فهد الوهبي
Member
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .. وبعد..
فقد سبق الكلام حول حديثين لهما علاقة بالتفسير ، قد وجَّه لهما أحد الكُتَّاب نقداً عقلياً ، كما في الرابطين :
[align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : ( خُفَّفَ على داود القرآن )[/align][align=center]و[/align][align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )[/align]
وفي هذا البحث المختصر سأقف مع حديث ثالث ، وبيان معناه ، وردِّ الشبهات التي ذكرها صاحب كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ).. وذلك لتعلق هذا الحديث بقصة سليمان عليه الصلاة والسلام في القرآن وذكره في بعض كتب التفسير ..
نص الحديث :
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة ـ أو تسع وتسعين ـ كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله . فلم يقل: إن شاء الله . فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون "(1).
وقد رد المؤلف هذا الحديث ووافقه أحد الكتاب الشيعة(2) فقال الأخير: " وفي هذا أيضاً نظر من وجوه : أحدها: أن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قوياً، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان (ع) بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه أبدا .
ثانيها: أنه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (ع) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله ؟ وهو من الدعاء الى الله والأدلاء عليه، وإنما يتركها الغافلون عن الله عزوجل، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده . فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين أنهم (ع) لفوق ما يظن المخرفون .
ثالثها:أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى إنهن مائة كما سمعت، وتارة روى إنهن تسعون، وتارة روى إنهن سبعون وتارة روى إنهن ستون "(3).
كلام العلماء في معنى الحديث :
قوله : ( لأطوفن ) :
طاف بالشيء إذا دار حوله وتكرر عليه، وهو هنا كناية عن الجماع.
واللام هنا جواب القسم وهو محذوف، أي : والله لأطوفن . ويؤيده قوله في رواية أخرى : ( لم يحنث ) لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم، والقسم لا بد له من مقسم به(4).
قوله : (كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ) :
قاله عليه السلام على سبيل التمني للخير، وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء، لكونه قصد به الخيرَ وأمرَ الآخرة، لا غرض الدنيا(5).
ونقل ابن حجر عن بعض السلف قوله : " نبّه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض، قال : ولذلك نسي الاستثناء ليمضي فيه القدر"(6 ).
قوله : ( فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله ) :
في رواية معمر عن طاوس : ( فقال له الملك )، وفي رواية هشام بن حجير : ( فقال له صاحبه، قال سفيان : يعني الملك ). قال ابن حجر : " وفي هذا إشعار بأن تفسير صاحبه بالملك ليس بمرفوع، لكن في مسند الحميدي عن سفيان : ( فقال له صاحبه أو الملك ) بالشك، ومثلها لمسلم، وفي الجملة ففيه رد على من فسر صاحبه بأنه الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف " ثم قال : "قلت : ليس بين قوله ( صاحبه ) و ( الملك ) منافاة، إلا أن لفظة ( صاحبه ) أعم، فمن ثم نشأ لهم الاحتمال، ولكن الشك لا يؤثر في الجزم، فمن جزم بأنه الملك حجة على من لم يجزم"( 7).
قوله : ( فلم يقل ):
قال عياض : " بين في الطريق الأخرى بقوله ( فنسي )"( 8).
ومعنى قوله ( لم يقل ) : أي بلسانه لا أنه أبى أن يفوض إلى الله بل كان ذلك ثابتاً في قلبه، لكنه اكتفى بذلك أولاً ونسي أن يجريه على لسانه لما قيل له لشيء عرض له( 9).
قوله : ( فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ):
توضحه الروايات الأخر وهي : ( إلا واحداً ساقطاً أحد شقيه )، ( ولدت شق غلام )، ( نصف إنسان ).
قوله : ( والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون ):
المراد أنه كان يحصل له ما طلب ولا يلزم من إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق سليمان عليه السلام في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته، بل في الاستثناء رجو الوقوع، وفي ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع( 10).
قال ابن حجر : " وفيه جواز السهو على الأنبياء، وأن ذلك لا يقدح في علو منصبهم"( 11).
الشبهات التي أوردها المؤلف:
الشبهة الأولى: الاضطراب في عدد النساء( 12):
قال: " ومثل هذا الاختلاف في عدد النساء ورد أيضاً في الروايات المختلفة لهذا الحديث في البخاري ... ولكن الإشكال في متن هذا الحديث غير مقتصر على الاضطراب في عدد النساء، بل فيه إشكالات أهم بكثير "( 13).
الجواب على هذا الإشكال:
لقد اختلفت الروايات في عدد نساء سليمان عليه السلام ومحصلها:
( ستون(14 )، وسبعون( 15)، وتسعون( 16)، وتسع وتسعون(17 )، ومائة(18 )). وهذا الاختلاف من الرواة كما قال ابن حجر : " وذكر أبو موسى المديني ... أن في بعض نسخ مسلم عقب قصة سليمان هذا الاختلاف في هذا العدد، وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من الناقلين"(19 ).
وجعل الكردي هذا الاختلاف اضطراباً قادحاً في متن الحديث ويمكن الجواب عليه بما يلي:
1- أن إمكانية الجمع أو الترجيح تنفي الاضطراب: فقد ذكر العلماء أن الاضطراب لا يطلق على ما يمكن فيه الجمع أو الترجيح.
قال ابن الصلاح : " المضطرب من الحديث هو : الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له . وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان. أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى ... فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا حكمه"(20 ).
وقال ابن كثير في تعريف المضطرب: " وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه، أو من وجوهٍ أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض"(21 ).
وقال أحمد شاكر : " وإن تساوت الروايات وامتنع الترجيح؛ كان الحديث مضطرباً"( 22).
وقال القاسمي : " ثم إن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات ... فالحكم للراجحة ولا يكون الحديث مضطرباً "(23 ).
وبهذا يتبين أن الاضطراب الموجب للاطراح هو اختلاف متكافئ، مع تعذر الجمع، أي أنه متقارب ومتقاوم لا نستطيع ترجيح إحدى الروايات على الأخرى( 24).
وهذا الحديث بهذا الوصف لا يسمى مضطرباً فإنه لما وقع هذا الاختلاف في العدد لجأ العلماء بالحديث إلى الترجيح أو الجمع بينها.
ولم يتوقفوا عن العمل بهذا الحديث، واستخراج الأحكام الفقهية الكثيرة منه، لأن الجمع أو الترجيح ممكن بين الروايات .
وبيان الجمع والترجيح كما يلي:
أـ الجمع:
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله قول الجمع بين هذه الروايات فقال: "والجمع بينها أن الستين كنّ حرائر، وما زاد عليهن كنّ سراري، أو بالعكس. وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون، والمائة؛ فكنّ دون المائة وفوق التسعين، فمن قال (تسعون) ألغى الكسر، ومن قال (مائة) جبره. ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر(25 )"(26 ). وقال: " قلت : والذي يظهر مع كون مخرج الحديث عن أبي هريرة، واختلاف الرواة عنه أن الحكم للزائد، لأن الجميع ثقات"(27 ).
ب ـ الترجيح:
سلك الإمام البخاري رحمه الله مسلك الترجيح حيث ذكر قول شعيب وأبي الزناد وهو: التسعين، ثم قال: " هو أصح "(28 ).
وغير خافٍ على من له إلمام بمنهج المحدثين أنهم اختاروا هذا المنحى المحتاط في الجمع أو الترجيح، في الحكم على الروايات الصحيحة التي اختلفت لئلا يرفضوا ما هو صحيح.
وكذلك منحوا من ليس عنده علم بالحديث قاعدة واضحة لئلا يقع في رفض الأحاديث الصحيحة لمجرد وقوع نوع من الاختلاف في رواياتها.
وبهذه الدقةِ في الاصطلاح قد صانوا أنفسهم من الحكم الصبياني على الحديث من جهة، ومن جهة أخرى منعوا أدعياء العلم بالحديث من التلاعب به كيف يشاءون(29 ).
