قوله صلى الله عليه وسلم : (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى)

إنضم
24/04/2003
المشاركات
1,398
مستوى التفاعل
6
النقاط
38
الإقامة
المدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فلا يخفى أن التفسير النبوي هو أوثق أنواع التفسير ، وأصحها ، ومن الأحاديث التي يمكن أن تندرج في هذا الباب هذا الحديث الذي نحن بصدده ، وقد وجه إليه صاحب كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ) نقداً نابعاً من اتباع العقل والهوى ، كما هو شأن كثير ممن يقدح في أحاديث الصحيحين .. وقد أحببت بيان معنى هذا الحديث لتعلقه بالآيات الواردة في نصه ، والإجابة على ما طرحه صاحب الكتاب، وقد سبق أن ذكرت شبهاته والجواب عليها حول حديث آخر في موضوع :
[align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : (خفف على داود القرآن ) [/align]
اسأل الله أن يهدينا سواء السبيل ...


نص الحديث :

أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"(1 ).


الشبهات التي أوردها الكاتب :
قال صاحب الكتاب : " أول بعضهم هذا الحديث بتأويلات مختلفة لأن ظاهره مرفوض، فالآية لا تدل على أن إن إبراهيم شكّ، بل تفيد أنه أراد رؤية معجزة الإحياء الكبرى بعيني رأسه، ليقوى إيمانه، وينتقل من علم اليقين لعين اليقين، بدليل أن الحقَّ لما سأله أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولا شك أنه صادق مصدَّقٌ في قوله، فكيف يُدّعى أنه شكّ؟ وهل يمكن أن يخفى فهم الآية لهذه الدرجة على سيدنا رسول الله وهو سيد الفصحاء ؟! والأنكى من ذلك أن الراوي(2 ) لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! فكيف يُنسَبُ لإبراهيم أبي الأنبياء وخليل الرحمن ولمحمد خاتم الأنبياء وحبيب الرحمن الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى في حين أن المؤمن العادي منا الذي لا يدنو من مقامهما مقدار أنملة ليس عنده ذرة شك في ذلك؟!.
ثم كيف يجوز رمي لوط بأنه كان يجهل أن الله تعالى ركْنُه ومأواه؟ وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!.
إن في هذا الحديث انتقاصاً من قدر أنبياء الله عليهم السلام عموماً، ومن قدر خاتمهم سيدنا محمد، إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته . اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" (3 ).

مدار الشبهات التي أوردها المؤلف أن الحديث ينتقص من قدر الأنبياء عليهم السلام فهو يفيد في نظره: إثبات الشك لأنبياء الله : إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واتهام لوط عليه السلام بالجهل بأن الله ركنه ومأواه، كما يفيد ـ في نظره القاصر ـ أن يكون يوسف عليه السلام أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعل ما يفهمه المؤلف هنا ظلمة في الحديث وعلة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته.
ولا شك أن هذا الفهم؛ فهمُ من لا عِلْم عنده كما قال ابن كثير : " فليس المراد ههنا بالشك: ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف"(4 ).

كما يتبين في نص كلامه طعنه أكثر من مرة لأبي هريرة رضي الله عنه كما في قوله: "والأنكى من ذلك أن الراوي لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! "، ولشراح الحديث النبوي كما في قوله: " اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" .

ولا بد في الجواب على هذه الشبهات أن نقدم بهذا التمهيد :

تمهيد

إن سبب هذا الفهم عند الكردي هو الخطأ المركب من عدة أمور هي:
الخطأ في تفسير الآية الكريمة المذكورة في الحديث، ومن ثمَّ الخطأ في مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من سياق الآية والاستدلال بها، ثم الخطأ في معرفة تفسير الآية في قصة لوط عليه السلام والتي بنى عليها الكاتب أن الحديث يدل على إنقاص قدر النبي لوط صلى الله عليه وسلم، والخطأ في فهم مقصود النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن يوسف عليه السلام.
وحتى ينجلي الأمر ويتبين تهافت هذا الفهم الذي قرره صاحب الكتاب هنا لا بد من التمهيد بهذه النقاط :

أولاً : معاني الشك في لغة العرب والقرآن العظيم :

الشك في لغة العرب أوسع معنى منه في الاصطلاح، فهو في الاصطلاح ما تساوى فيه كلا الاحتمالين، ولم يترجح فيه أحد الطرفين( 5).
أما في لغة العرب واستخدامات القرآن فهو أوسع استعمالاً، إذ الشك خلاف اليقين، فيطلق على الظن، وعلى الجهل وعدم العلم بالشيء أيضاً.
قال تعالى: ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علمٍ إلا اتباع الظن ) [ النساء: 157 ] . قال البيضاوي في تفسير هذه الآية : " الشك كما يطلق على ما لا يرجح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم، ولذلك أكده بقوله (ما لهم بذلك من علم) ... ويجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره "(6 ).
وقال تعالى أيضاً عن الكافرين: ( بل ادراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) [ النمل ]. قال ابن جرير الطبري: " أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه. بل هم في شك منها يقول : بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت "(7 ).
وكذا قوله تعالى في على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً المشركين: ( إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) [ يونس: 104 ] فليس الشك هنا بمعنى التردد فإنهم كانوا جاحدين كافرين به وبدينه.
وكذا قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) [يونس: 94] أي: إن كنت يا محمد لا علم عندك بما جاء في التوراة والإنجيل من صفاتك وشأنك، فاسأل أهل الكتاب عن ذلك، فإنهم على علم بك لما ورد في كتبهم من خبرك وصفاتك، فإنهم يعرفونك كما يعرفون أبناءهم، وهذا كقوله تعالى: ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . بالبينات والزبر ) [النحل: 43 ـ 44 ](8 ).


ثانياً: بيان معنى الآية الواردة في الحديث:

قال تعالى : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]:
ليس المقصود هنا أن إبراهيم عليه السلام يشك في قدرة الله تعالى على الإحياء .
ويظهر هذا من وجهين(9 ):

الأول: أن إبراهيم عليه السلام قد قال ( بلى ) ، وهذا يزيل كل لبس، وينفي كل توهم في نسبة الشك في القدرة إلى إبراهيم عليه السلام.
والاستفهام في قوله تعالى : ( أولم تؤمن ) للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) [ الشرح: 1 ] يعني: قد شرحنا لك، فمعنى ( أولم تؤمن ): ألست قد آمنت. لتقرير إيمان إبراهيم عليه السلام(10 ).
قال ابن عطية : " إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم أعلم به، يدلك على ذلك قوله: ( ربي الذي يحيي ويميت ) [ البقرة : 258 ]، فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً"(11 ).

الثاني : أن سؤال إبراهيم عليه السلام إنما هو عن الكيفية، لا عن الإمكان كما هو صريح قوله: ( كيف تحيي الموتى ).
قال ابن عطية : " وإذا تأملت سؤاله عليه السلام، وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكاً، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول . نحو قولك : كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله ... و ( كيف ) في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر"(12 ).

