في ظل آية [4] فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا ..

إنضم
10/03/2004
المشاركات
17
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
قد يظن بعض الإخوة أن الله سيسامحه إذا عصى ، وذلك نظراً لالتزامه بالإسلام وانخراطه في سلك العاملين له ، فتهون من أجل ذلك المعصية في نظره ، ولاسيما بعد مرور وقت طويل على التزامه ، وفَقْده الكثير من حماسته وحميته وغيرته الدينية ، نظراً لعوامل كثيرة تمر به لا داعي لبسطها الآن .. فإذا استهان بالصغائر أو تسامح في الشبهات فإنه يجد العقوبة من الله عز وجل سريعة جداً ، فيدهش لذلك ! حتى أنه قد يرتكب الذنب الآن فلا تمر عدة ساعات إلا وقد عوقب بذلك الذنب عقوبة شديدة ، فيحتار حينئذٍ ؛ ويقول لنفسه : قد كنت أفعل مئات من أمثال هذا الذنب أو أشد منه قبل التزامي ثم لا أجد عقوبة .. أما الآن فالعقوبة سريعة ومباشرة وقوية ! ولو فقه هذا الأخ دينه حقاً لعلم أن الله يغار على حرماته ، ويغار أكثر إذا انتهكها أولياؤه المقربون إليه والذين هم أحق الناس بالبعد عن العاصي ؛ فالذين يحملون رسالة الإسلام أولى الناس بتقوى الله والانصراف عن الصغائر والمشتبهات فضلاً عما فوقها ، فهم الذين ينهون عنها فكيف يقترفونها ؟ أضف إلى ذلك : الفتنة التي تحدث لعوام المسلمين إذا عرفوا ذلك ـ وهم عارفون لا محالة ـ .. وضياع مرتبة القدوة والأسوة التي يجب أن يتحلى بها هؤلاء الإخوة . ومن أجل ذلك وغيره قال تعالى : { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم }([1]) .. فحساب هؤلاء حساب شديد أشد من غيرهم وأصعب ممن سواهم .. فعلى كل أخ أن يعلم علم اليقين أنه ليس بين الله وبين أحد من بني آدم ـ مهما كان شأنه ـ قرابة ولا رحم ، بل هو قائم بالقسط حاكم بالعدل ..

وعلى كل أخ في الجماعة المسلمة أن يذكر نفسه بقوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به }([2]) .. وهذه الآية بالذات اعتبرها بعض الصحابة أشد آية في القرآن([3]) . وأنا اعتبرها أنها أكثر آية تخوف المؤمن ، وتجعل فرائصه ترتعد ..

فالآية خاطبت الصحابة ، وهم من هم ! فكيف بأمثالنا ممن خلطوا صالحاً وآخر سيئاً ؟ إنها ناقوس الخطر يــدق لينبه كــل فــرد في الجماعة المسلـمــة ، فميــزان العــدل لا يحابي أحــداً مهما كـان . وهذا “بلعام بن باعوراء” وكان يعلم اسم الله الأعظم ـ كما قيل ـ فلما عصى ربه أصبح مثله كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث([4]) ..

فالذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء ؛ ( فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ) ، وكان شيخ يدور في المجالس يقول : ( من سرهُ أن تدوم له العافية فليتق الله ) .. وقد ورد في الحديث الشريف : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )([5]) .. وقد قال بعض السلف : ( تسامحت بلقمة فتناولتها ، فأنا اليوم من أربعين سنةً إلى خلفٍ ) .. وانقطع نَعْل “أبي عثمان النيسابوري” في مُضِيِّه إلى الجمعة ، فتعوق لإصلاحه ساعة ، ثم قال : ( ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة ) .

وقال ابن الجوزي : ( ومن عجائب الجزاء في الدنيا : أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة “يوسف” وشروه بثمن بخس ؛ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب يقولون “وتصدق علينا” ([6]) ) ([7]) .