2- أن الشك في الراوية لا يبطل العمل بالحديث الصحيح:
فإن صحة الحديث توجب القطع به، كما قال ابن الصلاح في الصحيحين وجزم بأنه هو القول الصحيح( 30).
قال السخاوي: " وسبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقي بالقبول الجمهورُ من المحدثين والأصوليين، وعامة السلف، بل وكذا غير واحد في الصحيحين"( 31).
قال أبو إسحاق الإسفراييني : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها، ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها، فمن خالف حكمه خبراً منها وليس له تأويل سائغ للخبر؛ نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول"(32 ).
وقال ابن حجر : " وقد يقع فيها ـ أي في أخبار الآحاد ـ ... ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار خلافاً لمن أبى ... والخبر المحتف بالقرائن أنواع : منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتفت به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر"(33 ).
وبهذا يُعلم أن مثل هذا الشك في الراوية لا يقدح في الحديث الصحيح لا سيما ما كان في البخاري أو مسلم . وقد وردت أحاديث بمثل هذا وتلقاها العلماء بالقبول والعمل، ومن ذلك حديث جابر رضي الله عنه في قصة بيعه للجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم( 34)، فقد اختلف الرواة في قدر الثمن بما هو أكثر اختلافاً من الاختلاف في عدد النساء هنا .
الشبهة الثانية : أن سليمان عليه السلام قد رفض الاستثناء ولا يقع ذلك من نبي:
ومحصل هذه الشبهة مركب من أمور هي :
1- أن سليمان عليه السلام قد رفض هذا الاستثناء .
2- أنه لا يقع ذلك من نبي.
3- أن ما فعله سليمان عليه السلام لا يكون نسياناً بعد التذكير.
قال الكردي : " كيف يُذَكَّر نبيٌ عظيم من أنبياء الله تعالى ـ وهو سليمان الحكيم ـ الذي سُمي بذلك لحكمته ورجاحة رأيه، بضرورة الاستثناء بإن شاء الله فيرفض أن يقولها؟!، ومن الغرائب ما ورد في أحد طرق الحديث من أن سليمان ـ بعد ما ذكّره صاحبه ـ لم يقل ونسي( 35)، هذا في حين أن النسيان قد يقع عند عدم التذكير، أما إذا ذكر الإنسان بقول شيء، ومع ذلك لم يقله، فهذا لا يسمى نسياناً!"( 36).
والجواب على هذه الشبهة كما يلي :
أولاً: أن الكردي يفتري على سليمان عليه السلام بقوله ( رفض ):
فكلمة (رفض) التي عبّر بها هنا تحمل في طياتها ـ كما هو معلوم ـ معنى البغض أو الكره، وهو بهذا يعظم العجب من قصة الحديث وينكرها، ولم يرد في نص الحديث أن سليمان عليه السلام رفض، بل الوارد ـ كما في البخاري ـ أنه ( نسي )( 37). ولا شك أن هناك فرقاً بين التعبيرين.
ثانياً : أن النسيان واقع من الأنبياء عليه الصلاة والسلام :
فالنسيان واقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد أثبته القرآن الكريم الذي يعجز الكردي عن رده قال تعالى : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [طه:115]. ولو كان نسيان آدم عليه السلام مما لا يُؤاخذ عليه لما آخذه الله تعالى.
قال ابن جرير: " إن النسيان على وجهين:
أحدهما: على وجه التضييع من العبد والتفريط.
والآخر: على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به،وضعف عقله عن احتماله.
فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو تركٌ منه لما أمر بفعله. فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [طه:115]"( 38).
وقال ابن عطية : " ونسي معناه: ترك، ونسيان الذهول لا يمكن هنا، لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب"( 39).
بل قد ذكر الله تعالى ما هو أشد من ذلك فقال جل وعلا : ( فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ) [طه:121].
وما يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ذلك غير قادح في مقام النبوة والعصمة كما قال الشنقيطي: " ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلى من درجة من لم يقع منه ذلك . كما قال هنا : (وعصى آدم ربه فغوى ) [ طه : 121 ] ثم أتبع ذلك بقوله: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) [ طه:122 ] "( 40).
وإذا كان النسيان قد وقع من الأنبياء السابقين عليهم السلام فإنه قد وقع من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فجاءت الآية في ذلك : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ، إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً) [الكهف: 23 ـ 24 ].
فقد روى ابن إسحاق( 41) والطبري في أول سورة الكهف( 42) والواحدي في سورة مريم( 43): أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يَقُل " إن شَاءَ الله " فلم يأته جبريل عليه السلام بالجواب إلا بعد خمسة عشرَ يوماً . وقيل : بعد ثلاثة أيام .
قال ابن عاشور : " فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام كما عاتب سليمان عليه السلام ... ثم كان هذا عتاباً صريحاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول : «إن شاء الله» كما نسي سليمان، فأعلم الله رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يَعِد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة الله"(44 ).
وبهذا يتبين أن ما استنكره الكردي هنا؛ واقعٌ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وغير قادح في مقامهم الكريم، ولا ينقص من قدرهم وعلوّ شأنهم، إذ هم المصطفون من ربهم لتبليغ رسالات الله تعالى، وهم أكرم الخلق على الله تعالى.
ولعل الكاتب هنا لم يلتفت إلى كل ما سبق، بل لم ينتبه إلى وقوع العتاب في القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية، والظاهر أن الهوى كما قيل يُعمي ويُصمّ، وقد قال تعالى : (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) [ ص : 26 ]. نعوذ بالله من الخذلان .
ثالثاً: أن النسيان يطلق في اللغة بمعنى الترك ولو مع الذكر:
وقد استنكر الكردي ذلك فقال : " ومن الغرائب ما ورد في أحد طرق الحديث من أن سليمان ـ بعد ما ذكّره صاحبه ـ لم يقل ونسي، هذا في حين أن النسيان قد يقع عند عدم التذكير، أما إذا ذكر الإنسان بقول شيء، ومع ذلك لم يقله، فهذا لا يسمى نسياناً!"(45 ).
والقارئ في كلامه ذلك يحسب أن الرجل قد استقرأ كتب اللغة والمعاجم فلم يجد ذلك، بينما الحقيقة أن ذلك الاستعمال موجود في كلام العرب بل في القرآن العظيم الذي لا يُتصور أن الكاتب لم يقرأه.
قال الشنقيطي: " والعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً، ومنه قوله تعالى: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) [ طه : 126 ] "( 46).
وقال الراغب الأصفهاني: " النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره"( 47).
وقال ابن فارس : " النون والسين والياء أصلانِ صحيحان: يدلُّ أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على تَرْك شيء"( 48).
فهذه كتب اللغة وأئمتها ناطقون بنقيض ما يقوله الكردي الخابط بغير علم، ولا شك من أن حبل الكذب قصير كما قال هو نفسه(49 ).
رابعاً : ما العجب في تقدير الله تعالى ذلك على سليمان عليه السلام :
إذا علمنا فيما سبق أن هذا الفعل لا يقدح في مقام النبوة؛ فليس في المقام ما يُتعجب منه، فالله تعالى قد أخبر أنه ابتلى الأنبياء في القرآن وعاتبهم: آدم، ونوحاً، وأيوب، وسليمان وغيرهم عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام.
قال تعالى : (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ) [ ص : 34].
وقال : (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) [ص: 41].
وقال : (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [ طه:115 ].
وقال : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود: 46 ].
وقال لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) [ التوبة: 43 ].
وقال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) [ الأنفال : 67].
وقال : (عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يزكى ) الآيات [عبس: 1 ـ 3 ].
فما العجب ـ بعدما أخبر الله تعالى عن أنبياءه بذلك ـ أن يَرِدَ تفصيل ذلك في السنة النبوية، والله تعالى يبتلي الأنبياء والمؤمنين كل على قدر إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم : "إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"( 50).
