فوائد وتنبيهات ولطائف في التفسير

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله
هذه فوائد متنوعة ، ولطائف متفرقة ، وتنبيهات متعددة متعلقة بالتفسير وأصوله قيدتها أثناء اطلاعي على كتب أهل العلم ، أو انتقيتها مما أجده أثناء تصفحي لبعض المواقع عبر شبكة المعلومات [ الإنترنت] أسأل الله تعالى أن ينفعني بها ، كما أسأله سبحانه أن يجعل فيها الخير والبركة لكاتبها وقارئها .

وإلى أولى هذه الفوائد :
بينما كنت أقرأ ما ذكره المفسرون حول تفسير قوله تعالى في سورة المائدة 44 : ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا ...)
رأيت أن أكثرهم على أن وصف النبيين ب (الذين أسلموا ) فيه مدح لهم ، ثم وقفت على نقل أعجبني كثيراً ، ذكره القاسمي نقلاً عن الناصر ابن المنير في تعليقه على الكشاف .
وحاصل ما ذكره ابن المنير أن جعل الصفة لمدح النبيين ليس بسديد ؛ لأن النبوة أعظم وأخص من الإسلام ، والأصل أن يمدح الإنسان بما يختص به ، لا بما يشاركه فيه آحاد أتباعه .
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فإن الصفة يؤتى بها أحياناً لمدح الموصوف ، وقد يؤتى بها لتشريف الصفة ، وبيان أهميتها .
ووصف النبيين هنا بالذين أسلموا من النوع الثاني ، فهي لبيان شرف الإسلام بكونه دين هؤلاء النبيين عليهم السلام .
وهذا على حد قول الشاعر :
ما إن مدحت محمداً بقصيدتي *** لكن مدحت قصيدتي بمحمدِ
ثم وجدت المفسر المتميز ابن عاشور قد ذكر هذا المعنى مختصراً في التحرير والتنوير .
وحتى تظهر قيمة هذه اللطيفة التفسيرية اللغوية أنصح القراء الكرام بالرجوع إلى محاسن التأويل للقاسمي
 
التعديل الأخير:
لم مـَثََّـل الله تعالى الدنيا بالماء ؟

لم مـَثََّـل الله تعالى الدنيا بالماء ؟

بسم الله

هذه لطيفة من لطائف القرآن الكريم ، ومن أسرار تشبيهاته البديعة مقتبسة من الموقع المشار إليه أسف هذه المشاركة :

وردت فى القرآن آيات شبه الله تعالى فيها الدنيا بالماء
ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس:24]
وقوله تعالى {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ }[الكهف: من الآية45]
فلم مثل الله تعالى الدنيا بالماء ؟
قيل لأن الماء ليس له قرار وكذلك الدنيا
وقيل لأن الماء إن أمسكته تغير ونتن وكذلك الدنيا لمن أمسكها بلية
وقيل لأن الماء يأتى قطرة قطرة ويذهب دفعة واحدة وكذلك الدنيا وأيضا الماء يستر الأرض وكذلك المال ( وهو رمز للدنيا ) يغطى عيب الرجل
وأيضا الماء طبعه النقصان كذلك الدنيا
وأيضا الماء يكون فى موضع كثير وفى موضع قليل كذلك الدنيا
وأيضا لا يقدر أحد أن يرد المطر كذلك لا يقدر أحد أن يرد الرزق
وقيل الماء قليله رى للعطشان وكثيره داء كذلك الدنيا
وقيل الزرع يفسد بالماء الكثير كذلك القلب يفسد بالمال الكثير
وأيضا الماء كله لا يكون صافيا كذلك المال فيه الحلال والحرام والشبهة
وأيضا الماء يطهر النجاسات كذلك المال الطيب الحلال يطهر دنس الآثام ، قال الله تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: من الآية103]
وعلى الجملة فإن هذا التشبيه يفيد أن كلا من المشبه والمشبه به
( الدنيا والماء إذا نزل وأثمر ثمرته ) يمكث ما شاء الله وهو فى إقبال وبركة ثم عما قليل يضمحل ويزول والعلم عند الله تعالى .
أعلى الصفحة


موقع طريق القرآن www.quranway.net
 
فائدة حول تفسير الكرسي بالعلم

فائدة حول تفسير الكرسي بالعلم

بسم الله
قال شيخ الإسلا م في مجموع الفتاوي 6/584 : ( وقد نقل عن بعضهم أن كرسيه: علمه . وهو قول ضعيف ؛ فإن علم الله وسع كل شيء كما قال : ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً . والله يعلم نفسه ويعلم ما كان وما لم يكن ? فلو قيل : وسع علمه السماوات والأرض لم يكن هذا المعنى مناسباً ? ولا سيما وقد قال تعالى : وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا (البقرة: من الآية255) أي : لا يثقله ولا يكرثه ? وهذا يناسب القدرة لا العلم ? والآثار المأثورة تقتضي ذلك . ...) انتهى المراد .
وقد صح عن ابن عباس أنه فسر الكرسي بموضع القدمين .

تنبيه مهم : علق محمود شاكر رحمه الله تعليقاً نفيساً على قول ابن جرير : ( وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه أنه قال : هو علمه . ) وبيّن اضطراب ابن جرير وتناقضه في هذا الموضع . ومما أورده في تعليقه هذا : ( وأما أبو منصور الأزهري فقد قال في ذكر الكرسي : « والصحيح عن ابن عباس ما رواه عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الكرسي موضع القدمين ، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره . قال : وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها . قال : ومن روي عنه في الكرسي أنه العلم ؛ فقد أبطل » . ) ثم قال شاكر : وهذا هو قول أهل الحق إن شاء الله . انظر تفسير ابن جرير بتحقيق شاكر 5/401 .
وقال أخوه أحمد شاكر في اختصاره لتفسير ابن كثير المعروف بعمدة التفسير تعليقاً على رواية ابن عباس أن الكرسي هو موضع القدمين : ( وهذا هو الصحيح الثابت عن ابن عباس ، وأما الرواية السابقة عنه بتأويل الكرسي بالعلم فهي رواية شاذة لا يقوم عليها دليل من كلام العرب . ....) ثم ذكر كلاماً قريباً مما ذكر أخوه محمود . عمدة التفسير 2/ 163
 
بسم الله

سأل سائل عن سر تقديم الجار والمجرور في آية يس ( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ) ؛ فكان الجواب :

أولاً – اعلم أخي السائل وفقك الله وزادك من فضله أن آية القصص ( وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ) جاءت على الترتيب المعروف ، حيث تقدم الفاعل وهو هنا (رجل ) وهذا موافق للترتيب المعروف في اللغة .
وأما في سورة يس فقد تأخر الفاعل وتقدم الجار والمجرور عليه ، وبناءً على ذلك فمحل البحث هنا هو آية يس ولم تأخر الفاعل فيها ؟ .

ثانياً - تكلم العلماء رحمهم الله حول هذا الموضع وذكروا أجوبة متعددة لسر تقديم الجار والمجرور وهو قوله تعالى (من أقصى المدينة ) على الفاعل في آية سورة يس ، ومن الأجوبة التي ذكروها :

1.أن في تقديم الجار والمجرور على الفاعل إشارة إلى معنى جليل وهو أن بعد المكان لا يعوق من أراد الإستجابة واتباع المرسلين ، كما أن القرب قد لا يكون من دواعي الإجابة . وكأن في هذه الآيات التي وردت هذه الآية في سياقها مثالاً لحال كفار قريش من أهل مكة ، وحال الأنصار من أهل المدينة ، حين جاء أهل المدينة مع بعدهم وآمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وكفار قريش من أهل مكة لم يؤمنوا مع قربهم . [ انظر تفصيل هذا الإستنباط في كتاب :ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل للحافظ أحمد بن ابراهيم الغرناطي 2/904- 907 ] .

2. أن في ذلك إشادة بأهل أقصى المدينة وثناء عليهم ، وأنه قد يوجد الخير في الأطراف ما لايوجد في الوسط ، وأن الإيمان يسبق إليه الضعفاء الذين يسكنون في الغالب في أطراف المدن ؛ لأنهم لا يصدهم عن الحق ما فيه أهل السيادة من ترف وعظمة إذ المعتاد أنهم يسكنون وسط المدينة . [ ذكر هذا التوجيه الطاهر ابن عاشور في التحرير والتنوير 11/365-366 ] .

3. أن في ذلك تبكيتاً للمخاطبين من القوم الذين كفروا بالرسل ، إذ جاء هذا الرجل الناصح من أقصى مكان فيها وهو لم يحضر ما يحضرون ، ولم يشهد ما يشهدون من الآيات والنذر . [ ذكره الإسكافي في درة التنزيل نقلاً عن كتاب خصائص التعبير القرآني لعبد العظيم المطعني 2/187-188 ] .

ومن الأجوبة كذلك : أن ترتيب كلمات الجملة في الآية على حسب السياق والمقصود منه . ففي قصة موسى في سورة القصص كان المقصود هو الإشارة إلى موقف الرجل الناصح الذي جاء يحذر موسى ، وينصحه بمغادرة المدينة ، ولم يكن المقصود بيان المكان الذي جاء منه . وأما في قصة أصحاب القرية في سورة يس فإن المقصود هو المكان الذي قدم منه الرجل أولاً ، ليشير إلى وصول دعوة الرسل الثلاثة إلى أبعد نقطة في المدينة ، وهي أقصى المدينة ، فلماذا لا يستجيب أهل القرية للرسل وهم قريبون منهم ؟! ولهذا قدم المكان والله أعلم . [مع قصص السابقين في القرآن لصلاح الخالدي 3/252-253 ] .
 
بسم الله

من لطائف الاستنباطات :

-(يقال :لم يصف الله سبحانه أحداً من خلقه بصفة أعزّ من الحلم ، وذلك حين وصف اسماعيل به . ويقال : إن أحداً لا يستحق اسم الصلاح حتى يكون موصوفاً بالحلم ؛ وذلك أن إبراهيم صلوات الله عليه دعا ربه فقال : ( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(الصافات:100) فأجيب بقوله :(فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ) (الصافات:101) فدلّ على أن الحلم أعلى مآثر الصلاح ، والله أعلم .) [ من كتاب : شأن الدعاء للخطابي ص64 بتحقيق أحمد يوسف الدقاق ] .

وهذه فائدة في الفرق بين الغفار والغفور في أسماء الله تعالى :
-الغفور ، والغفار من أسماء الله تعالى ، واشتقاقهما من أصل واحد ،( وسبيل الاسمين من أسماء الله جلّ وعزّ المذكورين على بناءين مختلفين – وإن كان اشتقاقهما من أصل واحد – أن تطلب لكل واحد منهما فائدة مستجدة ، وأن لا يحملا على التكرار . فيحتمل – والله أعلم – أن يكون الغفار معناه : الستار لذنوب عباده في الدنيا بأن لا يهتكهم ولا يشيدها عليهم ، ويكون معنى الغفور منصرفاً إلى مغفرة الذنوب في الآخرة ، والتجاوز عن العقوبة فيها . ) [ المرجع السابق ص 65 ] .
 
الطريقة المثلى لتفسير كلام الله تعالى .

أقول مستعيناً بالله تعالى : أفضل الطرق لتفسير القرآن الكريم هي التي تحقق المقصد والهدف من التفسير على أكمل وجه .
ولسائل أن يسأل ويقول : وما المقصد والهدف من التفسير ؟

وقبل الإجابة على هذا السؤال أنبه على أن المسلم لا يمكن أن ينتفع بالقرآن ويهتدي به على أكمل الوجوه حتى يقوم بهذه الأمور الثلاثة التي هي من أهم مقاصد إنزال القرآن الكريم ، وهي :

أولاً – تلاوة آياته وترتيلها كما أمر الله سبحانه بذلك في قوله : ( ورتل القرآن ترتيلاً ) .

ثانياً – تدبر آياته والتفكر فيها كما قال الله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ) .

ثالثاً – العمل بما فيه ، وتطبيق أحكامه ، والتحاكم إليه كما قال عز وجل : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) .

فالأمر الأول يعين على تحقيقه علم التجويد والقراءات مع الحرص على تلقي القرآن من أفواه المقرئين المتقنين لتلاوته .

والأمر الثاني – وهو التدبر – لا يمكن أن يحصل على الوجه المطلوب إلا بفهم معاني القرآن وبيان المراد منه ، وهذا هو التفسير .

والأمر الثالث – وهو العمل بالقرآن – يكون بتطبيق ما ترشد إليه الآيات وتدعو إليه ، وهذا يؤخذ من الآيات عن طريق استنباط الأحكام والفوائد والعبر والعظات من الآيات .

وعليه ؛ فإن الهدف من التفسير هو تحقيق التدبر لكتاب الله ، ومعرفة المعنى الصحيح للآية المؤدي إلى الإستنباط الصحيح .

وبناءً على جميع ما سبق ؛ يمكن أن يقال : إن الطريقة المثلى لتفسير القرآن الكريم هي التي يراعى فيها تحقيق الأمور الثلاثة السابقة ، وذلك باتباع الخطوات التالية :

الخطوة الأولى : أن تتلى الآيات المراد تفسيرها قراءة صحيحة مرتلة مجودة .

الخطوة الثانية : أن يبين ما يحتاج إلى بيان في هذه الآيات ، وذلك ببيان معنى اللفظ المشكل ، وإيراد سبب النزول ، ومعرفة السياق الذي وردت فيه ، وغير ذلك مما لا يتضح معنى الآيات إلا بمعرفته . مع مراعاة عدم الخوض في تفصيلات وتفريعات قد لا تدعو الحاجة إليها ، لأن الخوض في مثل هذه التفاصيل التي تكثر في كثير من كتب التفسير قد يكون عائقاً عن المعاني المهمة التي لها تعلق بالعمل والتطبيق .

الخطوة الثالثة : استنباط الأحكام والفوائد التربوية والعملية والإيمانية من هذه الآيات ، وهذا من أهم ما ينبغي أن يراعى في التفسير ، وهو الذي يحصل بسببه علم كثير وخير عظيم لمن اهتم به وحرص عليه .

وهذه الطريقة – بخطواتها الثلاث – يمكن أن يستدل عليها بقول الله تعالى : ( ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم )

فالخطوة الأولى (يتلو عليهم آياتك) ، والخطوة الثانية ( ويعلمهم الكتاب والحكمة) ، والخطوة الثالثة (ويزكيهم) .

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الخطوات : ( "يتلو عليهم آياتك" لفظاً وحفظاً وتحفيظاً ، "ويعلمهم الكتاب والحكمة" معنىً ، "ويزكيهم" بالتربية على الأعمال الصالحة ، والتبري من الأعمال الردية التي لا تزكو النفوس إلا معها . ) اه كلامه رحمه الله وهو على اختصاره من أجمل ما ذكر في التفسير .
 
تأملات في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة رضي الله عنهم لآيات القرآن الكريم

تأملات في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحابة رضي الله عنهم لآيات القرآن الكريم

كثيراً ما كنت أقف عند ما يذكره العلماء والباحثون في علوم القرآن أثناء بحثهم لتفسير النبي صلى الله عليه مسلم والصحابة للقرآن الكريم ، وما يذكرونه من خلاف حول القدر الذي فسره النبي عليه الصلاة والسلام ؛ هل فسر القرآن كاملاً ؟ أو لم يفسر إلا بعضه ؟
وهل ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم تفسير للقرآن كاملاً ؟ أم لم يثبت عنهم إلا تفسير لبعض آياته ؟ وما مقدار ذلك التفسير الذي أثر عنهم ؟ .

ولست هنا بصدد ذكر الخلاف في هذه المسائل ، وأقوال العلماء فيها ؛ وإنما الذي أريد أقرره وأبينه أن العلماء عندما بحثوا فيما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة من تفسير للقرآن اقتصروا على جانب واحد من جوانب التفسير ، ألا وهو التفسير القولي ؛ أي ما ثبت عنهم من أقوال في تفسير الآيات وبيان مدلولها ومعناها ، وسبب نزولها ، وما شابه ذلك مما يتعلق بالتفسير من علوم ومباحث .

وهناك جوانب أخرى للتفسير المأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة تتمثل في السلوك والأعمال التي أثرت عنهم . وهذا يعرف من خلال دراسة سيرتهم العملية ، وكيف كانوا يطبقون القرآن في وا قعهم ؟ وماذا كان موقفهم من آياته على اختلاف أنواعها من آيات في الأحكام ، وآيات في العقائد ، وآيات في الوعد والوعيد ،وآيات في القصص ، وآيات في الترغيب والترهيب .
وهذا هو المقصود من قول عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق رسول الله عليه الصلاة والسلام ؛ فقالت : كان خلقه القرآن .رواه مسلم في حديث طويل [رقم 746 ] .

أي أنه صلى الله عليه وسلم كان يفسر القرآن بأقواله وأعماله وتصرفاته ، حتى صار القرآن خلقاً له لا ينفك عنه بحال .

فآيات الأحكام فسرها صلى الله عليه وسلم لصحابته وأمته بما ثبت عنه من أقوال وأفعال وتقريرات في بيانها .

وآيات العقائد – ويدخل فيها الأمور الغيبية والمتشابه من القرآن – بينها لأمته وفسرها من خلال بيانه عليه الصلاة والسلام للموقف الصحيح الذي يجب عليهم أن يقفوه تجاهها من الإيمان بها على الوجه الصحيح ، وعدم الخوض في تفصيلات لم يكلفوا بها ، وأن يكون موقفهم موقف الراسخين في العلم الذين وصف الله حالهم بقوله : (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) .

