فهد الوهبي
Member
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد ..
فلا يخفى أن التفسير النبوي هو أوثق أنواع التفسير ، وأصحها ، ومن الأحاديث التي يمكن أن تندرج في هذا الباب هذا الحديث الذي نحن بصدده ، وقد وجه إليه صاحب كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ) نقداً نابعاً من اتباع العقل والهوى ، كما هو شأن كثير ممن يقدح في أحاديث الصحيحين .. وقد أحببت بيان معنى هذا الحديث لتعلقه بالآيات الواردة في نصه ، والإجابة على ما طرحه صاحب الكتاب، وقد سبق أن ذكرت شبهاته والجواب عليها حول حديث آخر في موضوع :
[align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : (خفف على داود القرآن ) [/align]
اسأل الله أن يهدينا سواء السبيل ...
نص الحديث :
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"(1 ).
الشبهات التي أوردها الكاتب :
قال صاحب الكتاب : " أول بعضهم هذا الحديث بتأويلات مختلفة لأن ظاهره مرفوض، فالآية لا تدل على أن إن إبراهيم شكّ، بل تفيد أنه أراد رؤية معجزة الإحياء الكبرى بعيني رأسه، ليقوى إيمانه، وينتقل من علم اليقين لعين اليقين، بدليل أن الحقَّ لما سأله أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولا شك أنه صادق مصدَّقٌ في قوله، فكيف يُدّعى أنه شكّ؟ وهل يمكن أن يخفى فهم الآية لهذه الدرجة على سيدنا رسول الله وهو سيد الفصحاء ؟! والأنكى من ذلك أن الراوي(2 ) لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! فكيف يُنسَبُ لإبراهيم أبي الأنبياء وخليل الرحمن ولمحمد خاتم الأنبياء وحبيب الرحمن الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى في حين أن المؤمن العادي منا الذي لا يدنو من مقامهما مقدار أنملة ليس عنده ذرة شك في ذلك؟!.
ثم كيف يجوز رمي لوط بأنه كان يجهل أن الله تعالى ركْنُه ومأواه؟ وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!.
إن في هذا الحديث انتقاصاً من قدر أنبياء الله عليهم السلام عموماً، ومن قدر خاتمهم سيدنا محمد، إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته . اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" (3 ).
مدار الشبهات التي أوردها المؤلف أن الحديث ينتقص من قدر الأنبياء عليهم السلام فهو يفيد في نظره: إثبات الشك لأنبياء الله : إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واتهام لوط عليه السلام بالجهل بأن الله ركنه ومأواه، كما يفيد ـ في نظره القاصر ـ أن يكون يوسف عليه السلام أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعل ما يفهمه المؤلف هنا ظلمة في الحديث وعلة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته.
ولا شك أن هذا الفهم؛ فهمُ من لا عِلْم عنده كما قال ابن كثير : " فليس المراد ههنا بالشك: ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف"(4 ).
كما يتبين في نص كلامه طعنه أكثر من مرة لأبي هريرة رضي الله عنه كما في قوله: "والأنكى من ذلك أن الراوي لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! "، ولشراح الحديث النبوي كما في قوله: " اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" .
ولا بد في الجواب على هذه الشبهات أن نقدم بهذا التمهيد :
تمهيد
إن سبب هذا الفهم عند الكردي هو الخطأ المركب من عدة أمور هي:
الخطأ في تفسير الآية الكريمة المذكورة في الحديث، ومن ثمَّ الخطأ في مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من سياق الآية والاستدلال بها، ثم الخطأ في معرفة تفسير الآية في قصة لوط عليه السلام والتي بنى عليها الكاتب أن الحديث يدل على إنقاص قدر النبي لوط صلى الله عليه وسلم، والخطأ في فهم مقصود النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن يوسف عليه السلام.
وحتى ينجلي الأمر ويتبين تهافت هذا الفهم الذي قرره صاحب الكتاب هنا لا بد من التمهيد بهذه النقاط :
أولاً : معاني الشك في لغة العرب والقرآن العظيم :
الشك في لغة العرب أوسع معنى منه في الاصطلاح، فهو في الاصطلاح ما تساوى فيه كلا الاحتمالين، ولم يترجح فيه أحد الطرفين( 5).
أما في لغة العرب واستخدامات القرآن فهو أوسع استعمالاً، إذ الشك خلاف اليقين، فيطلق على الظن، وعلى الجهل وعدم العلم بالشيء أيضاً.
قال تعالى: ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علمٍ إلا اتباع الظن ) [ النساء: 157 ] . قال البيضاوي في تفسير هذه الآية : " الشك كما يطلق على ما لا يرجح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم، ولذلك أكده بقوله (ما لهم بذلك من علم) ... ويجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره "(6 ).
وقال تعالى أيضاً عن الكافرين: ( بل ادراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) [ النمل ]. قال ابن جرير الطبري: " أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه. بل هم في شك منها يقول : بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت "(7 ).
وكذا قوله تعالى في على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً المشركين: ( إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) [ يونس: 104 ] فليس الشك هنا بمعنى التردد فإنهم كانوا جاحدين كافرين به وبدينه.
وكذا قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) [يونس: 94] أي: إن كنت يا محمد لا علم عندك بما جاء في التوراة والإنجيل من صفاتك وشأنك، فاسأل أهل الكتاب عن ذلك، فإنهم على علم بك لما ورد في كتبهم من خبرك وصفاتك، فإنهم يعرفونك كما يعرفون أبناءهم، وهذا كقوله تعالى: ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . بالبينات والزبر ) [النحل: 43 ـ 44 ](8 ).
ثانياً: بيان معنى الآية الواردة في الحديث:
قال تعالى : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]:
ليس المقصود هنا أن إبراهيم عليه السلام يشك في قدرة الله تعالى على الإحياء .
ويظهر هذا من وجهين(9 ):
الأول: أن إبراهيم عليه السلام قد قال ( بلى ) ، وهذا يزيل كل لبس، وينفي كل توهم في نسبة الشك في القدرة إلى إبراهيم عليه السلام.
والاستفهام في قوله تعالى : ( أولم تؤمن ) للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) [ الشرح: 1 ] يعني: قد شرحنا لك، فمعنى ( أولم تؤمن ): ألست قد آمنت. لتقرير إيمان إبراهيم عليه السلام(10 ).
قال ابن عطية : " إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم أعلم به، يدلك على ذلك قوله: ( ربي الذي يحيي ويميت ) [ البقرة : 258 ]، فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً"(11 ).
الثاني : أن سؤال إبراهيم عليه السلام إنما هو عن الكيفية، لا عن الإمكان كما هو صريح قوله: ( كيف تحيي الموتى ).
قال ابن عطية : " وإذا تأملت سؤاله عليه السلام، وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكاً، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول . نحو قولك : كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله ... و ( كيف ) في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر"(12 ).
