قال أحد الطلاب لزميله : لم يزد الشيخ على ما في الشرح !

إنضم
23/04/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
الحمد لله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وهو على كل شيء قدير ، والصلاة والسلام على محمد خير بشير ونذير أما بعد :
فهذه حكاية قرأتها في ترجمة العالم الحنبلي محمد بن عبد الرحمن بن عفالق الأحسائي(1) في كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة في 3/ 928: هذا نصها :
وكان شخص من أقاربه يقرأ عليه [مع](2) رفقة له في " قواعد الإعراب " فلما خرج قال لبعض الطلبة : لم يزدنا الشيخ على ما في الشرح ، فنُقِلتْ (3) هذه الكلمة إلى الشيخ ، فلما كان من الغد ، وحضر الطلبة ، قال الشيخ لذلك الشخص: اقرأ الدرس الماضي ، فقرأه ، وشرع الشيخ في التقرير في أبلغ عبارة ، وأوسع نقل إلى الضحوة ، ثم قال لذلك التلميذ: ما فَهِمْتَ من هذا ؟
فقال : لم أفهم شيئا منه ، فقال : لهذا لم أزدك على ما في الشرح
.(4) اهـ .


هذه المسألة "التدرج في التعليم" ، وإعطاء الطلاب ما يدركون ، وترك التعمق فيما لا يفهمونه ، وتقسيمهم طبقات ، منهج معروف في ذاك الزمان ، وقبله ، وبعده ، أما الآن فقل ، أو انعدم من يفعله ، وهذا يُحدث خللا كبيرا في التلقي ، فالطالب المبتدئ الذي يحضر درسا ، ثم يجد الشيخ يتوسع بكل ما آتاه الله من قدرة سيخرج كما خرج هذا : لم يفهم شيئا .
كما أن الطالب الفطن المتقدم في الطلب إذا حضر درسا للشيخ لم يزد فيه الشيخ شيئا على معلومه ، سيفتر ، أو يقف عن الحضور ، لأنه لم يجد أهم ما جاء من أجله .
والتعليم فن يحتاج إلى إتقان ، وبعد نظر
فكم رأيتم مَن بدأ بكتاب مختصر في أحد الفنون كالعمدة في الفقه ، مثلا للمبتدئين فطول العبارة ، وتوسع في ذكر الفروع ، والخلاف ، والكلام على علل الأدلة ..الخ ، فصار الكتاب أوسع من المغني ، والمجموع ، وهو درس للمبتدئين !
وكمن شرح النخبة فزاد في بعض مباحثه على فتح المغيث .. والضحية مَن خرج ، ولم يفهم ، بل ربما ترك طلب العلم مطلقا .
فهلا طبق ذلك المشايخ ، وطلبة العلم ؟
والعجيب أنك دائما تسمع الوصية للطلبة بالتدرج ، ثم يقل أن تجد من يطبق .
ومن صور الفوضى في ذلك أن يَترك الشيخ للطالب اختيار الكتاب الذي يريده ، فيجهز الطالب على كتاب كبير ليس منه بسبيل ، أو علم هو فيه دخيل .
وعكسها أن ينظر الشيخ لمصلحته هو ، فيأمر الطالب أن يقرأ عليه في كتاب يريده هو ، فينظر مصلحته ، وينسى ما ينفع التلميذ المسكين ، وهذا فيه نوع غش لهذا الطالب المسكين فليس من النصح للمسلمين ـ وقد وقفت على شيء من ذلك ـ .
هذه خواطر كانت تجول في الذهن من زمن مررت بهذه القصة ، فكانت مناسبة لها .
والله أعلم ، والسلام عليكم ورحمة الله ، وبركاته .

-------------------
(1) هذا الرجل من المتعصبين ضد دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ نعوذ بالله ـ كما في ترجمته هناك .
(2) في المطبوع : من ، وأظن الصواب ما أثبت .
(3) هذه نميمة قبيحة ، وكان الأولى بهذا الناقل أن لا يسمي من نقل بل يذكر الكلام على الإبهام .
(4) يبدو أن هذا الشيخ حريص على هذا الذي ذكرت ففي ترجمته أنه قال عند موته لتلميذه : في صدري أربعة عشر علما لم أسأل عن مسألة منها قبلك . 3/928.
 
بارك الله في خواطرك الممتعه

بارك الله في خواطرك الممتعه

حرصاً على الاختصار لا أزيد إلا بالثناء على أصل الخاطرة وينبغى على طالب العلم اذا تصدر للتدريس أن يعلم بأن ماسيعلمه اقل مما تعلمه فلا يمكن للمرء أن يدرس كتابا إلا وقد اطلع على ماهو اوسع من هذا الكتاب .. ورحم الله من عرف قدر نفسه وجلس دونه ..قال تعالى ((كونوا ربانيين..)) قال ابن عباس رضي الله عنه أي: علماء حكماء . وفي رواية : الرباني هو الذي يعلم الناس صغار العلم قبل كباره .. ولهذا أهل العلم في جميع العلوم جعلوا كتبا مختلفة في العلم الواحد فمثلاً ابن قدامه ـ حامل لواء فقه السادة الحنابلة ـ ألف العمدة للمبتدئين وفوقه المقنع وفوقه الكافي وفوقه الكافي وفوقه المغني .. ومثله ابن هشام الانصاري النحوي الف في النحو : قطر الندى للمبتدئين وفوقه شذور الذهب وفوقه اعراب الجمل وما يلحق بها وفوقه اوضح المسالك وفوقه مغني اللبيب عن كتب الأعاريب .. وغيرهم كثير والواجب على من تصدى للتدريس أن يعلم أن الطالب _ المتلقي_ هو محور العملية التعليمية فلا يثقل عليه فلا يحاول أن تكون نهايته هو هي بداية الطالب بل يتذكر بدايته هو ويجعل الطالب يسير كما سار.. وللخواطر بقيه ان كتب الله لنا الفسحة في الوقت كتبت واكرر شكري لصاحب الطرح الأول
 
