قال الله ( وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) مع أن السياق سياق عذاب، فلم ؟

إنضم
25/08/2009
المشاركات
9
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
الرياض
من تأمل في سورة الشعراء، وجد أن الله يختم كل قصة من قصص الرسل الذين كذبت بقوله ( وإن ربك لهو العزيز الرحيم ) مخاطباً نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
مثال: قال سبحانه وتعالى ( فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {189} إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ {190} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ). فما الحكمة من ذلك والله أعلم؟

إن الله سبحانه يشير الى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه رحم أمته من العذاب لا يهلكها كمن سبقهم من الأمم، وهذه من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يهلكوا عامة إذ كذبوا نبيهم.
 
أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمة مصطفاة من بين الأمم، ولها مزية عن سائر الأمم في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي خير أمة أخرجت للناس، ومنها الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بمثلها، وأحلت لهم الغنائم، ولا يهلكوا بسنة عامة، ولا يهلكوا غرقاً، ولا يستبيح بيضتها عدو من الكفار.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) رواه الترمذي، وفي حديث آخر رواه البزار وفيه قوله صلى الله عليه وسلم ( وجعلت أمتي خير الأمم ) مصداقاً لقول الله ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ). ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه ( وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي ) مصداقاً لقول الله ( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً). وكذلك رحمة الله لهذه الأمة بمغفرة ما تحدث بها نفسها لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا أ ويعملوا به) وهو مصداق لآخر ثلاث آيات من سورة البقرة.
ويبين المصطفى صلى الله عليه وسلم رحمة الله هذه الأمة ومضافته أجورها، ويرد على من زعم أن ذلك مخالف للعدل ! في قوله عليه الصلاة والسلام ( إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط. ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين؟ ألا فأنتم الذي يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاء، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئاً؟ قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت ) رواه البخاري
 
أخي الكريم وفقنا الله وإياك لمراضيه
قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره ( 17 / 589 ـ تحقيق التركي ) :
( العزيز ) : في انتقامه ممن كفر به وكذب رسله من أعدائه ، ( الرحيم ) : بمن أنجى من رسله وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عَذَّبَ به الكفرة . اهـ المراد
 
من العجيب أخي نسيم أن تقول: "معنى الآية في نظري..." ثم تترك الأخذ بما نقل من أفواه الرجال؟
من العجيب حقا أن يعطي الواحد منا هذه الميزة لكلامه قبل إدراك كلام غيره وتفهمه!
أليس الأولى فهم كلام الآخر ومعرفة مصدره ومنزلته قبل الحكم عليه ومصادرته؟

هذا كتقديم منطقي عام أرجو التفكير به مليّاً.

أما الكلام على حجية السنة النبوية ومنزلتها في تفسير القرآن الكريم ودقة نقلها فكلام طويل مبسوط في مظانه ( منها: هذا و هذا )
ولك أخي أن تفرد ما أشكل عليك فيه في موضوع خاص ولن تعدم فائدة بإذن الله، فنحن جميعا طلاب علم وحق.


 
سؤال مَنهجي في الصَّميم أُوجِّهُه إليك أستاذي أحمد: هَل يُمكِن تَقديم روايات ظنِّيَّة الثُّبوت على قَطعيَّات القُرآن ومُحكماتِه؟! هَل يُمكِن لرواية ظنِّيَّة جُمِعت مِن أفواه الرِّجال في القَرن الثَّالث أن تَكُون قاضِية على الكِتاب؟!
كيفَ لي أن أترُك عَشرات الآيات التي تُسوِّي بينَ الأُمم في الثَّواب والعِقاب، وأغضَّ الطَّرف عَن مَنهَج القُرآن في التَّسويَة بينَ البَشر جَميعِهم وأُعمِل رواية رواها فُلان أو علّان (مَع الاحترام للأئمة الكِرام جميعهم)؟!
لا تعارض بين القطعيات من الكتاب والصحيح الثابت من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والمفاضلة بين الأشخاص في المنزلة والثواب ثابتة بالكتاب والسنة ولا يتعارض هذا مع عدل الله ، قال تعالى:
(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ )(البقرة : 253)
(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )(البقرة : 261)
(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )(البقرة : 105)
(يخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )(آل عمران : 74)
(انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) (الإسراء : 21)
 
"وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ": عقاب الله تعالى هو عقاب العزيز، وهو عقاب لا دافع له لأن من ينزله بالظالمين هو العزيز. ومن رحمته تعالى بالخلق أنه ينزل عقابه بالذين يشذون عن الحق الذي هو نظام الكون والمخلوقات. إذن الرحمة الحقيقية تقتضي درء الشذوذ ومنع الإخلال. من هنا نجد أن الأمم التي تعدل في الثواب والعقاب هي التي تنجح في بناء الحضارة الحقيقية.
 
في الحقيقة عنوان السؤال مخالف لمضمونه ..!؟

فهل من الممكن معرفة ما يراد من السؤال بالضبط ؟
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
تنبيه انا لن ادخل في النتاش الحاصل بين الاخوة ولكن اريد ان اتحدث عن فهم الاية مباشرة!!!
[FONT=&quot]أقول والله اعلم إن الإشكال الذي وقع فيه الإخوة هو قصرهم هذه الخاتمة على الآية التي سبقتها فقط وهذا في نظري والله اعلم قصور.[/FONT]
[FONT=&quot]ويحل الإشكال كله إن شاء الله بجعلها تعقيبا على القصة كلها حيث يمكن في هذه الحال جمع جميع اقوال الاخوة ان شاء الله وزيادة .وكل ما قالوه والحمد لله محتمل.
[/FONT]

[FONT=&quot]حيث تبدو مظاهر الرحمة في
[/FONT]

[FONT=&quot]رحمة الشخص بجعله رسولا يوحى إليه ورفع درجته[/FONT]
[FONT=&quot]رحمته الأمة بالإرسال إليها[/FONT]
[FONT=&quot]رحمته المؤمنين أن جعلهم مؤمنين[/FONT]
[FONT=&quot]رحمتهم بتثبيتهم ونبيهم على الحق رغم المحن[/FONT]
[FONT=&quot]رحمته الكافرين بصبره عزوجل عليهم وتوسيع أرزاقهم [/FONT]
[FONT=&quot]رحمته الكافرين بتضييقه عليهم ليرجعوا إلى الحق[/FONT]
[FONT=&quot]رحمته المؤمنين بانجائهم من عدوهم [/FONT]
[FONT=&quot]رحمته المؤمنين بهلاك عدوهم[/FONT]
[FONT=&quot]رحمته الباقين بان جعل لهم في غيرهم عبرة [/FONT]
[FONT=&quot]الى غيرها من الرحمات المعلومة لنا وغيره المعلومة[/FONT]
[FONT=&quot]وتبدو مظاهر عزته في[/FONT]
[FONT=&quot]إلزامه الناس بالإيمان وعدم تركهم يفعلون ما يشاءون[/FONT]
[FONT=&quot]في توعده للكافرين [/FONT]
[FONT=&quot]في عدم إسلامه لأوليائه[/FONT]
[FONT=&quot]في نصره لهم مع قلتهم غالبا[/FONT]
[FONT=&quot]في عقابه لأعدائه في العاجل والأجل[/FONT]
[FONT=&quot]في أنواع العقاب المسلط عليهم [/FONT]
[FONT=&quot]إلي غيرها من مظاهر العزة[/FONT]
[FONT=&quot]فسبحان العزيز الرحيم [/FONT]
 
