قراءات القرآن معجزة في العلم والبيان

إنضم
26/02/2009
المشاركات
1,878
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
هذا جزء من بحث للدكتور : محمد إبراهيم دودح
منقول عن موقع الإسلام اليوم
الرابط:
http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-121427.htm

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثمة مغالطات يرددها البعض باتهام القرآن كيدا بالاضطراب والتحريف استنادا إلى تعدد القراءات، والمفارقة أن التهمة التي يشيعها اليوم المتربصون بالإسلام ثابتة قطعا على الأسفار، وهي شبهة قديمة قد ردها الفضلاء، وقد جمعت بعضا مما قالوا التفافا حولهم واعترافا بفضلهم، وأحببت بيان بعضا من جوانب إعجاز القرآن إفحاما للطاعن، وأسأل العلي القدير التوفيق:

5- كشف أستار المجهول بتعدد القراءات معجزة علمية:

اكتشف علماء الجيولوجيا حديثا أن القشرة الأرضية الصلبة مقسمة بشبكة من الصدوع العميقة إلى ألواح قارية Plate tectonics بهيئة قطع متجاورات تتسم بالصلابة وتطفو كالسفن الرواسي فوق محيط من دوامات الصهارة Magma ، وتستقيم تلك الحقيقة مع دلالة جملة نصوص في القرآن الكريم يستقيم حملها على وصف السطح الصخري للكوكب بلفظ الأرض، وقد احتار المفسرون في تنزيلها على الواقع المجهول قبل عصر الكشوف العلمية واتضاح الحقائق؛ مثل قوله تعالى: "وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ" [الطارق:12]، وقوله تعالى: "وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ" [الرعد:4]؛ خاصة أن لفظ (قطع) لا يستقيم أن يوصف به إلا شيء صلب، وهو ما يميز جيولوجيا سطح الكوكب Crust عن الدثار Mantle اللين دونه، وتصعد الحمم Lava من بين الألواح القارية في قيعان البحار العظمى لتضيف مادة جديدة إلى كل لوحين متجاورين، وبزيادة طرف ينقص اللوح من الطرف الآخر بالانثناء تحت اللوح المجاور، ولذا فالأرض الصلبة التي تحملنا فوق دوامات الحمم تنقص من أطرافها دوما، وفي قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" [الرعد:41]، وقوله تعالى:"أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ" [الأنبياء:44]؛ يتسع المضمون ليشمل تلك الحقيقة العلمية التي لم يدركها بشر إلا منذ عقود يسيرة برهانا على الوحي، ولفظ (الأرض) هنا يصدق على السطح الصخري ولا يستقيم صرفه لمعنى الكوكب لأن الشكل الكروي ممتد ولا طرف له، ولورود لفظ (الأطراف) بالجمع فهو يتضمن بيان تجزئة السطح الصخري إلى قطع متجاورات تفصلها صدوع وتحركها دوامات صهير الباطن التي تمور دوما بصريح قوله تعالى:"أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" [الملك:16]، ولفظ (الأرض) هنا يصدق بالمثل على السطح الصخري ولا يعني الكوكب لأن الموران واقع دون ما يدل عليه لفظ (الأرض)، ويكشف لك الموران ضمنيا التهاب الباطن إلى حد إسالة الصخور، وتحرك دواماتها كأتون مسجور تتأجج نيرانه ويحجبها السطح الصخري وقيعان البحار كإناء، وهو نفس المضمون في قوله تعالى:"وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ" [الطور:6].

والقطع الصلبة للسطح الصخري والطافية فوق المحيط الأقرب إلى الليونة والأكثر كثافة أشبه ما تكون إذن بالسفن الرواسي، وهو نفس التمثيل في جملة نصوص يكشف كل منها جانبا من تاريخ سطح الكوكب، وتمثل منظومة دلالية واحدة كأجزاء ساعة يؤدي كل منها دورا مستقلا، وبغير وحدة المصدر والمعرفة بخفايا التكوين يستحيل تضامنها في وحدة موضوعية بلا تعارض رغم تعدد الأوجه وتفرق المواضع وطول فترة التنزيل؛ ومنها قوله تعالى:"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا" [فصلت:10]، وقوله تعالى:"وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ" [الرعد:3]، وقوله تعالى:"وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ" [النحل:15]، وقوله تعالى:"وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ" [الأنبياء:31]، وقوله تعالى:"اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً" [غافر:64]، وقوله تعالى:"أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ" [النمل:61]، ويمضي بك تنوع التعبير ليكشف لك تصوير الجبال بالأوتاد سر تثبيت الألواح القارية في قوله تعالى:"أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً"[النبأ: 6و7]، وهكذا إن شئت فهم المراد في موضع فينصحك الأعلام المحققين باستيفاء كل المواضع لتتضح لك الدلالة بقولهم (القرآن يفسر بعضه بعضا) استنادا إلى وحدة المضمون في الكتاب العزيز؛ بخلاف التعارض والتضاد في كل ما ينسب إلى الوحي سواه كشاهد لا ترد شهادته على التحريف.

