قطعة قديمة مخطوطة فيها ذكر القرأءة بالألحان

موراني

New member
إنضم
10/05/2004
المشاركات
1,236
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
ألمانيا
قطعة قديمة مخطوطة فيها ذكر القرأءة بالألحان

إنّ الاستقراء كتاب الأنجم الزّواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسْق والكبائر لابن الكيّال ( ت ٩٢٩ هـ ) الذي حقّقه وعلّق عليه د. عيسى بن ناصر الدُّريـبي وزوّدني د. عبدالرحمن الشهري بنسخة منه مشكورًا ، قد ذكّرني بما جمعْتُه قبل أعوام من الأوراق المتفرّقة والأجزاء المبتورة من الكُتُب المتبقّية بالمكتبة العتيقة بالقيروان ، وهي منسوبة إلى الفقيه والمحدِّث يحيى بن عمر بن يوسف بن عامر الكِنانيّ ، أبو زكرياء ( ت ٢٨٩ هـ) . لقد تبيّن لي أنّ يحيى بن عمر ، وهو مِنْ أهمّ تلاميذ سحنون بن سعيد ( ت ٢٤٠ هـ) في القرن الثالث الهجريّ ، تناول في مجموعة من الأوراق مسائل البدْعة ومنها أيضا مسألة قراءة القرآن بالألحان واعتبرها إحدى ظواهر البدعة في البلاد . وتَعُود هذه القراءة بالأصوات المُحْدَثَة ، كما يقول ، إلى التفسير الخاطيء للحديث (زَيِّـنُوا القرآن بأصواتكم ) . وبهذه المناسبة أودّ أنْ أذكر بعض المزايا لهذه القطعة القديمة المخطوطة حسبما بقي فيها من النصوص المبتورة .

نبذة حياة المؤلف ونشأته :
ترجمته : ترتيب المدارك ، ٤/ ٣٥٧-٣٦٥ ؛ الديباج المذهب ، ٢/ ٣٥٤-٣٥٧ ؛ معالم الإيمان، ٢/ ٢٣٣-٢٤٥ ؛ رياض النفوس ،١/ ٤٩٠-٥٠٤ ؛ الخشني ، ١٣٤-١٣٦ ؛ جذوة المقتبس ، الرقم ٩٠٠ ؛ بغية الملتمس ، الرقم ١٤٨٥ ؛ ابن الفرضي ، الرقم ١٥٦٦ ؛ سير أعلام النبلاء ، ١٣/ ٤٦٢ ؛ مخلوف ، الرقم ٩٧ .

أصله جيّان بالأندلس ونشأ بقرطبة ، ثمّ استوطن القيروان حيث دَرَسَ على سحنون بن سعيد وتفقّه عليه خلق كثير . وكانت له حلقة في الجامع الكبير حسبما نستنتج ذلك من الأخبار لدى أصحاب الطبقات من ناحية ، ومن خلال قطعةٍ مخطوطةٍ بالمكتبة المذكورة من ناحية أخرى ، وهي تدلّ على روايته لأحاديث سفيان بن عيينة ، جاء فيها :

الورقة الأولى :
كتاب فيه أحاديث لسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وأحاديث لسفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزّهري ممّـا حدّث به يحيى بن عمر عن أبي عباد القلزمـيّ عن سفيان بن عيينة .

الورقة الأخيرة :
سمعْتُ جميع ما في هذا الكتاب من أبي زكرياء يحيى بن عمر بن يوسف ، حدّثني به عن ابن أبي عباد في مسجد الجامع في رجب سنة اثنتين وسبعين ومائتين٠ قال يحيى : قرأتُ جميعه على ابن أبي عباد بالقلزم في شوال سنة اثنتين وستين ومائتين . ا . هــ .

هذا ، ونزل يحيى بن عمر في آخر عُمْره مدينةَ سوسة على الساحل وتوفّي بها ؛ وقبْره معروف في جبانة الغرباء في جوار الأسواق إلى يومنا هذا .
وذكر ابن أبي خالد ، المعروف بابن الجزّار القيروانيّ (ت ٣٩٥ هـ)، في كتابه التعريف بصحيح التأريخ أنّ ليحيى بن عمر نحو أربعين جزءا من تأليفه ( ترتيب المدارك للقاضي عياض بن موسى ، ج ٤ ، ص ٣٥٩) ، غير أنّه لم يتبقَّ منها إلا كتابه في أحكام السوق (تحقيق حسن حُسْني عبد الوهاب ؛ إخراج فرحات الدشراوي . تونس ١٩٧٥) وأوراق متفرقة ومبتورة في ملفّاتٍ غير مرتّبة في المكتبة العتيقة بالقيروان .

