إنضم
12 أبريل 2007
المشاركات
167
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
قال بعض الحكماء: كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره = فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره.
(الكشف والبيان ، معالم التنزيل ، الجامع لأحكام القرآن)
 
قال تعالى ((والَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ ))
قال القشيري- رحمه الله - في لطائف الإشارات
يكمل عليهم سرورهم بأن يلحق بهم ذرّياتهم فإنّ الانفراد بالنعمة عمّن القلب مشتغل به من الأهل والولد والذرية يوجب تنغص العيش...قال تعالى فى قصة يوسف : «وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ» وفي هذا المعنى قالوا :
إنّى على جفواتها - فبربّها وبكلّ متّصل بها متوسّل
لأحبها ، وأحبّ منزلها الذي نزلت به وأحب أهل المنزل
وقال الزمخشري -رحمه الله- :

فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم ، ومزاوجة الحور العين ، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين ، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم .
 
قال تعالى (أمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا).
قال المفسرون :كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول ، فأزرى الله بحلومهم ، حين لم تتم لهم معرفة الحق من الباطل".الوسيط للواحدي
وَيُقَال: إِن الْمَعْنى من هَذَا هُوَ تسفيههم وتجهيلهم أَي: لَيْسَ لَهُم حلم وَلَا عقل حَيْثُ قَالُوا مثل هَذَا القَوْل، وَحَيْثُك نسبوا إِلَى الشّعْر وَالْجُنُون من دعاهم إِلَى التَّوْحِيد وأتاهم بالبراهين. تفسير السمعاني.
وقيل لعمرو بن العاص : ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله سبحانه بالعقول ؟ . فقال : تلك عقول كادها الله ، أي لم يصحبها التوفيق.(الكشف والبيان)
قال الطاهر ابن عاشور –رحمه الله- "وفيه تعريض بأنهم أضاعوا أحلامهم حين قالوا ذلك لأن الأحلام لا تأمر بمثله فهم كمن لا أحلام لهم وهذا تأويل ما روي أن الكافر لا عقل له" التحرير والتنوير (27/64).
 
أشكرك أخي الحبيب والعزيز محمد على هذه الاختيارات الجميلة والقبسات النيّرات.
وقد قمت بتغيير العنوان بما يتناسب مع مضمونه ولك الحق في اختيار عنوان آخر وفقك الله ونفع بك.
 
أسعدك الله أبا إبراهيم ، وهي كما أسميتها ، وفقنا الله وإياك لكل خير ونفعنا ورفعنا بالقرآن الكريم
 
قال تعالى (( خشعا أبصارهم)).

قال تعالى (( خشعا أبصارهم)).

قال الطبري "ووصف الأبصار بالخشوع ؛ لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تتبين في نظره"
قال أبو حيان : " وخشوع الأبصار كناية عن الذلة ، وهي في العيون أظهر منها في سائر الجوارح ؛ وكذلك أفعال النفس من ذلة وعزة وحياء وصلف وخوف وغير ذلك "
 
عند مليك مقتدر - الرحمن

عند مليك مقتدر - الرحمن

قال الرازي -رحمه الله- : وقوله تعالى : {مَلِيكٍ مُّقْتَدِر } لأن القربة من الملوك لذيذة كلما كان الملك أشد اقتداراً كان المتقرب منه أشد التذاذاً.
وفيه إشارة إلى مخالفة معنى القرب منه من معنى القرب من الملوك ، فإن الملوك يقربون من يكون ممن يحبونه وممن يرهبونه ، مخافة أن يعصوا عليه وينحازوا إلى عدوه فيغلبونه ، والله تعالى قال : {مُّقْتَدِرٍ} لا يقرب أحداً إلا بفضله.
وقال في سورة الرحمن : "ثم إن أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها حيث قال في آخر تلك السورة : {عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر } ، والاقتدار إشارة إلى الهيبة والعظمة وقال ههنا : {الرَّحْمَنُ} أي عزيز شديد منتقم مقتدر بالنسبة إلى الكفار والفجار ، رحمن منعم غافر للأبرار."
قال القاسمي - رحمه الله- :" في تفسيره عند هذه الآية : قال الشهاب : في تنكير الاسمين الكريمين = إشارة إلى أن ملكه وقدرته لا تدري الأفهام كنههما ، + وأن قربهم منه بمنزلة من السعادة والكرامة ، بحيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ، مما يجل عن البيان وتكل دونه الأذهان."
اللهم إنا نسألك من فضلك
 
وله الجوار المنشئات

وله الجوار المنشئات

قال ابن فورك -رحمه الله - : [FONT=QCF_BSML]ﭽ [FONT=QCF_P532]ﭴ [/FONT][FONT=QCF_BSML]ﭼ[/FONT] : جمع جارية ، وهي السفينة لأنها تجري في الماء بإذن الله ، وأما الجارية المرأة الشابة فلأنه يجري فيها ماء الشباب.[/FONT]
وقال الرازي -رحمه الله- : قال الرازي : وسميت المملوكة جارية لأن الحرة تراد للسكن والازدواج ، والمملوكة لتجري في الحوائج لكنها غلبت السفينة لأنها في أكثر أحوالها تجري .
 