لاحظتُ خلطاً بين مفهوم الخيرية ومفهوم الأفضلية في أكثر من مداخلة في هذا الملتقى، وهذا الخلط ليس بمستحدث. واسمحوا لي للمناسبة أن أنقل لكم هذا المقال للشيخ بسام جرار يساعد في إزالة اللبس:

[FONT=&quot] الفضل[/FONT][FONT=&quot]: هو الزيادة، والعرب تقول لما يبقى من الماء في الإناء بعد الشرب فضلة، وعليه تكون الفضلة: ما يبقى من الشيء، وما يزيد عن الاقتصاد والحاجة. فالألفاظ المشتقة من [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]فضل[/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot] يغلب أن تستخدم في الزيادة الإيجابية. يقول تعالى في سورة النحل: " والله فضّل بعضكم على بعض في الرزق": واضح أنّ المقصود بالفضل هنا الزيادة في الرزق. ويقول سبحانه في سورة الإسراء: " انظر كيف فضّلنا بعضهم على بعض..": فالتفاوت الإيجابي في خَلْق الناس من أهم أسس التحضّر الإنساني. ويقول سبحانه في سورة الرعد: "... ونُفضّلُ بعضها على بعضٍ في الأُكُل ": والمقصود هنا التمايز في أَطعام النباتات، وقيمتها الغذائيّة. ويتفاضل بعضها على بعض، مما يؤدي إلى التنوع الإيجابي. [/FONT]
[FONT=&quot] قد يخلط الناس أحياناً بين مفهوم [/FONT][FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]الخيريّة[/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot]، ومفهوم [/FONT] [FONT=&quot]([/FONT][FONT=&quot]الأفضليّة[/FONT][FONT=&quot])[/FONT][FONT=&quot]؛ فإذا كانت الأفضليّة تتعلق بزيادة في المال، أو القوة، أو الجمال، أو العقل...، فإن الخيريّة تتعلق بزيادة الخير؛ فإذا كان فلان يفضلني بمال، أو قوة، أو عقل.. فليس بالضرورة أن يكون هو خيراً مني؛ فكم من فقير هو خير من ألف غني، وكم من ضعيف هو خير من ألف قوي. من هنا كان الحكم الربّاني الذي صدر في حق مجتمع الصحابة، رضوان الله عليهم: " كنتم خير أمّة أخرجت للناس "، ولم يقل سبحانه وتعالى: " كنتم أفضل أمة.."، لأنّ الفضل يحتمل وجوهاً كثيرة، ولا يستلزم الخيريّة إلا إذا كان فضل تقوى. والتفضيل الأخروي لا يستند إلى الفضل الدنيوي، بل يستند إلى الخيريّة في الحياة الدنيا. [/FONT]
[FONT=&quot] يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتيَ التي أنعمتُ عليكم، وأنّي فضلتكم على العالمين". هذه الآية الكريمة هي من الآيات التي أنّبت اليهود، لنكرانهم النعمة، وعدم شكرهم لله، الذي فضلهم، أي زادهم في العطاء الدنيوي بالإضافة إلى الكتاب والفرقان. وتُعدّد الآيات التي جاءت بعد هذه الآية، من سورة البقرة، النّعم التي كانت لبني إسرائيل ولم تكن لغيرهم من الأمم، فاستحقوا بكفرهم هذه النعمة أن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، بل: " وإذ تأذّنَ ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومُهم سوءَ العذاب ". بهذا تتضح بعض أسرار الغضب الربّانيّ النازل باليهود: " غير المغضوب عليهم "؛ فقد كانت خيانتهم كبيرة. لاحظ بعض هذه النعم التي ذكرت وعُدّدت بعد قوله تعالى: " يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي..." : " وإذ نجيناكم من آل فرعون..." ، " وإذ فرقنا بكم البحر.." ، " وإذ واعدنا موسى.." ، " .. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون" ، " وظللنا عليكم الغمام، وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى " ، " وإذ قلنا ادخلوا هذه القريةَ فكلوا منها حيث شئتم رغدا.." ، " وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب.." ، " وإذ قلتم يا موسى لن نصبرَ على طعام واحد..". نعم، هذه النّعم، وغيرها مما ذكر في سورة البقرة وسور أخرى، لم تحصل لأمّة من الأمم، ولو حصلت لغيرهم لكانت من دواعي الشكر والطاعة، ولكنّهم كفروا النعمة، وتمادوا في غيّهم وتنكروا لفضل الخالق سبحانه؛ فكان الحكم العادل، هو ما نصّت عليه الآيات التي ختمت الحديث عن هذه النّعم: "وضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله..". وهذا ليس لهم فقط، بل لكل خائن لا تزيده النعم إلا ضلالا. [/FONT]
[FONT=&quot] وأخيراً نقول: إذا كانت الآية الكريمة هي من أشدّ الآيات ذمّاً لليهود ولخيانتهم، فكيف فهمها البعض على أنها آية مدح ؟! ولماذا ذهب البعض في تأويلها المذاهب، على الرغم من أنّ صيغتها هي صيغة تقريع ؟! يبدو أنّ السبب في ذلك يرجع إلى الخلط بين مفهوم الخيريّة ومفهوم الأفضليّة.[/FONT]

