قوم موسى وأفئدتهم الغاوية
إنَّ حالة الضلالة التي صاحبت غالب قوم موسى من بني إسرائيل منذ أن ألقى أسلافهم اخيهم يوسف في الجب بدافع قيم الفؤاد الشريرة من خوفٍ و حسدٍ وضغينة ، فقد توارث أكثرهم هذه القيم السلبية ، وزاد في تعزيزها في أنفسهم تحولهم عن عبادة الله إلى عبادة آلهة المصريين القدماء ، فصاروا كغيرهم من الوثنيين يبحثون عن الإله الملموس المحسوس الذي يشبع رغبات أفئدتهم ولا يتخيلون أنهم يعبدون رباً لا يرونه ولا يسمعونه ولا يلمسونه بأيديهم لأن أفئدتهم استولت على قلوبهم ، ولأن عقولهم نُحِّيَت وأُقصيَت وكُتِم صوتها.
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴿83﴾ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴿84﴾ فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿85﴾ وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿86﴾ يونس
فكان المؤمنون قلة من قوم موسى وبرغم ذلك فقد كان إيمانهم مشوباً بخوف من فرعون وجنوده ، ولو قارنا إيمان قوم موسى بإيمان السحرة لاستقر لدينا بأن إيمان السحرة بعد ما تبين لهم الحق كان في غاية العلو والثقة والقوة فلم يفتنهم عذاب فرعون ولم يثنيهم خشية من ألم أو معاناة أو قسوة عن الثبات على الدين الحق.
وتخبرنا الآيات وتصور لنا بأن موسى لبث في مصر زمنا ليس بالقصير كان فيه يدعو قومه وينتشلهم من الكفر وكذلك يدعو فرعون وقومه سعياً في هدايتهم وذلك من قوله تعالى :
وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿130﴾ فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴿131﴾ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴿132﴾ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ﴿133﴾ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ ﴿134﴾ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ﴿135﴾ الأعراف
فلم يكن إذاً تكذيبهم اشتباهاً أو ميلاً لحق يرونه أولى مما اتى به موسى ، بل كان استكباراً وعلوا في الارض وعناداً وتكذيباً برغم أنهم يعلمون بأن ما جاء به موسى هو الحق ، يقول تعالى :
وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴿14﴾النمل
فؤاد فرعون يطلب الإله المحسوس
قلنا أن الفؤاد متعلق بالماديات والمحسوسات والملموسات ، فكانت آلهة آل فرعون آلهة محسوسة فكبر عليهم أن يؤمنوا برب لا يرونه ، ولكن فرعون أيقن بوجود الله وظن أن ما ينقصه هو أن يرى هذا الرب فسعى لبلوغ السماء ليرى الله (تعالى عما يصفون) :
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ ﴿36﴾ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿37﴾ غافر
وهكذا فإن هذا الشاهد من أظهر الشواهد على دور الفؤاد في إضلال الناس ، وأن فقدان التوازن بين العقل والفؤاد وضرورة تسيد العقل على الفؤاد ليكون القلب قلباً سليماً غير منقلبٍ لسوء.
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴿30﴾ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ﴿31﴾ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ﴿32﴾ غافر
إن الخوف أمر مطلوب ولكن في إطار العقل وتحت سلطته - كما هو الحال مؤمن آل فرعون- ، حينئذٍ يكون خوفاً محموداً مطلوباً ، وكل خوف يتجاوز العقل ويتجاهله فإنه يعد من انفلاتات الفؤاد وشطحاته.