وقد تكون العقوبة معنوية ، فرب شخص أطلق بصره فيما حرمه الله عليه ، فحرمه الله نور بصيرته .

أو أطلق لسانه فحرمه الله صفاء قلبه . أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم قلبه وحرم قيام الليل وصلاة المناجاة.

ومنها : أن المعصية تدل على أختها ؛ فالمعصية بعد المعصية : عقاب على المعصية .

وقد يرى العاصي سلامة بدنه وماله وأهله ، فيظن أن لا عقوبة ؛ وغفلتُه عما عوقب به : عقوبة .. ويكفيه أن حلاوة اللذات قد استحالت علقماً وحنظلاً ، ولم يبق معه إلا مرارة الأسف والهم والغمِّ والندم ..

وقد روي أن بعض أحبار بني أسرائيل رأى ربه ، فقال : ( يا رب ! كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ ) فقال له: ( كم أعاقبك وأنت لا تدري ، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟ ) .. وقد يكون من نتيجة المعصية : أن يجعل الله له بغضاً في القلوب ، وصدوداً عن دعوته بغير سبب ظاهر .. فقد قال “أبو الدرداء” : ( إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر)..

وقد لخص الإمام “ابن القيم” في كتاب الفوائد آثار المعاصي تلخيصاً جميلاً ، حيث قال ـ معدداً آثار المعاصي : ( قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونَفْرة الخَلق ، والوحشة بين العبد وربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ، ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار .وأضداد هذه تتولد عن الطاعة )([8]) ..

وقد قيل لبعض السلف: ( أيجد لذة الطاعة من عصى؟ ) قال: ( ولا مَنْ هَمَّ ).

وقال “ابن الجوزي” ـ رحمه الله ـ : ( من تأمل ذل إخوة يوسف عليه السلام يوم قالوا : {تصدق علينا} .. عرف شؤم الزلل ، وذلك رغم توبتهم ، لأنه ليس من رقع وخاط كمن ثوبه صحيح . فرب عظم هيَّنٍ لم ينجبر ، فإن جبر فعلى وَهَنٍ )([9]) .. فاحذروا شررة تُستَصْغر ، فربما أحرقَتْ بلداً ! فيا من عَثَر مراراً .. هلاَّ أبْصرتَ ما الذي عَثَّرَكَ ..

---------
([1]) سـورة البقـرة الآيـة (209).
([2]) سـورة النسـاء الآية(123).
([3]) روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن ، فقال : ( ما هي يا عائشة ؟ ) قلت : ( من يعمل سوءاً يجز به ) فقال : ( ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها ) ، ورواه ابن جرير من حديث هشيم به ، ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخراز به . كذا في تفسير ابن كثير ( 1/558 ) .
([4]) راجع تفسير قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } الآية رقم ( 175 ) من سورة الأعراف .
([5]) رواه ابن ماجه ( 402 ) ، وأحمد ( 5/277 ) عن ثوبان رضي الله عنه ، قال في الزوائد : إسنادهُ حسن .
([6]) سـورة يـوسـف الآية ( 88 ) .
([7]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 73 .
([8]) كتاب الفوائد لابن القيم : ص 43 ط . مكتبة الحياة -بيروت .
([9]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 124 .

المرجع : http://www.khayma.com/aburayed/eykm.htm
 
الأخ أبا عبدالله المسلم

جزاك الله خيراً على هذا التذكير الذي نحن بحاجة شديدة إليه ، وخاصة أن القلوب قد قست ، والعيون قد قحطت والله المستعان .
وقد ذكرني تذكيرك هذا بمقال جيد بعنوان : احتضار داعية

أنقله هنا لأهميته من باب النصح والتذكير :

