شكر الله لأخي الشيخ جمال القرش على إفاداته ، وأضيف ها هنا من الآداب التي يراعيها المحاور ، وهي فصل من كتابي ( الحوار منهجا وثقافة ) نصه :
الفصل الثالث
آداب الحوار
قال أهل اللغة : أَدُبَ الرَّجلُ يَأْدُبُ أَدَبًا ، فهو أَدِيبٌ ، وفلان قد اسْتَأْدَبَ : بمعنى تَأَدَّبَ ، وأَدُبَ بالضم ، فهو أَدِيبٌ ، من قوم أُدَباءَ . وأَدَّبه فَتأدب : عَلَّـمه . ويقال للبعيرِ إِذا رِيضَ وذُلِّلَ : أَدِيبٌ مُؤَدَّبٌ . فالأَدَبُ : الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس ؛ سُمِّيَ أَدباً لأَنه يَأْدِبُ ( أي : يدعو ) الناسَ إِلى المَحامِد ، ويَنْهاهم عن المقَابح . وأَصل الأَدْبِ الدُّعاءُ ، ومنه قيل للصَّنِيع يُدْعَى إِليه الناسُ : مَدْعاةٌ ومَأْدُبَةٌ . وقيل : الأَدَبُ : أَدَبُ النَّفْسِ والدَّرْسِ . والأَدَبُ : الظَّرْفُ وحُسْنُ التَّناوُلِ ( [1] ) . قال الجواليقي في ( شرح أدب الكاتب ) : والأدب الذي كانت العرب تعرفه هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم ، مثل ترك السفه ، وبذل المجهود ، وحسن اللقاء ( [2] ) . ا.هـ . فالأدب إذًا : اجتماع خصال الخير في العبد ، ومنه المأدبة وهي الطعام الذي يجتمع عليه الناس . وقيل : الأدب استعمال ما يحمد قولا وفعلا . وعبر بعضهم عنه بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق . وقيل : هو تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك . وعلم الأدب : هو علم إصلاح اللسان والخطاب وإصابة مواقعه وتحسين ألفاظه وصيانته عن الخطأ والخلل ؛ وهو شعبة من الأدب العام ( [3] ) . قال الجواليقي : واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على أن يسموا العالم بالنحو والشعر وعلوم العربية أديبًا ، ويسمون هذه العلوم أدبًا ، وذلك كلام مولد ، لأن هذه العلوم حدثت بعد الإسلام ( [4] ) .ا.هـ . والله أعلم .
والذي يعنينا في ( أدب الحوار ) ما يحسن قوله أو فعله مع المحاور ؛ فأدب الحوار يعني أدب تجاذب الحديث عمومًا ، وقد ذكر الذين تناولوا الحديث عن الحوار آدابا كثيرة ؛ وفيهذاالبحثذكرتمن شروط الحوار ( التزام أخلاق الحوار ) وذكرت هناكالحلموالتواضعوالأمانةوتجنبالعجبوتجنب الكذب ، لأنها سجايا للنفس ؛ وأما الآداب فهي أقرب ما تكون تفاعلا مع من يُتعامل معهم ؛ يؤخذ هذا من التعريفات السابقة للأدب : استعمال ما يحمد قولا وفعلا ... الأخذ بمكارم الأخلاق ... تعظيم من فوقك والرفق بمن دونك .
ولما كانت آداب الحوار كثيرة بدا لي أن أذكر أعظمها تأثيرًا وفائدة للمتحاورين وهي :
1 - احترام شخصية المحاور ، ويعني هذا عدم احتقاره وعدم الاستهانة به ابتداءً لأن ذلك يثيره وقد يخرجه عن حد اللياقة مما قد يكون سببا في فشل الحوار ؛ ومن الاحترام كذلك الإنصات له وعدم الانصراف عنه أثناء حديثه ، وفسح المجال له لإبداء رأيه كاملا دون مقاطعة ، لأن قطع الفكرة أو التشويش عليها يؤثر على تسلسل الأفكار وترابطها و اضطرابها . ومن ذلك تجنب السخرية من شخص المحاور وأفكاره ؛ وتجنب كل ما يشعر باحتقاره أو ازدراء فكرته ، وتجنب وسمه بالجهل أو قلة الفهم ؛ وكذلك تجنب التبسمات والضحكات التي تدل على السخرية .
