ناصر عبد الغفور
Member
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله جل في علاه معظما للأشهر الحرم:"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ"-التوبة:36-، والضمير في قوله تعالى:" فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ" يعود على أحد القولين للأشهر الحرم، فنهينا عن ظلم أنفسنا بالمعاصي والمخالفات وتعدي حدود رب البريات، فإن الأوزار والسيئات تضاعف فيها كما تضاعف الطاعات والقربات، وما ذلك إلا لعظم شأنها وعلو قدرها.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:"{ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام."([2]).
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:" لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح. فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام. ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال."([3]).
والأشهر الحرم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هي:" ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ "([4]).
فرجب من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى والتي أمرنا بتعظيمها ومن أظهر صور هذا التعظيم التنافس في الطاعات وترك كل المنكرات والمخالفات..."ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.".
لكن وللأسف الشديد ضل هذا الشهر محط ابتداع وتخصيصه بأنواع من العبادات والقربات اعتقادا بفضله على باقي الأشهر، وهذا ما لم يرد فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أحد من الصحابة الكرام عليهم أفضل الرضوان.
فالتعبد ليس بالهوى ولا الأخبار الواهية، لكن بالاتباع والنأي عن الابتداع، فالباب توقيفي ليس فيه تقليد وإنما هو اعتماد الدليل دون محيد.
ولعل من أعظم أسباب كثرة البدع في رجب الفرد ما اشتهر بين الناس من الأحاديث في فضائل الأعمال في أيام وليالي هذا الشهر، ومعظم بل كال هذه الأحاديث يدور بين الضعف والوضع –عياذا بالله-.
يقول شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى:" لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره."([5]).
فكل ما ورد في فضل رجب إما حديث ضعيف أو موضوع، كما صرح به الأئمة كالحافظ وغيره.
فكم من وضاع ركب أسانيد لمتون في فضل الصيام والصلاة بصفة مخصوصة وفي فضائل الأعمال في هذا الشهر المفضال، فاغتر به الجهال فوقعوا في المحظور([6]) لما رأوا من عظم الأجور.
والعمل بالحديث الضعيف وإن كان جائزا عند الجمهور في فضائل الأعمال-بشروط([7])-، لكن أن يصل الأمر إلى درجة الحديث الموضوع فهذا ما لم يقل به عالم قط، لأنه عمل بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي تعبد وأي قربى من الله أو زلفى بالكذب والاختلاق؟
وتعظيم رجب الفرد إنما كان من شأن أهل الجاهلية([8])، كما روي أن الفاروق عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين([9]) ويحملهم على الأكل،"ويقول : رجب وما رجب ؟ ! إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام ترك." ([10]).
ولا منافاة بين ما سلف من وجوب تعظيم هذا الشهر وبين ما كان عليه أهل الجاهلية، فتعظيمه في الإسلام باعتباره شهر من الأشهر الحرم دون أن تكون له مزية خاصة عن باقي الأشهر إلا أنه من الحرم، أما تعظيم أهل الجاهلية فإنه كان قائما على تفضيله وتمييزه بشكل كبير على غير من الأشهر حتى الحرم منها لذلك كانوا يخصونه بأشياء دون ما عاداه وبعادات دون ما سواه.
فكأن أولائك الوضاعين أرادوا إحياء ما كان في الجاهلية..
وكأنهم لم يكتفوا بما جاء به النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، الذي ما ترك خيرا يقرب إلى الله إلا دل أمته عليه ولا شرا إلا حظرها منه-فداءه أبي وأمي-.
وكأنهم لم تقرع آذانهم ولم تردد ألسنتهم ولم تع قلوبهم تلك الآية العظيمة التي نزلت في يوم عظيم وشهر عظيم ومشهد عظيم، حتى قال اليهود: لو نحن معشر اليهود نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"-المائدة:3-.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو الإسلام، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطُه أبدا."([11]).
