قصة المقرئ القرشي وخطأه في النحو ورجوعه للحق

عبدالرحمن الشهري

المشرف العام
إنضم
29/03/2003
المشاركات
19,345
مستوى التفاعل
143
النقاط
63
الإقامة
الرياض
الموقع الالكتروني
www.amshehri.com
01.png


ذكر الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي رحمه الله في كتابه القيم الاعتصام (3/454) قصة طريفة وقع فيها أحد القراء في خطأ نحوي ثم رجع إلى الصواب عندما اتضح له الحق . قال الشاطبي :(حكي عن يوسف بن عبدالله بن مغيث أنه قال : أدركت بقرطبة مقرئاً يعرف بالقرشي، وكان لا يحسن النحو، فقرأ عليه قارئ يوماً :(((وجاءتْ سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)))[ق : 19] فرد عليه القرشي (تحيدٌ) بالتنوين ! فراجعه القارئ - وكان يحسن النحو - فلج عليه المقرئ ، وثبت على التنوين، فانتشر الخبر إلى أن بلغ يحيى بن مجاهد الألبيري الزاهد، وكان صديقاً لهذا المقرئ ، فنهض إليه ، فلما سلَّم عليه وسأله عن حاله قال له ابن مجاهد : إنه بَعُدَ عهدي بقراءة القرآن على مقرئ، فأردت تجديد ذلك عليك،فأجابه إليه . فقال : أريد أن أبتدئ بالمفصَّل، فهو الذي يتردد في الصلوات . فقال له المقرئ : ما شئت .
فقرأ عليه من أول المفصل، فلما بلغ الآية المذكورة ، ردها عليه المقرئ بالتنوين، فقال له ابن مجاهد : لا تفعل، ما هي إلا غير منونة بلا شكٍّ ، فلج المقرئ ، فلما رأى ابن مجاهد تصميمَه ، قال له : يا أخي ! إنه لم يحملني على القراءة عليك إلا لتراجع الحق في لطف، وهذه عظيمةٌ أوقعك فيها قلة علمك بالنحو، فإن الأفعال لا يدخلها التنوين. فتحير المقرئ ، إلا أنه لم يقنع بهذا !
فقال له ابن مجاهد : بيني وبينك المصاحف . فأحضر منها جملةً ، فوجدها مشكولةً بغير تنوين، فرجع المقرئ إلى الحق. انتهت الحكاية) أ.هـ الشاطبي .

  • وقفات مع هذه القصة الطريفة :
1- أهمية عناية المقرئ للقرآن بعلم النحو عناية كبيرة ، وهذا أمرٌ متفق عليه وكثيراً ما يقع التقصير في هذا من أصحاب العناية بالإقراء وتعليم التجويد والقراءة .
2- أسلوب النصح المؤدب الذي اتبعه ابن مجاهد الألبيري رحمه الله مع صديقه القرشي رحمه الله، وهو موضعُ قدوةٍ ينبغي علينا التأدب به وهو حسن التأتي في نصح الآخرين حتى يُقبلَ النصحُ من الناصح ، ويجعل المنصوح يُقبلُ على الحق وينقاد له.
3- عناية العلماء بضبط قراءة المفصل لكثرة ترداده في الصلوات في مختلف العصور وأنه يبدأ من سورة ق .

