أبو سعد الغامدي
New member
- إنضم
- 26/02/2009
- المشاركات
- 1,878
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 36
هذا جزء من بحث للدكتور : محمد إبراهيم دودح
منقول عن موقع الإسلام اليوم
الرابط:
http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-121427.htm
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثمة مغالطات يرددها البعض باتهام القرآن كيدا بالاضطراب والتحريف استنادا إلى تعدد القراءات، والمفارقة أن التهمة التي يشيعها اليوم المتربصون بالإسلام ثابتة قطعا على الأسفار، وهي شبهة قديمة قد ردها الفضلاء، وقد جمعت بعضا مما قالوا التفافا حولهم واعترافا بفضلهم، وأحببت بيان بعضا من جوانب إعجاز القرآن إفحاما للطاعن، وأسأل العلي القدير التوفيق:
5- كشف أستار المجهول بتعدد القراءات معجزة علمية:
اكتشف علماء الجيولوجيا حديثا أن القشرة الأرضية الصلبة مقسمة بشبكة من الصدوع العميقة إلى ألواح قارية Plate tectonics بهيئة قطع متجاورات تتسم بالصلابة وتطفو كالسفن الرواسي فوق محيط من دوامات الصهارة Magma ، وتستقيم تلك الحقيقة مع دلالة جملة نصوص في القرآن الكريم يستقيم حملها على وصف السطح الصخري للكوكب بلفظ الأرض، وقد احتار المفسرون في تنزيلها على الواقع المجهول قبل عصر الكشوف العلمية واتضاح الحقائق؛ مثل قوله تعالى: "وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ" [الطارق:12]، وقوله تعالى: "وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ" [الرعد:4]؛ خاصة أن لفظ (قطع) لا يستقيم أن يوصف به إلا شيء صلب، وهو ما يميز جيولوجيا سطح الكوكب Crust عن الدثار Mantle اللين دونه، وتصعد الحمم Lava من بين الألواح القارية في قيعان البحار العظمى لتضيف مادة جديدة إلى كل لوحين متجاورين، وبزيادة طرف ينقص اللوح من الطرف الآخر بالانثناء تحت اللوح المجاور، ولذا فالأرض الصلبة التي تحملنا فوق دوامات الحمم تنقص من أطرافها دوما، وفي قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" [الرعد:41]، وقوله تعالى:"أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ" [الأنبياء:44]؛ يتسع المضمون ليشمل تلك الحقيقة العلمية التي لم يدركها بشر إلا منذ عقود يسيرة برهانا على الوحي، ولفظ (الأرض) هنا يصدق على السطح الصخري ولا يستقيم صرفه لمعنى الكوكب لأن الشكل الكروي ممتد ولا طرف له، ولورود لفظ (الأطراف) بالجمع فهو يتضمن بيان تجزئة السطح الصخري إلى قطع متجاورات تفصلها صدوع وتحركها دوامات صهير الباطن التي تمور دوما بصريح قوله تعالى:"أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" [الملك:16]، ولفظ (الأرض) هنا يصدق بالمثل على السطح الصخري ولا يعني الكوكب لأن الموران واقع دون ما يدل عليه لفظ (الأرض)، ويكشف لك الموران ضمنيا التهاب الباطن إلى حد إسالة الصخور، وتحرك دواماتها كأتون مسجور تتأجج نيرانه ويحجبها السطح الصخري وقيعان البحار كإناء، وهو نفس المضمون في قوله تعالى:"وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ" [الطور:6].