وآيات الوعيد والوعد كان تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لها بتأثرهم بها خوفاً ورهبة عند الوعيد ، ورجاءً ورغبة عند الوعد ، مع العمل الذي يؤدي إلى الحذر من الوقوع في أسباب الوعيد ، والسعي فيما يوصل إلى الإتصاف بصفات أهل والوعد والتصديق .

وأما آيات القصص ؛ فتفسيرهم لها حصل بتصديق ما جاء فيها ، واتعاظهم بما فيها من عبر وعظات .
وآيات الترغيب والترهيب فسروها بأن بادروا وسارعوا إلى فعل كل ما رغب الله فيه ، وفروا من كل ما جاء فيه أدنى ترهيب ، واجتنبوا الوقوع فيه وفي الأسباب الموصلة إليه .

وبذلك جمعوا بين العلم والعمل ؛ فكانوا بحق كما وصفهم وأخبر عنهم أبو عبد الرحمن السلمي بقوله : ( حدثنا من كان يُقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل . [أخرجه الإمام أحمد في المسند .
وبهذه النظرة المتكاملة إلى واقع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، وبهذا الشمول في معنى التفسير نستطيع أن نقرر باطمئنان وبدون ارتياب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام فسروا القرآن كاملاً .
وهذا ما يوافق الأدلة التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين للناس ما نزل إليهم ، مثل قوله تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) [ النحل / 44 ] .
وغير ذلك من الآيات والأحاديث التي تدل على ذلك .

ولعل هذه النظرة المتكاملة الشاملة هي التي دفعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن يقول : (يجب أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن ، كما بين لهم ألفاظه ؛ فقوله تعالى : ( لتبين لهم ما نزل إليهم ) يتناول هذا وهذا ..... ) إلخ كلامه رحمه الله في مقدمته في أصول التفسير .
وللحديث بقية إن شاء الله .
 
مما سبق تقريره في الدرس السابق يتبين لنا أهمية معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية في فهم القرآن الكريم ، ومعرفة تفسيره على الوجه الصحيح .

وكذلك سيرة أصحابه رضي الله عنهم وخاصة خلفائه الراشدين ، لمعرفتها أثر واضح في فهم القرآن الكريم .

ونظراً لكون العلماء رحمهم الله والمفسرين قد اهتموا بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته من أقوال في تفسير آيات القرآن الكريم ؛ فسأحاول في هذه الدروس أن أركز على الجانب العملي في سيرتهم ، وذلك بذكر مواقف عملية للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته تعتبر تفسيراً عملياً للقرآن الكريم .
ومن خلال هذه المواقف وبعد تأملها وأخذ العبر والعظات منها يتبين لنا الفرق بين تلقي ذلك الجيل لآيات القرآن الكريم ، وتلقي غيرهم لها ؛ حيث كانوا يهتمون بالتطبيق وبالعمل أكثر من اهتمامهم بالأقوال التي لا فائدة منها ،ويتبين أيضاً أنهم كانوا يتركون الخوض في تفصيلات لا حاجة إليها ولا صلة لها بالواقع العملي الذي كانوا يهتمون به ، وهذا هو ما يميز علم السلف –أهل الجهاد والعمل – عن علم الخلف – أهل الكلام والجدل – إلا من رحم ربك ، وقليل ما هم .
[ لابن رجب الحنبلي رسالة رائعة نفيسة بعنوان : فضل علم السلف على علم الخلف ؛ من المناسب والجدير بطالب العلم أن يرجع إليها ويحرص على قراءتها . ]

وقبل أن أذكر المواقف العملية التي تفسر لنا كلام ربنا وتبينه لنا ، أرى من المناسب في هذا المقام أن أنقل مقتطفات من كلام أحد المفسرين الذين أكدوا على الجانب العملي في تفسير القرآن الكريم ،وهو سيد قطب رحمه الله .
وأترك للقراء الكرام المجال لإبداء الرأي في قيمته ونفاسته ، وذلك بعد قراءة كلامه التالي بتمعن وتأمل .
قال رحمه الله : ( إن المسألة – في إدراك مدلولات هذا القرآن وإيحاءاته – ليست هي في فهم ألفاظه وعباراته ، ليست هي تفسير القرآن كما اعتدنا أن نقول !
المسألة ليست هذه .. إنما هي استعداد النفس برصيد من المشاعر والمدركات والتجارب تشابه المشاعر والمدركات والتجارب التي صاحبت نزوله ، وصاحبت حياة الجماعة المسلمة وهي تتلقاه في خضم المعترك .. معترك الجهاد جهاد النفس ..جهاد الشهوات جهاد الأعداء ... والبذل والتضحية ، والخوف والرجاء ، والضعف والقوة ، والعثرة والنهوض ، ...جو مكة ، والدعوة الناشئة ، والقلة والضعف ، والغربة بين الناس ... جو الشِّعب والحصار ، والجوع والخوف ، والإضطهاد والمطاردة ، والإنقطاع إلا عن الله .... ثم جو المدينة : جو النشأة الأولى للمجتمع المسلم بين الكيد والنفاق والتنظيم والكفاح ..جو بدر وأحد والخندق والحديبية وجو الفتح وحنين وتبوك ، جو نشأة الأمة المسلمة .......
في هذا الجو الذي تنزلت فيه آيات القرآن حية نابضة واقعية .. كان للكلمات وللعبارات دلالاتها وإيحاءاتها .. وفي مثل هذا الجو الذي يصاحب محاولة استئناف الحياة الإسلامية من جديد يفتح القرآن كنوزه للقلوب ، ويمنح أسراره ، ويشيع عطره ، ويكون فيه هدى ونور .. ) اه

وقال رحمه الله : ( إن هذا القرآن ينبغي أن يقرأ ، وأن يتلقى من أجيال الأمة المسلمة بوعي . وينبغي أن يتدبر على أنه توجيهات حية ، تتنزل اليوم لتعالج مسائل اليوم ، ولتنير الطريق إلى المستقبل . لا على أنه مجرد كلام جميل يرتل ، أو على أنه سجل لحقيقة مضت ولن تعود .
ولن ننتفع بهذا القرآن حتى نقرأه لنلتمس عنده توجيهات حياتنا الواقعة في يومنا وفي غدنا ، كما
كانت الجماعة الإسلامية الأولى تتلقاه لتلتمس عنده التوجيه الحاضر في شؤون حياتها الواقعية ..
وحين نقرأ القرآن بهذا الوعي سنجد عنده ما نريد ، وسنجد فيه عجائب لا تخطر على البال الساهي ! سنجد كلماته وعباراته وتوجيهاته حية ، تنبض وتتحرك وشير إلى معالم الطريق ..) .
 
تابع دروس التفسير

من روائع تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الآيات

سبقت الإشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين لأمته معاني القرآن أتم بيان ، سواء كان ذلك بأقواله أم بأفعاله ومواقفه من آياته ، فكان كما قالت عائشة رضي الله عنها كان خلقه القرآن ) .
وهذا الموقف يبين لنا كيف كان يفسر القرآن ، وكيف كان عليه الصلاة والسلام يتأثر به ويقف مع توجيهاته :



أخرج البخاري في صحيحه [ رقم 4770 وكذلك مسلم برقم 204، 205 بألفاظ مقاربه ] عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (الشعراء:214) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي – لبطون قريش – حتى اجتمعوا ، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو . فجاء أبو لهب وقريش ، فقال – عليه الصلاة والسلام - : (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم ، أكنتم مصدقي ؟) قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقاً .
قال : ( فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ) .
فقال أبولهب : تباً لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟! فنزلت : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ...)السورة (المسد:1، 2) .

فمن هذا الموقف يتبين لنا بوضوح كيف كان صلى الله عليه وسلم يبادر بالإستجابة لأوامر الله تعالى في القرآن ، ويأتمر بما أمره الله به فوراً من غير تردد ولا تأخر مهما كانت الظروف ، ومهما واجهه من الصعوبات والأذى .
وما أحوجنا إلى تدبر هذا الموقف الرائع من النبي عليه الصلاة والسلام من هذه الآية الكريمة التي لا تتجاوز كلماتها الأربع كلمات ، وما أحوجنا إلى الوقوف عندها! ومن ثَّم تطبيق هذا الأمر الإلهي الذي ورد فيها ، وإنذار الأقربين من عشائرنا .
فكم من داعية في هذا الزمان ، وكم من طالب علم يقرأ القرآن ، ولكن لا يقف عند هذه الآية ، ولا يطبق ما جاء فيها ، فهو لا يهتم بأقاربه ، ولا يدعوهم إلى الله عز وجل ، ولا يحذرهم من معصية الله ؛ وهذا بلا شك دليل على بعدنا عن تعاليم القرآن ، وعدم وقوفنا عند آياته على الوجه المطلوب ، والله المستعان .
فإذا كنا - إخواني الكرام - حريصين على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلنفعل كما فعل ، مستعينين بالله ، من غير تأخر ولا تردد .

وليقم كل واحد منا بالدعوة إلى الله بكل ما يستطيع من الوسائل ،وليبدأ بأهله وذويه وأقرب الناس إليه .

وإذا كنا حريصين على الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فلنعلم أن أعظم شيء يدل على حسن وكمال التأسي به هو القيام بالدعوة إلى الله على بصيرة : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)
 
هل رأيتم مثل هذا التفسير ؟!!

هل رأيتم مثل هذا التفسير ؟!!

هذا تفسير عجيب ، وموقف فريد ، قل أن تجد له مثيلاً ، أو تسمع له نظيراً . إنه موقف أحد تلاميذ مدرسة النبوة ، يفسر به آية طالما قرأناها وسمعناها ولكن إلى الله نشكو حالنا !!

عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال : ‏
‏كان ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏أكثر ‏ ‏الأنصار ‏ ‏بالمدينة ‏ ‏مالا من نخل وكان ‏(((‏ أحب أمواله إليه ‏ ‏بيرحاء )))‏ ‏ ‏وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب قال ‏ ‏أنس ‏ ‏فلما أنزلت هذه الآية ‏
(((‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما ‏‏ تحبون )))‏ ‏
‏قام ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏‏ إلى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول: ‏
((( ‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما ‏‏ تحبون )))‏ ‏
‏وإن أحب أموالي إلي ‏ ‏بيرحاء ‏ ‏وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله قال فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بخ ‏ ‏ذلك مال رابح ذلك مال رابح وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين) فقال ‏ ‏أبو طلحة ‏: ‏أفعل يا رسول الله فقسمها ‏ ‏أبو طلحة ‏ ‏في أقاربه وبني عمه ‏.[أخرجه البخاري رقم 4279 ومسلم رقم 998 ] .

فهذا الموقف ذكره يكفي و يغني عن التعليق عليه ؛ ولكن إذا أردنا أن نكون على بينة من روعة هذا الموقف العملي المفسر لهذه الآية فلننظر إلىحالنا مع هذه الآية ، وما موقفنا منها عندما تتلى علينا ؟!
هل فكر أحدٌ منا أن ينفق أحب ما يملك فضلاً على أن يفعل ذلك ؟!

وماذا لو طُلب من أحدنا أن يفسر هذه الآية ؟ ماذا كان يفعل ؟!

إن فعل أبي طلحة رضي الله عنه هو التفسير المنشود ، الذي نحتاج إليه ، وهو ما عنيته سابقاً عندما أشرت إلى أننا بحاجة إلى تفسير عملي لآيات القرآن الكريم أكثر من حاجتنا إلى التفاسير الكلامية التي أكثرنا منها حتى مللنا من كثرة الكلام .

فما أروع هذا الموقف ! إنه الإيمان الراسخ ، واليقين بما عند الله ، وإيثار
ما يبقى على ما يفنى ، وهذا ما دفعهم إلى اتخاذ مثل هذه المواقف الرائعة .
فنسأل الله أن يلحقنا بهم بحبنا لهم ، أما أعمالنا فلن توصلنا إلى ما وصلوا إليه ولو أنفقنا مثل جبل أحد ذهباً .
 
فـهــــم القـــرآن وتدبـره

فـهــــم القـــرآن وتدبـره

الـقـرآن الكريم لم ينزل لمجرد التلاوة اللفظية فحسب؛ بل نزل من أجل هذا ومن أجل ما هو أعم وأكمل؛ وهـو فهـم معانيـه وتدبر آياتـه ثم التذكـر والعمل بما فيـه، وهو المنصوص عليه في قوله - تعالى -:((ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم)) [{البقرة: 129]}.

إن تـلاوة كـتـاب الله - تعالى - تعني شيئاً آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت، إنها تعني تلاوته بفهم وتدبّر ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك.

إن تلاوة كتاب الله لا تـعـنـي الـحــرص عـلــى إقامة المدّ والغنّة ومراعاة الترقيق والتفخيم فحسب؛ وإنما تعني ذلك مع ترقيق القلوب وإقامة الحدود.

وقد عد شيخ الإسلام ابن تيمية المبالغة والـحـــرص في تحقيق ذلك وسـوسة حــائلة للقلب عــن فهـم مراد الله - تعالى -(1).

والأمــــر الجامع لذلك: كما أننا مُتعبدُون بقراءة ألفاظ القرآن صحيحة وإقامة حروفه على النحو الذي يرضيه - جلّ وعلا - متعبدون بفهم القرآن والتفقه فيه دون سواه، والاستغناء به عن غـيـره. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كـتــاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده"(2).

قال - تعالى -: ((الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته)) [{البقرة: 121]} وقد فسر قتادة أن الصحابة هم الذين كانوا يتلونه حق تلاوته(3) .

والتلاوة لها معنيان:

أحدهـمــا: الـقــراءة المرتلة المتتابعة، وقد أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(( وأمرت أن أكون مـن المسلمين . وأن أتلو القرآن)) [النمل: 91، 92]. وكان يتلـوه علــى كفار قريـش قال - تعالى -:((قل لو شاء الله ما تلوته عليكم)) [يونس: 16].

والثاني: الاتباع؛ لأن من اتبع غيره يقال تلاه؛ ومنه قوله - تعالى -: ((والقمر إذا تلاها)) [الشمس: 2]، روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "يتبعونه حق اتباعه"، ثم قـــرأ: ((والقمر إذا تلاها)) أي: اتبعها(4).

ونقل القرطبي عن عكرمة قوله: "يتبعونه حق اتباعه باتباع الأمر والنهي فيُحلون حلاله، ويحرمون حرامه ويعملون بما تضمنه"(5)، أقول: والجمع بين المعنيين هو المتعين، ويصح فيها جميعاً؛ فالتلاوة بإقامة الألفاظ وضبط الحروف، ثم العمل بما تضمنته الآيات المتلوة، وعبّر عن الفهم والتدبر بالـتلاوة حــق التلاوة ليرشدنا إلى أن ذلك هو المقصود من التلاوة، وليس مجرد التلاوة وتحريك اللسان بالألفاظ بدون فهم وفقه واهتداء.

وقد بين عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عــنـه ـ مـعـنـى حق التلاوة فقال: "والذي نفسي بيده! إن حق تلاوته أن يُحِلَّ حلالَه، ويحرم حرامه، ويقــرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوَّل منه شيئاً على غير تأويله"(6)، وهذا البيان من عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ واسع وجامع لمعنى التلاوة، وهي قــراءتــه كـمــا أنزل، وفهمه وتفسيره والعمل به.

ولهذا كان الصحابة - رضي الله عنهم - لا يتجاوزون خمس آيات أو عشراً حتى يعلموا ما فيهن من العلم والعمل.

قال أبو عبد الرحمن السلمي - أحد أكابر التابعين -: حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن كـعـثـمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: "فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً"(7).

وروى الطبري بسنده عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: "كان الرجلُ منَّا إذا تعلمَ عـشـــر آيات لم يجاوزهن حتى يعرفَ معانيهن والعمل بهن"(8)، وهذا يدلُّ على أن الصحابة - رضي الله عنهم - نقـلــوا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة(9)؛ فبين لأصحابه معاني القرآن كما بــيـن لهم ألفاظه:(( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)) [النحل:44]} فـنـقــل معاني القرآن عنه صلى الله عليه وسلم كنقل ألفاظه سواء، بدليل قوله - تعالى -:(( وما على الـرســـول إلا الـبـــلاغ المبين)) [النور: 54]، "وهذا يتضمن بلاغ المعنى، وأنه في أعلى درجات البيان"(10).

قال ابن تيمية وابن القيم: "والصحابة - رضي الله عنهم - أخذوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم لفظ القرآن ومعناه"(11).

وهكذا تلقى الصحابة - رضي الله عنهم - هذا القرآن لفظاً ومعنى، وكان التعلم والتعليم عندهم مبناهما على التفقه في القرآن دون سواه.

ذكر الحافظ ابن كثير عن الضحاك فقال: "قال الضحاك في قوله - تـعـالــى -:(( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)) [آل عمران:79] قال: "حـقٌّ عـلـى كـل مـن تـعـلـم الـقــرآن أن يـكـون فقيهاً" ومعنى تَعْلَمون: تفهمون معناه، وقرئ: تعلمون بالتشديد من التعليم وبما كنتم تدرسون تحفظون ألفاظه، والجمع بين القراءتين متعيَّن، فكانوا يَعْلَمونه ويُعلِّمونه ولا يكتفون بالعلم حتى يضموا إليه التعليم(12).

قـال الـرازي: "ودلّـــت الآية على أن العلمَ والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانياً؛ فمن اشتغل بذلك لا لهذا المقصد ضاع سعيُه وخاب عملُه"(13).