إن ربك واسع المغفرة

إن ربك واسع المغفرة

قال البقاعي -رحمه الله في نظم الدرر :
ولما كان الملوك لا يغفرون لمن تكررت ذنوبه إليهم وإن صغرت ، فكان السامع يستعظم أن يغفر ملك الملوك سبحانه مثل هذا ، علل ذلك بقوله : ( إن ربك ) أي المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك ) واسع المغفرة ( فهو يغفر الصغائر حقاً أوجبه على نفسه ويغفر الكبائر إن شاء ، بخلاف غيره من الملوك فإنه لو أراد ذلك ما أمكنه اتباعه ، ولو جاهد حتى تمكن من ذلك في وقت فسدت مملكته فأدى ذلك إلى زوال الملك من يدره أو اختلاله
 
فلا تزكوا أنفسكم

فلا تزكوا أنفسكم

قال السمرقندي - رحمه الله - في بحر العلوم :
فإن قال قائل قد قال الله تعالى " فلا تزكوا أنفسكم " [ النجم 32 ] فما الحكمة في أنه نهى عباده عن مدح أنفسهم ومدح نفسه؟ قيل له عن هذا السؤال جوابان :
أحدهما أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فهو ناقص وإن كان ناقصا لا يجوز له أن يمدح نفسه والله سبحانه وتعالى تام الملك والقدرة فيستوجب به المدح فمدح نفسه ليعلم عباده فيمدحوه
وجواب آخر أن العبد وإن كان فيه خصال الخير فتلك الخصال أفضال من الله تعالى ولم يكن ذلك بقدرة العبد فلهذا لا يجوز له أن يمدح نفسه
والله سبحانه وتعالى إنما قدرته وملكه له ليس لغيره فيستوجب فيه المدح
ومثال هذا أن الله تعالى نهى عباده أن يمنوا على أحد بالمعروف وقد من الله تعالى على عباده للمعنى الذي ذكرناه في المدح والله أعلم و صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم
 
«إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ»

«إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ»

في لطائف الإشارات للقشيري:
فى قوله تعالى : «إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ» يقول : «نزلت هذه الآية فى أهل رجل من اليمن ترك لهم جنة متمرة ، وكان يتصدّق منها للمساكين ، فلما ورثه أهله قالوا : لن نفعل فعله ، وأقسموا ألا يعطوا شيئا ، فأهلك اللّه جنتهم. وندموا وتابوا»
وهذه حال من له بداية حسنة ، ويجد التوفيق على التوالي ، ويجتنب المعاصي ، فيعوضه اللّه فى الوقت نشاطا ، وتلوح فى باطنه أحوال فإذا بدر منه سوء دعوى ، وترك أدبا من آداب الخدمة تنسدّ عليه تلك الأحوال ، ويقع فى فترة.
فإذا حصل منه بالعبادات والفرائض إخلال انقلب حاله ، وردّ عن الوصال إلى البعاد ، ومن الاقتراب إلى الاغتراب عن الباب ، وصارت صفوته قسوة ، فإن كان له بعد ذلك توبة على ما سلف ، وندامة على ما فات من أمره ، فقلّما يصل إلى حاله ، ولكن لا يبعد أن ينظر إليه الحق بأفضاله ، فيقبله بعد ذلك ، رعاية لما سلف منه فى البداية من أحواله ، فإن اللّه تعالى رءوف بعباده».
 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ...

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ ...