وهكذا فليس في الحديث ما يُتعجب منه ويستنكر لأجله، إلا في عقل من أضله اتباع الهوى، وأعماه الجهل عن رؤية الحق، وقد قال تعالى : (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [ القصص: 50 ].
خامساً: أن سليمان عليه السلام لم يستثنِ لحكمةٍ قدرها الله تعالى وليس لأنه قد غفل عن التعلق بالله تعالى:
صَوَّرَ الكردي أن هذا الحديث يطعن في مقام سليمان عليه السلام فقال : " كيف يُذَكَّر نبيٌ عظيم من أنبياء الله تعالى ـ وهو سليمان الحكيم ـ الذي سُمي بذلك لحكمته ورجاحة رأيه، بضرورة الاستثناء بإن شاء الله فيرفض أن يقولها؟!"( 51).
ولذلك فإنه من البدهي أن يقال : ليس في الحديث ما يطعن في ذلكم المقام الكريم للنبي سليمان عليه السلام، ولقد كان ذلك تقديراً من الله عليه لحكمة بينها العلماء، وأنه لم يقل ذلك بلسانه، ولم يغفل قلبه عن ربه .
قال العيني : " قوله (فلم يقل إن شاء الله): فلم يقل سليمان إن شاء الله بلسانه، لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فإنه لا يليق بمنصب النبوة. وإنما هذا كما اتفق لنبينا لما سئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم أن يأتي بالجواب غداً جازماً بما عنده من معرفة الله تعالى، وصدق وعده، في تصديقه وإظهار كلمته، لكنه ذهل عن النطق بها لا عن التفويض بقلبه، فاتفق أن يتأخر الوحي عنه ورمي بما رمي به لأجل ذلك، ثم علمه الله بقوله تعالى: ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ) [ الكهف : 23] فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة حتى في الواجب"( 52).
ولعل من الحكم في ذلك بيان أهمية تعليق الأمور كلها بمشيئة الله تعالى، وقد أدب الله بذلك نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي في بيان فضل الاستثناء : " وهذه الكلمة لما أهمل ذكرها سليمان عليه السلام في قوله ( لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً) لم يحصل له مقصوده. وإذا أطلقت على لسان رجل من يأجوج ومأجوج فقال (غداً يحفر السد إن شاء الله) نفعتهم فقدر على الحفر، فإذا فات مقصود نبي بتركها وحصل مراد كافر بقولها، فليُعرف قدرها، وكيف لا وهي تتضمن إظهار عجز البشرية وتسليم الأمر إلى قدرة الربوبية"( 53).
وبهذا يتبين أن مقام النبوة بعيد كل البعد عن اللمز الذي أراده الكاتب من هذا الحديث، بل هو مقتضى البشرية التي أخبر الله تعالى بها عن أنبياءه، ومقتضى الابتلاء من الله لعباده المؤمنين.
الشبهة الثالثة: أنه لا يمكن لبشر مجامعة هذا العدد من النساء ولا يليق ذلك بنبي:
قال الكردي : " والإشكال الآخر : كيف لإنسان بشر أن يطوف على مائة امرأة فيجامعهن كلهن في ليلة واحدة ! أي في عدة ساعات ! وهل يليق هذا بنبي من أنبياء الله؟!"( 54).
والجواب على هذه الشبهة :
نقول لماذا هذا الإنكار المجرد على سليمان عليه السلام أن يمتلك تلك القوة الجسدية، وقد آتاه الله من الملك ما لم يؤته أحداً من قبله، فقد كان يكلم الدواب، وتحشر له الجيوش من الإنس والجن والطير، ويصرِّف الجن، وتسير الرياح بين يديه بأمر ربه.
قال تعالى: ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ، فسخرنا الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد ، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) [ص: 35 ـ 40].
فسليمان عليه السلام كان ملكاً نبياً وقد آتاه الله من النعيم ما لم يؤته أحداً من قبله، وقد آتاه الله من كل شيء قال تعالى : (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) [ النمل :16].
وهذا الحديث هو في منظومة هذه الآيات وفي سياقها يذكر بعضَ ما أنعم الله به على سليمان عليه السلام من القوة الجسدية، فما المستغرب في الأمر؟!.
ولا شك أن من يؤمن بهذه الآيات؛ فالإيمان بما احتواه هذا الحديث عليه أيسر وأولى، إذ كيف يصدق العقل مكالمة البشر للدواب، وتصريفه للريح، واستخدام الجن والشياطين وتصفيدهم، ثم بعد ذلك كله ينكر إمكانية أن يمده الله بهذه القوة الجسدية .
ثم كيف يمكن لسليمان عليه السلام أن يقوم بتدبير تلك المملكة المترامية الأطراف والأتباع من الإنس والجن والطير، وكيف يمكن له عليه السلام إحصاؤهم واكتشاف الهدد المتغيب عن حضور الجند، هل يرفض العقل أن يكون هذا النبي الكريم عليه السلام قد أوتي من القوة في الجسم ما لم يؤته الله إلا لمن علم هو سبحانه من عباده.
ولا شك أن قلة العقل واتباع الهوى؛ سبب في هذا الاضطراب والتردد عند الكاتب، فهو يصف في بداية كلامه على هذا الحديث سليمان عليه السلام بأنه " نبي عظيم "( 55) ثم بعد ذلك ينكر بعض جوانب تلك العظمة التي خصها الله تعالى بمن شاء من عباده.
ولذلك فإن العلماء قد جعلوا هذا الحديث دليلاً على كمال الأنبياء عليهم السلام بخلاف فهم الكاتب الذي رأى أن ذلك غير لائق بالأنبياء :
قال العيني : " وفيه ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وكمال الرجولية، مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة. والعادة ـ في مثل هذا لغيرهم ـ الضعف عن الجماع. لكن خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم،كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم، فحصل لسليمان عليه الصلاة والسلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة ... وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحاً غير هذا إلا ما ثبت عن سيدنا رسول الله أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع(56 ) ... وكان إذا صلى الغداة دخل على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها(57 ) وذلك لأنه كان قادراً على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل"(58 ).
الشبهة الرابعة: هل يمكن أن سليمان عليه السلام قد توقف بعد ذلك، حتى يرى ما أمل من الأبناء :
قال الكردي : " إذا كان سليمان قد ترك قول ( إن شاء الله ) عامداً( 59) في تلك الليلة، أفلم يجامع بعد ذلك أحداً من نسائه المائة في الليالي التالية؟ فكيف لم تحمل أي منهن ؟ أم أنه توقف عن الجماع لمدة تسعة أشهر حتى يرى نتيجة جماعاته في تلك الليلة؟!"( 60).
فالجواب على هذه الشبهة :
أن ما يسأل عنه الكاتب هنا، جوابه في متن الحديث الذي يُنكره، فإن آمن به وصدق؛ فإنه لا محالة سيعلم أن سليمان عليه السلام لم يلد له من تلك النسوة من هذا الجماع سوى امرأة ولدت شق رجل، أما ما كان بعد ذلك فلم يرد النص فيه، ولا خبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأنى له بالوصول إليه، ولا يمكن للعقل أن يصل للأخبار الغيبية إلا بالسمع.
وليس الجهل به قادحٌ في صحة هذا الحديث، بل السؤال مقلوب عليه فيقال: هل طاف(61 ) سليمان عليه السلام بعد ذلك بنسائه؟، وهل عنده خبر عن ما حدث بعد ذلك من تفاصيل.
وأختم هذا الحديث بالصلاة والسلام على النبي الكريم سليمان بن النبي الكريم داود عليهما السلام وبقوله تعالى في مدحه والثناء عليه : ( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ) [ ص: 30 ].[align=center]والله تعالى أعلم ...[/align][align=center]2 / 4 / 1430هـ[/align]
ــــــــــــــــ
الحواشي :
(1) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(2 ) وهو عبد الحسين شرف الدين الموسوي.
(3 ) انظر كتاب: أبو هريرة لعبد الحسين الموسوي: ( 74 ).