 
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي على سيد الأولين والآخرين، محمد بن عبد الله القاسم الأمين.
أشكر أخي الحبيب الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الشهري على هذه المشاركة البليغة، فالأستاذ الكريم لم يسرد هذه القصة من أجل التفكه، وإنما من أجل استخلاص العظات، وأخذ العبر. فلا خير في قوم لم يستفيدوا من تاريخهم، إن كان حسنا عملوا على أن يكون حاضرهم أحسن منه، وإن كان تاريخهم في الماضي سيئا صححوا أخطاءهم، وشمروا على سواعد الجد واستشاروا أهل العلم والمعرفة لبلوغ مرتبة الحسن.
وأخشى أخي الحبيب أن تصنف ضمن المحبين لعلماء الأندلس، وقد تحدثتَ عن بعض أعلام القراءة في هذا الفردوس المفقود، فمن الناس من يميز بين الأندلسيين أو المغاربة، وبين المشارقة، وقد راعني هذا الأمر في إحدى المشاركات.
لما امتزج العرب المسلمون الفاتحون لبلاد المغرب الإسلامي بما في ذلك الأندلس لم يبق هناك حديث عن مشرقي أو مغربي، لأن الإسلام لا يعترف بالحدود ولا بالجنسيات؛ المسلم أخو المسلم في أي مكان كان، وهذه عصبية منتنة، أرجو أن لا تتكرر من بعض الإخوة -سامحم الله-.
وكان هذا الهمز والغمز واللمز إثر استشهاد أحد الإخوة بتأليف لأحد الأندلسيين في القراءات القرآنية، فلم يعجبه الأمر، ونسي -على سبيل المثال لا الحصر- أن الإمام الجليل ابن الجزري -وهو من المشرق- على جلالة قدره -رحمه الله- لا تكاد تخلو صفحة من صفحات كتابه "النشر في القراءات العشر" من ذكر ما انتهى إليه علم هؤلاء السادة العلماء الأندلسيين في علم الإقراء...لا أريد الإطالة فبالإشارة يفهم اللبيب، وقد حاولت التحدث بلطف كبير للمكانة الكبيرة لملتقى أهل التفسير في نفسي، وإن كان غير ذلك فذلك هوى من نفسي ونزغ من الشيطان وأستغفر الله؛ لأن الأصل فيمن يروم علم التفسير أو باقي العلوم الإسلامية أن يكون قدوة، ويتخلق بأخلاق عالية تميزه عمن سواه من عامة الناس.
وفقكم الله أخي الحبيب الدكتور عبد الرحمن الشهري لمشاركات جديدة مستقاة من بطون مصنفات علماء الأندلس؛ نستنبط منها فوائد جديدة، ونقطع الطريق أمام من يفرق بين علم الأندلسيين أو المغاربة تلاميذ المشارقة بعد الفتح الإسلامي، وبين ما انتهى إليه علم المشارقة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العلمين.
 
السلام عليكم
يبدو أن الأمر الأخير والخلاف الأخير في مسألة " قلب" أم " أقلب " سيطرت أجواءها علي هذه القصة ، وتلميحات بعض المشاركين أيضا تدل علي شئ من ذلك .
أما أنا سأتحدث عن نفسي فقط .
عندما قررت صحة القول بـ ( أقلب) كنتُ متكأ علي العلامة ابن حجر وصحح " أقلب" ثم أتكأت بعد ذلك علي ما أثبته الكرماني بأنها لغة ، واللغة الأصل فيها السماع ومن سمع حجة علي من لم يسمع ، والمثبت أولي من المنفي .
فهل أنا مخطئ في هذه المسألة ؟
سهل علي العودة إلي الحق لأن هذا علم والعلم ليس له كبير ، ومنذ أيام شرحت أبياتا لأحد الإخوة ، وأخطأت في شرح البيت ، وعندما نبهني عدت إلي الحق وأفردت له بحثين مستقلين في هذا الصدد ووفقني الله فيهما والحمد لله . والمسألة في هذا الرابط :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=218682
هل أن أخطأت في المسألة يا د/ عبد الرحمن ولك مني أن أعود .؟
والسلام عليكم
 
يا شيخ عبد الحكيم: أجزم بأن المقصود هو الفائدة للجميع، وليس المراد تخصيص أحد بعينه بالنقد.
وقد وضع الدكتور عبد الرحمن الشهري المشاركة في ملتقى التفسير وعلوم القرآن فاستأذنته في نقلها إلى ملتقى القراءات لكونه المكان المناسب من وجهة نظري.
وهذا كل ما في الأمر.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
سبق أن بينتُ يا شيخ عبد الحكيم أن موضوع الإقلاب والقلب، والاختلاف في لفظه لا يحتمل كل هذا النقاش الطويل.
وأنت من وجهة نظري لم تخطئ في هذه المسألة بقولك: إن كلا اللفظين صحيح.
والله الموفق.
 
أظن أن الشيخ عبد الحكيم لم يخطئ ... بل سار على طريقة العرب الأقحاح.
لأنه لا ينبغي النظر إلى الاصطلاح ((الإقلاب)) على أنه كلمة منفردة ننظر إلى أصل فِعلها في اللغة ونُخطِّئ ما خالف ذلك الأصل ...
بل ننظر إليها مجاورة للكلمات: الإظهار - الإخفاء - الإدغام ...... حينئذ يصحُّ عند أهل اللغة كلمة ((الإقلاب)) بلا نزاع.

