحظاتك على كتابه وشروطه ، وكان يكفيك أن تلاحظ ما ذيلت به الشرط الأول إذ قلت :" يتبع إن شاء الله ... " وبخط مميز ، لكي تعلم أن الموضوع لا يحكم عليه بدون معرفة بقية الشروط .
لذلك اسمح لي أن أستعمل ردي على تعقيبك لكي أكمل موضوع الشروط التي وضعها الرضواني لإحصا أسماء الله الحسنى .
يقول الرضواني في كتابه المشار إليه سابقا :
— الشرط الثاني: علمية الاسم واستيفاء العلامات اللغوية .
يشترط في إحصاء الأسماء الحسنى وجمعها من الكتاب والسنة علمية الاسم، فلا بد أن يرد في النص مرادا به العلمية ومتميزا بعلامات الاسمية المعروفة في اللغة؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب وخطابهم الله
عز وجل على ما يعرفون من قواعدها وأصولها، ومن ثم فإن قواعد اللغة تعد أساسا مهما في تمييز الاسم والتعرف عليه .
ويتميز الاسم عن الفعل والحرف بخمس علامات لغوية أساسية معروفة، كأن يدخل عليه حرف الجر، كما ورد في قول الله تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ }[الفرقان:58]، وكذلك قوله: {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }[فصلت:2]، أو يرد الاسم منونا؛ فالتنوين من علامات الاسمية كقوله تعالى: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }[سبأ:15]، وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }[النساء:17] .
أو تدخل عليه ياء النداء كما ورد عند البخاري من حديث أنس
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ )
(1) ، وكما ورد عند أبي داود وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك
رضي الله عنهأنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل يصلي ثم دعا: ( اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : لَقَدْ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )
(2) ، أو يكون الاسم معرفا بالألف واللام، فذلك من أهم العلامات المميزة للاسم كما ورد في قوله تعالى: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [الأعلى:1]، وقوله
عز وجل: { تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ } [يس:5]، أو يكون المعنى مسندا إليه محمولا عليه كقوله تعالى: { الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان:59]، وقوله: { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ } [الكهف:58]، فالمعنى في الآيتين ورد محمولا على اسم الله الرحمن واسمه الغفور مسندا إليهما وهذه من أهم العلامات التي تميز الاسم وعلميته .
قال في شرح قطر الندى في معنى الإسناد إليه: ( وهي الحديث عنه كقام زيد فزيد اسم لأنك حدثت عنه بالقيام وهذه العلامة أنفع العلامات المذكورة للاسم ) (3).
وقال ابن هشام الأنصاري: ( الإسناد إليه وهو أن يسند إليه ما تتم به الفائدة سواء كان المسند فعلا أو اسما أو جملة .. وهذه العلامة هي أنفع علامات الاسم ) (4 )، فهذه خمس علامات يتميز بها الاسم عن الفعل والحرف، وقد جمعها ابن مالك في قوله:
بالجر والتنوين والندا وأل : ومسند للاسم تمييز حصل (5) .
أما الدليل على هذا الشرط فهو مأخوذ من قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، وقوله أيضا: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الإسراء:110]، ووجه الاستدلال أنه سبحانه قال: ولله الأسماء، فله الأسماء، ولم يقل: ولله الأوصاف الحسنى أو فله الأفعال الحسنى وشتان بين الأسماء والأوصاف عند سائر العلماء وسائر العقلاء، فالوصف لا يقوم بنفسه وإنما يقوم بموصوفه، والفعل لا يتم إلا بفاعله؛ إذ لا يصح أن نقول: الرحمة استوت على العرش، أو العزة أجرت الشمس، أو العلم والحكمة والخبرة وغير ذلك من الصفات أنزلت الكتاب وأظهرت على النبي صلى الله عليه وسلم ما غاب، فهذه كلها أوصاف لا تقوم بنفسها بخلاف الأسماء الدالة علي المسمى الذي اتصف بها، ولذلك قال
سبحانه وتعالى:{ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }[طه:5]، فذكر الاسم وهو يتضمن الوصف دون انعكاس، وقال تعالى: { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } [يس:38]، فاسم الله العزيز دل على وصف العزة دون العكس، وقال
عز وجل:{ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } [الزمر:1]، وقال أيضا: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِير } [التحريم:3] .
وجميع المواضع التي يذكر فيها الاسم المميز بعلاماته الخمس فإنه يكون في موضعه علما ووصفا معا، بخلاف انفراد الوصف أو الفعل، فلا بد من قيام الوصف بموصوفه وقيام الفعل بفاعله، وبخلاف أسمائنا وأوصافنا أيضا، لأنه من الأمور الجوهرية في فهم الأسماء الحسنى ودلالتها على الصفات ضرورة التمييز بين الاسم ودلالته الوضعية عندما يستعمل في حق المخلوق والاسم ودلالته في حق الخالق .
وعدم فهم هذه المسألة أحدث لبسا أو غموضا عند بعض أهل العلم وتردد في إدخال اسم الجميل الذي دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ )
(6)، ظنا منه أن اسم الله الجميل في هذا الموضع وصف وليس اسما، وهو من باب الخبر كما تقول: سعيد سعيد؛ فالأول عند العقلاء اسم والثاني وصف، وكذلك ظنهم في اسم الله الوتر والطيب والجواد والحيي والستير والمحسن والرفيق حيث اعتقدوا أنها أوصاف لله
عز وجل وليست من الأسماء الحسنى .