والقطع الصلبة للسطح الصخري والطافية فوق المحيط الأقرب إلى الليونة والأكثر كثافة أشبه ما تكون إذن بالسفن الرواسي، وهو نفس التمثيل في جملة نصوص يكشف كل منها جانبا من تاريخ سطح الكوكب، وتمثل منظومة دلالية واحدة كأجزاء ساعة يؤدي كل منها دورا مستقلا، وبغير وحدة المصدر والمعرفة بخفايا التكوين يستحيل تضامنها في وحدة موضوعية بلا تعارض رغم تعدد الأوجه وتفرق المواضع وطول فترة التنزيل؛ ومنها قوله تعالى:"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا" [فصلت:10]، وقوله تعالى:"وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ" [الرعد:3]، وقوله تعالى:"وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ" [النحل:15]، وقوله تعالى:"وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ" [الأنبياء:31]، وقوله تعالى:"اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً" [غافر:64]، وقوله تعالى:"أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ" [النمل:61]، ويمضي بك تنوع التعبير ليكشف لك تصوير الجبال بالأوتاد سر تثبيت الألواح القارية في قوله تعالى:"أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً"[النبأ: 6و7]، وهكذا إن شئت فهم المراد في موضع فينصحك الأعلام المحققين باستيفاء كل المواضع لتتضح لك الدلالة بقولهم (القرآن يفسر بعضه بعضا) استنادا إلى وحدة المضمون في الكتاب العزيز؛ بخلاف التعارض والتضاد في كل ما ينسب إلى الوحي سواه كشاهد لا ترد شهادته على التحريف.
وقد اكتسبت نظرية انزياح القارات Continental drift تأييدا علميا واسعا منذ أن أعلنها ألفريد فيجنر Alfred Wegener في عام 1912، ومضمونها أن القارات قد تولدت عن انقسام قارة أم Pangea وسط محيط واحد Panthalassa بصدع عظيم منذ حوالي 250 مليون سنة، ثم امتدت اليابسة وتوزعت إلى قارات مازالت شابة تنزاح ببطء، ومع انقسامها تحول الصدع الأصلي إلى سلسلة جبال منتصف الأطلنطي Mid-Atlantic Ridge التي يبلغ طولها حوالي 16 ألف كم ويمتد معظمها بالقاع تحت سطح المحيط ونادرا ما تبرز فوقه بهيئة جزر بركانية، ومنتصف الأطلنطي (الأوقيانوس) مازال إلى اليوم يمثل منطقة نشطة بركانياً تطرح حمم سوداء ملتهبة قد تبلغ درجة حرارتها ألف درجة مئوية، وظاهرة انزياح القارات المميزة بالجبال تحت تأثير تيارات الصهارة دونها يمكن تمثيلها بالمرور البطيء للسحاب تحت تأثير تيارات الهواء دونه، فسواء السحاب أو جبال القارات؛ كليهما يتصف ببطء الحركة نسبيا تحت تأثير تيارات حمل صاعدة وأخرى دافعة للانتقال في منظومة تعم الكوكب، ولن تفوتك الدلالة الصريحة إذن في قوله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ" [النمل:88]، أرأيت كيف أن المعرفة بحصاد الثورة العلمية المحمومة اليوم خير معين لإدراك الدلالات العلمية المدخرة ذخيرة للقادمين في تعبير الكتاب الكريم!، ومهما حاول طاعن افتعال الحيل واصطناع الذرائع لصرف صريح الدلالة على حقيقة علمية واحدة مثل تأجج قيعان البحار بالنيران فلن يناله سوى خزي تجاوز الإنصاف، فقبل عصر الكشوف العلمية يستحيل أن يدرك بشر بوجود الصدوع العميقة منتصف المحيطات Mid-Oceanic Rifts لأنها لم تعرف إلا من خلال نظرية الألواح القارية أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي فحسب، وهكذا تفرد كل وصف ببيان وجه أو أكده بتثنية النبأ، إنه إذن إصرار مذهل خاصة في تناول مسائل علمية يفتقدها كل ما ينسب للوحي سوى القرآن، وهو تحدي يجعل المترصد مترددا في الطعن؛ إذا كان ضليعا بأساليب البيان ملما بحقائق العلم، وأما من غلب دافعه للكيد حذره فلا يستحق ملام، وكما ترى قد تميز الكتاب العزيز بوحدة المضمون بلا أدنى تعارض وتضاد رغم التوسع والتنويع، وتلك هي نفس سمة تعدد القراءات المتواترة مما يؤكد لك أنها ظاهرة توقيفية لا عارضة.
