مضر أحمد حسن
New member
- بسم1
لا تحسب انه بعد نفخ الروح والتسوية لآدم (البشر الأول) لم يُولد آدم إلا بشراً؟ فالإنسان استمر وجوده، فمن تعلق بالمبدأ الاعلى صار بشراً ومن رضي بما هو عليه بقي إنساناً- فالسابقون - على خط التطور والترقي هم البشر والاخرون خلفهم تباعاً - بعضهم ينحدر وبعضم يترقى ببطء، وليس ذلك في الخلقه-لأن تسوية الخلقه قد تم، انما هو في الاختيار الذي هو مرتبط بالعقل والقلب - نعم الخلقه تتحسن أيضاً بحسن الاختيار. لذلك كانت موارد ذكر الإنسان في القرآن موارد ذمٌ في أكثرها - إلا إذا استثنى، بينما موارد البشر موارد ثناء ومديح من غير ما استثناء. بل موارد الذمٌ العام (للإنسان) من غير استثناء هي أكثر الموارد - عدا موردين من أصل (65) مورداً. مثل: ] إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ [هود:9] [ ]إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34] [ ] وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً [الإسراء:11] [ ] وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً [الإسراء:67] [ ] إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ [الحج:66] [..... إلى آخر تلك الموارد. اما البشر فقد اطلق على الانبياء والاصفياء والرسل والخاصّة: ] فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً [مريم:17] [ لاحظ انه لا يتمثل بالإنسان لأنه واطئ. ]قل سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً [الإسراء : 93] ا[ ] قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110] [ ] مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:154] [ فكون الرسل مثلهم أي مثل الإنسان في الخلقة لكنهم بالمعرفة والارتباط بالمبدأ ودرجة الترقي بشر وليسوا من الإنسان. ]قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً [مريم:20] [ لأن مقامها ودرجتها هي درجة البشر كونها من الأولياء. ] قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ [يوسف:31] [ - ولو قلن ما هذا إنسان لاحتمل ان يكون بشراً فلما نفيت الاعلى نُفي الادنى، هذا أمر تقتضيه البلاغة. ] قلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [المائدة:18][ وهذه الآية قد تحُدث التباساً لانها بالضد من الفرض - لاحتمال وجود من يُعذب فيهم: والجواب: ان البلاغة تقتضي ذلك - لانهم ادعوا (الولاية) موضوع كتابنا - زعموا انهم أولياء لله - فقال: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ لأن الأولياء لا يذنبون أو يذنبون ويتوبون. واذن فلا يعذبون؟ ثم قال بل أنتم بشر ممن خلق يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء. فغاية ما تصلونه: ان تكونوا بشراً - لأن فيهم انبياء ورسل (بشر)، فحاججهم بأعلى درجة فيهم يُحتمل ان يصلوا إليها. المورد الآخر الذي يحتاج إلى ايضاح لظهوره في العموم قوله تعالى في الفرقان { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [الفرقان:54] }. فبعد العثور على القاعدة لا بد من الاذعان للمرويٌ وهو ان البشر المقصود في هذه الآية ليس عاماً بل هو رجل معيٌن معروف. وفوق ذلك فهو في معرض تبيان حقيقة وفيه منِهٌ على ذلك المخلوق كونه جعله نسباً وصهراً فهو من موارد الثناء ولا يخل بالفرض - والمخاطب به النبي (ص) وفيه منه عليه بخلق هذا البشر لقوله: ] وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً [ فهو إذن شخص مخصوص قد اجتمع فيه النسب والصهر لرسول الله (ص). وفوق ذلك فمن الممكن استخدام لفظ (الماء) المعرٌف للدلالة على الخصوصية - لأن استعراض موارد ذكر االماء كلها يحدد لنا المقصود من الماء المعرفٌ انه ماء مخصوص لاستطراد التنكير في الموارد الدالة على الماء الذي نعرفه نحن. فكون (الإنسان) مذموم والبشر ممدوح في القرآن، هو إحدى الجهات التي تؤيد الفرض السابق من أن الإنسان خلق أولاً بشرعةٍ موضوعةٍ فيه للترقيٌ والسمو، وصولاً إلى مرحلة البشرية.
والله أعلم