وقد اكتسبت نظرية انزياح القارات Continental drift تأييدا علميا واسعا منذ أن أعلنها ألفريد فيجنر Alfred Wegener في عام 1912، ومضمونها أن القارات قد تولدت عن انقسام قارة أم Pangea وسط محيط واحد Panthalassa بصدع عظيم منذ حوالي 250 مليون سنة، ثم امتدت اليابسة وتوزعت إلى قارات مازالت شابة تنزاح ببطء، ومع انقسامها تحول الصدع الأصلي إلى سلسلة جبال منتصف الأطلنطي Mid-Atlantic Ridge التي يبلغ طولها حوالي 16 ألف كم ويمتد معظمها بالقاع تحت سطح المحيط ونادرا ما تبرز فوقه بهيئة جزر بركانية، ومنتصف الأطلنطي (الأوقيانوس) مازال إلى اليوم يمثل منطقة نشطة بركانياً تطرح حمم سوداء ملتهبة قد تبلغ درجة حرارتها ألف درجة مئوية، وظاهرة انزياح القارات المميزة بالجبال تحت تأثير تيارات الصهارة دونها يمكن تمثيلها بالمرور البطيء للسحاب تحت تأثير تيارات الهواء دونه، فسواء السحاب أو جبال القارات؛ كليهما يتصف ببطء الحركة نسبيا تحت تأثير تيارات حمل صاعدة وأخرى دافعة للانتقال في منظومة تعم الكوكب، ولن تفوتك الدلالة الصريحة إذن في قوله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ" [النمل:88]، أرأيت كيف أن المعرفة بحصاد الثورة العلمية المحمومة اليوم خير معين لإدراك الدلالات العلمية المدخرة ذخيرة للقادمين في تعبير الكتاب الكريم!، ومهما حاول طاعن افتعال الحيل واصطناع الذرائع لصرف صريح الدلالة على حقيقة علمية واحدة مثل تأجج قيعان البحار بالنيران فلن يناله سوى خزي تجاوز الإنصاف، فقبل عصر الكشوف العلمية يستحيل أن يدرك بشر بوجود الصدوع العميقة منتصف المحيطات Mid-Oceanic Rifts لأنها لم تعرف إلا من خلال نظرية الألواح القارية أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي فحسب، وهكذا تفرد كل وصف ببيان وجه أو أكده بتثنية النبأ، إنه إذن إصرار مذهل خاصة في تناول مسائل علمية يفتقدها كل ما ينسب للوحي سوى القرآن، وهو تحدي يجعل المترصد مترددا في الطعن؛ إذا كان ضليعا بأساليب البيان ملما بحقائق العلم، وأما من غلب دافعه للكيد حذره فلا يستحق ملام، وكما ترى قد تميز الكتاب العزيز بوحدة المضمون بلا أدنى تعارض وتضاد رغم التوسع والتنويع، وتلك هي نفس سمة تعدد القراءات المتواترة مما يؤكد لك أنها ظاهرة توقيفية لا عارضة.