ونقل هذا المعنى رشيد رضا وقال: "فبعلم الكتاب ودراسته وتعليمه للناس ونشره والعمل به يكون الإنسان ربانياً مَـرضِـيّـاً عند الله"(14). هكذا كان دأبُ الصحابة - رضي الله عنهم كما ذكره ابن القيم فقال: "ولـم يـكـن للصحابة كتابٌ يدرسونه وكلامٌ محفوظ يتفقهون فيه إلاَّ القرآن وما سمعوه من نبيهم صلى الله علـيه وسلم ، ولم يكونوا إذا جلسوا يتذاكرون إلا في ذلك"(15).

فكان القرآن عندهم هو العلمُ الذي به يعتنون حفظاً وفهماً وتفقهاً.

وقد فسر حَبْرُ الأمة ابن عباس الحكمة بفهم القرآن وفقه ما فيه من علوم. أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله - تعالى -: ((يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فـقــد أوتي خيرا كثيرا)) [البقرة: 269] قال:"الـمـعـرفــة بالـقــرآن: ناسـخـــه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله"(16).

وفـســرهـــــا الحافظ ابن كثير بالسنة وعزا ذلك إلى غير واحد من السلف وهو ما أُخِذَ عن الرسول صلى الله عليه وسلم سوى القرآن، كما قال صلى الله عليه وسلم : "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه"(17).

ونـزع ابــن عـبــاس في تفسيره للحكمة إلى المعرفة بالقرآن وفقه ما فيه من العلوم، وهو من أوسع التفسيرات، وهــــو لا يـنـافي من فسّر الحكمة بالسنة؛ لأن بها يحصل بيانُ القرآن وفهمُه وفقهُه؛ فهي المفسّرة والمـبـيّـنـة للقرآن، وتعني - من بين ما تعنيه - الفقه والفهم، يدلّ على ذلك قوله - تعالى -: ((وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب)) [ص: 20].

قال مجاهد: "يعني الفهم والعقل والفطنة"(18) ومن أعطاه الله ويسّر له فقه القرآن وعلومَه والعمل به فقد حاز فضلاً عظيماً وخيراً جزيلاً.

قال القرطبي: "إن مـن أُعْـطِـــيَ الحكمة والقرآن فقد أُعطي أفضل مما أُعطي مَنْ جمع علم كتب الأولين من الصحف وغيرها"(19).

فكتاب الله حكمة، وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم حكمة، وأصل الحكمة ما يُمتنَع به من الـسـفـه، ومن ثَمَّ اشتركت الحكمة في نسق تعليم الكتاب: ((ويعلمهـم الـكـتاب والحكمة)) [البقرة: 129] وقد حث الله - عز وجل - على التدبر والاعتبار بـما في آي القرآن من المواعظ فقال:((كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)) [ص:29]، وقال: ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) [محمد: 24]، وقـال: ((ولقـد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون)) [الزمر: 27] ففي مـثـل الآيات ونحوها دليل على وجوب معرفة معاني القرآن والاتعاظ بمواعظه وفقه ما فيه من الهداية والرشاد، ولا يقال لمن لا يفهم تفسيره: اعتبر بما لا فهم لك به، ولا يقال ذلك إلا لـمن كان بمعاني القرآن بصيراً وبكلام العرب عارفاً(20).

وأقـــول: وتدبر القرآن مرحلة تالية لمرحلة الفهم، ولا يمكن أن يتأتى التدبر لمن لم يفهم معاني القرآن.

قال الـقـرطـبـي: "وفي هذا دليل على وجوب معرفة معاني القرآن، ودليل على أن الترتيل أفضل من الهـذّ؛ إذ لا يصحّ التدبر مع الهذّ" وقد شكا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه من هـجــر قـومـــه للـقـــرآن فقال:((وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)) [الفرقان: 30].

وهجر التفسير والفهم والتدبر نوع من أنواع هجره. قال ابن القيم وابن كثير: "ترك الإيمان به وتـرك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامــــره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه"(21).

قال ابن تيمية: "وأما في باب فهم القرآن فهو {أي: قارئ القرآن} دائم التفكر والتدبر لألفاظه واستغنائه بمعاني القرآن وحكمه عن غيره من كلام الناس، وإذا سمع شيئاً من كلام الناس وعلومهم عرضه على القرآن؛ فإن شهد له بالتزكية قَبِلَهُ وإلا ردّه"(22).

ويشهد لـمــــا تقدم ما رواه ابن أبي حاتم عن الحسن البصري حيث قال: "والله ما تدبُّره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كلَّه ما يُرى له في خُلُقٍ ولا عملٍ"(23).

فكلام ابن كـثـير يدل على أن انصراف الطلاب إلى طلب العلم في غير القرآن نوع من أنواع هجره، وكلام شــيخ الإسلام يدل على أن الواجب على الطلاب أن يستغنوا بمعاني القرآن وأحكامه عن غيره مــن كـــــلام البشر، ويدل لهذا ما ذكر ابن أبي الحواري أن فضيل بن عياض قال لقوم قصدوه ليأخـــذوا عــنــه العلم: لو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاءاً لما تريدون، فقالوا: تعلمنا القرآن، فقال: إن في تعلُّمكم القرآن شغلاً لأعماركم وأعمار أولادكم، قالوا: كيف يا أبا علي؟ قال: "لن تعلـمـوا القرآن حتى تعرفوا إعرابه - تفسيره وبيانه - ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، فــإذا عـرفـتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة"(24).

فهذا فضيل بن عياض اعتبر التفقه في غير القرآن شغلاً لا طائل من ورائه، ثم هو يصحّح لهؤلاء الطلاب التوجهات الصحيحة لطلب العلم في زمنه ويردهم إلى طلب التفقه في القرآن نفسه.

وهـكـذا كان بعض السلف يقدمون القرآن وعلومه وتفسيره على أي علم آخر؛ فقد وجد من يمنع طـلـــب علم الحديث وكتابته قبل حفظ القرآن، وكانوا يختبرونهم في بعض معانيه؛ فهذا عبد الله بن المبارك يختبر من جاء يطلب الحديث عنده في القرآن وبعض علومه(25).

وذكر ابن عـبــد البر عن علي قوله: "أعزم على كل من كان عنده كتاب إلاّ رجع فمحاه؛ فإنما هلك الـنـاس حيث يتبعون أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم"، وذكر عن عمر: "أن قوماً كانوا يكتبون كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب ربهم"(26)، نقل ابن القيم عن الإمام الـبـخـاري قـولـه: "كان الصحابة إذا جلسوا يتذاكرون كتاب ربهم وسنةَ نبيهم، ولم يكن بينهم رأي ولا قـيـــاس، ولم يكن الأمر بينهم كما هو في المتأخرين: قوم يقرؤون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون يتفـقـهـون في كلام غيرهم ويدرسونه، وآخرون يشتغلون في علوم أخرى وصنعة اصطلاحية، بـل كـان الـقــرآن عـنـدهـم هــو الـعـلـم الذي به يعتنون حفظاً وفهماً وتفقهاً"(27).

ما أشبه الليلة بالبارحة! والقصة نفسها تتكرر في بعض طلبة هذا الزمن؛ إذ يهجرون حفظ الـقــــرآن وفهمه وتفسيره والتفقه فيه إلى كتب فلان وفلان، وإنك لتعجب من بعضهم؛ إذ انحـرف في الطلب، فتجده لا يحفظ من القرآن إلا قصار السور ونحوها ولا يفهمها، وتجد له جـرأة عجيبة على اقتحام علم الجرح والتعديل ونحوه؛ فمثل هذا وأمثاله لم يستوعب التصور الصحيح لمنهج التربية والتعليم الذي رسمه القرآن وبيَّنه.

فليزن طلاب علم هذا الزمن تعليمهم بهذا المنهج الذي رسمه القرآن وفعله السلف،ولينظروا أين مكانهم من فهم القرآن والتفقه فيه، وما حظهم من هدايته؟



الهوامش:

(1) التفسير الكبير، 6/71.

(2) رواه مسلم (2699).

(3) الجامع للقرطبي، 1/91.

(4) تفسير ابن كثير، 1/175، الرازي 2/36.

(5) الجامع للقرطبي، 1/92.

(6) تفسير ابن كثير، 1/175.

(7) الإتقان، 2/389، التفسير الكبير، 2/132.

(8) جامع البيان، 1/35.

(9) التفسيرالكبير، 2/132.

(10) الصواعق المرسلة، 440.

(11) التفسير الكبير، 2/104، 253، الصواعق ، 440.

(12) ابن كثير، 1/ 405، القرطبي، 2/ 115.

(13) تفسير الرازي، 4/123.

(14) تفسير المنار، 3/ 348.

(15) الصواعق المرسلة، 441.

(16) الإتقان، 2/385، ابن كثير، ‍1/345.

(17) رواه أحمد، ح/ 16546.

(18) تفسير ابن كثير، 4/33.

(19) الجامع للقرطبي، 2/300.

(20) جامع البيان، 1/35.

(21) تفسير ابن كثير، 3/349، تفسير ابن القيم، 3/ 292.

(22) التفسير الكبير، 6/71.

(23) تفسير ابن كثير، 4/36.

(24) الجامع، 1/30، فتح القدير، 1/14.

(25) المحدث الفاصل، 203.

(26) جامع بيان العلم، 1/76،77.

(27) أفردنا هذا الموضوع في بحث مستقل سبق أن نشرته مجلة البيان في العدد(133).



Cd مجلة البيان مقال للكاتب أحمد بن شرشال

انظره هنا
 
بسم الله
هذا كلام جيد ، فيه تنبيهات مهمة للشيخ محمد الشنقيطي في أضرب التفسير وأنواعه ، ذكره عند شرحه لأحاديث سنن الترمذي ، أحببت ذكره هنا لتعم الفائدة .
قال وفقه الله تعالى : [ وعند العلماء-رحمهم الله- أن تفسير القرآن على أضرب :
الضرب الأول : تفسير القرآن بالقرآن .
والضرب الثاني : أن يفسر القرآن بسنة النبي-صلى الله عليه وسلم- الصحيحة الثابتة عنه .
الضرب الثالث : أن يفسر القرآن بلغة العرب ولسانهم .
الضرب الرابع : أن يفسر بالرأي الصحيح المستند إلى أصول الشريعة .
فهذه أربعة أضرب لتفسير القرآن أولها وأعلاها تفسير القرآن بالقرآن ؛ لأن الله-تعالى- يقول : ( كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) قالوا كتاباً متشابهاً أي يشبه بعضه بعضاً ويفسر بعضه بعضاً على أحد الأوجه في تفسير هذه الآية الكريمة فلما قال الله : ( كِتَاباً مُتَشَابِهاً ) أي أن الآيات يشبه بعضها بعضاً ويفسر بعضها المراد من البعض الآخر ، وهذا التفسير تفسير القرآن بالقرآن يأتي على صور تارةً يكون التفسير مباشراً فيذكر المجمل ثم من بعده المبين وتذكر الآية المحتاج إلى تفسيرها ثم يأتي التفسير من الله- صلى الله عليه وسلم - لتلك الآية الكريمة ومن أمثلته قوله-تعالى- : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) ففسر من هم المتقون فذكر من صفاتهم الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فهذا من تفسير القرآن بالقرآن عقيب ذكر الآية المحتاج إلى تفسيرها ، وكذلك - أيضاً - من أمثلته قوله-تعالى- : ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ . نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ) وكذلك قوله-تعالى- : ( فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَه . نَارٌ حَامِيَةٌ ) ...فهذا من تفسير القرآن بالقرآن ويكون عقيب الآية .
وقد يأتي التفسير في موضع آخر وله أمثله كثيرة بمعنى أن تأتي الآية في موضع مجملة ثم تأتي مفسرة في موضع منها الزكاة مثلاً لما ذكر الله ( وَآتُوا الزَّكَاةَ ) ، ذكر الزكاة أمراً... ثم بين ضرب من أضرب الزكاة وهو زكاة الخارج من الأرض في قوله-تعالى- : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِه ) فبين أن من أصناف الزكاة الخارج من الأرض من الحبوب والثمار أنها تزكى ولها أمثلة كثيرة في القرآن في المواضع المختلفة .
والضرب الثاني : تفسير السُّنة للقرآن أن يأتي إجمال في كتاب الله- صلى الله عليه وسلم - ثم تأتي السُّنة تبين هذا الإجمال وهذا نظائره كثيرة وأمثلته مشهورة .
والدليل على إثبات هذا النوع : قوله-تعالى- : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم ) ، ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) هو السُّنة ( لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم ) وهو القرآن فالسُّنة تفسر القرآن والدليل على ذلك : أن الله أمر بالصلاة فلم يبين عدد ركعاتها ولا مواقيتها تفصيلاً فجاءت السُّنة وبينت هذه الصلاة بينت شروطها وأركانها وواجباتها ، وكذلك - أيضاً - أمر الله-U- بالزكاة فجاءت السُّنة مبينة كيف تكون الزكاة من اشتراط الحول فيما يشترط فيه الحول وبلوغ النصاب ، وكذلك أمر الله بالصوم فبين النبي- صلى الله عليه وسلم - جملة من أحكام الصوم وما ينبغي الإمساك عنه .
كذلك - أيضاً - أمر الله بالحج وجاء مجملاً وبين الله بعضه ثم فسرت السُّنة البعض الآخر فاشترك تفسير القرآن والسُّنة ومن ذلك أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال : (( خذوا عني مناسككم )) فبين الحج-صلوات الله وسلامه عليه- فهذا من تفسير القرآن بالسُّنة ،ويشترط فيه ثبوت الخبر وصحته عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فلا يفسر كتاب الله بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والمكذوبة .
كذلك - أيضاً يفسر القرآن بلغة العرب قال ابن عباس-رضي الله عنهما- : إن في القرآن ما لا يعرفه إلا العرب قال : ما كنت أعلم قول الله- تعالى- : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض ) حتى اختصم إليَّ رجلان في بئر فقال أحدهما : إني فطرتها يعني حفرتها فعلم أن قوله-تعالى- : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض ) أي خالق السموات والأرض وموجِدُها ، وهذا التفسير تفسير بلغة العرب ؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين والله-تعالى- أشار إلى ذلك .
فاللغة العربية هي سلاح المفسر الذي يتسلح به في معرفة دلالات القرآن ومعاني القرآن ومغازي القرآن ؛ فللقرآن معانٍ ظاهرة ومعانٍ يكنى بها كما قال-تعالى- : ( أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ) قال ابن عباس-رضي الله عنه- : " إن الله يكني " ، ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنّ ) ليس المراد مجرد المس ؛ وإنما هو معاني جميلة جليلة روعي فيها أدب الكلام وأدب الخطاب وجاءت على أتم وأكمل ما يكون به الكلام ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) .
فهذه الأسرار والمعاني لا يمكن أن تعرف إلا في لسان العرب ، ومن أُوتي اللسان واللغة فقد أوتي مفتاحاً من مفاتيح القرآن ويفهم بها معاني القرآن .
وأما النوع الرابع وهو : التفسير بالرأي ، الرأي : رأيان في شريعة الله-عز وجل- :
الأول : رأي محمود مأجور صاحبه غير مأزور .
الثاني : رأي مذموم صاحبه صاحب هوى مسلوب الرضا منتكس الفطرة-والعياذ بالله- .
فأما الرأي المحمود فهو الرأي المستنبط من الأدلة الشرعية وفق القواعد المرعية عند أئمة العلم . والدليل على أن الرأي منه محمود ومنه مذموم أن الله-تعالى- امتدح رأياً في مقام وذم الرأي في مقام آخر فقال الله-تعالى- : ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) فقال-سبحانه- : ( فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ) فجعل التفهيم مرتبة فوق مرتبة العلم ، وهذا لا يكون إلا بقوة الملكة في الفهم والوعي وهذا ما يسمّى بقوة الرأي المبني على الأصول الشرعية ؛ لأنه إذا كان مبنياً على الأصول الشرعية فقد فهم من الوحي وهذا معنى ( فَفَهَّمْنَاهَا ) فأسند التفهيم إليه-سبحانه- ، وأشار النبي- صلى الله عليه وسلم - إليه بقوله : (( من يرد الله به خيراً يفقهة في الدين )) والفقه في لغة العرب الفهم ، ومنه قوله-تعالى- : ( وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي ) أي يفهموه ، وكذلك أثنى رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - على الرأي الذي بذل فيه العالم جهده وأخبر أن الله لا يضيع أجره فقال- صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران ، وإذا اجتهد وأخطأ كان له أجر واحد )) فانظر-رحمك الله- كيف أصبح الاجتهاد تارةً يصيب وتارةً يخطئ ؛ ولكنه يثاب في كلتا الحالتين إلا أنه قال : (( إذا اجتهد الحاكم )) ولم يقل الناس والحاكم هو المجتهد الذي تأهل للحكم وتولي هذا المقام في الحكم عن الله ورسوله في تبليغ الرسالة وهم ورثة الأنبياء الذين حملهم الله-عز وجل- هذه المسؤولية ، فالمقصود من هذا أنه إذا كان الرأي مبنيّاً على أصول شرعية صح تفسير القرآن به ، ومـن هنا فسر أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كتاب الله-تعالى- بكتاب الله ، وفسروه بسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، وفسروه بلسان العرب ، وفسروه باجتهاد منهم مبني على أصول شرعية .
والدليل على ذلك : أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال في ابن عباس : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) ففتح عليه في فهم القرآن وفهم أدلته ودلالاته-رضي الله عنه وأرضاه- فهذا الحديث مثال من أمثلة تفسير القرآن بالسُّنة .
وأما تفسير القرآن بالهوى والرأي فاجتهادات وآراء لا تمت إلى الدين بصلة يقول بها من حرم سداد القول ، ويجتريء عليها من سلب الورع-والعياذ بالله- وأوتي الجرأة على محارم الله وحدود الله ، فأنزل نفسه في منـزلة لا يليق به أن ينـزلها فيها ذلك أن الله-عز وجل- جعل أمور الدين لأئمة العلم ودواوين العلم فقال-سبحانه- : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) فمن سأل من ليس من أهل الذكر فقد حمل وزر المعونة على القول على الله بدون علم-والعياذ بالله- ، ولذلك قرن الله-عز وجل- هذا النوع من الرأي والاجتهادات في الدين الذي لا يمت إلى الشريعة بصلة قرنه بأشد الأشياء وأشنعها ( وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ) فقرن الله-تعالى- هذا الرأي المذموم بأعظم الأشياء وهو الشرك وقـال-تعالى- : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ) فقال : ( وَمَنْ ) أي ولا ؛ لأن ( من ) في لغة العرب تستعمل بمعنى النفي ، أي ولا أظلم ممن افترى على الله كذباً ، فالذي يقول في كتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ودين الله وشرع الله برأيه وهواه واجتهاده فإنه قد قال على الله ما لم يقله وافترى في دين الله-عز وجل- والحكمة المشهورة وتروى مرفوعة ، والصحيح أنها لا تثبت «من قال في القرآن برأيه فقد أخطأ ولو أصاب» ، صحيح أنه أصاب لو أنه أصاب فقد أصاب لكنه أخطأ أي سيسأله الله-عز وجل- عن كونه يجتريء أن يتكلم في شيء كان ينبغي أن يسأل عنه من هو أعلم منه وأبصر منه .
ولقد شاع في هذه الأزمنة المتأخرة الجرأة على كتاب الله-تعالى- وتفسير كتاب الله-عز وجل- بأشياء ليست لها أصول شرعية ولم يبن فيها القول على القواعد المرعية ، وربما تطاول أمثال هؤلاء على أئمة السلف ودواوين العلم حتى إنك تجده يقول : إن هذا التفسير كان القدماء يقولون كذا وكذا وكان القدماء يفسرون هذه الآية بكذا وكذا وتبين لنا أنها كذا وكذا ؛ ومن أنت حتى يتبين لك ومن أنت حتى أصبحت بصيرتك أولى وأوعى عن الله ورسوله من أولئك الذين صقلت قلوبهم روحانية الكتاب والسُّنة .
نعم الآن مثلاً قد تطرأ أشياء أو أمور تكتشف مثلاً يقول بعضهم ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح ) فسر بعض أهل العلم أن الريح قد تلقح النخل وهذا ثابت ومعروف أن من النخل ما لا يحتاج إلى لقاح وأنه تلقحه الرياح وأن الرياح قد تلقح بعض الأشياء الموجودة من النباتات وتعني عن لقاح بعضها لبعض بقدرة الله-تعالى- فيأتي ويقول الأقدمون كانوا يفهمون أن قوله : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِح ) بكذا وكذا والآن ثبت علمياً أنها تلقح السحب بعضها مع بعض نعم هذا نوع من الاكتشاف ؛ لكن لا ينبغي استهجان السلف ؛ لأنه إن اكتشف ذلك فليس عنده الملكة التي يفهم فيها ويغني إذ لو كان يفهم ويعي لقال إن النص عام لواقح في القديم بما يفهمه أهل القديم ، ولواقح في الحديث بما يفهمه أهل الحديث ، وأضف القديم إلى الحديث حتى يصبح قديم القرآن جديداً وجديده قديماً لا يتغير ما تغير الزمان وتعاقب الملوان ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ). ومن قال لك إن التفسير هو الذي تقوله أنت ؟! هنا الإشكال فالإشكال أنه يفسر القرآن بحدود ضيقة يقال إنه الآن اكتشف والآن يفسر ثم ربما بولغ في هذا المقام إلى درجة أنه يسفه رأي الأقدمين حتى حضرت بعضهم ممن يشتغل بهذا ويقول نفكر الآن أن تفسير قوله-تعالى- : ( لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) أن المراد به الصعود إلى القمر ( فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ . وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ . وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ ) حتى قال هذا : إنهم لا يطلعون إلا عند اكتمال القمر وعند هذا تكون الآية مفسرة على هذا الوجه . والآية واردة في مسألة هي أعظم المسائل وهي مسألة عقدية وهي كفر أهل الشرك باليوم الآخر وعدم إيمانهم به فأقسم الله بالشفق ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ .وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ . لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ ) أي أنهم ليمرون بأطباق الآخرة حتى يلقوا الله-جل وعلا- فيمرون بها مرحلة بعد مرحلة ومنـزلة بعد منـزلة كما بينتها الآيات الأخر . فالمقصود من هذا ينبغي الورع وينبغي أن ننـزل تفسير القرآن عند من هو أهل ، راعينا هذه المسألة ؛ لأنها عمت بها البلوى ويحتاج الناس إلى أن يضبطوا أنفسهم بالضوابط الشرعية ، وعلى الخطباء والأئمة أن ينبهوا الناس على الرجوع إلى الكتاب والسُّنة والرجوع إلى العلماء ، وعدم قبول تفسير كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم - من كل من هبّ ودبّ ، وكذلك - أيضاً - إنزال هذا العلم بأهله ممن عرف باشتغاله بتفسير القرآن وأتقن ذلك وألم به أو عرف بتفسير السُّنة وأتقن ذلك وألم به فقد يكون الرجل فاهماً لحديث تخفى عليه أحاديث أخر مقيدة لمطلق هذا الحديث أو مخصصه لعمومه فيأتي ويظن أن الفهم ما فهمه والواقع أن هذا يحتاج إلى ضبط بضوابط أخرى ، وكم من أحاديث ظواهرها شيء و المقصود منها في شرع الله شيء آخر ، وقد تأتي الأوامر على أوجه ، والنواهي على أوجه لا يعرفها إلا الراسخون في العلم ، ومن هنا وصف الله-U- العلم بأنه مراتب ومنازل فقال-سبحانه- : ( لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم ) فالذي يريد النجاة من هذه الفتن التي عمت خاصةً في زماننا وأصبح الناس شذر مذر من كثرة الآراء والأهواء والتفسيرات والاجتهادات أن يردوا إلى شيء أمرهم الله أن يرجعوا إليه ولن تجد الأمة تعاني أيَّ شيء ولن تشتكي أيّ شكوى ولن تنـزل بها أيّ مشكلة أو معضلة إلا إذا ضيعت أمر الله-تعالى- فإذا قال لك القائل كثرت علينا الأقوال والاجتهادات والله-تعالى- يقول : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) نعم كثرت حينما أصبح الإنسان يقبل الآراء والاجتهادات ويترك بها النصوص الصحيحة الصريحة الواضحة التي تدل على حكم الله وشرع الله . ]
انتهى من كلام الشيخ الشنقيطي بشيء من التصرف ، وهذا رابط الموضوع هنا
 