قال الفراء وغيره: العربُ إذا ضمَّت حرفًا إلى حرف فرُبَّما أجْرَوْهُ على بِنْيَتِه، ولو أُفْرِدَ لتركوه على جِهته الأولى؛ من ذلك قولُهم: "إنِّي لآتيه بالعَشَايَا والغَدَايا"، فجمعوا الغَدَاة "غَدَايا" لمَّا ضُمَّت إلى العَشَايا، وأنشد:
هَتَّاكُ أَخْبِيةٍ وَلاَّجُ أَبْوِبَةٍ * * * يَخْلِطُ بالجِدِّ منهُ البِرَّ واللِّينا​
فجمع الباب "أَبْوِبَةً" إذ كان مُتْبَعًا لأخْبِيَة، ولو أُفرد لم يجز.
وقال آخر:
أزْمانَ عَيْناءُ سُرورُ المَسْرورْ * * * عَيْناءُ حَوْراءُ منَ العينِ الحِيرْ​
فقال "الحِير" إذ كان بعدَ "العِين".
قال الفرَّاء: وأرى قولَهم في الحديث: (((ارْجِعْنَ مَأْزوراتٍ غيرَ مَأْجُوراتٍ))) مِن هذا، ولو أَفردوا لقالوا: "مَوْزُورات".
.... ..... وقال الشاعر:
ما أنا بالجافي ولا المَجْفِيِّ
قال الفرَّاء: بَنَاه على جُفِيَ.
وقال الآخر:
أنا اللَّيْث مَعْدِيًّا عليهِ وعَادِيا
قالوا: بَناه على عُدِيَ عليه.
وحكى أبو العباس أحمد بن يحيى: "لا دريتَ ولا تليتَ"، وقال: الأصل فيه: لا دريت ولا تلوت، فردوه إلى الياء فقالوا: تليت ليزدوج الكلام فيكون تليت على مثال دريت.
ومثله قولهم: أعوذ بك من السَّامَّة واللامَّة؛ فالسّامّة من قولك: سَمَّتْ إذا خَصَّتْ واللامَّة أصلها ألمَّتْ، لكن لما قُرنت بالسّامّةِ جُعلت في وزنها.
وكما قالوا: هنأني الطعام ومَرَأني، وإنَّما هو أَمْرَأني.
..
والله أعلم.
 
وقولهم: "جعله الله فالاً لا يَفيل"؛ أي لا يخيب، فعلى تسهيل الهمزة ليتجانس الكلام، والأصل: الفأل ضد الطيرة، مهموز.
 

وقفات مع هذه القصة الطريفة :
1- أهمية عناية المقرئ للقرآن بعلم النحو عناية كبيرة ، وهذا أمرٌ متفق عليه وكثيراً ما يقع التقصير في هذا من أصحاب العناية بالإقراء وتعليم التجويد والقراءة .
2- أسلوب النصح المؤدب الذي اتبعه ابن مجاهد الألبيري رحمه الله مع صديقه القرشي رحمه الله، وهو موضعُ قدوةٍ ينبغي علينا التأدب به وهو حسن التأتي في نصح الآخرين حتى يُقبلَ النصحُ من الناصح ، ويجعل المنصوح يُقبلُ على الحق وينقاد له.