إذا علم ذلك فيبقى السؤال : ما سبب سؤال إبراهيم عليه السلام ؟ :

والجواب :

أنه قد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال أهمها( 13):
1- أنه سأل عن كيفية الإحياء، ليزداد بذلك إيماناً ويقيناً، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وذلك عندما يرى كيفية الإحياء، ولم يكن بذلك شاكاً في القدرة، ولا جاهلاً بمعنى الإحياء. وعلى هذا القول جمهور أهل العلم(14 ).
ويكون معنى قوله: ( ليطمئن قلبي ): ليزداد إيماناً مع إيمانه، ويقيناً مع يقينه.
2- أنه عندما بُشّر بأن الله عز وجل قد اتخذه خليلاً؛ سأل ربه هذا السؤال، لتكون إجابة دعائه وإحياء الموتى بسؤاله دليلاً وعلامة على خلته، وعظيم منزلته عند الله تعالى، وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : ( ليطمئن قلبي ): أي: بالخلة وعلو المنزلة( 15).
وإلى هذا القول ذهب الطحاوي( 16)، وهو مروي عن السدي( 17)، وسعيد بن جبير(18 )، وعبد الله بن المبارك(19 ).
3- أن سبب سؤاله عليه السلام : المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود، فطلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ليتضح استدلاله عياناً بعد أن كان بياناً( 20).


الشبهات التي أوردها المؤلف :

الشبهة الأولى : أن في هذا الحديث اتهام للنبيين الكريمين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام بالشك :

ركّب الكردي هذه الشبهة من مجموع مقدمات فاسدة وهي : أن الحديث يثبت الشك لإبراهيم، والشك المقصود في الحديث هو الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى، ثم زعم أن تسمية ما ورد في الآية شكاً لا يمكن أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو جهل بمعنى الآية .

الجواب عن هذه الشبهة:

قد سبق بيان معنى الآية، وأنه ليس المراد من السؤال في الآية الشك في القدرة، بل لم يكن السؤال عن القدرة وإنما كان عن الكيفية.
ولكن ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن أحق بالشك من إبراهيم ". ولماذا أورد صلى الله عليه وسلم الآية بعد هذا الكلام؟.
والجواب: أن العلماء رحمهم الله قد بينوا معنى هذا الحديث بل وعدوه من فضائل إبراهيم عليه السلام(21 ).
وقالوا المراد من الحديث: تنزيه إبراهيم عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الشك في قدرة الله على إحياء الموتى، والقطع بعدم دلالة الحديث على ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. ولكنهم اختلفوا في معنى الحديث على عدة أقوال أقواها:

القول الأول : أن المراد بهذا الحديث نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم عليه السلام لم يشك، ولو كان الشك متطرقاً إليه لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم عليه السلام من باب أولى ألا يشك. قال ذلك صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع وهضم النفس.
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء كابن قتيبة(22 )، والطحاوي(23 )، والخطابي(24 )، والحميدي(25 )، وابن عطية( 26)، وابن حزم( 27)، والقاضي عياض( 28)، وابن الجوزي(29 )، والنووي(30 )، وصفي الرحمن المباركفوري(31 )، وابن عثيمين(32 )، وغيرهم(33 ).
قال الخطابي: " مذهب الحديث التواضع والهضم من النفس، وليس في قوله : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )؛ اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم عليه السلام، لكن فيه نفي الشك عن كل واحد منهما"( 34).
وقال ابن الجوزي: " مخرج هذا الحديث مخرج التواضع وكسر النفس"(35 ).

القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى التفاوت بين الإيمان والاطمئنان شكاً، فأطلق على ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم عليه السلام اسمَ الشك، وإلا فإبراهيم كان مؤمناً موقناً، ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبّر عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية(36 ) وابن القيم(37 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومعلوم أن إبراهيم كان مؤمناً كما أخبر الله عنه بقوله: ( أولم تؤمن قال بلى ) ولكن طلب طمأنينة قلبه كما قال: ( ولكن ليطمئن قلبي ) فالتفاوت بين الإيمان والاطمئنان سماه النبي صلى الله عليه وسلم شكاً لذلك بإحياء الموتى"(38 ).


الشبهة الثانية : أن في الحديث انتقاصاً من قدر لوط عليه السلام :

وهنا يزعم الكردي أن هذا الحديث يدل على أن لوطاً عليه السلام " كان يجهل أن الله تعالى ركنه ومأواه".

الجواب عن هذه الشبهة :

وحتى يتبين المقصود بالحديث لا بد من بيان معنى الآية التي أشار إليها هذا الحديث وهي قوله تعالى : ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود: 80 ].
قال المفسرون: أراد لوط عليه السلام بقوله : ( أو آوي إلى ركن شديد ) أي: قبيلة قوية مانعة، تمنعكم من الوصول لأضيافي، وذلك أن الملائكة لما جاءت لوطاً عليه السلام في صورة شباب حِسان، في غاية الجمال والكمال ـ وهو لا يدري أنهم ملائكة ـ ( وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب ) [ هود: 77 ] أي: شديدٌ حرجه، لأنه يعلم أن قومه لا يتركونهم، فكان ما خشي، حيث جاءه قومه ( يهرعون إليه ) [ هود : 78 ] أي: مسرعين مبادرين، يريدون أضيافه بعملهم الخبيث، فاشتد قلق لوط عليه السلام وخوفه على أضيافه، فقال : ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) [ هود: 80 ] أي قبيلة مانعة لمنعتكم، وعندها أخبرته الملائكة بحالهم، ليطمئن قلبه: ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) [ هود : 81 ] ( 39).
ولا شك أن العصبة والقبيلة منعت بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أعداءهم، قال تعالى في قصة هود عليه السلام: ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) [ هود: 91 ].
قال الشيخ الأمين الشنقيطي: " بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار . وهو دليل على المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بينه تعالى في مواضع أخر. كقوله في صالح وقومه: ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) [النمل: 49] الآية.
ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته. فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار. وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) [ الضحى: 6 ] أي: آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب . وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة ... لهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة. بدليل قوله تعالى عنه: ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] . وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين"(40 ).

فإذا كان هذا هو معنى الآية وله نظائر في كتاب الله تعالى، وقد استجار النبي صلى الله عليه وسلم بالمطعم بن عدي لما جاء من الطائف( 41)، فما المنكر في أن يتمنى لوطٌ عليه السلام أن يكون له عشيرة تحميه من قومه كما كان لغيره من الأنبياء عليهم والسلام، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ لقومه: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ"(42).

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد). فقد اختلف العلماء في معناه على عدة أقوال وهي كما يلي(43):

القول الأول: أن المعنى : رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى .
وإلى هذا القول ذهب ابن قتيبة(44 )، والبغوي( 45)، والقاضي عياض(46 )، وابن الأثير( 47)، والقرطبي(48 )، وهو ظاهر كلام الطحاوي(49 )، وجوّزه النووي(50 )، ورجحه ابن حجر(51 )، وغيره( 52).
قال ابن قتيبة في معنى ترحمه صلى الله عليه وسلم على لوط: " يريد سهوه في هذا الوقت الذي ضاق فيه صدره، واشتد جزعه بما دهمه من قومه"(53 ).
وقال ابن الأثير: " وإنما ترحم عليه؛ لسهوه حين ضاق صدره من قومه، حتى قال: (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أراد العشيرة الذين يُستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط"(54 ).
واستشهد هؤلاء بالحديث السابق والذي فيه: " ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ".

القول الثاني: ما ذهب إليه ابن حزم من أنه لا تثريب على لوط في قوله هذا، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم لومه عليه، وإنما أراد الإخبار بأن لوطاً كان في نصر من الله بالملائكة، لكنه لم يكن يعلم ذلك.
قال رحمه الله : " لأن لوطاً عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش، من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة، وأشد ركن، ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس فقد قال تعالى (ولولى دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ). فهذا الذي طلب لوط عليه السلام، وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكر على لوط أمراً هو فعله عليه السلام، تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عليه السلام أن لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، يعني من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط علم بذلك، ومن اعتقد أن لوطاً كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد؛ فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضاً ظن سخيف إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات وهو دائباً يدعو إليه؛ هذا الظن"(55 ).

