في مستهل الشهر الكريم: كيف يمكن للقرآن أن ينهض بالأمة؟

محمد العبادي

مشارك فعال
إنضم
30/09/2003
المشاركات
2,157
مستوى التفاعل
2
النقاط
38
الإقامة
الخُبر
الموقع الالكتروني
www.tafsir.net
الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان بمنّه وكرمه،
فيا لها من نعمة عظيمة تستوجب الشكر والامتنان لربنا.

اختص الله تبارك وتعالى هذا الشهر بخصائص عديدة، من أجلها وأعظمها القرآن الكريم، حيث أنزله فيه، وجعله موعدا لنبينا صلى الله عليه وسلم لتدارسه مع جبريل، كما أنه الشهر الذي تجتهد فيه الأمة كلها لتنال نصيبها من القرآن: قراءةً وتدبرا وسماعا وحفظا...الخ.

وبهذه المناسبة -ونحن نرى الناس بمختلف أعمارهم وتوجهاتهم وأعمالهم يقبلون على كتاب الله- يحق لنا أن نتناصح في أحسن سبيل للانتفاع بالقرآن الكريم.

إن الإقبال على تلاوة كتاب الله مطلب مهم، لكن الأهم هو الوصول إلى الغاية من هذا، ألا وهو التأثر بالقرآن الناتج عن تدبره وفهمه، كما قال تعالى: (كتب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب) قال ابن مسعود: (لقد أنزل الله القرآن ليُعمَل به، فاتخذوا تلاوته عملا) وقال الفضيل: (إنما أنزل القرآن ليُعمَل به، فاتخذ الناس قراءته عملا).

فتبين بهذا أن أعظم ما يجب أن نصرف إليه انتباهنا هو السعي وراء تحقيق هذه الغاية: (الانتفاع بالقرآن والتأثر به).

ولقد اطلعت في هذا الشأن على مجموعة من الرسائل المفيدة، من تأليف: مجدي الهلالي، احتوت على جملة طيبة من التوجيهات والتنبيهات والإضاءات الهامة والجيدة، حاول المؤلف من خلالها أن يدل القارئ على الطريق إلى التأثر بالقرآن والانتفاع به، وكيف حدث هذا التأثر للجيل الأول الذي عاصر التنزيل، وكيف أنه كان السبب الذي ارتقى بهم على الأمم أجمعين، وأنه هو السبيل كذلك لنا إذا أردنا العودة إلى سابق عزنا ومجدنا، لذا فالمعجزة الكبرى للقرآن -في نظر المؤلف- هي: قدرته على التأثير والتغيير -بإذن الله- وبث الروح والحياة الحقيقية، وتوليد الطاقة فيمن يحسن الإقبال عليه.

وسأضع في المشاركات التالية أهم مقاصد كلامه، راجيا من الله تعالى أن ينفعني وإخواني بما فيها إنه ولي ذلك والقادر عليه..
 
لا يخفى على أحد الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا في هذا العصر، فلقد تكالبت عليها الأمم، بعد أن أصبحت بلا قيمة ولا اعتبار.
وهذا الأمر دفع المخلصين من أبنائها إلى البحث عن سبل لنهضتها وخروجها من النفق المظلم الذي تعيش فيه.
وتعددت الأطروحات والمقترحات حول نقطة البداية لمشروع النهضة، فمن قائل: نأخذ بأسباب التقدم العلمي كما أخذ بها الغرب فنصير مثلهم، ومن قائل: بل وجودنا كقوة اقتصادية تفرض نفسها على الجميع هو الحل الأمثل لعودة مجدنا مرة أخرى...
هذه وغيرها أمثلة للرؤى التي تطرح اليوم، وهي على أهميتها إلا أنها تدفعنا للسؤال: هل سبيل نهضتنا حقا هي هذه السبيل؟ هل نتفق نحن والأمم الأخرى في سبل النهضة؟ أم أن هناك أسبابا وطرقا أخرى نختص بها وتكون هي سبيل نهضتنا؟
هذا ما سيأتي الجواب عنه في السطور القادمة...
 