في تفسير القرطبي -رحمه الله - :
سبب النزول :

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ- وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ- قَالَ: هَؤُلَاءِ رِجَالٌ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَبَى أَزْوَاجُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ أَنْ يَدَعُوهُمْ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَوُا النَّاسَ قَدْ فَقِهُوا فِي الدِّينِ هَمُّوا أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ الْآيَةَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

الثَّانِيَةُ- قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: هَذَا يُبَيِّنُ وَجْهَ الْعَدَاوَةِ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ عَدُوًّا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ عَدُوًّا بِفِعْلِهِ. فَإِذَا فَعَلَ الزَّوْجُ وَالْوَلَدُ فِعْلَ الْعَدُوِّ كَانَ عَدُوًّا، وَلَا فِعْلَ أَقْبَحُ مِنَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ

وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ فِي طَرِيقِ الْإِيمَانِ فَقَالَ لَهُ أَتُؤْمِنُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ فَخَالَفَهُ فَآمَنَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ لَهُ أَتُهَاجِرُ وَتَتْرُكُ مَالَكَ وَأَهْلَكَ فَخَالَفَهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ عَلَى طَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ لَهُ أَتُجَاهِدُ فَتَقْتُلُ نَفْسَكَ فَتُنْكَحُ نِسَاؤُكَ وَيُقْسَمُ مَالُكَ فَخَالَفَهُ فَجَاهَدَ فَقُتِلَ، فَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ).
وَقُعُودُ الشَّيْطَانِ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بِالْوَسْوَسَةِ.
والثَّانِي : بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ ذَلِكَ الزَّوْجِ وَالْوَلَدِ وَالصَّاحِبِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ((وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ)) [فصلت: 25].
وَفِي حِكْمَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنِ اتَّخَذَ أَهْلًا وَمَالًا وَوَلَدًا كَانَ لِلدُّنْيَا عَبْدًا.
وَفِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ بَيَانُ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ فِي حَالِ الْعَبْدِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ تَعِسَ وانتكس وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ ).
وَلَا دَنَاءَةَ أَعْظَمَ مِنْ عِبَادَةِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَلَا هِمَّةَ أَخَسَّ مِنْ هِمَّةٍ تَرْتَفِعُ بِثَوْبٍ جَدِيدٍ.

الثَّالِثَةُ : كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ وَلَدُهُ وَزَوْجُهُ عَدُوًّا كَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا زَوْجُهَا وَوَلَدُهَا عَدُوًّا بِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ. وَعُمُومُ قَوْلِهِ: مِنْ أَزْواجِكُمْ يَدْخُلُ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِدُخُولِهِمَا فِي كُلِّ آيَةٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاحْذَرُوهُمْ) مَعْنَاهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.
وَالْحَذَرُ عَلَى النَّفْسِ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ: إِمَّا لِضَرَرٍ فِي الْبَدَنِ، وَإِمَّا لِضَرَرٍ فِي الدِّينِ.
وَضَرَرُ الْبَدَنِ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا ، وَضَرَرُ الدِّينِ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ.
فَحَذَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْعَبْدَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْذَرَهُ بِهِ
....
وَقَالَ مُجَاهِدٌ : مَا عَادُوهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكِنْ حَمَلَتْهُمْ مَوَدَّتُهُمْ عَلَى أَنْ أَخَذُوا لَهُمُ الْحَرَامَ فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهُمْ.
وَالْآيَةُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ يَرْتَكِبُهَا الْإِنْسَانُ بِسَبَبِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ. وَخُصُوصُ السبب لا يمنع عموم الحكم.
 
من تفسير ابن كثير

من تفسير ابن كثير

من تفسير ابن كثير

[ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين.]
ولهذا نبه الله، سبحانه، على صفات المنافقين لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون، فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم، وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار، أن يظن بأهل الفجور خير.

{وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم}
عن قتادة: أشربوا في قلوبهم حبه، حتى خلص ذلك إلى قلوبهم.
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حبك الشيء يعمي ويصم" الحديث ضعفه الألباني -رحم الله الجميع.


{فإن الله عدو للكافرين}

فيه إيقاع المظهر مكان المضمر حيث لم يقل: فإنه عدو للكافرين ......
وإنما أظهر الاسم هاهنا لتقرير هذا المعنى وإظهاره، وإعلامهم أن من عادى أولياء الله فقد عادى الله، ومن عادى الله فإن الله عدو له، ومن كان الله عدوه فقد خسر الدنيا والآخرة، كما تقدم الحديث: "من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب". وفي الحديث الآخر: "إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث الحرب". وفي الحديث الصحيح: "ومن كنت خصمه خصمته".
[وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات]

{بكلمات} أي: بشرائع وأوامر ونواه، فإن الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدرية، كقوله تعالى عن مريم، عليها السلام،: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم: 12] .
وتطلق ويراد بها الشرعية، كقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته} [الأنعام: 115] أي: كلماته الشرعية. وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمرا أو نهيا، ومن ذلك هذه الآية الكريمة: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن} أي: قام بهن.
قال: {إني جاعلك للناس إماما} أي: جزاء على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزواجر، جعله الله للناس قدوة وإماما يقتدى به، ويحتذى حذوه.​
 
من تفسير ابن كثير 2

من تفسير ابن كثير 2

{وإذ جعلنا البيت مثابة للناس}
عن ابن عباس: قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} يقول: لا يقضون منه وطرا، يأتونه، ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه.
قال الأوزاعي -حدثني عبدة بن أبي لبابة، في قوله تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس} قال: لا ينصرف عنه منصرف وهو يرى أنه قد قضى منه وطرا.
ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية:
أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرا، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم، عليه السلام، في قوله: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} إلى أن قال: {ربنا وتقبل دعاء }
ويصفه تعالى بأنه جعله أمنا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنا.