2 - المرونة في الحوار وعدم التشنج ، فينبغي مقابلة الفكرة بفكرة تصححها أو تكملها ، وقبول الاختلاف الذي يتسع قبوله ، والصبر على فكرة المحاور حتى لو اُعتقد خطؤها منذ البداية حتى تُقام الحجة على خلافها .
وتأمل هذا الحوار الذي كان بين النبي e وبين حبر من أحبار يهود لتقف على هذا الأدب في الحوار؛ فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ e قَالَ :كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ e فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ؛ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ : لِمَ تَدْفَعُنِي ؟ فَقُلْتُ : أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : إِنَّمَا نَدْعُوه ُبِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي
" فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ e : " أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ
؟ " قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ! فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ e بِعُودٍ مَعَهُ ، فَقَالَ : " سَلْ
" فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ " قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً ؟ قَالَ : " فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ " قَالَ الْيَهُودِيُّ : فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : " زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ
" قَالَ : فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ قَالَ :" يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا " قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : " مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا " قَالَ : صَدَقْتَ ! قَالَ : وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ ؟ قَالَ : " يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ ؟ " قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ! قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ ؟ قَالَ : " مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِذَا عَلا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ
" قَالَ الْيَهُودِيُّ : لَقَدْ صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ ؛ ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنْ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَانِيَ اللَّهُ بِهِ
" ( [5] ) .
3 – اختيار أحسن الكلام ؛ وهذا يعني اختيار الألفاظ وانتقائها والمفاضلة بينها، فالكلمات بين يدي المحاور فيها ( حسن ) وفيها ( أحسن ) ، فليختر الأحسن ما أمكنه ذلك ؛ قال الله تعالى : ] وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً [(الإسراء : 53 ) .
إن قوة التعبير وفصاحة اللسان وحسن البيان والعرض من العوامل في إيضاح الفكرة وأدلتها ، ومما يكون له أكبر الأثر على قبول الطرف الآخر للفكرة ، وإقناعه بحسن الاستدلال عليها.
وإليك بعض اعتبارات أحسن الكلام :
أ - التعبير بلغة بسيطة غير ملتبسة ولا غامضة دون تقعّر أو تكلف ، فيجب تجنب الألفاظ الغريبة صعبة الفهم أو الألفاظ المجملة التي تحتمل عدة معان من غير توضيح للمعنى المراد منها . ففي صحيح مسلمعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : " أَلَا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ
" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( [6] ) ؛ قال النووي - رحمه الله : أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم ( [7] ) ، وروى الترمذيعَنْ جَابِرٍ
t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ : " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ؛ وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ
"قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ ، فَمَاالْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : " الْمُتَكَبِّرُونَ
" ( [8] ) . قَالَ ابن القيم - رحمه الله : والثرثار : هو الكثير الكلام بتكلف ؛ والمتشدق : المتطاول على الناس بكلامه الذي يتكلم بملء فيه تفاخما وتعظيما لكلامه ؛ والمتفيهق : أصله من الفهق وهو الامتلاء ، وهو الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه تكثرا وارتفاعا وإظهارا لفضله على غيره ( [9] ) ، ولا يفعل ذلك إلا المتكبرون .
ب - ومن حسن الكلام الرفق فيه
:] فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
[ (طـه:44). وروى أحمد والطبراني عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ النَّبِيَّ e قَالَ : " مَا كَانَ الرِّفْقُ
فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا زَانَهُ ، وَلَا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ " ( [10] ) ، والكلمات الجافة القاسية توصد أبواب الاستجابة وتغلق طريق الحوار ، وقد قال الله تعالى لرسوله e : ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ
[( آل عمران : 159) .
