قاعدة :القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ( هل هي على إطلاقها؟)

أم الأشبال

New member
إنضم
30/06/2004
المشاركات
503
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم

قاعدة :القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا ( هل هي على إطلاقها؟)[/align]



الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا عضو جديد،وهذه أول مشاركة لي في هذا الملتقى المبارك:

كثير من العلماء الأجلاء يتخذون قاعدة مهمة في تفسير القرآن آلا وهي: " القرآن يفسر بعضه بعضا"، وهذا لا إشكال فيه ، لكن هل هذه القاعدة على إطلاقها ! ، أم أن لها قيودا معتبرة . !؟

وفيما يلي سأعرض بعض كلام أهل العلم عن هذه القاعدة:
قال ابن كثير:
"والقرآن يفسر بعضه بعضا. وهو أولى ما يفسر به، ثم الأحاديث الصحيحة، ثم الآثار.
وقال:
إن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟
فالجواب: إن أصح الطرق في ذلك أن يُفَسَّر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، رحمه الله: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى: { إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا } [ النساء: 105] ، وقال تعالى: { وَأَنزلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نزلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ النحل: 44] ، وقال تعالى: { وَمَا أَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 64] .
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني: السنة. والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي، كما ينزل القرآن؛ إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن، وقد استدل الإمام الشافعي، رحمه الله وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسيرَ القرآن منه، فإن لم تجدْه فمن السنة، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: "بم تحكم؟ ". قال: بكتاب الله. قال: "فإن لم تجد؟". قال: بسنة رسول الله. قال: "فإن لم تجد؟ ". قال: أجتهد برأيى. قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وقال: "الحمد لله الذي وفَّق رَسُولَ رسولِ الله لما يرضى رسول الله"، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد، كما هو مقرر في موضعه.
وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة، رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه ."

وقال القرطبي:
"والحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا."

وقال الآلوسي:
"والحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا."

وورد في الدر المنثور للسيوطي:
"وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله { مثاني } قال : القرآن يشبه بعضه بعضاً ، ويرد بعضه إلى بعض .
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما { كتاباً متشابهاً } حلاله وحرامه لا يختلف شيء منه . الآية تشبه الآية ، والحرف يشبه الحرف { مثاني } قال : يثني الله فيه الفرائض ، والحدود ، والقضاء .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه { كتاباً متشابهاً } قال : القرآن كله مثاني . قال : من ثناء الله إلى عبده .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله { متشابهاً } قال : يفسر بعضه بعضاً ، ويدل بعضه على بعض .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي رجاء رضي الله عنه قال : سألت الحسن رضي الله عنه عن قول الله تعالى { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً } قال : ثنى الله فيه القضاء . تكون في هذه السورة الآية ، وفي السورة الآية الأخرى تشبه بها ."

وقال صاحب أضواء البيان:
"والقرآن يفسر بعضه بعضاً ، فالمذكور هناك كأنه مذكور هنا ، لأن كلام الله يصدق بعضه بعضاً."

وقال الزرقاني في مناهل العرفان:
" وقد قالوا إن القرآن يفسر بعضه بعضا ، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ موافقته لما سبق له من القول، واتفاقه مع جملة المعنى ، وائتلافه مع المقصد الذي جاء له الكتاب بجملته "

وفي ما قاله الزرقاني كما أعتقد قواعد يجب أن نلتفت إليها عند تفسير القرآن بالقرآن ، وهي:
1- اتفاق التفسير مع جملة المعنى ، ويبدو لي أنه يقصد المعنى الذي تتحدث عنه الآيات.، وكما قال صاحب أضواء البيان " القرآن يصدق بعضه بعضا " ، فلا يتناسب أن تفسر الآية بتفسير يخالف السياق ، لتتناسب مع تفسير آية أخرى وضعت في سياق آخر يخالف سياقها.
2- وائتلافه مع المقصد الذي جاء له الكتاب بجملته.

ياترى هل ما فهمته صحيح ، وهل هناك ضوابط أخرى لهذه القاعدة المهمة؟
و أرجو من اخواني الأفاضل أن لا يبخلوا بعلمهم ولا توجيههم ، جزاهم الله تعالى كل خير.
 
أخي أبا الأشبال بورك فيك .. ما معنى العموم في إطلاق القاعدة أو الخصوص في ذلك .. حتى يتضح مقصودكم بالبحث ..
 
أخي الفاضل فهد أشكرك على اهتمامك،
أريد الضوبط التي تضبط هذه المسألة بالذات،ومراتبها،جزاك الله خيرا.
 