 
أُجيبُ أُستاذي الغامِدي في قَولِه "لا تعارُض بين قَطعيَّات الكِتاب والصَّحيح مِن أقوال الرَّسُول صلَّى الله عليه وسلَّم" بأنَّ كلامَك صَحيح لا غُبارَ عَليه؛ ولَكن أيَّة أقوال وأحاديث؟! هَل ما انسجَم مِنها مَع رُوح القُرآن وتَناغَم مَع كُلِّياتِه أم ما صحَّحَه فُلان بمُجرَّد اتِّصال السَّند (وِفق مَعايير تزكية الرِّجال النسبيَّة طَبعا)؟ هُنا مَربَط الفَرس، وهُنا مزلَّة الأقدام نسأل الله العافِية.
نَعم هُناكَ تفاضُل في كِتاب الله عزَّ وجل لا يُنكَر؛ ولَكنَّه في كلِّ الأَحوال محكُوم بِقوانين صارِمة لا تَحابي أحدا مِن البَشر (ولَو كانَ نبيا) ولا أُمَّة مِن الأُمم مَهما كانَت خُصوصيَّاتُها؛ ورُبَّما أوهَمتنا ألفاظُ المَشيئة أنَّ هُنالِك اعتباطيَّة وعَفويَّة في الأمر؛ ولَكن المُتدبِّر الحق لآيِ الذِّكر الحَكيم يُدرِك أنَّ المَشيئة في طُول القُرآن وعرضِها مُقيَّدة بالقَوانين وليسَت مُلقاة عَلى عَواهِنها! فحينَ يقُول الله تَعالى مَثلا: يَغفِر لمِن يشاء؛ فقَد قيَّد مَغفرة الذُّنوب بالتَّوبة النَّصُوح كَما جاءَ على لِسان المَلائِكة:" فاغفِر للذين تابُوا واتَّبعُوا سَبيلَك"؛ وليست القَضيَّة مَفتُوحة للتَّخمينات والشَّفاعات والوَساطات.... وحينَ يُضاعِف الله ثَوابَ بَعض المُتصدِّقين دُون بَعض فما ذَاكَ إلا لمُرجِّحات مَبناها عَلى العَمل والجُهد قامَ بِها اولئك المُتصدِّقين المُضاعَف لَهم دُون الآخَرين؛ كالتَّخفي والتَّستُّر، ودَرجة الإخلاص ومُراعاة ذَوي القُربى مَثلا، وليسَت القضيَّة بِبَدوات
ومَوضُوع المَشيئة مَوضُوع مُهم وشيِّق أسأل الله أن يُوفِّقَني فيه إلى بَحث مُستَقل.
إذَن: تَفضيل الله بينَ الأنبياء إنَّما هُو مَبني على جُهدِهم وَعملِهم؛ ولا يطَّلِع على هَذا العَمل إلا العَليم الخَبير؛ أمَّا نَحنُ فمُطالَبُون بالتَّسويَة بينَهُم جَميعا (لا نُفرِّقُ بينَ أحد مِن رُسُلِه)؛ ومِن هذا المُنطَلق نَجِد أن لا قيمَة لأيَّة رِوايَة تُعطي قُدسية وأفضليَّة للرَّسُول (صلى الله عليه وسلَّم) على حِساب الأنبياء ولَو رواها مَن رواها.
وحينَ يُفضِّل الله تَعالى أمَّة بني إسرائيل على العالَمين في كِتابه؛ فليسَ ذَلِكَ لسوادِ عيُونِهم؛ بل لامتِثالِهم بِمنهَج ربِّهم ابتِداء؛ فلمَّا انتَكسُوا وارتَكسُوا أصابَهُم العَذاب مِثلَ ما أصابَ غيرَهُم سواء بِسواء. ونَفس الشَّيء يُقال بالنِّسبَة للآيَة التي أورَدتَها في سياقِ جَوابِكُم أُستاذَنا ((مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )(البقرة : 105)... فهَل الخَير المُنزَّل المَذكُور في الآيَة (الذي هُو الوَحي والمَنهَج) بمُفضِّل أُمَّة على أُمَّة؟! أم أنَّهُ مَحض ابتِلاء وفِتنة ليَرى كيفَ النَّاسَ يعملُون؟!
إذَن ما أحوَجَنا أن ننظُر إلى الأشياء، ونُعايِر المَفاهيم والتَّصوُّرات بِمعايير قُرآنيَّة؛ ونَرى كُلَّ الرِّوايات المَنسُوبة إلى الرَّسُول (صلى الله عليه وسلَّم) عَلى ضَوئِها... والمُشكِلَة أنَّ القضيَّة لَم تَبقَ في ساحَة التَّجريد والنَّظريَّة فَحسب! بل الآثار العَمليَّة في الأُمَّة الإسلاميَّة وَخيمَة! فَمَن يسمَع بأفضليَّة الأُمَّة المُحمَّديَّة على سائِر الأُمم، وأفضليَّة الرَّسُول (صلى الله عليه وسلَّم) على سائِر الأنبياء؛ وأنَّ الأنبياءَ يَوم القيامة يأتون ومَعهم الرَّهط والرَّهطان؛ إلا أمَّة محمَّد فإنَّها تأتي في جَماهير عَريضة (غير الأناس المَشفُوع لَهم طَبعا في نَظر تلك الروايات)... لا يَفهَم مِن هذا إلا تَشجيعا على المَعاصي وأنَّه وإن ماتَ مُتلبسا بألف مَعصِية فإنَّه لا يَجد إلا خَيرا لأنَّه مِن خَير الأُمم! وأمَّا العُصاة مِن الأُمم الأُخرى فخانَهُم حظُّهم أنَّهُم لَم يكُونوا مِن أمَّة الرَّسُول الخاتَم!
شَرخ خَطير في الفِكر المُسلِم، وتصوُّرات مَغلُوطَة سَببُها واحد ووَحيد: تَحكيم الرِّوايات الظَّنية الزَّارِعة للأماني على حِساب القَطعيَّات المُحكَمات، والله المُستَعان!
اللهم فرِّج عَن أُمَّة مُحمد صلى الله عليه وسلَّم.

وأنا أقول كلام جميل ودقيق ، ولكن المشكلة هي في رد الثابت من السنة بأمور متوهمة ، وفهم بعض الناس لأقوال الرسول صل1 على غير الوجه الصحيح لا يصلح سببا لرد ما صح عنه صل1.
وأعود وأقول لقد قلت :
"لا تعارض بين القطعيات من الكتاب والصحيح الثابت من أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والمفاضلة بين الأشخاص في المنزلة والثواب ثابتة بالكتاب والسنة ولا يتعارض هذا مع عدل الله ،".
 
أرجو إيقاف الحوار حول التشكيك بالسنة أو القدح في رواتها مع المبتدع نسيم سالم، وآمل من المشرفين النظر في وجود أمثاله في هذا الموقع.
 
لست بمُشكك - بحَمد الله تعالى - أستاذ أحمَد في السُّنَّة الحقيقيَّة للرَّسُول (صلى الله عليه وسلَّم) النَّابِعة مِن مِشكاة وَحي القُرآن؛ بل أنا أُشكِّك في سُنَّة الرِّوايات التي جُمعَت مِن أفواه الرِّجال بَعد قَرنين مِن وفاة الحَبيب المُصطفى (صلَّى الله عليه وسلَّم) والمُعارِضَة لِقوانين الوَحي الإلهي الخاتَم!
كلُّ ما أدعُو إليه هُو عَرض الحَديثِ عَلَى مُحكَماتِ القُرآن، وعَدم الاغتِرار بالرَّاوي أو المُصنِّف كائنا مَن كان؛ فلا قَداسَة إلا لكَلمات الله تَعالى التي حَفظَها بين دَفَّتي كِتابِه العَزيز؛ فتأمَّل واستبصِر وخلِّ عَنكَ التَّقليد؛ فلسوفَ تُسأل عَن وَحي ربِّك ماذا فَعلت فيه؟
(وإنَّه لذكر لكَ ولِقومِك وسَوف تُسألون).
كلامك متناقض أيها الفاضل نسيم
فالسنة الحقيقية نقلها لنا الرواة الأثبات الذين نقلوا لنا القرآن.
ثم إن السنة مجموعة ومدونة منذ تفوه بها النبي صل1 وفرق بين تدوين السنة وبين ظهور المصنفات فتنبه لذلك.
ثم ما من حديث نسب إلى النبي صل1 إلا وقد أخضعه علماء الأمة للدارسة والتمحيص سندا ومتنا، وبينوا الصحيح من السقيم ، والحق من الباطل ، وبذلك حفظ الله الوحيين الذي لا يصلح أحدهما إلا بالآخر.
أما التقليد الذي أشرتَ إليه فأحق الناس بهذا الوصف هم الذي يتبنون رد السنة بحجة أنها تعارض القرآن ، لأنها مجرد دعوى لا تقوم على دليل لا من الكتاب ولا من العقل.
 
لا دَليلَ أستاذَنا الغامِدي على كِتابَة الرِّوايات بينَ يدي رَسُول الله (صلى الله عليه وسلَّم)؛ بل إنَّ العَكسَ هُو الصَّحيح؛ فكَم مِن روايَة تذكُرُ نَهي النبي (عليه السَّلام) عَن كتابَة شَيء غَيرَ القُرآن؛ وكَم مِن رواية تذكُر تحرُّج كِبارَ الصَّحابَة عَن كتابَة أقوال الرَّسُول (صلَّى الله عليه وسلَّم)؛ كَما يُروى عَن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنَّه باتَ يوما وعنده خمسمائة حديث فباتَ يتقلَّبُ في فراشِه حتَّى أصبَحَ فأمَر بِحرقِها. لأنَّه أدرَك أن الروايات نسبيَّة والقُرآن الكريم هُو النَّص المُطلَق الوَحيد؛ وخاف أن تكُون للمُسلمين مُثنَّاة كمُثنَّاة أهلِ الكِتاب؛ إن هُو إلا وَحي واحد يُوحى لا غَير؛ والسُّنة الصَّحيحة مُحتواة في القُرآن الكَريم.