كيف أفسر القرآن ؟ اقرأ جواب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

كيف أفسر القرآن ؟ اقرأ جواب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .

بسم الله


السؤال :
أي كتب التفسير القرآن تنصح بقراءتها ؟ وحفظ القرآن , إذا حفظ الإنسان ونسي فهل هناك وعيد فيه ؟ وكيف يحافظ الإنسان على ما حفظ ؟.

الجواب :

الحمد لله

سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى السؤال السابق فأجاب بقوله : القرآن وعلومه متنوعة , وكل مفسرٍّ يُفسرُُّ القرآن يتناول طرفاً من هذه العلوم ولا يمكن أن يكون تفسيراً واحداً يتناول القرآن من جميع الجوانب .

فمن العلماء من ركز على التفسير النظري كالزمخشري وغيره ولكن أنا أرى أن يفسر الآية هو بنفسه أولاً ـ أي يكرر في نفسه أن هذا هو معنى الآية ـ ثم بعد ذلك يراجع ما كتبه العلماء فيها ؛ لأن هذا يفيده أن يكون قوياً في التفسير غير عالة على غيره , وكلام الله - عز وجل - منذ بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليوم ( بلسان عربي مبين ) .

وإن كان يجب الرجوع إلى تفسير الصحابة ؛ لأنهم أدرى الناس بمعانيه , ثم إلى كتب المفسرين التابعين , لكن مع ذلك لا أحد يستوعب كلام الله - عز وجل - .

فالذي أرى أن الطريق المثلى أن يكرر الإنسان تفسير الآية في نفسه , ثم بعد ذلك يراجع كلام المفسرين فإذا وجده مطابقاً فهذا مما يُمكنّهُ من تفسير القرآن وييسره له إن وجده مخالفاً رجع إلى الصواب .

وأما حفظ القرآن فطريقة حفظه تختلف من شخص إلى لآخر بعض الناس يحفظ القرآن آية آية بمعنى أنه يحفظ آية يقرأها أولاً ثم يرددها ثانياً وثالثاً ثم يحفظ حتى يحفظها ثم يحفظ التي بعدها ثم يكمل ثمن أو ربع الجزء أو ما أشبه ذلك , وبعض الناس يقرأ إلى الثمن جميعاً ويردده حتى يحفظه ومثل هذا لا يمكن أن نحكم عليه بقاعدة عامة فنقول للإنسان استعمل ما تراه مناسباً لك في حفظ القرآن .

لكن المهم أن يكون عندك علم لما حفظت متى أردت الرجوع إليه , وأحسن ما رأيت في العلم أن الإنسان إذا حفظ شيئاً اليوم يقرأه مبكراً الصباح التالي فإن هذا يعين كثيراً على حفظ ما حفظه في اليوم الأول هذا شيء فعلته أنا فإن هذا يعين كثيراً على الحفظ الجيد .

أما الوعيد على من ينسى , قال الإمام أحمد : ( ما أشد ما ورد فيه ) أي حفظ آية ونسيها والمراد بذلك من أعرض عنها حتى تركها , وأما من نسيها لسبب طبيعي أو لأسباب كانت واجبة أشغلته فإن هذا لا يلحق به إثم ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة / 286 .

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه فنسي آية فذكره أحد الصحابة بها بعد الصلاة فقال : ( هلا ذكرتني بها ) فالإنسان الذي ينساه تهاوناً به أو أعراضاً عنه لا شك أنه خاسر وأنه مستحق الإثم , وأما الذي ينساه لشيء واجب عليه أوجبه الله - سبحانه وتعالى - عليه أو نسياناً طبيعياً فهذا لا يلحقه شيء .

من فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين , كتاب العلم , الصفحة ( 136 ).
 
الأخ أبا مجاهد العبيدي

السلام عليكم ، بارك الله فيك على هذه الانتقائية .
بالنسبة لتشبيه الدنيا بالماء ألا ترى أن المشبه به في آية يونس ليس الماء فقط ، وإنما هو عدة صور ، تبتدئ بنزول الماء ثم اختلاطه بنبات الأرض ثم اشتداد النبات وزهوه واخضراره وركون الناس لهذا النبات ، ثم إصابته بأمر الله وصيرورته إلى الحصيد ؟ أي أن المشبه به جملة وليس مفرداً. وقد نسب القرطبي في تفسير آية الكهف ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) (الكهف:45) هذا القول للحكماء.


خالد
 
بسم الله

أولاً - أشكرك أخي خالد على تنبيهك ، والأمر كما ذكرت ، فالتشبيه تشبيه مركب ، ولكن كان المقصد ذكر بعض لطائف تشبيه الدنيا بالماء من حيث الجملة ، من دون تفصيل في نوع التشبيه ، وبيان وجه الشبه . وأشكرك على اهتمامك .

ثانياً - هذه فائدة في طريقة التفسير :

المنهج القويم في تفسير القرآن الكريم

(الشبكة الإسلامية)

ليس للمفسر أن يسير في تفسيره لكتاب الله خبط عشواء ، وإنما لابد له من منهج ينتهجه حتى يأتي بالتفسير على الصورة المرضية المقبولة، ولذلك قال أهل العلم: على من يفسر كتاب الله - تعالى - أن يبحث عن تفسيره في القرآن ـ فإن لم يجد فليطلبه فيما صح وثبت في السنة ، فإن لم يجد فليطلبه في أقوال الصحابة، وليتحاش الضعيف، والموضوع، والإسرائيليات، فإن لم يجد في أقوال الصحابة، فليطلبه في أقوال التابعين، فإن اتفقوا على شيء كان ذلك أمارة - غالبًا - على تلقيه عن الصحابة، وإن اختلفوا : تخير من أقوالهم، ورجح ما يشهد له الدليل، فإن لم يجد في أقوالهم ما يصلح أن يكون تفسيرًا للآية لكونه ضعيفًا، أو موضوعًا أو من الإسرائيليات التي حملوها عن أهل الكتاب الذين أسلموا: فليجتهد رأيه ولا يألوا - أي لا يقصر - ، إذا استكمل أدوات هذا الاجتهاد ، وعليه أن يراعي القواعد الآتية :

1- أن يتحرى في التفسير مطابقة التفسير للمفسَّر ، وأن يتحرز في ذلك عن نقص لما يحتاج إليه في إيضاح المعنى ، أو زيادة لا تليق بالغرض: أي لا يوجز فيخل ، ولا يطيل ويستطرد فيمل .
2- أن يُعنى بأسباب النزول؛ فإن أسباب النزول كثيرًا ما تعين على فهم المراد من الآية .
3- أن يُعنى بذكر المناسبات بين الآيات؛ لأن في ذلك الإفصاح عن خصيصة من خصائص القرآن الكريم وهي الإعجاز ، وللمناسبات في الكشف عن أسرار الإعجاز ضلع كبير .

وقد اختلفت مناهج المفسرين في هذين الأخيرين ، فمنهم : من يذكر المناسبة ، لأنها المصححة لنظم الكلام ، وهي سابقة عليه ، وبعضهم : يذكر السبب أولاً ، لأن السبب مقدم على المسبب .
والتحقيق: التفصيل بين أن يكون وجه المناسبة متوقفًا على سبب النزول كآية : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ، إن الله كان نعمَّا يعظكم به ، إنَّ الله كان سميعًا بصيرًا} ، فهذا ينبغي فيه تقديم السبب على المناسبة ، لأنه حينئذ من باب تقديم الوسائل على المقاصد ، وإن لم يتوقف وجه المناسبة على ذلك : فالأولى تقديم المناسبة على سبب النزول لبيان تآلف نظم القرآن ، وتناسقه ، وأخذ آياته بعضها بحجز بعض .
4- أن يجرد نفسه عن الميل إلى مذهب بعينه، حتى لا يحمله ذلك على تفسير القرآن على حسب رأيه ومذهبه، ولا يزيغ بالقرآن عن منهجه الواضح، وطريقه المستقيم.
5- مراعاة المعنى الحقيقي والمجازي ، حتى لا يصرف الكلام عن حقيقته إلى مجازه إلا بصارف ، وليقدم الحقيقة الشرعية على اللغوية وكذلك الحقيقة العرفية ، وليراع حمل كلام الله على معان جديدة أولى من حمله على التأكيد ، وليراع الفروق الدقيقة بين الألفاظ .
6- مراعاة تأليف الكلام ، والغرض الذي سبق له ، فإن ذلك يعينه على فهم المعنى المراد ، وإصابة الصواب ، قال الزركشي في البرهان : ليكن محط نظر المفسر مراعاة نظم الكلام الذي سبق له ، وإن خالف أصل الوضع اللغوي ، لثبوت التجوز .
7- يجب على المفسر البداءة بما يتعلق بالمفردات، وتحقق معانيها ثم يتكلم عليها بحسب التركيب ، فيبدأ بالإعراب إن كان خفيًا ، ثم ما يتعلق بالمعاني ، ثم البيان ، ثم البديع ، ثم ليبين المعنى المراد ، ثم ما يستنبط من الآيات من الأحكام والآداب ، وليراع القصد فيما يذكر من لغويات ، أو نحويات ، أو بلاغيات ، أو أحكام ، حتى لا يطغى ذلك على جوهر التفسير .
8- التحاشي عن ذكر الأحاديث والآثار الضعيفة والموضوعة ، والروايات المدسوسة : من الإسرائيليات ونحوها ، حتى لا يقع فيما وقع فيه كثير من المفسرين السابقين من الموضوعات ، والإسرائيليات في أسباب النزول ، وقصص الأنبياء والسابقين ، وبدء الخلق والمعاد ونحوها .



موقع طريق القرآن www.quranway.net
 
بسم الله
هذا سؤال وجوابه للشيخ محمد العثيمين رحمه الله :


لماذا وجه الله الخطاب إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم ، في قوله: {وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّك} [يونس: 106]مع أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، معصوم من الشرك؟


الجواب :

الخطاب هنا للرسول، صلى الله عليه وسلم ، في ظاهر سياق الآية.

وقال بعض العلماء: لا يصح أن يكون للرسول، صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم ، يستحيل أن يقع منه ذلك والآية على تقدير (قل) وهذا ضعيف لإخراج الآية عن سياقها.