خلق الله عز وجل الأرض، وجعل القانون الذي يحكمها وينظمها هو قانون السببية، فلكي نحصل على نتيجةٍ ما، لا بد من اتخاذ أسباب بعينها تؤدي إليها.
والأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى حدوث نتائج تنقسم إلى قسمين: مادية ومعنوية.
فالمادية نتائجها في الغالب معروفة ومحددة، كشرب الماء للعطشان، وركوب الدابة للوصول إلى المكان المراد، أما الأسباب المعنوية فمثل الاستغفار والدعاء وغيرهما، ليس لها علاقة ظاهرية بالنتائج التي تحدثها، لكن من شأنها أن تؤدي إلى نتائج مادية محسوسة كما أخبر سبحانه: (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا) والتمثيل على مثل هذا يطول.
والله تعالى قد خلق كلا النوعين من الأسباب، وأمرنا باتخاذ كليهما، حتى نكوّن الستار الذي لا بد منه لنزول الأقدار، والأسباب بذاتها لا تُحدِث القَدَر، وإنا تهيء لنزوله.
هذا الستار يبدأ بالأسباب المادية أولاً لأنها متاحة للجميع..المؤمن والكافر، وبالتالي يمكن لأي إنسان أن يحصل على النتائج من خلالها.
ثم يأخذ بالأسباب المعنوية ثانيا، ولكن استخدام هذه الأسباب مشروط بالإيمان بالله وصدق التوجه له، وعلى قدر الإيمان والإخلاص تكون النتائج المتحققة.
وإذا جمع الإنسان بين هذين النوعين من الأسباب فهو يزيد من حجم الستار، فيتنزل القَدَر بنتائج لا حدود لها.
 
مما سبق يتبين لنا أن وضعنا كأمة مسلمة يجب أن يختلف عن الأمم الأخرى، فإذا كان الغرب بسعيه في الأرض واستفادته من خيراتها المتاحة قد نجح في امتلاك زمام التقدم والحضارة، فإن هذا لا يعني أن نسير مثلهم في نفس الطريق، ونعطي ذلك الأولوية المطلقة، وذلك لجملة من الأسباب:
1/ أن الله قد اختص هذه الأمة الإسلامية بنعمة عظيمة، لم يختص بها أمة معها على وجه الأرض، ألا وهي رسالة الإسلام التي تعد بمثابة رسالة هداية للبشرية جمعاء (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس).
هذه المزية العظيمة تجعل من أمتنا خير أمة أخرجت للناس، وتضعها على رأس الأمم الأخرى، مرتبطة بمدى تمثل الرسالة في الأمة، وبمدى تبليغها إياها لسائر الناس، فإن لم تفعل ذلك عاقبها الله بعقوبات كثيرة حتى تفيق من سباتها وتقوم بواجبها، وسيستمر العقاب طالما استمر الإعراض عن القيام بالواجب، وهذا هو التشخيص الحقيقي لواقعنا المرير.
2/ إن مصدر رفعة وعزة الأمة الإسلامية مرتبط بمدى علاقتها بربها، ومدى دخولها في معيته وكفايته، كما قال عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله.
وفي المقابل فإن مصدر رفعة الأمم الأخرى في الدنيا على قدر امتلاكها للأسباب المادية (فقط)، فمن الخطأ بمكان أن نسعى للرفعة من خلال تقليدهم والسير وراءهم (أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا).
3/ إن باب الأسباب المعنوية نملكه دون غيرنا من الأمم الكافرة بالله (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوات وأن الكافرين لا مولى لهم)
فكيف نترك سر تفوقنا؟!
كيف نترك ما اختصنا الله به ونبحث عما في أيدي الآخري؟!
4/ لو أغلق أمامنا باب الأسباب المعنوية، وتساوينا مع الكفار في السباق نحو امتلاك الأسباب المادية، فستكون النتيجة لصالحهم لا محالة، كما قال عمر رضي الله عنه: إنما تنصرون على عدوكم بطاعتكم لله، فإذا عصيتموه تساويتم.
هذا من ناحية..ومن ناحية أخرى فنحن حين نترك الأسباب المعنوية ونعتمد على الأسباب المادية فقط فإننا نتعرض للعقوبة من الله بالخذلان وتعسير الأمور، بينما هم لن يعاقبوا مثلنا، لأننا قد خنَّا أمانة عظيمة ائتمننا الله علينا دون غيرنا، قال عمر رضي الله عنه: ولا تقولوا إن عدونا شر منا فلن يسلط علينا، فرب قوم سلط الله عليهم من هو شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار.
5/ تاريخ أمتنا يؤكد أن العرب التي كانت قبل الإسلام في مؤخرة الأمم لم تنتقل إلى مقدمتها بفضل امتلاكها للأسباب المادية وتفوقها بها على غيرها، بل لأنها دخلت في دائرة المعية والرضا الإلهي، فأوفى الله بعهده معها، وملَّكها الأرض، ودحر الممالك الأخرى من فرس وروم والذين كانوا يملكون من الأسباب المادية ما يفوق ما عند الأمة الإسلامية بأضعاف الأضعاف (ومن أوفي بعهده من الله).