وهذا ما أردت أن نصل إليه منك .....
وعليه أقول من أين لك صحة الرواية التي تقول إن النبي صل1 نهى عن كتابة شيء غير القرآن ؟
ومن أين لك صحة الرواية المنسوبة إلى عمر رضي الله عنه ؟
ثم هل أطمع أن تبين لي ما هي السنة الصحيحة المحتواه في القرآن الكريم ؟ وأين نجدها ؟ وكيف وصلت إلينا؟
 
الأخ نسيم
في مداخلتي السابقة حاولتُ أن أوضح لك بالإشارة أنك لم تفرّق بين مفهوم الأفضلية ومفهوم الخيرية. وانبنى على هذا الخلط أنك تصورت أن هناك تناقضاً بين السنة والقرآن الكريم فذهبت تدعونا إلى الأخذ من القرآن وترك الظني. وكيف تتوقع أن نقبل منك وأنت لا تملك المؤهل لبحث المسألة، وهذا واضح من خلال الفهم الذي قدمته لمفهوم الأفضلية، ومن خلال قفزك عن علم الحديث الذي هو فخر العلوم الإسلامية.
وواضح أنك أيضاً لا تعرف أن العلماء وضعوا سند الحديث تحت مجهر النقد وكذلك المتن. وعلم أصول الحديث لا يتقنه إلا من درس ومارس لسنوات طويلة ثم أنت تريد أن تلغيه لمجرد أنك لم تفهم بعض ما يقال.
الأحاديث التي تحدثت عن خيرية هذه الأمة إنما تخبر عن واقع كان في عصر الرسول عليه السلام وعن واقع سيكون إلى يوم القيامة. فأين التناقض بين ما جاء في القرآن الكريم وما جاء من نبوءة في الحديث الشريف؟!!!
ثم إن ختم الرسالة يشير إلى خيرية الأمة الآخرة التي لم تعد بحاجة للأنبياء والرسل وهي كفيلة بالحفاظ على الوحي الرباني، والدعاة فيها لا ينقطع وجودهم، وأعدادهم اليوم في قطر واحد أكثر من الرسل عبر التاريخ كله.
 
أقول لهذا المشكك ـ هداه الله ـ في تراث الأمة التي تعتزُّ به دون سائر الأمم
1 ـ إن السنة النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي كما هو مجمع عليه عند أهل السنة والجماعة دون أهل البدع والأهواء ، وأئمة المسلمين فضلاً عمن دونهم من آحاد الأمة قد رحلوا لجمعها وتدوينها ودراستها وبيان صحيحها من سقيمها ، للاهتداء والاحتجاج بها ، والرد على من خالفها وأنكرها .
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الرسالة ص ( 88 ) :
وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سَنَّهُ ، وكذلك أخبرنا الله في قوله :
(( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله )) .
وقد سن رسولُ الله مع كتاب الله ، وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب ، وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه ، وجعل في اتباعه طاعته ، وفي العُنُوْدِ عن اتباعها معصيتَهُ التي لم يعذِرْ بها خلقاً ، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجاً ، لما وصفتُ ، وما قال رسول الله .....
ثم ساق رحمه الله تعالى الحديث الذي أخرجه أبو داود السجستاني في سننه ( 4 / 200 ) وغيره ، من حديث أبي رافع رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا على أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ من أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أو نَهَيْتُ عنه فيقول لَا نَدْرِي ما وَجَدْنَا في كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ )) .
2 ـ من المعلوم أنَّ من السنة مارواه جمع عن جمع بشروطه المعروفة عند أهل الاصطلاح الحديثي ، وهو المسمى بالحديث المتواتر ، وهو عند أهل العلم مفيد للعلم اليقيني ، وكذا ما كان من أحاديث الآحاد المحتفة ببعض القرائن ، ومن أعظم هذه القرائن إخراج الشيخين أو أحدهما ، وأنت لم تفرق في كلامك بين هذا وبين غيره من أحاديث الآحاد الثابتة سنداً مما لم تحفه قرينة ـ مع أنه حجة أيضاً عند أهل السنة والجماعة ـ فقمت تشكك في ثبوت الجميع ، ولم تكن على أقل تقدير مثل كثير من أهل الكلام ، ممن فرقوا بين ما كان متواتراً فحتجوا به ، مع أنهم يؤولونه إذا لم يوافق مذهبهم ، ولكنهم يرونه ثابتاً في زعمهم ، فليتك كنت مثلهم في هذا التفريق إذاً لهان الخطب !! .
3 ـ لا بدَّ من بيان أنَّ الأمة قد تلقت أحاديث الصحيحين بالقبول ، إلا ما انتقد عليهما ، وهذا مدون ومعلوم ، فتشكيكك بالطريقة التي انتهجتها فيه تضليل للأمة ولأهل العلم عبر القرون الماضية جميعاً !!
4 ـ أخيراً ـ وإن كان الأمر يحتاج لبسط أكثر ـ أنصح المشكك أن لا يتعجل في إبداء ما يظن صوابه من رأيه ، وأن يطلب العلم الشرعي وبخاصة علوم الحديث .
أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، ونعوذ به سبحانه أن يلتبس علينا فنضل .
 
وآيَة ما أقُول أستاذَنا الكَريم أنَّك لا تَجد في المُصنَّفات التي ظَهرت في العَصر العبَّاسي ما يُؤشِّر على نُصوص مَنقُولَة مِن كُتب مُعيَّنة؛ بل لا تَجدُ إلا عبارات مِن مِثل حدَّثنا وأخبَرنا وأنبأنا؛ ولا تَجدُ مَثلا: قرأت مِن صَحيفَة مَكتُوبَة بين يَدي رسُول الله كَذا وكذا...
عدم النقل لا يدل على العدم هذه واحدة.
الثانية إن الرواية مبنية على العدالة ، وقبول رواية العدل دين أمر به القرآن، ورواية العدل أوثق من النقل من الكتب ، ولهذا نرى أن الكتب بعد عصر التدوين لا تقبل ولا تكون محل الثقة إلا إذا كانت مصحوبة بالأسانيد الصحيحة.
والصحابة قد كتب بعضهم عن رسول الله صل1 مثل صحيفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفيها فرائض الصدقة، وصحيفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفيها أسنان الإبل، وشيء من الجراحات، وصحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهاوصحيفة عمرو بن حزم رضي الله عنه.
 