(4 ) انظر: فتح الباري: ( 6 / 530 ـ 531 ).
(5 ) السابق: ( 6 / 531 ).
(6 ) السابق: ( 6 / 531 ).
(7 ) السابق: ( 6 / 531 ـ 532 ).
(8 ) السابق: ( 6 / 532 ). والرواية في البخاري في كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 22 / 193) رقم ( 6720 ).
(9 ) انظر فتح الباري: ( 6 / 532 ).
(10 ) انظر السابق: ( 6 / 532 ).
(11 ) السابق: ( 6 / 533 ).
(12 ) جاء في التوراة أنه كان لسليمان عليه السلام سبع مئة من النساء السيدات، وثلاث مئة من السراري. انظر: (سفر ملوك الأول: الإصحاح 11 ). وكذلك ثبت في كتب الشيعة ما يدل على كثرة نساء سليمان عليه السلام. فقد أثبت الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (8/475) أثبت هذا الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه !!. وأما من طريق أهل البيت رضي الله عنهم كما في: تفسير البرهان (4/ 43) "عن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (ع) اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء - إلى أن قال:- كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سريّة"..ونقل نعمة الله الجزائري في كتابه "قصص الأنبياء" (ص407): عن أبي الحسن(ع) قال: كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرّية، ويطيف بهن في كل يوم وليلة .وعلق الجزائري على الرواية ما نصه: ( أقول: يحمتل طواف الزيارة، الأظهر أنه طواف الجماع ) .وفي المصدر نفسه (ص 408): عن أبي جعفر(ع) قال: كان لسليمان حصن بناه الشياطين له، فيه ألف بيت في كل بيت منكوحة، منهن سبعمائة أمة قطبية وثلاثمائة حرة مهيرة، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء، وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن . وقال الكاشاني في كتابه "المحجة البيضاء " (6/282 ) باب " بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه ) ما نصه: ( كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً الحديث ولم يقل إن شاء الله فحرم ما أراد من الولد ..) .
(13 ) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ).
(14 ) صحيح مسلم في : باب الاستثناء: ( 11 : 147 ) رقم ( 4375 ).
(15 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ): كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(16 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ): كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: ( 11 / 533 ) برقم ( 6639 )، وفي كتاب كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 11 / 610 ) برقم ( 6720 ).
(17 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ) كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(18 ) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(19 ) فتح الباري: ( 11 / 614 ).
(20 ) مقدمة ابن الصلاح: ( 122 ).
(21 ) اختصار علوم الحديث ومعه الباعث الحثيث: ( 1 / 221 ).
(22 ) الباعث الحثيث: ( 1 / 221 ).
(23 ) قواعد التحديث: ( 132 ).
(24 ) انظر: إتحاف النبيل: ( 59 ).
(25 ) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(26 ) فتح الباري: ( 10 / 222 ).
(27 ) فتح الباري: ( 6 / 615 ).
(28 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ) كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(29 ) انظر: زوابع في وجه السنة لصلاح الدين مقبول: ( 182 ).
(30 ) مقدمة ابن الصلاح : ( 10 )، وقواعد التحديث: ( 44 ).
(31 ) فتح المغيث : ( 1 / 51 ).
(32 ) انظر: مرقاة المفاتيح : ( 1 / 117 )، وفتح المغيث : ( 1 / 51 )، وقواعد التحديث: ( 44 )، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر: ( 1 / 307 ).
(33 ) نزهة النظر: ( 48 ـ 49 ).
(34 ) رواه البخاري في صحيحه: في الشروط: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز: ( 10 / 52 ) برقم ( 2718 ).
( 35) صحيح البخاري في النكاح: باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائه: ( 17 / 383 ) رقم (5242).
( 36) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 37) رواها البخاري في كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 22 / 193 ) رقم ( 6720 ).
( 38) جامع البيان: ( 6 / 133 ).
( 39) المحرر الوجيز: ( 1268 ـ 1269 )، ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 11 / 251 ).
( 40) أضواء البيان: ( 4 / 177 ).
( 41) سيرة ابن هشام : ( 1 / 306 ).
( 42) جامع البيان : ( 17 / 593 ).
( 43) أسباب النزول: ( 1 / 108 ).
( 44) التحرير والتنوير: ( 8 / 357 ).
( 45) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 46) أضواء البيان: ( 4 / 175 ).
( 47) المفردات: ( 803 ).
( 48) معجم مقاييس اللغة: ( 5 / 337 ).
( 49) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 215 ).
( 50) رواه الإمام أحمد في المسند بهذا اللفظ: ( 6 / 369 ) رقم (27124)، وابن حبان في صحيحه: ( 12 / 331 )، رقم ( 2983 )، والبيهقي في السنن الكبرى: ( 2 / 123 ) رقم ( 6772 ). قال الهيثمي: "وإسناد أحمد حسن ". مجمع الزوائد: ( 2 / 345 ) رقم (3740). وقال الأرنؤوط: " حديث صحيح لغيره ". المسند: ( 6 / 369 ).
( 51) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 52) عمدة القاري: ( 21 / 242 ـ 243 ).
( 53) كشف المشكل من حديث الصحيحين: ( 1 / 332 ).
( 54) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 189 ).
( 55) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ).
( 56) رواه عبد الرزاق في مصنفه: ( 7 / 507 ) رقم ( 14052 )، وابن خزيمة في صحيحه: ( 1 / 426 ) رقم ( 233 ).
( 57) انظر: صحيح ابن خزيمة : ( 5 / 423 ) رقم ( 1225 ).
( 58) عمدة القاري: ( 21 / 244 ـ 245 ).
( 59) هذا على عادة الكاتب في التلبيس وإرادة الهويل، فلم يرد النص بالعمد وإنما بالنسيان، وقد سبق الحديث عن ذلك.
( 60) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 189 ).
( 61) هذه عبارة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الأدب مع مقام الأنبياء على خلاف ما يستعمله الكردي كثيراً، ولا عجب فهو لم يذكر الصلاة والسلام على الأنبياء في جميع المواضع التي بحثت فيها إلا قليلاً.
فقد سبق الكلام حول حديثين لهما علاقة بالتفسير ، قد وجَّه لهما أحد الكُتَّاب نقداً عقلياً ، كما في الرابطين :
[align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : ( خُفَّفَ على داود القرآن )[/align][align=center]و[/align][align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )[/align]
وفي هذا البحث المختصر سأقف مع حديث ثالث ، وبيان معناه ، وردِّ الشبهات التي ذكرها صاحب كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ).. وذلك لتعلق هذا الحديث بقصة سليمان عليه الصلاة والسلام في القرآن وذكره في بعض كتب التفسير ..
نص الحديث :
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة ـ أو تسع وتسعين ـ كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله . فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله . فلم يقل: إن شاء الله . فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون "(1).
وقد رد المؤلف هذا الحديث ووافقه أحد الكتاب الشيعة(2) فقال الأخير: " وفي هذا أيضاً نظر من وجوه : أحدها: أن القوة البشرية لتضعف عن الطواف بهن في ليلة واحدة مهما كان الإنسان قوياً، فما ذكره أبو هريرة من طواف سليمان (ع) بهن مخالف لنواميس الطبيعة لا يمكن عادة وقوعه أبدا .
ثانيها: أنه لا يجوز على نبي الله تعالى سليمان (ع) أن يترك التعليق على المشيئة، ولا سيما بعد تنبيه الملك إياه إلى ذلك، وما يمنعه من قول إن شاء الله ؟ وهو من الدعاء الى الله والأدلاء عليه، وإنما يتركها الغافلون عن الله عزوجل، الجاهلون بأن الأمور كلها بيده . فما شاء منها كان وما لم يشأ لم يكن، وحاشا أنبياء الله عن غفلة الجاهلين أنهم (ع) لفوق ما يظن المخرفون .
ثالثها:أن أبا هريرة قد اضطرب في عدة نساء سليمان، فتارة روى إنهن مائة كما سمعت، وتارة روى إنهن تسعون، وتارة روى إنهن سبعون وتارة روى إنهن ستون "(3).