[frame="2 80"]بدأت الذاكرة تنسى أذكار الصباح والمساء ... لبعد العهد بترديدها .
السنن الرواتب مهملة لم يبق منها إلا سنة الفجر .. غالب الأيام لا كلها !
لا ورد من القرآن يتلى ، ولا ليل يُقام ، ولا نهار يُصام .
حلق العلم لم يعد لها نصيب في الجدول اليومي أو حتى الأسبوعي !
الصدقة يوقفها عشرة شياطين وشك واحتياط وتـثبت ، فإن خرجت من الجيب خرجت هزيلة على تسويف أن أختها ستكبرها بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع !
العمل يستغرق سحابة النهار ، وشفق الغروب ، وربما بعضاً من نجوم الليل !
يمر اليوم واليومان والأسبوع ولم يُستغرق الوقت في قراءة جادة !
أصبح الجهاد أخباراً تتابع , لا قلباً يحترق وجسداً يتوق للمشاركة وأملاً ينتظر النصر والهجرة !
ينقضي المجلس وينصرف الجمع وقد ضحكوا ملء الأفواه ، وأكلوا ملء البطون ، وربما أكلوا لحم فلان وفلان ميتاً ، وتقاصُّوا أخبار السلع والسيارات وغرائب الطرائف ، ولم يتذاكروا آية أو حديثاً أو فائدة ، والحضور : "ملتزمون" ومنهم "دعاة" ، فإن كان ولا بد فالجرح والتعديل مطية المجالس هذه الأيام !

زهد في السنن ، وتوسع في المباح ، وتهاون في المحظور : .. صلاة الضحى والوتر .. ، دعاء الخروج والدخول للمنـزل والمسجد وركوب الدابة .. ، السواك عند الوضوء والصلاة .. ، ترف المطعم والملبس والمركب .. ، ملاطفة الكفار "لتأليف قلوبهم" على حين لا يجب الحديث معهم عن الإسلام ابتداءً لعدم تنفيرهم ، ولكن علينا بالدعوة عن طريق "القدوة" حتى يحين الموعد المناسب الذي لا يحين لسنوات .. حتى يفارق الجار جاره ، والطالب زميله ، والعامل صاحبه !

قضاء الساعات الطوال في التنقل بين صفحات الإنترنت والحوار ، حتى أصبح الأمر شرَّاً من قراءة فتات الصحف والثرثرة في المجالس ومتابعة فضول الأخبار والبرامج وما في حكمهما على شاشة التلفاز "الكبير" !

بطاقة ائتمان لا ضرورة لها ، ... و ... و ... !
أفمن هذا حاله ، يصلح أن يُطلق عليه وصف "داعية" ؟!
أم هل يمكن أن يؤثر في نفسه وأسرته فضلاً عن مجتمعه ؟!
إنها أعراض الاحتضار ، فليراجع كل منا حاله ، فإن لم نسرع بالدواء فما بعد الاحتضار أعصى على الدواء ، وكل امرؤ طبيب نفسه ، والله المستعان وعليه التكلان !

كتبه : إسلام المرابط
مجلة العصر - العدد الثالث[/frame]
 
[align=justify]وقد يرى العاصي سلامة بدنه وماله وأهله ، فيظن أن لا عقوبة ؛ وغفلتُه عما عوقب به : عقوبة .. ويكفيه أن حلاوة اللذات قد استحالت علقماً وحنظلاً ، ولم يبق معه إلا مرارة الأسف والهم والغمِّ والندم .. [/align]

يالها من موعظة بليغة ، وعسى أن تصادف قلوباً سليمة

جزى الله كاتبها خيراً
 
للرفع والتذكير ؛ فقد صارت أحوالنا تشكى إلى الله تعالى ، وأصبحت قلوبنا تحتاج إلى ما يزيل الران عنها ، وعيوننا تشتكي من القحط والجفاف.