وهذا الظن غالبا ما ينشأ في توحيد الأسماء والصفات من عدم التمييز بين دلالة الاسم على الوصف في حق الله تعالى ودلالته في حقنا، فلو قلنا مثلا: سعيدٌ سعيد كلاهما من الناحية اللغوية اسمان، لكن الأول في استعماله المتعارف بين الناس لا يراد به إلا العلمية التي تميزه عن غيره، ولا يعني المنادي في ندائه أو مخاطبته سعيدا غير ذاته المتميزة بالاسم فقط، بغض النظر إن كانت صفة السعادة موجودة فيه أم معدومة فالاسم في حق البشر فارغ من الوصفية عند التسمي أو حال الولادة، لأن وجود الوصف وتحققه فيه مستقبلا يكون مجرد احتمال، بل لما سمى الإنسان سعيدا عند الولادة فإن أحدا لا يعلم أنه في مستقبله سيكون حزينا أم سعيدا، لأن ذلك أمر غيبي غير معلوم أو سر مخبأ في قدره المحتوم، فلما اكتسب المولود المسمى سعيدا وصف السعادة كحالة طارئة وصفة زائدة قامت به ووصف بها استدعى ذلك تعبيرا إضافيا عن حلول صفة السعادة فيه واكتسابه لها، فقلنا: سعيد سعيد أو سعيد في منتهى السعادة .
أما الأسماء في حق الله عز وجل فتختلف اختلافا كليا عن ذلك، لأنه سبحانه ليس كمثله شيء في أسمائه وصفاته وأفعاله كما قال تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى:11]، فأسماؤه علمية ووصفية معا في آن واحد، ولا يمكن قياسها بما سبق في حق المخلوق، ولذلك لم يقل النبيصلى الله عليه وسلم فيما ثبت من الروايات: إن الجواد سبحانه جواد، وإن المحسن
عز وجل محسن، وإن الحيي الستير حيي ستير، وإن الجميل سبحانه جميل، والوتر وتر، كما قلنا في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح؛ لأن الأسماء في حق الله
عز وجل أعلام وأوصاف، سواء ذكر الاسم أولا أو ثانيا، مبتدأ أو خبرا، أو في أي موضع كان من النص فهو علم ووصف معا .
أما الأسماء في حقنا فهي على الأغلب أعلام بلا أوصاف فجاز في حق المخلوق سعيد سعيد ومنصور منصور وصالح صالح، لكن لو ذكر ذلك في حق الخالق لصار تكرارا وحشوا بلا معنى يتنزه عنه من أوتي جوامع الكلم e ، ولذلك فإن الثابت عن النبي e أنه قال: ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ )
(7) ، فالجميل اسم لله
عز وجل ورد في الحديث منونا والتنوين من علامات الاسمية، وأضيف إليه المعنى بعده، وهو ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم : يحب الجمال، وكذا الحال في اسم الله الجواد الذي ورد من حديث سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ جَوادٌ يُحِبُّ الجودَ )
(8).
وكذلك الوتر ورد عند مسلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وَإِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ )
(9)، والرفيق اسم ورد عند الإمام البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ )
(10)، والمحسن ورد عند الطبراني وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( فإِنَّ اللهَ محسِن يُحِبُّ الإحْسان )
(11)، والحيي والستير وردا كذلك عند أبي داود من حديث يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ )
(12).
ومن ثم فإن اسم الله الجواد والجميل والوتر والرفيق والمحسن والحيي والستير وغير ذلك من الأسماء الحسنى كلها تدل على العلمية والوصفية معا، لأن الله
عز وجل أسماؤه وأوصافه أولية أزلية ودائمة أبدية، فلم يطرأ عليه وصف كان مفقودا أو يستجد به كمال لم يكن موجودا كما طرأت السعادة واستجد النصر والصلاح على سعيد ومنصور وصالح، وسوف يأتي تفصيل ذلك إن شاء الله عند الحديث عن دلالة الأسماء على الصفات، ومن ثم فإن الشرط الثاني من شروط الإحصاء علمية الاسم لقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180]، ولم يقل الأوصاف أو الأفعال، كما أن معنى الدعاء أن تدخل علي الأسماء أداة النداء، سواء ظاهرة أو مضمرة، والنداء من علامات الاسمية، فلا بد أن تتحقق في الأسماء الحسنى علامات الاسم اللغوية، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله هذا الشرط ضمن قوله: ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها )
(13) .
وعليه فإن كثيرا من الأسماء المشتهرة على ألسنة الناس هي في الحقيقة أوصاف وأفعال وليست من الأسماء الحسنى، ونحن قد علمنا من مذهب السلف الصالح أن أسماء الله الحسنى نصية توقيفية، لا بد فيها من أدلة قرآنية أو ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في السنة النبوية، وليست أسماء الله مسألة عقلية اجتهادية يشتق فيها الإنسان لربه من وصفه أو فعله ما يشاء من الأسماء، فهذا قول على الله بلا علم أو دليل .