كلام العلماء في معنى الحديث :
قوله : ( لأطوفن ) :
طاف بالشيء إذا دار حوله وتكرر عليه، وهو هنا كناية عن الجماع.
واللام هنا جواب القسم وهو محذوف، أي : والله لأطوفن . ويؤيده قوله في رواية أخرى : ( لم يحنث ) لأن الحنث لا يكون إلا عن قسم، والقسم لا بد له من مقسم به(4).
قوله : (كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ) :
قاله عليه السلام على سبيل التمني للخير، وإنما جزم به لأنه غلب عليه الرجاء، لكونه قصد به الخيرَ وأمرَ الآخرة، لا غرض الدنيا(5).
ونقل ابن حجر عن بعض السلف قوله : " نبّه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على آفة التمني والإعراض عن التفويض، قال : ولذلك نسي الاستثناء ليمضي فيه القدر"(6 ).
قوله : ( فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله ) :
في رواية معمر عن طاوس : ( فقال له الملك )، وفي رواية هشام بن حجير : ( فقال له صاحبه، قال سفيان : يعني الملك ). قال ابن حجر : " وفي هذا إشعار بأن تفسير صاحبه بالملك ليس بمرفوع، لكن في مسند الحميدي عن سفيان : ( فقال له صاحبه أو الملك ) بالشك، ومثلها لمسلم، وفي الجملة ففيه رد على من فسر صاحبه بأنه الذي عنده علم من الكتاب وهو آصف " ثم قال : "قلت : ليس بين قوله ( صاحبه ) و ( الملك ) منافاة، إلا أن لفظة ( صاحبه ) أعم، فمن ثم نشأ لهم الاحتمال، ولكن الشك لا يؤثر في الجزم، فمن جزم بأنه الملك حجة على من لم يجزم"( 7).
قوله : ( فلم يقل ):
قال عياض : " بين في الطريق الأخرى بقوله ( فنسي )"( 8).
ومعنى قوله ( لم يقل ) : أي بلسانه لا أنه أبى أن يفوض إلى الله بل كان ذلك ثابتاً في قلبه، لكنه اكتفى بذلك أولاً ونسي أن يجريه على لسانه لما قيل له لشيء عرض له( 9).
قوله : ( فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ):
توضحه الروايات الأخر وهي : ( إلا واحداً ساقطاً أحد شقيه )، ( ولدت شق غلام )، ( نصف إنسان ).
قوله : ( والذي نفس محمد بيده لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون ):
المراد أنه كان يحصل له ما طلب ولا يلزم من إخباره صلى الله عليه وسلم بذلك في حق سليمان عليه السلام في هذه القصة أن يقع ذلك لكل من استثنى في أمنيته، بل في الاستثناء رجو الوقوع، وفي ترك الاستثناء خشية عدم الوقوع( 10).
قال ابن حجر : " وفيه جواز السهو على الأنبياء، وأن ذلك لا يقدح في علو منصبهم"( 11).
الشبهات التي أوردها المؤلف:
الشبهة الأولى: الاضطراب في عدد النساء( 12):
قال: " ومثل هذا الاختلاف في عدد النساء ورد أيضاً في الروايات المختلفة لهذا الحديث في البخاري ... ولكن الإشكال في متن هذا الحديث غير مقتصر على الاضطراب في عدد النساء، بل فيه إشكالات أهم بكثير "( 13).
الجواب على هذا الإشكال:
لقد اختلفت الروايات في عدد نساء سليمان عليه السلام ومحصلها:
( ستون(14 )، وسبعون( 15)، وتسعون( 16)، وتسع وتسعون(17 )، ومائة(18 )). وهذا الاختلاف من الرواة كما قال ابن حجر : " وذكر أبو موسى المديني ... أن في بعض نسخ مسلم عقب قصة سليمان هذا الاختلاف في هذا العدد، وليس هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من الناقلين"(19 ).
وجعل الكردي هذا الاختلاف اضطراباً قادحاً في متن الحديث ويمكن الجواب عليه بما يلي:
1- أن إمكانية الجمع أو الترجيح تنفي الاضطراب: فقد ذكر العلماء أن الاضطراب لا يطلق على ما يمكن فيه الجمع أو الترجيح.
قال ابن الصلاح : " المضطرب من الحديث هو : الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له . وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان. أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى ... فالحكم للراجحة ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب ولا حكمه"(20 ).
وقال ابن كثير في تعريف المضطرب: " وهو أن يختلف الرواة فيه على شيخ بعينه، أو من وجوهٍ أخر متعادلة لا يترجح بعضها على بعض"(21 ).
وقال أحمد شاكر : " وإن تساوت الروايات وامتنع الترجيح؛ كان الحديث مضطرباً"( 22).
وقال القاسمي : " ثم إن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات ... فالحكم للراجحة ولا يكون الحديث مضطرباً "(23 ).
وبهذا يتبين أن الاضطراب الموجب للاطراح هو اختلاف متكافئ، مع تعذر الجمع، أي أنه متقارب ومتقاوم لا نستطيع ترجيح إحدى الروايات على الأخرى( 24).
وهذا الحديث بهذا الوصف لا يسمى مضطرباً فإنه لما وقع هذا الاختلاف في العدد لجأ العلماء بالحديث إلى الترجيح أو الجمع بينها.
ولم يتوقفوا عن العمل بهذا الحديث، واستخراج الأحكام الفقهية الكثيرة منه، لأن الجمع أو الترجيح ممكن بين الروايات .
وبيان الجمع والترجيح كما يلي:
أـ الجمع:
ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله قول الجمع بين هذه الروايات فقال: "والجمع بينها أن الستين كنّ حرائر، وما زاد عليهن كنّ سراري، أو بالعكس. وأما السبعون فللمبالغة، وأما التسعون، والمائة؛ فكنّ دون المائة وفوق التسعين، فمن قال (تسعون) ألغى الكسر، ومن قال (مائة) جبره. ومن ثم وقع التردد في رواية جعفر(25 )"(26 ). وقال: " قلت : والذي يظهر مع كون مخرج الحديث عن أبي هريرة، واختلاف الرواة عنه أن الحكم للزائد، لأن الجميع ثقات"(27 ).
ب ـ الترجيح:
سلك الإمام البخاري رحمه الله مسلك الترجيح حيث ذكر قول شعيب وأبي الزناد وهو: التسعين، ثم قال: " هو أصح "(28 ).
وغير خافٍ على من له إلمام بمنهج المحدثين أنهم اختاروا هذا المنحى المحتاط في الجمع أو الترجيح، في الحكم على الروايات الصحيحة التي اختلفت لئلا يرفضوا ما هو صحيح.
وكذلك منحوا من ليس عنده علم بالحديث قاعدة واضحة لئلا يقع في رفض الأحاديث الصحيحة لمجرد وقوع نوع من الاختلاف في رواياتها.
وبهذه الدقةِ في الاصطلاح قد صانوا أنفسهم من الحكم الصبياني على الحديث من جهة، ومن جهة أخرى منعوا أدعياء العلم بالحديث من التلاعب به كيف يشاءون(29 ).
2- أن الشك في الراوية لا يبطل العمل بالحديث الصحيح:
فإن صحة الحديث توجب القطع به، كما قال ابن الصلاح في الصحيحين وجزم بأنه هو القول الصحيح( 30).
قال السخاوي: " وسبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقي بالقبول الجمهورُ من المحدثين والأصوليين، وعامة السلف، بل وكذا غير واحد في الصحيحين"( 31).
قال أبو إسحاق الإسفراييني : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها، ولا يحصل الخلاف فيها بحال، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها، فمن خالف حكمه خبراً منها وليس له تأويل سائغ للخبر؛ نقضنا حكمه، لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول"(32 ).