ومن روائع الكتاب الكريم التعبير تلطفا بالتضمين والإضمار والاختصار والإيجاز والحذف استنادا إلى فطنة المخاطب ومعرفته بالواقع، وفي قوله تعالى:"حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" [الكهف:86]؛ يدلك السياق على أن ذي القرنين الفاتح للعالم القديم قد بلغ أقصى الغرب وأوقفته نهاية اليابسة عن استمرار الغزو فأطل على المحيط الأطلنطي حيث عاين الشمس تغرب فيه مثل كل مراقب بالعين، والإيجاز يقتضي أن يكون التقدير: "حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا (رأي العين) تَغْرُبُ فِي (محيط ذي) عَيْنٍ حَمِئَةٍ"، فاكتفى التعبير بدلالة السياق على المحيط وأضاف وصفا لم يدركه قبل عصر الكشوف ذو القرنين ولا سواه، ويتسم المحيط الأطلنطي بالفعل بوجود سلسلة جبلية Ridge متصلة ومرتفعة الجانبين أشبه ما تكون بجفنين يحيطان بعين تطرح بدلا عن الدموع حمم سوداء ملتهبة، فالحمم البركانية من وجه سوداء حمئة أشبه ما تكون في البيئة العربية بالطين الأسود، ومن وجه آخر حامية أشبه ما تكون بالجمر المتوقد رفيق الساهر في البادية، ولك أن تذهل أن (حمئة) و(حامية) قراءتان معتمدتان متكاملتان بلا تناقض جمعتا وصفين لظاهرة خفية لا يعلم بها قبل عصر العلم بشر ووافق اختيارها أنها موضع الصدع الأصلي الأول والأعظم، قال الألوسي المتوفى سنة 1270هـ في تفسيره (ج16ص31): "وجدها أي الشمس (تغرب في عين حمئة)؛ أي ذات حمأة وهي الطين الأسود..، وقرأ عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاص وابنه عبد الله وابن عمر ومعاوية والحسن وزيد بن علي وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية)..؛ أي حارة"، وقال الطبري المتوفى سنة 310 هـ في تفسيره (ج16ص11): "والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان..، ولكل واحدة منهما وجه صحيح"، وقال الرازي المتوفى سنة 606 هـ في تفسيره (ج21ص142): "فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا"، ونقل القرطبي في تفسيره (ج11ص49) عن القتبي قوله: "ويجوز أن تكون هذه العين من البحر"، وهو نفس قول النحاس وأبي حيان، واحتمل الألوسي (ج16ص32) أن العين معلم دفين يميز البحر المحيط الغربي (الأطلنطي) بقوله: "المراد بالعين الحمئة.. عين في البحر"، وعلى هذا الوجه يكون في التعبير إيجاز حذف وفق مصطلح البلاغيين اكتفاء بشهرة معلوم لكل ناظر بالعين؛ وهو مشهد غروب الشمس في المحيط، وجاء التعبير عن المحيط بلازمه الذي لم تشاهده قبل عصر الكشوف العلمية عين؛ وهو العيون المتصلة الفوهات في القاع موضع الصدع الأول والأعظم الذي مازال شابا يطرح الحمم الحمئة والحامية في ذات الوقت، ولا يأبى السياق التقدير (وجدها رأي العين تغرب في محيط ذي عين حمئة)، فتأمل كيف أن تخصيص المحيط الغربي بالبيان يتفق مع كونه موضع الصدع الأصلي والأعظم عندما كانت القارات كلها متصلة في قارة أم واحدة!، فإن غابت الفطنة إذن وساء الفهم وضل التأويل وانعدم العلم بخفايا التكوين فأي ذنب للقرآن الكريم!.
