! ؟
! ؟
قال النووي في الأذكار :
[فصل] : ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلاً و نهاراً، سفراً و حضراً ، و قد كانت للسلف رضي اللّه عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه ، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة ، و آخرون في كل شهر ختمة ، و آخرون في كل عشر ليال ختمة ، و آخرون في كل ثمان ليالٍ ختمة ، و آخرون في كل سبع ليالٍ ختمة ، و هذا فعل الأكثرين من السلف ، و آخرون في كل ستّ ليال ، و آخرون في خمس ، و آخرون في أربع ، و كثيرون في كل ثلاث ، و كان كثيرون يختمون في كل يوم و ليلة ختمة ، و ختم جماعة في كل يوم و ليلة ختمتين . و آخرون في كل يوم و ليلة ثلاث ختمات ، و ختم بعضهم في اليوم و الليلة ثماني ختمات: أربعاً في الليل ، و أربعاً في النهار: و ممّن ختم أربعاً في الليل و أربعاً في النهار السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي رضي اللّه عنه ، و هذا أكثر ما بلغنا في اليوم و الليلة .
و روى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زاذان بن عباد التابعي رضي اللّه عنه أنه كان يختم القرآن ما بين الظهر و العصر ، و يختمه أيضاً فيما بين المغرب و العشاء ، و يختمه فيما بين المغرب و العشاء في رمضان ختمتين و شيئاً ، و كانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل .
و روى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أنّ مجاهداً رحمه اللّه كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب و العشاء .
أخي الفاضل نجيب، شكر الله لك حثنا ورفع همتنا إلى ختم كتاب الله عز وجل، وأسأل الله أن يعيننا على ختمه وفهمه وحسن تدبره.
لكن استوقفني بعض المرويات التي تروي عن بعض الصالحين ختمهم للقرآن مرات عديدة في اليوم والليلة، مما لا يعقل بعضه فيما أظن!
أن يختم القرآن قراءة لا مجرد نظر في اليوم والليلة مرة واحد أو مرتين فهذا مما يصح. وقد يعقل ختمه ثلاث مرات في مرات قلائل لا على سبيل المداومة إذا كان الجزء الواحد يقرأ في خمس عشرة دقيقة على الأكثر، أي سيقرأ القارئ ثلاث ختمات في حوالي اثنتين وعشرين ساعة، وما بقي للصلوات المفروضة والنوم وبقية الأعمال! وإذا افترضنا أن الجزء الواحد يقرأ في عشر دقائق فيعقل أن يختم القارئ أربع ختمات في عشرين ساعة لا على سبيل المداومة إلا من شدد على نفسه وانقطع في حياته إلى قراءة القرآن لا غير.
أما أن يختم أكثر من أربع ختمات في اليوم والليلة فهذا مما لا يعقل! فما بالكم إذا كانت الختمة بين صلاتي الظهر والعصر! أو بين صلاتي المغرب والعشاء ولو أخرت العشاء! وما بالكم إذا كان الختم مرتين بين الصلاتين! فهذا مما لا يصح متنه وإن قيل بصحة إسناده! وإذا كان العلماء يستدلون على ضعف الحديث بمتنه ولو روي بإسناد ظاهره الصحة فما ظنكم بما يروى عن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والذي أراه أن يوعظ الناس بما في كتاب الله عز وجل وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وافق هديه من عمل الصالحين، فإنه هو الذي يوافق طبيعة الخلق، وأما ما يروى عن بعض الصالحين من الاجتهاد في العبادات إلى الحد الذي يعجز عنه أكثر أهل زماننا وزمانهم من الصالحين فإنه من أحوالهم الخاصة بهم، ولذا تروى عنهم مع التعجب، ولا أرى أن يوعظ به عامة الناس بل بعض خاصتهم؛ خاصة وأن بعض الوعاظ يروي تلك المرويات وكأنه يريد من الناس أن يصلوا إلى ما وصل إليه أولئك الصالحون، والناس في ظني يقعدهم مثل هذا الوعظ أكثر مما ينشطهم؛ لأنهم يرون ما يوعظون به مما يعجزون عنه.
وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهجه مع عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وغيره من الصحابة الذين أرادوا التبتل والانقطاع إلى العبادة والتشديد على أنفسهم؛ هو الهدي والمنهج الحق الذي ينبغي أن يوعظ الناس به.
أسأل الله أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ولا يجعله ملتبسًا علينا فنضل.
وأسأله أن يعفو عن زللنا وتقصيرنا، وإن كثيرًا من تقصيرنا قد يدفعنا إلى رد ما يظهر ضعفنا والتشكيك فيما يبين عيوبنا، والله المستعان وهو العفو الغفور.
ورحم الله امرءًا بين لنا وجه الحق.