الانتصار للقرآن الكريم لا يحتاج إلى تأصيل... التأصيل غير مطلوب
يظهر لي أن عنوان الموضوع أو المقالة غير منسجم مع مضمونها، ذلك أنه بقراءة العنوان أعلاه، نجده يوحي بوجود نصوص من شرعنا الحنيف فيها ما يفيد و يدل على وجوب الانتصار للقرآن الكريم، كما يوحي العنوان أيضا بوجود تأصيل غير شرعي "لعلم الانتصار للقرآن الكريم".
فأين هي الأدلة العقلية ذات الطبيعة التأصيلية، أو بعضها في كلام الجاحظ رحمه الله تعالى؟ و الذي لا يمكن التسليم ببعض ما جاء فيه بسهولة؛ هذا إذا صحت نسبته إليه. أما إذا لم تصح هذه النسبة، فإن الكلام سيكون ذا أبعاد أخرى. والشك هنا ليس في النقل عن الجاحظ، إنما الشك في المنقول. وهو ما يستلزم تحقيق نسبة الكلام إليه.
و في هذا المنحى (اعتماد كلام البشر) مفارقة عجيبة وهي أننا نؤصل لأمر خطير بكلام ليس فيه من التأصيل شيء،
وهذا يعني أننا نفتح الباب أمام من يجعلون من كلام الناس الأصل الذي يُستند عليه في إعطاء الشرعية لما يقولون، ونضيف أصلا جديدا على الأصول المعروفة والمعتمدة عند الأمة، وهو كلام الناس، وإن كان الجاحظ رحمه الله تعالى ليس كباقي الناس، نعم هو من أكابر علماء الأمة، ولكن لا يمكن أن يرقى كلامه أو كلام أمثاله إلى منزلة أو رتبة الأصل الذي يكون دليلا أو بمنزلة الدليل، بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، أو لهذا المصطلح الذي حينما نسمعه يوحي لنا بما يوحيه من استحضار الأصول المتعارف عليها وعلى رأسها القرآن الكريم.
ويظهر لي أن عنوان المقالة فيه
تعسف، ذالك أن الانتصار للقرآن الكريم و الدفاع عنه لا يحتاج إلى تأصيل، لأن القرآن هو أصل الأصول والأصل الأول الذي تفرعت عنه باقي الأصول؛ و المسلم بوجدانه وبما يحمله من أفكار و أراء نابعة من القرآن لا يحتاج إلى أصل أخر ولا إلى تأصيل يتخذه سندا، يعتمد عليه، وينتصر من خلاله للقرآن الكريم، فهو وما لديه أو عنده من فهوم وأراء بمنزلة دفاع عن القرآن، بل هو خير مدافع ومنتصر للقرآن الكريم.
وإذا كان هناك من يحتاج إلى أدلة على ما يقوم به المنتصرون للقرآن، فإن في القرآن ما يكفي منها، يمكن الإتيان بها في هذا المقام. وإذا كان لابد من بيان لتلك الأدلة، فإن في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين رضي الله عنهم جميعا ما يفي بذلك.
أما ما يظهر من شبهات و افتراءات على القرآن فهذه لا تحتاج من المسلم إلى تأصيل لكي ينهض لردها و تفنيدها؛ وإذا كان يحتاج إلى مثل هذه الأمور، فإنه يحتاج أولا وقبل كل شيء إلى نضج أكبر وإلى اطلاع أكثر وفهم أعمق بالقرآن وثقافة القرآن.
و يبدو لي أن
الهوس الذي "يقتضيه التأصيل"
و القلق العقلي و الانفعال يدفعان الجم الغفير منا إلى البحث عن "التأصيل" أو الأصل لما نقوم به؛ وهذا يدفعنا إلى التعسف أحيانا في إيراد الكثير من الآراء لندلل على ما نقوم به؛ وأرى أننا لسنا بحاجة إلى أدلة نزكي بها انتصارنا للقرآن الكريم أو دفاعنا عنه، وعلينا أن لا نبالي بمن يطلبون منا أدلة على ذلك، فمثل هذه "المطالبات" والأسئلة إلهاء لنا وتشتيت لقوانا وضياع لطاقاتنا التي يمكن أن نستثمرها بشكل أفضل للدفاع عن القرآن الكريم. وهذا الذي أقول ليس من قبيل النصح الممكن تقديمه لمن يرون الأمور بمفهوم المخالفة، إنما هو مما يقتضيه الموضوع، ومما يستلزمه المقام. وبالله التوفيق.