والصواب: أنه إما خاص بالرسول، صلى الله عليه وسلم ، والحكم له ولغيره، وإما عام لكل من يصح خطابه ويدخل فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم ، وكونه يوجه إليه مثل هذا الخطاب لا يقتضي أن يكون ذلك ممكنًا منه قال – تعالى -: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] فالخطاب له ولجميع الرسل ولا يمكن أن يقع، فلا يمكن أن يقع منه، صلى الله عليه وسلم ، باعتبار حاله شرك أبدًا، والحكمة من النهي أن يكون غيره متأسيًا به فإذا كان النهي موجهًا إلى من لا يمكن أن يقع منه باعتبار حاله فهو إلى من يمكن منه من باب أولى.

مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين - (1/326)
 
من الآيات التي قد تشكل على البعض :

قوله تعالى في آخر سورة الزخرف : {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ } 88

فما معنى قوله : (وقيله) وما موقعها من الإعراب ؟

وإجابة لهذين السؤالين أنقل تفسير أشهر إمامين من أئمة التفسير ؛ لعل فيما ذكراه إزالة لإشكال .

قال ابن جرير : (وَقَوْله : { وَقِيلِهِ يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقِيله } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَمَكَّة وَالْبَصْرَة " وَقِيله " بِالنَّصْبِ , وَإِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ ذَلِكَ , كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي التَّأْوِيل :

أَحَدهمَا: الْعَطْف عَلَى قَوْله : { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ } 43 80 وَنَسْمَع قِيله يَا رَبّ ,
وَالثَّانِي : أَنْ يُضْمَر لَهُ نَاصِب , فَيَكُون مَعْنَاهُ حِينَئِذٍ : وَقَالَ قَوْله : { يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } وَشَكَا مُحَمَّد شَكْوَاهُ إِلَى رَبّه .
وَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة { وَقِيله } بِالْخَفْضِ عَلَى مَعْنَى : وَعِنْده عِلْم السَّاعَة , وَعِلْم قِيله .
وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَة الْأَمْصَار صَحِيحَتَا الْمَعْنَى فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئ فَمُصِيب , فَتَأْوِيل الْكَلَام إِذَنْ : وَقَالَ مُحَمَّد قِيله شَاكِيًا إِلَى رَبّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوهُ , وَمَا يَلْقَى مِنْهُمْ : يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرْتنِي بِإِنْذَارِهِمْ وَأَرْسَلْتنِي إِلَيْهِمْ لِدُعَائِهِمْ إِلَيْك , قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ . كَمَا : 23994 -حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى ; وَحَدَّثَنِي الْحَارِث , قَالَ : ثنا الْحَسَن , قَالَ : ثنا وَرْقَاء جَمِيعًا , عَنِ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد , فِي قَوْله : { وَقِيله يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : فَأَبَرّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَوْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . 23995 - حَدَّثَنَا بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { وَقِيله يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } قَالَ : هَذَا قَوْل نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يَشْكُو قَوْمه إِلَى رَبّه . * - حَدَّثَنَا ابْن عَبْد الْأَعْلَى , قَالَ : ثنا ابْن ثَوْر , عَنْ مَعْمَر , عَنْ قَتَادَة { وَقِيله يَا رَبّ } قَالَ : هُوَ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ } .)انتهى

وقال ابن كثير : ( أَيْ وَقَالَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيله أَيْ شَكَا إِلَى رَبّه شَكْوَاهُ مِنْ قَوْمه الَّذِينَ كَذَّبُوهُ فَقَالَ يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى " وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآن مَهْجُورًا " وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ هُوَ قَوْل اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمُجَاهِد وَقَتَادَة وَعَلَيْهِ فَسَّرَ اِبْن جَرِير قَالَ الْبُخَارِيّ وَقَرَأَ عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُ " وَقَالَ الرَّسُول يَا رَبّ " وَقَالَ مُجَاهِد فِي قَوْله " وَقِيله يَا رَبّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْم لَا يُؤْمِنُونَ " قَالَ يُؤْثِر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَوْل مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قَتَادَة هُوَ قَوْل نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو قَوْمه إِلَى رَبّه عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ حَكَى اِبْن جَرِير فِي قَوْله تَعَالَى " وَقِيله يَا رَبّ " قِرَاءَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا النَّصْب وَلَهَا تَوْجِيهَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ مَعْطُوف عَلَى قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى " نَسْمَع سِرّهمْ وَنَجْوَاهُمْ " وَالثَّانِي أَنْ يُقَدَّر فِعْل وَقَالَ قِيله وَالثَّانِيَة الْخَفْض وَقِيله عَطْفًا عَلَى قَوْله " وَعِنْده عِلْم السَّاعَة " وَتَقْدِيره وَعِلْم قِيله .)انتهى

وخلاصة ما سبق :

أولاً - قيله تعني قوله ، مصدر قال . فالقول والقال والقيل بمعنى واحد .

والضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح ، وقيل عائد على عيسى عليه السلام .

وأما إعرابها : ففيها قراءتان سبعيتان صحيحتان :
قراءة النصب ، وقراءة الجر ، ولكل قراءة توجيه . كما هو واضح في كلام ابن جرير وابن كثير ، فلا حاجة لإعادتها .
 
(وإذا أظلم عليهم قاموا) ما معنى قاموا ؟

قوله تعالى : (يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة:20)

الإشكال هنا في لفظ "قاموا" من قوله تعالى : ( وإذا أظلم عليهم قاموا)
حيث يظن البعض أن معناه القيام المعروف الذي هو ضد الجلوس؛ وليس الأمر كذلك ؛ بل معناه هنا الثبات في المكان ، فالمعنى إذاً : أقاموا على نفاقهم وثبتوا على ضلالهم . كما في تفسير الطبري .

قال السمين الحلبي في كتابه القيم [عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ] : (وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ) أي ثبتوا ووقفوا متحيرين . وليس المراد القيام من قعود . انتهى
وبهذا نعلم أن من معاني القيام : الثبات والإستمرار ؛ وعليه فإن من معاني إقامة الصلاة : الثبات والإستمرار على أدائها مع إتقانها ورعايتها .

ومن الآيات التي ورد فيها القيام بمعنى الثبات قوله تعالى: ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75)

فقوله : (إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ) أي ثابتاً على طلبه . كما في المرجع السابق [مادة :ق و م ]
 
ما معنى "يشري" ؟

ما معنى "يشري" ؟

وردت يشري في كتاب الله بمعنى : يبيع

قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ )البقرة: 207 أي : يبيع .

وقال تعالى في سورة يوسف :( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ ) 20 أي : باعوه .


وأما يشتري فهي بمعنى الشراء .

قال تعالى :(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة: 111

وقال تعالى :(أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ ) البقرة: 16

فكل من تمسك بشيء وترك غيره فقد اشتراه .

قال ابن الأنباري في الأضداد : ( اشتريت حرف من الأضداد ، يقال : اشتريت الشيء على معنى : قبضته وأععطيت ثمنه . وهو المعنى المعروف عند الناس .
ويقال : اشتريته إذا بعته ، قال الله تعالى : (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى ) قال جماعة من المفسرين : معناه : باعوا الضلالة بالهدى .
وقال بعض أهل اللغة : كل من آثر شيئاً على شيء فالعرب تجعل الإيثار له بمنزلة شرائه ....) إلخ كلامه ص72
 
عليكم أنفسكم !!!

عليكم أنفسكم !!!

يستدل بعض المتخاذلين والمقصرين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله تعالى في سورة المائدة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 105

فيقول : إن الله أمرنا بأن نهتم بأنفسنا ، ,وأن نجتهد في إصلاحها ؛ ثم لا يضرنا بعد ذلك من ضل إذا اهتدينا .

وللرد على من قال هذا القول نقول : إنك لم تفهم معنى الآية ؛ فليس تفسيرها كما توهمت ؛ وإليك كلام بعض العلماء المحققين في تفسيرها :

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما مختصره : (قوله ـ تعالى علواً كبيراً‏:‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 105‏]‏، لا يقتضى ترك الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، لا نهياً ولا إذناً، كما في الحديث المشهور فى السنن عن أبى بكر الصديق ـ رضى اللّه عنه ـ أنه خطب على منبر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها فى غير موضعها، وإني سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يَعُمَّهُم اللّه بعقاب منه‏)‏‏.‏

وكذلك فى حديث أبى ثعلبة الخشنى ـ مرفوعا ـ في تأويلها‏:‏ ‏(‏إذا رأيت شُحّا مُطاعا، وهَوًى متبعًا، وإعجاب كل ذى رأى برأيه، فعليك بخويْصة نفسك‏)‏‏.‏ وهذا يفسره حديث أبى سعيد فى مسلم‏:‏ ‏(‏من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان‏)‏‏.‏ فإذا قوى أهل الفجور حتى لا يبقي لهم إصغاء إلى البر، بل يؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان فى هذه الحال، وبقى بالقلب‏.‏ ......

وما ذكره الصديق ظاهر؛ فإن اللّه تعالى قال‏:‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ الزموها وأقبلوا عليها، ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي، وقال‏:‏ ‏{‏لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏ وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدى الواجب من الأمر النهي وغيرهما، ولكن فى الآية فوائد عظيمة‏:‏

أحدها‏:‏ ألا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذا كان مهتديا‏.‏

الثاني‏:‏ ألا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم؛ فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى، والحزن على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران فى قوله‏:‏ ‏{‏وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 127‏]‏‏.‏

الثالث‏:‏ ألا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات، كقوله‏:‏ ‏{‏لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏88‏]‏، فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم فى آية، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم فى آية، فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم، إما راغبا وإما راهباً‏.‏

الرابع‏:‏ ألا يعتدى على أهل المعاصي بزيادة على المشروع فى بغضهم أو ذمهم، أو نهيهم أو هجرهم، أو عقوبتهم، بل يقال لمن اعتدى عليهم‏:‏ عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت، كما قال‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ‏}‏ الآية ‏[‏المائدة‏:‏8‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏190‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏193‏]‏، فإن كثيراً من الآمرين الناهين قد يتعدى ‏ حدود اللّه، إما بجهل وإما بظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين‏.‏

الخامس‏:‏ أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع، من العلم والرفق، والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد؛ فإن ذلك داخل في قوله‏:‏ ‏{‏عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ وفى قوله‏:‏ ‏{‏إِذَا اهْتَدَيْتُمْ‏}‏‏.‏

فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها المعنى الآخر، وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا، وإعراضه عما لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة‏:‏ ‏(‏من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏)‏، ولاسيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه،لاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة‏.‏

وكذلك العمل، فصاحبه إما معتد ظالم، وإما سفيه عابث، وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل اللّه، ويكون من باب الظلم والعدوان‏.‏

فَتَأمُّل الآية فى هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء) انتهى مختصراً من مجموع الفتاوي14/291 .... .

بل إن الرازي نقل في تفسيره قولاً جميلاً لعبدالله بن المبارك رحمه الله يدل على فقهه وحسن فهمه لهذه الآية ؛ قال :(هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنه ـ سبحانه ـ قال: ((عَلَيْكُمْ أََنفُسَكُمْ)) ويـعـنـي علـيـكـم أهل دينكم، ولا يضركم من ضل من الكفار، بأن يعـظ بعضكم بعضاً، ويرغّب بعضكم بـعـضـــــاً في الخيرات وينفره عن القبائح والسيئات)[تفسير الرازي : 6/118]؛ لأن المؤمنين إخوة في الدين.


وهنا تنبيه مهم ؛ وهو : أن القرآن يستعمل لفظ (أنفسكم) كثيراً بمعنى إخوانكم ، وتأمل أخي القارئ هذه الفائدة وأثرها العظيم على من وفقه الله لفهمها . ثم اقرأ معي هذا الكلام الجميل القيم ولا تستطله فإنه نفيس [افتح هذا الرابط لتجد المقال كاملاً ]
[http://www.islamselect.com/index.php?ref=532&pg=mat&ln=1
 
(وكان الكافر على ربه ظهيراً)

قال تعالى في سورة الفرقان : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ) 55

فما المراد بقوله جل وعلا : (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا ) ؟

أولاً - كلمة "ظهيراً" تعني : المعين والناصر ، قال تعالى : ( وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ )[التحريم: 4 ]. وقال سبحانه : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )[الإسراء: 88 ].

ثانياً- معنى هذه الآية ؟:

قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية : (يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك لهم نفعاً ولا ضراً ، بلا دليل قادهم إلى ذلك، ولا حجة أدتهم إليه ؛ بل بمجرد الآراء والتشهي والأهواء ،فهم يوالونهم ويقاتلون في سبيلهم ويعادون الله ورسوله والمؤمنين فيهم ولهذا قال تعالى : " وكان الكافر على ربه ظهيرا " أي :عونا في سبيل الشيطان على حزب الله ؛وحزب الله هم الغالبون كما قال تعالى " واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون" أي آلهتهم التي اتخذوها من دون الله لا تملك لهم نصرا ،وهؤلاء الجهلة للأصنام جند محضرون يقاتلون عنهم ويذبون عن حوزتهم ،ولكن العاقبة والنصرة لله ولرسوله وللمؤمنين في الدنيا والآخرة.
قال مجاهد " وكان الكافر على ربه ظهيرا" قال: يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه .
وقال سعيد بن جبير: " وكان الكافر على ربه ظهيرا " يقول عونا للشيطان على ربه بالعداوة والشرك ) انتهى .

ولابن القيم رحمه الله كلام قيّم حول هذه الآية في كتاب الفوائد ؛ حيث قال : (قوله تعالى : (وكان الكافر على ربه ظهيرا) هذا من ألطف خطاب القرآن وأشرف معانيه وان المؤمن دائما مع الله علي نفسه وهواه وشيطانه وعدو ربه؛ وهذا معنى كونه من حزب الله وجنده وأوليائه، فهو مع الله علي عدوه الداخل فيه والخارج عنه، يحاربهم ويعاديهم ويغضبهم له سبحانه كما يكون خواص الملك معه علي حرب اعدائه والبعيدون منه فارغون من ذلك غير مهتمين به؛ والكافر مع شيطانه ونفسه وهواه علي ربه.
وعبارات السلف علي هذا تدور
ذكر بن أبي حاتم عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال: عونا للشيطان علي ربه بالعداوة والشرك
وقال ليث عن مجاهد قال: يظاهر الشيطان علي معصية الله يعينه عليها
وقال زيد بن أسلم ظهيرا أي مواليا
والمعني أنه يوالي عدوه علي معصيته والشرك به فيكون مع عدوه معينا له علي مساخط ربه.
فالمعية الخاصة لتي للمؤمن مع ربه وإلهه قد صارت لهذا الكافر والفاجر مع الشيطان ومع نفسه وهواه وقربانه.
ولهذا صدر الآية بقوله :( ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم )وهذه العبادة هي الموالاة والمحبة والرضا بمعبوديهم المتضمنة لمعيتهم الخاصة فظاهروا أعداء الله على معاداته ومخالفته ومساخطه بخلاف وليه سبحانه فانه معه علي نفسه وشيطانه وهواه وهذا المعنى من كنوز القرآن لمن فهمه وعقله وبالله التوفيق ) انتهى .

 
ما التفسير الصحيح لقوله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم :39 ؟

يظن الكثير أن معنى هذه الآية : أن الإنسان ليس له من ثواب الأعمال إلا ما عمله بنفسه وهو سعيه ؛ ثم يجعلونها دليلاً على أن الميت لا ينتفع بسعي الأحياء .

وفي هذا الفهم نظر ؛ ولا يصح لهم الإستدلال بهذه الآية على ما ذكروا .

ولبيان معنى الآية الصحيح أنقل هنا كلاماً قيماً للشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره .

قال رحمه الله : (وقد استدل بقوله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) من يرى أن القرب لا يفيد إهداؤها للأحياء ولا للأموات قالوا لأن الله قال: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ مَا سَعَى) فوصول سعي غيره إليه مناف لذلك، وفي هذا الاستدلال نظر، فإن الآية إنما تدل على أنه ليس للإنسان إلا ما سعى بنفسه، وهذا حق لا خلاف فيه، وليس فيها ما يدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره، إذا أهداه ذلك الغير له، كما أنه ليس للإنسان من المال إلا ما هو في ملكه وتحت يده، ولا يلزم من ذلك، أن لا يملك ما وهبه له الغير من ماله الذي يملكه.)


وهذا ما ذهب إليه أيضاً تلميذه العلامة محمد العثيمين رحمة الله على الجميع فقال رحمه الله :
(قوله – تعالى- : (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) المراد – والله أعلم – أن الإنسان لا يستحق من سعي غيره شيئاً ، كما لا يحمل من وزر غيره شيئاً ؛ وليس المراد أنه لا يصل إليه ثواب سعي غيره ؛ لكثرة النصوص الواردة في وصول ثواب سعي الغير إلى غيره وانتفاعه به إذا قصده به ، فمن ذلك:
1- الدعاء:فإن المدعو له ينتفع به بنص القرآن الكريم والسنة،وإجماع المسلمين ، قال الله –تعالى –لنبيه -صلى الله عليه وسلم- : (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) وقال – تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقول :ون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم).
فالذين سبقوهم بالإيمان هم المهاجرون والأنصار ، والذين جاؤوا من بعدهم هم التابعون فمن بعدهم إلى يوم الدين ؛وثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –أنه أغمض أبا سلمة، وقال : "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه" . وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على أموات المسلمين ، ويدعو لهم ، ويزور المقابر ، ويدعو لأهلها ، واتبعته أمته في ذلك حتى صار هذا من الأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه…"
وهذا لا يعارض قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم لأن المراد به عمل الإنسان نفسه ، لا عمل غيره له ؛ وإنما جعل دعاء الولد الصالح من عمله ؛ لأن الولد من كسبه، حيث إنه هو السبب في إيجاده ، فكأن دعاءه لوالده دعاء من الوالد نفسه – بخلاف دعاء غير الولد لأخيه ، فإنه ليس من عمله – وإن كان ينتفع به -؛ فالاستثناء الذي في الحديث من انقطاع عمل الميت نفسه لا عمل غيره له، ولهذا لم يقل : انقطع العمل له ، بل قال: "انقطع عمله". وبينهما فرق بين .)

