فوائد من كتاب البدر الطالع للعلامة الشوكاني

إنضم
23/04/2003
المشاركات
805
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الرياض
فوائد من كتاب البدر الطالع للعلامة الشوكاني

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة، والسلام، على نبينا محمد، وآله ، أما بعد:
فكتاب العلامة الإمام المجتهد الشوكاني المسمى البدر الطالع اسم على مسمى ، ويكفيه أن مؤلفه الشوكاني ، وهذا الكتاب مع أنه في التراجم إلا أنه قد حوى فوائد ، ونكتا في العلم مختلفة ، لأن مؤلفه مجتهد متيقظ يسوق من تراجم هؤلاء العلماء ، وأخبارهم ، وما حدث لهم ... مما يحثه على التعليق ، والاستطراد ، والتعقيب ... الخ
ومما لفت انتباهي إنصافه العجيب حتى مع مخالفيه ، ومن جرت بينه وبينه خطوب ... فهو بحق مدرسة لذلك.
وكذلك إعراضه كثيرا عن ذكر ما وقع فيه المترجم ، من بدع ، ومخالفات في العقيدة ... فلينتبه لذلك.
والكتاب غني بمادة تأريخية عمّا حدث في نجد ، وما جاورها في جزيرة العرب من حروب ، وخطوب أيام انتشار الدعوة السلفية على يد أتباع العلامة المجدد محمد بن عبد الوهاب وهذا مبثوب في عدد من التراجم .
تنبيه: سأنقل الكلام من برنامج التراث، وهو كثير الأخطاء ، وسأصحح ما تيسر ، وأضيف بعض علامات الترقيم أحيانا ، وليس دائم استغلالا للوقت.
تنبيه آخر: سأنقل ما استحسن نقله ، وأضع عنونا لذلك ، وسأقتصر على موضع الشاهد ، وما يعين على فهمه ، وقد يبقى شيء من أراده فليرجع إليه.)
وسأبدأ ببعض الفوائد المتعلقة بالقرآن وعلومه إكراما للشيخ عبد الرحمن الشهري الذي حث على نقل هذه الفوائد.
كلامه على بعض التفاسير

تفسير البقاعي1/20: ومن أمعن النظر في كتاب المترجم له في التفسير الذي جعله في المناسبة بين الآي والسور علم أنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء الجامعين بين علمي المعقول والمنقول وكثيرا ما يشكل على شيء في الكتاب العزيز فأرجع إلى مطولات التفاسير ومختصراتها فلا أجد ما يشفى وأرجع إلى هذا الكتاب فأجد ما يفيد في الغالب..
[وقد ذكرته هناك لكن يزاد هنا] ما جاء في ترجمة محمد بن محمد بن أبي القاسم 2/248: وذكر البقاعي أن صاحب الترجمة هو الذي أرشده إلى ما وضعه في التفسير من المناسبات بين الآيات والسور ، وأنه قال له: الأمر الكلي المفيد بعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو: أنك تنظر الغرض الذي سيقت إليه السورة ، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات ، وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب ، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ماسيتبعه من إشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء العليل بدفع عناء الاستشراف إلى الوقوف عليها فهذا هو: الأمر الكلي على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن ، فإذا فعلت ذلك تبين لك إن شاء الله وجه النظم مفصلا بين كل آية آية في كل سورة سورة والله الهادي.
تفسير ابن كثير1/153: وله تصانيف مفيدة منها التفسير المشهور وهو في مجلدات وقد جمع فيه فأوعى ونقل المذاهب والاخبار والآثار وتكلم بأحسن كلام وأنفسه وهو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها.
في ترجمة العلامة محمد بن إبراهيم الوزير 2/91: وله كتاب جمعه في التفسير النبوي.
في ترجمة ابن النقاش 2/211 : .. وكتابا في التفسير مطولا جدا ، والتزم أن لا ينقل حرفا عن تفسير أحد ممن تقدمه ، قال الصفدي: وكانت طريقته في التفسير غريبة ما رأيت له في ذلك نظيرا .
في ترجمة محمد العامري المعروف بابن الغزي2/252: قال: العالم الكبير المحقق صاحب التفسير الغريب جعله نظما في مائتي ألف بيت وزيادة ، واختصره أيضا نظما ، وقدمه إلى السلطان سليمان بن سليم صاحب الروم فقابله بالإجلال والقبول وطلب علماء الروم ، وعرض عليهم ذلك التفسير ، وقال: ما رأيكم ؟ فقالوا : نجتمع ، ونبذل النصيحة فإن وجدنا فيه زيادة ، أو نقصانا ، أو تبديلا في القرآن العظيم في حروفه أو شكله رفعنا ذلك إليكم ، واستحق ما يقتضيه الشرع ، وإن وجدناه على سنن الاستقامة ؛ استحق مؤلفه الجائزة والكرامة لأنه قد فعل في زمنك ما لم يفعله غيره . فقال لهم السلطان: أنتم مُقَلَّدُون في هذا الشأن . فتأملوه حرفا حرفا فلم يجدوا فيه تحريفا ، ولا تغييرا ، ولا تكلفا ، ولا تعسفا فقضوا من ذلك العجب ، وأخبروا السلطان فأعظم جائزته.
تفسير أبي السعود 1/261: وله تصانيف منها التفسير المشهور عند الناس بأبي السعود في مجلدين ضخمين سماه إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم وهو من أجل التفاسير وأحسنها وأكثرها تحقيقا وتدقيقا.
في ترجمة 2/269 محمد بن مصلح المعروف بشيخ زاده وهو مؤلف حاشية تفسير البيضاوي في ستة مجلدات بعبارات واضحة جلية ينتفع بها المبتدئ.
في ترجمة المطهر بن علي الضمدي 2/310 : مؤلف التفسير المسمى بالفرات ، وهو تفسير مفيد جدا مع اختصاره يدل على قوة ملكة صاحب الترجمة في العلوم ، ورسوخ قدمه في فنون عدة.

