بسم1
درءاً للالتباس في هذه المسألة ، فإن تسمية السفينة أعم وأشمل من الفلك ، فكل فلك تدخل في جنس السفن ولكن ليس كل سفينة تسمى (فُلْك).
بمعنى أن كل جارية على البحر والنهر صغرت أم كبرت ، ارتفعت أم انخفضت ، استعملت للصيد أو للنقل أو للقتال أو لغيره تسمى سفينة لأنها تؤدي نفس وظيفة (السَّفْنْ) وهو مسح الماء ومَخْرُهُ بمعنى شق الواحها لسطح الماء.
ولكن الفلك أخص ، فهو نوع مخصص من السفن يتميز بعمقه واتساعه وضخامته عن سواه يستعمل لنقل البضائع والناس ولنتتبع التسميتين في كتاب الله:
{ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا } [الكهف:79]
وهذا نوع صغير من السفن يملكها مساكين فهم يملكون سفينة وهنا يمكن أن تطلق على القوارب المتوسطة المستعملة في الصيد ونقل عدد محدود من الناس من ضفة لأخرى لأن الفلك سفن كبيرة مكلفة وضخمة وتنتقل في البحار المفتوحة لا يتناسب حالهم من المسكنة مع امتلاك سفينة كبيرة (فلك) .
ولكن لنتتبع الفلك وماهي المواضع التي ذكرت فيها :
{ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة:164]
والموضع لا يتناسب إلا مع البواخر المتسعة التي تنقل عدد كبير من الركاب والبضائع التي تنفع الناس فتتحصل التجارة ويتم تبادل المنتجات وبيعها بكميات كبيرة.
{ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } [يونس:22]
فالسفن الكبيرة بما تحمله من عدد كبير من الناس فإنها عندما تتعرض للعواصف والأمواج الكبيرة ويحاط بركابها فإن الضحايا سيكونون اعدادا كبيرة من الناس بعكس القوارب الصغيرة التي قد تؤثر عليها حتى العواصف الخفيفة.
{ فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [الشعراء:119]
{ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [يس:41]
{ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } [الصافات:140]
ففي ثلاثة مواضع اقترن الفلك بصفة (المشحون) أي الممتلئ بما فيه من الناس والبضائع والمؤن فهي نوع مخصص من السفن يتميز كما أسلفنا باحتماله لأوزان كبيرة وباتساعه ومتانة صنعه مقارنة بما سواه فاختص باسم الفلك.
فمكث نوح عليه السلام ردحاً من الزمن يبني هذه الفلك الضخمة ليحمل فيها عدداً كبيراً من البشر والمخلوقات حتى أتى أمر الله تعالى.
والموضع الوحيد الذي ذكر الله هذه السفينة باسم (السفينة) بدلا من الفلك هو قوله تعالى:
{ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } [العنكبوت:15]
وهذا لا يحمل أي إشكال لأن الفلك سفينة كبيرة وقد بين تعالى بأنه جعلها آية للعالمين ونحن اليوم بشاهد حاضر لدى كافة الأمم المسلمين وسواهم لا يعرفون آية للعالمين سوى فلك نوح وإلا فلو كانت السفينة شيئاً آخر فلم نعرف أن السفينة آية وهذا يتناقض مع تقرير ربنا جلت قدرته في هذه الآية ، وبالتالي فعندما ذكرها ربنا بالأسم الأشمل (
السفينة) أتبعها بِسِمَةٍ مميزة لها وهي أنها جعلت آية للعالمين فقضى على كل ما يمكن أن يتبادر للذهن بسبب اختيار ربنا للأسم الأعم للفلك وهو (سفينة)
والله أعلى وأعلم وصل اللهم على محمد.