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله."([12])اهــــــــ، فكيف بمن دعا الناس إلى التعبد بالكذب والوضع والتلفيق؟
ومن الأحاديث الموضوعة في فضل رجب عموما:
- حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور، كفضل محمد على سائر الأنبياء، وفضل رمضان على سائر الشهور، كفضل الله على عباده".
وهذا الحديث مختلق موضوع: وضعه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي وكان معروفا بوضع الحديث وتركيب الأسانيد -نسأل الله السلامة والعافية- كما نبه عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تبيين العجب.([13]).
- وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم:"خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله ، مَن عظّم شهر الله رجب ؛ عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله ؛ أدخله جنات النعيم ،وأوجب له رضوانه الأكبر...".
والحديث من وضع نوح بن مريم الجامع المعروف بالكذب والاختلاق.([14]).
وهذه جملة من الأحاديث التي رويت في فضائل الأعمال في شهر رجب الفرد وهي أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ولا صحت عن خير الأنام بل هي من وضع بعض الطغام([15]) الذين راموا دسها في أحاديث الإسلام لكن هيهات هيهات فقد قيض الله من الأئمة الكرام من اكتشف خبثهم وبين وضعهم وأظهر زيفهم ورحم الله عبد الله ابن المبارك حين قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: يعيش لها الجهابذة"، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:« يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ».
ورحم الله كذلك الإمام أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزي حيث قال:" "لما لم يمكن أحداً أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسولِ اللّهِ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ اللّه علماء يذبُّونَ عن النقل، ويوضَحونَ الصحيح، و يفضحون القبيح، وما يخلي اللّه منهم عصراً من الأعصار..."([16]).
([1] ) جاء في المعجم الوسيط: ( الأرب ) الحاجة أو الحاجة الشديدة والبغية والأمنية.
([2] ) تفسير ابن كثير: 4/148.
([3] ) الجامع لأحكام القرآن: 8/135.
([4] ) جزء من حديث متفق عليه.
([5] ) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب:2.
([6] ) قد يقول قائل وأي محظور في ذلك؟ والجواب: أن هذا الذي تقرب بعمل في رجب إنما تقرب به لما رأى أو سمع من فضل رجب على غيره ولما في ذلك العمل من الثواب الجسيم والأجر العظيم، وأساس كل ذلك إنما هي أحاديث موضوعة وأخبار مصنوعة، فلا مزية لرجب عن غيره إلا أنه من الأشهر الحرم لا غير.
([7] ) ومن هذه الشروط: أن يكون له أصل صحيح، وألا يكون الضعف شديدا، وألا يعتقد صحته.
([8] ) خاصة قبيلة مضر وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم رجب مضر لأنها كانت تحرمه خلافا لقبيلة ربيعة التي كانت تحرم رمضان، قال صلى الله عليه وسلم:" إن الزمان قد استدار كهيئتِهِ يومَ خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشرَ شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ ".-متفق عليه-
([9] ) الرجبيون هم الذين كانوا يصومون رجب كله مبالغة في تعظيمه.
([10] ) قال عنه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في إرواء الغليل:"وهذا سند صحيح".
([11] ) تفسير ابن كثير:3/26.
([12] ) تيسير الرحمن:219.
([13] ) انظر تبيين العجب بما ورد في رجب:10.
([14] ) انظر الضعيفة: 24/410-411، وتبيين العجب:10.
([15] ) الطغام: أرذال الناس وأوغادهم-المعجم الوسيط-.
([16] ) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة:1/41.
قال الله جل في علاه معظما للأشهر الحرم:"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ"-التوبة:36-، والضمير في قوله تعالى:" فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ" يعود على أحد القولين للأشهر الحرم، فنهينا عن ظلم أنفسنا بالمعاصي والمخالفات وتعدي حدود رب البريات، فإن الأوزار والسيئات تضاعف فيها كما تضاعف الطاعات والقربات، وما ذلك إلا لعظم شأنها وعلو قدرها.
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى:"{ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: { وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [الحج: 25] وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام."([2]).
ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:" لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ، لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح. فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام. ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال."([3]).