القول الثالث: ما ذهب ابن الجوزي من أن لوطاً عليه السلام لم يغفل عن الله تعالى، ولم يترك التوكل عليه، لكن لما كان ظاهر كلامه قد يفهم منه نسيانه لله تعالى؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم منا ألا نقول ما يوهم ذلك.
قال رحمه الله : " أما قصة لوط؛ فإن لوطاً لم يغفل عن الله عز وجل، ولم يترك التوكل عليه، وإنما ذكر السبب، وذكره للسبب وحده يتخايل منه السامع نسيانه لله، فأراد نبينا عليه السلام ألا نقول ما يوهم هذا "(56 ).
القول الرابع : ما ذهب إليه الأبيّ وهو : أن لوطاً عليه السلام قصد من قوله هذا؛ إظهار العذر لأضيافه، وتطييب نفوسهم، ولم يكن قط معرضاً عن الله تعالى، والاعتماد إليه، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم هنا؛ فإنما أراد منه المدح والثناء(57 ).

هذه أهم الأقوال في الحديث وحاصلها :-

الاتفاق على أن لوطاً عني بقوله : (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80]: عشيرته وقومه.
- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عني بقوله: ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد ): الله تعالى، فهو أقوى الأركان وأشدها.
- أنه لا خلاف في أن لوطاً عليه السلام؛ لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد، كيف وهو يركن ويأوي إليه في كل وقت وحين، ولذا قال ابن حزم ـ كما سبق ـ : " ومن ظن أن لوطاً عليه السلام اعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد فقد كفر".
وإنما موطن الخلاف في الآية هو : تلك اللحظة الحرجة التي تعرض لها لوط عليه السلام، هل نسي فيها ربه عندما قال ـ مشيراً إلى عشيرته وقبيلته ـ أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أو لا؟ وعلى هذا ينبني معنى الحديث.
فحرف المسألة في الحديث : هل قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لائماً للوط عليه السلام، وسائلاً له الرحمة، أم قاله منافحاً عنه، ومخبراً عن حاله، حتى لا يتوهم متوهم أن لوطاً في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله تعالى.
أكثر أهل العلم قالوا بالأول، والثاني أليق بمقام النبوة، وعليه يدل السياق، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في سياق الثناء والمدح لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام، ونفي ما قد يتوهم في حقهم من الباطل(58 ).


الشبهة الثالثة : أن الحديث يدل على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أقل مقاماً من يوسف عليه السلام وهذا لا يصح:

قال الكردي : " وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!".


والجواب على هذه الشبهة :

أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا : الثناء على يوسف عليه السلام، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذِناً له بالخروج، لم يبادر إلى الخروج ـ كما هو مقتضى الطبيعة ـ مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال : ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]، قال ذلك: حتى تظهر براءته وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له حجة، لا خروج من قد عُفي عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تواضعاً منه وأدباً : ( لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف؛ لأجبت الداعي ) أي : لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة.
هذا هو معنى الحديث عند أهل العلم، كابن قتيبة(59 )، والطحاوي(60 )، والخطابي(61 )، والبغوي(62 )، وابن عطية(63 )، والمزري(64 )، والقاضي عياض(65 )، وابن الجوزي(66 )، والنووي( 67)، والأبيّ(68 )، وابن حجر( 69)، وابن عثيمين(70 )، وغيرهم( 71).

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]: " يقول تعالى إخبارًا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه، التي كان رآها، بما أعجبه وأيقنه، فعرف فضل يوسف عليه السلام، وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه، وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه، فقال: ( ائتوني به ) أي: أخرجوه من السجن وأحضروه. فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه، بل كان ظلما وعدوانا، قال: (ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) وقد وردت السنة بمدحه على ذلك، والتنبيه على فضله وشرفه، وعُلُوّ قدره وصبره، صلوات الله وسلامه عليه"(72 ). ثم ذكر هذا الحديث.

وختاماً.. فإن الكردي يصف الحديث بأنه مظلمٌ ! فيقول : " إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته".

وقد اتضح معنى الحديث ولله الحمد بما لا يتوهم معه الانتقاص من قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل هو من باب بيان فضائلهم عليهم السلام، وعلو منزلتهم عند الله تعالى.
وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [الأنبياء: 87].
وقال تعالى : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود: 46 ].

[align=center]فأيهما أشد استبعاداً في عقل الكردي، ما جاء عن لوط عليه السلام في هذا الحديث أم ما ورد في هذه الآيات !!. وهل يجرؤ الكردي أن يصف ما ورد في هذه الآيات وأمثالها بأنه مظلم!، وقد قال تعالى : ( قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين ) [ المائدة: 15 ].
ولكننا نقول صدق الله إذ يقول : ( ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور ) [النور: 40]
.[/align]