منقول عن موقع الإسلام اليوم
الرابط:
http://www.islamtoday.net/bohooth/artshow-86-121427.htm
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثمة مغالطات يرددها البعض باتهام القرآن كيدا بالاضطراب والتحريف استنادا إلى تعدد القراءات، والمفارقة أن التهمة التي يشيعها اليوم المتربصون بالإسلام ثابتة قطعا على الأسفار، وهي شبهة قديمة قد ردها الفضلاء، وقد جمعت بعضا مما قالوا التفافا حولهم واعترافا بفضلهم، وأحببت بيان بعضا من جوانب إعجاز القرآن إفحاما للطاعن، وأسأل العلي القدير التوفيق:
5- كشف أستار المجهول بتعدد القراءات معجزة علمية:
اكتشف علماء الجيولوجيا حديثا أن القشرة الأرضية الصلبة مقسمة بشبكة من الصدوع العميقة إلى ألواح قارية Plate tectonics بهيئة قطع متجاورات تتسم بالصلابة وتطفو كالسفن الرواسي فوق محيط من دوامات الصهارة Magma ، وتستقيم تلك الحقيقة مع دلالة جملة نصوص في القرآن الكريم يستقيم حملها على وصف السطح الصخري للكوكب بلفظ الأرض، وقد احتار المفسرون في تنزيلها على الواقع المجهول قبل عصر الكشوف العلمية واتضاح الحقائق؛ مثل قوله تعالى: "وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ" [الطارق:12]، وقوله تعالى: "وَفِي الأرْضِ قِطَعٌ مّتَجَاوِرَاتٌ" [الرعد:4]؛ خاصة أن لفظ (قطع) لا يستقيم أن يوصف به إلا شيء صلب، وهو ما يميز جيولوجيا سطح الكوكب Crust عن الدثار Mantle اللين دونه، وتصعد الحمم Lava من بين الألواح القارية في قيعان البحار العظمى لتضيف مادة جديدة إلى كل لوحين متجاورين، وبزيادة طرف ينقص اللوح من الطرف الآخر بالانثناء تحت اللوح المجاور، ولذا فالأرض الصلبة التي تحملنا فوق دوامات الحمم تنقص من أطرافها دوما، وفي قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا" [الرعد:41]، وقوله تعالى:"أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنّا نَأْتِي الأرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ" [الأنبياء:44]؛ يتسع المضمون ليشمل تلك الحقيقة العلمية التي لم يدركها بشر إلا منذ عقود يسيرة برهانا على الوحي، ولفظ (الأرض) هنا يصدق على السطح الصخري ولا يستقيم صرفه لمعنى الكوكب لأن الشكل الكروي ممتد ولا طرف له، ولورود لفظ (الأطراف) بالجمع فهو يتضمن بيان تجزئة السطح الصخري إلى قطع متجاورات تفصلها صدوع وتحركها دوامات صهير الباطن التي تمور دوما بصريح قوله تعالى:"أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" [الملك:16]، ولفظ (الأرض) هنا يصدق بالمثل على السطح الصخري ولا يعني الكوكب لأن الموران واقع دون ما يدل عليه لفظ (الأرض)، ويكشف لك الموران ضمنيا التهاب الباطن إلى حد إسالة الصخور، وتحرك دواماتها كأتون مسجور تتأجج نيرانه ويحجبها السطح الصخري وقيعان البحار كإناء، وهو نفس المضمون في قوله تعالى:"وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ" [الطور:6].