وقد يقع المقرئ في الخطأ النحوي في القرآن الكريم ، وهو من هو في النحو ، ويصرُّ على خطئه حتى يناصح ويُرشد بلطف وأدب ، فيتراجع ويرجع إلى الصواب ويذعنُ به ، ولديَّ بعض الأمثلة وسأقتصر على مثال واحد لأحد قرَّاء اليمن في زمانه - وهو المقرئ حرز الله الخراط - وقفتُ عليه أثناء بعض أبحاثي المتعلِّقة باليمن :
جاء عن الشيخ أبي محمد بن عبد المعطي بن إسماعيل بن عتيق الناصري المقيم بمدينة قابس قال : بلغني عن حرز الله الخراط، وكان ساكناً بنشتوى مدينة من مدائن اليمن، وكان رجلاً حاذقاً بالنحو واللغة والقراءات السبع، فقرأ عليه القارئ يوماً في سورة الأنبياء ( ارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهَ وَمَسَاكِنكُم ) فقال له المقرئ : ارفع ( مَسَاكِنكُم ) وتوهَّم أنها فاعلة، فقال: المعنى : فارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنُكم ترجع معكم .
قال الشيخ أبو محمد بن عبد المعطي : فلمَّا بلغني ذلك شقَّ عليَّ إذ كان مثل هذا الرجل على علمه وصلاحه وَهِمَ في هذا الحرف وهو خطأ عظيم - وكان صديقاً له وبينهما مكاتبة - فعملتُ رسالةً وبينتُ له فيها وجه الصواب، ومعاني الإعراب، وإن كان جائزاً ما قاله من غير القرآن وتصاريف الكلام وكون القراءة سنة ومحجة متبعة، وكتب إليه جماعة من أهل العلم في ذلك من سفاقس، ومن المهدية، ومن مدائن إفريقية، إذ أهل العلم بالمغرب متيقظون لحفظ الشريعة، وتصحيح القوانين، فمن سُمِعَتْ منه كلمة خارجة عن قانون كتب إليه، أو قيل له، فإن قال : وهمتُ أو نسيتُ قبل ذلك منه، وإن ناظر عليها اجتمعت جماعة الفقهاء وحرر معه الكلام ولا يترك ورأيه، فلمَّا وصل إلى المقرئ حرز الله ما كُتِبَ إليه به قال : ما انتفعتُ إلا برسالة الشيخ أبي محمد عبد المعطي الناصري ورجع عن مقالته واهتدى إلى الصواب ) مختصر تاريخ دمشق 1/ 2458 .
وهناك نماذج أخرى أخطأت في ضبط بعض الحركات في القرآن الكريم ، ولكنهم رجعوا إلى الصواب والحق بعد بيانه ، وهم من الذين يشارُ إليهم بالبنان في العربية والقراءات ، لعلي أذكرهم لاحقاً ، وإنَّما أحببتُ بالبدء بأهل اليمن .
ويعلمُ الله تعالى أني لم أقصد أحداً بعينه في كتابة هذا ، وإنما أردتُ مجاراة شيخنا الشهري - وفقه الله - فيما كتب .
 
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا .
قال الشاطبي :(حكي عن يوسف بن عبدالله بن مغيث أنه قال : ... .
الصواب : ( يونس ) ؛ وهو الإمام القاضي الفقيه المحدث : أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن محمد بن عبد الله بن الصفار القرطبي ( 338 - 429 هـ ) . وقد أخذ عنه جمع من الأئمة ؛ منهم مكي بن أبي طالب القيسي ، وأبو عمرو الداني ، وأبو عمر ابن عبد البر ، وابن حزم ، وأبو الوليد الباجي ، وغيرهم كثير . [ ترجم له الذهبي في (السير) ، وغيرُه ] .

أما هذه القصة التي حكاها الشاطبي ، فلعله أخذها عن كتاب ابن حزم (ت 456 هـ) في الأصول ؛ إذ رواها رحمه الله عن شيخه يونس ليس بينهما أحد ، وأثبتها في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام) ؛ فدونكموها بعلوٍّ مع قصة أخرى للفائدة :