[align=center]الحمد لله

أخي الكريم

سؤالك غير مفهوم....فحبذا لو بينت المقصود بقولك على اطلاقه

فهل معنى سؤالك هو : هل القرآن كاف لبيان معاني آياته دون حاجة الى السنة ؟

أرجو توضيح سؤالك

فمن المسلم به أن ألله تعالى أعلم بمراده في القرآن من غيره

لذلك كان أول ما يفسر به القرآن وأولى ما يفسر به هو القرآن نفسه. [/align]
 
الحمد لله تعالى ،والصلاة والسلام على نبينا محمد.

حسنا أخي الفاضل المجلسي:


قال الدكتور مساعد الطيار:


أما ورود تفسير القرآن بالقرآن عن غير الرسول فإنه قد قيل باجتهاد الـمفسر ، والاجتهاد معرض للخطأ.
وبهـذا لا يمكن القول بحجيّـة تفسير القـرآن بالقـرآن مطلقاً ، بحيث يجب قبوله ممن هو دون النبي -صلى الله عليه وسلم- ، بل هو مقيد بأن يكون ضمن الأنــواع الـتـي يجـــب الأخذ بها في التفسير(27).
هذا.. وقد سبق البيان أن تفسير القرآن بالقرآن يكون أبلغ الـتـفـاسـير إذا كان المفسّرُ به من كبار المفسرين من الصحابة ومن بعدهم من التابعين.
وأخيراً:
فإن كون تفسير القرآن بالقرآن من التفسير بالرأي ، لا يـعـنـــي صعوبة الوصول إليه في كل حالٍ ، بل قد يوجد من الآيات ما تفسّر غيرها ـ ولا يكاد يختلف في تفسيرها اثنان ، مثل تفسير »الطارق« في قوله (تعالى): ((وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ)) [الطارق: 1] بأنه يُفسر بقوله (تعالى): ((النَّجْمُ الثَّاقِبُ)) [الطارق: 3] ، ومثل هذا كثيرٌ في القرآن ، والله أعلم." أهـــــــــــــ

الذي ذكره الشيخ الفاضل فيما سبق أستطيع أن أقول انه من الضوابط.

ثم إذا أتى مجتهد وأراد أن يفسر القرآن بالقرآن الكريم، فلابد أن لا يخالف السنة بتفسيره.

قال تعالى:

{قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }(آل عمران:32).
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً }(النساء:61).
{وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً }(النساء:69).
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }(النساء:80).


مثال :

قال القرطبي:
" اختلف العلماء في تقدير مسحه - يقصد الرأس - على أحد عشر قولا ، ثلاثة لأبي حنيفة ، وقولان للشافعي ، وستة أقوال لعلمائنا ، والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم ... وأجمع العلماء على أن من مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه .

وقال - قاصدا قوله تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}(المائدة:6) –:
"والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض : والمعنى وامسحوا رؤوسكم ، وقيل دخولها هنا كدخولها في التيمم في قوله تعالى : {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ }(المائدة:6)
فلو كان معناها التبعيض لأفادته في ذلك الموضع ، وهذا قاطع.

ينظر:تفسير القرطبي:6/57،القرافي:الذخيرة:1/ 259.

وهذا التفسير من القرطبي أو من غيره ، لا يتعارض مع السنة فقد ورد فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على رأسه كله .

فأنا أريد الضوابط التي يجب أن يلتزم بها المجتهد عند تفسيره للقرآن الكريم بالقرآن الكريم.

ولقد تفكرت في هذا الموضوع لسبب ،وسأورده بإذن الله تعالى،فيما يلي:
 
وقبل أن أطرح السبب المباشر لطرحي لمثل هذا السؤال يسرني أن أطلعكم على التالي:

بحثي: ( مطر الغمامة في المسح على العمامة ) ، والذي يظهر منه منشأ الخلاف الذي دعا العلماء إلى كل هذا الاختلاف في تقدير مسح الرأس في الوضوء،وسيظهر للناظر فيه بإذن الله تعالى لماذا أسأل عن الضوابط ، فقد قام بعض العلماء بتأويل نصوص السنة أو فهموها كما لم يفهمها الصحابة رضي الله عنهم، مما قد يوهم أن هناك تعارضا بين القرآن والسنة .


http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=124049

وهذا موضوع ذو صلة كتبته في الألوكة:

هل يمكن أن يتعارض الوحيان؟!

http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=11538


وهذا أيضا موضوع ذو صلة:
وجه الدلالة من قوله صلى الله عليه وسلم "فإن الله وتر يحب الوتر"

http://www.alukah.net/majles/showthread.php?t=11994
 
وجهت سؤالا وجوابا للشيخ صالح بن عواد المغامسي حفظه الله تعالى، وهو كالتالي:

قال تعالى ، على لسان مريم عليها السلام:

{ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }{مريم:18}

اشترطت مريم بقولها { إِن كُنتَ تَقِيّاً }

تأملت هذه الآية طويلا فرأيت:

أنها تقصد : " إن تركت تقواك وخوفك من الله تعالى ــــــ << فأنا أعوذ بالرحمن منك "

فما رأي فضيلتكم ؟

الجواب:

كان الجواب كما أذكر : كلام علمي جيد.
ـــــــ
فانهالت الاعتراضات ، ومن حقهم الاعتراض ، لكني لم أقتنع، وذلك، لما يلي:

* قال أحد أهل العلم المعاصرين - حفظه الله - :
" في يوم من الأيام خلت مريم بنفسها لقضاء شأن من شئون العذراء الخاصة، وفجأة انحبس صوتها وشخص بصرها، إنها مفاجأة مذهلة تأخذ العقول! بل وتصدع الأفئدة، ما هذا؟! بشر سويٌ في خلوة العذراء البتول الطاهرة؟! وسرعان ما استغاثت بالله، ولجأت إلى الله، ونظرت إليه وقالت: إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا [مريم:18]، أي: إن كنت ممن يتقي الله وممن يخشى الله فإني أعوذ بالرحمن منك، ولم تقل: فإني أعوذ بالجبار منك، ولم تقل: فإني أعوذ بالغفار منك، وإنما استجاشت الرحمة في قلبه بذكر اسم الرحمن، فقالت: إني أعوذ بالرحمن منك، أي: ارحم ضعفي! وارحم أنوثتي! وارحم خلوتي!! "

لكن وبصراحة أيصح مثل هذا الكلام) : استجاشت الرحمة في قلبه بذكر اسم الرحمن، فقالت: إني أعوذ بالرحمن منك،أي: ارحم ضعفي! وارحم أنوثتي! وارحم خلوتي!! )

ووضحت وجهة نظري بالتالي:
" أولا:

قال تعالى:
(إنْ كنتُ قلتُهُ فقد علمتَهُ)
و(يا ليتني كنتُ معهُمْ فأفوزَ)
و(كنتَ أنتَ الرّقيبَ عليهم)
و(وما كنتَ ثاوياً في أهلِ مَدينَ)
ثانيا: وقوله تعالى :
{ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }
في الجملة شرط وهو " إن كنت تقيا " ، وأين جزاء الشرط : هو كما أرى :" إني أعوذ بالرحمن منك"
هل يستقيم المعنى ، إذا قلنا أنها تعوذ بالله منه لأنه تقي.
وورد في صحيح البخاري:
قَالَ أَبُو وَائِلٍ عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ:
{ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا }
هل يتعارض هذا الكلام مع ما قلته سابقا ؟!
طبعا وكما أظن: لا يتعارض.
ثالثا:
لما أتى سعيد بن جبير الحجاج، قال: أنت شقي بن كسير ! قال: أنا سعيد بن جبير.
قال: لاقتلنك.
قال: أنا إذا كما سمتني أمي.
قال: دعوني أصلي ركعتين.
قال: وجهوه إلى قبلة النصارى.
قال: * (أينما تولوا فثم وجه الله) * (1).
قال: إني أستعيذ منك بما عاذت به مريم.
قال: وما عاذت به مريم ؟ قال: قالت: * (إني أعوذ بالرحمان منك إن كنت تقيا) * (2).
قال سفيان: لم يقتل بعد سعيد بن جبير إلا رجلا واحدا.
هل كان الحجاج تقيا.!!
رابعا:
هل يتعارض ما قلته مع لغة العرب.!
قال الشاعر:
لعمرُكَ ما أدْري وإنْ كُنتُ دارياً ... شُعيثُ ابنُ سهمٍ أم شُعيثُ ابنُ منقرِ
وقال الشاعر:
فبِيني بها أن كنتِ غير رفيقةٍ ... وما لامرئٍ بعد الثلاث مقدَّمُ
وقال الشاعر:
إنْ كُنتُ قاضيَ نحْبي يومَ بينكُم ... لو لم تمنّوا بوعدٍ غيرِ توديعِ
وقال الشاعر:
لظلّ صدى صوتي وإن كنتُ رِمّة ... لصوتِ صدى ليلى يهَشّ ويَطربُ
والله أعلم وأحكم." أهـــ

وبينت المسألة أكثر فقلت:
" قال تبارك وتعالى: { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى }
والسيدة مريم كانت استعاذتها على سبيل دعاء المضطر ، وهنا تذكرت دعاء نبي الله أيوب عليه السلام عندما قال:

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }(الأنبياء:83) ، وعندما قالت السيدة مريم : { قَالَتْ

إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً }(مريم:18) ، فهي تدعوا الله تعالى بصفة من صفاته الذاتية ، وهي الرحمة،

والرحمن اسم له سبحانه لا يسمى به غيره ، فغيره سبحانه لا يستطيع حمايتها في هذه اللحظة ، فهي في مكان لا

أحد فيه، وفي هذا الأسلوب من التذلل لله وصدق اللجأ إليه ما لا يخفى ، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

: {لا يرحم الله من لا يرحم الناس }، فكان في دعاء السيدة مريم تذكير بذكرها للتقوى ، فهي بذلك ترحم هذا

الشخص من فعل المعصية ، لتحظى برحمة الله تعالى في هذه اللحظة ، والرحمن: هو ذو الرحمة الشاملة لجميع

الخلائق في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة، فكأنها لا تزكي نفسها في هذه اللحظة عليها السلام وهذا أيضا من أسباب

استجابة الدعاء.

والله أعلم وأحكم."
وقلت:
"لقد رجعنا إلى النقطة الأساسية التي جعلتني أفكر في هذا الموضوع منذ أشهر، فكيف تقول السيدة مريم لرجل لا تعرف من هو دخل عليها فجأة:
{ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّا }



فالإشكال : يتركز في نقطة وهي : كيف لها أن تقول لرجل لا تعرفه إن كنت أنت فعلا تقي ؛ فإني أعوذ بالرحمن منك .

فالرحمن رب كل المخلوقات والذي سبقت رحمته غضبه قادر على أن يعيذها من كل المخلوقات البر والفاجر، لكن إذا افترضنا:

1- أن هذا الرجل فاجر في ما سبق من حياته - كرم الله جبريل عليه السلام - فيناسب أن يكون المعنى : " إن كنت لا تخاف الله فإني أعوذ بالله الرحمن منك ".
2- أو" وإن كنت تخاف الله فيما سبق من حياتك ، والآن لا تخافه لأنك دخلت علي في مكان وأنا مختلية بمفردي، فأنا أعوذ بالله منك ".
3- أو إن كنت تقي الآن وتخاف الله ولا تريد بي سؤا فأنا أعوذ بالله منك.

هذا ما أفكر فيه منذ أشهر ؟"

وقلت:
"الموقف يترجح فيه أمر وهو ( سوء الظن ) على ( حسن الظن ) ، وإن كان شكل الذي أمامك يشجع أو إذا صح التعبير تظن انه يمكن أن يستفيد من التذكير.

والأمر هنا حساس ، لمن يتفكر فيه ، فمريم عليها السلام عاقلة وذكية ، والموقف ليس (فلما خياليا )بل واقعا ، وموقفا شديدا ، وهي لا تعلم الغيب."

المهم في آخر المطاف ، قال أحد الفضلاء التالي:

" قال تعالى:
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ
على قراءة إن يظهر أن تركيبها اللغوي يشبه قوله تعالى:
إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
وما يظهر من الآية الأولى يظهر من الآية الثانية
فهذا القرآن يصدق بعضه بعضا
والله الموفق للصواب
ثم قال:
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ
ومن كسر جعلها للشرط وما قبلها جوابا لها؛ لأنها لم تعمل في اللفظ. ونظيره: "وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين" / القرطبي"

هذا السبب الذي جعلني أفكر في قضية الضوابط التي يجب أن تراعى في ما يخص تفسير القرآن بالقرآن الكريم.

رابط الموضوع وفيه فوائد أكثر:

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=123193
 
الحمد لله

أخي الكريم حفظك الله

في ثنايا كلامك مسائل كثيرة أجتزئ بذكر تعليق على اثنتين منها

أولا

أعود الى سؤالك وهو عنوان البحث الاصلي

هل تفسير القرآن بالقرآن على اطلاقه ؟

ما ذكره الشيخ الطيار امر صحيح

فتفسير العالم للقرآن بالقرآن من جهة هو من التفسير بالنقل لكنه من جهة أخرى و بالنظر الى ان المفسر ليس بالمعصوم

ففيه شعبة من الاجتهاد من هذه الناحية...غير أن ذلك يتفاوت بحسب دلالة القرآن ومرتبة النصوص المفسرة...فمنها

ما يكون نصا قاطعا و منها ما يكون ظاهرا راجحا لكنه يحتمل ومنها دون ذلك....فأما اذا فسر المجتهد القرآن بالقرآن

وكان المفسر به نصا قاطعا في المسألة فهو كما قلت لاغبار عليه كما مثلت بالطارق...وكذلك قوله تعالى

وأورثناها قوما آخرين...يفسر بقوله تعالى واورثناها بني اسرائيل....وقوله تعالى مالك يوم الدين يفسر بقوله

ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا و الامر يومئذ لله.....وهكذا

وعموما فالتفسير كله إن لم يجئ عن رسول الله صلى اللهع ليه و سلم فهو بحسب هذه النظرة التي تفضلت بها هو

اجتهاد من غير المعصوم ..واذا كان كذلك فإن تفسير القران بالقران اعلى درجات التفسير.