وكثير من العلماء لاسيما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم جعلوا المرجعية في علمية الكثير من الأسماء إلى أنفسهم واجتهادهم، وليست إلى النص الثابت في الكتاب والسنة، وهذا يعارض ما اتفق عليه السلف الصالح في كون الأسماء الحسنى توقيفية .
ومثال الأسماء التي تدخل تحت هذه النوعية، تسمية الله
عز وجل بالمعز المذل الخافض المبديء المعيد الضار النافع المميت الباعث الباقي العدل المحصي المقسط المغني، فمن الذي سمى الله بهذه الأسماء؟! هل سمى الله نفسه بها أم سماه رسوله صلى الله عليه وسلم ؟!
هذه الأسماء جميعها لم ينطبق عليها الشرط الأول ولا الشرط الثاني وهو ورود النص بعلمية الاسم؛ وقد سبق وأشرنا أن المعز والمذل اسمان اشتهرا بين الناس شهرة واسعة على أنهما من الأسماء الحسنى، وهما وإن كان معناهما صحيحا لكنهما لم يردا في القرآن أو السنة اسمين علمين على ذات الله
عز وجل، فقد ذكرهما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وكذلك عند ابن ماجة والبيهقي وغيرهم
(14) .
أما حجتهم أو دليلهم على الاسمين فهو قوله تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26] .
وكذلك اسم الخافض استندوا فيه إلى ما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ )
(15) ، واستند الإمام البيهقي في ثبوته إلى المعنى الذي ورد في قوله تعالى: { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن:29]، وما ذكره بسنده مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( مِنْ شَأنه أنْ يِغفرَ ذَنبا وَيفَرِّج كَربا وَيرْفَعُ قَومَا وَيَضَعُ آخَرين )
( 16) ، وهذا غير كاف في إثبات الاسم .
وكذلك أيضا اسم المبديء والمعيد ذكرهما من أدرج الأسماء في حديث الترمذي وابن ماجة والحاكم وكذلك البيهقي وغيرهم كثير فقد اشتقوا هذين الاسمين باجتهادهم استنادا إلى الأفعال كما قوله تعالى: { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ } [البروج:13]، ومعلوم أن أسماء الله
عز وجل توقيفية وليس في الآيتين سوى الفعلين فقط، وكذلك أيضا الضار والنافع اسمان مشهوران استندوا فيهما إلى المفهوم من قوله تعالى: { قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } [الأعراف:188]، أو ما ورد عند الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث ابن عباس
رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ )
(17) .
ولم يُذكر في الآية أو الحديث النص على الاسم أو حتى الفعل ولم أجد في القرآن أو في السنة إلا الفعل نفع فيما ورد عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( فَمَا كَانَتْ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ اللهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللهُ بِذَلِكَ ) (18)، وهذا أيضا لا يكفي في إثبات الاسم لأن تسمية الله بما نشاء ليس من حقنا ولم يرد به إذن شرعي، أما الضار فالجميع استند إلى المفهوم من الآية والحديث (19).
وكذلك تسمية الله
عز وجل بالعدل، والعدل معناه صحيح في حق الله ولكنه لم يرد اسما ودليلهم المعنى المفهوم من قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل:90]، أو قوله
سبحانه وتعالى:{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [الأنعام:115]، أو قوله سبحانه: { الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } [الانفطار:7]، وهذا كله غير كاف في إثبات الاسم، وليس من حقنا تسمية الله بما لم يسم به نفسه .
وكذلك تسمية الله
سبحانه وتعالى بالجليل حيث ذكره جمع كبير من العلماء وهو محفوظ ضمن الأسماء المشهورة؛ مع أن الاسم لم يرد في الكتاب ولا في السنة، ومن أدرجه استند في إثباته إلى اجتهاده في الاشتقاق من الوصف الذي ورد في قوله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإكْرَامِ } [الرحمن:27]، وقوله
سبحانه وتعالى أيضا: { تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ َوالْإكْرَامِ } [الرحمن:78]، وهذا غير كاف في التسمية فذو من الأسماء الخمسة وليست من الأسماء الحسنى، وفرق كبير بين الجلال والجليل أو بين الوصف والاسم، كما أن الله
عز وجل وصف نفسه بالقوة فقال: { ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات:58] وسمى نفسه القوي فقال: { وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ } [الشورى:19]، ووصف نفسه بالرحمة فقال تعالى: { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ } [الأنعام:133]، وسمى نفسه الرحمن الرحيم فقال: { تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [فصلت:2]، ولما كانت أسماء الله
سبحانه وتعالى توقيفية ولا يجوز لنا أن نسمي الله إلا بما سمى به نفسه أو سماه به نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله وصف نفسه بالجلال ولم يسم نفسه الجليل .
ومن ذلك أيضا تسمية الله بالباعث استنادا إلى الاشتقاق من الفعل الذي ورد في قوله تعالى: { وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ } [الأنعام:36]، وقوله: { ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:56]، وتسميتهم لله بالمحصي استنادا لقوله
سبحانه وتعالى:{ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ } [يس:12]، أو قوله: { أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة:6] .