والأشهر الحرم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم هي:" ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ "([4]).
فرجب من الأشهر الحرم التي عظمها الله تعالى والتي أمرنا بتعظيمها ومن أظهر صور هذا التعظيم التنافس في الطاعات وترك كل المنكرات والمخالفات..."ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.".
لكن وللأسف الشديد ضل هذا الشهر محط ابتداع وتخصيصه بأنواع من العبادات والقربات اعتقادا بفضله على باقي الأشهر، وهذا ما لم يرد فيه شيء ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا عن أحد من الصحابة الكرام عليهم أفضل الرضوان.
فالتعبد ليس بالهوى ولا الأخبار الواهية، لكن بالاتباع والنأي عن الابتداع، فالباب توقيفي ليس فيه تقليد وإنما هو اعتماد الدليل دون محيد.
ولعل من أعظم أسباب كثرة البدع في رجب الفرد ما اشتهر بين الناس من الأحاديث في فضائل الأعمال في أيام وليالي هذا الشهر، ومعظم بل كال هذه الأحاديث يدور بين الضعف والوضع –عياذا بالله-.
يقول شيخ الإسلام ابن حجر رحمه الله تعالى:" لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح، وكذلك رويناه عن غيره."([5]).
فكل ما ورد في فضل رجب إما حديث ضعيف أو موضوع، كما صرح به الأئمة كالحافظ وغيره.
فكم من وضاع ركب أسانيد لمتون في فضل الصيام والصلاة بصفة مخصوصة وفي فضائل الأعمال في هذا الشهر المفضال، فاغتر به الجهال فوقعوا في المحظور([6]) لما رأوا من عظم الأجور.
والعمل بالحديث الضعيف وإن كان جائزا عند الجمهور في فضائل الأعمال-بشروط([7])-، لكن أن يصل الأمر إلى درجة الحديث الموضوع فهذا ما لم يقل به عالم قط، لأنه عمل بحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي تعبد وأي قربى من الله أو زلفى بالكذب والاختلاق؟
وتعظيم رجب الفرد إنما كان من شأن أهل الجاهلية([8])، كما روي أن الفاروق عمر رضي الله عنه كان يضرب أيدي الرجبيين([9]) ويحملهم على الأكل،"ويقول : رجب وما رجب ؟ ! إنما رجب شهر كان يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الاسلام ترك." ([10]).
ولا منافاة بين ما سلف من وجوب تعظيم هذا الشهر وبين ما كان عليه أهل الجاهلية، فتعظيمه في الإسلام باعتباره شهر من الأشهر الحرم دون أن تكون له مزية خاصة عن باقي الأشهر إلا أنه من الحرم، أما تعظيم أهل الجاهلية فإنه كان قائما على تفضيله وتمييزه بشكل كبير على غير من الأشهر حتى الحرم منها لذلك كانوا يخصونه بأشياء دون ما عاداه وبعادات دون ما سواه.
فكأن أولائك الوضاعين أرادوا إحياء ما كان في الجاهلية..
وكأنهم لم يكتفوا بما جاء به النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، الذي ما ترك خيرا يقرب إلى الله إلا دل أمته عليه ولا شرا إلا حظرها منه-فداءه أبي وأمي-.
وكأنهم لم تقرع آذانهم ولم تردد ألسنتهم ولم تع قلوبهم تلك الآية العظيمة التي نزلت في يوم عظيم وشهر عظيم ومشهد عظيم، حتى قال اليهود: لو نحن معشر اليهود نزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"-المائدة:3-.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } وهو الإسلام، أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان، فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا، وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا، وقد رضيه الله فلا يَسْخَطُه أبدا."([11]).