فجر الخميس : 12 / 11 / 1428هـ

ـــــ حواشي ــــــــــــ

(1 ) رواه البخاري في الأنبياء: باب قول الله عز وجل: ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) [ الحجر: 51 ]: (12/42): رقم (3372 )، وفي التفسير: باب قوله: ( فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ) [ يوسف: 50 ]: ( 15 / 337 ) رقم ( 4694 ) وليس فيه لفظ الشك، ومسلم في الإيمان: باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة: ( 1 / 481 ) رقم ( 399 ) وفي الفضائل: باب من فضائل إبراهيم الخليل: ( 15 / 427 ) رقم (6291).
(2 ) يلاحظ طعنه هنا في أبي هريرة رضي الله عنه.
(3 ) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 193 ـ 194 ).
(4 ) تفسير القرآن العظيم: ( 1 / 698 ) .
(5 ) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف: ( 436 )، التعريفات للجرجاني: ( 168 ).
(6 ) تفسير البيضاوي: ( 1 / 167 ).
(7 ) جامع البيان : ( 10 / 9 ).
(8 ) البيان لمشكلات الحرية أو الطوفان: ( 5 ).
(9 ) انظرهما في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 409 ـ 410 ) وقد استفدت من هذا الكتاب كثيراً.
(10 ) تفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 299 ـ 300 ).
(11 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(12 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(13 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 403 ).
(14 ) انظر: جامع البيان: ( 3 / 49 )، والمحرر الوجيز: ( 2 / 301، 303 )، وشرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والفصل لابن حزم: ( 2 / 292 )، ومعالم التنزيل للبغوي: ( 1 / 247، 248)، وكشف المشكل لابن الجوزي: ( 3 / 358 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 297، 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 )، وفتح الباري: ( 6 / 413 )، وتفسير السعدي: ( 1 / 323 )، وتفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 303 ).
(15 ) انظر: الجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 ).
(16 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(17 ) جامع البيان: ( 3 / 50 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 ).
(18 ) أعلام الحديث للخطابي : ( 3 / 1546 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(19 ) أعلام الحديث للخطابي: ( 3 / 1546 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(20 ) جامع البيان: ( 3 / 49 ـ 50 ).
(21 ) ولذلك رواه مسلم كما سبق في كتاب الفضائل: باب من فضائل إبراهيم عليه السلام.
(22 ) تأويل مختلف الحديث: ( 91 ـ 92 ).
(23 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(24 ) أعلام الحديث : ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(25 ) تفسير غريب ما في الصحيحين: ( 292 ).
(26 ) المحرر الوجيز: ( 2 / 303 ).
(27 ) الفصل: ( 2 / 292 ـ 293 ).
(28 ) الشفاء: ( 310 ).
(29 ) كشف المشكل : ( 3 / 358 ).
(30 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ).
(31 ) منة المنعم في شرح صحيح مسلم: ( 1 / 133 )، ( 4 / 63 ).
(32 ) تفسير القرآن له: ( 3 / 305 )، والقول المفيد على كتاب التوحيد: ( 1 / 219 ).
(33 ) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، ومعالم التنزيل: ( 1 / 248 )، وإكمال المعلم للقاضي عياض: ( 1 / 465 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 3 / 298 ـ 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 )، وفتح الباري: ( 6 / 412).
(34 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(35 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ).
(36 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(37 ) مدارج السالكين: ( 1 / 507 ).
(38 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(39 ) جامع البيان: ( 7 / 79 ـ 87 )، والمحرر الوجيز: ( 9 / 195 ـ 198 )، ومعالم التنزيل: ( 2 / 394 ـ 396 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 73 ـ 79 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 701 ـ 702)، وفتح القدير: ( 2 / 513 ـ 515 )، تيسير الكريم الرحمن: ( 3 / 444 ـ 445 )، وأحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: (414).
(40 ) أضواء البيان: ( 2 / 311 ).
(41 ) سيرة ابن هشام : ( 1 / 381 ).
(42 ) رواه أحمد في المسند: ( 18 / 147 ) رقم ( 8616 )، والترمذي في تفسير القرآن: باب ومن سورة يوسف: ( 11 / 383 ) رقم ( 3404 )،، والحاكم في مستدره: ( 3 / 458 ) والبخاري في الأدب المفرد: ( 1 / 212 ) رقم ( 605 ) مختصراً، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: ( 1 / 138 )، وفي السلسلة الصحيحة: ( 14 / 152 ).
(43 ) انظرها في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 415 ـ 418 ).
(44 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(45 ) شرح السنة: ( 1 / 117 ).
(46 ) إكمال المعلم: ( 1 / 466 ).
(47 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(48 ) الجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 78 ).
(49 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 185 ـ 187 ).
(50 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(51 ) فتح الباري: ( 6 / 415 ).
(52 ) انظر: تحفة الأحوذي: ( 8 / 541 )، ومنة المنعم: ( 1 / 133 )، و ( 4 / 63 )، والقواعد الحسان للسعدي: ( 157 ).
(53 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(54 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(55 ) الفصل: ( 1 / 138 ).
(56 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ـ 359 ).
(57 ) انظر: إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 436 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(58 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 418 ـ 419 ).
(59 ) تأويل مختلف الحديث: ( 93 ).
(60 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 187 ).
(61 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1546 ـ 1547 ).
(62 ) شرح السنة: ( 1 / 116 ).
(63 ) المحرر الوجيز: ( 9 / 316 ـ 318 ).
(64 ) المعلم: ( 1 / 213 ).
(65 ) إكمال المعلم: ( 1 / 465 ).
(66 ) كشف المشكل: ( 3 / 359 ).
(67 ) شرح مسلم: ( 2 / 543 ـ 544 ).
(68 ) إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 437 ).
(69 ) فتح الباري: ( 6 / 413 ).
(70 ) تفسير القرآن: ( 3 / 305 ).
(71 ) انظر: جامع البيان: ( 7 / 232 ـ 233 )، وشرح صحيح الباخري لابن بطال: ( 9 / 524 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 206 ـ 207 )، وفتح القدير: (3 / 33)، وتحفة الأحوذي: ( 8 / 540 )، ومنة المنعم: ( 4 / 63 ).
(72 ) تفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 ).
 
أخي الكريم أرجو أن يتسع صدرك لي تعليقي ليس إلا من أجل العلم
وأسألك عن الجزأية الأخيرة
( لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف؛ لأجبت الداعي )
هو ثناء علي يوسف نعم ولكن معني لو لبثت "...لفعلت غير الذي فعل فأي الفعلين أصوب
وإذا كان مسلما في نفس الموقف ماذا يفعل هل يخرج ويكون متبعا للسنة حسب نص الحديث أم يفعل كما فعل يوسف ويكون مخالفا للحديث
وهل رفض الامام أحمد ان يقول بخلق القرآن علي خلاف ما يعتقد لكي يخرج من السجن يدخل في هذه المسالة فقد قرأت أنه عرض عليه ذلك ويعفو الخليفة عنه فرفض
وقولك وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [الأنبياء: 87].

لاوجه للمقارنة حيث الآية تقررماكان وحكمه ونتيجته أما الحديث فيقارن بين مافعل يوسف وماكان سيفعل النبي صلي الله عليه وسلم لو لبث ...
 
الحمد لله رب العالمين
لقد كتبت بحثا في الآية الكريمة وهو بعنوان ( التبيان لسؤال الخليل الإطمئنان ) ومعدرة على عدم ظهور الحواشي وإليكم البحث
الفصل الأول
بيان معنى الآية الكريمة