إذا علم ذلك فيبقى السؤال : ما سبب سؤال إبراهيم عليه السلام ؟ :
والجواب :
أنه قد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال أهمها( 13):
1- أنه سأل عن كيفية الإحياء، ليزداد بذلك إيماناً ويقيناً، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وذلك عندما يرى كيفية الإحياء، ولم يكن بذلك شاكاً في القدرة، ولا جاهلاً بمعنى الإحياء. وعلى هذا القول جمهور أهل العلم(14 ).
ويكون معنى قوله: ( ليطمئن قلبي ): ليزداد إيماناً مع إيمانه، ويقيناً مع يقينه.
2- أنه عندما بُشّر بأن الله عز وجل قد اتخذه خليلاً؛ سأل ربه هذا السؤال، لتكون إجابة دعائه وإحياء الموتى بسؤاله دليلاً وعلامة على خلته، وعظيم منزلته عند الله تعالى، وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : ( ليطمئن قلبي ): أي: بالخلة وعلو المنزلة( 15).
وإلى هذا القول ذهب الطحاوي( 16)، وهو مروي عن السدي( 17)، وسعيد بن جبير(18 )، وعبد الله بن المبارك(19 ).
3- أن سبب سؤاله عليه السلام : المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود، فطلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ليتضح استدلاله عياناً بعد أن كان بياناً( 20).
الشبهات التي أوردها المؤلف :
الشبهة الأولى : أن في هذا الحديث اتهام للنبيين الكريمين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام بالشك :
ركّب الكردي هذه الشبهة من مجموع مقدمات فاسدة وهي : أن الحديث يثبت الشك لإبراهيم، والشك المقصود في الحديث هو الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى، ثم زعم أن تسمية ما ورد في الآية شكاً لا يمكن أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو جهل بمعنى الآية .
الجواب عن هذه الشبهة:
قد سبق بيان معنى الآية، وأنه ليس المراد من السؤال في الآية الشك في القدرة، بل لم يكن السؤال عن القدرة وإنما كان عن الكيفية.
ولكن ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن أحق بالشك من إبراهيم ". ولماذا أورد صلى الله عليه وسلم الآية بعد هذا الكلام؟.
والجواب: أن العلماء رحمهم الله قد بينوا معنى هذا الحديث بل وعدوه من فضائل إبراهيم عليه السلام(21 ).
وقالوا المراد من الحديث: تنزيه إبراهيم عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الشك في قدرة الله على إحياء الموتى، والقطع بعدم دلالة الحديث على ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. ولكنهم اختلفوا في معنى الحديث على عدة أقوال أقواها:
القول الأول : أن المراد بهذا الحديث نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم عليه السلام لم يشك، ولو كان الشك متطرقاً إليه لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم عليه السلام من باب أولى ألا يشك. قال ذلك صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع وهضم النفس.
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء كابن قتيبة(22 )، والطحاوي(23 )، والخطابي(24 )، والحميدي(25 )، وابن عطية( 26)، وابن حزم( 27)، والقاضي عياض( 28)، وابن الجوزي(29 )، والنووي(30 )، وصفي الرحمن المباركفوري(31 )، وابن عثيمين(32 )، وغيرهم(33 ).
قال الخطابي: " مذهب الحديث التواضع والهضم من النفس، وليس في قوله : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )؛ اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم عليه السلام، لكن فيه نفي الشك عن كل واحد منهما"( 34).
وقال ابن الجوزي: " مخرج هذا الحديث مخرج التواضع وكسر النفس"(35 ).
القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى التفاوت بين الإيمان والاطمئنان شكاً، فأطلق على ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم عليه السلام اسمَ الشك، وإلا فإبراهيم كان مؤمناً موقناً، ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبّر عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية(36 ) وابن القيم(37 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومعلوم أن إبراهيم كان مؤمناً كما أخبر الله عنه بقوله: ( أولم تؤمن قال بلى ) ولكن طلب طمأنينة قلبه كما قال: ( ولكن ليطمئن قلبي ) فالتفاوت بين الإيمان والاطمئنان سماه النبي صلى الله عليه وسلم شكاً لذلك بإحياء الموتى"(38 ).
الشبهة الثانية : أن في الحديث انتقاصاً من قدر لوط عليه السلام :
وهنا يزعم الكردي أن هذا الحديث يدل على أن لوطاً عليه السلام " كان يجهل أن الله تعالى ركنه ومأواه".
الجواب عن هذه الشبهة :
وحتى يتبين المقصود بالحديث لا بد من بيان معنى الآية التي أشار إليها هذا الحديث وهي قوله تعالى : ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود: 80 ].
قال المفسرون: أراد لوط عليه السلام بقوله : ( أو آوي إلى ركن شديد ) أي: قبيلة قوية مانعة، تمنعكم من الوصول لأضيافي، وذلك أن الملائكة لما جاءت لوطاً عليه السلام في صورة شباب حِسان، في غاية الجمال والكمال ـ وهو لا يدري أنهم ملائكة ـ ( وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب ) [ هود: 77 ] أي: شديدٌ حرجه، لأنه يعلم أن قومه لا يتركونهم، فكان ما خشي، حيث جاءه قومه ( يهرعون إليه ) [ هود : 78 ] أي: مسرعين مبادرين، يريدون أضيافه بعملهم الخبيث، فاشتد قلق لوط عليه السلام وخوفه على أضيافه، فقال : ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) [ هود: 80 ] أي قبيلة مانعة لمنعتكم، وعندها أخبرته الملائكة بحالهم، ليطمئن قلبه: ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) [ هود : 81 ] ( 39).
ولا شك أن العصبة والقبيلة منعت بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أعداءهم، قال تعالى في قصة هود عليه السلام: ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) [ هود: 91 ].
قال الشيخ الأمين الشنقيطي: " بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار . وهو دليل على المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بينه تعالى في مواضع أخر. كقوله في صالح وقومه: ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) [النمل: 49] الآية.
ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته. فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار. وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) [ الضحى: 6 ] أي: آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب . وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة ... لهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة. بدليل قوله تعالى عنه: ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] . وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين"(40 ).
فإذا كان هذا هو معنى الآية وله نظائر في كتاب الله تعالى، وقد استجار النبي صلى الله عليه وسلم بالمطعم بن عدي لما جاء من الطائف( 41)، فما المنكر في أن يتمنى لوطٌ عليه السلام أن يكون له عشيرة تحميه من قومه كما كان لغيره من الأنبياء عليهم والسلام، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ لقومه: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ"(42).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد). فقد اختلف العلماء في معناه على عدة أقوال وهي كما يلي(43):
القول الأول: أن المعنى : رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى .
وإلى هذا القول ذهب ابن قتيبة(44 )، والبغوي( 45)، والقاضي عياض(46 )، وابن الأثير( 47)، والقرطبي(48 )، وهو ظاهر كلام الطحاوي(49 )، وجوّزه النووي(50 )، ورجحه ابن حجر(51 )، وغيره( 52).
قال ابن قتيبة في معنى ترحمه صلى الله عليه وسلم على لوط: " يريد سهوه في هذا الوقت الذي ضاق فيه صدره، واشتد جزعه بما دهمه من قومه"(53 ).