وليس معنى هذا هو أن نترك الأسباب المادية، بل لو تركناها لظللنا في أماكننا وما تقدمنا قيد أنملة، فالأسباب المادية هي التي تقيم الستار وتهيء التربة لنزول القدر الإلهي، لكن المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات، وعدم مقارنتنا بالغرب، وأن نوقن أن علاقتنا بالله هي سر تقدمنا.
إذن..نقطة البداية التي ينبغي ألا نتخطاها هي العودة إلى الله والصلح معه، فصلاح الفرد أولا ثم امتلاك الأسباب ثانيا:
*فالذي يبدأ طريقه بالصلح مع الله فإنه لا يألوا جهدا في ارتياد الأماكن التي من شأنها أن ترفع شأن الإسلام، متجاوزا مجده الشخصي..
*كما أنه لا يغتر بما سيتحقق له من مظاهر العزة الزائفة من المناصب والأموال، بل يبقى في حال فقره لله وتواضعه للمؤمنين مهما كانت ألقابه ومناصبه..
*كما أنه سيتحرر من أسر الناس، فتجده يبحث عما يرضي الله ليفعله، بغض النظر عن تقييم الناس لفعله.
وهكذا نجد أن الأمة بحاجة إلى الربانيين أولا ليكونوا بعد ذلك في المكان الذي يقيمهم الله فيه..مهندسين أو أطباء أو علماء ذرة...الخ
أما بدون رهبان الليل..البكائين بالأسحار فلا أمل في تقدم ولا رفعة، بل سيستمر الوضع القائم ويزداد سوءا.
قال سعد بن أبي وقاص يصف المجاهدين في القادسية: كانوا يدوّون بالقرآن إذا جن عليهم الليل كدويّ النحل، وهم آساد في النهار لا تشبههم الأسود، ولا يفضل من مضى منهم من بقي إلا بفضل الشهادة.

ويبقى السؤال: كيف السبيل لتحقيق هذا الإيمان وهذه الربانية؟
وما هو دور القرآن في تحقيقها والوصول بالأمة إلى نهضتها؟
 