المبحث الأول:
تفسير الآية الكريمة.
قال الله تعالى : { وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي }
يخبر ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأله عن كيفية أحياء الموتى فقال:{ رب أرني كيف تحيي الموتى} .
أي واذكر إذ سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه قائلاً "رب أرني " كيف تحيي الموتى( ) لقد سأل ربه أن يريه كيفية إحياء الموتى .
والرؤية : إدراك المرئي بالنظر إليه بالعين أو بالقلب( ) والمراد بها في الآية الرؤية بالعين.
قال القرطبي في تفسيره : ( لم يُرد رؤية القلب وإنما أراد رؤية العين )( ).
وقال الشوكاني :( ولا يصح أن يراد الرؤية القلبية هنا، لأن مقصود إبراهيم أن يشاهد الإحياء لتحصل له الطمأنينة)( ). وقال أبو السعود والآلوسي: ( "أرني" من الرؤية البصرية)( ).
وسؤال الخليل عليه الصلاة و السلام ربه ذلك كان بدافع طلب زيادة اليقين على اليقين ، لأنه مؤمن بالبعث وإحياء الأموات ، بل هو عليه السلام أب الموحدين المؤمنين.
قال صاحب الينبوع( ): (هذا سؤال عن كيفية الإحياء لا عن الإحياء لأنه مؤمن بالإحياء )( ) .
ولذا لما سأل الخليل عليه السلام ربه ذلك قال له سبحانه وتعالى "أولم تؤمن" أي أنت قد آمنت وصدقت بقدرتي على إحياء الموتى.
قال ابن الجوزي: ( أي أولست قد آمنت أني أحيي الموتى)( ).
و ذكر السعدي: أن الله قال له: { أولم تؤمن } ليزيل الشبهة عن خليله( ).
فالخليل كان تواقاً إلى مشاهدة الإحياء عياناً ليجمع بين يقين القلب والنظر ، ومن هنا قال مجيباً على سؤال الله له: {بلى ولكن ليطمئن قلبي} أي أنا مصدق ومؤمن بذلك، ولكن سألت ليطمئن قلبي بمشاهدة ذلك عياناً.
والطمأنينة : السكون وعدم الانزعاج( )قاله الراغب.
وقال ابن منظور:( اطمأن الرجل اطمئنانا و طمأنينة أي سكن ... وقوله عز وجل {ولكن ليطمئن قلبي} أي ليسكن إلى المعاينة بعد الإيمان بالغيب)( ) . وكذا قال الواحدي ( ).
وقال الطبري : ( معنى قوله { ليطمئن قلبي} ليسكن ويهدأ باليقين الذي يستيقنه) ( ).
وقد جاء عن السلف رحمهم الله مثل ذلك
قال الضحاك( ) والربيع( ): ليزداد يقينا ( ).
وقال سعيد بن جبير( ) : ليوفق ، وفي رواية ليزداد يقيني ، وفي رواية قال: لأزداد إيمانا مع إيماني( ) ، وكذا عن مجاهد( ).
وعن قتادة( ) قال : أراد نبي الله إبراهيم ليزداد يقيناً إلى يقينه . وقال الحسن ( ) :كان إبراهيم موقناً ولكن ليس الخبر كالمعاينة( ).
وذكر الشوكاني أنه قال : بلى علمت وآمنت بأنك قادر على ذلك ، ولكن سألت ليطمئن قلبي باجتماع دليل العيان إلى دلائل الإيمان( ).
واللام في " ليطمئن "متعلق بمحذوف ، والتقدير : سألت ذلك إرادة طمأنينة القلب ،لتزول عنه الخواطر التي تعرض للمستدل عن شيء بالسؤال عنه ، وإلا فاليقين حاصل منه عليه السلام ، ومتحقق سأل أو لم يسأل ( ).
قال القاسمي : ) معناه ليزول عن قلبي الفكر في كيفية الحياة ،لأني إذا شاهدتها سكن قلبي عن الجولان في كيفيتها المتخيلة ، وتعينت عندي بالتصوير المشاهد)( ).
وقال القرطبي : ( والطمأنينة : اعتدال وسكون ، فطمأنينة الأعضاء معروفة، وطمأنينة القلب: هي أن يسكن فكره في الشيء المعتقد. والفكر في صورة الإحياء غير محظور كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها ، إذ هي فكر فيها عبر ، فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الإحياء )( ).
فمعنى الطمأنينة التي رامها الخليل حينئذ: سكون القلب عن الجولان في كيفيات الإحياء بظهور التصوير المشاهد لها عياناً . وعدم حصول هذه الطمأنينة قبل المشاهدة لا ينافي حصول الإيمان بالقدرة على الإحياء على أكمل الوجوه .
ولما كان مراد الخليل مشاهدة كيفية الإحياء عياناً أمره سبحانه أن يأخذ أربعة من الطير( )فقال له: { فخذ أربعة من الطير} وأمره بأن يقطع تلك الطيور فقال:{ فصرهن إليك}.
والصير: الشق ، قاله الراغب( ) ، وذكر الزجاج أن أكثر أهل اللغة قالوا: معنى " صرهن إليك " أملهن واجمعهن إليك، وقال بعضهم : "صرهن إليك " إقطعهن( )، وعند أبي عبيدة أن المعنى: ضمهن إليك ثم اقطعهن( ).
وفي الصحاح : ( صرى بوله صرياً إذا قطعه ... وصريت الماء إذا استقيته ثم قطعته... وصريت ما بينهم صريا أي فصلت . يقال : اختصمنا إلى الحاكم فصرى ما بيننا ، أي قطع ما بيننا وفصل)( ) . وقال الفيروزبادي: ( الصرة : الجماعة المنضم بعضهم إلى بعض ، كأنهم صروا أي جمعوا في وعاء)( ).
وجاء في لسان العرب أن صاره بمعنى أماله، وصار وجهه يصور أي أقبل به و{ صرهن إليك } أي: وجههن( ).
وفي " صرهن " قراءتان : بكسر الصاد وبضمها( ).
وذكر الطبري عن بعض أهل اللغة أن قراءة الضم بمعنى وجههن، وقراءة الكسر بمعنى قطعهن( ).
وذكر أيضاً : أن ضم الصاد من قول القائل: صرت إلى هذا الأمر إذا ملت إليه أصور صورا ، ويقال: إني إليكم لأصور أي مشتاق مائل، ومعنى { فصرهن إليك} بالضم : اضممهن إليك ، ووجههن نحوك ، كما يقال : صر وجهك إلي أي أقبل به إلي، وعلى هذا يكون في الآية محذوف قد ترك ذكره استغناءً بدلالة الظاهر عليه، ويكون المعنى حينئذ: خذ أربعة من الطير ، فصرهن إليك ،ثم قطعهن ،ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ،وأما " صرهن " بالكسر فمعناها : قطعهن. وأشار إلى أن كثيرا من أهل اللغة لا يعرفون فرقاً بين الضم والكسر،وأنهما لغتان إحداهما :صار يصور ،والأخرى: صار يصير ،وصرت الشيء أملته وقطعته( ).
قال الفراء:( هما لغتان ، فأما الضم فكثير... وأما الكسر يفسر: معناها قطعهن، ويقال: وجههن)( ).
وقال ابن منظور: ( والمعروف أنهما لغتان بمعنى واحد وكلهم فسروا فصرهن أملهن، والكسر فسر بمعنى قطعهن)( ).
وقد جاء عن السلف رحمهم الله تعالى ما يؤيد ذلك.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:صرهن: شققهن( ). وكذا قال الضحاك( ) ، وقال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي( ) والربيع : قطعهن ومزقهن( ).
ومما سبق يتبين أن معنى { فصرهن إليك } اضممهن إليك وأملهن واجمعهن، وقيل معناه قطعهن( ).
ولذا لما أوثقهن الخليل عليه الصلاة و السلام ذبحهن،ثم قطعهن ونتف ريشهن ، ومزقهن ، وخلط بعضهن ببعض ، ثم جزأهن كما أمره الله تعالى بقوله: { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا } وجعل على كل جبل منهن جزءا( ) ، وتلك الجبال قيل أربعة أجبل ، وقيل سبعة ، وقيل غير ذلك( ).ثم أمره الله عز وجل أن يدعوهن ، فدعاهن ، فجعل ينظر إلى الأجزاء من كل طائر من تلك الطيور يتصل بعضها ببعض والتحمت ببعضها ، وعاد كل جزء إلى ما كان عليه قبل التقطيع ، حتى قام كل طائر على حدته ، وأتينه يمشين سعياً كما قال الله تعالى: { ثم ادعهن يأتينك سعيا } ليكون أبلغ له في الرؤية التي سألها عليه السلام ، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى : { واعلم أن الله عزيز حكيم } أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع عنه شيء وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء ،حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره( ) .


المبحث الثاني:
سبب سؤال الخليل عليه السلام.