نسأل الله الكريم أن يصلح أحوالنا ، وأن يمنّ علينا بقلوب سليمة . آمين
 
جاء في تفسير السعدي لهذه الآية ما نصه: وفيه من الوعيد الشديد، والتخويف، ما يوجب ترك الزلل، فإن العزيز القاهر الحكيم، إذا عصاه العاصي، قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته فإن من حكمته، تعذيب العصاة والجناة. اهـ
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:

جزاى الله الإخوة عل ما تفضلوا به من التذكير بهذه الكلمات الطيبة والتي تعنى بما يجب أن يكون عليه المسلم من المراقبة والخشية والحذر من المعاصي.

ولكن الذي أود التنبيه إليه أن هذه الخطاب المفتتح بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة : 208 )
إنما هو موجه إلى فئة خاصة أرادت أن تأخذ من ظاهر الإسلام ما تحفظ به مكانتها في الوسط المسلم أما الباطن فهو مخالف لحقيقة الإسلام ويدل عليه ما يظهر عليهم من سلوكيات مشينة مخالفة لما يظهرونه من زعم بطهارة قلوبهم وصفاء سريرتهم ، وهم من عناهم الله تعالى بقوله في سباق الآيات:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ *وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (البقرة :204 - 206 )
ويؤكد هذا المعنى تذييل الآية بقوله تعالى:
(وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
ويؤكده أيضا التحذير من مغبة هذا الفعل وهذه الصفات لهذه النفوس المنافقة المريضة الوارد في الآية التالية:
(فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(البقرة : 209 )
والدليل أن الخطاب وإن كان موجه للمؤمنين إنما هو في الحقيقة تعريض بحال أولئك الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم مع وضوح آياته وظهورها قوله تعالى بعد ذلك:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ * سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (البقرة :210 - 211 )

وبهذا يتبين أن هناك فرق بين المسلم الذي استقر الإيمان في قلبه وقد تزل به القدم ويقع في بعض الذنوب والمعاصي إما لغفلة أو شهوة طاغية أو شبهة ، وبين من قد تلبس بالإسلام نطقاً وإدعاء ثم تراه سادرا في غيه لايتورع عن معصية ولا يقيم وزنا لأمر أو نهي .
ولهذا لما أثقل قول الله تعالى:
(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً )(النساء : 123 ) على الصحابة رضوان الله عليهم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر، قال بن كثير رحمه الله تعالى:
"وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير قال : أخبرت أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، كيف الصلاح بعد هذه الآية : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) فكل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ " قال : بلى . قال : " فهو ما تجزون به ""

وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال : لما نزلت : ( من يعمل سوءا يجز به ) شق ذلك على المسلمين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا ، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها ، والنكبة ينكبها " .

وفق الله الجميع لما فيه الخير ووقانا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:

جزاى الله الإخوة عل ما تفضلوا به من التذكير بهذه الكلمات الطيبة والتي تعنى بما يجب أن يكون عليه المسلم من المراقبة والخشية والحذر من المعاصي.

ولكن الذي أود التنبيه إليه أن هذه الخطاب المفتتح بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة : 208 )
إنما هو موجه إلى فئة خاصة أرادت أن تأخذ من ظاهر الإسلام ما تحفظ به مكانتها في الوسط المسلم أما الباطن فهو مخالف لحقيقة الإسلام ويدل عليه ما يظهر عليهم من سلوكيات مشينة مخالفة لما يظهرونه من زعم بطهارة قلوبهم وصفاء سريرتهم ، وهم من عناهم الله تعالى بقوله في سباق الآيات:
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ *وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (البقرة :204 - 206 )
ويؤكد هذا المعنى تذييل الآية بقوله تعالى:
(وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ )
ويؤكده أيضا التحذير من مغبة هذا الفعل وهذه الصفات لهذه النفوس المنافقة المريضة الوارد في الآية التالية:
(فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )(البقرة : 209 )
والدليل أن الخطاب وإن كان موجه للمؤمنين إنما هو في الحقيقة تعريض بحال أولئك الذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم مع وضوح آياته وظهورها قوله تعالى بعد ذلك:
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ * سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (البقرة :210 - 211 )