وقال ابن حجر : " وقد يقع فيها ـ أي في أخبار الآحاد ـ ... ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار خلافاً لمن أبى ... والخبر المحتف بالقرائن أنواع : منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر، فإنه احتفت به قرائن منها : جلالتهما في هذا الشأن، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما، وتلقي العلماء لكتابيهما بالقبول، وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر"(33 ).
وبهذا يُعلم أن مثل هذا الشك في الراوية لا يقدح في الحديث الصحيح لا سيما ما كان في البخاري أو مسلم . وقد وردت أحاديث بمثل هذا وتلقاها العلماء بالقبول والعمل، ومن ذلك حديث جابر رضي الله عنه في قصة بيعه للجمل لرسول الله صلى الله عليه وسلم( 34)، فقد اختلف الرواة في قدر الثمن بما هو أكثر اختلافاً من الاختلاف في عدد النساء هنا .
الشبهة الثانية : أن سليمان عليه السلام قد رفض الاستثناء ولا يقع ذلك من نبي:
ومحصل هذه الشبهة مركب من أمور هي :
1- أن سليمان عليه السلام قد رفض هذا الاستثناء .
2- أنه لا يقع ذلك من نبي.
3- أن ما فعله سليمان عليه السلام لا يكون نسياناً بعد التذكير.
قال الكردي : " كيف يُذَكَّر نبيٌ عظيم من أنبياء الله تعالى ـ وهو سليمان الحكيم ـ الذي سُمي بذلك لحكمته ورجاحة رأيه، بضرورة الاستثناء بإن شاء الله فيرفض أن يقولها؟!، ومن الغرائب ما ورد في أحد طرق الحديث من أن سليمان ـ بعد ما ذكّره صاحبه ـ لم يقل ونسي( 35)، هذا في حين أن النسيان قد يقع عند عدم التذكير، أما إذا ذكر الإنسان بقول شيء، ومع ذلك لم يقله، فهذا لا يسمى نسياناً!"( 36).
والجواب على هذه الشبهة كما يلي :
أولاً: أن الكردي يفتري على سليمان عليه السلام بقوله ( رفض ):
فكلمة (رفض) التي عبّر بها هنا تحمل في طياتها ـ كما هو معلوم ـ معنى البغض أو الكره، وهو بهذا يعظم العجب من قصة الحديث وينكرها، ولم يرد في نص الحديث أن سليمان عليه السلام رفض، بل الوارد ـ كما في البخاري ـ أنه ( نسي )( 37). ولا شك أن هناك فرقاً بين التعبيرين.
ثانياً : أن النسيان واقع من الأنبياء عليه الصلاة والسلام :
فالنسيان واقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد أثبته القرآن الكريم الذي يعجز الكردي عن رده قال تعالى : ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [طه:115]. ولو كان نسيان آدم عليه السلام مما لا يُؤاخذ عليه لما آخذه الله تعالى.
قال ابن جرير: " إن النسيان على وجهين:
أحدهما: على وجه التضييع من العبد والتفريط.
والآخر: على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ووكل به،وضعف عقله عن احتماله.
فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط، فهو تركٌ منه لما أمر بفعله. فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عز وجل في تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب الله عز وجل به آدم صلوات الله عليه فأخرجه من الجنة، فقال في ذلك: ( ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [طه:115]"( 38).
وقال ابن عطية : " ونسي معناه: ترك، ونسيان الذهول لا يمكن هنا، لأنه لا يتعلق بالناسي عقاب"( 39).
بل قد ذكر الله تعالى ما هو أشد من ذلك فقال جل وعلا : ( فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى ) [طه:121].
وما يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من ذلك غير قادح في مقام النبوة والعصمة كما قال الشنقيطي: " ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا بذلك درجة أعلى من درجة من لم يقع منه ذلك . كما قال هنا : (وعصى آدم ربه فغوى ) [ طه : 121 ] ثم أتبع ذلك بقوله: (ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) [ طه:122 ] "( 40).
وإذا كان النسيان قد وقع من الأنبياء السابقين عليهم السلام فإنه قد وقع من نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فجاءت الآية في ذلك : ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ، إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً) [الكهف: 23 ـ 24 ].
فقد روى ابن إسحاق( 41) والطبري في أول سورة الكهف( 42) والواحدي في سورة مريم( 43): أن المشركين لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف وذي القرنين وعدهم بالجواب عن سؤالهم من الغد ولم يَقُل " إن شَاءَ الله " فلم يأته جبريل عليه السلام بالجواب إلا بعد خمسة عشرَ يوماً . وقيل : بعد ثلاثة أيام .
قال ابن عاشور : " فكان تأخير الوحي إليه بالجواب عتاباً رمزياً من الله لرسوله عليه الصلاة والسلام كما عاتب سليمان عليه السلام ... ثم كان هذا عتاباً صريحاً فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أهل الكهف وعد بالإجابة ونسي أن يقول : «إن شاء الله» كما نسي سليمان، فأعلم الله رسوله بقصة أهل الكهف، ثم نهاه عن أن يَعِد بفعل شيء دون التقييد بمشيئة الله"(44 ).
وبهذا يتبين أن ما استنكره الكردي هنا؛ واقعٌ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وغير قادح في مقامهم الكريم، ولا ينقص من قدرهم وعلوّ شأنهم، إذ هم المصطفون من ربهم لتبليغ رسالات الله تعالى، وهم أكرم الخلق على الله تعالى.
ولعل الكاتب هنا لم يلتفت إلى كل ما سبق، بل لم ينتبه إلى وقوع العتاب في القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم في غير ما آية، والظاهر أن الهوى كما قيل يُعمي ويُصمّ، وقد قال تعالى : (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) [ ص : 26 ]. نعوذ بالله من الخذلان .
ثالثاً: أن النسيان يطلق في اللغة بمعنى الترك ولو مع الذكر:
وقد استنكر الكردي ذلك فقال : " ومن الغرائب ما ورد في أحد طرق الحديث من أن سليمان ـ بعد ما ذكّره صاحبه ـ لم يقل ونسي، هذا في حين أن النسيان قد يقع عند عدم التذكير، أما إذا ذكر الإنسان بقول شيء، ومع ذلك لم يقله، فهذا لا يسمى نسياناً!"(45 ).
والقارئ في كلامه ذلك يحسب أن الرجل قد استقرأ كتب اللغة والمعاجم فلم يجد ذلك، بينما الحقيقة أن ذلك الاستعمال موجود في كلام العرب بل في القرآن العظيم الذي لا يُتصور أن الكاتب لم يقرأه.
قال الشنقيطي: " والعرب تطلق النسيان وتريد به الترك ولو عمداً، ومنه قوله تعالى: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى) [ طه : 126 ] "( 46).
وقال الراغب الأصفهاني: " النسيان: ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره"( 47).
وقال ابن فارس : " النون والسين والياء أصلانِ صحيحان: يدلُّ أحدهما على إغفال الشيء، والثاني على تَرْك شيء"( 48).
فهذه كتب اللغة وأئمتها ناطقون بنقيض ما يقوله الكردي الخابط بغير علم، ولا شك من أن حبل الكذب قصير كما قال هو نفسه(49 ).
رابعاً : ما العجب في تقدير الله تعالى ذلك على سليمان عليه السلام :
إذا علمنا فيما سبق أن هذا الفعل لا يقدح في مقام النبوة؛ فليس في المقام ما يُتعجب منه، فالله تعالى قد أخبر أنه ابتلى الأنبياء في القرآن وعاتبهم: آدم، ونوحاً، وأيوب، وسليمان وغيرهم عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام.
قال تعالى : (ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ) [ ص : 34].
وقال : (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب) [ص: 41].
وقال : (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً ) [ طه:115 ].
وقال : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود: 46 ].
وقال لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم : (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) [ التوبة: 43 ].
وقال : ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) [ الأنفال : 67].
وقال : (عبس وتولى ، أن جاءه الأعمى ، وما يدريك لعله يزكى ) الآيات [عبس: 1 ـ 3 ].