وقال ابن الأثير: " وإنما ترحم عليه؛ لسهوه حين ضاق صدره من قومه، حتى قال: (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أراد العشيرة الذين يُستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط"(54 ).
واستشهد هؤلاء بالحديث السابق والذي فيه: " ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ".
القول الثاني: ما ذهب إليه ابن حزم من أنه لا تثريب على لوط في قوله هذا، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم لومه عليه، وإنما أراد الإخبار بأن لوطاً كان في نصر من الله بالملائكة، لكنه لم يكن يعلم ذلك.
قال رحمه الله : " لأن لوطاً عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش، من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة، وأشد ركن، ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس فقد قال تعالى (ولولى دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ). فهذا الذي طلب لوط عليه السلام، وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكر على لوط أمراً هو فعله عليه السلام، تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عليه السلام أن لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، يعني من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط علم بذلك، ومن اعتقد أن لوطاً كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد؛ فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضاً ظن سخيف إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات وهو دائباً يدعو إليه؛ هذا الظن"(55 ).
القول الثالث: ما ذهب ابن الجوزي من أن لوطاً عليه السلام لم يغفل عن الله تعالى، ولم يترك التوكل عليه، لكن لما كان ظاهر كلامه قد يفهم منه نسيانه لله تعالى؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم منا ألا نقول ما يوهم ذلك.
قال رحمه الله : " أما قصة لوط؛ فإن لوطاً لم يغفل عن الله عز وجل، ولم يترك التوكل عليه، وإنما ذكر السبب، وذكره للسبب وحده يتخايل منه السامع نسيانه لله، فأراد نبينا عليه السلام ألا نقول ما يوهم هذا "(56 ).
القول الرابع : ما ذهب إليه الأبيّ وهو : أن لوطاً عليه السلام قصد من قوله هذا؛ إظهار العذر لأضيافه، وتطييب نفوسهم، ولم يكن قط معرضاً عن الله تعالى، والاعتماد إليه، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم هنا؛ فإنما أراد منه المدح والثناء(57 ).
هذه أهم الأقوال في الحديث وحاصلها :-
الاتفاق على أن لوطاً عني بقوله : (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80]: عشيرته وقومه.
- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عني بقوله: ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد ): الله تعالى، فهو أقوى الأركان وأشدها.
- أنه لا خلاف في أن لوطاً عليه السلام؛ لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد، كيف وهو يركن ويأوي إليه في كل وقت وحين، ولذا قال ابن حزم ـ كما سبق ـ : " ومن ظن أن لوطاً عليه السلام اعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد فقد كفر".
وإنما موطن الخلاف في الآية هو : تلك اللحظة الحرجة التي تعرض لها لوط عليه السلام، هل نسي فيها ربه عندما قال ـ مشيراً إلى عشيرته وقبيلته ـ أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أو لا؟ وعلى هذا ينبني معنى الحديث.
فحرف المسألة في الحديث : هل قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لائماً للوط عليه السلام، وسائلاً له الرحمة، أم قاله منافحاً عنه، ومخبراً عن حاله، حتى لا يتوهم متوهم أن لوطاً في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله تعالى.
أكثر أهل العلم قالوا بالأول، والثاني أليق بمقام النبوة، وعليه يدل السياق، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في سياق الثناء والمدح لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام، ونفي ما قد يتوهم في حقهم من الباطل(58 ).
الشبهة الثالثة : أن الحديث يدل على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أقل مقاماً من يوسف عليه السلام وهذا لا يصح:
قال الكردي : " وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!".
والجواب على هذه الشبهة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا : الثناء على يوسف عليه السلام، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذِناً له بالخروج، لم يبادر إلى الخروج ـ كما هو مقتضى الطبيعة ـ مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال : ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]، قال ذلك: حتى تظهر براءته وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له حجة، لا خروج من قد عُفي عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تواضعاً منه وأدباً : ( لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف؛ لأجبت الداعي ) أي : لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة.
هذا هو معنى الحديث عند أهل العلم، كابن قتيبة(59 )، والطحاوي(60 )، والخطابي(61 )، والبغوي(62 )، وابن عطية(63 )، والمزري(64 )، والقاضي عياض(65 )، وابن الجوزي(66 )، والنووي( 67)، والأبيّ(68 )، وابن حجر( 69)، وابن عثيمين(70 )، وغيرهم( 71).
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]: " يقول تعالى إخبارًا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه، التي كان رآها، بما أعجبه وأيقنه، فعرف فضل يوسف عليه السلام، وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه، وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه، فقال: ( ائتوني به ) أي: أخرجوه من السجن وأحضروه. فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه، بل كان ظلما وعدوانا، قال: (ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) وقد وردت السنة بمدحه على ذلك، والتنبيه على فضله وشرفه، وعُلُوّ قدره وصبره، صلوات الله وسلامه عليه"(72 ). ثم ذكر هذا الحديث.
وختاماً.. فإن الكردي يصف الحديث بأنه مظلمٌ ! فيقول : " إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته".
وقد اتضح معنى الحديث ولله الحمد بما لا يتوهم معه الانتقاص من قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل هو من باب بيان فضائلهم عليهم السلام، وعلو منزلتهم عند الله تعالى.
وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [الأنبياء: 87].
وقال تعالى : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود: 46 ].
[align=center]فأيهما أشد استبعاداً في عقل الكردي، ما جاء عن لوط عليه السلام في هذا الحديث أم ما ورد في هذه الآيات !!. وهل يجرؤ الكردي أن يصف ما ورد في هذه الآيات وأمثالها بأنه مظلم!، وقد قال تعالى : ( قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين ) [ المائدة: 15 ].
ولكننا نقول صدق الله إذ يقول : ( ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور ) [النور: 40].[/align]
فجر الخميس : 12 / 11 / 1428هـ
ـــــ حواشي ــــــــــــ
(1 ) رواه البخاري في الأنبياء: باب قول الله عز وجل: ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) [ الحجر: 51 ]: (12/42): رقم (3372 )، وفي التفسير: باب قوله: ( فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ) [ يوسف: 50 ]: ( 15 / 337 ) رقم ( 4694 ) وليس فيه لفظ الشك، ومسلم في الإيمان: باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة: ( 1 / 481 ) رقم ( 399 ) وفي الفضائل: باب من فضائل إبراهيم الخليل: ( 15 / 427 ) رقم (6291).
(2 ) يلاحظ طعنه هنا في أبي هريرة رضي الله عنه.
(3 ) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 193 ـ 194 ).
(4 ) تفسير القرآن العظيم: ( 1 / 698 ) .
(5 ) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف: ( 436 )، التعريفات للجرجاني: ( 168 ).
(6 ) تفسير البيضاوي: ( 1 / 167 ).
(7 ) جامع البيان : ( 10 / 9 ).
(8 ) البيان لمشكلات الحرية أو الطوفان: ( 5 ).
(9 ) انظرهما في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 409 ـ 410 ) وقد استفدت من هذا الكتاب كثيراً.
(10 ) تفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 299 ـ 300 ).