ويتضمّن بعض هذه الأوراق المتفرقة وهي تابعة لكراسة واحدة ظواهر البدعة بالقيروان التي كان يحيى بن عمر شديد التعصّب عليها . لقد وجدْتُ هذه الأوراق على الرقّ وأصابتها الرطوبة وسقطت منها سطورٌ وبقيت منها أوراق ممزّقة لم أتمكن من قراءة النصّ فيها كاملا . وجاء على ورقةٍ في هذه المجموعة ما يلي :
- القرآن بالألحان ، وكراهية الجلوس إليهم .
قال يحيى : ولقد بلغني عن كثير مِمَّنْ لا علْم لهم أنّهم بَالَوْا [كذا] في هذه الأصوات المُحْدَثَة التي جاء فيها النّهْي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم والتابعين وتابعيهم بما قد اقتصصناه عنهم في كتابنا هذا الحديث الذي جاء : { زَيّنُوا القرآن بأصواتكم } ؛ فأَخْطؤوا في تفسيره ، والحديثُ ما أحدّثك به . [...... سقط الباقي] . وورد على ورقة أخرى قول يحيى بن عمر كما يلي :

فتأَوَّلَ مَنْ لا عِلْمَ له هذه الأحاديث على غير تأويلها وظنّوا أنّ تفسيرها ما أَحْدَثُوا في القرآن من أصوات الغِناءِ والحُدَاءِ حتّى صاروا مِنْ فِتْـنَـتهم في ذلك ، يزنوا أصواتهم تلك وزْنـًا ، ويُعَلِّمُ ذلك بَعْضُهُمّ بَعْضًا كـتـعليم المغنّيَاتِ أَصْواتَ الغناء وحتّى صاروا يسمّون لآي القرآن أَصْواتا مختلفة : لآيةٍ كذا : صوتٌ كذا ، ولآية كذا: صوتٌ كذا . وهذا حَدَثٌ عَظِيمٌ في الإسلام . وانّما تفسير { زَيّنوا القرآن بأصْواتكم } أنْ يُرَتّلَ القارئُ قراءَتَهُ [وقد حكينا قراءته في أوّل هذا الكتاب] حرْفًـا حرْفًـا كما كان النّبيُّ عليه السّلام يَقْرَأُهُ بالتّرتيل ، كما أَمَرَهُ اللهُ جلّ ذكْره . وقد حكينا قراءته في أوّل هذا الكتاب . ثمّ فَسَّرَ ذلك أصحابُه مِنْ بعده . ا. هــ .

وجديرٌ بالذكر في هذا الموضع أنّ في هذا النصّ تكرارا للجُمْلة التي وضعْـتُها بين القوسين المعكوفين أعلاه ، وهي : [وقد حكينا قراءته في أوّل هذا الكتاب] ، وهذه العبارات في غير موْضعها في السطر كما يتبين ذلك في سياق الكلام . لكنّها من المؤشرات الواضحة بل من الدلائل الثابتة على أنّ الناسخ قد اعتمد على نسخة أخرى عند كتابة نسخته التي بين يدينا اليومَ . إذ وقع الناسخ في خطأ ما يسمَّى بالعُبُور من سَطْرٍ إلى سَطْرٍ أو بانتقال النظر أثناء القراءة في الأصل من كلمة أو جملة الى أخرى فوقها أو تحتها في سطور الأصل . [فليُنظر ما جاء من السّماع والمقابلة على الورقة الأخيرة من هذه الكرّاسة المبتورة أَدناه حيث يتبين أيضا اعتماد الناسخ على نسختيْن على الأقلّ ] .

أمّا قول يحيى بن عمر : (...ويعلّم ذلك بعضهم بعضًا كـتـعليم المغنّياتِ أصواتَ الغناء...) فهو يذكّرني بما وَرَدَ في الجامع لابن أبي زيد القيرواني [ ص ١٩٦ بتحقيق عبد المجيد التركي] عن مالك بن أنس وهو يقول : وبلغني أنّ الجواري يُعَلَّمْنَ ذلك كما يُعَلَّمْنَ الغناء . أتُرى هذا مِنْ القراءة التي قَرَأَ بها رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم . ا. هـ .