جـ - التأدب في الخطاب ؛ قال تعالى : ] وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
[(الأنعام:152)،]وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنا
[ ( البقرة : 83 ) ، وذلك باستخدام اللغة المهذبة ، فبعض العبارات قد تفتح مغاليق النفوس وهي يسيرة على من يسرها الله عليه من الكلمة الطيبة التي تقرب النفوس وتزيل الجفوةوتهيءالمخالفلاستقبالالحق، والأمثلة في ذلك كثيرة كمناداة الطرف الآخر بكنيته أو بأحب الأسماءإليه، وإذا كان أكبر سنًا أو علمًا بيا أستاذي وشيخي .. اسمح لي .. عفوًا ؛ وقد تأدب الأنبياء بهذا الأدب في خطابهم لأقوامهم ، فقد كان يقول الرسول لخصومه المعاندين : ( يا قوم ) في تودد وسماحة وتذكير بالروابط التي تجمعهم ليستثير مشاعرهم ، ويطمئنهم فيما يدعوهم إليه ؛ وعندما حاور إبراهيم e أباه لم تفارق كلجملةمنكلامه:] يا أبتي
[؛ ثم بعد أن عاند أبوه وأغلظ عليه كان رده : ] قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا
[( مريم : 47 ) .
وأما الكلمات التي تخرج من قاموس الشتائم والسباب والتشهير والتسقيط فهي ليست كلمات جارحة ونابية فقط وإنما هي كلمات هدَّامة لا تبقي مجالاً للحوار بل تنسفه نسفًا ؛ وقد قال الله تعالى وهو يعلِّمنا كيفية التخاطب حتى مع المسيئين : ]وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
[ ( الأنعام : 108 ) ، وروى أحمد وأبو يعلى عَن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ t قَالَ : كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ النَّبِيُّ e قَالَ : وَأَبِي سَمُرَةُ جَالِسٌ أَمَامِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِنَّ الْفُحْشَ وَالتَّفَحُّشَ لَيْسَا مِنْ الْإِسْلَامِ ؛ وَإِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ إِسْلَامًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا
" ( [11] ) .
إن من أقبح الصفات أن يتنـزل العلماء في حوارهم إلى جارح اللفظ وسيئ العبارة ، معللين ذلك بضيق الصدر ونفاذ الصبر ، فقد قِيلَ لرسول الله : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ : " إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً " ( [12] ) ، كما قال : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ " ( [13] ). والمتتبع للحوارات التي يزخر بها تراثنا يدرك الأدب الرائع بين المتحاورين في أدق قضايا الإسلام وأحكامه ، ويطلع على النماذج المشرقة التي حواها ذلك التراث الفكري والمعرفي ( [14] ) .
د - طرح اللغو , واللغو ما لا فائدة منه من القول ، فلا يخوض المحاور فيما لا يثري المحاورة ، وانظر كيف وصف الله تعالى من أثنى عليه بخير من عباده فقال تعالى : ] وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [ ( المؤمنون : 3 ) وقال : ] وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
[ ( القصص : 55 ) ، وقال : ] وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً
[( الفرقان : 72 ) ، وصان عنه أسماع أهل الجَّنة وألسنتهم فقال : ] لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً . إِلَّا قِيلاً سَلَاماً سَلَاماً
[( الواقعة : 25 ، 26 )؛ وروي أنّ رجلاً خاطب معاوية فأكثر اللّغو في كلامه فضجر معاوية وأعرض عنه ، فقال : أأسكت يا أمير المؤمنين ؟ فقال: وهل تكلَّمت ؟! ( [15] )
قال الشاعر :
اللهو منقصة بصاحبه ... فاحذر مذلة مؤثر اللهو
واللغو نزه عنه سمعك لا ... تجنح له لا خير في اللغو
والابتعاد عما لا يفيد في الحوار يحفظ هيبة المحاور ، ويحفظ وقته وأوقات الآخرين .