ومن روائع الكتاب الكريم التعبير تلطفا بالتضمين والإضمار والاختصار والإيجاز والحذف استنادا إلى فطنة المخاطب ومعرفته بالواقع، وفي قوله تعالى:"حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" [الكهف:86]؛ يدلك السياق على أن ذي القرنين الفاتح للعالم القديم قد بلغ أقصى الغرب وأوقفته نهاية اليابسة عن استمرار الغزو فأطل على المحيط الأطلنطي حيث عاين الشمس تغرب فيه مثل كل مراقب بالعين، والإيجاز يقتضي أن يكون التقدير: "حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا (رأي العين) تَغْرُبُ فِي (محيط ذي) عَيْنٍ حَمِئَةٍ"، فاكتفى التعبير بدلالة السياق على المحيط وأضاف وصفا لم يدركه قبل عصر الكشوف ذو القرنين ولا سواه، ويتسم المحيط الأطلنطي بالفعل بوجود سلسلة جبلية Ridge متصلة ومرتفعة الجانبين أشبه ما تكون بجفنين يحيطان بعين تطرح بدلا عن الدموع حمم سوداء ملتهبة، فالحمم البركانية من وجه سوداء حمئة أشبه ما تكون في البيئة العربية بالطين الأسود، ومن وجه آخر حامية أشبه ما تكون بالجمر المتوقد رفيق الساهر في البادية، ولك أن تذهل أن (حمئة) و(حامية) قراءتان معتمدتان متكاملتان بلا تناقض جمعتا وصفين لظاهرة خفية لا يعلم بها قبل عصر العلم بشر ووافق اختيارها أنها موضع الصدع الأصلي الأول والأعظم، قال الألوسي المتوفى سنة 1270هـ في تفسيره (ج16ص31): "وجدها أي الشمس (تغرب في عين حمئة)؛ أي ذات حمأة وهي الطين الأسود..، وقرأ عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاص وابنه عبد الله وابن عمر ومعاوية والحسن وزيد بن علي وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية)..؛ أي حارة"، وقال الطبري المتوفى سنة 310 هـ في تفسيره (ج16ص11): "والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان..، ولكل واحدة منهما وجه صحيح"، وقال الرازي المتوفى سنة 606 هـ في تفسيره (ج21ص142): "فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا"، ونقل القرطبي في تفسيره (ج11ص49) عن القتبي قوله: "ويجوز أن تكون هذه العين من البحر"، وهو نفس قول النحاس وأبي حيان، واحتمل الألوسي (ج16ص32) أن العين معلم دفين يميز البحر المحيط الغربي (الأطلنطي) بقوله: "المراد بالعين الحمئة.. عين في البحر"، وعلى هذا الوجه يكون في التعبير إيجاز حذف وفق مصطلح البلاغيين اكتفاء بشهرة معلوم لكل ناظر بالعين؛ وهو مشهد غروب الشمس في المحيط، وجاء التعبير عن المحيط بلازمه الذي لم تشاهده قبل عصر الكشوف العلمية عين؛ وهو العيون المتصلة الفوهات في القاع موضع الصدع الأول والأعظم الذي مازال شابا يطرح الحمم الحمئة والحامية في ذات الوقت، ولا يأبى السياق التقدير (وجدها رأي العين تغرب في محيط ذي عين حمئة)، فتأمل كيف أن تخصيص المحيط الغربي بالبيان يتفق مع كونه موضع الصدع الأصلي والأعظم عندما كانت القارات كلها متصلة في قارة أم واحدة!، فإن غابت الفطنة إذن وساء الفهم وضل التأويل وانعدم العلم بخفايا التكوين فأي ذنب للقرآن الكريم!.
 
بل القرآن معجزة بيانية وعلمية

بل القرآن معجزة بيانية وعلمية

وفي بحث آخر يقول الدكتور دودح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
لن يدع أعداء القرآن ومن ران على قلوبهم وعميت أبصارهم الطعن والتشكيك في كلام الله تعالى، ولهم في ذلك حجج سخيفة وأدلة ضعيفة، يردها العقل وتمجها الفطر السوية، بل القرآن معجزة بيانية وعلمية؛ وقد فوضت الأمر كله لله سائله تعالى التوفيق لرد فرية نسبة القرآن لسواه:

- الأنباء الكونية معجزة علمية:
لقد ادخر القرآن الكريم كثيراً من الآيات للأجيال في عبارات معلومة الألفاظ، لكن الكيفيات والحقائق لا تتجلى إلا حينا بعد حين، يقول تعالى: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ" [ص:87-88]، وقد فسر الطبري معنى الحين بقوله: "فلا قول فيه أصح من أن يطلق كما أطلقه الله من غير حصر ذلك على وقت دون وقت"، فلكل نبأ في القرآن زمن يتحقق فيه، فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني، وتطابقت دلالات الألفاظ والتراكيب مع الحقائق، وهكذا تتجدد معجزة القرآن على طول الزمان، يقول العلي القدير: "وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" [الأنعام:66و67]، ونقل ابن كثير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- تفسيره للمستقر بقوله: "لكل نبأ حقيقة، أي لكل خبر وقوع ولو بعد حين"، وقد تردد هذا الوعد كثيراً في القرآن الكريم بأساليب متعددة كما في قوله تعالى: "ثم إن علينا بيانه" [القيامة:19]، وقوله تعالى: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" [فصلت:53]، وقوله: "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها" [النمل:93]، قال ابن حجر: "ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفي بلاغته وإخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من العصور إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه"، وقال محمد رشيد رضا: "ومن دلائل إعجاز القرآن أنه يبين الحقائق التي لم يكن يعرفها أحد من المخاطبين بها في زمن تنزيله بعبارة لا يتحيرون في فهمها والاستفادة منها مجملة؛ وإن كان فهم ما وراءها من التفصيل الذي يعلمه ولا يعلمونه يتوقف على ترقي البشر في العلوم والفنون الخاصة بذلك"، وقال جوهري: "أما قولك كيف عميت هذه الحقائق على كثير من أسلافنا؟، فاعلم أن الله هو الذي قال: "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" وقال: "وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا"، إن الله لا يخلق الأمور إلا في أوقاتها المناسبة وهذا الزمان هو أنسب الأزمنة، والمدار على الفهم والفهم في كل زمان بحسبه، وهذا زمان انكشاف بعض الحقائق"، وفي قوله الله جل وعلا: "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ" [الأنبياء:37]، قال ابن عاشور: "وعد بأنهم سيرون آيات الله في نصر الدين"، وهي كما قال الرازي: "أدلة التوحيد وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم- ولذلك قال سبحانه "فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ". أي أنها ستأتي لا محالة في وقتها، واستعجال المنكرين يعني كما قال الشيخ جوهري: "استبعاد ما جاء في هذه الآيات من الأمور العلمية التي أوضحها علماء العصر الحاضر، فهم يستبعدونها طبعاً لأنهم لا يعقلونها، فقال الله تعالى لا تستبعدوا أيها الناس "سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ"، فإذا لم تفهمها أمم سابقة فسيعرفها من بعدهم، فقد ادخرنا هذه الأمور لأمم ستأتي لتكون لهم آية علمية على صدقك فتكون الآيات دائما متجددة".
ولقد كان جاري ميلر قسيساً يدعو للنصرانية، وبحث في القرآن منذ عام 1978م لعله يجد فيه مطعنا فإذا به يعلن إسلامه، لقد توقع أن يجد حديثًا يحمل سمات محلية وشخصية فإذا به يجد آفاق التعبير ممتدة لتشمل العالم أجمعه ويكثر فيه العتاب حتى للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه بخلاف ما يُتوقع من كاتب يُمَجِّد نفسه، كما في قوله تعالى: "وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ" [الحاقة: 44-47]..، يقول الدكتور ميلر المبشر السابق: "قبل بضع سنوات وصلتنا قصَّةٌ إلى تورونتو بكندا عن رجلٍ كان بحَّاراً في الأسطول التجاريّ أعطاه أحد المسلمين ترجمةً لمعاني القرآن الكريم ليقرأها، ولم يكن هذا البحَّار يعرف شيئاً عن تاريخ الإسلام، لكنَّه كان مهتمّاً بقراءة القرآن الكريم، وعندما أنهى قراءته عاد إلى المسلم وسأله: هل كان مُحمَّد هذا بَحَّارًا؟؛ فقد كان الرجل مندهشاً من تلك الدِّقَّة الَّتي يصف بها القرآن البحر، وعندما جاءه الرد بالنفي أعلن إسلامه، لقد كان مُتأثِّراً بالوصف القرآنيِّ للأسرار البحريَّة، فالوصف الَّذي جاء في القرآن عن البحر لم يكن شيئاً يستطيع أن يكتبه أيُّ كاتبٍ من محض خياله، وظُلمات البحر العميق والموج الَّذي من فوقه موجٌ من فوقه سحاب لم يكن شيئاً يُمكن لأحدهم تخيُّله، بل إنَّه وصفٌ دقيق مصدره من يعرف حقاًّ كيف هو الواقع، ولا يمكن نسبة تلك المعرفة لمحمد صلى الله عليه وسلم نفسه ولا لبشر سواه، هذا مثلٌ واحدٌ على أنَّ هذا القرآن من الله تعالى نفسه".