(11 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(12 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(13 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 403 ).
(14 ) انظر: جامع البيان: ( 3 / 49 )، والمحرر الوجيز: ( 2 / 301، 303 )، وشرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والفصل لابن حزم: ( 2 / 292 )، ومعالم التنزيل للبغوي: ( 1 / 247، 248)، وكشف المشكل لابن الجوزي: ( 3 / 358 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 297، 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 )، وفتح الباري: ( 6 / 413 )، وتفسير السعدي: ( 1 / 323 )، وتفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 303 ).
(15 ) انظر: الجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 ).
(16 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(17 ) جامع البيان: ( 3 / 50 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 ).
(18 ) أعلام الحديث للخطابي : ( 3 / 1546 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(19 ) أعلام الحديث للخطابي: ( 3 / 1546 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(20 ) جامع البيان: ( 3 / 49 ـ 50 ).
(21 ) ولذلك رواه مسلم كما سبق في كتاب الفضائل: باب من فضائل إبراهيم عليه السلام.
(22 ) تأويل مختلف الحديث: ( 91 ـ 92 ).
(23 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(24 ) أعلام الحديث : ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(25 ) تفسير غريب ما في الصحيحين: ( 292 ).
(26 ) المحرر الوجيز: ( 2 / 303 ).
(27 ) الفصل: ( 2 / 292 ـ 293 ).
(28 ) الشفاء: ( 310 ).
(29 ) كشف المشكل : ( 3 / 358 ).
(30 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ).
(31 ) منة المنعم في شرح صحيح مسلم: ( 1 / 133 )، ( 4 / 63 ).
(32 ) تفسير القرآن له: ( 3 / 305 )، والقول المفيد على كتاب التوحيد: ( 1 / 219 ).
(33 ) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، ومعالم التنزيل: ( 1 / 248 )، وإكمال المعلم للقاضي عياض: ( 1 / 465 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 3 / 298 ـ 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 )، وفتح الباري: ( 6 / 412).
(34 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(35 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ).
(36 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(37 ) مدارج السالكين: ( 1 / 507 ).
(38 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(39 ) جامع البيان: ( 7 / 79 ـ 87 )، والمحرر الوجيز: ( 9 / 195 ـ 198 )، ومعالم التنزيل: ( 2 / 394 ـ 396 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 73 ـ 79 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 701 ـ 702)، وفتح القدير: ( 2 / 513 ـ 515 )، تيسير الكريم الرحمن: ( 3 / 444 ـ 445 )، وأحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: (414).
(40 ) أضواء البيان: ( 2 / 311 ).
(41 ) سيرة ابن هشام : ( 1 / 381 ).
(42 ) رواه أحمد في المسند: ( 18 / 147 ) رقم ( 8616 )، والترمذي في تفسير القرآن: باب ومن سورة يوسف: ( 11 / 383 ) رقم ( 3404 )،، والحاكم في مستدره: ( 3 / 458 ) والبخاري في الأدب المفرد: ( 1 / 212 ) رقم ( 605 ) مختصراً، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: ( 1 / 138 )، وفي السلسلة الصحيحة: ( 14 / 152 ).
(43 ) انظرها في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 415 ـ 418 ).
(44 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(45 ) شرح السنة: ( 1 / 117 ).
(46 ) إكمال المعلم: ( 1 / 466 ).
(47 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(48 ) الجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 78 ).
(49 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 185 ـ 187 ).
(50 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(51 ) فتح الباري: ( 6 / 415 ).
(52 ) انظر: تحفة الأحوذي: ( 8 / 541 )، ومنة المنعم: ( 1 / 133 )، و ( 4 / 63 )، والقواعد الحسان للسعدي: ( 157 ).
(53 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(54 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(55 ) الفصل: ( 1 / 138 ).
(56 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ـ 359 ).
(57 ) انظر: إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 436 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(58 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 418 ـ 419 ).
(59 ) تأويل مختلف الحديث: ( 93 ).
(60 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 187 ).
(61 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1546 ـ 1547 ).
(62 ) شرح السنة: ( 1 / 116 ).
(63 ) المحرر الوجيز: ( 9 / 316 ـ 318 ).
(64 ) المعلم: ( 1 / 213 ).
(65 ) إكمال المعلم: ( 1 / 465 ).
(66 ) كشف المشكل: ( 3 / 359 ).
(67 ) شرح مسلم: ( 2 / 543 ـ 544 ).
(68 ) إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 437 ).
(69 ) فتح الباري: ( 6 / 413 ).
(70 ) تفسير القرآن: ( 3 / 305 ).
(71 ) انظر: جامع البيان: ( 7 / 232 ـ 233 )، وشرح صحيح الباخري لابن بطال: ( 9 / 524 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 206 ـ 207 )، وفتح القدير: (3 / 33)، وتحفة الأحوذي: ( 8 / 540 )، ومنة المنعم: ( 4 / 63 ).
(72 ) تفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 ).
فلا يخفى أن التفسير النبوي هو أوثق أنواع التفسير ، وأصحها ، ومن الأحاديث التي يمكن أن تندرج في هذا الباب هذا الحديث الذي نحن بصدده ، وقد وجه إليه صاحب كتاب ( نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث ) نقداً نابعاً من اتباع العقل والهوى ، كما هو شأن كثير ممن يقدح في أحاديث الصحيحين .. وقد أحببت بيان معنى هذا الحديث لتعلقه بالآيات الواردة في نصه ، والإجابة على ما طرحه صاحب الكتاب، وقد سبق أن ذكرت شبهاته والجواب عليها حول حديث آخر في موضوع :
[align=center]قوله صلى الله عليه وسلم : (خفف على داود القرآن ) [/align]
اسأل الله أن يهدينا سواء السبيل ...
نص الحديث :
أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]، ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي"(1 ).
الشبهات التي أوردها الكاتب :
قال صاحب الكتاب : " أول بعضهم هذا الحديث بتأويلات مختلفة لأن ظاهره مرفوض، فالآية لا تدل على أن إن إبراهيم شكّ، بل تفيد أنه أراد رؤية معجزة الإحياء الكبرى بعيني رأسه، ليقوى إيمانه، وينتقل من علم اليقين لعين اليقين، بدليل أن الحقَّ لما سأله أولم تؤمن؟ قال: بلى، ولا شك أنه صادق مصدَّقٌ في قوله، فكيف يُدّعى أنه شكّ؟ وهل يمكن أن يخفى فهم الآية لهذه الدرجة على سيدنا رسول الله وهو سيد الفصحاء ؟! والأنكى من ذلك أن الراوي(2 ) لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! فكيف يُنسَبُ لإبراهيم أبي الأنبياء وخليل الرحمن ولمحمد خاتم الأنبياء وحبيب الرحمن الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى في حين أن المؤمن العادي منا الذي لا يدنو من مقامهما مقدار أنملة ليس عنده ذرة شك في ذلك؟!.
ثم كيف يجوز رمي لوط بأنه كان يجهل أن الله تعالى ركْنُه ومأواه؟ وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!.