أما المسألة الثانية فهس آية مريم

إني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا

فقولك إن جزء الشرط هو إني أعوذ بالرحمن منك

قولك هذا لا يستقيم وقواعد اللغة العربية...فإنه من المعلوم في علم اللغة العربية أن جواب الشرط لا يتقدم على الشرط

لكن قد يكون في الكلام قبل الشرط اشارة او تلميح الى الجواب و الجزاء لكنه ليس جوابا....وقد يحذف جواب الشرط

اذا كان السامع يفهمه...و العرب تفعل هذا فيحذف المتكلم جواب الشرط إن كان على ثقة بفهم السامع....كقوله تعالى

فإن استطعت ان تبتغي نفقا في الارض او سلما في السماء فتاتيهم بآية...وقوله تعالى ولو أن قرآنا سيرت به الجبال

أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى....وهذا أمر معروف.

أما أن يكون جزاء الشرط هو قولها إني أعوذ بالرحمن فهذا لا يستقيم لا لغة و لا فهما

بل تقدير الجواب

إن كنت تقيا فستخاف ممن استعذت به ..أو إن كنت تقيا فستنتهي ...وما شابه ذلك

[ لأن التقي يعلم عاقبة الظلم و العدوان وأن الله ينتقم للمظلوم من الظالم بأسه و بطشه بالظلمة شديد.]

قال الطبري

فقالت: إنـي أعوذ أيها الرجل بـالرحمن منك، تقول: أستـجير بـالرحمن منك أن تنال منـي ما حرّمه

علـيك إن كنت ذا تقوى له تتقـي مـحارمه، وتـجتنب معاصيه لأن من كان لله تقـياً، فإنه يجتنب ذلك. ولو وجه ذلك إلـى

أنها عَنَت: إنـي أعوذ بـالرحمن منك إن كنت تتقـي الله فـي استـجارتـي واستعاذتـي به منك كان وجهاً.


وفي ذلك قال الزجاج في معانيه

تأويله : إني أعوذ بالله منك فإن كنت تقيا فستتعظ بتعوذي بالله منك /اه

وقال الشوكاني

وجواب الشرط محذوف، أي فلا تتعرض لي..

وفي تفسير الجلالين

إن كنت تقيا فتنتهي عني بتعوذي.

وعند الزمخشري

أرادت إن كان يرجى منك أن تتقي الله وتخشاه وتحفل بالاستعاذة [به]، فإني عائذة به منك كقوله تعالى:

{ بَقِيَّتُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }.

وعلى هذا..فقولك أخي الكريم أن معناها إن كنت تركت خوفك و تقواك فإني أعوذ بالرحمن منك...هو تحريف للشرط

الوارد في الآية

فالشرط في الآية إن كنت تقيا

و الشرط عندك إن تركت خوفك و تقواك ! !

فهذا ضد هذا.....

وجواب الشرط محذوف كما تقدم ...ومعناه ان مريم عليها السلام تخيفه بالله و بعياذها بالله ان كان من المتقين

الذين قدروا الله حق قدره ....وقد جاء في الآثار : علمت مريم أن التقي ذونهية....أي ينتهي بتذكيره

بالله كما قال سبحانه إن الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذاهم مبصرون.

و الله اعلم
 
أخي الفاضل الشنقيطي حفظك الله.

ما تفضلت بقوله فيما يخص المسألة الأولى طيب جدا ، وهذا ما أريده أن يطرح

أريد من المشايخ الفضلاء تقعيد هذه القاعدة إن صح التعبير،

وجزاك الله خيرا فقد أضفت إلى فهمي فهما.

أما بالنسبة للمسألة الثانية:

أخي الفاضل بصراحة

أنا أشعر أن التفسير الذي تفضلت بطرحه لايدخل في عقلي

لماذا ؟

لغة العرب واسعة ، وأساليبهم ، مختلفة ، عدا أن لغة الحديث قد يختلف إعرابها عن لغة الكتابة

والذي أريد قوله : أننا لابد أن نتأمل الموقف الذي قالت فيه السيدة مريم هذا الكلام

ربما خانني التعبير لكني أعبر وأنا مطمئن لأنكم أهل الاختصاص خير من يصلح لي خطأئي إن جانبت الصواب

أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم

ولستم ملزمين بأن توضحوا لي زيادة ، عما وضحتم.