وكذلك التسمية بالمميت والقاضي استندوا في ذلك إلى اجتهادهم في الاشتقاق من الفعل الذي ورد في قوله تعالى: { هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [غافر:68]، وتسمية الله بالمقسط لم يستندوا فيها إلى وصف أو فعل ولكن إلى أمره تعالى بالقسط ومحبته للمقسطين كما في قوله تعالى: { قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [الأعراف:29]، وقوله
عز وجل:{ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [المائدة:42]، وكذلك تسميته بالمانع استنادا إلى اجتهادهم في الاشتقاق من الفعل الذي ورد في حديث معاوية
رضي الله عنه مرفوعا: ( اللهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ )
(20) .
وكذلك تسمية الله بالمغني استنادا إلى الاشتقاق من الفعل في قوله: { حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } [النور:33]، وأيضا تسمية الله بالباقي لم أجد دليلا استندوا إليه إلا ما ورد في قوله تعالى: { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ َالْإكْرَامِ } [الرحمن:27]، والدافع استندوا إلى المصدر من الفعل دفع في قوله: { وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } [البقرة:251]
(21) ، وكذلك تسمية الله
سبحانه وتعالى بالمصلي استنادا إلى اشتقاقهم من الفعل في قوله: { هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [الأحزاب:43]، أو قوله
عز وجل:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [الأحزاب:56]، وقس على ذلك أيضا تسمية الله سبحانه بالفاتن والبالي والراتق والساتر والسخط والمبغض والمحب والمفني والمنجي والمرشد والمنزع وغير ذلك من الأسماء التي اشتقت من أوصاف الله وأفعاله .
والأمثلة في ذلك كثيرة والقصد أن كثيرا من الأسماء المدرجة والمشتهرة على ألسنة العامة والخاصة ليست من الأسماء الحسنى وإنما هي أوصاف لله
عز وجل أو أفعال وهي إن كان معناها حق إلا أن دورنا حيال الأسماء الجمع والإحصاء ثم الحفظ والدعاء وليس الاشتقاق والإنشاء أو تسمية الله بما نشاء .
والله
سبحانه وتعالى لا يقاس على خلقه بقياس تمثيلي أو شمولي
(22) ، لأن أفعاله صادرة عن أسمائه وصفاته بعكس أسماء المخلوقين فهي صادرة عن أفعالهم؛ فالرب تبارك وتعالى أفعاله عن كماله، والمخلوق كماله عن أفعاله فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، أما الرب سبحانه فلم يزل كاملا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، كمل ففعل، والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به
(23) ، ومن ثم فإن ورود النص صريحا بعلمية الاسم من أهم الضوابط أو الشروط في التعرف على أسماء الله الحسنى، وسيأتي بإذن الله تعالى حصر الأسماء التي أدرجت في الروايات والتي لم تنطبق عليها شروط الإحصاء .
—الشرط الثالث: إطلاق الاسم دون إضافة أو تقييد .
من الشروط الأساسية اللازمة لإحصاء الأسماء الحسنى أن يرد الاسم في سياق النص مفردا مطلقا دون إضافة مُقَـيِّدة أو قرينة ظاهرة تحد من الإطلاق وذلك بأن يفيد المدح والثناء على الله بنفسه؛ لأن الإضافة والتقييد يحدان من إطلاق الحسن والكمال على قدر ما أضيف إليه الاسم أو قيد به، والله
سبحانه وتعالى ذكر أسماءه باللانهائية في الحسن وهذا يعني الإطلاق التام الذي يتناول جلال الذات والصفات والأفعال .
وهذا الشرط مأخوذ من قوله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [الأعراف:180]، أي البالغة مطلق الحسن بلا حد ولا قيد، قال الإمام القرطبي: ( وحسن الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع لإطلاقها والنص عليها، وانضاف إلى ذلك أنها تقتضي معاني حسانا شريفة )
(24) ، وقال الآلوسي: ( الحسنى أنيث الأحسن أفعل تفضيل ومعنى ذلك أنها أحسن الأسماء وأجلها لأنبائها عن أحسن المعاني وأشرفها )
(25) .
ويدخل في معنى الإطلاق اقتران الاسم بالعلو المطلق لأن معاني العلو جميعها سواء علو الشأن أو علو القهر أو علو الذات والفوقية هي في حد ذاتها إطلاق؛ فالعلو يزيد الإطلاق كمالا على كمال وجلالا فوق الجلال، وقد ذكر الله من أسمائه الحسنى القدير فقال: { وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [التوبة:39] حيث ورد الاسم في الآية مطلقا معرفا ومنونا مرادا به العلمية ومقرونا بمعاني العلو والفوقية، وفي موضع آخر ذكره مطلقا فقط من غير اقتران بالعلو فقال سبحانه: { عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الممتحنة:7]، وعند المقارنة بين الموضعين نجد أن العلو لا يحد من إطلاق الوصف، بل يزيده كمالا على كمال وجمالا فوق الجمال .
ومن ثم فإن كل اسم اقترن بمعاني العلو أو الفوقية فهو مطلق في الدلالة على الحسن والكمال يفيد المدح والثناء على الله بنفسه، كقوله تعالى في اسمه المقيت: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً } [النساء:85]، وقوله
عز وجل في اسمه الشهيد: { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [سبأ:47]، وكذلك اسم الله الحفيظ في قوله تعالى: { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [سبأ:21]، والرقيب في قوله سبحانه: { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً } [الأحزاب:52]، والحسيب أيضا في قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } [النساء:86]، والمقتدر في قوله
جل وعلا:{ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً } [الكهف:45]، وكذلك القاهر في قوله: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } [الأنعام:18] .