هـ - التقديم للحوار بكلمات مناسبة ومقدمات لطيفة تلفت انتباه الطرفالآخر ، وتكون توطئة لحوار مفيد ؛ فإن كان الحوار مع مسلم فليقدم له بالحديث عن دعوة الإسلام للوحدة بين المسلمين وذم التفرق - مثلا ؛ وإن كان مع غير المسلمين ؛ فإن كانوا أهل كتاب فليقدم بآية : ] قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ
[ (آل عمران:64) . وإن لم يكونوا أهل كتاب فليقدم لبعض الآيات الكونية مثلا .. وهكذا ؛ ومن أمثلة ذلك ما رواه مسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ t أَنَّ ضِمَادًا قَدِمَ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ؛ فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ ! فَقَالَ : لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللَّهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ ، قَالَ : فَلَقِيَهُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ ، فَهَلْ لَكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : " إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ أَمَّا بَعْدُ
" فَقَالَ : أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ e ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ : فَقَالَ : لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ وَقَوْلَ السَّحَرَةِ وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ ؛ فَقَالَ : هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَبَايَعَهُ .. الحديث ( [16] ) . فلما قدم النبي e بمقدمته هذه – وكان ضماد قد وقف على كلام الكهنة وقول الشعراء والسحرة علم أن كلامه e ليس من قبيل ذلك .. فأسلم .
و - ضرب الأمثال ؛ إذ المحاور الناجح هو الذي يحسن ضرب الأمثلة ، ويتخذها وسيلة لإقناع محاوره، فالأمثلة الجيدة تزيد المعنى وضوحًا وبيانًا ؛ ولما كان للأمثلة دوركبير في تقريب المعاني والإقناع بها ، فقد اعتنى القرآن بها كثيرًا ، وأشار إلى أهميتها وبيان هدفها : ]وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
[ ( الحشر:21 ) ، ] وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [ ( إبراهيم : 25 ) ، فمن فوائد الأمثال أنها تبرز المعقول في صورة المحسوس الذي يلمسه المستمع ؛ كما ضرب الله مثلا لحال المنفق رياء حيث لا يحصل من إنفاقه على شيء من الثواب : { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا
} ( البقرة : 264 ) .
4 - حسن الاستماع إلى الحجج والإصغاء في الحوار ، قيل:رأسالأدب:الفهموالتفهموالإصغاء إلى المتكلم . والمتحدث البارع مستمع بارع ، فلابد من حسن الاستماع والانتباه لما يقوله الطرف المقابل وعدم مقاطعته وتركه حتى ينتهي ،ويدون أي فكرة تطرأ أثناء كلامه حتى يفرغ تمامًا ؛ فالحوار مسألة تبادل للآراء وليس مجرد إرسال من طرف واحد واستقبال من الطرف الثاني ؛ فليس الحوار من حق طرف واحد يستأثر فيه بالكلام دون محاوره ، وهناك فرق بين الحوار الذي فيه تبادل الآراء وبين الاستماع إلى خطبة أو محاضرة ؛ ولذا فمن آداب الحوار أن يحسن كل طرف الاستماع إلى آراء الطرف الآخر ، فلا يغفل عن الاستماع استهوانًا أو تسفيهًا لآراء الآخرين ، ولا يتمادى في الحديث حتى يجور على الوقت المخصص للآخرين . ومن حسن آداب الأنبياء أنهم كانوا يصغون جيدًا لمحاوريهم بل كانوا يتفضلون فيمنحونهم الفرصة الأولى للإدلاء بآرائهم وحججهم فعندما قال السحرة لنبي الله موسى u : ] يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى [ (طه:65) ]قَالَ بَلْ أَلْقُوا
[ ( طه : 66 ) ،فأعطاهم الفرصة الأولى للإدلاء بالبينات . وتقدم حوار النبي e مع عتبة بن ربيعة وكيف استمع النبي e له وأعطاه فرصته كاملة لإبداء ما عنده .
والاستماع إلى الطرف الآخر وحسن الإنصات له يمكن أن يهيئه لقبول الحق ويمهد نفسه للرجوع عن الخطأ .