قال ابن حزم رحمه الله :
" وقد حدثني يونس بن عبد الله بن مغيث قال :
أدركتُ بقرطبةَ مقرئا يعرف بالقرشي ، أحد مقرئين ثلاثة للعامة كانوا فيها ، وكان هذا القرشي لا يحسن النحو .
فقرأ عليه قارئ يوما في سورة ق : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنتَ منه تحيدُ ) ، فردّه عليه القرشيُّ : ( تحيدٌ ) بالتنوين . فراجعه القارئُ ، وكان يحسن النحوَ ، فلجّ المقرئُ وثبتَ على التنوين .
وانتشر ذلك الخبرُ إلى أن بلغ إلى يحيى بن مجاهد الفزاري الألبيري ، وكان منقطع القرين في الزهد والخير والعقل ، وكان صديقا لهذا المقرئ ، فمضى إليه فدخل عليه ، وسلم عليه وسأله عن حاله ، ثم قال له : ( إنّه بعُدَ عهدي بقراءةِ القرآنِ على مقرئٍ ، فأردتُ تجديدَ ذلك عليكَ ) . فسارعَ المقرئُ إلى ذلك ، فقال له الفزاري : ( أريد أن أبتدئَ بالمفصلِ ؛ فهو الذي يترددُ في الصلواتِ ) . فقال له المقرئُ : ( ما شئتَ ! ) . فبدأ عليه من أوّلِ المفصلِ ، فلما بلغ سورة ق وبلغ إلى الآية المذكورة ردَّها عليه المقرئُ بالتنوين ، فقال له يحيى بن مجاهد : ( لا تفعلْ ؛ ما هي إلا غير منونة بلا شك ) . فلجّ المقرئ ، فلما رأى يحيى بنُ مجاهد لجاجَه قال له : ( يا أخي ، إنه لم يحملني على القراءة عليك إلا لترجع إلى الحق في لطف ، وهذه عظيمة أوقعك فيها قلّةُ علمك بالنحو ، فإن الأفعال لا يدخلها تنوين البتة ) . فتحيّر المقرئُ إلا أنه لم يقنع بهذا ، فقال يحيى بن مجاهد : ( بيني وبينك المصاحف ) . فبعثوا فأُحضِرتْ جملةٌ من مصاحف الجيران ، فوجدوها مشكولة بلا تنوين ، فرجع المقرئ إلى الحق.
وحدثني حمام بن أحمد بن حمام قال : حدثني عبد الله بن محمد بن علي ، عن اللخمي الباجي قال :
نا محمد بن عمر بن لبانة قال: أدركتُ محمد بن يوسف بن مطروح الأعرج يتولى صلاة الجمعةِ في جامع قرطبة ، وكان عديم الورع بعيدا عن الصلاح .
قال : فخطبنا يوم الجمعة ، فتلا في خطبته : ( لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) ، فقرأها بنونين ( عننتم ) .
قال : فلما انصرف أتيناه - وكنا نأخذ عنه رأيَ مالكٍ - فذكرنا له قراءتَه للآيةِ وأنكرناها . فقال : ( نعم ! هكذا أقرأناها ، وهكذا هي ) . فلج ، فحاكمناه إلى المصحف ، فقام لِيُخرِجَ المصحفَ ، ففتحَه في بيتِه وتأمّلَه ، فلما وجدَ الآيةَ بخلافِ ما قرأها عليه أنِفَ الفاسقُ من رجوعِه إلى الحقِّ ! فأخذ القلمَ وألحقَ ضرساً زائداً ! .
قال محمد بن عمر : فوالله ، لقد خرجَ إلينا والنونُ لم يتم بعدُ جفوفُ مِدادِها !
قال أبو محمد [ابن حزم] : فالأوّلُ واهمٌ مغفلٌ ، والثاني فاسقٌ خبيثٌ . فلولا كثرة المصاحف بأيدي الناس لتشكك كثير من الناس في مثل هذا إذا شاهدوه ممن يظنون به خيرا أو علماً ، ولخفي الخطأ والتعمد " .
[ (الإحكام في أصول الأحكام ) لابن حزم ، 4 / 163 - 164 تحقيق شاكر ، ط دار المعرفة ]
 
بارك الله فيكم أخي حسين بن محمد ، وأنت صاحب لقطات وفوائد زادك الله حذقاً وفهماً .
وهذه القصص تدل بوضوح على أن الوهم لا يكاد يسلم منه أحد مع ظهوره ، فسبحان من تفرد بالكمال ، ونسأل الله أن يرزقنا الإنابة دوماً للحق فإن النَّفس صعبة القياد في بعض المواقف .
 
وهذه القصص تدل بوضوح على أن الوهم لا يكاد يسلم منه أحد مع ظهوره ، فسبحان من تفرد بالكمال ،
ولك أن تقرأ هذه الحادثة أيضاً:
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: 10/202
قال الكسائي رحمه الله: ( صليتُ يوماً بالرشيد فأعجبتنى قراءتي فغلطت غلطة ما غلطها صبي، أردتُ أن أقول "لعلهم يرجعون" فقلتُ: "لعلهم ترجعين" فما تجاسر الرشيد أن يردها، فلما سلمتُ قال: أي لغة هذه ؟ فقلتُ: إن الجواد قد يعثر، فقال: أما هذا فنعم ).
 
عودة
أعلى