إن في هذا الحديث انتقاصاً من قدر أنبياء الله عليهم السلام عموماً، ومن قدر خاتمهم سيدنا محمد، إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته . اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" (3 ).
مدار الشبهات التي أوردها المؤلف أن الحديث ينتقص من قدر الأنبياء عليهم السلام فهو يفيد في نظره: إثبات الشك لأنبياء الله : إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، واتهام لوط عليه السلام بالجهل بأن الله ركنه ومأواه، كما يفيد ـ في نظره القاصر ـ أن يكون يوسف عليه السلام أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويجعل ما يفهمه المؤلف هنا ظلمة في الحديث وعلة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته.
ولا شك أن هذا الفهم؛ فهمُ من لا عِلْم عنده كما قال ابن كثير : " فليس المراد ههنا بالشك: ما قد يفهمه من لا علم عنده، بلا خلاف"(4 ).
كما يتبين في نص كلامه طعنه أكثر من مرة لأبي هريرة رضي الله عنه كما في قوله: "والأنكى من ذلك أن الراوي لم يكتف باتهام إبراهيم بالشك، بل نسب لرسول الله أنه أكثر وأحق بالشك منه!! "، ولشراح الحديث النبوي كما في قوله: " اللهم إلا أن يؤول تأويلات خلاف ظاهره. ولا ننسى أن هذه عادة شراح الأحاديث!!" .
ولا بد في الجواب على هذه الشبهات أن نقدم بهذا التمهيد :
تمهيد
إن سبب هذا الفهم عند الكردي هو الخطأ المركب من عدة أمور هي:
الخطأ في تفسير الآية الكريمة المذكورة في الحديث، ومن ثمَّ الخطأ في مقصود النبي صلى الله عليه وسلم من سياق الآية والاستدلال بها، ثم الخطأ في معرفة تفسير الآية في قصة لوط عليه السلام والتي بنى عليها الكاتب أن الحديث يدل على إنقاص قدر النبي لوط صلى الله عليه وسلم، والخطأ في فهم مقصود النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن يوسف عليه السلام.
وحتى ينجلي الأمر ويتبين تهافت هذا الفهم الذي قرره صاحب الكتاب هنا لا بد من التمهيد بهذه النقاط :
أولاً : معاني الشك في لغة العرب والقرآن العظيم :
الشك في لغة العرب أوسع معنى منه في الاصطلاح، فهو في الاصطلاح ما تساوى فيه كلا الاحتمالين، ولم يترجح فيه أحد الطرفين( 5).
أما في لغة العرب واستخدامات القرآن فهو أوسع استعمالاً، إذ الشك خلاف اليقين، فيطلق على الظن، وعلى الجهل وعدم العلم بالشيء أيضاً.
قال تعالى: ( وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه مالهم به من علمٍ إلا اتباع الظن ) [ النساء: 157 ] . قال البيضاوي في تفسير هذه الآية : " الشك كما يطلق على ما لا يرجح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردد، وعلى ما يقابل العلم، ولذلك أكده بقوله (ما لهم بذلك من علم) ... ويجوز أن يفسر الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذي تسكن إليه النفس جزماً كان أو غيره "(6 ).
وقال تعالى أيضاً عن الكافرين: ( بل ادراك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون ) [ النمل ]. قال ابن جرير الطبري: " أي لم يتتابع بذلك ولم يعلموه، بل غاب علمهم عنه، وضل فلم يبلغوه ولم يدركوه. بل هم في شك منها يقول : بل هؤلاء المشركون الذين يسألونك عن الساعة في شك من قيامها لا يوقنون بها ولا يصدقون بأنهم مبعوثون من بعد الموت "(7 ).
وكذا قوله تعالى في على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مخاطباً المشركين: ( إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) [ يونس: 104 ] فليس الشك هنا بمعنى التردد فإنهم كانوا جاحدين كافرين به وبدينه.
وكذا قوله تعالى مخاطباً رسوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ) [يونس: 94] أي: إن كنت يا محمد لا علم عندك بما جاء في التوراة والإنجيل من صفاتك وشأنك، فاسأل أهل الكتاب عن ذلك، فإنهم على علم بك لما ورد في كتبهم من خبرك وصفاتك، فإنهم يعرفونك كما يعرفون أبناءهم، وهذا كقوله تعالى: ( فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون . بالبينات والزبر ) [النحل: 43 ـ 44 ](8 ).
ثانياً: بيان معنى الآية الواردة في الحديث:
قال تعالى : ( رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) [ البقرة : 260 ]:
ليس المقصود هنا أن إبراهيم عليه السلام يشك في قدرة الله تعالى على الإحياء .
ويظهر هذا من وجهين(9 ):
الأول: أن إبراهيم عليه السلام قد قال ( بلى ) ، وهذا يزيل كل لبس، وينفي كل توهم في نسبة الشك في القدرة إلى إبراهيم عليه السلام.
والاستفهام في قوله تعالى : ( أولم تؤمن ) للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) [ الشرح: 1 ] يعني: قد شرحنا لك، فمعنى ( أولم تؤمن ): ألست قد آمنت. لتقرير إيمان إبراهيم عليه السلام(10 ).
قال ابن عطية : " إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم أعلم به، يدلك على ذلك قوله: ( ربي الذي يحيي ويميت ) [ البقرة : 258 ]، فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعاً"(11 ).
الثاني : أن سؤال إبراهيم عليه السلام إنما هو عن الكيفية، لا عن الإمكان كما هو صريح قوله: ( كيف تحيي الموتى ).
قال ابن عطية : " وإذا تأملت سؤاله عليه السلام، وسائر ألفاظ الآية لم تعط شكاً، وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول . نحو قولك : كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت كيف ثوبك وكيف زيد فإنما السؤال عن حال من أحواله ... و ( كيف ) في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر"(12 ).
إذا علم ذلك فيبقى السؤال : ما سبب سؤال إبراهيم عليه السلام ؟ :
والجواب :
أنه قد اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال أهمها( 13):
1- أنه سأل عن كيفية الإحياء، ليزداد بذلك إيماناً ويقيناً، ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، وذلك عندما يرى كيفية الإحياء، ولم يكن بذلك شاكاً في القدرة، ولا جاهلاً بمعنى الإحياء. وعلى هذا القول جمهور أهل العلم(14 ).
ويكون معنى قوله: ( ليطمئن قلبي ): ليزداد إيماناً مع إيمانه، ويقيناً مع يقينه.
2- أنه عندما بُشّر بأن الله عز وجل قد اتخذه خليلاً؛ سأل ربه هذا السؤال، لتكون إجابة دعائه وإحياء الموتى بسؤاله دليلاً وعلامة على خلته، وعظيم منزلته عند الله تعالى، وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : ( ليطمئن قلبي ): أي: بالخلة وعلو المنزلة( 15).
وإلى هذا القول ذهب الطحاوي( 16)، وهو مروي عن السدي( 17)، وسعيد بن جبير(18 )، وعبد الله بن المبارك(19 ).