أُشاطِرك الرَّأي أن الأئمة الكرام (جزاهم الله خيرا) قد بذلُوا جُهودا لا تُنكَر في تنقية الحَديث مِن الدَّخيل؛ فالبُخاري مَثلا اختارَ حوالي ستة آلاف حديث مِن حوالي ستمائة ألف حديث جَمعَها (أي حوالي 1%) ولَكن أقُول لَك جازِما غيرَ وَجل: إنَّ هُنالِك الكَثير ممَّا يمكِن أن نُحقِّقَ فيه ونَفرزَه ممَّا رَواه هُو أو مُسلم أو أحمد أو غيرهما! فمعايير الفَرز التي اعتَمدُوها تاريخيَّة نسبيَّة مبناها غالبا على صحَّة السَّند! فهل نَرهَن عُقول الأوَّلين والآخِرين إلى فَرز رجل واحد أو رجال معدودين عاشوا في القرون الوُسطى؟! وأيُّة حُجَّة مِن عَقل أو مَنطِق تَجعَل تصحيحات البُخاري ومُسلِم قطعيَّة لا كَلامَ فيها؟!
أهمِسُ في أُذن كلِّ يَرتِهن إلى كُتب مِن كُتب الروايات في كلِّ صَغيرة وكَبيرة إنَّ المسؤولية لعُظمى وإنَّ الخَطب لَجسيم، وإنَّه مَعلُوم جَزاء مَن يَفتري على الله الكَذب، وإنَّ كتاب الله لمُبين وإنَّه لَقول فَصل وما هُو بالهَزل؛ فعايروا أفكارَكُم وعقائدكُم على ضَوء دلالات كِتاب الله عزَّ وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفِه!
هذه شَهادَتي أُقدِّمُها لكُلِّ المُشارِكين في هذا المُلتقى الطَّيب ولكلِّ الأساتذة والدَّكاتِرة في العالَم الإسلامي.
محبكم دوما وأبدا: نسيم من الجزائر
التصحيحات ليست تصحيحات البخاري ومسلم فقط ، بل هي تصحيحات علماء الأمة وأهل الذكر العدول الذين حملوا أمانة بيان الحق في كل جيل الخلف عن السلف ، وهؤلاء المبلغون عن رسول الله صل1 كان منطلقهم في ذلك كتاب الله تعالى الذي أخذه الخلف عن السلف بطريق الرواية الصحيحة ، فكيف تظن أن هؤلاء عاشوا بعيدا عن الاهتداء بدلالات القرآن الكريم ، وأنهم تعلقوا بروايات تعارض كتاب الله تعالى !!!؟
أخانا الفاضل نسيم
أرجو أن تعيد النظر مرات وكرات فإن هذا المذهب الذي تذهب إليه هو المخالف للعقل والمنطق وللقرآن ، فتأمل.
 
لعل الأخ نسيم لم يتنبه إلى نقاط مهمة منها :
1 - أن السلف في عهد رسول الله صلى الله وآله وصحبه وسلم كانوا يعتمدون في ضبطهم على ضبط الصدر أي الحفظ ؛ والكتابة كانت قليلة .
2 - أن ضبط الحفاظ المعروفين بالحفظ من العدول أقوى - عند من يعرف الحفظ جيدا - من الكتابة في الورق ؛ فقد تطرأ متغيرات كثيرة على كتابة الورق في حين يسلم منها ضبط الصدر .
3 - لكي يتضح لك ذلك راجع أغلب الطبعات الموجودة اليوم ؛ وخاصة المدخلة في المكتبات الألكترونية ؛ فستجد كثيرا من التغيير تتنبه له بمجرد مرورك عليه ؛ فلو وجدت آية زيدت بكلمة ، أو حديثا تحفظه كتب بطريقة خاطئة ؛ أو قولا فقهيا اختلط على الطبعة بأن عزته لمذهب غير مذهبه أو نحو ذلك ؛ فلا شك أنك ستلاحظ ذلك وتقول هذا خطأ مطبعي .
هذا يدلك على أن ضبط الصدر أقوى من ضبط الكتابة .
وتستنتج من ذلك أن السنة المنقولة لنا بتلك الطرق أقوى يقينا من المنقولة بالكتابة الورقية وخاصة عند نظرك في المعايير التي التزمها السلف في تدوينهم للسنة .

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
سأحسن بك الظن يا نسيم واقول لك
أنت لم تفهم النصوص على وجهها
وعندما أجد الوقت سأرد إن شاء الله تعالى على كل شبهة ذكرتها​
 
الأخ نسيم
إذن الإشكال في فهم بعض الجهلة من العوام، بل الفساق على وجه الخصوص. والحل يكون بالعلم والبيان والوعظ.
ما لاحظته أنت في بلدك لم نلاحظه في بلاد كثيرة من بلاد المسلمين. ويرجع الأمر كما قلنا إلى الوعي بمسائل الدين.
المعتزلة ذهبت إلى كفر مرتكب الكبيرة الذي لم يتب منها. وأهل السنة والجماعة قالوا إن عصاة المسلمين قد يدخلون النار ولكنهم بعد استيفاء العذاب يدخلون الجنة. ونقول قد يدخلون النار، لأن هناك ميزان وهناك حسنات يذهبن السيئات وهناك توبة وهناك ...ألخ.
 
كلام الأخ نسيم - فيما أرى - كلام من يريد الحق ويبحث عنه ؛ وفهمه للنصوص فهم صحيح ؛ ولكن المشكلة أتت من الجمع بين النصوص ..
أخي الفاضل : النصوص التي أشرت إليها صحيحة في معظمها ومعناها هو ما ذهبت إليه في جل كلامك ؛ ولكن المسلم لا يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض ؛ ونفس ما استشكلته في السنة له نظائره في كتاب الله تعالى ولا فرق ..
ولك أن تسأل ما المخرج من هذا الذي يظن فيه التعارض ؟
والجواب : يكون ذلك بالرجوع لكلام أهل العلم ؛ولو أفردت كل نص أشكل عليك لوجدت الجواب من الخيرين في هذا الملتقى المبارك .
والخلاصة :
1 - النصوص الصحيحة تشير إلى جل ما ذكرت ؛ وهي ظاهرة فيه الظهور الأصولي .
2 - هناك نصوص أخرى - في الكتاب والسنة - تشير إلى المسؤولية الشخصية عن الأفعال ؛ وتحدد مسألة الشفاعة وآليتها ..إلخ.
3 - الواجب هو جمع النصوص في كل مسألة حتى يتضح الحق فيها ؛ ولو أخذت نصا واحدا ثم اتكلت عليه لابتعدت عن الطريق ولأشكل عليك كثير من الوحي بفرعين الكتاب والسنة .
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.
 