فما العجب ـ بعدما أخبر الله تعالى عن أنبياءه بذلك ـ أن يَرِدَ تفصيل ذلك في السنة النبوية، والله تعالى يبتلي الأنبياء والمؤمنين كل على قدر إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم : "إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"( 50).
وهكذا فليس في الحديث ما يُتعجب منه ويستنكر لأجله، إلا في عقل من أضله اتباع الهوى، وأعماه الجهل عن رؤية الحق، وقد قال تعالى : (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين) [ القصص: 50 ].
خامساً: أن سليمان عليه السلام لم يستثنِ لحكمةٍ قدرها الله تعالى وليس لأنه قد غفل عن التعلق بالله تعالى:
صَوَّرَ الكردي أن هذا الحديث يطعن في مقام سليمان عليه السلام فقال : " كيف يُذَكَّر نبيٌ عظيم من أنبياء الله تعالى ـ وهو سليمان الحكيم ـ الذي سُمي بذلك لحكمته ورجاحة رأيه، بضرورة الاستثناء بإن شاء الله فيرفض أن يقولها؟!"( 51).
ولذلك فإنه من البدهي أن يقال : ليس في الحديث ما يطعن في ذلكم المقام الكريم للنبي سليمان عليه السلام، ولقد كان ذلك تقديراً من الله عليه لحكمة بينها العلماء، وأنه لم يقل ذلك بلسانه، ولم يغفل قلبه عن ربه .
قال العيني : " قوله (فلم يقل إن شاء الله): فلم يقل سليمان إن شاء الله بلسانه، لا أنه غفل عن التفويض إلى الله تعالى بقلبه، فإنه لا يليق بمنصب النبوة. وإنما هذا كما اتفق لنبينا لما سئل عن الروح والخضر وذي القرنين فوعدهم أن يأتي بالجواب غداً جازماً بما عنده من معرفة الله تعالى، وصدق وعده، في تصديقه وإظهار كلمته، لكنه ذهل عن النطق بها لا عن التفويض بقلبه، فاتفق أن يتأخر الوحي عنه ورمي بما رمي به لأجل ذلك، ثم علمه الله بقوله تعالى: ( ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً ) [ الكهف : 23] فكان بعد ذلك يستعمل هذه الكلمة حتى في الواجب"( 52).
ولعل من الحكم في ذلك بيان أهمية تعليق الأمور كلها بمشيئة الله تعالى، وقد أدب الله بذلك نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي في بيان فضل الاستثناء : " وهذه الكلمة لما أهمل ذكرها سليمان عليه السلام في قوله ( لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً) لم يحصل له مقصوده. وإذا أطلقت على لسان رجل من يأجوج ومأجوج فقال (غداً يحفر السد إن شاء الله) نفعتهم فقدر على الحفر، فإذا فات مقصود نبي بتركها وحصل مراد كافر بقولها، فليُعرف قدرها، وكيف لا وهي تتضمن إظهار عجز البشرية وتسليم الأمر إلى قدرة الربوبية"( 53).
وبهذا يتبين أن مقام النبوة بعيد كل البعد عن اللمز الذي أراده الكاتب من هذا الحديث، بل هو مقتضى البشرية التي أخبر الله تعالى بها عن أنبياءه، ومقتضى الابتلاء من الله لعباده المؤمنين.
الشبهة الثالثة: أنه لا يمكن لبشر مجامعة هذا العدد من النساء ولا يليق ذلك بنبي:
قال الكردي : " والإشكال الآخر : كيف لإنسان بشر أن يطوف على مائة امرأة فيجامعهن كلهن في ليلة واحدة ! أي في عدة ساعات ! وهل يليق هذا بنبي من أنبياء الله؟!"( 54).
والجواب على هذه الشبهة :
نقول لماذا هذا الإنكار المجرد على سليمان عليه السلام أن يمتلك تلك القوة الجسدية، وقد آتاه الله من الملك ما لم يؤته أحداً من قبله، فقد كان يكلم الدواب، وتحشر له الجيوش من الإنس والجن والطير، ويصرِّف الجن، وتسير الرياح بين يديه بأمر ربه.
قال تعالى: ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ، فسخرنا الرياح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد ، هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ، وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ) [ص: 35 ـ 40].
فسليمان عليه السلام كان ملكاً نبياً وقد آتاه الله من النعيم ما لم يؤته أحداً من قبله، وقد آتاه الله من كل شيء قال تعالى : (وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس عُلمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) [ النمل :16].
وهذا الحديث هو في منظومة هذه الآيات وفي سياقها يذكر بعضَ ما أنعم الله به على سليمان عليه السلام من القوة الجسدية، فما المستغرب في الأمر؟!.
ولا شك أن من يؤمن بهذه الآيات؛ فالإيمان بما احتواه هذا الحديث عليه أيسر وأولى، إذ كيف يصدق العقل مكالمة البشر للدواب، وتصريفه للريح، واستخدام الجن والشياطين وتصفيدهم، ثم بعد ذلك كله ينكر إمكانية أن يمده الله بهذه القوة الجسدية .
ثم كيف يمكن لسليمان عليه السلام أن يقوم بتدبير تلك المملكة المترامية الأطراف والأتباع من الإنس والجن والطير، وكيف يمكن له عليه السلام إحصاؤهم واكتشاف الهدد المتغيب عن حضور الجند، هل يرفض العقل أن يكون هذا النبي الكريم عليه السلام قد أوتي من القوة في الجسم ما لم يؤته الله إلا لمن علم هو سبحانه من عباده.
ولا شك أن قلة العقل واتباع الهوى؛ سبب في هذا الاضطراب والتردد عند الكاتب، فهو يصف في بداية كلامه على هذا الحديث سليمان عليه السلام بأنه " نبي عظيم "( 55) ثم بعد ذلك ينكر بعض جوانب تلك العظمة التي خصها الله تعالى بمن شاء من عباده.
ولذلك فإن العلماء قد جعلوا هذا الحديث دليلاً على كمال الأنبياء عليهم السلام بخلاف فهم الكاتب الذي رأى أن ذلك غير لائق بالأنبياء :
قال العيني : " وفيه ما كان الله تعالى خص به الأنبياء من صحة البنية وكمال الرجولية، مع ما كانوا فيه من المجاهدات في العبادة. والعادة ـ في مثل هذا لغيرهم ـ الضعف عن الجماع. لكن خرق الله تعالى لهم العادة في أبدانهم،كما خرقها لهم في معجزاتهم وأحوالهم، فحصل لسليمان عليه الصلاة والسلام من الإطاقة أن يطأ في ليلة مائة ... وليس في الأخبار ما يحفظ فيه صريحاً غير هذا إلا ما ثبت عن سيدنا رسول الله أنه أعطي قوة ثلاثين رجلاً في الجماع(56 ) ... وكان إذا صلى الغداة دخل على نسائه فطاف عليهن بغسل واحد ثم يبيت عند التي هي ليلتها(57 ) وذلك لأنه كان قادراً على توفية حقوق الأزواج وليس يقدر على ذلك غيره مع قلة الأكل"(58 ).
الشبهة الرابعة: هل يمكن أن سليمان عليه السلام قد توقف بعد ذلك، حتى يرى ما أمل من الأبناء :
قال الكردي : " إذا كان سليمان قد ترك قول ( إن شاء الله ) عامداً( 59) في تلك الليلة، أفلم يجامع بعد ذلك أحداً من نسائه المائة في الليالي التالية؟ فكيف لم تحمل أي منهن ؟ أم أنه توقف عن الجماع لمدة تسعة أشهر حتى يرى نتيجة جماعاته في تلك الليلة؟!"( 60).
فالجواب على هذه الشبهة :
أن ما يسأل عنه الكاتب هنا، جوابه في متن الحديث الذي يُنكره، فإن آمن به وصدق؛ فإنه لا محالة سيعلم أن سليمان عليه السلام لم يلد له من تلك النسوة من هذا الجماع سوى امرأة ولدت شق رجل، أما ما كان بعد ذلك فلم يرد النص فيه، ولا خبر فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم فأنى له بالوصول إليه، ولا يمكن للعقل أن يصل للأخبار الغيبية إلا بالسمع.