فوق البحار اللجية العميقة تتكاثر السحب، وتحجب بعض الضوء, وتشارك الأمواج الداخلية التي تتولد بين التيارات العميقة في حجب البقية، فتزداد الظلمة شيئا فشيئا كلما تزايد العمق حتى يختفي الضوء بعد حوالي 1000م, ولكن الأحياء في تلك الأعماق السحيقة قد أُمِدَّت بمصادر حيوية لإصدار النور، والمبهر أن يوجز القرآن الكريم كل تلك الحقائق العلمية التي لم تعرف إلا حديثا خلال تمثيل حالة معنوية هي ظلمات الشك والريبة في القرآن بحالة حسية هي ظلمات البحر اللجي العميق في قوله تعالى: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لّجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ" النور: 40


http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-34-111661.htm
 
البرق بشير ونذير

البرق بشير ونذير

يقول الدكتور : دودح

- نظرة دلالية:

ومضات البرق ودمدمة الرعد رسائل لا يغيب مغزاها عن الفطين تشهد بتقدير مُسبق وتدبير واحد لا تصنعه إلا مشيئة واحدة علية وقدرة إذا شاءت جعلت النعمة نقمة، وهي ظاهرة مُحَيِّرَة لم يعرف الإنسان تفسيرها إلا مؤخرا في عصر العلم، وتعجب أن يكشف القرآن الكريم سترها من بين كل الكتب التي تُنسب سواه للوحي فأتت موافقة للواقع كدليل للنبوة الخاتمة.

في قوله تعالى: "هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِىءُ السّحَابَ الثّقَالَ. وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" [الرعد:12-13؛ تصريح بالتلازم كما نعرفه اليوم بين البرق Lightening وسحاب الركام Cumulus المُعَبَّر عنه بالسحاب الثقال، وهو تعبير وصفي دقيق يلتقي مع المعرفة الحديثة بأن السحاب ثقيل الوزن ترفعه تيارات الحمل من أسفل وأن سحاب الركام خاصةً هو أثقل أنواع السحب، والبرق يلتقطه البصر كومضات خاطفة أو لمح فهو إذن ظاهرة ضوئية مرئية ناسبها خصَّه بالرؤية في التعبير: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ)، وقد يتحول البرق إلى صواعق تحرق أي شيء تَطَال من معالم سطح الأرض وتصعق الأحياء نتيجة الشحنة الكهربائية الهائلة، وخصُّ البرق بالرؤية فقط بلا خطر سوى شدة اللمعان، وخص خطر الإصابة بالصواعق تمييز لكل منهما رغم الطبيعة الواحدة.


وفي قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأبْصَارِ" [النور:43]؛ تلازم حدوث البرق والبَرَدْ مع تكون سحب الركام، وربط النظم بين تكون البَرَدْ وامتدادها عاليا كالجبال ونسب وقوع البرق إلى البَرَدْ، يقول فضيلة الشيخ عبد المجيد الزنداني: "السبب في تكوين البرق هو البرد، فالبرد بتكوينه تتكون الشحنات الكهربائية الموجبة والسالبة، والله يبين لنا هذا في القرآن الكريم: "وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء".. الضمير يعود على ماذا؟.. فَيُصِيبُ.. بماذا؟ بالبرد..، (وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء)؛ يصرف ماذا؟.. البرد..، (يَكَادُ سَنَا بَرْقِه) أي لمعان برق ماذا؟ برق البرد، فالبرق (سببه).. البرد، هل كان لدى النبي صلى الله عليه و سلم أجهزة..؛ أم كان عنده العلم الذي جاءه من الله!".

وقد يصحب البرق ما يسمى بعواصف التورنادو الرعدية Tornadic thunderstorm التي تبدو بهيئة إعصار فيه نار، وقد اُستشكل أن تُصاحب العواصف والأعاصير أية ظواهر نارية باعتبار أنها دوامات مكونة أساسا من ماء مثلج وبَرَدْ، حيث لم يُعرف إلا حديثًا جدًّا أن الدور الأساس في تكوين الشرارة النارية وصدور البرق يرجع إلى البَرَدْ ذاته، ولذا لا مجال إذن لنسبة التعبير الوصفي في القرآن الكريم لبشر في قوله تعالى: "أَيَوَدّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلّ الثّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّهُ لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ" [البقرة:266].