لكن أرجو منكم الاهتمام بهذه القاعدة وتأصيلها ،وأتمنى أن يتبناها أحد طلاب الكتوراة بالدراسة كرسالة علمية

وأتمنى أن يضيف من عنده إضافة إضافته

والله أعلم وأحكم.
 
وهناك قاعدة أيضا جليلة تدخل تحت قاعدة القرآن يفسر بعضه بعضا، وهي " رد المتشابه إلى المحكم" ،وفيما يلي شيء من تقعيد العلماء لهذه القاعدة:

قال ابن كثير:
حيث قالوا: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران:7] أي: محكمه ومتشابهه حق؛ فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين.
قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حُمر النَّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرَة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا حتى احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: "مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمِه" .
وهكذا رواه أيضا عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، والناس يتكلمون في القدر، فكأنما يُفْقَأ في وجهه حب الرُّمان من الغضب، فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم". قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس، أني لم أشهده.
ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هند، به نحوه .
وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمْران الجَوْني قال: كتب إلي عبد الله بن رَبَاح، يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: هَجَّرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية، فارتفعت أصواتهما فقال: "إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" ورواه مسلم والنسائي، من حديث حماد بن زيد، به ."أهـــ

وقال ابن الجوزي:
"قوله تعالى : { منه آيات محكمات } المحكم : المتقن المبيّن ، وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال . أحدها : أنه الناسخ ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والسدي في آخرين . والثاني : أنه الحلال والحرام ، روي عن ابن عباس ، ومجاهد . والثالث : أنه ما علم العلماء تأويله . روي عن جابر بن عبد الله . والرابع : أنه الذي لم ينسخ ، قاله الضحاك . والخامس : أنه مالم تتكرر ألفاظه ، قاله ابن زيد . والسادس : أنه ما استقل بنفسه ، ولم يحتج إلى بيان ، ذكره القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد . وقال الشافعي ، وابن الأنباري : هو ما لم يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً ، والسابع : أنه جميع القرآن غير الحروف المقطعة . والثامن : أنه الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والحلال والحرام ، ذكر هذا والذي قبله القاضي أبو يعلى . وأم الكتاب أصله . قاله ابن عباس ، وابن جبير ، فكأنه قال : هن أصل الكتاب اللواتي يعمل عليهن في الأحكام ، ومجمع الحلال والحرام . وفي المتشابه سبعة أقوال . أحدها : أنه المنسوخ ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، والسدي في آخرين . والثاني : أنه ما لم يكن للعلماء إلى معرفته سبيل ، كقيام الساعة ، روي عن جابر بن عبد الله . والثالث : أنه الحروف المقطعة كقوله : «ألم» ونحو ذلك ، قاله ابن عباس . والرابع : أنه ما اشتبهت معانيه ، قاله مجاهد . والخامس : أنه ما تكررت ألفاظه ، قاله ابن زيد . والسادس : أنه ما احتمل من التأويل وجوهاً . وقال ابن الأنباري : المحكم ما لا يحتمل التأويلات ، ولا يخفى على مميّز ، والمتشابه : الذي تعتوره تأويلات . والسابع : أنه القصص ، والأمثال ، ذكره القاضي أبو يعلى . فإن قيل : فما فائدة إنزال المتشابه ، والمراد بالقرآن البيان والهدى؟ فعنه أربعة أجوبة . أحدها : أنه لما كان كلام العرب على ضربين . أحدهما : الموجز الذي لا يخفى على سامعه ، ولا يحتمل غير ظاهره . والثاني : المجاز ، والكنايات ، والإشارات ، والتلويحات ، وهذا الضرب الثاني هو المستحلى عند العرب ، والبديع في كلامهم ، أنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين ، ليتحقق عجزهم عن الإتيان بمثله ، فكأنه قال : عارضوه بأي الضربين شئتم ، ولو نزل كله محكماً واضحاً ، لقالوا : هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا . ومتى وقع في الكلام إشارة أو كناية ، أو تعريض أو تشبيه ، كان أفصح وأغرب .