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"فكل متكلف يزعم أنه لا بد للناس في معرفة عقائدهم وأحكامهم إلى علوم غير علم الكتاب والسنة، من علم الكلام وغيره، فهو جاهل، مبطل في دعواه، قد زعم أن الدين لا يكمل إلا بما قاله ودعا إليه، وهذا من أعظم الظلم والتجهيل لله ولرسوله."([12])اهــــــــ، فكيف بمن دعا الناس إلى التعبد بالكذب والوضع والتلفيق؟
ومن الأحاديث الموضوعة في فضل رجب عموما:
- حديث أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وفضل شعبان على سائر الشهور، كفضل محمد على سائر الأنبياء، وفضل رمضان على سائر الشهور، كفضل الله على عباده".
وهذا الحديث مختلق موضوع: وضعه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي وكان معروفا بوضع الحديث وتركيب الأسانيد -نسأل الله السلامة والعافية- كما نبه عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في تبيين العجب.([13]).
- وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم:"خيرة الله من الشهور شهر رجب، وهو شهر الله ، مَن عظّم شهر الله رجب ؛ عظم أمر الله ، ومن عظم أمر الله ؛ أدخله جنات النعيم ،وأوجب له رضوانه الأكبر...".
والحديث من وضع نوح بن مريم الجامع المعروف بالكذب والاختلاق.([14]).
وهذه جملة من الأحاديث التي رويت في فضائل الأعمال في شهر رجب الفرد وهي أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ولا صحت عن خير الأنام بل هي من وضع بعض الطغام([15]) الذين راموا دسها في أحاديث الإسلام لكن هيهات هيهات فقد قيض الله من الأئمة الكرام من اكتشف خبثهم وبين وضعهم وأظهر زيفهم ورحم الله عبد الله ابن المبارك حين قيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: يعيش لها الجهابذة"، وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:« يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ».
ورحم الله كذلك الإمام أبا الفرج عبد الرحمن بن الجوزي حيث قال:" "لما لم يمكن أحداً أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسولِ اللّهِ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ اللّه علماء يذبُّونَ عن النقل، ويوضَحونَ الصحيح، و يفضحون القبيح، وما يخلي اللّه منهم عصراً من الأعصار..."([16]).
([1] ) جاء في المعجم الوسيط: ( الأرب ) الحاجة أو الحاجة الشديدة والبغية والأمنية.
([2] ) تفسير ابن كثير: 4/148.
([3] ) الجامع لأحكام القرآن: 8/135.
([4] ) جزء من حديث متفق عليه.
([5] ) تبيين العجب بما ورد في شهر رجب:2.
([6] ) قد يقول قائل وأي محظور في ذلك؟ والجواب: أن هذا الذي تقرب بعمل في رجب إنما تقرب به لما رأى أو سمع من فضل رجب على غيره ولما في ذلك العمل من الثواب الجسيم والأجر العظيم، وأساس كل ذلك إنما هي أحاديث موضوعة وأخبار مصنوعة، فلا مزية لرجب عن غيره إلا أنه من الأشهر الحرم لا غير.
([7] ) ومن هذه الشروط: أن يكون له أصل صحيح، وألا يكون الضعف شديدا، وألا يعتقد صحته.
([8] ) خاصة قبيلة مضر وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم رجب مضر لأنها كانت تحرمه خلافا لقبيلة ربيعة التي كانت تحرم رمضان، قال صلى الله عليه وسلم:" إن الزمان قد استدار كهيئتِهِ يومَ خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشرَ شهراً، منها أربعة حرم: ثلاثٌ متوالياتٌ : ذو القَعْدَةِ، وذو الحِجَّةِ، والمحَرَّم، ورجب مُضَرَ الذي بين جُمَادَى وشعبانَ ".-متفق عليه-
([9] ) الرجبيون هم الذين كانوا يصومون رجب كله مبالغة في تعظيمه.
([10] ) قال عنه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في إرواء الغليل:"وهذا سند صحيح".
([11] ) تفسير ابن كثير:3/26.
([12] ) تيسير الرحمن:219.
([13] ) انظر تبيين العجب بما ورد في رجب:10.
([14] ) انظر الضعيفة: 24/410-411، وتبيين العجب:10.
([15] ) الطغام: أرذال الناس وأوغادهم-المعجم الوسيط-.
([16] ) انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة:1/41.