[line]-[/line]

{وإذ يرفع إبراهيم القواعد}

عن وهيب بن الورد: أنه قرأ: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا} أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات {وقلوبهم وجلة} أي: خائفة ألا يتقبل منهم.


[line]-[/line]

{يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}



أي: أحسنوا في حال الحياة والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه. فإن المرء يموت غالبا على ما كان عليه، ويبعث على ما مات عليه. وقد أجرى الله الكريم عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه


[line]-[/line]

{قل لله المشرق والمغرب}


{قل لله المشرق والمغرب} أي: الحكم والتصرف والأمر كله لله، وحيثما تولوا فثم وجه الله، و {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله} [البقرة: 177]
أي: الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره، ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة، فنحن عبيده وفي تصريفه وخدامه، حيثما وجهنا توجهنا.
وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد -صلوات الله وسلامه عليه -وأمته عناية عظيمة؛
إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم، خليل الرحمن، وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له، أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل، عليه السلام، ولهذا قال: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} .

 
من تفسير ابن كثير 3

من تفسير ابن كثير 3

{كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا..}
يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مبينات ويزكيهم، أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، ويعلمهم الكتاب -وهو القرآن -والحكمة -وهي السنة -ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول الفرى،فانتقلوا ببركة رسالته، ويمن سفارته، إلى حال الأولياء، وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علما، وأبرهم قلوبا، وأقلهم تكلفا، وأصدقهم لهجة. وقال تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم}.

[line]-[/line]


{إن الصفا والمروة من شعائر الله }



قد بين الله-تعالى -أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، أي: مما شرع الله تعالى لإبراهيم الخليل في مناسك الحج، وقد تقدم في حديث ابن عباس أن أصل ذلك مأخوذ من تطواف هاجر وتردادها بين الصفا والمروة في طلب الماء لولدها، لما نفد ماؤها وزادها، حين تركهما إبراهيم - عليه السلام -هنالك ليس عندهما ...أحد من الناس، فلما خافت الضيعة على ولدها هنالك، ونفد ما عندها قامت تطلب الغوث من الله، عز وجل، فلم تزل تردد في هذه البقعة المشرفة بين الصفا والمروة متذللة خائفة وجلة مضطرة فقيرة إلى الله، عز وجل، حتى كشف الله كربتها، وآنس غربتها، وفرج شدتها، وأنبع لها زمزم التي ماؤها طعام طعم، وشفاء سقم.
فالساعي بينهما ينبغي له أن يستحضر فقره وذله وحاجته إلى الله في هداية قلبه وصلاح حاله وغفران ذنبه، وأن يلتجئ إلى الله، عز وجل،ليزيح ما هو به من النقائص والعيوب، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم وأن يثبته عليه إلى مماته، وأن يحوله من حاله الذي هو عليه من الذنوب والمعاصي، إلى حال الكمال والغفران والسداد والاستقامة، كما فعل بهاجر -عليها السلام.

[line]-[/line]

{ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}
قال قتادة: اعلم -يا ابن آدم -أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما، ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود، والقاضي بشر يخطئ ويصيب،واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا.


[line]-[/line]

{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}
قال أبو أيوب: يا أيها الناس، إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، وإنا لما أعز الله دينه، وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها. فأنزل الله هذه الآية.


وقيل عن البراء : ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب، فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب.

[line]-[/line]

قوله: {فإن خير الزاد التقوى}
لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، كما قال: {وريشا ولباس التقوى ذلك خير} . لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي، وهو الخشوع، والطاعة والتقوى، وذكر أنه خير من هذا، وأنفع.