استقرار الإيمان وتطوره في نفس مؤمن آل فرعون
إن حال مؤمن آل فرعون من الدلائل والشواهد على التطور الطبيعي والإيجابي لمسألة الإيمان ، فإن الإيمان قد يبدأ مترافقاً مع الخوف والكتمان كما في حال هذا الرجل يقول تعالى :
وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴿28﴾ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿29﴾ غافر
ثم أنه افصح عن إيمانه بعد أن تطورت القيمة العقلية على حساب قيم الفؤاد فاختفت الخشية وتلاشى الخوف في نفسه وجهر بالإيمان ، فانطبع قلبه بالإيمان لأنه قدم العقل وأعلاه ، وطبع على قلوب المجرمين عندما اعلوا افئدتهم وأقصوا عقولهم:
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴿30﴾ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ ﴿31﴾ وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ﴿32﴾ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿33﴾ وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ﴿34﴾ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ﴿35﴾ غافر
ثم ارتقت نفسه وسما عقله وصار يدعو الى الله ، فكان انتقاله من الكفر إلى الكتمان ثم من الكتمان إلى الجهر ، ثم من الجهر إلى
الدعوة ،وقرر مسألة الإيمان التي لا تتأتى إلا في ظل اعتلاء العقل ، يقول تعالى :
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴿38﴾ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ﴿39﴾ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿40﴾ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ﴿41﴾ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ﴿42﴾ لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴿43﴾ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴿44﴾فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴿45﴾ غافر
الخروج العظيم
إن مرحلة الخروج من أرض مصر يحيط بها مواطن عديدة تكشف أحوال القلوب والعقول والأفئدة ، ولعلنا في هذا الجزء نستعرض تلك الحوادث :
فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴿60﴾ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿61﴾ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴿62﴾ الشعراء
فلما تراءى الجمعان أصبح كل جمع
يرى الجمع الآخر ، استيقظ
الفؤاد المشتعل بالخوف والرعب ، ودخل اليأس قلوب الهاربين وهم يرون البحر أمامهم والعدو من خلفهم يقترب بسرعة فقالوا (
إنا لمدركون) فأجابهم موسى بالنفي (
كلا) برغم أن الواقع والوضع العام المنظور والمشاهد بالعين والواقع المعاش يقول أنهم مدركون ، ولكن موسى حيّد فؤاده واتبع عقله الذي استنتج منه أن رباً عظيماً تولاه بقوله (
وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ) فَنجَهْلُ ماهيَّة السلطان الذي سيمنع وصولهم اليه والى قومه ولكن موسى كان واثقاً من وعد الله فعقله يؤازره ، وفؤاده يؤيسه من النجاة ، فاتبع عقله وأقصى فؤاده.
فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴿63﴾ الشعراء
فأرشده الله لمالا يخطر على قلب بشر ولا يستوعبه
فؤاد مخلوق ولكن
العقل يستوعب ذلك إذ لا حدَّ لقدرة الله ، هذا الرب العظيم الذي لا يمكن إدراكه بالفؤاد ولكنه يدرك بالعقل لأن الفؤاد محدود فيما يرى ويسمح ويشعر ولكن العقل لا حد لقدرته ومدى إدراكاته.
وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴿65﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ﴿66﴾ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿67﴾ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿68﴾ الشعراء
وما كان أكثر قوم موسى مؤمنين ، فكانت افئدتهم لا تتصور وجود مهرب من فرعون وقومه لأنها تتعامل مع الواقع المرئي ، ولكن عقل موسى ومن معه من القلة المؤمنة كانوا يثقون بوعد الله بغض النظر عن طريقة النجاة وكيفيتها.
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿90﴾ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴿91﴾ يونس
ولو أنه حكم عقله وأوثق فؤاده لآمن قبل أن يرى بعينيه ويشعر بالماء يغمر وجهه وجسده ، فلما كان فؤاد فرعون متحكماً ، وعقله مغيباً فقد كان قلبه غافلاً منثنياً عن الحق إلى الظلال تعاظمت في قلبه كل معاني الكبر والعناد والغضب والحقد والقسوة واشتعلت في نفسه حتى أكلتها وأرودتها جهنم .
وكذلك الكثير من الناس والكثير من المسلمين اليوم الذين يعتنقون الإسلام فارغاً من الإيمان حتى إذا أتاهم الموت تضاءلت أفئدتهم وتعاظمت عقولهم ومالت قلوبهم نحو الحق ولكن بعد فوات الأوان .
وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ﴿39﴾ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴿40﴾ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ ﴿41﴾ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ ﴿42﴾ القصص
وقرر بنا أن وقوع العذاب والغضب إنما هو مرهون بما في الأنفس ، فإن مالت عن الحق وأقصت العقل وقدمت الفؤاد ومال القلب ناحية الشهوة فقد استحق الحرمان والانتقام ، إن قيم الإيمان بالله لا سبيل لحصولها بالفؤاد ، بل لا يكون استقرارها في النفس إلا بالعقل ، والعقل والقلب والفؤاد مكنونة في النفس وانقلاب الفطرة وتقديم الفؤاد على العقل هو تغيير لما في النفس يقول تعالى:
ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْوَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿53﴾ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ ﴿54﴾ الأنفال
يتبع...