إنّ يحيى بن عمر الكنانيّ يرفض الأصوات المُحْدَثَة مثْل أصوات الغِناء والحُداء رفْضًا تامًّا . أمّا الحُداء أو الحدْو فهو سوْق الإبل والغناء لها كما هو معروف ، وكما جاء شرْحه عند ابن منظور في لسان العرب وعند غيره .
وبهذا المعنى نجد ذكْره في قوْلٍ رواها عبد الملك بن مروان القرطبي ( ت ٢٣٨ هـ) في الواضحة (الواضح في السُّنَن والفقْه) عن عبد العزيز بن أُوَيْس وأسد بن موسى وعليّ بن معبد عن إسماعيل بن عيّاش عن عُقيل بن مدرك السّلمي عن كعب الأحْبار أنّه قال : لَيَقْرَأَنَّ القرآن رجالٌ هُمْ به أحسن أصواتًا مِنَ العزّافات ومِنْ حُدَاةِ الإبل . لا يَنْظر اللهُ إليهم يومَ القيامة . (الواضحة ، ص ٥٥ ؛ بتحقيقنا ؛ دار البشائر الإسلامية ، ٢٠١٠) .

وفي هذه الكراسة المبتورة بابان آخران يتعلقان بنفْس الموضوع ، وهما :
- باب ما جاء فيمن يُصْعَق عند قراءة القرآن ويُرْعَد ويُغْشى عليه إذا سَمِعَ القرآن ومَنْ يبكي في مجالس الدّعائين والقصّاص .
- ما جاء في الـمُرائين من هذه الأمّة في الكتاب والسنّة .
وفي هذا الباب الأخير وردت بقايا من التفسير للآية ١٠ من سورة فاطر : { والذين يمكرون السّيّـئات لهم عذاب شديد } عن مجاهد بن جبر وأسد بن فرات : هم أصحاب الرِّياء . ويليه تعليق ليحيى بن عمر : ومثل هذا كثير في كتاب اللّه . وما جاء فيهم الأشقياء في سنّة رسول اللّه فما أحدّثك به . (كذا) .
وينتهي الورقة الأخيرة في هذه الكراسة بالحديث التالي :
حدّثني نصر بن مرزوق عن أسد قال: حدّثنا أبو بكر (؟) قال: حدّثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن عليّ بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تعوَّذُوا بالله من جُبّ الحزْن أو وادي الحزْن . فقيل: يا رسول الله ، وما جبّ الحزْن ؟ قال : وادٍ في جهنّم نتعوّذ منه كلّ يوم سبعين مرّة ، أَعَدَّهُ اللهُ للقرّاء الـمُرائين . وإنّ مِنْ شَرّ القُرّاء مَنْ يزور الأمراء .
[ أنظر الحديث في سنن الترمذي ، ٤/الرقم ٢٣٨٣ ؛ سنن ابن ماجة ، ١/الرقم ٢٥٦ برواية أخرى وبألفاظ متقاربة . أمّا نصر بن مرزوق فلم أعثر على ترجمته ، غير أنه من محدّثي أهل مصر يروي أخبارا في زمن المحنة في مصر . أنظر كتاب الولاة وكتاب القضاة لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي ، ص ٤٥١ ؛ ٤٥٦ . وهو في طبقة أصحاب ابن عبد الحكم : أنظر المقفَّى الكبير للمقريزي ، ١/ ٣٩ ؛ و٣٠١ ؛ ٥/ ٩٧ ؛ ٦/ ٥٢٧] .

وبهذا الـمعنى يستنكر عبد الملك بن مروان ، صاحب الواضحة ، الأخْذ بالقرّاء بسبب أَلحانهم قائلا: ولا ينبغي أنْ يُقَدَّمَ القُرّاءُ في رمضان لأصواتهم وألحانهم ، ولكن يتخيّر لذلك أهل الفضْل والصّلاح في حالهم . (ص ٥٣ ؛ فأُنْظر أيضا النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني ، ج ١ ، ص ٢٤٢) .