5 - التعريض والتلميح بدلًا عن التصريح ؛ فلفت النظر إلى الأخطاء من طرف خفي ، وتجنب اللوم المباشر ، وعدم تخطئة الطرف الآخر بعبارة صريحة ، كل ذلك له أثره في تسليم الخصم للحق والرجوع عن الخطأ ، فالنفوس غالبًا لا تتحمل أن تواجه بقوة وصرامة ، وهناك من الألفاظ الموحية والكلمات اللطيفة والتي تؤدي الغرض نفسه ، دون جرح لمشاعر الآخرين ، أو إشعارهم بالذل والهزيمة ؛ وروى أبو داود عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ e إِذَا بَلَغَهُ عَنْ الرَّجُلِ الشَّيْءُ لَمْ يَقُلْ: مَا بَالُ فُلانٍ يَقُولُ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ : " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا " ([17])، ينهى ولا يسمي فاعله . وأمثلة ذلك في السنة كثيرة ( [18] ). إنه أدب جم يوصل للغاية ويحفظ على الآخر ماء وجهه فليس الغاية من الحوار إحراجه ، ولكن الغاية الأخذ بيده إلى الحق .
6 – التغاضي عن هفوات الآخر
؛ فلا يستخدم في مواجهته - ولوكانمايصدرعنهغيرلائق - إلا اللائق ؛ قال الله تعالى : ] وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [ ( الفرقان : 63 ) ؛ قال سفيان بن عيينة - رحمه الله : كان ابن عياش المنتوف يقع في عمر بن ذر ويشتمه ، فلقيه عمر بن ذر فقال : يا هذا لا تفرط في شتمنا وابق للصلح موضعا ، فإنا لا نكافىء من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه ( [19] ) . وكم لهذا الخلق من تأثير في نفس المحاوَر ؛ وقد قال الله تعالى : ] وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ ( فصلت : 34 ) .
7 - العدول عن الإجابة ؛ فقد يكون الرد عدم إجابة السؤال لما فيه من التعنت ؛ فيكون رده بكلام يأخذ بالسائل إلى فهم خطأ عرضه ؛ فالأصل في الحوار الناجح أن يبنى على الإخلاص والتجرد للحق والصدق والوضوح ، ولكن قد تتعذر هذه الصفات في الخصوم ، فقد يكون الخصم يهوى الجدال والمراء ، ويقصد إضاعة الوقت والتهرب من الحوار الجاد ، وقد يلقي أسئلة لا قيمة لها ولا تفيد شيئًا بالحوار ؛ ففي مثل هذه الأحوال يعدل المحاور الناجح عن الجواب المباشر للسؤال المطروح ، إلى جواب مفيد مهم . وهذا من أدب المحادثة والحوار ؛قَالَ U : ]وَإِنْ جَادَلُوك فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ
. اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [ ( الحج : 69 ) ، قال مقاتل - رحمه الله :]وَإِنْ جَادَلُوك
[ بالباطل فدافعهم بقولك : ] اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ
[ من الكفر والتكذيب ؛ فأمره الله تعالى بالإعراض عن مماراتهم صيانة له عن الاشتغال بتعنتهم ، ولا جواب لصاحب العناد .ا.هـ . وقال القرطبي في قوله تعالى :] اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
[ في هذه الآية أدب حسن علمه الله عباده في الرد على من جادل تعنتا ومراء ألا يجاب ولا يناظر ، ويدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيه e ( [20] ) .
وفي سورة الإسراء : ] وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا
(90 )أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا
( 91 )أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً
( 92 )أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ
[؛ فأمره الله تعالى أن يجيبهم بقوله : ] قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً [ .
8 – تجنب أسلوب التحدي والإفحام ؛ لأنه يترك في نفس المحاور حقدًا وغيظًا وكراهية ، والهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق ، وقد يكون ذلك مانع منه ، فعلى المحاور أن يتجنب أسلوب الإفحام والإسكات .