والقطع الصلبة للسطح الصخري والطافية فوق المحيط الأقرب إلى الليونة والأكثر كثافة أشبه ما تكون إذن بالسفن الرواسي، وهو نفس التمثيل في جملة نصوص يكشف كل منها جانبا من تاريخ سطح الكوكب، وتمثل منظومة دلالية واحدة كأجزاء ساعة يؤدي كل منها دورا مستقلا، وبغير وحدة المصدر والمعرفة بخفايا التكوين يستحيل تضامنها في وحدة موضوعية بلا تعارض رغم تعدد الأوجه وتفرق المواضع وطول فترة التنزيل؛ ومنها قوله تعالى:"وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا" [فصلت:10]، وقوله تعالى:"وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ" [الرعد:3]، وقوله تعالى:"وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ" [النحل:15]، وقوله تعالى:"وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ" [الأنبياء:31]، وقوله تعالى:"اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً" [غافر:64]، وقوله تعالى:"أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ" [النمل:61]، ويمضي بك تنوع التعبير ليكشف لك تصوير الجبال بالأوتاد سر تثبيت الألواح القارية في قوله تعالى:"أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً. وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً"[النبأ: 6و7]، وهكذا إن شئت فهم المراد في موضع فينصحك الأعلام المحققين باستيفاء كل المواضع لتتضح لك الدلالة بقولهم (القرآن يفسر بعضه بعضا) استنادا إلى وحدة المضمون في الكتاب العزيز؛ بخلاف التعارض والتضاد في كل ما ينسب إلى الوحي سواه كشاهد لا ترد شهادته على التحريف.
وقد اكتسبت نظرية انزياح القارات Continental drift تأييدا علميا واسعا منذ أن أعلنها ألفريد فيجنر Alfred Wegener في عام 1912، ومضمونها أن القارات قد تولدت عن انقسام قارة أم Pangea وسط محيط واحد Panthalassa بصدع عظيم منذ حوالي 250 مليون سنة، ثم امتدت اليابسة وتوزعت إلى قارات مازالت شابة تنزاح ببطء، ومع انقسامها تحول الصدع الأصلي إلى سلسلة جبال منتصف الأطلنطي Mid-Atlantic Ridge التي يبلغ طولها حوالي 16 ألف كم ويمتد معظمها بالقاع تحت سطح المحيط ونادرا ما تبرز فوقه بهيئة جزر بركانية، ومنتصف الأطلنطي (الأوقيانوس) مازال إلى اليوم يمثل منطقة نشطة بركانياً تطرح حمم سوداء ملتهبة قد تبلغ درجة حرارتها ألف درجة مئوية، وظاهرة انزياح القارات المميزة بالجبال تحت تأثير تيارات الصهارة دونها يمكن تمثيلها بالمرور البطيء للسحاب تحت تأثير تيارات الهواء دونه، فسواء السحاب أو جبال القارات؛ كليهما يتصف ببطء الحركة نسبيا تحت تأثير تيارات حمل صاعدة وأخرى دافعة للانتقال في منظومة تعم الكوكب، ولن تفوتك الدلالة الصريحة إذن في قوله تعالى: "وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ" [النمل:88]، أرأيت كيف أن المعرفة بحصاد الثورة العلمية المحمومة اليوم خير معين لإدراك الدلالات العلمية المدخرة ذخيرة للقادمين في تعبير الكتاب الكريم!، ومهما حاول طاعن افتعال الحيل واصطناع الذرائع لصرف صريح الدلالة على حقيقة علمية واحدة مثل تأجج قيعان البحار بالنيران فلن يناله سوى خزي تجاوز الإنصاف، فقبل عصر الكشوف العلمية يستحيل أن يدرك بشر بوجود الصدوع العميقة منتصف المحيطات Mid-Oceanic Rifts لأنها لم تعرف إلا من خلال نظرية الألواح القارية أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي فحسب، وهكذا تفرد كل وصف ببيان وجه أو أكده بتثنية النبأ، إنه إذن إصرار مذهل خاصة في تناول مسائل علمية يفتقدها كل ما ينسب للوحي سوى القرآن، وهو تحدي يجعل المترصد مترددا في الطعن؛ إذا كان ضليعا بأساليب البيان ملما بحقائق العلم، وأما من غلب دافعه للكيد حذره فلا يستحق ملام، وكما ترى قد تميز الكتاب العزيز بوحدة المضمون بلا أدنى تعارض وتضاد رغم التوسع والتنويع، وتلك هي نفس سمة تعدد القراءات المتواترة مما يؤكد لك أنها ظاهرة توقيفية لا عارضة.