ثم ذكر أمثلة أمثلة كثيرة بتفصيل وتحرير عجيب قيّم أنصح الجميع بقراءته ، وهو في كتاب :مجموع فتاوي ورسائل 2/310 وما بعدها في جواب السؤال رقم363 .
 
هل هناك أدلة تمنع من إمكانية الوصول إلى القمر ؟

هل هناك أدلة تمنع من إمكانية الوصول إلى القمر ؟

أنكر بعض العلماء - ومنهم فما أذكر الإمام الشنقيطي - وصول الناس إلى القمر بحجة أنه في السماء ، وقد أخبر الله أن السماء محفوظة من الشياطين - ويدخل في ذلك شياطين الإنس من الكفار - فهل هذا الكلام صحيح ؟ وما التوجيه الصحيح للآيات في ذلك ؟

هذا ردٌّ للإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، وإليكم نصه :

قال :( وقد تأملنا ما ورد في الكتاب العزيز من الآيات المشتملة على ذكر الشمس والقمر والكواكب، فلم نجد فيها ما يدل دلالة صريحة على عدم إمكان الوصول إلى القمر أو غيره من الكواكب وهكذا السنة المطهرة لم نجد فيها ما يدل على عدم إمكان ذلك وقصارى ما يتعلق به من أنكر ذلك أو كفر من قاله، ما ذكره الله في كتابه الكريم في سورة الحجر، حيث قال سبحانه: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ وقال تعالى في سورة الفرقان: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا وقال في سورة الصافات: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ
وقال سبحانه في سورة الملك: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ وقال في سورة نوح: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وظنوا أن ما ذكره الله في هذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها يدل على أن الكواكب في داخل السماء، أو ملصقة بها، فكيف يمكن الوصول إلى سطحها، وتعلقوا أيضا بما قاله بعض علماء الفلك: من أن القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة، والشمس في الرابعة، والمريخ في الخامسة، والمشتري في السادسة، وزحل في السابعة.

وقد نقل ذلك كثير من المفسرين وسكتوا، والجواب أن يقال: ليس في الآيات المذكورات ما يدل على أن الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب في داخل السماء ولا أنها ملصقة بها، وإنما تدل الآيات على أن هذه الكواكب في السماء وأنها زينة لها، ولفظ السماء يطلق في اللغة العربية على كل ما علا وارتفع، كما في قوله سبحانه: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ

قال جماعة من المفسرين في هاتين الآيتين: إن (في) للظرفية، وأن السماء المراد بها: العلو، واحتجوا بذلك على أن الله سبحانه في جهة العلو فوق العرش، وما ذاك إلا لأن إطلاق السماء على العلو أمر معروف في اللغة العربية وقال آخرون من أهل التفسير: إن (في) هنا بمعنى على، وأن المراد بالسماء هنا: السماء المبنية، كما قال سبحانه: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي على الأرض، وعلى هذا يكون المعنى: أن الله سبحانه فوق
السماء، فيوافق ذلك بقية الآيات الدالة على أنه سبحانه فوق العرش، وأنه استوى عليه استواء يليق بجلاله عز وجل، ولا يشابهه فيه استواء خلقه، كما قال عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وقال سبحانه: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ

وقال تعالى: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ومن أنكر هذا المعنى ووصف الله سبحانه وتعالى بخلافه، فقد خالف الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، الدالة على علو الله سبحانه، واستوائه على عرشه استواء يليق بجلاله من غير تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، كما خالف إجماع سلف الأمة، ومن هذا الباب قوله سبحانه في سورة البقرة يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

ذكر جماعة من المفسرين أن المراد بقوله سبحانه في هذه الآية: وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً أن المراد بالسماء هنا: هو السحاب، سمي بذلك لعلوه وارتفاعه فوق الناس، ومن هذا الباب أيضا قوله عز وجل في سورة الحج: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ الآية. قال المفسرون: معناه فليمدد بسبب إلى ما فوقه من سقف ونحوه، فسماه سماء لعلوه بالنسبة إلى من تحته، ومن هذا الباب قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ

الآية فقوله هنا: في السماء أي في العلو، وقال صاحب القاموس: سما سموا ارتفع، وبه أعلاه كأسماه، إلى أن قال: والسماء معروفة تؤنث وتذكر وسقف كل شيء انتهى

والأدلة في هذا الباب من كلام الله سبحانه وكلام رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وكلام المفسرين، وأئمة اللغة، على إطلاق لفظ السماء على الشيء المرتفع كثيرة، إذا عرف هذا فيحتمل أن يكون معنى الآيات أن الله سبحانه جعل هذه الكواكب في مدار بين السماء والأرض، وسماه سماء لعلوه، وليس فيما علمنا من الأدلة ما يمنع ذلك، وقد ذكر الله سبحانه أن الشمس والقمر يجريان في فلك في آيتين من كتابه الكريم وهما قوله عز وجل في سورة الأنبياء وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وقوله سبحانه في سورة يس: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ولو كانا ملصقين بالسماء لم يوصفا بالسبح لأن السبح هو الجري في الماء ونحوه

وقد ذكر ابن جرير رحمه الله في تفسيره المشهور أن الفلك في لغة العرب هو الشيء الدائر، وذكر في معناه عن السلف عدة أقوال، ثم قال ما نصه: (والصواب من القول في ذلك: أن يقال كما قال الله عز وجل: فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وجائز أن يكون ذلك الفلك كما قال مجاهد : كحديدة الرحا، وكما ذكر عن الحسن كطاحونة الرحا، وجائز أن يكون موجا مكفوفا، وأن يكون قطب السماء وذلك أن الفلك في كلام العرب: هو كل شيء دائر، فجمعه أفلاك) ونقل رحمه الله عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال ما نصه: (الفلك الذي بين السماء والأرض من مجاري النجوم، والشمس والقمر، وقرأ: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا
وقال: تلك البروج بين السماء والأرض وليست في الأرض) انتهى.

وقد نقل الحافظ بن كثير - رحمه الله - في التفسير كلام ابن زيد هذا، وأنكره ولا وجه لإنكاره عند التأمل، لعدم الدليل على نكارته،

وقال النسفي في تفسيره ما نصه: (والجمهور على أن الفلك موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر والنجوم) انتهى.

وقال الألوسي في تفسيره: (روح المعاني) ما نصه: (وقال أكثر المفسرين هو موج مكفوف تحت السماء تجري فيه الشمس والقمر) انتهى

وعلى هذا القول في تفسير الفلك والآيات المتقدمة آنفا، لا يبقى إشكال في أن الوصول إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب لا يخالف الأدلة السمعية، ولا يلزم منه قدح فيما دل عليه القرآن من كون الشمس والقمر في السماء، ومن زعم أن المراد بالأفلاك السماوات المبنية فليس لقوله حجة يعتمد عليها فيما نعلم، بل ظاهر الأدلة النقلية وغيرها يدل على أن السماوات السبع غير الأفلاك، ويحتمل أنه أراد بالسماء في الآيات المتقدمة: السماء الدنيا، كما هو ظاهر في آية الحجر وهي قوله سبحانه: وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وصريح في آية الملك وهي قوله سبحانه: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ ولم يرد سبحانه أن البروج في داخلها، وإنما أراد سبحانه أنها بقربها وتنسب إليها كما يقال في لغة العرب فلان مقيم في المدينة، أو في مكة وإنما هو في ضواحيها وما حولها، وأما وصفه سبحانه للكواكب بأنها زينة للسماء فلا يلزم منه أن تكون ملصقة بها، ولا دليل على ذلك، بل يصح أن
تسمى زينة لها، وإن كانت منفصلة عنها، وبينها وبينها فضاء كما يزين الإنسان سقفه بالقماش والثريات الكهربائية ونحو ذلك من غير ضرورة إلى إلصاق ذلك به، ومع هذا يقال في اللغة العربية: فلان زين سقف بيته، وإن كان بين الزينة والسقف فضاء،

وأما قوله سبحانه في سورة نوح: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا فليس في الأدلة ما يدل على أن معناه أن الشمس والقمر في داخل السماوات ، وإنما معناه عند الأكثر: أن نورهما في السماوات لا أجرامهما فأجرامهما خارج السماوات ونورهما في السماوات والأرض،

وقد روى ابن جرير رحمه الله عند هذه الآية عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ما يدل على هذا المعنى حيث قال في تفسير حدثنا عبد الأعلى ، قال حدثنا ابن ثور ، عن معمر عن قتادة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه قال: إن الشمس والقمر وجوههما قبل السماوات، وأقفيتهما قبل الأرض انتهى وفي سنده انقطاع. لأن قتادة لم يدرك عبد الله بن عمرو، ولعل هذا إن صح عنه مما تلقاه عن بني إسرائيل، وظاهر الآية يدل على أن نورهما في السماوات لا أجرامهما، وأما كون وجوههما إلى السماوات وأقفيتهما إلي الأرض فموضع نظر، والله سبحانه وتعالي أعلم بذلك. وأما قول من قال من أهل التفسير: أن ذلك من باب إطلاق الكل على البعض لأن القمر في السماء الدنيا، والشمس في الرابعة، كما يقال: رأيت بني تميم وإنما رأى بعضهم فليس بجيد، ولا دليل عليه، وليس هناك حجة يعتمد عليها فيما نعلم، تدل على أن القمر في السماء الدنيا والشمس في الرابعة، وأما قول من قال تلك من علماء الفلك، فليس بحجة عليها لأن أقوالهم غالبا مبنية على التخمين والظن، لا على قواعد شرعية، وأسس
قطعية، فيجب التنبه لذلك،

ويدل على هذا المعنى: ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره عند قوله سبحانه: َ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا الآية حيث قال ما نصه: قوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا أي واحدة فوق واحدة وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط. أو هو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير والكسوفات، فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضا، فأدناها القمر في السماء الدنيا، وهو يكسف ما فوقه، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة، والشمس في الرابعة، والمريخ في الخامسة، والمشتري في السادسة، وزحل في السابعة، وأما بقية الكواكب وهي الثوابت، ففي فلك ثامن يسمونه:(فلك الثوابت)، والمتشرعون منهم يقولون: هو الكرسي، والفلك التاسع: وهو الأطلس، والأثير عندهم: الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك وذلك أن حركته مبدأ الحركات، وهي من المغرب إلى المشرق وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب، ومعها يدور سائر الكواكب تبعا، ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها، فإنها تسير من المغرب إلى المشرق، وكل يقطع فلكه بحسبه، فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة، والشمس في كل سنة مرة، وزحل في كل ثلاثين سنة مرة، وذلك بحسب اتساع أفلاكها، وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة، هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم، في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها) انتهى

فقول الحافظ رحمه الله هنا: على اختلاف بينهم... إلخ يدل: على أن علماء الفلك غير متفقين على ما نقله عنهم آنفا، من كون القمر في السماء الدنيا، وعطارد في الثانية، والزهرة في الثالثة والشمس في الرابعة.. إلخ وغير ذلك مما نقله عنهم، ولو كانت لديهم أدلة قطعية على ما ذكروا، لم يختلفوا، ولو فرضنا أنهم اتفقوا على ما ذكر فاتفاقهم ليس بحجة؛ لأنه غير معصوم،
وإنما الإجماع المعصوم هو إجماع علماء الإسلام الذين قد توافرت فيهم شروط الاجتهاد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طافئة من أمتي على الحق منصورة الحديث فإذا اجتمع علماء الإسلام على حكم، اجتماعا قطعيا لا سكوتيا، فإنهم بلا شك على حق؛ لأن الطائفة المنصورة منهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال على الحق، حتى يأتي أمر الله

وظاهر الأدلة السابقة، وكلام الكثير من أهل العلم أو الأكثر كما حكاه النسفي ، والألوسي : أن جميع الكواكب ومنها الشمس والقمر تحت السماوات، وليست في داخل شيء منها، وبذلك يعلم أنه لا مانع من أن يكون هناك فضاء بين الكواكب والسماء الدنيا، يمكن أن تسير فيه المركبات الفضائية، يمكن أن تنزل على سطح القمر أو غيره من الكواكب ولا يجوز أن يقال بامتناع ذلك إلا بدليل شرعي صريح يجب المصير إليه، كما أنه لا يجوز أن يصدق من قال إنه وصل إلى سطح القمر أو غيره من الكواكب، إلا بأدلة علمية تدل على صدقه، ولا شك أن الناس بالنسبة إلى معلوماتهم عن الفضاء، ورواد الفضاء يتفاوتون، فمن كان لديه معلومات قد اقتنع بها بواسطة المراصد أو غيرها، دلته على صحة ما ادعاه رواد الفضاء الأمريكيون أو غيرهم، من وصولهم إلى سطح القمر فهو معذور في تصديقه، ومن لم تتوافر لديه المعلومات الدالة على ذلك فالواجب عليه: التوقف، والتثبت حتى يثبت لديه ما يقتضي التصديق أو التكذيب، عملا بالأدلة السالف ذكرها،

ومما يدل على إمكان الصعود إلى الكواكب: قول الله سبحانه في سورة الجن فيما أخبر به عنهم: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا فإذا كان الجن قد أمكنهم الصعود إلى السماء حتى لمسوها، وقعدوا منها مقاعد فكيف يستحيل ذلك على الإنس في هذا العصر الذي تطور فيه العلم،
والاختراع حتى وصل إلى حد لا يخطر ببال أحد من الناس، حتى مخترعيه قبل أن يخترعوه، أما السماوات المبنية فهي محفوظة بأبوابها وحراسها، فلن يدخلها شياطين الإنس والجن، كما قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وقال تعالى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ وثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء مع جبريل، لم يدخل السماء الدنيا وما بعدها إلا بإذن، فغيره من الخلق من باب أولى وأما قوله سبحانه في سورة الرحمن: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ فليست واضحة الدلالة على إمكان الصعود إلى الكواكب لأن ظاهرها وما قبلها وما بعدها يدل على أن الله سبحانه أراد بذلك بيان عجز الثقلين، عن النفوذ من أقطار السماوات والأرض

وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله وغيره من علماء التفسير في تفسير هذه الآية الكريمة أقوالا أحسنها قولان. أحدهما: أن المراد بذلك يوم القيامة، وأن الله سبحانه أخبر فيها عن عجز الثقلين يوم القيامة عن الفرار من أهوالها، وقد قدم ابن جرير هذا القول، وذكر أن في الآية التي بعدها ما يدل على اختياره له والقول الثاني: أن المراد بذلك: بيان عجز الثقلين عن الهروب من الموت لأنه لا سلطان لهم يمكنهم من الهروب من الموت، كما أنه لا سلطان لهم على الهروب من أهوال يوم القيامة، وعلى هذين القولين يكون المراد بالسلطان: القوة، ومما ذكرناه يتضح أنه لا حجة في الآية، لمن قال إنها تدل على إمكان الصعود إلى الكواكب، وأن المراد بالسلطان: العلم، ويتضح أيضا أن أقرب الأقوال فيها
قول من قال: إن المراد بذلك يوم القيامة، أخبر الله سبحانه فيها أنه يقول ذلك للجن والإنس في ذلك اليوم، تعجيزا لهم وإخبارا أنهم في قبضة الله سبحانه، وليس لهم مفر مما أراد بهم، ولهذا قال بعدها: يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ فالمعنى - والله أعلم -: أنكما لو حاولتما الفرار في ذلك اليوم، لأرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران منهما، أما في الدنيا فلا يمكن لأحد النفوذ من أقطار السماوات المبنية. لأنها محفوظة بحرسها وأبوابها كما تقدم ذكر ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم،

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه

عبد العزيز بن عبد الله بن باز







انظر هنا :http://www.binbaz.org.sa/display.asp?f=bz00119
 
أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة ؟

أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة ؟

سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أى التفاسير أقرب الى الكتاب والسنة الزمخشرى أم القرطبى أم البغوى أو غير هؤلاء ؟

فأجاب : (وأما التفاسير التى فى ايدى الناس فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبرى فانه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبى والتفاسير غير المأثورة بالأسانيد كثيرة كتفسير عبدالرزاق وعبد بن حميد ووكيع وابن أبى قتيبة وأحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه .

وأما التفاسير الثلاثة المسؤول عنها فأسلمها من البدعة والاحاديث الضعيفة البغوى لكنه مختصر من تفسير الثعلى وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التى فيه وحذف أشياء غير ذلك
وأما الواحدى فانه تلميذ الثعلبى وهو أخبر منه بالعربية لكن الثعلبى فيه سلامة من البدع وان ذكرها تقليدا لغيره وتفسيره و تفسير الواحدى البسيط والوسيط والوجيز فيها فوائد جليلة وفيها غث كثير من المنقولات الباطلة وغيرها .
وأما الزمخشرى فتفسيره محشو بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من انكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن، وأنكر أن الله مريد للكائنات وخالق لأفعال العباد وغير ذلك من اصول المعتزلة
وأصولهم خمسة يسمونها : التوحيد والعدل والمنزلة بين المنزلتين وانفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
لكن معنى التوحيد عندهم يتضمن نفى الصفات ولهذا سمى ابن التومرت أصحابه الموحدين وهذا انما هو إلحاد فى أسماء الله وآياته

ومعنى العدل عندهم يتضمن التكذيب بالقدر وهو خلق أفعال العباد وارادة الكائنات والقدرة على شىء ومنهم من ينكر تقدم العلم والكتاب...