في الآية الكريمة السابق ذكرها بيان أن خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام سأل ربه سبحانه وتعالى أن يريه كيفية إحياء الموتى، وسبب سؤاله ذلك هو ما سنتناوله في هذا المبحث. وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله تعالى في ذلك أقوالاً إليك بيان أشهرها:
القول الأول:
كان السبب أن الخليل عليه السلام رأى دابة( ) قد تقسمتها السباع والطير،فسأل ربه أن يريه كيفية إحيائه إياها مع تفرق لحومها في بطون السباع والطيور ، ليرى ذلك عيانا فيزداد يقينا برؤيته ذلك عيانا إلى علمه به خبرا فأراه الله ذلك( ).
وقد ساق الطبري روايات عن السلف في ذلك منها :
ما أثر عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن خليل الله إبراهيم عليه السلام أتى على دابة توزعتها الدواب والسباع فقال: { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } ( ).
وعن الضحاك قال: مر إبراهيم عليه السلام على دابة ميتة قد بليت وتقسمتها الرياح والسباع فقام ينظر فقال: سبحان الله كيف يحيي الله هذه ، وقد علم أن الله قادر على ذلك فذلك قوله {رب أرني كيف تحيي الموتى}( ).
القول الثاني:
كان سبب مسألته ربه ذلك المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود( ).
وتلك المناظرة قد ذكرها الله في قوله تعالى:{ ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين}( ).
قال ابن كثير: ( ذكروا لسؤال إبراهيم عليه السلام أسباباً منها : أنه لما قال لنمرود: {ربي الذي يحيي ويميت } أحب أن يترقى من علم اليقين بذلك إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة، فقال :{ رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي } )( ) .
وقد ورد أنه لما جرى بين إبراهيم عليه السلام وبين قومه ما جرى مما قصه الله في سورة الأنبياء( ) قال له النمرود: أرأيت إلهك هذا الذي تعبد ، وتدعو إلى عبادته، وتذكر من قدرته ما تذكر ما هو؟ قال له إبراهيم عليه السلام : ربي الذي يحيي ويميت ،فقال النمرود: أنا أحيي وأميت ،فقال له إبراهيم عليه السلام: كيف تحيي وتميت ؟ فقتل رجلاً وأطلق آخر. فقال إبراهيم عليه السلام :إن الله يحيى الميت ، فقال النمرود هل عاينته ؟ فلم يقدر أن يقول نعم ، فانتقل إلى حجة أخرى ، ثم قال بعد ذلك : {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} من غير شك في الله تعالى ذكره ، ولا في قدرته ، ولكنه أحب أن يعلم ذلك وتاق إليه قلبه فقال ليطمئن قلبي( ).
القول الثالث:
كانت مسألته ربه ذلك عند البشارة التي أتته من الله سبحانه بأنه اتخذه خليلا، فسأل ربه أن يريه علامة على ذلك يطمئن قلبه بأنه قد اصطفاه لنفسه خليلا ،ويكون ذلك مؤيدا لما عنده من اليقين( ).
وقد جاء في " زاد المسير" أن إبراهيم عليه السلام لما بشر باتخاذ الله له خليلا سأل ربه ذلك السؤال ليعلم صحة البشارة. وهذا منسوب لابن مسعود ، و ابن عباس رضي الله عنهما،وروي عن سعيد بن جبير أنه لما بشر بذلك قال: ما علامة ذلك ؟ قال: أن يجيب الله دعاءك ويحيي الموتى بسؤالك فسأل هذا السؤال( ).
وذكر الطبري في تفسيره والسيوطي في "الدر المنثور"رواية عن السدي مفادها: أن الله لما اتخذ إبراهيم خليلاً ، وجاءه ملك الموت ليبشره بذلك طلب الخليل من ملك الموت أن يريه كيف يقبض أرواح العباد، فأخبره الملك أنه لا يطيق ذلك، فقال إبراهيم عليه السلام : بلى أطيق، فقال له:أعرض، فأعرض إبراهيم ،ثم تمثل ملك الموت بالصورة المخيفة التي يتمثل بها عند قبض أرواح الكفار، فلما رآه إبراهيم عليه السلام غشي عليه ثم أفاق فتمثل له الملك بالصورة الحسنة التي يقبض فيها أرواح المؤمنين، ثم إن إبراهيم عليه السلام بعد ذهاب الملك أخذ يدعو ربه ويقول:رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك قال: أولم تؤمن قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك( ).
القول الرابع :
سأل لأنه كان مشتاقاً ومحباً أن يرى ذلك.
ذكر ابن الجوزي : أن قلب الخليل كان متعلقا برؤية إحياء الموتى، فأراد أن يطمئن قلبه بالنظر، وقيل كانت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك ، وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته( ).

القول الخامس :
كان سبب المسألة ليعلم هل يجيب الله دعاءه.
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى { ولكن ليطمئن قلبي} يقول : لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك وتعطيني إذا سألتك( ).
القول السادس : سأل ذلك لتذهب عنه شدة الخوف( ).
القول السابع : سأل من أجل أن يطمئن قلبه بأن قومه يعلمون أن الله يحيي الموتى( ).
ومن المعلوم أن أقوام الأنبياء كثيراً ما يسألونهم، ويطلبون منهم أموراً باطلة تارة، وتارة حقا ، كما سأل بنو إسرائيل موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة ،وكما سأل أهل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة من مثل ذلك، فقد يكون إبراهيم عليه السلام سئل ذلك ، فأراد أن يشاهدوه فيزول الإنكار عن قلوبهم( ).
هذه أشهر الأقوال التي ذكرت في سبب سؤال الخليل عليه السلام لربه ذلك السؤال،ويرد عليها أمور :
1 – أن بعضها ورد مجهول النسبة فلا يعرف من قال به بل أورده بعض المفسرين بصيغة التمريض.
2 – ما ورد من روايات في ذلك منسوبة للسلف لا تخلو من ضعف في أسانيدها.
3 – هذه الأقوال – وخاصة المنسوبة للسلف- مأخوذة من الأخبار الإسرائيلية، وليس فيها شيء مرفوع إلى الصادق صلى الله عليه وسلم.
4 - يمكن أن يكون أحد تلك الأقوال هو الحق ، ويمكن أن يكون سأل لسبب آخر لم يذكر، أو سأل بدون سبب، وليس في تقديم أحد الأقوال على غيره دليل صحيح يعتمد عليه.
وعلى كل حال ، ولأي سبب سأل الخليل عليه الصلاة والسلام ربه ذلك السؤال لا يعود نقص عليه من ذلك ، ولا يقدح في عصمته عليه الصلاة والسلام .


الفصل الثاني
مصدر سؤال الخليل

المبحث الأول:
حجة من يثبت شك الخليل عليه السلام .