وليس الجهل به قادحٌ في صحة هذا الحديث، بل السؤال مقلوب عليه فيقال: هل طاف(61 ) سليمان عليه السلام بعد ذلك بنسائه؟، وهل عنده خبر عن ما حدث بعد ذلك من تفاصيل.
وأختم هذا الحديث بالصلاة والسلام على النبي الكريم سليمان بن النبي الكريم داود عليهما السلام وبقوله تعالى في مدحه والثناء عليه : ( ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ) [ ص: 30 ].[align=center]والله تعالى أعلم ...[/align][align=center]2 / 4 / 1430هـ[/align]
ــــــــــــــــ
الحواشي :
(1) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(2 ) وهو عبد الحسين شرف الدين الموسوي.
(3 ) انظر كتاب: أبو هريرة لعبد الحسين الموسوي: ( 74 ).
(4 ) انظر: فتح الباري: ( 6 / 530 ـ 531 ).
(5 ) السابق: ( 6 / 531 ).
(6 ) السابق: ( 6 / 531 ).
(7 ) السابق: ( 6 / 531 ـ 532 ).
(8 ) السابق: ( 6 / 532 ). والرواية في البخاري في كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 22 / 193) رقم ( 6720 ).
(9 ) انظر فتح الباري: ( 6 / 532 ).
(10 ) انظر السابق: ( 6 / 532 ).
(11 ) السابق: ( 6 / 533 ).
(12 ) جاء في التوراة أنه كان لسليمان عليه السلام سبع مئة من النساء السيدات، وثلاث مئة من السراري. انظر: (سفر ملوك الأول: الإصحاح 11 ). وكذلك ثبت في كتب الشيعة ما يدل على كثرة نساء سليمان عليه السلام. فقد أثبت الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (8/475) أثبت هذا الحديث من طريق أبي هريرة رضي الله عنه !!. وأما من طريق أهل البيت رضي الله عنهم كما في: تفسير البرهان (4/ 43) "عن الحسن بن جهم قال: رأيت أبا الحسن (ع) اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء - إلى أن قال:- كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد ثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سريّة"..ونقل نعمة الله الجزائري في كتابه "قصص الأنبياء" (ص407): عن أبي الحسن(ع) قال: كان لسليمان بن داود ألف امرأة في قصر واحد، وثلاثمائة مهيرة وسبعمائة سرّية، ويطيف بهن في كل يوم وليلة .وعلق الجزائري على الرواية ما نصه: ( أقول: يحمتل طواف الزيارة، الأظهر أنه طواف الجماع ) .وفي المصدر نفسه (ص 408): عن أبي جعفر(ع) قال: كان لسليمان حصن بناه الشياطين له، فيه ألف بيت في كل بيت منكوحة، منهن سبعمائة أمة قطبية وثلاثمائة حرة مهيرة، فاعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا في مباضعة النساء، وكان يطوف بهن جميعا ويسعفهن . وقال الكاشاني في كتابه "المحجة البيضاء " (6/282 ) باب " بيان أقسام ما به العجب وتفصيل علاجه ) ما نصه: ( كما روي عن سليمان عليه السلام أنه قال: لأطوفنّ الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة غلاماً الحديث ولم يقل إن شاء الله فحرم ما أراد من الولد ..) .
(13 ) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ).
(14 ) صحيح مسلم في : باب الاستثناء: ( 11 : 147 ) رقم ( 4375 ).
(15 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ): كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(16 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ): كتاب الأيمان والنذور: باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم: ( 11 / 533 ) برقم ( 6639 )، وفي كتاب كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 11 / 610 ) برقم ( 6720 ).
(17 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ) كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(18 ) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(19 ) فتح الباري: ( 11 / 614 ).
(20 ) مقدمة ابن الصلاح: ( 122 ).
(21 ) اختصار علوم الحديث ومعه الباعث الحثيث: ( 1 / 221 ).
(22 ) الباعث الحثيث: ( 1 / 221 ).
(23 ) قواعد التحديث: ( 132 ).
(24 ) انظر: إتحاف النبيل: ( 59 ).
(25 ) صحيح البخاري: كتاب الجهاد والسير: باب من طلب الولد للجهاد: ( 6 / 41 ) برقم ( 2819 ).
(26 ) فتح الباري: ( 10 / 222 ).
(27 ) فتح الباري: ( 6 / 615 ).
(28 ) صحيح البخاري ( مع الفتح ) كتاب أحاديث الأنبياء: باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب ): ( 6 / 528 ) برقم ( 3424 ).
(29 ) انظر: زوابع في وجه السنة لصلاح الدين مقبول: ( 182 ).
(30 ) مقدمة ابن الصلاح : ( 10 )، وقواعد التحديث: ( 44 ).
(31 ) فتح المغيث : ( 1 / 51 ).
(32 ) انظر: مرقاة المفاتيح : ( 1 / 117 )، وفتح المغيث : ( 1 / 51 )، وقواعد التحديث: ( 44 )، وتوجيه النظر إلى أصول الأثر: ( 1 / 307 ).
(33 ) نزهة النظر: ( 48 ـ 49 ).
(34 ) رواه البخاري في صحيحه: في الشروط: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز: ( 10 / 52 ) برقم ( 2718 ).
( 35) صحيح البخاري في النكاح: باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائه: ( 17 / 383 ) رقم (5242).
( 36) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 37) رواها البخاري في كفارات الأيمان: باب الاستثناء في الأيمان: ( 22 / 193 ) رقم ( 6720 ).
( 38) جامع البيان: ( 6 / 133 ).
( 39) المحرر الوجيز: ( 1268 ـ 1269 )، ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ( 11 / 251 ).
( 40) أضواء البيان: ( 4 / 177 ).
( 41) سيرة ابن هشام : ( 1 / 306 ).
( 42) جامع البيان : ( 17 / 593 ).
( 43) أسباب النزول: ( 1 / 108 ).
( 44) التحرير والتنوير: ( 8 / 357 ).
( 45) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 46) أضواء البيان: ( 4 / 175 ).
( 47) المفردات: ( 803 ).
( 48) معجم مقاييس اللغة: ( 5 / 337 ).
( 49) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 215 ).
( 50) رواه الإمام أحمد في المسند بهذا اللفظ: ( 6 / 369 ) رقم (27124)، وابن حبان في صحيحه: ( 12 / 331 )، رقم ( 2983 )، والبيهقي في السنن الكبرى: ( 2 / 123 ) رقم ( 6772 ). قال الهيثمي: "وإسناد أحمد حسن ". مجمع الزوائد: ( 2 / 345 ) رقم (3740). وقال الأرنؤوط: " حديث صحيح لغيره ". المسند: ( 6 / 369 ).
( 51) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ـ 189 ).
( 52) عمدة القاري: ( 21 / 242 ـ 243 ).
( 53) كشف المشكل من حديث الصحيحين: ( 1 / 332 ).
( 54) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 189 ).
( 55) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 188 ).
( 56) رواه عبد الرزاق في مصنفه: ( 7 / 507 ) رقم ( 14052 )، وابن خزيمة في صحيحه: ( 1 / 426 ) رقم ( 233 ).
( 57) انظر: صحيح ابن خزيمة : ( 5 / 423 ) رقم ( 1225 ).
( 58) عمدة القاري: ( 21 / 244 ـ 245 ).
( 59) هذا على عادة الكاتب في التلبيس وإرادة الهويل، فلم يرد النص بالعمد وإنما بالنسيان، وقد سبق الحديث عن ذلك.
( 60) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 189 ).
( 61) هذه عبارة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الأدب مع مقام الأنبياء على خلاف ما يستعمله الكردي كثيراً، ولا عجب فهو لم يذكر الصلاة والسلام على الأنبياء في جميع المواضع التي بحثت فيها إلا قليلاً.