وكذلك أيضا إذا ورد الاسم معرفا بالألف واللام مطلقا بصيغة الجمع والتعظيم فإنه يزيد الإطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا، وينفي في المقابل أي احتمال لتعدد الذوات أو دلالة الجمع على غير التعظيم والإجلال كما ورد في قوله تعالى: { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المرسلات:23]، وقوله
سبحانه وتعالى:{ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ } [الحجر:23]، وقوله تعالى: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }[الصافات:75] .
وهذا الشرط ذكره ابن تيمية ضمن تعريفه للأسماء الحسنى حيث قال: ( الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) (26) .
وإذا كانت الأسماء الحسنى لا تخلو في أغلبها من تصور التقييد العقلي بالممكنات وارتباط آثارها بالمخلوقات كاسم الله الخالق والخلاق والرازق والرزاق؛ أو لا تخلو من تخصيص عقلي ما يتعلق ببعض المخلوقات دون بعض كالأسماء الدالة على صفات الرحمة والعفو والمغفرة مثل الرحيم والعفو والغفور والغفار؛ فإن ذلك التقييد لا يدخل تحت الشرط المذكور، وإنما المقصود هو التقييد بالإضافة الظاهرة في النص التي تستدعي أن يذكر الاسم كما ذكره الله ورسوله e كالغافر والقابل والشديد في قوله: { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } [غافر:3] .
وكذلك الفاطر والجاعل في قوله تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً } [فاطر:1]، والمنزل والسريع في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عبد الله بن أبي أوفى
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب على المشركين فقال في دعائه: ( اللهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اللهُمَّ اهْزِمِ الأَحْزَابَ )
(27) ، فهذا كله تقييد يجعل حسن الاسم مقرونا بالإضافة الظاهرة في النص، ولو أطلق لا يصح كإطلاق البالغ فيما قيده الله بالإضافة في قوله: { إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً } [الطلاق:3]، وأيضا الخادع في قوله: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [النساء:142]، وكذلك لا يصح إطلاق العدو في قوله: { مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة:98]، وكذلك المخزي يذكر كما ورد في قوله: { وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ } [التوبة:2]، وهكذا في سائر الأسماء التي قيدها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن الأسماء التي لم ينطبق عليها شرط الإطلاق المحيي حيث ورد مقيدا في قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى } [فصلت:39]، والرفيع في قوله
سبحانه وتعالى:{ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } [غافر:15]، والمتم في قوله: { وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ } [الصف:8] .
وكذلك المستعان في قوله تعالى عن يعقوب
صلى الله عليه وسلم:{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } [يوسف:18]، وقد يظن البعض أن الاسم ورد مطلقا فيما رواه البخاري من حديث أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه لما قال له النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان
رضي الله عنه: ( افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ )
(28) ، والأمر ليس كذلك لأمور منها أن الإطلاق في المستعان ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد دار الأمر بين الصحابيين، ومنها أن المقصود هو طلب عثمان
رضي الله عنه الاستعانة والصبر على إنجاز مقتضى الوعد أخذا من قول يعقوب
عليه السلام: والله المستعان، ولذلك شك أبو موسى الأشعري
رضي الله عنه في قول عثمان
رضي الله عنه هل قال: الله المستعان أم طلب الصبر من الله؟ ففي رواية مسلم عنه أنه قال: ( فَذَهَبْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قَالَ: فَفَتَحْتُ وَبَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: وَقُلْتُ الَّذِي قَالَ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَبْرًا أَوِ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ )
(29)، وفي رواية أحمد: ( اللَّهُمَّ صَبْراً وَعَلَى اللَّهِ التُّكْلاَنُ )
(30)، وقد كان الصحابة
رضي الله عنهم يتأسون بأدعية القرآن كما في حادثة الإفك لما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ( وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي، وَلَئِنِ اعْتَذَرْتُ لاَ تَعْذِرُونِي، فَمَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ يَعْقُوبَ وَبَنِيهِ، فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ )
(31) ، وكثيرا ما يذكره المفسرون في كلامهم ويدعو به المسلمون في حياتهم اليومية لطلب الاستعانة على حاجة ما، فيذكر أحدهم الاسم مختصرا من غير إضافة وهو يعني الاستعانة المقيدة بقضاء حاجة بعينها، ذكر الدعاء بسببها ولأجلها .
ومن الأسماء التي لم ينطبق عليها شرط الإطلاق الفالق والمخرج في قوله: { إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ } [الأنعام:95]، والحفي في قوله: { قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّا } [مريم:47]، ومن المقيد بالإضافة أيضا اسم النور في قوله: { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [النور:35]، والهادي في قوله تعالى: { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الحج:54]، وكذلك البديع في قوله: { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [البقرة:117]، والجامع في قوله تعالى: { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ } [آل عمران:9]، وكذلك العالم في قوله: { عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الرعد:9]، وقوله
جل وعلا:{ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [الأنبياء:81]، والعلام في قوله: { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلامُ الْغُيُوبِ } [سبأ:48]، والمحيط ورد مقيدا في غير آية كقول الله تعالى: { أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ }[فصلت:54]، هذا فضلا عن إفادة الباء لمعنى الحلول الظرفية وهو أحد معانيها اللغوية
(32) ، فيذكر الاسم على تقييده بمعنى الكمال فقط .