عرفنا فيما مضى معنى الآية الكريمة ، ويرد على ظاهرها إشكال قد يتبادر إلى أذهان البعض، وهذا الإشكال هو: أن الخليل عليه الصلاة والسلام طلب من ربه أن يريه إحياء الموتى عيانا لكي يطمئن قلبه، فهل كان عليه السلام يشك في إحياء الموتى - وهو النبي المعصوم عليه الصلاة والسلام - كما قد يفهم من ظاهر الآية؟
والجواب : أن العلماء اختلفوا في سؤال إبراهيم لربه هل صدر ذلك السؤال عن شك منه في قدرة الله على إحياء
الأموات أم لا ؟ فذهب إلى القول بالشك البعض( ) وذهب إلى نفيه آخرون.
وفي هذا المبحث سنتناول بيان الأدلة التي اعتمد عليها من يقول إن الخليل شك في قدرة الله على إحياء الموتى ، لأن الشيطان قذف ذلك في قلبه( )، فقد استدلوا على قولهم بالأدلة التالية:
1 – ظاهر الآية فقد سأل الخليل عليه السلام ربه أن يريه إحياء الموتى، وعلل رغبته تلك بأنه يريد الحصول على الاطمئنان.
2 – ما ورد من روايات تدل على ذلك ومنها :
ما رواه الطبري عن ابن زيد أن الخليل صلى الله عليه وسلم مر بحوت، نصفه في البر ،ونصفه في البحر ،فما كان منه في البحر فدواب البحر تأكله ،وما كان منه في البر فالسباع ودواب البر تأكله ، فقال له الخبيث : يا إبراهيم متى
يجمع الله هذا من بطون هؤلاء؟ فقال: يا رب أرني كيف تحيي الموتى {قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}( ).
فالباعث على سؤال إبراهيم لربه ما دخل قلبه - مما يدخل قلوب البشر - من وساوس الشيطان، حيث قال له إبليس الخبيث ذلك.
وإلى هذا أشار ابن الجوزي بقوله : (سأل ذلك ليزيل عوارض الوسواس )( ).
3- أن بعض السلف جعل هذه الآية أرجى آية في كتاب الله.
روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما في القرآن عندي آية أرجي منها( ).
وعن سعيد بن المسيب قال : اتعد عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يجتمعا قال: ونحن يومئذ شبيبة فقال أحدهما لصاحبه: أي آية في كتاب الله أرجى لهذه الأمة؟ فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}( ) حتى ختم الآية، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : أما إن كنت تقول إنها ، وإن أرجى منها لهـذه الأمـة قـول إبراهيم: { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}( ).
4– حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: { رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ، ورحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي))( ).
وقد مال الطبري إلى ترجيح هذا القول فقال:( وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما صح به الخبر عن رسول الله أنه قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم { قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن } ،وأن تكون مسألته ربه ما سأله أن يريه من إحياء الموتى لعارض من الشيطان عرض في قلبه كما ذكر،فسؤال إبراهيم حينئذ ربه أن يريه كيف يحيي الموتى ليعاين ذلك عيانا ،فلا يقدر بعد ذلك الشيطان أن يلقي في قلبه مثل الذي ألقى فيه عند رؤيته ما رأى من ذلك، فقال له ربه: { أولم تؤمن } يقول : أولم تصدق يا إبراهيم بأني على ذلك قادر، قال: بلى يا رب ، لكن سألتك أن تريني ذلك ليطمئن قلبي فلا يقدر الشيطان أن يلقي في قلبي مثل الذي فعل عند رؤيتي هذا الحوت)( ).
وكل دليل من تلك الأدلة لا يسلم من نقد ورد وإليك بيان ذلك:
أولاً : أن ما استدلوا به من أن ظاهر الآية يدل على ما ذهبوا إليه لا يسلم،فإن الرؤية إما أن تكون قلبية أو بصرية - كما مر معنا بيان ذلك - وإبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم إنما أراد الرؤية البصرية، وهذه لا يتعلق بها شك ، والشك إنما يتعلق بالرؤية القلبية ، وهذا منتف قطعاً عن الخليل وقد أثبته بقوله { بلى} أي بلى أؤمن بذلك.
وأما الطمأنينة التي رامها الخليل من سؤاله فهي: السكون باجتماع دليل العيان مع دليل القلب ليس إلا .وقد مر معنا أن السلف فسروها بذلك، فلا دليل في الآية إذا على ما ذهبوا إليه.
ثانياُ : استدلالهم بما ورد عن ابن زيد وغيره ليس فيه دلالة ظاهرة على ما ذهبوا إليه ، بل فيه إشارة إلى أن إبليس لعنه الله قذف في قلب إبراهيم عليه السلام شيئا مما يقذفه في قلوب البشر ، ويمكن أن يحمل ذلك على حب المعاينة ومشاهدة كيفية الإحياء( ) ، وأما حمله على الشك فلا يسلم به خاصة والقضية تتعلق بنبي معصوم .
ثم إن هذه الرواية من باب الأخبار الإسرائيلية، فلا تقبل إذا خالفت شيئاً مما ثبت في ديننا ، وقد ثبت أن الله عصم أنبياءه من المعاصي، والقول بأن الشيطان قذف في قلب الخليل الشك في إحياء الأموات يخالف ما ثبت من عصمة الأنبياء .
ثالثاً : دليلهم أن بعض السلف جعل الآية أرجى آية، يجاب عليه بما يلي:
1 - أن قول ابن عباس رضي الله عنهما : أنها أرجى آية. مقابل بقول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن آية سورة الزمر هي أرجى آية، فابن عباس وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما كل منهم اجتهد ، وذكر ما يعتقد ، وقبول قول أحدهما وتقديمه على الآخر يحتاج إلى نص قاطع عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، أو قرينة يستند عليها،والنص غير موجود ، والقرينة تدل على رجحان ما ذهب إليه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، لأن قول ابن عباس رضي الله عنهما يفهم منه أن شيئاً من الشك تسرب إلى قلب إبراهيم عليه السلام ، وهذا قدح في الخليل ، ومردود بعصمة الأنبياء.
2 – ما سبق يعارض بما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث قال في قوله { ولكن ليطمئن قلبي} : لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك ، وتعطيني إذا سألتك( )، فبين السبب الذي من أجله سأل.
3 - قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مؤيد بما نقل عن علي رضي الله عنه أنه قال: أي آية أوسع ؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن، فقال رضي الله عنه: ما في القرآن أوسع من{ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم...الآية }( ).
4- جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إن أكبر آية فرجا في القرآن { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله... الآية }( ).
5- نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أرجى آية في القرآن قوله تعالى : { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم...الآية }( ).
6 – يمكن أن يحمل قول ابن عباس رضي الله عنهما :"أنها أرجى آية "من حيث أن الإيمان كاف لا يحتاج معه إلى تنقير وبحث( )، ولذلك قال : فرضى من إبراهيم قوله "بلى"
وبما ذكر يتضح أن استدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنهما لا يسلم لهم لمقابلته بقوله الآخر، وبتفرده بما قال،ولكثرة من وافق عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما،ولأن قول ابن عمرو رضي الله عنهما لا يوقع في محذور،بخلاف قول ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين.
رابعاً : استدلالهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه " نحن أحق بالشك من إبراهيم " لا يستقيم لهم فقد ذكر الحافظ ابن كثير أن لفظة الشك الواردة فيه لا تفهم على ظاهرها فقال في ذلك : ( ليس المراد ههنا بالشك ما قد يفهمه من لا علم عنده بلا خلاف)( ).
ولو فهم الحديث على ظاهره لكان النبي صلى الله عليه وسلم شاكاً أيضاً- معاذ الله – وقد فسر العلماء قوله صلى الله عليه وسلم: (( نحن أحق بالشك من إبراهيم)) وبينوا المراد منه .
قال النووي : ( اختلف أهل العلم في معنى " نحن أحق بالشك من إبراهيم " على أقوال كثيرة : أحسنها وأصحها ...أن الشك مستحيل في حق إبراهيم، فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به من إبراهيم ، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم عليه السلام لم يشك)( ).
فالحديث فيه نفي الشك عنهما عليهما الصلاة والسلام،وإنما قال ذلك صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع ،والهضم من النفس، وكذلك قوله: " لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي " ،وفيها الإعلام أن المسألة من إبراهيم عليه السلام لم تعرض من جهة الشك ،ولكن من قبل زيادة العلم بالعيان ، فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال( ).
وقال ابن ظفر : حسم بكلمته صلى الله عليه وسلم ترامي الظنون إلى إبراهيم عليه السلام حينما سأل ربه عز وجل أن يريه كيف يحي الموتى لشك طرأ عليه ،وعرف سامعيه ومن بلغه كلامه ، أنهم متى ظنوا ذلك كانوا أولى بالشك من إبراهيم، وأحصر من هذا أن يقال: هو كقولك لمن زعم أنك لمته نحن أولى باللوم منك ،فهو أبلغ من قولك لم نلمك( ).
وقيل لما نزلت هذه الآية قال قوم: شك إبراهيم ولم يشك نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا القول تواضعا منه ،وتقديما لإبراهيم على نفسه( ).
وأورد الحافظ في الفتح أن المراد ما جرت به العادة في المخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئاً قال : مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي ، ومقصوده لا تقل ذلك( ).
فقوله صلى الله عليه وسلم : (( نحن أحق بالشك من إبراهيم )) معناه : أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك ، فإبراهيم عليه السلام أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم( ).
وقيل المراد بالحديث: أمته صلى الله عليه وسلم الذين يجوز عليهم الشك( )، وخروجه منها بدلالة العصمة له عن ذلك( ).
وقيل المعنى: هذا الذي ترون أنه شك أنا أولى به، لأنه ليس بشك ،إنما هو طلب لمزيد البيان( ).
وجاء في كتاب الفصل لابن حزم (هذا الحديث حجة لنا على نفي الشك عن إبراهيم ، أي لو كان الكلام من إبراهيم عليه السلام شكاً لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم عليه السلام أحق بالشك ،فإذا كان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم غير شاك، فإبراهيم عليه السلام أبعد من الشك)( ).
وقال الحافظ ابن حجر: (حكى بعض علماء العربية أن أفعل ربما جاءت لنفي المعنى عن الشيئين،نحو قوله تعالى: {أهم خير أم قوم تبع} الآية( )، أي لا خير في الفريقين ، ونحو قول القائل: الشيطان خير من فلان أي لا خير فيهما ، فعلى هذا معنى قوله : " نحن أحق بالشك من إبراهيم " لا شك عندنا جميعاً )( ).
وبما ذكر يتبين أن ما استدل به أصحاب هذا القول مردود لا يسلم لهم .