3- أن سبب سؤاله عليه السلام : المناظرة والمحاجة التي جرت بينه وبين النمرود، فطلب إبراهيم عليه السلام من ربه أن يريه كيف يحيي الموتى؛ ليتضح استدلاله عياناً بعد أن كان بياناً( 20).
الشبهات التي أوردها المؤلف :
الشبهة الأولى : أن في هذا الحديث اتهام للنبيين الكريمين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام بالشك :
ركّب الكردي هذه الشبهة من مجموع مقدمات فاسدة وهي : أن الحديث يثبت الشك لإبراهيم، والشك المقصود في الحديث هو الشَّكُّ بوعد الله بالبعث أو بقدرته تعالى على إحياء الموتى، ثم زعم أن تسمية ما ورد في الآية شكاً لا يمكن أن يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو جهل بمعنى الآية .
الجواب عن هذه الشبهة:
قد سبق بيان معنى الآية، وأنه ليس المراد من السؤال في الآية الشك في القدرة، بل لم يكن السؤال عن القدرة وإنما كان عن الكيفية.
ولكن ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " نحن أحق بالشك من إبراهيم ". ولماذا أورد صلى الله عليه وسلم الآية بعد هذا الكلام؟.
والجواب: أن العلماء رحمهم الله قد بينوا معنى هذا الحديث بل وعدوه من فضائل إبراهيم عليه السلام(21 ).
وقالوا المراد من الحديث: تنزيه إبراهيم عليه السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الشك في قدرة الله على إحياء الموتى، والقطع بعدم دلالة الحديث على ذلك، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم. ولكنهم اختلفوا في معنى الحديث على عدة أقوال أقواها:
القول الأول : أن المراد بهذا الحديث نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، فكأنه صلى الله عليه وسلم قال: إن إبراهيم عليه السلام لم يشك، ولو كان الشك متطرقاً إليه لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم عليه السلام من باب أولى ألا يشك. قال ذلك صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع وهضم النفس.
وإلى هذا القول ذهب جمهور العلماء كابن قتيبة(22 )، والطحاوي(23 )، والخطابي(24 )، والحميدي(25 )، وابن عطية( 26)، وابن حزم( 27)، والقاضي عياض( 28)، وابن الجوزي(29 )، والنووي(30 )، وصفي الرحمن المباركفوري(31 )، وابن عثيمين(32 )، وغيرهم(33 ).
قال الخطابي: " مذهب الحديث التواضع والهضم من النفس، وليس في قوله : ( نحن أحق بالشك من إبراهيم )؛ اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم عليه السلام، لكن فيه نفي الشك عن كل واحد منهما"( 34).
وقال ابن الجوزي: " مخرج هذا الحديث مخرج التواضع وكسر النفس"(35 ).
القول الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى التفاوت بين الإيمان والاطمئنان شكاً، فأطلق على ما دون طمأنينة القلب التي طلبها إبراهيم عليه السلام اسمَ الشك، وإلا فإبراهيم كان مؤمناً موقناً، ليس عنده شك يقدح في يقينه، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم عبّر عن هذا المعنى بهذه العبارة.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية(36 ) وابن القيم(37 ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ومعلوم أن إبراهيم كان مؤمناً كما أخبر الله عنه بقوله: ( أولم تؤمن قال بلى ) ولكن طلب طمأنينة قلبه كما قال: ( ولكن ليطمئن قلبي ) فالتفاوت بين الإيمان والاطمئنان سماه النبي صلى الله عليه وسلم شكاً لذلك بإحياء الموتى"(38 ).
الشبهة الثانية : أن في الحديث انتقاصاً من قدر لوط عليه السلام :
وهنا يزعم الكردي أن هذا الحديث يدل على أن لوطاً عليه السلام " كان يجهل أن الله تعالى ركنه ومأواه".
الجواب عن هذه الشبهة :
وحتى يتبين المقصود بالحديث لا بد من بيان معنى الآية التي أشار إليها هذا الحديث وهي قوله تعالى : ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود: 80 ].
قال المفسرون: أراد لوط عليه السلام بقوله : ( أو آوي إلى ركن شديد ) أي: قبيلة قوية مانعة، تمنعكم من الوصول لأضيافي، وذلك أن الملائكة لما جاءت لوطاً عليه السلام في صورة شباب حِسان، في غاية الجمال والكمال ـ وهو لا يدري أنهم ملائكة ـ ( وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب ) [ هود: 77 ] أي: شديدٌ حرجه، لأنه يعلم أن قومه لا يتركونهم، فكان ما خشي، حيث جاءه قومه ( يهرعون إليه ) [ هود : 78 ] أي: مسرعين مبادرين، يريدون أضيافه بعملهم الخبيث، فاشتد قلق لوط عليه السلام وخوفه على أضيافه، فقال : ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) [ هود: 80 ] أي قبيلة مانعة لمنعتكم، وعندها أخبرته الملائكة بحالهم، ليطمئن قلبه: ( قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) [ هود : 81 ] ( 39).
ولا شك أن العصبة والقبيلة منعت بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أعداءهم، قال تعالى في قصة هود عليه السلام: ( قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) [ هود: 91 ].
قال الشيخ الأمين الشنقيطي: " بين تعالى في هذه الآية الكريمة : أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار . وهو دليل على المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بينه تعالى في مواضع أخر. كقوله في صالح وقومه: ( قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) [النمل: 49] الآية.
ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروه خوفاً من عصبته. فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار. وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) [ الضحى: 6 ] أي: آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب . وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة ... لهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة. بدليل قوله تعالى عنه: ( قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] . وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين"(40 ).
فإذا كان هذا هو معنى الآية وله نظائر في كتاب الله تعالى، وقد استجار النبي صلى الله عليه وسلم بالمطعم بن عدي لما جاء من الطائف( 41)، فما المنكر في أن يتمنى لوطٌ عليه السلام أن يكون له عشيرة تحميه من قومه كما كان لغيره من الأنبياء عليهم والسلام، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ لقومه: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ"(42).
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد). فقد اختلف العلماء في معناه على عدة أقوال وهي كما يلي(43):
القول الأول: أن المعنى : رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى .
وإلى هذا القول ذهب ابن قتيبة(44 )، والبغوي( 45)، والقاضي عياض(46 )، وابن الأثير( 47)، والقرطبي(48 )، وهو ظاهر كلام الطحاوي(49 )، وجوّزه النووي(50 )، ورجحه ابن حجر(51 )، وغيره( 52).
قال ابن قتيبة في معنى ترحمه صلى الله عليه وسلم على لوط: " يريد سهوه في هذا الوقت الذي ضاق فيه صدره، واشتد جزعه بما دهمه من قومه"(53 ).
وقال ابن الأثير: " وإنما ترحم عليه؛ لسهوه حين ضاق صدره من قومه، حتى قال: (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أراد العشيرة الذين يُستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط"(54 ).
واستشهد هؤلاء بالحديث السابق والذي فيه: " ومَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ من نبي إِلاَّ في ثروة مِنْ قَوْمِهِ".
القول الثاني: ما ذهب إليه ابن حزم من أنه لا تثريب على لوط في قوله هذا، ولم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم لومه عليه، وإنما أراد الإخبار بأن لوطاً كان في نصر من الله بالملائكة، لكنه لم يكن يعلم ذلك.