جُزيتُم أساتِذتي الكِرام خَيرا...
ما أُريدُ أن أُبيِّنَه أنَّ التَّعارُضَ الذي تحدَّثتَ عَنه أُستاذ إبراهيم لا يُمكِنُ حدُوثُه في الكُلِّيات وأساسيَّات الدِّين؛ وإنَّما يُتصوَّر حدُوثُه في النُّصوص الجُزئيَّة؛ إن في كِتاب الله تَعالى؛ وإن في السُّنَّة الصَّحيحة (ولأقُل المُصحَّحة كَما يحلُو للأستاذ عبد الجَواد ياسين أن يُعبِّر).
والحلُّ الوَحيد في فكِّ التَّعارُض أو الإشكال أو الاختِلاف هُو تدبُّر القُرآن الكَريم واستقراء آياتِه ودَلالاتِه على وَجه الاستيعاب؛ مَع تمكُّن المُستقرئ مِن رُوح القُرآن ومَنطِق القُرآن وقَوانين القُرآن ومُعايَشتِه الدَّائمة لآياتِه البيِّنات.
تأمَّلُوا مَعي هذه الآية الكَريمة: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء : 82].
ممَّا يُستَفادُ من الآية أنّ الإنسان بُدون تدبُّر القُرآن سيَجِدُ اختِلافا كَثيرا، وسيَقعُ في تَعارُضات وتناقُضات لا مَناصَ لَه مِنها؛هذا إذا تَعامَل الإنسان مَع النَّص القُرآني كنص صِرف؛ فكيفَ يكُون حالُه بربِّكُم إذا أضافَ إلى تِلك المَنظُومَة القُرآنيَّة أطنان الرِّوايات وآلاف الأَقوال؟! كيفَ سيخرُج مِن تِلك البَوتَقة الحَمئة؟! أم كَيفَ سينعتِقُ مِن تِلك الآصار؟! هُنا مَكمَن الأَزمة الفِكريَّة والعَقديَّة في العَالم الإسلامي بكُلِّ اختِصار! قلَّة تدبُّر للنُّصوص القُرآنيَّة، وقلَّة صَبر مَع آياتِه البيِّنات المُحكَمات؛ فيَقع الإنسان بِهذا في عَمى وضَلال؛ ومَن لَم يَجعل الله لَه نُور فمالَه مِن نُور!
لا أدَّعي أنَّ العُلماء والخيَّرين لَم يُقدِّمُوا شيئا للقُرآن الكَريم؛ كلُغة وبَيان وإعجاز؛ ولَكن كَقوانين وكُلِّيات (تصوُّرية أو عَمليَّة) أجزِم بأنَّ هُنالِك أخطاء تاريخيَّة في فَهم النَّص القُرآني سَببُها تَقديس المَورُوث، وجَعل أقوال الرِّجال سَقفا لِفهم النَّص القُرآني؛ كقَولِهم: لا يجُوز إحداثُ قُول ثالِث إذا اختَلفت (الأمَّة) على رأيين، وأشهَروا سيفَ ما يُسمَّى بالإجماع في كُلِّ ما يُخالِف مَذاهبهم ومُعتقداتِهم ولَو تبيَّن أنَّها عَين الضَّلال!!
أيَّة حُجَّة مِن عَقل أو مَنطِق أو شَرع تُحجِّر عليَّ أن لا أنظُر في كِتاب الله (المُبين المُيسَّر) وأتَّخِذَ دُون فَهمِه حُجبا ووسائِط؟! وأنَّى لي أن أُسلِّمَ بروايات تُعارِضُ كُليَّات القُرآن بِشكل صارِخ لا يَحتَمِل الرَّيب؟!
مَع ذَلك أتمنَّى مِن الإخوة الأفاضِل أن يفُكُّوا الإشكال فيما ألمَحتُ إليه مِن روايات في التَّدخُّل المَاضي؛ وأرجُو شيئا وَاحدا فقَط: إذا أُوِّلَت تِلك الروايات فلتُأوَّل تأويلات تُوافِق لُغَة الرِّوايات؛ لا كَما يَفعَل بَعض الشُّراح مِن تأويلات بعيدة لا تستقيم ولَفظ الرواية البتَّة!! وأرجو أيضا أن تُستقرأ في مَعني كُلِّ رواية كُل الآيات المُتعلِّقَة بِذلك المَوضوع. وجَزاكُم الله خَيرا.
وأحيلُكم للتوسع إلى مقالي: بين التفسير الفرقاني والتفسير الاصطلاحي
وإلى كتاب: السلطة في الإسلام للأستاذ عبد الجواد ياسين تجدونه على هذا الرابط أرجُو منكم قراءَته بِدقَّة؛ فهُو أوَّل كِتاب أوقَفني بوضُوح على خَلل المَنظومة الروائيَّة.
http://www.4shared.com/document/MB8Gw29K/___online.html
وإني في انتِظار تفاعُلِكُم.

أخي الكريم : تمطيط النقاش ؛ وتطويله ليس هدفا ؛ إنما الغاية هي بيان بعض الإشكالات التي تقع لبعض طلبة العلم الباحثين عن الحق في هذا المجال .
أولا : قولك : تأمَّلُوا مَعي هذه الآية الكَريمة: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء : 82].
ممَّا يُستَفادُ من الآية أنّ الإنسان بُدون تدبُّر القُرآن سيَجِدُ اختِلافا كَثيرا.

لا أعرف من أين أتيت بهذه الفائدة ؛ وكيف استفدتها من الآية القرآنية ؟ الذي يستفاد من الآية الكريمة هو الأمر بتدبر القرآن الكريم ؛ وقد وقع في آيتين صريحتين بهذا اللفظ "أفلا يتدبرون القرآن" ، كما يستفاد منها أنه لو كان من عند غير الله لوجد فيه اختلاف كثير ؛ وشتان بين المعنيين ؛ فتنبه حفظك الله لذلك .
ثانيا : قولك فكيفَ يكُون حالُه بربِّكُم إذا أضافَ إلى تِلك المَنظُومَة القُرآنيَّة أطنان الرِّوايات وآلاف الأَقوال؟! كيفَ سيخرُج مِن تِلك البَوتَقة الحَمئة؟!
أقول لك - أخي الكريم - لا بوتقة هنا ؛ وكثرة النصوص ليس عائقا دون التدبر ؛ وليس حاجزا دون الجمع بين النصوص واستيعابها جميعا .. صحيح أنه يحتاج إلى علم ويحتاج إلى تمرس وهذا شأن جميع العلوم ..
ثالثا : قولك : لا أدَّعي أنَّ العُلماء والخيَّرين لَم يُقدِّمُوا شيئا للقُرآن الكَريم؛ كلُغة وبَيان وإعجاز؛ ولَكن كَقوانين وكُلِّيات (تصوُّرية أو عَمليَّة) أجزِم بأنَّ هُنالِك أخطاء تاريخيَّة في فَهم النَّص القُرآني سَببُها تَقديس المَورُوث، وجَعل أقوال الرِّجال سَقفا لِفهم النَّص القُرآني؛ كقَولِهم: لا يجُوز إحداثُ قُول ثالِث إذا اختَلفت (الأمَّة) على رأيين، وأشهَروا سيفَ ما يُسمَّى بالإجماع في كُلِّ ما يُخالِف مَذاهبهم ومُعتقداتِهم ولَو تبيَّن أنَّها عَين الضَّلال!!
أيَّة حُجَّة مِن عَقل أو مَنطِق أو شَرع تُحجِّر عليَّ أن لا أنظُر في كِتاب الله (المُبين المُيسَّر) وأتَّخِذَ دُون فَهمِه حُجبا ووسائِط؟! وأنَّى لي أن أُسلِّمَ بروايات تُعارِضُ كُليَّات القُرآن بِشكل صارِخ لا يَحتَمِل الرَّيب؟!

أقول لك - أخي في الله - : القول بعدم جواز إحداث قول ثالث هو قول جمع من أهل العلم ؛ ولك ولغيرك أن يعارضه ؛ لكن الذي لا يحتمل المعارضة هو مخالفة الإجماع اليقيني ؛ وسبب ذلك هو قول المعصوم صلى الله عليه وسلم ..
نعم لك أن تعارض بأن إجماعا ما ليس صحيحا ؛ وأنه خالفه فلان وتثبت ذلك بالأدلة المعتمدة عند أهل العلم ؛ أما أن تقر بأنه إجماع ثم تعارضه ؛ فهذا هو المحظور وهو المخالف لنص القرآن الكريم "وما آتاكم الرسول فخذوه .." ومما آتانا الالتزام بالإجماع إذا وقع .
أما قولك بأن هناك روايات تعارض كليات القرآن الكريم ؛ فهل لي بمثال على ذلك من رواية صحيحة .
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
 
كيفَ لي أن أترُك عَشرات الآيات التي تُسوِّي بينَ الأُمم في الثَّواب والعِقاب، وأغضَّ الطَّرف عَن مَنهَج القُرآن في التَّسويَة بينَ البَشر جَميعِهم وأُعمِل رواية رواها فُلان أو علّان (مَع الاحترام للأئمة الكِرام جميعهم)؟!
الأخ نسيم عندي لك سؤال قد يبدو خارجا عن الموضوع لكنه مناسب وأريد أن أعرف رأيك فيه قبل أن أطرح غيره بإذن الله.
أريد منك جوابا صريحا حول رأيك في القضاء والقدر ؟ هل يقدر الله الخير والشر على عباده أم لا ؟
وفي انتظار جوابك من فضلك.
 