المبحث الثاني:
حجة من ينفي الشك عن الخليل عليه السلام .

مر في المبحث السابق أدلة من يقول سؤال الخليل عليه السلام كان عن شك ، وفي هذا المبحث سنتناول أدلة من ينفى الشك عن الخليل ويجعل السؤال الذي صدر منه عليه السلام من أجل المعاينة( )، وتلك الأدلة هي:
1 - أن قوله :{ كيف تحي الموتى} سؤال عن كيفية الإحياء وصورته وليس عن وقوعه.
قال ابن عطية : ( وإذا تأملت سؤاله عليه السلام ، وسائر ألفاظ الآية ، لم تعط شكا، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسئول، نحو قولك : كيف علم زيد ؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا، ومتى قلت : كيف ثوبك ، وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله ... وقد تكون " كيف " خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه " بكيف " ، نحو قولك : كيف شئت فكن)( ).
ومما يدل على أنه لم يسأل لشك أنه قال: {أرني كيف تحيي الموتى} وما قال هل تحيي الموتى( ).
فإبراهيم عليه السلام إنما سأل أن يشاهد كيفية جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها ، وإيصال الأعصاب والجلود بعد تمزيقها،فأراد عليه السلام أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين. فقوله" أرني كيف " طلب مشاهدة الكيفية( ).
وفي كتاب التسهيل قوله: "كيف" سؤال عن حال الإحياء وصورته لا عن وقوعه( ).
وعند الآلوسي : أن الاستفهام هنا عن هيئة الإحياء المتقرر عند السائل ، والمعنى : بصرني كيفية إحيائك للموتى، وإنما سأله عليه السلام لينتقل من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين( ).
وفي محاسن التأويل : أن سؤال الخليل صلى الله عليه وسلم بقوله : " كيف تحيي الموتى " ليس عن شك في قدرة الله على الإحياء،ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء( ).
2 – أن الألف في قوله : {أولم تؤمن} للتقرير.
قال أبو المظفر : ( قوله تعالى: {قال أولم تؤمن} يعني: قد آمنت فلم تسأل ؟ وهذا مثل قول الشاعر
ألستم خير من ركب المطايا . يعني : أنتم كذلك)( ).
وفي" النكت والعيون " أن الألف في قوله: {أولم تؤمن} ليست ألف استفهام وإنما هي ألف إيجاب وتقرير( ).
3- أن سؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام من أجل المعاينة ليس إلا .
وهذا ما أثبته جل أهل التفسير رحمهم الله . قال أبو المظفر السمعاني : ( فإن قال قائل : أكان إبراهيم شاكا فيه حتى احتاج إلى السؤال؟ ... فالجواب أنه لم يكن شاكاً فيه، ولكنه إنما آمن بالخبر والاستدلال، فأراد أن يعرفه عياناً)( ).
وقد أخبر عليه السلام عن نفسه أنه مؤمن مصدق، وإنما أراد أن يرى الهيئة كما أننا لا نشك في صحة وجود الفيل مثلا، والتمساح ،والكسوف ، وزيادة النهر، ونصر الله للمؤمنين وغير ذلك ، ثم يرغب من لم يشاهد ذلك منا أن يرى كل ذلك، ولا يشك في أنه حق، لكن ليرى العجب الذي يتمثله ولم تقع عليه حاسة بصره فقط( ).
وقيل: إنما طلب المعاينة ، لأن النفوس مستشرفة إلى رؤية ما أخبرت به( ).
وقيل إنما سأل ليطمئن قلبه بحصول الفرق بين المعلوم برهانا والمعلوم عيانا( ).
وفي كتاب التسهيل :لم يشك إبراهيم في إحياء الموتى،وإنما طلب المعاينة( ).
وقال البيضاوي: ( إنما سأل ذلك ليصير علمه عياناً)( ).
وقال السعدي ): قال إبراهيم "بلى" يارب قد آمنت أنك على كل شيء قدير، وأنك تحيي الموتى، وتجازي العباد، ولكن أريد أن يطمئن قلبي، وأصل إلى درجة عين اليقين، فأجاب الله دعوته كرامة له، ورحمة بالعباد)( ).
هذه أدلة من ينفي أن يكون سؤال الخليل عليه السلام صدر عن شك ، وإلى هذا ذهب الجمهور. وهو الراجح .
ومما يؤيد رجحانه إضافة إلى تلك الأدلة أمور منها .
1 – أن القول به لا يجر إلى محذور شرعي بخلاف القول الأول - الذي فيه قدح بالنبي المعصوم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم - وهذا بحد ذاته كاف في ظهور هذا القول وبطلان القول الآخر، فكيف إذا انضاف إليه غيره .
2 - كثرة القائلين به ، بل هو قول الجمهور( ).
3 - ضعف الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الأول.
4 - أن إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع ،وقد كان إبراهيم عليه السلام أعلم به ،يدل على ذلك قوله: { ربي الذي يحيي ويميت} فالشك يبعد على من تثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة( ).
5 - الأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا( )، ولا يجوز عليهم مثل هذا الشك فإنه كفر، والأنبياء متفقون على الإيمان بالبعث( ).
6- قد أخبر الله تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس للشيطان عليهم سبيل فقال :{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}( ) وذكر أن اللعين لن يغوي عباده المخلصين فقال :{ إلا عبادك منهم المخلصين}( ). وإذا لم يكن للشيطان سلطة عليهم فكيف يشككهم ، بل كيف يلقى في قلب الخليل عليه السلام ما يجعله يشك في إحياء الموتى.
وبهذا يتضح لنا رجحان هذا القول والله أعلم .
 
بارك الله فيك
هلا دللتنى علي كيفية الاحياء التي رأها الخليل .
 
وقولك وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [الأنبياء: 87].

لاوجه للمقارنة حيث الآية تقررماكان وحكمه ونتيجته أما الحديث فيقارن بين مافعل يوسف وماكان سيفعل النبي صلي الله عليه وسلم لو لبث ...

المقصود أخي الكريم مصطفى ؛ أن ما استبعده الكاتب هنا وهو ذكر بعض ما وقع فيه بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الحديث كما وقع من لوط عليه السلام من تمنيه العصبة المانعة من قومه ، مذكورٌ معناه في كثير من الآيات إذ هم بشر، وقد ذكر الله ذلك في مواطن من كتابه وليس ذلك انتقاصاً منهم عليه صلوات الله وسلامه ، بل قد ذكر القرآن عتاباً لأفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وليس ذلك انتقاصاً حاشاه عليه الصلاة والسلام ...

آمل أن يكون قد اتضح ما أردت ..
 
عودة
أعلى