قال امرؤ القيس :
وما ذرفت عيناك إلا لنضر بي ... بسهميك في أعشار قلب مقتَّل
فجعل النظر بمنزلة السهم على جهة التشبيه ، فحلا هذا عند كل سامع ومنشد ، وزاد في بلاغته . وقال امرؤ القيس أيضاً :
رمتني بسهم أصاب الفؤاد غداة الرحيل فلم أننصر ... وقال أيضاً :
فقلت له لما تمطى بصُلبه ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل
فجعل لليل صلباً وصدراً على جهة التشبيه ، فحسن بذلك شعره . وقال غيره :
من كميت أجادها طابخاها لم تمت كل موتها في القدور ...
أراد بالطابخين : الليل والنهار على جهة التشبيه . وقال آخر :
تبكي هاشماً في كل فجر ... كما تبكي على الفنن الحمام
وقال آخر :
عجبت لها أنى يكون غناؤها ... فصيحاً ولم تفتح بمنطقها فما
فجعل لها غناء وفماً على جهة الاستعارة . والجواب الثاني : أن الله تعالى أنزله مختبراً به عباده ، ليقف المؤمن عنده ، ويرده إلى عالمه ، فيعظم بذلك ثوابه ، ويرتاب به المنافق ، فيداخله الزيغ ، فيستحق بذلك العقوبة ، كما ابتلاهم بنهر طالوت . والثالث : أن الله تعالى أراد أن يشغل أهل العلم بردّهم المتشابه إلى المحكم ، فيطول بذلك فكرهم ، ويتصل بالبحث عنه اهتمامهم ، فيثابون على تعبهم ، كما يثابون على سائر عباداتهم ، ولو جعل القرآن كله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل ، ولم يفضل العالم على غيره ، ولماتت الخواطر ، وإنما تقع الفكرة والحيلة مع الحاجة إلى الفهم . وقد قال الحكماء : عيب الغنى : أنه يورث البلادة ، وفضل الفقر : أنه يبعث على الحيلة ، لأنه إذا احتاج احتال . والرابع : أن أهل كل صناعة يجعلون في علومهم معاني غامضة ، ومسائل دقيقة ليحرجوا بها من يعلَّمون ، ويمرّنوهم على انتزاع الجواب ، لأنهم إذا قدروا على الغامض ، كانوا على الواضح أقدر ، فلما كان ذلك حسناً عند العلماء ، جاز أن يكون ما أنزل الله تعالى من المتشابه على هذا النحو ، وهذه الأجوبة معنى ما ذكره ابن قتيبة ، وابن الأنباري .
قوله تعالى : { فأما الذين في قلبوهم زيغ } في الزيغ قولان . أحدهما : أنه الشك ، قاله مجاهد ، والسدي . والثاني : أنه الميل ، قاله أبو مالك وعن ابن عباس كالقولين . وقيل : هو الميل عن الهدى . وفي هؤلاء القوم أربعة أقوال . أحدها : أنهم الخوارج ، قاله الحسن . والثاني : المنافقون ، قاله ابن جريج . والثالث : وفد نجران من النصارى ، قاله الربيع . والرابع : اليهود ، طلبوا معرفة بقاء هذه الأمة من حساب الجُمّل ، قاله ابن السائب .
قوله تعالى : { فيتبعون ما تشابه منه } قال ابن عباس : يُحيلون المحكم على المتشابه ، والمتشابه على المحكم ، ويُلبسون . وقال السدي : يقولون : ما بال هذه الآية عمل بها كذا وكذا ، ثم نسخت؟! وفي المراد بالفتنة هاهنا ، ثلاثة أقوال . أحدها : أنها الكفر ، قاله السدي ، والربيع ، ومقاتل ، وابن قتيبة . والثاني : الشبهات ، قاله مجاهد . والثالث : إفساد ذات البين ، قاله الزجاج : وفي التأويل وجهان . أحدهما : أنه التفسير . والثاني : العاقبة المنتظرة . والراسخ : الثابت ، يقال : رسخ يرسخ رسوخاً . وهل يعلم الراسخون تأويله أم لا؟ فيه قولان . أحدهما : أنهم لا يعلمونه ، وأنهم مستأنفون ، وقد روى طاووس عن ابن عباس أنه قرأ { ويقول الراسخون في العلم آمنّا به } وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وعروة ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والفراء ، وأبو عبيدة ، وثعلب ، وابن الأنباري ، والجمهور . قال ابن الأنباري : في قراءة عبد الله { إِن تأويله ، إِلا عند الله والراسخون في العلم } وفي قراءة أُبيّ ، وابن عباس { ويقول الراسخون } وقد أنزل الله تعالى في كتابه أشياء ، استأثر بعلمها ، كقوله تعالى : { قل إنما علمها عند الله } [ الأعراف : 187 ] وقوله تعالى : { وقروناً بين ذلك كثيراً } [ الفرقان : 38 ] فأنزل الله تعالى المجمل ، ليؤمن به المؤمن ، فيسعد ، ويكفر به الكافر ، فيشقى . والثاني : أنهم يعلمون ، فهم داخلون في الاستثناء . وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله ، وهذا قول مجاهد ، والربيع ، واختاره ابن قتيبة ، وأبو سليمان الدمشقي . قال ابن الأنباري : الذي روى هذا القول عن مجاهد ابن أبي نجيح ، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد ." أهــــ