قال رحمه الله : " لأن لوطاً عليه السلام إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش، من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط عليه السلام أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة، وأشد ركن، ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس فقد قال تعالى (ولولى دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ). فهذا الذي طلب لوط عليه السلام، وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكر على لوط أمراً هو فعله عليه السلام، تالله ما أنكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أخبر عليه السلام أن لوطاً كان يأوي إلى ركن شديد، يعني من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط علم بذلك، ومن اعتقد أن لوطاً كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد؛ فقد كفر، إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضاً ظن سخيف إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات وهو دائباً يدعو إليه؛ هذا الظن"(55 ).
القول الثالث: ما ذهب ابن الجوزي من أن لوطاً عليه السلام لم يغفل عن الله تعالى، ولم يترك التوكل عليه، لكن لما كان ظاهر كلامه قد يفهم منه نسيانه لله تعالى؛ أراد النبي صلى الله عليه وسلم منا ألا نقول ما يوهم ذلك.
قال رحمه الله : " أما قصة لوط؛ فإن لوطاً لم يغفل عن الله عز وجل، ولم يترك التوكل عليه، وإنما ذكر السبب، وذكره للسبب وحده يتخايل منه السامع نسيانه لله، فأراد نبينا عليه السلام ألا نقول ما يوهم هذا "(56 ).
القول الرابع : ما ذهب إليه الأبيّ وهو : أن لوطاً عليه السلام قصد من قوله هذا؛ إظهار العذر لأضيافه، وتطييب نفوسهم، ولم يكن قط معرضاً عن الله تعالى، والاعتماد إليه، وأما قول الرسول صلى الله عليه وسلم هنا؛ فإنما أراد منه المدح والثناء(57 ).
هذه أهم الأقوال في الحديث وحاصلها :-
الاتفاق على أن لوطاً عني بقوله : (أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80]: عشيرته وقومه.
- وأن الرسول صلى الله عليه وسلم عني بقوله: ( ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد ): الله تعالى، فهو أقوى الأركان وأشدها.
- أنه لا خلاف في أن لوطاً عليه السلام؛ لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد، كيف وهو يركن ويأوي إليه في كل وقت وحين، ولذا قال ابن حزم ـ كما سبق ـ : " ومن ظن أن لوطاً عليه السلام اعتقد أنه ليس له من الله ركنٌ شديد فقد كفر".
وإنما موطن الخلاف في الآية هو : تلك اللحظة الحرجة التي تعرض لها لوط عليه السلام، هل نسي فيها ربه عندما قال ـ مشيراً إلى عشيرته وقبيلته ـ أو آوي إلى ركنٍ شديد ) [ هود : 80] أو لا؟ وعلى هذا ينبني معنى الحديث.
فحرف المسألة في الحديث : هل قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لائماً للوط عليه السلام، وسائلاً له الرحمة، أم قاله منافحاً عنه، ومخبراً عن حاله، حتى لا يتوهم متوهم أن لوطاً في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله تعالى.
أكثر أهل العلم قالوا بالأول، والثاني أليق بمقام النبوة، وعليه يدل السياق، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في سياق الثناء والمدح لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام، ونفي ما قد يتوهم في حقهم من الباطل(58 ).
الشبهة الثالثة : أن الحديث يدل على أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أقل مقاماً من يوسف عليه السلام وهذا لا يصح:
قال الكردي : " وكذلك لا يصح أن يكون سيدنا رسول الله أقل مقاماً من يوسف الذي رفض بكل وجه حق أن يخرج من السجن إلا بعد أن تثبت للجميع براءته، فينسب الراوي إليه أنه يقول: لو كنت مكانه لخرجت بسرعة ولم أنتظر!".
والجواب على هذه الشبهة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بهذا : الثناء على يوسف عليه السلام، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذِناً له بالخروج، لم يبادر إلى الخروج ـ كما هو مقتضى الطبيعة ـ مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال : ( ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]، قال ذلك: حتى تظهر براءته وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له حجة، لا خروج من قد عُفي عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تواضعاً منه وأدباً : ( لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف؛ لأجبت الداعي ) أي : لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن، ولما قدمت طلب البراءة.
هذا هو معنى الحديث عند أهل العلم، كابن قتيبة(59 )، والطحاوي(60 )، والخطابي(61 )، والبغوي(62 )، وابن عطية(63 )، والمزري(64 )، والقاضي عياض(65 )، وابن الجوزي(66 )، والنووي( 67)، والأبيّ(68 )، وابن حجر( 69)، وابن عثيمين(70 )، وغيرهم( 71).
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ( وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ) [ يوسف: 50 ]: " يقول تعالى إخبارًا عن الملك لما رجعوا إليه بتعبير رؤياه، التي كان رآها، بما أعجبه وأيقنه، فعرف فضل يوسف عليه السلام، وعلمه وحسن اطلاعه على رؤياه، وحسن أخلاقه على من ببلده من رعاياه، فقال: ( ائتوني به ) أي: أخرجوه من السجن وأحضروه. فلما جاءه الرسول بذلك امتنع من الخروج حتى يتحقق الملك ورعيته براءة ساحته، ونزاهة عرضه، مما نسب إليه من جهة امرأة العزيز، وأن هذا السجن لم يكن على أمر يقتضيه، بل كان ظلما وعدوانا، قال: (ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) وقد وردت السنة بمدحه على ذلك، والتنبيه على فضله وشرفه، وعُلُوّ قدره وصبره، صلوات الله وسلامه عليه"(72 ). ثم ذكر هذا الحديث.
وختاماً.. فإن الكردي يصف الحديث بأنه مظلمٌ ! فيقول : " إنه حديث مظلمٌ بعيد عن نور النبوة، وهذه علة قادحة في متنه تكفي للحكم بعدم صحته".
وقد اتضح معنى الحديث ولله الحمد بما لا يتوهم معه الانتقاص من قدر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، بل هو من باب بيان فضائلهم عليهم السلام، وعلو منزلتهم عند الله تعالى.
وهذا المعنى المذكور في هذا الحديث؛ مذكورٌ في عدد من الآيات التي هي نور من الله تعالى، قال تعالى : ( وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) [الأنبياء: 87].
وقال تعالى : ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) [ هود: 46 ].
[align=center]فأيهما أشد استبعاداً في عقل الكردي، ما جاء عن لوط عليه السلام في هذا الحديث أم ما ورد في هذه الآيات !!. وهل يجرؤ الكردي أن يصف ما ورد في هذه الآيات وأمثالها بأنه مظلم!، وقد قال تعالى : ( قد جاءكم من الله نورٌ وكتاب مبين ) [ المائدة: 15 ].