إن المعاني الإصلاحية الجيدة والفهم الصحيح لكثير من مسائل الدين –مع أهميتها- لا تكفي وحدها لإحداث التغيير داخل الفرد، ومن ثم عودة الأمة إلى الله، بل لا بد أن يواكبها وجود ضامن وطريقة تتكفل بتنفيذها، ورافد يدعم دوامها وبقاءها، وهذا الضامن لا بد أن يكون نابعا من داخل الفرد، دافعا له دوما إلى التنفيذ طمعا في نيل رضا الله ومثوبته:
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
لا تنتهي الأنفس عن غيها=ما لم يكن لها من نفسها دافع[/poem]فمثلا قد يتولد عند أحدنا هذا الدافع عندما يستمع لموعظة بليغة، أو يرى صورة مأساوية، أو يقرأ من كتاب...الخ فكل هذا من شأنه أن يدفعنا للبكاء والعمل ولكن بصورة وقتية، يعود المرء بعد انتهاء تأثيرها إلى سابق عهده.
ولكي نستمر في حالة التوهج والانتباه ومن ثم القيام بالأعمال المطلوبة منا بذاتية وتلقائية كان لا بد من وجود قوة روحية تتولد داخلنا باستمرار، تضبط تصرفاتنا، وتحثنا على فعل الخيرات، وتطبيق التوصيات التي تلقى على مسامعنا، وهو ما من شأنه أن يقلل من الجهد المبذول، وفي نفس الوقت يزيد من الإنتاج كمّا وكيفا، وهذا ما فعله محمد صلى الله عليه وسلم بنجاح باهر مع الجيل الأول.
فما هو هذا المصدر لهذه القوة الروحية؟
وأين نجده؟
إننا نريد مصدراً يضمن لنا توليد تلك القوة الروحية بصورة دائمة ومستمرة..
ويكون متاحا للجميع...الرجل والمرأة، العالم وغيره، العربي والأعجمي...الخ..
ولا بد أن يكون مجمعا عليه من سائر أفراد الأمة..
وأن يكون من مواصفاته ألا يملّ منه أحد..
ويكون لديه القدرة على التعامل مع المستويات المختلفة لأفراد الأمة في كل زمان ومكان.
فما هو هذا المصدر الفريد الذي يجمع بين هذا كله؟!
...نعم، لا يوجد مصدر لديه القدرة على القيام بهذا الدور الخطير إلا إذا كان شيئا معجزا، خارقا للعادة، ذا قوة تأثيرية جبّارة ومستمرة.
لو تفكرنا في المعجزات السابقة لوجدناها مرتبطة بزمان محدد، أو بحالة محددة، أو بشخص محدد، كعصا موسى، وناقة صالح، وإحياء عيسى للموتى.
كل هذه المعجزات مرتبطة بأصحابها من الرسل، إلا معجزة واحدة اختص الله بها أمتنا الإسلامية، وجعلها صالحة لكل زمان ومكان، ألا وهي القرآن الكريم، وقد تكفل الله بحفظه من التحريف والتبديل لتستمر معجزته في قيامها بدورها الخطير في تغيير الأفراد، وبث الروح فيهم، وتوليد القوة الروحية والدافع الذاتي داخلهم باستمرار في أي زمان ومكان (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا)
 
تأكد لنا بما سبق أن المصدر الجامع المتفرد لبث الروح في الأمة باستمرار هو القرآن الكريم، ولكن هل نرى أثر هذا في واقعنا؟
الحقيقة أننا نعيش اليوم حصاد موروثات قديمة من التعامل الخاطئ مع القرآن، ابتعد فيها المسلمون شيئا فشيئا عنه وعن دوره في التوجيه والتأثير وقيادة الحياة.
حصر دوره في كونه مصدرا للتبرك والأجر والثواب فقط، وأطلق مصطلح (أهل القرآن) على حفاظ حروفه فقط، وأصبح المقصد من تعلم القرآن وتعليمه هو تعلم أحكام تلاوته ومخارج حروفه والاقتصار على ذلك، وكأننا نعيش المنهج التربوي المعكوس، فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم، أما نحن فنتعلم لنقرأ!
أصبح التعامل مع القرآن بالحناجر دون العقول والقلوب، أحسنّا التعامل مع لفظه وهجرنا معجزته، وهذا مصداق شكوى الرسول صلى الله عليه وسلم لربه: (يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا).
ومن هنا اشتدت الحاجة لبذل الجهد الضخم لإزالة تلك الموروثات القاصرة، ولتغيير الأساليب السائدة في التعامل مع القرآن.

