أبوعبدالله المسلم
New member
- إنضم
- 10/03/2004
- المشاركات
- 17
- مستوى التفاعل
- 0
- النقاط
- 1
قد يظن بعض الإخوة أن الله سيسامحه إذا عصى ، وذلك نظراً لالتزامه بالإسلام وانخراطه في سلك العاملين له ، فتهون من أجل ذلك المعصية في نظره ، ولاسيما بعد مرور وقت طويل على التزامه ، وفَقْده الكثير من حماسته وحميته وغيرته الدينية ، نظراً لعوامل كثيرة تمر به لا داعي لبسطها الآن .. فإذا استهان بالصغائر أو تسامح في الشبهات فإنه يجد العقوبة من الله عز وجل سريعة جداً ، فيدهش لذلك ! حتى أنه قد يرتكب الذنب الآن فلا تمر عدة ساعات إلا وقد عوقب بذلك الذنب عقوبة شديدة ، فيحتار حينئذٍ ؛ ويقول لنفسه : قد كنت أفعل مئات من أمثال هذا الذنب أو أشد منه قبل التزامي ثم لا أجد عقوبة .. أما الآن فالعقوبة سريعة ومباشرة وقوية ! ولو فقه هذا الأخ دينه حقاً لعلم أن الله يغار على حرماته ، ويغار أكثر إذا انتهكها أولياؤه المقربون إليه والذين هم أحق الناس بالبعد عن العاصي ؛ فالذين يحملون رسالة الإسلام أولى الناس بتقوى الله والانصراف عن الصغائر والمشتبهات فضلاً عما فوقها ، فهم الذين ينهون عنها فكيف يقترفونها ؟ أضف إلى ذلك : الفتنة التي تحدث لعوام المسلمين إذا عرفوا ذلك ـ وهم عارفون لا محالة ـ .. وضياع مرتبة القدوة والأسوة التي يجب أن يتحلى بها هؤلاء الإخوة . ومن أجل ذلك وغيره قال تعالى : { فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم }([1]) .. فحساب هؤلاء حساب شديد أشد من غيرهم وأصعب ممن سواهم .. فعلى كل أخ أن يعلم علم اليقين أنه ليس بين الله وبين أحد من بني آدم ـ مهما كان شأنه ـ قرابة ولا رحم ، بل هو قائم بالقسط حاكم بالعدل ..
وعلى كل أخ في الجماعة المسلمة أن يذكر نفسه بقوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به }([2]) .. وهذه الآية بالذات اعتبرها بعض الصحابة أشد آية في القرآن([3]) . وأنا اعتبرها أنها أكثر آية تخوف المؤمن ، وتجعل فرائصه ترتعد ..
فالآية خاطبت الصحابة ، وهم من هم ! فكيف بأمثالنا ممن خلطوا صالحاً وآخر سيئاً ؟ إنها ناقوس الخطر يــدق لينبه كــل فــرد في الجماعة المسلـمــة ، فميــزان العــدل لا يحابي أحــداً مهما كـان . وهذا “بلعام بن باعوراء” وكان يعلم اسم الله الأعظم ـ كما قيل ـ فلما عصى ربه أصبح مثله كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث([4]) ..
فالذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء ؛ ( فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ) ، وكان شيخ يدور في المجالس يقول : ( من سرهُ أن تدوم له العافية فليتق الله ) .. وقد ورد في الحديث الشريف : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )([5]) .. وقد قال بعض السلف : ( تسامحت بلقمة فتناولتها ، فأنا اليوم من أربعين سنةً إلى خلفٍ ) .. وانقطع نَعْل “أبي عثمان النيسابوري” في مُضِيِّه إلى الجمعة ، فتعوق لإصلاحه ساعة ، ثم قال : ( ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة ) .
وقال ابن الجوزي : ( ومن عجائب الجزاء في الدنيا : أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة “يوسف” وشروه بثمن بخس ؛ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب يقولون “وتصدق علينا” ([6]) ) ([7]) .
وقد تكون العقوبة معنوية ، فرب شخص أطلق بصره فيما حرمه الله عليه ، فحرمه الله نور بصيرته .