ولكننا نقول صدق الله إذ يقول : ( ومن لم يجعل الله له نوراً فماله من نور ) [النور: 40].[/align]
فجر الخميس : 12 / 11 / 1428هـ
ـــــ حواشي ــــــــــــ
(1 ) رواه البخاري في الأنبياء: باب قول الله عز وجل: ( ونبئهم عن ضيف إبراهيم ) [ الحجر: 51 ]: (12/42): رقم (3372 )، وفي التفسير: باب قوله: ( فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك ) [ يوسف: 50 ]: ( 15 / 337 ) رقم ( 4694 ) وليس فيه لفظ الشك، ومسلم في الإيمان: باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة: ( 1 / 481 ) رقم ( 399 ) وفي الفضائل: باب من فضائل إبراهيم الخليل: ( 15 / 427 ) رقم (6291).
(2 ) يلاحظ طعنه هنا في أبي هريرة رضي الله عنه.
(3 ) نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث: ( 193 ـ 194 ).
(4 ) تفسير القرآن العظيم: ( 1 / 698 ) .
(5 ) انظر: التوقيف على مهمات التعاريف: ( 436 )، التعريفات للجرجاني: ( 168 ).
(6 ) تفسير البيضاوي: ( 1 / 167 ).
(7 ) جامع البيان : ( 10 / 9 ).
(8 ) البيان لمشكلات الحرية أو الطوفان: ( 5 ).
(9 ) انظرهما في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 409 ـ 410 ) وقد استفدت من هذا الكتاب كثيراً.
(10 ) تفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 299 ـ 300 ).
(11 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(12 ) المحرر الوجيز : ( 2 / 303 ).
(13 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 403 ).
(14 ) انظر: جامع البيان: ( 3 / 49 )، والمحرر الوجيز: ( 2 / 301، 303 )، وشرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والفصل لابن حزم: ( 2 / 292 )، ومعالم التنزيل للبغوي: ( 1 / 247، 248)، وكشف المشكل لابن الجوزي: ( 3 / 358 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 297، 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 )، وفتح الباري: ( 6 / 413 )، وتفسير السعدي: ( 1 / 323 )، وتفسير القرآن لابن عثيمين: ( 3 / 303 ).
(15 ) انظر: الجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ـ 543 ).
(16 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(17 ) جامع البيان: ( 3 / 50 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 3 / 300 ).
(18 ) أعلام الحديث للخطابي : ( 3 / 1546 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(19 ) أعلام الحديث للخطابي: ( 3 / 1546 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، وشرح السنة للبغوي: ( 1 / 116 ).
(20 ) جامع البيان: ( 3 / 49 ـ 50 ).
(21 ) ولذلك رواه مسلم كما سبق في كتاب الفضائل: باب من فضائل إبراهيم عليه السلام.
(22 ) تأويل مختلف الحديث: ( 91 ـ 92 ).
(23 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 184 ).
(24 ) أعلام الحديث : ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(25 ) تفسير غريب ما في الصحيحين: ( 292 ).
(26 ) المحرر الوجيز: ( 2 / 303 ).
(27 ) الفصل: ( 2 / 292 ـ 293 ).
(28 ) الشفاء: ( 310 ).
(29 ) كشف المشكل : ( 3 / 358 ).
(30 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 ).
(31 ) منة المنعم في شرح صحيح مسلم: ( 1 / 133 )، ( 4 / 63 ).
(32 ) تفسير القرآن له: ( 3 / 305 )، والقول المفيد على كتاب التوحيد: ( 1 / 219 ).
(33 ) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال: ( 9 / 525 )، والأسماء والصفات للبيهقي: ( 2 / 488 )، ومعالم التنزيل: ( 1 / 248 )، وإكمال المعلم للقاضي عياض: ( 1 / 465 )، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 3 / 298 ـ 299 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 542 )، وفتح الباري: ( 6 / 412).
(34 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1545 ـ 1546 ).
(35 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ).
(36 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(37 ) مدارج السالكين: ( 1 / 507 ).
(38 ) مجموع الفتاوى: ( 15 / 178 ).
(39 ) جامع البيان: ( 7 / 79 ـ 87 )، والمحرر الوجيز: ( 9 / 195 ـ 198 )، ومعالم التنزيل: ( 2 / 394 ـ 396 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 73 ـ 79 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 701 ـ 702)، وفتح القدير: ( 2 / 513 ـ 515 )، تيسير الكريم الرحمن: ( 3 / 444 ـ 445 )، وأحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: (414).
(40 ) أضواء البيان: ( 2 / 311 ).
(41 ) سيرة ابن هشام : ( 1 / 381 ).
(42 ) رواه أحمد في المسند: ( 18 / 147 ) رقم ( 8616 )، والترمذي في تفسير القرآن: باب ومن سورة يوسف: ( 11 / 383 ) رقم ( 3404 )،، والحاكم في مستدره: ( 3 / 458 ) والبخاري في الأدب المفرد: ( 1 / 212 ) رقم ( 605 ) مختصراً، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: ( 1 / 138 )، وفي السلسلة الصحيحة: ( 14 / 152 ).
(43 ) انظرها في: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 415 ـ 418 ).
(44 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(45 ) شرح السنة: ( 1 / 117 ).
(46 ) إكمال المعلم: ( 1 / 466 ).
(47 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(48 ) الجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 78 ).
(49 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 185 ـ 187 ).
(50 ) شرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(51 ) فتح الباري: ( 6 / 415 ).
(52 ) انظر: تحفة الأحوذي: ( 8 / 541 )، ومنة المنعم: ( 1 / 133 )، و ( 4 / 63 )، والقواعد الحسان للسعدي: ( 157 ).
(53 ) تأويل مختلف الحديث: ( 92 ).
(54 ) النهاية في غريب الحديث: ( 2 / 260 ).
(55 ) الفصل: ( 1 / 138 ).
(56 ) كشف المشكل: ( 3 / 358 ـ 359 ).
(57 ) انظر: إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 436 )، وشرح النووي على مسلم: ( 2 / 543 ).
(58 ) انظر: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين: ( 418 ـ 419 ).
(59 ) تأويل مختلف الحديث: ( 93 ).
(60 ) شرح مشكل الآثار: ( 1 / 187 ).
(61 ) أعلام الحديث: ( 3 / 1546 ـ 1547 ).
(62 ) شرح السنة: ( 1 / 116 ).
(63 ) المحرر الوجيز: ( 9 / 316 ـ 318 ).
(64 ) المعلم: ( 1 / 213 ).
(65 ) إكمال المعلم: ( 1 / 465 ).
(66 ) كشف المشكل: ( 3 / 359 ).
(67 ) شرح مسلم: ( 2 / 543 ـ 544 ).
(68 ) إكمال إكمال المعلم: ( 1 / 437 ).
(69 ) فتح الباري: ( 6 / 413 ).
(70 ) تفسير القرآن: ( 3 / 305 ).
(71 ) انظر: جامع البيان: ( 7 / 232 ـ 233 )، وشرح صحيح الباخري لابن بطال: ( 9 / 524 )، وتفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 )، والجامع لأحكام القرآن: ( 9 / 206 ـ 207 )، وفتح القدير: (3 / 33)، وتحفة الأحوذي: ( 8 / 540 )، ومنة المنعم: ( 4 / 63 ).
(72 ) تفسير القرآن العظيم: ( 2 / 744 ).