[line]-[/line]

{ألا إن نصر الله قريب}

وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها؛ ولهذا قال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب}


 
من تفسير ابن كثير 4

من تفسير ابن كثير 4

{وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}

أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشدة. قال الله تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} كما قال: {فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا} وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها؛ ولهذا قال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} وفي حديث أبي رزين: "عجب ربك من قنوط عباده، وقرب غيثه فينظر إليهم قنطين، فيظل يضحك، يعلم أن فرجهم قريب"
[line]-[/line]
{ولا تنسوا الفضل بينكم}

قال سفيان، عن أبي هارون قال: رأيت عون بن عبد الله في مجلس القرظي، فكان عون يحدثنا ولحيته ترش من البكاء ويقول:
صحبت الأغنياء فكنت من أكثرهم هما، حين رأيتهم أحسن ثيابا، وأطيب ريحا، وأحسن مركبا مني ، وجالست الفقراء فاسترحت بهم، وقال: {ولا تنسوا الفضل بينكم} إذا أتاه السائل وليس عنده شيء فليدع له.
[line]-[/line]​
{أيود أحدكم أن تكون له جنة..الآية }
في هذه الآية المثل بعمل من أحسن العمل أولا ثم بعد ذلك انعكس سيره، فبدل الحسنات بالسيئات، عياذا بالله من ذلك، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال، فلم يحصل له منه شيء، وخانه أحوج ما كان إليه.
[line]-[/line]
{يؤتي الحكمة من يشاء}

قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبين ذلك، أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا ذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه، عالما بأمر دينه، بصيرا به، يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله.
[line]-[/line]
{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون}

عن علي-رضي الله عنه - قال: لا أرى أحدا عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة، فإنها كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش.
 
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون وا

أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون وا

أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب (9)
قال الرازي - رحمه الله - : واعلم أن هذه الآية دالة على أسرار عجيبة،
فأولها: أنه بدأ فيها بذكر العمل وختم فيها بذكر العلم، أما العمل فكونه قانتا ساجدا قائما، وأما العلم فقوله: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون وهذا يدل على أن كمال الإنسان محصور في هذين المقصودين، فالعمل هو البداية والعلم والمكاشفة هو النهاية.

الفائدة الثانية: أنه تعالى نبه على أن الانتفاع بالعمل إنما يحصل إذا كان الإنسان مواظبا عليه، فإن القنوتعبارة عن كون الرجل قائما بما يجب عليه من الطاعات، وذلك يدل على أن العمل إنما يفيد إذا واظب عليه الإنسان،
وقوله: ساجدا وقائما إشارة إلى أصناف الأعمال.
وقوله: يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه : إشارة إلى أن الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأول مقام القهر وهو قوله: يحذر الآخرة ، ثم بعده مقام الرحمة ، وهو قوله: ويرجوا رحمة ربه ثم يحصل أنواع المكاشفات ، وهو المراد بقوله: هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون.

الفائدة الثالثة: أنه قال في مقام الخوف يحذر الآخرة فما أضاف الحذر إلى نفسه، وفي مقام الرجاء أضافه إلى نفسه، وهذا يدل على أن جانب الرجاء أكمل وأليق بحضرة الله تعالى. مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (26/ 428).

{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} :
قال ابن كثير -رحمه الله - :
أي: في حال عبادته خائف راج ، ولا بد في العبادة من هذا وهذا، وأن يكون الخوف في مدة الحياة هو الغالب؛ ولهذا قال: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه} ، فإذا كان عند الاحتضار فليكن الرجاء هو الغالب عليه، كما قال الإمام عبد بن حميد في مسنده.
قال الطاهر ابن عاشور -رحمه الله - :
والرجاء والخوف من مقامات السالكين، أي أوصافهم الثابتة التي لا تتحول.
والرجاء: انتظار ما فيه نعيم وملاءمة للنفس. والخوف: انتظار ما هو مكروه للنفس.
والمراد هنا: الملاءمة الأخروية لقوله: يحذر الآخرة، أي يحذر عقاب الآخرة فتعين أن الرجاء أيضا المأمول في الآخرة. وللخوف مزيته من زجر النفس عما لا يرضي الله، وللرجاء مزيته من حثها على ما يرضي الله وكلاهما أنيس السالكين.
وإنما ينشأ الرجاء على وجود أسبابه لأن المرء لا يرجو إلا ما يظنه حاصلا ولا يظن المرء أمرا إلا إذا لاحت له دلائله ولوازمه، لأن الظن ليس بمغالطة والمرء لا يغالط نفسه، فالرجاء يتبع السعي لتحصيل المرجو قال الله تعالى: ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا [الإسراء: 19] فإن ترقب المرء المنفعة من غير أسبابها فذلك الترقب يسمى غرورا.
وإنما يكون الرجاء أو الخوف ظنا مع تردد في المظنون، أما المقطوع به فهو اليقين واليأس وكلاهما مذموم قال تعالى: فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون [الأعراف:
99] ، وقال: إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون [يوسف: 87] .
وقد بسط ذلك حجة الإسلام أبو حامد في كتاب الرجاء والخوف من كتاب «الإحياء» . ولله در أبي الحسن التهامي إذ يقول: وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار
وسئل الحسن البصري عن رجل يتمادى في المعاصي ويرجو فقال: هذا تمن وإنما الرجاء، قوله: يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه. التحرير والتنوير (23/ 347)