وأما المنزلة بين المنزلتين فهى عندهم أن الفاسق لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه كما لا يسمى كافرا فنزلوه بين منزلتين و انفاذ الوعيد عندهم معناه أن فساق الملة مخلدون فى النار لا يخرجون منها بشفاعة ولا غير ذلك كما تقوله الخوارج
و الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يتضمن عندهم جواز الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وهذه الأصول حشا بها كتابه بعبارة لا يهتدى أكثر الناس اليها ولا لمقاصده فيها مع ما فيه من الأحاديث الموضوعة ومن قلة النقل عن الصحابة والتابعين

و تفسير القرطبى خير منه بكثير وأقرب الى طريقة أهل الكتاب والسنة وأبعد عن البدع وان كان كل من هذه الكتب لابد أن يشتمل على ما ينقد لكن يجب العدل بينها واعطاء كل ذى حق حقه .

و تفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشرى وأصح نقلا وبحثا وأبعد عن البدع وان اشتمل على بعضها بل هو خير منه بكثير بل لعله أرجح هذه التفاسير لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها .
وثم تفاسير أخر كثيرة جدا كتفسير ابن الجوزى والماوردى.) انتهى باختصار يسير . مجموع الفتاوي 13/379
 
كتب الإمام محمد بن عبدالوهاب مقارنة فريدة بين مطلع المدثر ومطلع سورة العلق فقال:



الأولى: أول اقرأ فيه الأمر بطلب العلم، وأول المدثر فيه الأمر بالعمل به.

الثانية: أول اقرأ فيه معرفة الله، وأول المدثر فيه الأدب معه.

الثالثة: أول اقرأ فيه الاستعانة، وأول المدثر فيه الصبر.

الرابعة: أول اقرأ فيه إخلاص الاستعانة، وأول المدثر فيه العبادة.

الخامسة: أول اقرأ فيه الاستعانة، وأول المدثر فيه العبادة.

السادسة: أول اقرأ فيه فضله عليك، وأول المدثر فيه حقه عليك.

السابعة: أول اقرأ فيه أدب المتعلم، وأول المدثر فيه أدب العالم.

الثامنة: أول اقرأ فيه معرفة الله ومعرفة النفس، وأول المدثر فيه الأمر والنهي.

التاسعة: أول اقرأ فيه معرفتك بنفسك وبربك، وأول المدثر فيه العمل المختص والمتعدي.

العاشرة: أول اقرأ فيه أصل الأسماء والصفات وهما العلم والقدرة، وأول المدثر فيه أصل الأمر والنهي وهو الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك.

الحادية عشرة: في أول اقرأ ذكر القلم الذي لا يستقيم العلم إلا به، وأول المدثر فيه ذكر الصبر الذي لا يستقيم العمل إلا به.

الثانية عشرة: في أول اقرأ ذكر التوكل وأنه يفتح المغلق، وأول المدثر فيه الصبر الذي يفتحه.

الثالثة عشرة: في أول اقرأ العمل المختص، وأول المدثر فيه العمل المتعدي.

الرابعة عشرة: في اقرأ ست مسائل من الخبر، وأول المدثر فيه ست مسائل من الإنشاء.

الخامسة عشرة: في أول اقرأ ذكر بدء الخلق، وأول المدثر ذكر الحكمة فيه.

السادسة عشرة: في أول اقرأ ذكر أصل الإنسان، وأول المدثر فيه كماله.

السابعة عشرة: في أول اقرأ الربوبية العامة، وأول المدثر الربوبية الخاصة.

الثامنة عشرة: في أول اقرأ شاهد لقوله: «اعقلها واتكل» وفي أول المدثر الصبر الذي هو من الإيمان بمنـزلة الرأس من الجسد.

التاسعة عشرة: في أول اقرأ ابتداء النبوة، وأول المدثر ابتداء الرسالة.

العشرون: في السورتين شاهد لقوله: «العلم قبل القول والعمل» ) انتهى
من مؤلفات محمد بن عبدالوهاب 5/266-367
 
تصحيح مفهوم خاطئ

تصحيح مفهوم خاطئ

اطلعت على هذا المقال فرأيت نقله لما فيه من التنبيهات المهمة :

( مفهوم مضلِّل

«هجر لفظ: (الكفار) والاكتفاء بتعبير (غير المسلمين) مطلقاً»

يحرص بعض المسلمين على إطلاق عبارة «غير المسلمين» على الكفار والمشركين بجميع مللهم وكافة أحوالهم دون أي قيد، تأدباً في حمل الدعوة وتأليفاً لقلوب الكفار وحملهم على الدخول في الإسلام. ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين[ [الممتحنة] ومن برهم والإقساط إليهم أن نقول لهم وعنهم «غير المسلمين»، أي عند مخاطبتهم وعند الحديث عنهم وعند مكاتبتهم، فنتحاشى كلمة الكفر ومشتقاتها في كل حال. واستدلوا بقوله تعالى: ]قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وأنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون[ [سبأ]، فلم يقل نحن على هدى وأنتم في ضلال، ولم يقل ولا نسأل عما تجرمون، وهذا من اللين الذي أمرنا به في حمل الدعوة، والذي أمر الله به موسى وهارون عند مخاطبتهما لفرعون في قوله تعالى: ]فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى[ [طه]. واستدلوا بقوله تعالى: ]فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر[ [الكهف/18] فإن الله سبحانه خيَّرهم بين الإيمان والكفر، وهذا منتهى الديمقراطية وحرية الاعتقاد، واللين في الخطاب، واستدلوا بقوله تعالى: ]يا أيها الناس إنا خلقناكم[ [الحجرات/13] ] يا أيها الناس اتقوا ربكم[ [النساء/1] وهذا الخطاب يشمل المؤمن والكافر، وهذا من اللين في الخطاب. ويمكنهم أن يستدلوا - ولم أسمعه منهم - بقوله سبحانه: ]ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ [آل عمران] فالله سبحانه أطلق على ملل الكفر «غير الإسلام» فيقاس عليه «غير المسلمين»، وبقوله تعالى: ]أفغير دين الله يبغون[ [آل عمران/3] وغير دين الله هو الكفر، فكأنه سبحانه يقول: أفالكفر يبغون، ولكنه سبحانه خاطبهم بالقول اللين. لا خلاف في جواز بر الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا والإقساط إليهم. إلا أن هذه الآية لا تدل على مسألتنا، فليس لها علاقة بموضوع تسمية الكفار بغير المسلمين، بل هي ترخص في برهم والإقساط إليهم، وتسميتهم بغير المسلمين ليست من برهم ولا من الإقساط إليهم. إذ إن المقصود ببرهم هو صلتهم والدليل على ذلك أن لفظ «تبروهم» حقيقة لغوية لم تنقل فتفهم كما وصفها العرب، قال في القاموس البر: الصلة، وقال في اللسان: بررته براً وصلته، وقال النووي في تحرير ألفاظ التنبيه: بررت فلاناً أي وصلته، وقال الأزهري في الزاهر، وبررت فلاناً أبرُّه براً إذا وصلته. وقال القرطبي: هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين يعادون المؤمنين ولم يقاتلوهم. وقال الطبري: أن تبروهم وتصلوهم. وقال ابن الجوزي: هذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين. ويؤكد هذا ما ورد في الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله r فاستفتيت رسول الله r قلت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال نعم صلي أمك. وزاد البخاري في رواية عن ابن عيينة وهو أحد رواة الحديث أنه قال أي سفيان: فأنزل الله تعالى فيها: ] لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين [... [الممتحنة/8]. وأخرج الحاكم سبب نزول هذه الآية من حديث عبدالله بن الزبير قال: قدمت قتيلة بنت عبد العزى بن أسعد من بني مالك بن حسل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها بهدايا ضباباً وسمناً وأقطاً فأبت أسماء أن تأخذ منها وتقبل منها وتدخلها منزلها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله r فأخبرته فأمرها أن تقبل هداياها وتدخلها منزلها فأنزل الله عز وجل: ] لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم [... إلى آخر الآيتين. ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقد كان الصحابة يبرون أقاربهم المشركين والكفار ويصلونهم، ففي الحديث المتفق عليه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر بن الخطاب حلة سيراء عند باب المسجد فقال يا رسول الله لو اشتريتها فلبستها يوم الجمعة وللوفد، قال إنما يلبسها من لا خلاق له في الآخرة، ثم جاءت حلل فأعطى رسول الله r عمر منها حلة، فقال أكسوتنيها وقلت في حلة عطارد ما قلت؟ فقال: إني لم أكسكها لتلبسها، فكساها عمر أخاً له بمكة مشركاً. وأخرج سعيد بن منصور وابن قدامة في المغني عن سعيد عن سفيان عن أيوب عن عكرمة أن صفية بنت حيي باعت حجرتها من معاوية بمئة ألف وكان لها أخ يهودي فعرضت عليه أن يسلم فيرث فأبى فأوصت له بثلث المئة. فالمقصود بقوله تعالى: ]تبروهم[ تصلوهم وليس من الصلة أن نمتنع عن إطلاق لفظ الكفار عليهم والاقتصار على عبارة «غير المسلمين». وكذلك قوله تعالى: ]وتقسطوا إليهم[ لا تفيد أن من الإقساط إليهم عدم نعتهم بالكفار ونعتهم «بغير المسلمين»، ذلك أن ]وتقسطوا إليهم[ لا تخرج عن أحد معان ثلاث: الأول: تعدلوا فيهم. الثاني: تعطوهم قسطاً من أموالكم. والثالث الإنفاق على من وجبت نفقته. فليس من معانيها تسميتهم «غير المسلمين» والامتناع عن تسميتهم كفاراً، بل ليس منها اللين في القول، مع أنه ثابت بدليل آخر. فلا حجة لهم في هذه الآية. ثم إن حكم الآية محصور في نوع من الكفار هم الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا وهذا لا ينطبق لا على إسرائيل ولا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا إسبانيا ولا صربيا ولا اليونان ولا أرمينية ولا روسيا ولا الصين ولا استراليا ولا الفلبين ولا الهند ولا كندا ولا بولنده ولا أوغنده ولا الحبشه، فإن اشترطنا أن يكون بيننا وبينهم عهد بدليل ما ورد في حديث أسماء المتفق عليه حيث تقول "قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد رسول الله r..." أي زمن عهد الحديبية، واعتبرنا وجود العهد قيداً للبر والإقساط فلا يوجد قوم على وجه الأرض بيننا وبينهم عهد أبرمه خليفة المسلمين أو من ينوب عنه، وإن لم نجعل العهد قيداً عملاً بعموم الآية فلا يتصور إلا الأسكيمو أو الزولو أو سكان حوض الأمازون وأمثالهم ممن ينطبق عليهم حكم هذه الآية.

وأما استدلالهم بقوله تعالى: ]قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسئل عما تعملون [ [سبأ] فإن فيه شبهة دليل لهم على جواز الإنصاف في الخطاب والتلطف واللين في وصفهم بالضلال لأنه لم يصرح بذلك وإنما أبْهَمَ إذ «أو» في الآية الأولى للإبهام ولا يمكن أن تكون للشك. ولا حاجة للخوض فيما قاله المفسرون، وكذلك القول في ]تعملون[ ولم يقل تجرمون فإنه يدخل في باب اللين في الخطاب، وهذا مما لا ينكر وليس تضليلاً، فقد قال سبحانه لموسى وهارون عليهما السلام )فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى( [طه]، وفي حديث أبي سفيان المتفق عليه ذكر كتاب رسول الله r إلى هرقل وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين. ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون" فرسول الله r خاطبه بقوله «عظيم الروم». ولا حجة في حديث محمد بن كعب القرظي الذي ورد فيه أن رسول الله r كَنّى عتبة بن ربيعة فقال له: «يا أبا الوليد»، هذا الحديث رواه البيهقي في الاعتقاد وذكره ابن هشام في السيرة وفيه مجهول هو الذي حدث عنه محمد بن كعب ولفظه: عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدثت أن عتبة بن ربيعة بالبناء للمجهول، وحديث جابر الذي أخرجه أبويعلى أصلح إسناداً من حديث محمد بن كعب فرجاله ثقات غير الأجلح فإنه مختلف فيه، وليس فيه أن رسول الله r كنى عتبة بل قال: أفرغت؟ وفيه أن رسول الله r قرأ عليه أوائل سورة فصلت وفيها قوله تعالى: ]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إيه واستغفروه وويل للمشركين ، الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون [ وقوله: ]قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين[ وقوله: ]فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود[ بل إن حديث جابر هذا أخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفيه أنه r قال لعتبة أفرغت؟ ولم يكنه. فلا يُنكر إنصاف الخصم ولا لين الكلام في خطابه، إنما ينكر الاقتصار على هذا والتحرج والتحرز من مخاطبته بقارص الكلام، ووصفه بالأوصاف التي يستحقها، وإنذاره وتخويفه، وبيان سوء عاقبته، وعيب آلهته، وتسفيه عقله، كما ورد في الآيات التي قرأها r على عتبة. وكما في قوله تعالى: ]قل يا أيها الكافرون[ [الكافرون] ]تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ما له وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالة الحطب ، في جيدها حبل من مسد[ وقوله: ]مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار[ [الجمعة/5] وقوله: ] وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير[ [الملك] وقوله: ] فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ 8 وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ 9 وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ 10 هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ 11 مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ 12 عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ 13 أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ 14 إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ[ [القلم] وقوله: ] وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ، إن لدينا أنكالا وجحيما ، وطعاما ذا غصة وعذابا أليما[ [المزمل] وقوله: ]سأصليه سقر ، وما أدراك ما سقر ، لا تبقي ولا تذر[ [المدثر] وقوله: ]فما لهم عن التذ1كرة معرضين ، كأنهم حمر مستنفرة ، فرت من قسورة[ [المدثر] وقوله: ]لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم[ [المائدة/17] وقوله: ]لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة[ [المائدة/73] وقوله: ] يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون[ [آل عمران] وقوله: ]وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون[ [البقرة] وقوله: ]ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم[ [البقرة] وقوله: ]سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم[ [البقرة] وقوله: ]إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون[ [البقرة] وقوله: )إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون( [الأنبياء] وغير هذه الآيات المصرحة بكفرهم وسوء عاقبتهم على اختلاف مللهم في الخطاب والغيبة. وروى ابن حبان في صحيحه عن عروة قال: "قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله r فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله r فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قالوا فبينا هم في ذلك إذ طلع رسول الله r فأقبل يمشي حتى استلم الركن فمر بهم طائفاً بالبيت فلما أن مر بهم غمزوه ببعض القول، قال وعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى r، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى r، فمر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح، قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا لكأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وطأة قبل ذلك يترفؤه بأحسن ما يجيب من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم انصرف راشداً فوالله ما كنت جهولاً فانصرف رسول الله r حتى إذا كان من الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه، وبينا هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله r فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا لِما كان يبلغهم منه من عيب آلهتهم ودينهم قال: نعم أنا الذي أقول ذلك، قال فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه، وقام أبوبكر الصديق رضي الله عنه دونه يقول وهو يبكي أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً بلغت منه قط" فكيف يقال للمسلمين بعد هذا اقتصروا في حديثكم مع الكفار وعنهم بعبارة «غير المسلمين». وأما استدلالهم بقوله تعالى: ]فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( [الكهف/29] على أن الله سبحانه خيرهم بين الإيمان والكفر وهذا من لين الخطاب، فإن هذا استدلال فاسد ساقط، فالله سبحانه لا يمكن أن يخير بين الإيمان والكفر، إذ الكفر ليس بخيار، ولو كان كذلك لما عذبه الله عليه، وتتمة الآية ] إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا بماء يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا( هذا وقد اتفق المفسرون على أن هذا الكلام وإن كان خارجاً مخرج التخيير فهو على وجه التهديد والوعيد وليس هو بترخيص بين الإيمان والكفر. وأما الاستدلال بقوله تعالى: ]يا أيها الناس[ فغير صحيح إذ إن الله سبحانه يكلف المؤمن والكافر فلا بد من لفظ يعم النوعين فكان هذا اللفظ العام محققاً الغرض، وكذلك الحال في إخبار النوعين، فهو ليس من اللين في القول.

ولو استدلوا على جواز تسمية الكفار «بغير المسلمين» أخذاً من قوله تعالى: ] ومن يبتغ غير الإسلام دينا( [آل عمران/85] وقوله: ] أفغير دين الله [ لكان استدلالاً صحيحاً، لكن المسألة ليست جواز إطلاق هذه العبارة على الكفار، بل المسألة أن نعتبرها دليلاً على جواز الإقلاع عن لفظ الكفار، والمداومة على استعمال عبارة «غير المسلمين»، هذا ما هو مطلوب من المسلمين اليوم في حوارهم مع الكفار وفي أحاديثهم فيما بينهم وفي مناهجهم الدراسية وفي إعلامهم، ومن تتبع القنوات الفضائية والإذاعات فإنه لا يكاد يسمع كلمة «الكفار» إلا أن تكون فلتة على لسان أحدهم ربما يوبخ عليها أو لا يسمح له بالظهور ثانية في وسائل الإعلام. وهذه جزئية من الإسلام الذي يريده لنا الكفار والمنافقون. يريدوننا مدجنين خانعين حريصين على مشاعرهم، بعد أن نكتفي بالجهاد على الإنترنت ) انتهى .