أو أطلق لسانه فحرمه الله صفاء قلبه . أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم قلبه وحرم قيام الليل وصلاة المناجاة.
ومنها : أن المعصية تدل على أختها ؛ فالمعصية بعد المعصية : عقاب على المعصية .
وقد يرى العاصي سلامة بدنه وماله وأهله ، فيظن أن لا عقوبة ؛ وغفلتُه عما عوقب به : عقوبة .. ويكفيه أن حلاوة اللذات قد استحالت علقماً وحنظلاً ، ولم يبق معه إلا مرارة الأسف والهم والغمِّ والندم ..
وقد روي أن بعض أحبار بني أسرائيل رأى ربه ، فقال : ( يا رب ! كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ ) فقال له: ( كم أعاقبك وأنت لا تدري ، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟ ) .. وقد يكون من نتيجة المعصية : أن يجعل الله له بغضاً في القلوب ، وصدوداً عن دعوته بغير سبب ظاهر .. فقد قال “أبو الدرداء” : ( إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر)..
وقد لخص الإمام “ابن القيم” في كتاب الفوائد آثار المعاصي تلخيصاً جميلاً ، حيث قال ـ معدداً آثار المعاصي : ( قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونَفْرة الخَلق ، والوحشة بين العبد وربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ، ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار .وأضداد هذه تتولد عن الطاعة )([8]) ..
وقد قيل لبعض السلف: ( أيجد لذة الطاعة من عصى؟ ) قال: ( ولا مَنْ هَمَّ ).
وقال “ابن الجوزي” ـ رحمه الله ـ : ( من تأمل ذل إخوة يوسف عليه السلام يوم قالوا : {تصدق علينا} .. عرف شؤم الزلل ، وذلك رغم توبتهم ، لأنه ليس من رقع وخاط كمن ثوبه صحيح . فرب عظم هيَّنٍ لم ينجبر ، فإن جبر فعلى وَهَنٍ )([9]) .. فاحذروا شررة تُستَصْغر ، فربما أحرقَتْ بلداً ! فيا من عَثَر مراراً .. هلاَّ أبْصرتَ ما الذي عَثَّرَكَ ..
---------
([1]) سـورة البقـرة الآيـة (209).
([2]) سـورة النسـاء الآية(123).
([3]) روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن ، فقال : ( ما هي يا عائشة ؟ ) قلت : ( من يعمل سوءاً يجز به ) فقال : ( ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها ) ، ورواه ابن جرير من حديث هشيم به ، ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخراز به . كذا في تفسير ابن كثير ( 1/558 ) .
([4]) راجع تفسير قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } الآية رقم ( 175 ) من سورة الأعراف .
([5]) رواه ابن ماجه ( 402 ) ، وأحمد ( 5/277 ) عن ثوبان رضي الله عنه ، قال في الزوائد : إسنادهُ حسن .
([6]) سـورة يـوسـف الآية ( 88 ) .
([7]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 73 .
([8]) كتاب الفوائد لابن القيم : ص 43 ط . مكتبة الحياة -بيروت .
([9]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 124 .
المرجع : http://www.khayma.com/aburayed/eykm.htm
وعلى كل أخ في الجماعة المسلمة أن يذكر نفسه بقوله تعالى : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به }([2]) .. وهذه الآية بالذات اعتبرها بعض الصحابة أشد آية في القرآن([3]) . وأنا اعتبرها أنها أكثر آية تخوف المؤمن ، وتجعل فرائصه ترتعد ..
فالآية خاطبت الصحابة ، وهم من هم ! فكيف بأمثالنا ممن خلطوا صالحاً وآخر سيئاً ؟ إنها ناقوس الخطر يــدق لينبه كــل فــرد في الجماعة المسلـمــة ، فميــزان العــدل لا يحابي أحــداً مهما كـان . وهذا “بلعام بن باعوراء” وكان يعلم اسم الله الأعظم ـ كما قيل ـ فلما عصى ربه أصبح مثله كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث([4]) ..
فالذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء ؛ ( فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة ) ، وكان شيخ يدور في المجالس يقول : ( من سرهُ أن تدوم له العافية فليتق الله ) .. وقد ورد في الحديث الشريف : ( إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )([5]) .. وقد قال بعض السلف : ( تسامحت بلقمة فتناولتها ، فأنا اليوم من أربعين سنةً إلى خلفٍ ) .. وانقطع نَعْل “أبي عثمان النيسابوري” في مُضِيِّه إلى الجمعة ، فتعوق لإصلاحه ساعة ، ثم قال : ( ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة ) .
وقال ابن الجوزي : ( ومن عجائب الجزاء في الدنيا : أنه لما امتدت أيدي الظلم من إخوة “يوسف” وشروه بثمن بخس ؛ امتدت أكفهم بين يديه بالطلب يقولون “وتصدق علينا” ([6]) ) ([7]) .
وقد تكون العقوبة معنوية ، فرب شخص أطلق بصره فيما حرمه الله عليه ، فحرمه الله نور بصيرته .
أو أطلق لسانه فحرمه الله صفاء قلبه . أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم قلبه وحرم قيام الليل وصلاة المناجاة.
ومنها : أن المعصية تدل على أختها ؛ فالمعصية بعد المعصية : عقاب على المعصية .
وقد يرى العاصي سلامة بدنه وماله وأهله ، فيظن أن لا عقوبة ؛ وغفلتُه عما عوقب به : عقوبة .. ويكفيه أن حلاوة اللذات قد استحالت علقماً وحنظلاً ، ولم يبق معه إلا مرارة الأسف والهم والغمِّ والندم ..
وقد روي أن بعض أحبار بني أسرائيل رأى ربه ، فقال : ( يا رب ! كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ ) فقال له: ( كم أعاقبك وأنت لا تدري ، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي ؟ ) .. وقد يكون من نتيجة المعصية : أن يجعل الله له بغضاً في القلوب ، وصدوداً عن دعوته بغير سبب ظاهر .. فقد قال “أبو الدرداء” : ( إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر)..
وقد لخص الإمام “ابن القيم” في كتاب الفوائد آثار المعاصي تلخيصاً جميلاً ، حيث قال ـ معدداً آثار المعاصي : ( قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونَفْرة الخَلق ، والوحشة بين العبد وربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ، ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار .وأضداد هذه تتولد عن الطاعة )([8]) ..
وقد قيل لبعض السلف: ( أيجد لذة الطاعة من عصى؟ ) قال: ( ولا مَنْ هَمَّ ).
وقال “ابن الجوزي” ـ رحمه الله ـ : ( من تأمل ذل إخوة يوسف عليه السلام يوم قالوا : {تصدق علينا} .. عرف شؤم الزلل ، وذلك رغم توبتهم ، لأنه ليس من رقع وخاط كمن ثوبه صحيح . فرب عظم هيَّنٍ لم ينجبر ، فإن جبر فعلى وَهَنٍ )([9]) .. فاحذروا شررة تُستَصْغر ، فربما أحرقَتْ بلداً ! فيا من عَثَر مراراً .. هلاَّ أبْصرتَ ما الذي عَثَّرَكَ ..
---------
([1]) سـورة البقـرة الآيـة (209).
([2]) سـورة النسـاء الآية(123).
([3]) روى ابن أبي حاتم بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله إني لأعلم أشد آية في القرآن ، فقال : ( ما هي يا عائشة ؟ ) قلت : ( من يعمل سوءاً يجز به ) فقال : ( ما يصيب العبد المؤمن حتى النكبة ينكبها ) ، ورواه ابن جرير من حديث هشيم به ، ورواه أبو داود من حديث أبي عامر صالح بن رستم الخراز به . كذا في تفسير ابن كثير ( 1/558 ) .
([4]) راجع تفسير قوله تعالى : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } الآية رقم ( 175 ) من سورة الأعراف .
([5]) رواه ابن ماجه ( 402 ) ، وأحمد ( 5/277 ) عن ثوبان رضي الله عنه ، قال في الزوائد : إسنادهُ حسن .
([6]) سـورة يـوسـف الآية ( 88 ) .
([7]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 73 .
([8]) كتاب الفوائد لابن القيم : ص 43 ط . مكتبة الحياة -بيروت .
([9]) صيد الخاطر لابن الجوزي : ص 124 .
المرجع : http://www.khayma.com/aburayed/eykm.htm