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ}

قال الزمخشري -رحمه الله- :
وأراد بالذين يعلمون: العاملين من علماء الديانة، كأنه جعل من لا يعمل غير عالم. وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم، ثم لا يقتنون ويفتنون، ثم يفتنون بالدنيا، فهم عند الله جهلة، حيث جعل القانتين هم العلماء، ويجوز أن يرد على سبيل التشبيه، أى: كما لا يستوي العالمون والجاهلون، كذلك لا يستوي القانتون والعاصون. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (4/ 117)

قال الرازي- رحمه الله- :
قال صاحب «الكشاف» أراد بالذين يعلمون الذين سبق ذكرهم وهم القانتون، وبالذين لا يعلمون الذين لا يأتون بهذا العمل كأنه جعل القانتين هم العلماء، وهو تنبيه على أن من يعمل فهو غير عالم، ثم قال وفيه ازدراء عظيم بالذين يقتنون العلوم ثم لا يقنتون، ويفتنون فيها ثم يفتنون بالدنيا فهم عند الله جهلة.
ثم قال تعالى: إنما يتذكر أولوا الألباب يعني هذا التفاوت العظيم الحاصل بين العلماء والجهال لا يعرفه أيضا إلا أولوا الألباب، قيل لبعض العلماء: إنكم تقولون العلم أفضل من المال ثم نرى العلماء يجتمعون عند أبواب الملوك، ولا نرى الملوك مجتمعين عند أبواب العلماء، فأجاب العالم بأن هذا أيضا يدل على فضيلة العلم لأن العلماء علموا ما في المال من المنافع فطلبوه، والجهال لم يعرفوا ما في العلم من المنافع فلا جرم تركوه. مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (26/ 429)

قال البقاعي -رحمه الله- :
لما كان المقام للإخلاص، وكان الإخلاص أقرب مقرب إلى الله لأنه التجرد عن جميع الأغيار، وكان السجود أليق الأشياء بهذا الحال، ولذلك كان أقرب مقرب للعبد من ربه، لأنه خاص بالله تعالى، قال: {ساجداً} أي وراكعاً ودل على تمكنه من الوصفين بالعطف فقال: {وقائماً} أي وقاعداً، وعبر بالاسم تنبيهاً على دوام إخلاصه في حال سجوده وقيامه، والآية من الاحتباك: ذكر السجود دليلاً على الركوع والقيام دليلاً على القعود، والسر في ذكر ما ذكر وترك ما ترك أن لسجود يدل على العبادة، وقرن القيام به دال على أنه قيام منه فهو عبادة، وذلك مع الإيذان بأنهما أعظم الأركان، فهو ندب إلى تطويلهما على الركنين الآخرين .....

ولما كان الإنسان محل الفتور والغفلة والنسيان، وكان ذلك في محل الغفران، وكان لا يمكن صلاحه إلا بالخوف من الملك الديان، قال معللاً أو مستأنفاً جواباً لمن كأنه يقول: ما له يتعب نفسه هذا التعب ويكدها هذا الكد: {يحذر الآخرة} أي عذاب الله فيها، فهو دائم التجدد لذلك كلما غفل عنه. ولما ذكر الخوف، أتبعه قرينه الذي لا يصح بدونه فقال: {ويرجوا رحمة ربه} أي الذي لم يزل ينقلب في إنعامه.

ولما كان الحامل على الخوف والرجاء والعمل إنما هو العلم النافع، وكان العلم الذي لا ينفع كالجهل أو الجهل خير، كان جواب ما تقدم من الاستفهام: لا يستويان، لأن المخلص عالم والمشرك جاهل. فأمره بالجواب بقوله: {قل} أي لا يستويان، لأن الحامل على الإخلاص العلم وعلى الإشراك الجهل وقلة العقل. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (16/ 466)

قال السعدي -رحمه الله- :
هذه مقابلة بين العامل بطاعة الله وغيره، وبين العالم والجاهل، وأن هذا من الأمور التي تقرر في العقول تباينها، وعلم علما يقينا تفاوتها، فليس المعرض عن طاعة ربه، المتبع لهواه، كمن هو قانت أي: مطيع لله بأفضل العبادات وهي الصلاة، وأفضل الأوقات وهو أوقات الليل، فوصفه بكثرة العمل وأفضله، ثم وصفه بالخوف والرجاء، وذكر أن متعلق الخوف عذاب الآخرة، على ما سلف من الذنوب، وأن متعلق الرجاء، رحمة الله، فوصفه بالعمل الظاهر والباطن.
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} ربهم ويعلمون دينه الشرعي ودينه الجزائي، وما له في ذلك من الأسرار والحكم {وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} شيئا من ذلك؟ لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلام، والماء والنار.
 