لكن قد يستخدم المحاور أسلوب التحدي والإفحام مع من استطال وتجاوز حدود الأدب ، وطغى وظلم وعادى الحق وكابر مكابرة بينة ولجأ إلى الاستهزاء والسخرية ، ونحو ذلك ؛ وفي مثل هؤلاء جاءت الآية الكريمة : ] لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [ ( النساء : 148 ) ؛ ولما أمر الله Y بالتلطف في الحوار - حتى مع الكفار - استثنى فقال : ] وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [ ( العنكبوت:46 ) ؛ فمع الظلم والبغي والتعدي لا ينفع الرفق واللين ، بل تستعمل الغلظة والشدة .
9 - تلطيف أجواء الحوار حينًا بعد حين ، وذلك بإسداء بعض عبارات الاحترام والتقدير للطرف الآخر ، فإن ذلك أدعى إلى كبح جماح الانفعال لديه وتهدئة جموحه نحو التعدي وعدم الموضوعية .
10 - الاعتدال في كل شيء
؛ في الصوت ، وفي الجلسة , وفي الحركات ، وفي سياق الحجج ، وفي الوقت من أول المحاورة إلى آخرها .
11 - العزة والثبات على الحق ؛ فالمحاور المسلم يستمد قوته من قوة الدين وعظمة الإيمان ، فلا يجوز أن يؤدي الحوار بالمسلم إلى الذلة والمهانة ؛ والعزة الإيمانية ليست عنادًا يستكبر على الحق ، وليست طغيانًا وبغيًا ، وإنما هي خضوع لله وخشوع ، وخشية وتقوى ، ومراقبة لله سبحانه .
12- حسن الظن بالمخالف المسلم ، فالأصل في المسلم بقاء إسلامه وبقاء عدالته حتى يتحقق غير ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي ؛ فلا يتهم بشيء بغير بينة ولا برهان ؛ وإن ظهر في كلامه شيء خفي عليه ، فعلى المحاور المسلم أن يبينه له دون تجريح ؛ فهذا من حق المسلم على المسلم .
هذه أهم الآداب التي يجب مراعاتها أثناء الحوار ليكون حوارًا علميًا رزينًا جديرًا بأن يحقق أهدافه . والله المستعان .
[1] - انظر لسان العرب باب الباء فصل الهمزة ، و مدارج السالكين : 2 / 375 ، 376 ، وفتح الباري : 10 / 400 .
[2] - شرح أدب الكاتب ص 19 – دار الكتاب العربي .
[3] - انظر مدارج السالكين : 2 / 375 .
[4] - شرح أدب الكاتب ص 19 – دار الكتاب العربي .
[5] - رواه مسلم ( 315 ) .
[6] - مسلم ( 2670 ) ؛ ورواه أحمد : 1 / 386 ، وأبو داود ( 4608 ) .
[7] - انظر المنهاج شرح مسلم بن الحجاج للنووي : 16 / 220 .
[8] - الترمذي ( 2018 ) وحسنه ,
[9] - في حاشيته على أبي داود : 13 / 91 ( الكتب العلمية ) .
[10] - أحمد : 6 / 206 ، والطبراني في الأوسط ( 2180 ) ، ورواه ابن حبان ( 551 ) عن أنس رضي الله عنه .
[11] - أحمد : 5 / 89 ؛ وأبو يعلى ( 7468 ) ، وقال المنذري في الترغيب : 3 / 275 : وإسناد أحمد جيد ورواته ثقات .ا.هـ ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد : 8 / 25 : رجاله ثقات .
[12] - رواه مسلم ( 2599 ) عن أبي هريرة .
[13] - البخاري ( 48 ) ، ومسلم ( 64 ) عن ابن مسعود .
[14] - انظر (
الحوار .. الذات والآخر ) د عبد الستار إبراهيم الهيتي ص 81 ، 82 - سلسلة كتاب الأمة .
[15] - تاريخ دمشق لابن عساكر : 33 / 212 - دار الفكر .
[16] - مسلم ( 868 ) ، ورواه أحمد : 1 / 302 .
[ 17 ] - أبو داود (4788) .
[ 18 ] - ذكر طرفا منها الألباني في صحيح الجامع ج5، ص131 إلى ص133.
[19] - حلية الأولياء : 5 / 113 ، وسير أعلام النبلاء : 6 / 389 .
[20] - تفسير القرطبي : 12 / 94 .