منقول من
هنا [مقال في مجلة الوعي ]
 
فائدة تفيد في الترجيح بين الأقوال

فائدة تفيد في الترجيح بين الأقوال

:
الأشياء التي تقدم على غيرها في الترجيح
قال الشنقيطي رحمه الله - عند تفسيره للحياة الطيبة في آية النحل : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (النحل:97) - : ( وقد تقرر في الأصول: أنه إذا دار الكلام بين التوكيد والتأسيس رجح حمله على التأسيس: وإليه أشار في مراقي السعود جامعاً له مع نظائر يجب فيها تقديم الراجح من الاحتمالين بقوله: كذاك ما قابل ذا اعتلال من التأصل والاستقلال
ومن تأسس عموم وبقا الأفراد والإطلاق مما ينتقي
كذاك ترتيب لإيجاب العمل بماله الرجحان مما يحتمل

ومعنى كلام صاحب المراقي: أنه يقدم محتمل اللفظ الراجح على المحتمل المرجوح،

كالتَّأصل، فإنه يقدم على الزيادة: نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} يحتمل كون الكاف زائدة،
ويحتمل أنها غير زائدة. والمراد بالمثل الذات. كقول العرب: مثلك لا يفعل هذا. يعنون أنت لا ينبغي لك أن تفعل هذا. فالمعنى: ليس كالله شيء. ونظيره من إطلاق المثل وإرادة الذات {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ} أي على نفس القرآن لا شيء آخر مماثل له، وقوله: {مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَـٰتِ لَيْسَ} أي كمن هو في الظلمات.

وكالاستقلال، فإنه يقدَّم على الإضمار. كقوله تعالى: {أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ}. فكثير من العلماء يضمرون قيوداً غير مذكورة فيقولون: أن يقتلو إذا قتلوا، أو يصلبوا إذا قتلوا وأخذوا المال، أو تقطع أيديهم وأرجلهم إذا أخذوا المال ولم يقتلوا.. الخ.
فالمالكية يرجحون أن الإمام مخير بين المذكورات مطلقاً. لأن استقلال اللفظ أرجح من إضمار قيود غير مذكورة. لأن الأصل عدمها حتى تثبت بدليل. كما أشرنا إليه سابقاً (في المائدة)

وكذلك التأسيس يقدم على التأكيد وهو محل الشاهد. كقوله: {فَبِأَىّ ءالاء رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} (في سورة الرحمن)، وقوله: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} (في المرسلات). قيل: تكرار اللفظ فيهما توكيد، وكونه تأسيساً أرجح لما ذكرنا. فتحمل الآلاء في كل موضع على ما تقدم. قيل: لفظ ذلك التكذيب فلا يتكرر منها لفظ. وكذا يقال (في سورة المرسلات) فيحمل على المكذبين بما ذكر، قيل كل لفظ الخ. فإذا علمت ذلك فاعلم ـ أنا إن حملنا الحياة الطيبة في الآية على الحياة الدنيا كان ذلك تأسيساً. وإن حملناها على حياة الجنة تكرر ذلك مع قوله بعده: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم}. لأن حياة الجنة الطيبة هي أجرهم الذي يجزونه.
وقال أبو حيان (في البحر): والظاهر من قوله تعالى: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً} أن ذلك في الدنيا. وهو قول الجمهور. ويدل عليه قوله {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم} يعني في الآخرة.)
 
ما تفسير ( بلغ أشده ) ؟

ما تفسير ( بلغ أشده ) ؟

قال تعالى عن يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ):
قرأت في تفسير اطلعت عليه [ وهو تفسير لأحد الشيعة ]

( وفي اللّغة أيضاً ورد هذا الشيء: أنّ بلوغ الأشدّ يتم إذا ذهبت آثار الصبّاوة بحيث تكون تصرفاته ليست تصرفات الصبي، وهو الوصول إلى سن 17 إلى 18 سنة ويستمر ذلك حتى يكمل العقل ويتم الرشد.

وفي القرآن الكريم توجد آيات من هذا القبيل: {وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}(الإسراء/34) أي حتى يقدر أن يتصرف هو. وفي قضية خضر وموسى عليهما السلام {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا}(الكهف/82). أو في آية أخرى في قضية موسى عليه السلام {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى}(القصص/14) واستوى أي كامل {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(القصص/14).

{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِين سَنَةً}(الأحقاف/15) على أساس هذه الآية ذكر بعض المفسرين أنّ الذي بلغ أشّده يعني الذي بلغ أربعين سنة، وطبّق هذه الآية على سورة يوسف فقال: ولما بلغ أشّده أي صار عمره أربعين سنة.

هذا التفسير باطل، والسبب:

أولاً: إن ظاهر الآية خلاف ذلك حيث أنَّه كان غلاماً ومن ثم انتقل إلى مرحلة البلوغ.

ثانيا: لو كان المقصود أن عمر يوسف صار أربعين سنة عندما بلغ، إذن لكانت امرأة العزيز حينئذٍٍ ربما في السبعينات فهي عجوز أيضاً {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا}.

ثالثا: بالرجوع للآية السابقة التي كُررت بها كلمة {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِين سَنَةً} نعرف أن الذي بلغ أشده غير الذي بلغ أربعين سنة، هذا بلغ أشده وعاش حتى صار عمره أربعين سنة، وليس كل من بلغ أشده بلغ أربعين سنة، بالإضافة إلى الشاهد التي ذكرناها بالنسبة إلى عزيز مصر وامرأة العزيز .

إذن بلغ أشده عندما وصل إلى حد البلوغ.
 
( * فائدة : النفي المحض لا يكون كمالا ، ولهذا في مقامات المدح كل نفي في القرآن فإنه يفيد فائدتين : نفي ذلك النقص المصرح به ، وإثبات ضده ونقيضه ; فيدخل في هذا أشياء كثيرة أعظمها أنه أثنى على نفسه بنفي أمور كثيرة تنافي كماله ، نفي الشريك في مواضع متعددة فيقتضي توحُّده بالكمال المطلق ، وأنه لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته ، وسبح نفسه في مواضع ، وأخبر في مواضع عن تسبيح المخلوقات ، والتسبيح تنزيه الله عن كل نقص ، وعن أن يماثله أحد ، وذلك يدل على كماله ، ونفى عن نفسه الصاحبة والولد ، ومكافأة أحد ومماثلته ، وذلك يدل على كماله المطلق وتفرُّده بالوحدانية والغنى المطلق والملك المطلق ، ونفى عن نفسه السِّنَةَ والنوم والموت ؛ لكمال حياته وقيوميته ، ونفى كذلك الظلم في مواضع كثيرة ، وذلك يدل على كمال عدله وسعة فضله ، ونفى أن يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أو يعجزه شيء ؛ وذلك لإحاطة علمه وكمال قدرته ، ونفى العبث في مخلوقاته وفي شرعه ؛ وذلك لكمال حكمته .
وهذه فائدة عظيمة فاحفظها في خزانة قلبك ، فإنها خير الكنوز وأنفعها .)

من كتاب : تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير الفرآن لابن سعدي .
 
إشكال وجوابه

إشكال وجوابه

[align=justify]قرأت في مقدمة تفسير الشوكاني فتح القدير ما نصه : ( واعلم أن الأحاديث في فضائل القرآن كثيرة جداً، ولا يتم لصاحب القرآن ما يطلبه من الأجر الموعود به في الأحاديث الصحيحة حتى يفهم معانيه فإن ذلك هو الثمرة من قراءته .)

وقد أشكل عليّ هذا الكلام؛ لأن فيه نفي حصول الأجر لمن قرأ القرآن وهو لا يفهم المعنى.

ثم وجدت كلاماً للشوكاني نفسه يدل على خلاف ذلك ، حيث قال: ( وأما سؤاله - عافاه الله - عن الذي يقرأ القرآن ولا يعرف معناه كالعوام؛ فنقول: الأجر على تلاوة القرآن ثابت، لكنه إذا كان يتدبر معانيه ويمكنه فهمه فأجر مضاعف، وأما أصل الثواب لمجرد التلاوة فلا شك فيه، والله سبحانه لا يضيع عمل عامل، وتلاوة كتابه من أشرف الأعمال لفاهم وغير فاهم، وإذا أضاع أحد ما اشتمل عليه القرآن من الأحكام أثم من جهة الإضاعة لا من جهة التلاوة.) انتهى من الفتح الرباني من فتاوى الشوكاي 4/1901 نقلا عن كتاب القرآن لطارق عوض الله ص 215.
[/align]
 
[align=justify]
بسم الله
هذه فوائد متنوعة ، ولطائف متفرقة ، وتنبيهات متعددة متعلقة بالتفسير وأصوله قيدتها أثناء اطلاعي على كتب أهل العلم ، أو انتقيتها مما أجده أثناء تصفحي لبعض المواقع عبر شبكة المعلومات [ الإنترنت] أسأل الله تعالى أن ينفعني بها ، كما أسأله سبحانه أن يجعل فيها الخير والبركة لكاتبها وقارئها . وإلى أول هذه الفوائد :
بينما كنت أقرأ ما ذكره المفسرون حول تفسير قوله تعالى في سورة المائدة 44 : ( يحكم بها النبيون الذين أسلموا ...)
رأيت أن أكثرهم على أن وصف النبيين ب (الذين أسلموا ) فيه مدح لهم ، ثم وقفت على نقل أعجبني كثيراً ، ذكره القاسمي نقلاً عن الناصر ابن المنير في تعليقه على الكشاف .
وحاصل ما ذكره ابن المنير أن جعل الصفة لمدح النبيين ليس بسديد ؛ لأن النبوة أعظم وأخص من الإسلام ، والأصل أن يمدح الإنسان بما يختص به ، لا بما يشاركه فيه آحاد أتباعه .
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فإن الصفة يؤتى بها أحياناً لمدح الموصوف ، وقد يؤتى بها لتشريف الصفة ، وبيان أهميتها .
ووصف النبيين هنا بالذين أسلموا من النوع الثاني ، فهي لبيان شرف الإسلام بكونه دين هؤلاء النبيين عليهم السلام .
وهذا على حد قول الشاعر :
ما إن مدحت محمداً بقصيدتي *** لكن مدحت قصيدتي بمحمدِ
ثم وجدت المفسر المتميز ابن عاشور قد ذكر هذا المعنى مختصراً في التحرير والتنوير .
وحتى تظهر قيمة هذه اللطيفة التفسيرية اللغوية أنصح القراء الكرام بالرجوع إلى محاسن التأويل للقاسمي

وهذا نص ما أورده القاسمي في تفسيره: ( قال الزمخشريّ : قوله تعالى : { الَّذِينَ أَسْلَمُواْ } صفة أجريت على النبيين على سبيل المدح . كالصفات الجارية على القديم سبحانه . لا للتفصلة والتوضيح . وأريد بإجرائها التعريض باليهود ، وأنهم بعداء من ملة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم في القديم والحديث ، وأن اليهودية بمعزل منها . انتهى .
قال الناصر في " الانتصاف " : وإنما بعثه على حمل هذه الصفة على المدح دون التفصلة والتوضيح ، أنَّ الأنبياء لا يكونون إلا متّصفين بها . فذكر النبوّة يستلزم ذكرها . فمن ثَمَّ حمله على المدح ، وفيه نظر؛ فإن المدح إنما يكون غالباً بالصفات الخاصة التي يميّز بها الممدوح عمن دونه . والإسلام أمر عام يتناول أمم الأنبياء ومتبعيهم كما يتناولهم . ألا ترى أنه لا يحسن في مدح النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقتصر على كونه رجلاً مسلماً ؟ فإن أقل متبعيه كذلك .

فالوجه - والله أعلم - أن الصفة قد تذكر للعظم في نفسها ولينوّه بها إذا وصف لها عظيم القدر . كما يكون ثبوتها بقدر موصوفها . فالحاصل أنه كما يراد إعظام الموصوف بالصفة العظيمة قد يراد إعظام الصفة بعظم موصوفها . وعلى هذا الوصف جرى وصف الأنبياء بالصلاح في قوله تعالى : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] . وأمثاله . تنويهاً بمقدار الصلاح؛ إذ جُعِل صفةَ الأنبياء ، وبعثاً لآحاد الناس على الدأب في تحصيل صفته . وكذلك قيل في قوله تعالى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } [ غافر : 7 ] . فأخبر ، عن الملائكة المقربين ، بالإيمان . تعظيماً لقدر الإيمان وبعثاً للبشر على الدخول فيه ، ليساووا الملائكة المقربين في هذه الصفة . وإلاّ فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنون ليس إلاّ . ولهذا قال : { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } يعني من البشر لثبوت حقّ الأخوة في الإيمان بين الطائفتين.
فكذلك - والله أعلم - جرى وصف الأنبياء في هذه الآية بالإسلام تنويهاً به . لقد أحسن القائل في أوصاف الأشراف ، والناظم في مدحه صلى الله عليه وسلم :
[align=center]~فلئن مدحتُ محمداً بقصيدتي ***** فلقد مدحتُ قصيدتي بمحمّدِ[/align]

والإسلام ، وإن كان من اشرف الأوصاف ، إذ حاصله معرفة الله تعالى بما يجب له ويستحيل عليه ويجوز في حقه ، إلاَّ أن النبوة أشرف وأجلّ ، لاستعمالها على عموم الإسلام مع خواص المواهب التي لا تسعها العبارة . فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة في ذكر الإسلام بعد النبوة ، في سياق المدح ، لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف في الكتاب العزيز ، وفي كلام العرب الفصيح ، وهو الترقي من الأدنى إلى الأعلى ، لا النزول على العكس . ألا ترى أن أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع في قوله :
[align=center]~شمس ضحاها هلال ليلتها *** درّ تقاصيرها زبرجدها ![/align]
فنزل عن الشمس إلى الهلال ، وعن الدر إلى الزبرجد في سياق المدح . فمضغت الألسن عرض بلاغته ، ومزقت أديم صيغته . فعلينا أن نتدبّر الآيات المعجزات ، حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوّها في البلاغة المعهود لها . والله الموفق
.) انتهى من تفسير القاسمي

وأما نص عبارة ابن عاشور فهو: ( فالمراد بالّذين أسلموا الّذين كان شرعهم الخاصّ بهم كشرع الإسلام سواء ، لأنّهم كانوا مخصوصين بأحكام غير أحكام عموم أمّتهم بل هي مماثلة للإسلام ، وهي الحنيفية الحقّ ، إذ لا شكّ أنّ الأنبياء كانوا على أكمل حال من العبادة والمعاملة ، ألا ترى أنّ الخمر ما كانت محرّمة في شريعة قبل الإسلام ومع ذلك ما شربها الأنبياء قط ، بل حرّمتها التّوراة على كاهن بني إسرائيل فما ظنّك بالنّبيء . ولعلّ هذا هو المراد من وصيّة إبراهيم لبنيه بقوله : { فلا تموتُنّ إلاّ وأنتم مسلمون } [ البقرة : 132 ] كما تقدّم هنالك . وقد قال يوسف عليه السّلام في دعائه : { توفَّنِي مُسلماً وألْحقني بالصّالحين } [ يوسف : 101 ] . والمقصود من الوصف بقوله : { الّذين أسلموا } على هذا الوجه الإشارة إلى شرف الإسلام وفضله إذ كان دين الأنبياء .) انتهى[/align]
 
{ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى }

{ إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى }

[align=justify]جاء في محاسن التأويل للقاسمي:

( لطيفة :
قال الناصر : في الآية سر بديع من البلاغة ، يسمى قطع النظير عن النظير . وذلك أنه قطع الظمأ عن الجوع ، والضحو عن الكسوة ، مع ما بينهما من التناسب . والغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النعم وتصنيفها , ولو قرن كلا بشكله لتوهم المعدودات نعمة واحدة . وقد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما وحديثا ، فقال الكندي الأول :
[align=center]~كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
~ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل لخيلي : كري كرة بعد إجفال[/align]
فقطع ركوب الجواد عن قوله : لخيلي كري كرة , وقطع تبطن الكاعب عن ترشف الكاس ، مع التناسب . وغرضه أن يعدد ملاذه ومفاخره ويكثرها .
على أن هذه الآية سرا لذلك ، زائدا على ما ذكر ، وهو قصد تناسب الفواصل . ولو قرن الظمأ بالجوع فقيل : إن لك أن لا تجوع فيها ولا تظمأ, لانتثر سلك رؤوس الآي . وأحسن به منتظما . انتهى . وهذا السر الذي سماه : قطع النظير عن النظير يسمى بالوصل الخفي . ومما قيل في وجه القطع : أن فيه التنبيه على أن الأولين ، أعني الشبع والكسوة أصلان . وأن الأخيرين متممان . فالامتنان على هذا أظهر . ولذا فرق بين القرينتين . فقيل إن لك وأنك وأيضا روعي مناسبة الشبع والكسوة . لأن الأول يكسو العظام لحما . وأما الظمأ والضحى فمن واد واحد . وقيل : إن الغرض تعديد هذه النعم . ولو قرن كل بما يشاكله ، لتوهم المقرونان نعمة واحدة .[/align]
 
عودة
أعلى