وقال ابن السعدي:
"قرآن العظيم كله محكم كما قال تعالى { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير } فهو مشتمل على غاية الإتقان والإحكام والعدل والإحسان { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } وكله متشابه في الحسن والبلاغة وتصديق بعضه لبعضه ومطابقته لفظا ومعنى، وأما الإحكام والتشابه المذكور في هذه الآية فإن القرآن كما ذكره الله { منه آيات محكمات } أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال { هن أم الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أخر متشابهات } أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد { فيتبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه { ابتغاء الفتنة } لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده اتباعه، وقوله { وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله } للمفسرين في الوقوف على { الله } من قوله { وما يعلم تأويله إلا الله } قولان، جمهورهم يقفون عندها، وبعضهم يعطف عليها { والراسخون في العلم } وذلك كله محتمل، فإن التأويل إن أريد به علم حقيقة الشيء وكنهه كان الصواب الوقوف على { إلا الله } لأن المتشابه الذي استأثر الله بعلم كنهه وحقيقته، نحو حقائق صفات الله وكيفيتها، وحقائق أوصاف ما يكون في اليوم الآخر ونحو ذلك، فهذه لا يعلمها إلا الله، ولا يجوز التعرض للوقوف عليها، لأنه تعرض لما لا يمكن معرفته، كما سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله { الرحمن على العرش [استوى ] } (1) فقال السائل: كيف استوى؟ فقال مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فهكذا يقال في سائر الصفات لمن سأل عن كيفيتها أن يقال كما قال الإمام مالك، تلك الصفة معلومة، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة، وقد أخبرنا الله بها ولم يخبرنا بكيفيتها، فيجب علينا الوقوف على ما حد لنا، فأهل الزيغ يتبعون هذه الأمور المشتبهات تعرضا لما لا يعني، وتكلفا لما لا سبيل لهم إلى علمه، لأنه لا يعلمها إلا الله، وأما الراسخون في العلم فيؤمنون بها ويكلون المعنى إلى الله فيسلمون ويسلمون، وإن أريد بالتأويل التفسير والكشف والإيضاح، كان الصواب عطف { الراسخون } على { الله } فيكون الله قد أخبر أن تفسير المتشابه ورده إلى المحكم وإزالة ما فيه من الشبهة لا يعلمها إلا هو تعالى والراسخون في العلم يعلمون أيضا، فيؤمنون بها ويردونها للمحكم ويقولون { كل } من المحكم والمتشابه { من عند ربنا } وما كان من عنده فليس فيه تعارض ولا تناقض بل هو متفق يصدق بعضه بعضا ويشهد بعضه لبعض (2) وفيه تنبيه على الأصل الكبير، وهو أنهم إذا علموا أن جميعه من عند الله، وأشكل عليهم مجمل المتشابه، علموا يقينا أنه مردود إلى المحكم، وإن لم يفهموا وجه ذلك. ولما رغب تعالى في التسليم والإيمان بأحكامه وزجر عن اتباع المتشابه قال { وما يذكر } أي: يتعظ بمواعظ الله ويقبل نصحه وتعليمه إلا { أولوا الألباب } أي: أهل العقول الرزينة لب العالم وخلاصة بني آدم يصل التذكير إلى عقولهم، فيتذكرون ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه، وأما من عداهم فهم القشور الذي لا حاصل له ولا نتيجة تحته، لا ينفعهم الزجر والتذكير لخلوهم من العقول النافعة." أهــــ
 
تفسير القرآن بالقرآن له صور متعددة وتختلف في القوة والضعف والقبول والرد والقرب والبعد , وكتبت بحثاً حول هذا الموضوع بعنوان تفسير القرآن بالقرآن دراسة تأصيلية , نشر في مجلة الشاطبي العدد الثاني ونشر في كتاب مستقل فليتك تجد فيه بغيتك .
 
تفسير القرآن بالقرآن له صور متعددة وتختلف في القوة والضعف والقبول والرد والقرب والبعد , وكتبت بحثاً حول هذا الموضوع بعنوان تفسير القرآن بالقرآن دراسة تأصيلية , نشر في مجلة الشاطبي العدد الثاني ونشر في كتاب مستقل فليتك تجد فيه بغيتك .

الشيخ الفاضل جزاك الله خيرا ،وبإذن الله ساطلع على بحثكم متى تيسر ، فموضوعه مهم.
 
عودة
أعلى