جزاك الله خيرا

قال العلامة عبد القادر بن بدران في المدخل ص485 وبعدها:
لطائف قواعد
اعلم أن كثيرا من الناس يقضون السنين الطوال في تعلم العلم بل في علم واحد ، ولا يحصلون منه على طائل ، وربما قضوا أعمارهم فيه ، ولم يرتقوا عن درجة المبتدئين ، وإنما يكون ذلك لأحد أمرين:
أحدهما: عدم الذكاء الفطري ، وانتفاء الإدراك التصوري ، وهذا لا كلام لنا فيه ، ولا في علاجه.

والثاني: الجهل بطرق التعليم ، وهذا قد وقع فيه غالب المعلمين ، فتراهم يأتي إليهم الطالب المبتدىء ليتعلم النحو مثلا ، فيشغلونه بالكلام على البسملة ، ثم على الحمدلة أياما ، بل شهورا ! ليوهموه سعة مداركهم ، وغزارة علمهم ، ثم إذا قدر له الخلاص من ذلك ، أخذوا يلقنونه متنا ، أو شرحا بحواشيه ، وحواشي حواشيه ، ويحشرون له خلاف العلماء ، ويشغلونه بكلام من رد على القائل ، وما أجيب به عن الرد ، ولا يزالون يضربون له على ذلك الوتر حتى يرتكز في ذهنه أن نوال هذا الفن من قبيل الصعب الذي لا يصل إليه إلا من أوتي الولاية ! وحضر مجلس القرب ! والاختصاص .
هذا إذا كان الملقن يفهم ظاهرا من عبارات المصنفين ، وأما إذا كان من أهل الشغف بالرسوم أشير إليه بأنه عالم فموه على الناس ، وأنزل نفسه منزلة العلماء المحققين ، وجلس للتعليم ، فيأتيه الطالب بكتاب مطول ، أو مختصر فيتلقاه منه سردا لا يفتح له منه مغلقا ، ولا يحل له طلسما ، فإذا سأله ذلك الطالب المسكين عن حل مشكل انتفخ أنفه ، وورم ، وقابله بالسب ، والشتم ونسبه إلى البهائم ، ورماه بالزندقة ، وأشاع عنه أنه يطلب الاجتهاد !.
ومن أولئك من لا يروم الحماقة لكنه يقول إننا نقرأ الكتب للتبرك بمصنفيها ، وأكثر هؤلاء هم الذين يتصدرون لإقراء كتب المتصوفة فإنهم يصرحون بأن كتبهم لا يفهمها إلا أهلها ، وأنهم إنما يشغلون أوقاتهم بها تبركا !
ولعمري لو تبرك هؤلاء بكتاب الله المنزل لكان خيرا لهم من ذلك الفضول ، وهؤلاء كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى .
ومنهم من يكون داريا بالمسائل وحل العبارات ، ولكنه متعاظم في نفسه فإذا جاءه طالب علم الفقه أحاله على شرح منتهى الإرادات إن كان حنبليا ، وعلى الهداية إن كان حنفيا ، وعلى التحفة إن كان شافعيا ، وعلى شرح مختصر خليل للحطاب إن كان مالكيا ، ثم إن كان مبتدئا صاح قائلا إلى الملتقى يوم الدين وإن كان ممن زاول العربية ، وأخذ طرفا من فن أصول الفقه انتفع انتفاعا نسبيا لا حقيقيا.
ـ إلى أن قال ـ : فالواجب الديني على المعلم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يقرئهم أولا كتاب أخصر المختصرات أو العمدة للشيخ منصور متنا إن كان حنبليا ، أو الغاية لأبي شجاع إن كان شافعيا ، أو العشماوية إن كان مالكيا أو منية المصلي أو نور الإيضاح إن كان حنفيا ، ويجب عليه أن يشرح له المتن بلا زيادة ولا نقصان بحيث يفهم ما اشتمل عليه ويأمره أن يصور مسائله في ذهنه ، ولا يشغله بما زاد على ذلك .
وقد كانت هذه طريقة شيخنا العلامة الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بـ"خطيب دوما" المتوفى بالمدينة المنورة سنة ثمان وثلاثمائة بعد الألف ـ وكان ـ رحمه الله ـ يقول لنا: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور أنه يريد قراءته مرة ثانية ؛ لأن هذا التصور يمنعه عن فهم جميع الكتاب ، بل يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية أبدا ، وكان يقول كل كتاب يشتمل على مسائل ما دونه وزيادة ، فحقق مسائل ما دونه لتوفر جدك على فهم الزيادة ، انتهى.
ـ إلى أن قال ـ : وطرق التعليم أمر ذوقي ، وأمانة مودعة عند الأساتذة ، فمن أداها أثيب على أدائها ، ومن جحدها كان مطالبا بها ، وقد أودع ابن خلدون في مقدمة تاريخه نفائس من هذه المباحث كالمقدمات ، ومطالعتها تهدي النتيجة لصادق الهمة مطلق من قيد التقليد ، ولله در ابن عرفة المالكي حيث قال:
إذا لم يكن في مجلس الدرس نكتة * وتقرير إيضاح لمشكل صورة
وعزو غريب النقل أو حل مقفل * أو إشكال أبدته نتيجة فكرة
فدع سعيه وانظر لنفسك واجتهد * ولا تتركن فالترك أقبح خلة.
 
عودة
أعلى