ومن الأسماء المقيدة في ظاهر النص والتي لا توافق شرط الإطلاق اسم الله الكاشف الذي ورد في قوله تعالى: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ } [الأنعام:17]، وكذلك الصاحب والخليفة فيما ورد عند مسلم من حديث ابن عمر
رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند السفر أنه كان يقول: ( اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ في الأَهْلِ )
(33) ، وكذلك مقلب القلوب ورد مقيدا في حديث ابن عمر
رضي الله عنهما عند أبي داود وصححه الألباني قال: ( أكثرُ مَا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يحلفٌ بهذه اليَمِين: لا ومُقَلِّبَ القُلوبِ )
(34) ، فلا يصح إطلاق ما قيده النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس من أسمائه الحسنى المقلب على إطلاق اللفظ، وكذلك القائم في قوله
سبحانه وتعالى:{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }[الرعد:33] .
ويدخل في حكم المقيد أيضا ما قيد بقرينة ظاهرة تعلق بها الاسم في سياق النص كما في قوله تعالى: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ } [الواقعة:63/64] حيث قيد اسمه الزارع بما يحرثون، وكذلك المنزل في قوله: { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ } [الواقعة:68/69]، وكذلك قيد اسمه المنشيء في قوله تعالى بعد ذلك: { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ { [الواقعة:71/72]، والموسع تعلق في ظاهر النص بالسماء والماهد بفراشة الأرض قال تعالى: { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ } [الذاريات:47/48]، وأيضا المستمع ورد مقيدا في قوله: { قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآياتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ } [الشعراء:15]، وكذلك الفاعل في قوله: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء:104] .
وكذلك اسم الأجل فيما رواه البخاري من حديث البراء
رضي الله عنه في قول أبي سفيان يوم غزوة أحد: ( يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْمِ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي، ثُمَّ أَخَذَ يَرْتَجِزُ أُعْلُ هُبَلْ، أُعْلُ هُبَلْ، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ، قَالَ: إِنَّ لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : أَلاَ تُجِيبُوا لَهُ؟ قَالَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ )
(35) ، والمعنى الظاهر من قرينة النص ورد هم على القائل، الله أعلى وأجل من هبل وآلهتكم الباطلة .
ويجدر التنبيه على أن بعض الصيغ التي يتعلق بها الاسم كصيغة إنا كنا، وما كنا، وإن كنا، وكنا بكل شي، وكفى به، أو كفى بنا، وإنا المقترنة بلام الخبر لا تتوافق مع شرط الإطلاق كالمنذر في قوله
عز وجل:{ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } [الدخان:3]، والمبتلي في قوله تعالى: { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيات وَإِنْ كُنَّالَمُبْتَلِينَ } [المؤمنون:30]، والمرسل في قوله: { وَمَا كُنْتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [القصص:45]، والصادق في قوله
عز وجل:{ وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [الأنعام:146]، وكذلك المبرم في قوله تعالى: { أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } [الزخرف:79]، والحاسب في قوله
عز وجل: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [الأنبياء:47] .
وهذه الصيغ ــ منذرين مبتلين مرسلين صادقون مبرمون حاسبين ــ ليس فيها من علامات الاسمية إلا الواو والنون أو الياء والنون كبديل عن التنوين في حال الإفراد ولو أفردت لقيل: منذرٍ مبتلي مرسلٍ صادقٌ مبرم حاسبٍ؛ فلم تدخل عليها في هذه المواضع أو غيرها لام التعريف ولا ياء النداء ولا حرف الجر، بخلاف اسمه القادر والوارث والمجيب فهي أسماء صريحة في الصياغة بغض النظر عن إضافة الواو والنون أو عدم إضافتها؛ فهذه الثلاثة معرفة بلام التعريف ومطلقة في دلالتها بنفسها على العلمية وصريحة أيضا بمفردها في صياغتها الاسمية، فإذا اقترنت بالواو والنون أو الياء والنون أو لم تقترن لا يتطرق إليها أي احتمال للكثرة والعددية، ولا يتصور معها التعدد في الذات الإلهية، بل تجعل الجمع محصورا في دلالته على التعظيم مع إثبات العلمية والوصفية، والتعظيم كما علمنا يزيد الإطلاق عظمة وجمالا وحسنا وكمالا، كما قال سبحانه وتعالى: { وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ } [الحجر:23]، وقال جل شأنه: { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ } [الصافات:75]، وقال سبحانه: { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ } [المرسلات:23] .
أما تلك الصيغ فهي أقرب إلى الأفعال الوصفية من العلمية أو من قبيل مشابهة الصفة بالفعل لأن الفعل تتصل به هذه العلامة، فضاربون مثل يضربون، وكذلك مبتلون ومرسلون ومبرمون وحاسبون مثل يبتلون ويرسلون ويبرمون ويحسبون (36) .