وقبل الحديث عن التصورات المقترحة لتفعيل مشروع العودة إلى القرآن والانتفاع بقوة تأثيره الفريدة، والتعامل معه على أنه بداية حقيقية لمشروع النهضة، فإن هناك شرطا لا بد منه لكل من يريد اعتناق وتبني هذا المشروع، ألا وهو ضرورة الانتفاع والتأثر به أولا، وتذوق حلاوة الإيمان من خلاله، وأن يصبح بالفعل مصدرا متفردا للقوة الروحية والدافع الذاتي عند من يريد نشره وإيصاله إلى غيره.
وهذا لا يحتاج إلى كبير عناء، فقط أن تستشعر حاجتك إلى القرآن، ثم تقبل عليه بشغف باحثا عن التأثر من خلال تلاوة آياته، فعلى قدر ما سنعطي القرآن من أوقاتنا وعقولنا ومشاعرنا سيعطينا ويعطينا، وعلى قدر ما سنتواضع أمامه، وندخل عليه دخول الملهوف المتشوق لرؤية معجزته، الباحث عن حياة قلبه ستكون النتيجة المبهرة بمشيئة الله..

(أمامك عقبة)
من الأمور التي قد تمنع الواحد منا من استشعار حاجته إلى المعجزة القرآنية أنه قد تعود على تدبر القرآن واستخراج معانٍ عظيمة منه، وهذا من شأنه أن يُشعره بأنه قد أدى حق القرآن، ومن ثم لا يقع الحديث عن المعجزة القرآنية موقعه الصحيح من نفسه، ولا يتفاعل معها، بل وقد يعتبر أن الكلام موجها إلى غيره.
لذا من المهم أن يتأكد لدينا أن المقصد من التعامل الصحيح مع القرآن ليس التدبر وحده، بل يجب أن يصحب ذلك حصول التأثر وتجاوب المشاعر مع المعاني التي تفهمها عقولنا.
وقد دلنا القرآن على الجمع بين الأمرين حين أمرنا بالتدبر وبالترتيل، فمخاطبة الفكر تحتاج إلى إعمال العقل عند قراءة الآيات، وهذا هو جوهر التدبر، كما أن الترتيل يقوم بالطرق على المشاعر طرقا شديدا.
فإذا ما قام المرء بقراءة القرآن قراءة هادئة بطيئة مرتلة مع إعمال العقل فيما يقرأ، فسيكون لذلك أعظم الأثر في مزج الفكر بالعاطفة، والوصول لدرجة التأثر والتفاعل مع القراءة، ومن ثم تكون الطاقة والروح الدافعة للعمل...

وسوف نذكر بمشيئة الله بعض الوسائل المعينة والمساعدة كذلك على الوصول إلى درجة التأثر المطلوب.
 
هذه بعض الوسائل التي تعين صاحبها على إدارة وجهه للقرآن، والإقبال على مأدبته، والدخول إلى دائرة تأثير معجزته بصورة متدرجة:

أولا: الانشغال بالقرآن:
وذلك بالمداومة اليومية على تلاوته مهما كانت الظروف، وتفريغ أكبر وقت له، فالتغيير القرآني بطيء، هادئ، متدرج، ولكي يؤتي ثماره لا بد من استمرارية التعامل معه.
ثانيا: التهيئة الذهنية والعقلية:
فالذهنية تكون باختيار المكان الهادئ، وأن تكون القراءة في وقت النشاط والتركيز، مع الوضوء والسواك.
والقلبية يقصد منها تهيئة المشاعر لاستقبال القرآن، ولهذا وسائل منها: الدعاء، تذكر الموت، استماع المواعظ، مع التباكي عند القراءة.
ثالثا: القراءة المتأنية:
فلا يكون هم القارئ ختم القرآن، بل يقرأ قراءة هادئة مترسلة مع سلامة النطق وحسن الترتيل.
رابعا:التركيز مع القراءة:
وذلك أن نقرأ بحضور ذهن، فإذا ما سرحنا في وقت من الأوقات فعلينا أن نعيد الآيات التي شردت الأذهان عنها.
خامسا:التجاوب مع القراءة:
فالقرآن يشمل أسئلة وإجابات، ووعد ووعيد، وأوامر ونواه...
فتجاوبنا يكون بالرد على اسئلته، وتنفيذ أوامره بالتسبيح أو الحمد أو الاستغفار، والسجود عند مواضع السجود، والتامين على الدعاء، والاستعاذة من النار وسؤال الجنة...
سادسا: أن نجعل المعنى هو المقصود:
وذلك بمعرفة المعنى الإجمالي للآية، التعرف على المعاني الغامضة من خلال السياق، وينبغي الرجوع إلى كتب التفسير لكن في غير وقت القراءة، بل يخصص لها وقت، ثم يكون وقت القراءة مستقلا حتى يكتمل التأثر ولا ينقطع.
سابعا: تريد الآية التي تؤثر في القلب:
فالقرآن من أهم وسائل زيادة الإيمان، فإذا حصل للقلب لحظة تجاوب وانفعال أثناء القراءة فإن علينا أن نستثمر هذه الفرصة، ونعمل على دخول اكبر قدر من نور الإيمان إلى القلب في هذه اللحظات، وذلك من خلال ترديد الآيات التي أثرت فينا، وهذا ما كان السلف يفعلونه.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكم في أعمالكم وأعماركم وعلمكم
شـــــــــــــــــــكر ا لأخي العبادي على هذا الموضوع المتميز في هذه الأيام الفاضلة
وفقك الله أينما كنت وأعانك ونفع بك
 
أتأثر ولكن!!
من شأن الوسائل السابقة لو داومنا عليها أن تدخلنا إلى دائرة تأثير القرآن –بإذن الله- في مدة وجيزة.
ولكن قد يقول البعض: إنني بالفعل أتأثر بالقرآن، ولكني لا أشعر بآثار المعجزة ولا بعلامات دخول النور إلى القلب؟!
...نعم، يحدث هذا لنا لأن تأثرنا تأثر وقتي ومحدود وغير متواصل.
لذلك ولكي تصل المعجزة القرآنية إلى قلوبنا لا بد أولا أن توجد عندنا القناعة الأكيدة، والرغبة الجارفة للانتفاع بالقرآن، واستشعار الحاجة الماسة إليه، فعلى قدر هذه الرغبة يكون العطاء من الله تعالى.
ثم يجب أن يستمر التأثر، ويزداد وقته، ويطول أمده يوما بعد يوم، وهذا يستدعي منا أن نعطي القرآن الكثير من الأوقات خاصة في البداية، فتنتقل المشاعر تدريجيا من كفة الهوى إلى كفة الإيمان...وهكذا حتى نصل لمرحلة غلبة الإيمان على الهوى، وتمكن النور من القلب.
ولنتذكر أن هذا هو فعل الصحابة الكرام، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمح لهم بالانشغال بقراءة شيء غير القرآن حتى يصفو النتاج وتطيب الثمار، فكانوا بعد ذلك بحق الجيل القرآني الفريد.
 
وبعد أن نتذوق حلاوة الإيمان من خلال القرآن، ونشعر بقيمته، ونرى آثار معجزته في أنفسنا من انتباه ويقظة، ومن قلة رغبة في الدنيا، ومن تعلق بالآخرة...ومع استمرار هذا الشعور معنا، علينا أن نقوم ببث هذه الروح، والتبشير بهذا المشروع في الأمة.
ومن المقترح أن نقوم بهذه الأعمال:
أولا: أن نقوم بنشر هذا المفهوم الجديد للتعامل مع القرآن لمن حولنا، للزوجة والأولاد والأهل والمعارف والأصدقاء، وأن نأخذ بأيديهم حتى يصلوا إلى ما وصلنا إليه، ليقوموا هم بعد ذلك بنشره إلى من حولهم.

