جُزيتُم أساتِذتي الكِرام خَيرا...
ما أُريدُ أن أُبيِّنَه أنَّ التَّعارُضَ الذي تحدَّثتَ عَنه أُستاذ إبراهيم لا يُمكِنُ حدُوثُه في الكُلِّيات وأساسيَّات الدِّين؛ وإنَّما يُتصوَّر حدُوثُه في النُّصوص الجُزئيَّة؛ إن في كِتاب الله تَعالى؛ وإن في السُّنَّة الصَّحيحة (ولأقُل المُصحَّحة كَما يحلُو للأستاذ عبد الجَواد ياسين أن يُعبِّر).
والحلُّ الوَحيد في فكِّ التَّعارُض أو الإشكال أو الاختِلاف هُو تدبُّر القُرآن الكَريم واستقراء آياتِه ودَلالاتِه على وَجه الاستيعاب؛ مَع تمكُّن المُستقرئ مِن رُوح القُرآن ومَنطِق القُرآن وقَوانين القُرآن ومُعايَشتِه الدَّائمة لآياتِه البيِّنات.
تأمَّلُوا مَعي هذه الآية الكَريمة: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) [النساء : 82].
ممَّا يُستَفادُ من الآية أنّ الإنسان بُدون تدبُّر القُرآن سيَجِدُ اختِلافا كَثيرا، وسيَقعُ في تَعارُضات وتناقُضات لا مَناصَ لَه مِنها؛هذا إذا تَعامَل الإنسان مَع النَّص القُرآني كنص صِرف؛ فكيفَ يكُون حالُه بربِّكُم إذا أضافَ إلى تِلك المَنظُومَة القُرآنيَّة أطنان الرِّوايات وآلاف الأَقوال؟! كيفَ سيخرُج مِن تِلك البَوتَقة الحَمئة؟! أم كَيفَ سينعتِقُ مِن تِلك الآصار؟! هُنا مَكمَن الأَزمة الفِكريَّة والعَقديَّة في العَالم الإسلامي بكُلِّ اختِصار! قلَّة تدبُّر للنُّصوص القُرآنيَّة، وقلَّة صَبر مَع آياتِه البيِّنات المُحكَمات؛ فيَقع الإنسان بِهذا في عَمى وضَلال؛ ومَن لَم يَجعل الله لَه نُور فمالَه مِن نُور!
لا أدَّعي أنَّ العُلماء والخيَّرين لَم يُقدِّمُوا شيئا للقُرآن الكَريم؛ كلُغة وبَيان وإعجاز؛ ولَكن كَقوانين وكُلِّيات (تصوُّرية أو عَمليَّة) أجزِم بأنَّ هُنالِك أخطاء تاريخيَّة في فَهم النَّص القُرآني سَببُها تَقديس المَورُوث، وجَعل أقوال الرِّجال سَقفا لِفهم النَّص القُرآني؛ كقَولِهم: لا يجُوز إحداثُ قُول ثالِث إذا اختَلفت (الأمَّة) على رأيين، وأشهَروا سيفَ ما يُسمَّى بالإجماع في كُلِّ ما يُخالِف مَذاهبهم ومُعتقداتِهم ولَو تبيَّن أنَّها عَين الضَّلال!!
أيَّة حُجَّة مِن عَقل أو مَنطِق أو شَرع تُحجِّر عليَّ أن لا أنظُر في كِتاب الله (المُبين المُيسَّر) وأتَّخِذَ دُون فَهمِه حُجبا ووسائِط؟! وأنَّى لي أن أُسلِّمَ بروايات تُعارِضُ كُليَّات القُرآن بِشكل صارِخ لا يَحتَمِل الرَّيب؟!
مَع ذَلك أتمنَّى مِن الإخوة الأفاضِل أن يفُكُّوا الإشكال فيما ألمَحتُ إليه مِن روايات في التَّدخُّل المَاضي؛ وأرجُو شيئا وَاحدا فقَط: إذا أُوِّلَت تِلك الروايات فلتُأوَّل تأويلات تُوافِق لُغَة الرِّوايات؛ لا كَما يَفعَل بَعض الشُّراح مِن تأويلات بعيدة لا تستقيم ولَفظ الرواية البتَّة!! وأرجو أيضا أن تُستقرأ في مَعني كُلِّ رواية كُل الآيات المُتعلِّقَة بِذلك المَوضوع. وجَزاكُم الله خَيرا.
وأحيلُكم للتوسع إلى مقالي: بين التفسير الفرقاني والتفسير الاصطلاحي
وإلى كتاب: السلطة في الإسلام للأستاذ عبد الجواد ياسين تجدونه على هذا الرابط أرجُو منكم قراءَته بِدقَّة؛ فهُو أوَّل كِتاب أوقَفني بوضُوح على خَلل المَنظومة الروائيَّة.
http://www.4shared.com/document/MB8Gw29K/___online.html
وإني في انتِظار تفاعُلِكُم.