أخي الكريم نسيم :
أرجو منك أن تراجع بعضا مما قلته بشأن تدوين السنه النبويه ، فقد ثبت أن بعضا من الصحابه كان يكتب الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبدالله بن عمرو بن العاص .
روى الإمام أحمد في مسنده :
أن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : كنت أكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شئ أريد حفظه فنهتـنى قريش عن ذلك وقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ، يقول عبدالله : فأمسكت عن الكتابه وأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم : أُكتب فوالله ماخرج منى إلا الحق .
وكذلك فقد ذكر أبوهريره رضي الله عنه أن عبدالله بن عمرو كان يكتب علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : كان يكتب ولا أكتب .
ثم إنه من الواضح أنك لم تفتح كتابا حديثيا واحد ولو حتي من كتب المصطلح ، وإننى لأعجب من لهجتك علي علم الحديث وأهله علي الرغم من أن الصحابه هم من وضعوا أسس هذا العلم الجليل ، بل قيل بأن بعضا من أسسه وضعت في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
راجع معلوماتك الحديثيه واعمل علي تنميتها ، فهو علم لا تستغنى عنه بحال من الأحوال .
وأرجو ألا تحزن من كلامي أو تسئ فهمى فما ماأردت إلا النصح .
وفقنى الله وإياك وجميع أهل الملتقي إلي خدمه كتابه وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام أخي نسيم.
قولك أخي :
سلام الله عليكم أخي عبد الله ورحمة من الله وبركاتُه، وتحياتي العَطِرة إلى الإخوة جَميعِهم.
وبعدُ ففي تساؤلِك هذا؛ كثير مِن النَّاس مَن يزعُم أنَّها ممَّا تفرَّدَت بِه الروايات وممَّا استَدركَته (أو أضافَته) على بيانِ الله تَعالى الخاتَم!وهذا قَدح عَظيم على كِتاب الله تَعالى الذي أحكَم كُلَّ شيء وفصَّله تَفصيلا. وإن كانَ ثمَّة مِن عَتب فَعلى الرِّوايات التي تَحصِر الإيمانَ في بِضعَة بُنود وكأنَّ مَن آمَن بِها فقَد استَكمَل حقيقَة الإيمان غاضَّة الطَّرف عَن مئات الحَقائِق التي أمَرنا الله أن نُؤمِن بِها في القُرآن الكَريم.
بداية ليس إلى هذا كنت أرمي ، فأنا أعلم أن في كتاب الله دلائل على أنه تعالى مقدر كل شيء بل وفيه مزيد على ما تفضلت بإيراده. وستعلم من خلال ردي ما كنت أريد الوصول إليه.
لكني أسألك عن قولك :
وبالتَّالي فالإِنسان مُخيَّر حُر في أن يَفعَلَ ما يشَاء؛ ولَكِن لابُدَّ أن نَعلَم أنَّ مَشيئَة الإنسان لا تتحقَّق إلا بِمشيئة الله تَعالى.
يقُول تعالى في سُورة التَّكوير: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير : 29].
هل هذه المشيئة عندك تابعة لمشيئة الله أم مستقلة عنها ؟
إن قلت تابعة لها فليست هي إذن مشيئة حقيقية بل صورية كما قال تعالى ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) الانفال : 17
فلا تنسب إلى المخلوق إلا مجازا لا حقيقة . وحتى قوله تعالى ( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير : 29 . ينفي وجود مشيئة لا تحكمها مشيئة الله فهي إذن مخلوقة لتتناسب مع مشيئة الله وإلا فلو كانت بعكس ذلك وكان هذا المخلوق هو الذي سيخلقها من تلقاء نفسه لجاز أن تكون على عكس مشيئة الله تعالى وهذا محال.
ومن قال بأن مشيئة العبد مستقلة عن مشيئة الله تعالى فقد وقع في الكفر ، نعوذ بالله من ذلك.
وحيث بان أن الله هو المقدر لكل شيء ، فكيف تحصل التسوية بين البشر وقد خلقهم متميزين : هذا شقي وهذا سعيد ، هذا غني وهذا فقير ، هذا قوي وهذا ضعيف ... لحكمة أرادها عز وجل وما يعلم سرها إلا قليل.
وقد أوقفني كلام سابق قلتَ فيه :
( إذَن: تَفضيل الله بينَ الأنبياء إنَّما هُو مَبني على جُهدِهم وَعملِهم ... ) ونفيت أن يكون لأحد أيا كان أجر بلا عمل !!! فأين محض الكرم إذن يا أخي إن كان الأجر بمقدار ووزن ؟ وأنت لا شك تعلم أن معنى الكرم هو العطاء الزائد على الطلب ، ويصل في أعلى رتبه إلى عطاء بلا طلب ، خلافا للجود الذي هو بذل الموجود والمستطاع بعد الطلب . فكيف لا يتميز الله بأعلى رتب الكرم وهو الذي وصف نفسه بالكريم في غير ما آية ؟.
وكيف تحصل المفاضلة أو المغفرة المذكورتين في القرآن إن كان الأمر مستندا إلى وزن دقيق فحسب ! فيكون لمتصدق - كما ذكرتَ - ضعف ما لغيره بسبب عمل خفي كالتستر مثلا أو نية أحسن من نية غيره أوما إلى ذلك ، فمثل هذا إن كان أجره زائدا فبقدر ما زاد من عمله الخفي فقط وليس بفضل الله ، وإن كان الكل حقا من فضل الله لأنه الموفق للعمل ، لكن أقول : بهذا المنظور الذي نظرت به إلى المفاضلة فلا مفاضلة وإنما هي جزاء بقدر العمل فحسب . فأين المفاضلة يرحمك الله والآية تقول ( ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض ) فهو تعالى ينسب المفاضلة بينهم عليهم السلام لنفسه لا لعملهم وكسبهم ؟ ويقول في آية أخرى من سورة الحديد ( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ) ومعلوم أن المعيشة الدنيوية متفاضلة وكذا الأخروية لكن الآية تنسب الكل لله تعالى لا لكسب الخلق.
أما المغفرة التي لا تكون في نظرك إلا لتائب ، فأنا أسألك عن المشيئة الإلهية في قوله تعالى ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) أين هي ؟ إن كانت المغفرة إنما تحصل للتائب دون غيره فلا وجه لذكر المشيئة هنا بل الأولى - تبعا لوجهة نظرك - أن يقول : يغفر لمن تاب ويعذب من لم يتب ، فيكون الله ملزَما ( بفتح الزاي ) فقط وليس مخيرا في شيء.
وتقبلوا مروري بصدر رحب.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي نسيم
قلت أخي الكريم :

بالنِّسبَة لمَشيئَة العَبد فهِي حَقيقيَّة؛ ولكنَّها لا تتَحقَّق في الواقِع إلاَّبتهيئة الله تعالى لأسبابِها. فالله تَعالى وَضع كُلَّ المُعطَيات والقِوى (إن صحَّالتَّعبير) أمامَ الإنسان ليَختارَ طريقَ الشُّكر أو الكُفر بِحُرِّيَّة تامَّة؛

وصفك لها بالحقيقية خطير لأن معنى ذلك أنها غير معلومة عند الله ، إذ لو أقررت أنها معلومة مسبقا عند الله قبل نشوئها في خاطر العبد فلن تكون إذن بالوصف الذي ذكرتَ بل ستصبح مشيئة مقيدة بمشيئة الله بل وموافقة لها لأنه خالقها ، وكيف لا يكون خالقها وهو القائل في كتابه العزيز ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) ومشيئة العبد ضمن قوله تعالى "كل شيء".