ثانيا: من الوسائل المهمة والتي من شأنها أن تسرع الخطى نحو انتشار روح القرآن في الأمة: اهتمام المربين بهذا الأمر، ووضعه في برامجهم التربوية، وذلك بأن يكون الهدف الذي يسعى إليه الجميع هو السعي وراء التأثر، مع القراءة اليومية الطويلة، ليتم من خلالها توليد القوة الروحية الدافعة للقيام بالواجبات المختلفة.
فلو قام المربون بذلك –بعد أن يجدوه في أنفسهم- وانتشر مفهوم التعامل الصحيح مع القرآن فلا تسل عن النتائج المبهرة التي ستحدث، ولا عن الذاتية والإيجابية التي سيثمرها الأفراد، وسينعكس ذلك على العمل فيزداد النتاج، وتزداد خطوات البناء في مشروع الإصلاح الشامل والمتكامل للأمة.

ثالثا: من الوسائل المهمة كذلك في تفعيل المشروع: إقامة مراكز قرآنية نموذجية تهتم بتحقيق المعجزة، وتخريج نماذج قرآنية تمشي على الأرض –والحديث عن مثل هذه المراكز يحتاج لموضوع مستقل-.

أخيرا أخي الحبيب..
إن كان القرآن هو سر نهضتنا فهو يحتاج منا بالضرورة إلى من يحمله ويبلغه للناس، فناشدتك الله أن تأخذ الموضوع مأخذ الجد، فالقرآن جاهز لتغييري وتغييرك.

(انتهى ما أردت نقله بتلخيص وتصرف يسير)

الدمام
4/9/1428هـ
 
شيخي الحبيب محمد..
الشكر لك أن قمت بالرد والمشاركة..
وما هذا إلا ثمرة مما غرستموه فينا من علم وأدب..
جزاكم الله خيرا
 
كلمات مضيئة احببت ان انقلها عبر هذا الموضوع البالغ الاهمية اذ ان القران هو اساس هذه الامة وسر نهتضها,متى عادت وتمسكت به :
كيف يمكن للقرآن أن ينهض بالأمة؟

فنبغي لهذه الأمة أن تَرْجع إلى تكوين عنصر الجنديَّة الذي ضاع منها، لا يمكن أن ترجع هذه الأمة إلى سَالِفِ مجدها مِنْ غَيْر أن يكون فيها، ومِنْ غَيْر أن يكون بناؤُها بجنود يجعل الله على يَدِهم النَّصْرَ والغَلَبة، وذلك مَشْروط بقوله - جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } [محمد:7]، وقوله سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].

فهذه الآيات ومثلها تُحَدِّد القاعدة التي يمكن للأمة أن تُرْجِع - على ضَوْئها - مجدها، فلا يمكن إطلاقًا لهذه الأمة أن تَتَخَلَّص مما هي فيه، وأن تسترجع عزتها وقوتها إلاَّ إذا أعادت بناءها، وإلا بقيت حيث كانت. فهذه الأمة لم تكن قوية إلاَّ بالقرآن، وبالبناء القرآني، ويوم تعود إلى القرآن وإلى البناء القرآني، فإنها تعود إلى قُوَّتها ومَجْدِها.

فقد أَكَّدَتِ التَّجارِب أنَّه لا يمكن أن نجد حقيقتنا الآدَميَّة، وذاتنا الإسلامية إلاَّ إذا كان يوجهنا القرآن، وتوجهنا الرُّؤيا القُرآنيَّة، والمنهج القرآني، والقِيَم القُرْآنيَّة. لذلك لا يمكن لهذه الأمة أن تَتَخَلَّص مما هي فيه ما لم تراجع ذاتها في ضَوْء القرآن، وضوء قِيَم القرآن، وضوء الحضارة القُرْآنيَّة.
 
جزاك الله خيرا موضوع مهم خاصة فى هذه الأيام المباركة
 
عودة
أعلى