هناك أوراق أخرى غير مرتّبة في ملفّات أخرى بالمكتبة يجب أنْ تضاف كلّها إلى كتاب يحيى بن عمر الذي يتناول فيه ظواهر البدعة ويذكر فيه الآثار وآراء العلماء المعاصرين له في رفْضِهِمْ تعالِيمَ المعتزلةِ في خلق القرآن وفي إنفاء الرؤْية وغيرها من تعاليم أهل الأهواء . فلا شكّ في أنّ يحيى بن عمر قد جمع هذه الآراء والروايات خارج إفريقيا أثناء رحلته في طلب العلم الى مصر وبغداد والحجاز من طريق علاقاته بأهل السنّة والجماعة في تلك البلاد . وبواسطة رواياته ، وبروايات غيره ، انتشرت هذه التعاليم في دوائر أهل السنة والمذهب المالكي بالقيروان في منتصف القرن الثالث الهجري . ويأتي الدليل التأريخي لذلك على الورقة الأخيرة في احدى هذه الكراسات المبتورة على صيغة السَّماع والمقابلة معا :
[طمس]...خلف (؟) بن إبراهيم وقال في كتابه : قال أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن : سمعْتُه من يحيى بن عمر سنة إحدى وسبعين ومائتين وقابلته بكتابه وصحّ إنْ شاء الله . ونسخْتُ أنا كتابي هذا من كتاب يحيى وقابلته به وصحّ إنْ شاء الله ، وسمعْتُه من أبي بكر محمّد بن محمّد وقابلته بكتابه مرّتيْن وصحّ عليه ، وقال : سمعْتُه من يحيى في شوال سنة إحدى وسبعين ومائتيْن . أ . هــ .
هذا ، أمّا تلميذ يحيى بن عمر الذي سمع من شيخه هذه النسخة من الأمّ فهو أبو جعفر القَصْري ، أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن ( ت ٣٢١ أو ٣٢٢ هـ) ؛ وسمع الكتابَ مرة أخرى من أبي بكر محمّد بن محمّد بن اللباد ( ت ٣٣٣ هـ) ، وهو أيضا من تلاميذ يحيى بن عمر ، وقابله بكتابه مرّتين . ويترتّب على ما ذكره الناسخ في آخر الورقة أنّه اعتمد على نسختَيْن بروايتَيْهما عند كتابة نسخته التي بين يدينا في المكتبة : أولا: على كتاب يحيى بن عمر برواية أبي جعفر القَصْري ، وهو الأمّ ؛ ثانيا على نسخة أبو بكر بن اللباد بروايته عن يحيى بن عمر . ويُذْكَرُ عن أبو بكر بن اللباد أنّه أتى أبا جعفر القصري يأخذ منه كتابا كتابا ، ينقل منه سماعه من يحيى بن عمر وغيره . وهذا لثقته وضبْطه (رياض النفوس لأبي بكر المالكي ، ج ٢ ، ص ١٩٨ . تحقيق بشير البكّوش ) .

بقي في النهاية التعريف بالناسخ نفسه الذي لم يتبقّ من اسمه إلا بعض الحروف : خلف (؟) بن إبراهيم ، وهو الذي نقل السماع والمقابلة من النسخ المعتمدة إلى نسختنا هذه . لم أجد له ترجمة في طبقات علماء إفريقيا ما عدا قصّة في حلقة أبي جعفر القصري رواها أبو بكر المالكي في الموضع المذكور أعلاه .

ربما تكون في هذه الملاحظات القصيرة فائدة لمن له اهتمام بهذا الموضوع .

موراني
 
- القرآن بالألحان ، وكراهية الجلوس إليهم .
قال يحيى : ولقد بلغني عن كثير مِمَّنْ لا علْم لهم أنّهم بَالَوْا [كذا] في هذه الأصوات المُحْدَثَة
موراني

لعل الصواب - حسبما يُفهم من السياق- : (بالَغُوا ) فوقع فيها تصحيف من الناسخ ، والله أعلم.
 
أشكر لكم على اهتمامكم وعلى هذا الاقتراح . لم أر في المخطوط غينا قبل الواو. ربما يقصد هنا : بالى أي (اهتم به) ...الرسم واضح : (بالو) ، كذا .
بتحياتي

م .
 
لا تأتي (بالَى) التي بمعنى اهتم في التراكيب الفصيحة إلا منفية .
 
السيد محمود بن سعيد المحترم ،
أشكر لكم على اهتمامكم . أثناء إقاماتي الكثيرة بالمكتبة العتيقة بالقيروان لم أصوّر تلك أوراق المتفرقة والمبتورة ، بل نسخت منها ما كان في الإمكان قراءته وعرضته أعلاه . لا يوجد في هذه الكراسة ورقة واحدة كاملة ، للأسف . ومن هنا علينا أن نكتفي بما ذكرت في هذا العرض بإحالتي إلى مؤلفات أخرى للمذهب .
 
عودة
أعلى