ثم قلتَ أخي نسيم بعد ذلك : فأيُّ شَيء اختَارَه وشاءَه (والمَشيئة كما قُلت هي إرادَة قاصِدَة + تفاعل مَعالأَسباب) خَلق الله تَعالى الأَسباب التي تُحقِّق لَه مَشيئَته ...

إذن فخلق الأسباب هنا عندك تابع لمشيئة العبد كي يتناسبا ، وهذا تناقض لأنك تقر – كما فهمت من ردودك السابقة - بأن كل شيء مخلوق من عند الله مسبقا ومعلوم عنده قبل ظهوره في الكون ، فكيف تكون الأسباب ملائمة لمشيئة العبد وهي مشيئة غير معلومة ؟ وأقول غير معلومة لأنها لو كانت في نظرك معلومة لما قلت " بِحُريَّة تامَّة " فالحر من يختار وليس من تفرض عليه الإختيارات.

قلت أخي في ردك : نَعم يجُوز عَقلا أن يُعطي الله تَعالى لبَعض عبادِه ما لا يُعطي للآخَرين؛ ولَكن نَحن محكُومون بكلمات الله تَعالى وسُننه التي لَن مُبدِّلَ لها ولا مُعقِّبَ لحُكمِها!

أقول : هذه نقطة اتفاق لا بأس بها أوضحت لنا فيها رأيك جزاك الله خيرا ، فقد كنت أحسبك تنكرها وتتقيد بالآيات التي تفيد الجزاء بقدر العمل فحسب ، غير أنك تجوزها عقلا فقط ولا تعترف بحصولها فعلا وهذا ما لازلنا مختلفين فيه.
أخي الكريم ، كيف تحصل في نظرك الألوهية المطلقة لله إذا لم يقع منه حقا ذلك النوع من الكرم العالي ، وفي خلقه من وقع منه بل وتكرر مرارا وفي كل عصر وحين ، أيعقل أن يتصف به المخلوق حقيقة ثم نجوزه نحن على الله عقلا فقط ؟ معاذ الله إذن لما قدرناه تعالى حق قدره ، بل هو أكرم الأكرمين بلا منازع.
أما مثالك عن الرئيس ومرؤوسيه أخي الكريم فغير مقنع ما ذكرت فيه من أن تخصيص البعض دون البعض بقدر زائد مع استوائهم في الجهد سيكون نوعا من الظلم ، لأنه أولا قد يعطيهم جميعا نفس المقدار ثم يزيد بعضهم شيئا من عنده وهذا لا ضير فيه ، ألا يحل له أن يهدي شيئا لبعضهم دون بعض ؟
وثانيا هناك فرق شاسع بين الله وعباده ، والقياس مع وجود الفارق لا يجوز.
فالله ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) [الأنبياء:23] كما أن هذا العمل الذي يعمله العبد إنما هو مخلوق من عند الله لقوله تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ) ولقوله أيضا ( الله خالق كل شيء ) ، أضف إلى ذلك أن الله تعالى يقول ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ) فدلت الآية على عدم قبول شيء من الأعمال بلا إيمان ، وإذا كان الله تعالى يقول ( قل لا تمنوا علي إسلامكم بل
الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين ) فهذا نص صريح في أن مردَّ الإيمان حقيقة إلى الله وحده ، فبأي شيء يمن هذا العبد على ربه إذن وإيمانه الذي هو شرط لقبول الأعمال إنما وهبه الله إياه منة وكرما ؟ والشاهد من السنة النبوية ما رواه البخاري ومسلم ( واللفظ هنا للبخاري ) :
( لن يدخل أحدا عمله الجنة . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة ) الحديث.
فإن قلت بأن الآيات القرآنية تنص على أن من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا من الأجر والله لا يكذب ، قجوابه أن ذلك معناه أن يجازى العبد بعد أن تقبل أعماله ، فإن لم يقبلها الله فبأي حجة يحتج عليه العبد الضعيف وهو محجوج بأن إيمانه أصلا إنما هو من عند الله وأن طاعته أصلا إنما هي بعد توفيق الله لقوله تعالى ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) والشاهد لهذا في صحيح مسلم :
قال لي عمران بن الحصين : أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق ؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم ، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم ، ومضى عليهم . قال فقال : أفلا يكون ظلما ؟ قال : ففزعت من ذلك فزعا شديدا . وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده . فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون . فقال لي . يرحمك الله ! إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك . إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالا : يا رسول الله ! أرأيت ما يعمل الناس اليوم ، ويكدحون فيه ، أشيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق ، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم ، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال " لا . بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم . وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل : { ونفس وما سواها* فألهمها فجورها وتقواها }.
ثم كيف لأحد أن يعبد الله وهو منهك القوى جوعا وعطشا ؟
إذا كان الله هو من يطعمه ويسقيه ولو شاء لحرمه ، فكان بذلك سببا فيما يقوم به العبد من طاعات ، فما الذي بقي لهذا العبد المسكين كي يطلب عنه جزاء أويرى نفسه مستحقا لأن يثاب عليه ؟
بهذا يتضح جليا أن العطاء من الله في الآخرة محض كرم لا يستحق العبد منه شيئا أصلا ، وبه يظهر بطلان القياس في مثالك السابق أخي نسيم ، إذ كيف ينكر عليه أن يتفضل على البعض بأضعاف ما يعطيه لغيرهم وهم أصلا لا يستحقون شيئا.
فمن حق من أكرمه الله تعالى بشيء يوم القيامة أن يحمده تعالى على محاسبته بالفضل وعدم محاسبته بالعدل وإلا لما نجا ، فأحرى أن ينظر بعين السخط إلى غيره ممن زاده الله جزافاً بلا كيل ولا وزن .
بقي أن أضيف بأن الآيات الدالة على الجزاء يوم القيامة إنما تدل على خصوص لا عموم ، فكونها تدل مثلا على أن التائب مغفور له هذا لا يعني أن المغفرة مختصة بالتائبين فقط ، ومن ادعى ذلك فعليه بالدليل الواضح المبين.

قولك أخي :وأمَّا استِشهادُك بآية سُورة الزُّخرف (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍلِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّايَجْمَعُونَ) [الزخرف : 32]؛ فواضِح أنَّها في سياق الابتلاء وليسَت في سياقِالجَزاء.

أقول : بل فيها ما يدل على وجود تفاضل بين العباد وأن هذا التفاضل مرده إلى الله وحده لا إلى كسبهم ، وأحسبني وضحت الآن في هذا الرد أكثر.
نسأل الله أن يلهمنا السداد والتوفيق ، آمين.
 
عودة
أعلى