ومعلوم أن جمْعها بالواو والنون أو الياء والنون محمول على جمع المذكر السالم في الإعراب كأسماء الجموع، ومن جهة أخرى فإن هذه الصيغ مقيدة بموضع التعظيم والكمال دون المعنى الذي يتطرق إليه الاحتمال؛ وهذا بخلاف التنوين في حال الإفراد أو دخول لام التعريف والنداء (37) .
وأيضا فإن هذه الصيغ تقيد دائما بما ورد من قرينة في السياق لأن تصور التقييد العقلي فيها لا يحسن مع الإطلاق، ولذلك فإن هذه الأسماء يذكرها المفسرون دائما على معنى التقييد، فالفاعل يذكر متعلقا بالشيء المفعول، والمبتلي مثلا يذكر متعلقا بمن وقع عليه الابتلاء، والصادق يذكر مقيدا بما يدفع الكذب والافتراء .
قال ابن جرير الطبري: ( وقوله وإنا لصادقون يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنا حرمنا عليهم وفي غير ذلك من أخبارنا، وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه ) (38) ، وقال أبو السعود: ( وكانوا كلما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شيء مما أحل لهم، وهم ينكرون ذلك ويدعون أنها لم تزل محرمة على الأمم، فرد ذلك عليهم وأكد بقوله تعالى: وإنا لصادقون، أي في جميع أخبارنا التي من جملتها هذا الخبر ولقد ألقمهم الحجر ) (39).
والإمام القرطبي مع توسعه في الإحصاء وتسويته بين المقيد والمطلق من الأسماء لم يستطع تفسيرها إلا بتقييد المعنى فقال: ( وإنا لصادقون في أخبارنا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من اللحوم والشحوم ) (40) .
وكذلك أيضا فإن هذه الأسماء لم يذكرها أحد من المحققين الذين التزموا شرط الإطلاق في إحصائهم للأسماء الحسنى، وإنما ذكرها كثير من المتوسعين الذين أجازوا لأنفسهم إطلاق المقيد وفصل المضاف، وتحويل الأفعال والأوصاف إلى أسماء حسنى باجتهادهم في الإحصاء .
ومن الصيغ التي لا تتوافق مع شرط الإطلاق أيضا صيغ التفضيل المقرون بالإضافة كخير الماكرين وخير الناصرين وخير الفاصلين وخير الحاكمين وخير الفاتحين وخير الغافرين وخير المنزلين وخير الراحمين وأسرع الحاسبين وأحكم الحاكمين وأرحم الراحمين، تلك الصيغ تذكر في حق الله كما هي، ولا يصح فصلها أو إطلاقها ثم جعلها ضمن الأسماء الحسنى التي تفيد المدح والثناء بنفسها، فتقول كما قال البعض: من أسمائه الحسنى الخير والأسرع والأحكم والأرحم، أو تطلق لفظ الماكرين وتفصله عن اللفظ المقارن في خير الماكرين، ثم تسميه الماكر والناصر والغافر والفاصل والفاتح والحاكم والحاسب والراحم وغير ذلك؛ فلا يصح أن نطلق ما قيده الله
سبحانه وتعالى أو نفصل ما أضافه رسوله صلى الله عليه وسلم .
وكثير من الذين توسعوا في جمع الأسماء ولم يلتزموا شرط الإطلاق وقعوا عند إحصاء الأسماء في اضطراب شديد حتى بدا جمعهم مبنيا على الاجتهادات الشخصية دون القواعد العلمية أو الأصول المنهجية؛ فأدخل بعضهم ما استحسنه من الأسماء واستعبد منها ما يشاء، ولو ضربنا مثلا بإطلاق جميع المقيد في القرآن واعتباره من الأسماء الحسنى التي توسع المتوسعون في عدها للزم بالضرورة إدخال الأسماء الآتية: الآخذ الأحسن الأحق الأحكم الأرحم الأسرع الأشد الأصدق الأعلم الأقرب الأكبر الأهل والماكر البديع البريء الجاعل الجامع الحاسب الحافظ الحاكم الحفي الخادع الخير الممسك الراحم الرافع الرفيع الزارع السريع الشاهد الشديد الشفيع الصادق العالم العدو العلام الغافر الغالب الفاتح الفاصل الفاطر الفاعل الفالق الفعال القائم القابل الكاتب الكاشف الكافي الماهد المبتلي المبرم المتم المتوفي المحيط المحيي المخرج المخزي المرسل المستعان المستمع المطهر المعذب المغير المنتقم المنذر المنزل المنْشئ المهْلك الموسع الموهن الناصر الهادي الوالي الوحيد .
والمتوسعون أنفسهم ذكروا منها ما شاءوا ففصلوا المضاف وأطلقوا المقيد ومنع الحياء بعضهم أن يطلقوا على ربهم ما قيده في كثير من الأسماء كالعدو والخادع والمخزي والمهلك والمعذب والمنزل فذكروها في كتبهم مقيدة كما هي وخالفوا منهجهم في الإطلاق .
وعلى ذلك فالأسماء المقيدة بالإضافة حسنها أن تذكر على ما ورد به نص كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكنها لا توافق شرط الإطلاق اللازم لإحصاء الأسماء الحسنى، ويجوز الدعاء بها على الوضع الذي قيدت به فتقول: يا مقلب القلوب، ولا تقل: يا مقلب فقط، ومعلوم أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وباب الأفعال أوسع من باب الصفات، وباب الإخبار أوسع من باب الأفعال
(41).