ومن روائع الكتاب الكريم التعبير تلطفا بالتضمين والإضمار والاختصار والإيجاز والحذف استنادا إلى فطنة المخاطب ومعرفته بالواقع، وفي قوله تعالى:"حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" [الكهف:86]؛ يدلك السياق على أن ذي القرنين الفاتح للعالم القديم قد بلغ أقصى الغرب وأوقفته نهاية اليابسة عن استمرار الغزو فأطل على المحيط الأطلنطي حيث عاين الشمس تغرب فيه مثل كل مراقب بالعين، والإيجاز يقتضي أن يكون التقدير: "حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا (رأي العين) تَغْرُبُ فِي (محيط ذي) عَيْنٍ حَمِئَةٍ"، فاكتفى التعبير بدلالة السياق على المحيط وأضاف وصفا لم يدركه قبل عصر الكشوف ذو القرنين ولا سواه، ويتسم المحيط الأطلنطي بالفعل بوجود سلسلة جبلية Ridge متصلة ومرتفعة الجانبين أشبه ما تكون بجفنين يحيطان بعين تطرح بدلا عن الدموع حمم سوداء ملتهبة، فالحمم البركانية من وجه سوداء حمئة أشبه ما تكون في البيئة العربية بالطين الأسود، ومن وجه آخر حامية أشبه ما تكون بالجمر المتوقد رفيق الساهر في البادية، ولك أن تذهل أن (حمئة) و(حامية) قراءتان معتمدتان متكاملتان بلا تناقض جمعتا وصفين لظاهرة خفية لا يعلم بها قبل عصر العلم بشر ووافق اختيارها أنها موضع الصدع الأصلي الأول والأعظم، قال الألوسي المتوفى سنة 1270هـ في تفسيره (ج16ص31): "وجدها أي الشمس (تغرب في عين حمئة)؛ أي ذات حمأة وهي الطين الأسود..، وقرأ عبد الله وطلحة بن عبيد الله وعمرو بن العاص وابنه عبد الله وابن عمر ومعاوية والحسن وزيد بن علي وابن عامر وحمزة والكسائي (حامية)..؛ أي حارة"، وقال الطبري المتوفى سنة 310 هـ في تفسيره (ج16ص11): "والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال إنهما قراءتان..، ولكل واحدة منهما وجه صحيح"، وقال الرازي المتوفى سنة 606 هـ في تفسيره (ج21ص142): "فجائز أن تكون العين جامعة للوصفين جميعا"، ونقل القرطبي في تفسيره (ج11ص49) عن القتبي قوله: "ويجوز أن تكون هذه العين من البحر"، وهو نفس قول النحاس وأبي حيان، واحتمل الألوسي (ج16ص32) أن العين معلم دفين يميز البحر المحيط الغربي (الأطلنطي) بقوله: "المراد بالعين الحمئة.. عين في البحر"، وعلى هذا الوجه يكون في التعبير إيجاز حذف وفق مصطلح البلاغيين اكتفاء بشهرة معلوم لكل ناظر بالعين؛ وهو مشهد غروب الشمس في المحيط، وجاء التعبير عن المحيط بلازمه الذي لم تشاهده قبل عصر الكشوف العلمية عين؛ وهو العيون المتصلة الفوهات في القاع موضع الصدع الأول والأعظم الذي مازال شابا يطرح الحمم الحمئة والحامية في ذات الوقت، ولا يأبى السياق التقدير (وجدها رأي العين تغرب في محيط ذي عين حمئة)، فتأمل كيف أن تخصيص المحيط الغربي بالبيان يتفق مع كونه موضع الصدع الأصلي والأعظم عندما كانت القارات كلها متصلة في قارة أم واحدة!، فإن غابت الفطنة إذن وساء الفهم وضل التأويل وانعدم العلم بخفايا التكوين فأي ذنب للقرآن الكريم!.