وبهذا يتبين أن هناك فرق بين المسلم الذي استقر الإيمان في قلبه وقد تزل به القدم ويقع في بعض الذنوب والمعاصي إما لغفلة أو شهوة طاغية أو شبهة ، وبين من قد تلبس بالإسلام نطقاً وإدعاء ثم تراه سادرا في غيه لايتورع عن معصية ولا يقيم وزنا لأمر أو نهي .
ولهذا لما أثقل قول الله تعالى:
(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً )(النساء : 123 ) على الصحابة رضوان الله عليهم بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم الأمر، قال بن كثير رحمه الله تعالى:
"وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة . قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن نمير ، حدثنا إسماعيل ، عن أبي بكر بن أبي زهير قال : أخبرت أن أبا بكر قال : يا رسول الله ، كيف الصلاح بعد هذه الآية : ( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) فكل سوء عملناه جزينا به ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ؟ ألست تنصب ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللأواء ؟ " قال : بلى . قال : " فهو ما تجزون به ""

وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال : لما نزلت : ( من يعمل سوءا يجز به ) شق ذلك على المسلمين ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سددوا وقاربوا ، فإن في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يشاكها ، والنكبة ينكبها " .

وفق الله الجميع لما فيه الخير ووقانا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة : 208 - 210]
الظاهر أن الآيتين على عمومها، وهذا ما قرره أئمة التفسير:
جاء في تفسير الطبري: ( قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان"، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض.) اهـ.

وفي التحرير والتنوير لابن عاشور: ( والخطاب بـ"يأيها الذين آمنوا" خطاب للمسلمين على عادة القرآن في إطلاق هذا العنوان ، ولأن شأن الموصول أن يكون بمنزلة المعرف بلام العهد .).اهـ.
 
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [البقرة : 208 - 210]
الظاهر أن الآيتين على عمومها، وهذا ما قرره أئمة التفسير:
جاء في تفسير الطبري: ( قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في"الذين آمنوا" المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم"الإيمان"، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض.) اهـ.
وفي التحرير والتنوير لابن عاشور: ( والخطاب بـ"يأيها الذين آمنوا" خطاب للمسلمين على عادة القرآن في إطلاق هذا العنوان ، ولأن شأن الموصول أن يكون بمنزلة المعرف بلام العهد .).اهـ.

لا شك أن القول بالعموم قول وجيه ، والمؤمن الحق ملتزم لشرائع الإسلام ، ولكن المتأمل في طبيعة الخطاب ومضمونه يرى دلالة واضحة أن هناك قضية خطيرة أراد أن يعالجها هذا النوع من الخطاب ، وهي أن المؤمن الحق ليس أمامه إلا العمل بشرائع الإسلام كافة دون انتقاء ، وإلا كان إيمانه من باب الدعاوى الكاذبة.
وسباق الآيات وسياقها يدل على أن المراد تعرية حال فئة معينة من الناس إما أن الإيمان لم يستقر في نفوسها ،أو أنها ادعته نفاقا.
والله أعلى وأعلم
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد.
 
بارك الله عليكم
المشاركة قيمة بحق، من حيث انتقاء الموضوع، والخيرات التي سيقت في طرحه

والتدبر عموما أمر قيم وجنة (بالضم والفتح معا فهو نعيم ووقاء من المعاصي والشرور)

وأرجو تعديل الأية الكريمة في أول مشاركة" ليس بأمانيكم.."