وفي أقل من نصف ثانية تحدث 3-4 ضربات برق نراها كلها في ومضة برق واحدة، ولا ندرك مرور ورجوع البرق، والحقيقة أن الشعاع الكهربي يرجع باتجاه الغيمة، لكن سرعة العملية تبدي لنا البرق وكأنه يتجه من الغيمة إلى الأرض فحسب، وتفيض دلائل النبوة في حديثه عليه الصلاة والسلام؛ ففي رواية مسلم: "ألم تروا إلى البرق كيف يمرُّ ويرجع في طرفة عين"، وتعجب كيف يوصف البرق بالرجوع في زمن لم يُعاين مرور شحنته عائدةً للسحب بشر قبل اكتشاف تقنية التصوير السريع!، وكيف يُوصف الضوء بسرعة محدودة مُثِّلَت بطرفة العين في زمن المتبادر فيه أن الضوء سرعته لا نهائية قبل قياسها حديثًا!، يقول سعادة الباحث م. عبد الدايم الكحيل: " لم يكن أحد يتخيل أن للضوء سرعة..، وهذه هي أول إشارة نلمسها في الحديث الشريف إلى أن البرق يسير بسرعة محددة، (و)البرق ما هو إلا شرارة كهربائية.. (و)هنالك طورين رئيسيين لا يمكن لومضة البرق أن تحدث من دونهما أبداً؛ وهما طور المرور وطور الرجوع.. Return ..، فمن الذي أخبره بأن العلماء بعده بأربعة عشر قرنًا سيستخدمون (نفس) هذه الكلمات..، (و)الزمن اللازم لحدوث البرق.. طرفة عين.. أجزاء قليلة من الثانية (كذلك)!".

3- دلائل النبوة تسطع في عصر العلم:

لقد أذهل القرآن الكريم عند نزوله فرسان البيان، وشهد بروائعه حتى المُكابرون، وتضمن دلائل على الوحي للناس أجمعين تكشفها الأيام حينًا بعد حين فيستقر المضمون، قال تعالي: "إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لّلْعَالَمِينَ. وَلَتَعْلَمُنّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ" [ص:87-88]، وقال تعالي: "لّكُلّ نَبَإٍ مّسْتَقَرّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" [الأنعام:67]، ولم يقل الأعلام إن إعجازه مقصورٌ فحسب على زمن التنزيل؛ فقد ذخر بوصف ظواهر كونية عديدة في مجالات علمية متنوعة ليست كيفيتها معلومة لبشر زمن التنزيل، وليس من المُعتاد تناولها في أي كتاب آخر يُنسب للوحي؛ مع قابلية مطابقة الكشوف العلمية بوجه يستقيم مع الدلالات في البيئة العربية، فالألفاظ معلومة لكن الكيفية مجهولة؛ حملها بتلطف نظم فريد وادخرتها أمثال توافق مضامينها الواقع المستور زمن التنزيل كدلائل على الوحي للقادمين العالِمين بخفايا التكوين، قال تعالى: "وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ" [العنكبوت:43]، والبرق والرعد والصواعق ظواهر كونية تناولها الكتاب الكريم؛ فورد البرق بشيرًا بالمطر، ونذيرًا يشهد للفطين بوحدانية الله تعالى وقدرته وتقديره وبديع صنعه وحكيم تدبيره، وجاء النظم شاهدًا بعلمه مُتَحَدِّيًا المُكابر بدلائل النبوة، يقول العلي القدير: "بَلْ كَذّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظّالِمِينَ" [يونس:39].

الرابط:
http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-34-114687.htm
 
الأخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعل بعضكم قد وقف على ما نقلته لكم أعلاه
وغرضي من هذا النقل هو أن يطلع المنكرون للإعجاز العلمي لعلهم أن يضعوا أصابعهم على مواطن الخلل والتهافت بشرط أن يكون بأسلوب علمي رصين يبين موطن الخلل والتهافت ، لا بأسلوب خطابي لا يغتي ولا يسمن...

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد
 
عودة
أعلى