عند سدرة المنتهى

عند سدرة المنتهى

قال الماوردي :
عند.قوله تعالى {عند سدرة المنتهى }
". ﻓﺈﻥ ﻗﻴﻞ ﻟﻢ اﺧﺘﻴﺮﺕ اﻟﺴﺪﺭﺓ ﻟﻬﺬا اﻷﻣﺮ ﺩﻭﻥ ﻏﻴﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﺠﺮ؟ ﻗﻴﻞ: ﻷﻥ اﻟﺴﺪﺭﺓ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺜﻼﺛﺔ ﺃﻭﺻﺎﻑ: ﻇﻞ ﻣﺪﻳﺪ، ﻭﻃﻌﻢ ﻟﺬﻳﺬ، ﻭﺭاﺋﺤﺔ ﺫﻛﻴﺔ، ﻓﺸﺎﺑﻬﺖ اﻹﻳﻤﺎﻥ اﻟﺬﻱ ﻳﺠﻤﻊ ﻗﻮﻻ ﻭﻋﻤﻼ ﻭﻧﻴﺔ، ﻓﻈﻠﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﺘﺠﺎﻭﺯﻩ، ﻭﻃﻌﻤﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻨﻴﺔ ﻟﻜﻤﻮﻧﻪ، ﻭﺭاﺋﺤﺘﻬﺎ ﺑﻤﻨﺰﻟﺔ اﻟﻘﻮﻝ ﻟﻈﻬﻮﺭﻩ."
النكت والعيون.
 
{فإن خير الزاد التقوى} لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلى زاد الآخرة، وهو استصحاب التقوى إليها، كما قال: {وريشا ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26] . لما ذكر اللباس الحسي نبه مرشدا إلى اللباس المعنوي، وهو الخشوع، والطاعة (16) والتقوى، وذكر أنه خير من هذا، وأنفع.
قال عطاء الخراساني في قوله: {فإن خير الزاد التقوى} يعني: زاد الآخرة.
تفسير ابن كثير ت سلامة (4/ 560)
{وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين }
لما ذكر تعالى من الحيوانات ما يسار عليه في السبل الحسية، نبه على الطرق المعنوية الدينية،
وكثيرا ما يقع في القرآن العبور من الأمور الحسية إلى الأمور المعنوية النافعة الدينية، كما قال تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [، وقال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير} [الأعراف: 26] .

تفسير ابن كثير ت سلامة (7/ 220)
{وإنا إلى ربنا لمنقلبون} أي: لصائرون إليه بعد مماتنا، وإليه سيرنا الأكبر. وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الآخرة، كما نبه بالزاد الدنيوي على [الزاد] (8) الأخروي في قوله: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} [البقرة: 197] وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: {وريشا ولباس التقوى ذلك خير [ذلك من آيات الله] } [الأعراف: 26] .
 
قال تعالى لنبيه نوح عليه السلام (إنه ليس من أهلك) .

قال تعالى لنبيه نوح عليه السلام (إنه ليس من أهلك) .

الثالثة- في هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كانوا صالحين. وروي أن ابن مالك بن أنس نزل من فوق ومعه حمام قد غطاه، قال: فعلم مالك أنه قد فهمه الناس، فقال مالك: الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات.
تفسير القرطبي (9/ 47)
 
التفسير المذموم ، فائدة

التفسير المذموم ، فائدة


قال ابن العربي -رحمه الله - :
المسألة الثامنة:
قال بعض علمائنا: كانت ضيافة قليلة فشكرها الحبيب من الحبيب، وهذا تحكم بالظن في موضع القطع وبالقياس في موضع النقل، من أين علم أنه قليل؟ بل قد نقل المفسرون أن الملائكة كانوا ثلاثة: جبريل وميكائيل وإسرافيل، وعجل لثلاثة عظيم، فما هذا التفسير في كتاب الله بالرأي؟ هذا بأمانة الله هو التفسير المذموم، فاجتنبوه فقد علمتموه.


[مسألة السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدم إليه بالأكل منه]
المسألة التاسعة:
السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدم إليه بالأكل منه، فإن كرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول، فلما قبض الملائكة أيديهم نكرهم إبراهيم؛ لأنهم خرجوا عن العادة، وخالفوا السنة، وخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه.

أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 22)
 
وماظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم ..

وماظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم ..

قال أبو جعفر: وهذا الخبر من الله تعالى ذكره، وإن كان خبرا عمن مضى من اﻷمم قبلنا، فإنه وعيد من الله جل ثناؤه لنا أيتها اﻷمة، أنا إن سلكنا سبيل اﻷمم قبلنا في الخﻼف عليه وعلى رسوله، سلك بنا سبيلهم في العقوبة = وإعﻼم منه لما أنه ﻻ يظلم أحدا من خلقه، وأن العباد هم الذين يظلمون أنفسهم،... ، قال ابن زيد قال، اعتذر = يعني ربنا جل ثناؤه = إلى خلقه فقال: (وما ظلمناهم) ، مما ذكرنا لك من عذاب من عذبنا من اﻷمم، (ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم) ، حتى بلغ: (وما زادوهم غير تتبيب) ، قال: ما زادهم الذين كانوا يعبدونهم غير تتبيب
 
إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

- أخرج الحاكم عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يتلو كثيرا {إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم}

- إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم المعنى يهدي للحال التي هي أقوم والحال التي هي أقوم توحيد الله واتباع رسله والعمل بطاعته. معاني القرآن للنحاس

- إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب. الكشف والبيان للثعلبي.

- هذا القرآن يامحمد يرشد من اهتدى به للحال التي هي أقوم الحالات أي أصوبها
وذلك دين الله سبحانه المستقيم وتوحيده جلت عظمته والإيمان بكتبه ورسله.

- · القرآن نور من استضاء به خلص من ظلمات جهله، وخرج من غمار شكّه. ومن رمدت عيون نظره التبس رشده.
لطائف الإشارات

- يهدي للتي هي أقوم
وأينما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف، لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تُفقد مع إيضاحه.
الزمخشري.

- يمدح تعالى كتابه العزيز الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وهو القرآن، بأنه يهدي لأقوم الطرق، وأوضح السبل. ابن كثير

- إن هذا القرآن الذي آتيناكه....،وفي الإشارة بهذا تعظيم لما جاء به النبي المجتبى صلى الله عليه وسلم يهدي أي الناس كافة لا فرقة مخصوصة. الألوسي

- إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم الآية أي إن هذا القرآن يعرف أهله بنوره أقوم الطرق إلى الله تعالى وهو طريق الطاعة والاقتداء بمن أنزل عليه صلى الله عليه وسلم فإنه لا طريق يوصل إلا ذلك.الألوسي.

- يخبر تعالى عن شرف القرآن وجلالته وأنه {يهدي للتي هي أقوم} أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره. تفسير السعدي

- · وقد جاءت هذه الآية تنفيسا على المؤمنين من أثر القصص المهولة التي قصت عن بني إسرائيل وما حل بهم من البلاء مما يثير في نفوس المسلمين الخشية من أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك، فأخبروا بأن في القرآن ما يعصمهم عن الوقوع فيما وقع فيه بنو إسرائيل إذ هو يهدي للطريق التي هي أقوم مما سلكه بنو إسرائيل، ولذلك ذكر مع الهداية بشارة المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ونذارة الذين لا يؤمنون بالآخرة.....
.
· والأقوم: تفضيل القويم. والمعنى: أنه يهدي للتي هي أقوم من هدى كتاب بني إسرائيل الذي في قوله: وجعلناه هدى لبني إسرائيل [الإسراء: 2] . ففيه إيماء إلى ضمان سلامة أمة القرآن من الحيدة عن الطريق الأقوم، لأن القرآن جاء بأسلوب من الإرشاد قويم ذي أفنان لا يحول دونه ودون الولوج إلى العقول حائل، ولا يغادر مسلكا إلى ناحية من نواحي الأخلاق والطبائع إلا سلكه إليها تحريضا أو تحذيرا، بحيث لا يعدم
المتدبر في معانيه اجتناء ثمار أفنانه، وبتلك الأساليب التي لم تبلغها الكتب السابقة كانت الطريقة التي يهدي إلى سلوكها أقوم من الطرائق الأخرى وإن كانت الغاية المقصود الوصول إليها واحدة.وهذا وصف إجمالي لمعنى هدايته إلى التي هي أقوم لو أريد تفصيله لاقتضى أسفارا.
التحرير والتنوير (15/ 40)

-إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم
الآية، ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدا برب العالمين جل وعلا، يهدي للتي هي أقوم ; أي الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب....وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة.

.أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (3/ 17)
 
عودة
أعلى