1. البخاري في أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم 3/1213 (3155) .
2. أبو داود في الصلاة، باب الدعاء 2/79 (1495)، صحيح أبي داود1/279 (1326).
3. شرح قطر الندى وبل الصدى ص12 .
4. شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب 1/19 .
5. أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 3/156، وشرح بن عقيل 1/21 .
6. مسلم في الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه 1/93 (91)، من حديث ابن مسعود t .
7. تقدم تخريجه ص 59 .
8. السلسلة الصحيحة (236) (1378) (1627)، وصحيح الجامع (1744) (1800) .
9. مسلم في الذكر، باب في أسماء الله تعالى 4/2062 (2677) .
10. البخاري في كتاب استتابة المرتدين، باب الرد على أهل الذمة 5/2308 (5901) .
11. المعجم الكبير من (7114) إلى (7123)، وانظر صحيح الجامع (1824) .
12. أبو داود في كتاب الحمام 4/39 (4012)، وانظر صحيح أبي داود 2/758 (3387) .
13. شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .
14. الأحاديث التي أدرج فيها الرواة أسماء الله الحسنى كرواية الترمذي وابن ماجة والحاكم وغيرهم يكمن الرجوع إلى تفصيلها والتعرف على عللها في كتاب: جزء فيه طرق إن لله تسعة وتسعين اسما لأبي نعيم الأصفهاني من ص93: ص172، تحقيق مشهور حسن سلمان، طبعة مكتبة الغرباء الأثرية 1413هـ، وانظر للإمام البيهقي: كتاب الأسماء والصفات ص108، دار الكتب العلمية، بيروت، والاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث ص57 .
15. مسلم في الإيمان، باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام 1/161 (179).
16. الأسماء والصفات للبيهقي ص 99.
17. الترمذي في صفة القيامة والرقائق والورع 4/667 (2516)، صحيح الجامع (7957) .
18. البخاري في فضائل الصحابة، باب قوله صلى الله عليه وسلملو كنت متخذا خليلا 3/1341 (3467) .
19. الأسماء والصفات ص 96.
20. البخاري في الدعوات، باب الذكر بعد الصلاة 1/289 (808) .
21. انظر المزيد عن الأسماء التي اشتقها العلماء من الصفات والأفعال في كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير 7/228، وكتاب الأسماء والصفات للبيهقي ص 80، ص102 .
22. قياس التمثيل هو إلحاق فرع بأصل في حكم جامع لعلة، وهو محرم في باب الأسماء والصفات لأن الممثل يجعل صفة الله فرعا وصفته أصلا ويحكم بينهما بالتماثل لعلة الاشتراك في الصفة عند التجرد عن الإضافة وهذا باطل، أما قياس الشمول فهو قياس كلي علي جزئي ويستخدمه المشبه والمكيف ومثاله قولهم: لو كان علي العرش لكان محمولا، ولو كان في مكان لكان محصورا، ولو كان كذا لكان كذا، فالمشبه يجعل هذه القوانين التي تحكمنا قانونا شاملا عاما ويجعل الله تعالي فردا من البشر تسري عليه تلك القوانين، ويجدر التنبيه على أنه يجوز في حق الله قياس الأولي لقوله: }وَللهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى { [النحل:60]، وهو كل كمال لله لا نقص فيه يكون لبعض الموجودات فالله هو أولى به، وكل نقص أو عيب يجب أن ينزه عنه بعض المخلوقات فالرب هو أولى أن ينزه عنه، انظر مختصر القواعد السلفية في الصفات الربانية للمؤلف ص13 .
23. بدائع الفوائد 1/169 بتصرف .
24. تفسير القرطبي 10/343 .
25. روح المعاني 9/120 .
26. شرح العقيدة الأصفهانية ص19 .
27. البخاري في المغازي، باب من صف أصحابه ثم الهزيمة 3/1072 (2775) .
28. البخاري في فضائل الصحابة y، باب مناقب عمر بن الخطاب t 3/1350 (3490) .
29. مسلم كتاب فضائل الصحابة y، باب من فضائل عثمان بن عفان t 4/1867 (2403) .
30. أحمد في المسند 4/406 (19661) وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين .
31. البخاري في أحاديث الأنبياء،باب قول الله تعالى لقد كان في يوسف وأخوته 3/1239 (3208) .
32. شرح ابن عقيل المصري الهمذاني 3/21 .
33. مسلم في الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر 2/978 (1342) .
34. أبو داود في الأيمان والنذور 3/255 (3263)، وانظر صحيح أبي داود 2/629 (2796) .
35. البخاري في الجهاد والسير،باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب 3/1105 (2874) .
36. اللباب في علل البناء والإعراب 2/190 .
37. شرح ابن عقيل 1/60 .
38. تفسير ابن جرير 7/76 .
39. تفسير أبي السعود 3/195 .
40. تفسير القرطبي 7/127 .
41. انظر ما ذكره ابن القيم في ذلك في كتابه بدائع الفوائد1/171 .
.............................. يتبع إن شاء الله ...