وأشكر الأحبة الذين نشطوا الموضوع، فهو موضوع الساعة وكل ساعة، فكل ساعة يعوزنا مراقبة وتدبر ورجاء كذلك

كنت أسطر أن تدبر القرءان هو روح من روح هذا الدين، وحين يفقدها أهله يمسون كالأموات بلا روح، ويصبح الكتاب بين أيديهم وليس في قلوبهم

وتدبر القرءان هو قدر من روح الحقيقة، ومن حقيقة الكون والإنسان

والأهم من صفات الله تعالى التي نحتاجها حين نفكر في الوجود، أو نتواجد على الأرض قبل أن نرحل، أو نتواجد في عالم الحس والشعور محلقين، فتحمينا من التهويم والتسرب في كل خط شارد، ومن البلادة والعمى القلبي، كما تحمينا من الصلف
العقلي، وتقدم لنا قوة روحية وطاقة هائلة، ليس فقط للإيمان بها، فكل إيمان يغذي صاحبه إلى حد ما، لكن لأنها حق, وتعطي بحق، ولأن الله تعالى حق وهو الحق.. سبحانه
وقدره حق، وفعله في الكون حق
وتدبر القرءان من مفاتيح الشريعة ولن يصل مسافر لفقه تام، ولا عقيدة كاملة شاملة نقية، ولا تربية سنية فيها عمى عن نظرة الناس ومكاسب النفس، وفيها صدق تام ورقة غير مفتعلة سوى المسافر الذي يتدبر القرءان بحق
وكذلك يعطيك التدبر القواعد العقلية البدهية، والأسس الصائبة التي تعيد إليك توازنك وتريك الصورة كاملة دوما، وعميقة بكل أبعادها فتزن عقلك وتثبت نفسك وتقيك التزلزل والتردد والحيرة، ولا أعني فقط السنن الربانية في الكون والنواميس بل الأصول السوية للتفكير
....

بيع القلب يبدأ تدريجيا ثم يختفي القلب تماما

ويتحول الأمر إلى وهم
 
أحسن الله إليـك.
بحمد الله بلغت اليوم في تفسير ابن عطية تفسير هذه الآية ، فقد جعلت برنامجي في شهر رمضان ختم القرآن تدبراً مع قراءة المجلد الأول من تفسير ابن عطية قراءة تأمل لا قراءة جرد. لما وصلت إلى هذه الآية العظيمة الشأن خطر ببالي تفسير راودني منذ زمن ، ولم استقص إن كان قد ورد عن أحد من السلف ولكن هو كالتالي:

أن الله لما حث المؤمنين على الدخول في السلم كافة فإنه حثهم على أمر ليس سهلاً ، إذ "كافة" إما أن تكون حال من الفاعل أو حال من الجار والمجرور في محل نصب المفعول ، أي ليدخل كافتكم في السلم أو ليدخل المؤمنون في كافة الدين ولا يتركوا منه شيئاً ، وعلى القول الأخير هذا ليس بسهل وإنما يحتاج لمجاهدة وصبر ، ولذلك خفف عنا الله عندما قال ((فاتقوا الله ما استطعتم)) ، ولما كان الأمر بهذه الدرجة ، وهي درجة الكمال لمن دخل في كافة الدين ولم يخرج عن أي شيء منه ، لم يُستبعد احتمال وقوع الزلل من عباده ، والزلل غير الإصرار فهو أيسر ولا يكاد يسلم منه أحد ، أقول لما كان الأمر كذلك أخبر الله عباده أن "الزلل" من آثار عزته وحكمته ، ولو كان أراد التهديد لقال "شديد العقاب" ونحو ذلك ، ولكنه ختمها بصفتي العزة والحكمة ، والآيـة اختصار متقن لكلام ابن القيم في "دار الهجرتين" عندما ذكر أن من المؤمنين من يُقدّر الله عليه الوقوع في الذنب - رغم التحرز - ليرى العبد ضعفه ويشاهد آثار حكمة الله فيه ، فيتعلم درساً في الاعتراف بالتقصير وقلة الحول والقوة ، ثم ذكر ابن القيم أن من شهد هذا المشهد - مشهد الوقوع في الذنب - فإنه ينتفع به بخلاف من وقع فيه ولم يشاهده ، وعليه عند ذلك أن يثوب سريعاً إلى مولاه ويتوب وينيب إليه. والله أعلم.
 
عودة
أعلى