يتبع إن شاء الله
 
Re: فوائد من كتاب البدر الطالع للعلامة الشوكاني

كاتب الرسالة الأصلية : عبدالرحمن السديس
فوائد من كتاب البدر الطالع للعلامة الشوكاني


في ترجمة محمد العامري المعروف بابن الغزي2/252: قال: العالم الكبير المحقق صاحب التفسير الغريب جعله نظما في [mark=FFFF00]مائتي ألف بيت وزيادة [/mark]، واختصره أيضا نظما ، وقدمه إلى السلطان سليمان بن سليم صاحب الروم فقابله بالإجلال والقبول وطلب علماء الروم ، وعرض عليهم ذلك التفسير ، وقال: ما رأيكم ؟ فقالوا : نجتمع ، ونبذل النصيحة فإن وجدنا فيه زيادة ، أو نقصانا ، أو تبديلا في القرآن العظيم في حروفه أو شكله رفعنا ذلك إليكم ، واستحق ما يقتضيه الشرع ، وإن وجدناه على سنن الاستقامة ؛ استحق مؤلفه الجائزة والكرامة لأنه قد فعل في زمنك ما لم يفعله غيره . فقال لهم السلطان: أنتم مُقَلَّدُون في هذا الشأن . فتأملوه حرفا حرفا فلم يجدوا فيه تحريفا ، ولا تغييرا ، ولا تكلفا ، ولا تعسفا فقضوا من ذلك العجب ، وأخبروا السلطان فأعظم جائزته.

.


سبحان الله
 
كلامه عن علماء اليمن ، وعن التقليد ، والاجتهاد :
في ترجمة العلامة محمد بن إبراهيم الوزير مؤلف كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم في الرد على الزيدية 2/83: ولا ريب أن علماء الطوائف لا يكثرون العناية بأهل هذه الديار لاعتقادهم في الزيدية مالا مقتضى له إلا مجرد التقليد لمن لم يطلع على الأحوال فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عددا يجاوز الوصف يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية وما يلتحق بها من دواوين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام ولا يرفعون إلى التقليد رأسا لا يشوبون دينهم بشيء من البدع التي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله مع كثرة اشتغالهم بالعلوم التي هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة وعدم إخلالهم بما عدا ذلك من العلوم العقلية ولو لم يكن لهم من المزية إلا التقيد بنصوص الكتاب والسنة وطرح التقليد فإن هذه خصيصة خص الله بها أهل هذه الديار في هذه الأزمنة الأخيرة ولا توجد في غيرهم إلا نادرا ، ولا ريب أن في سائر الديار المصرية والشامية من العلماء الكبار من لا يبلغ غالب أهل ديارنا هذه إلى رتبته ولكنهم لا يفارقون التقليد الذي هو دأب من لا يعقل حجج الله ورسوله ، ومن لم يفارق التقليد لم يكن لعلمه كثير فائدة ، وإن وجد منهم من يعمل بالأدلة ، ويدع التعويل على التقليد فهو القليل النادر كابن تيمية وأمثاله .
وإني لأكثر التعجب من جماعة من أكابر العلماء المتأخرين الموجودين في القرن الرابع ، وما بعده كيف يقفون على تقليد عالم من العلماء ، ويقدمونه على كتاب الله وسنة رسوله ، مع كونهم قد عرفوا من علم اللسان ما يكفى في فهم الكتاب والسنة بعضه ، فإن الرجل إذا عرف من لغة العرب ما يكون به فاهما لما يسمعه منها صار كأحد الصحابة الذين كانوا في زمنه صصص وآله وسلم ، ومن صار كذلك وجب عليه التمسك بما جاء به رسول الله صصص وآله وسلم ، وترك التعويل على محض الآراء ، فكيف بمن وقف على دقائق اللغة وجلايلها أفرادا وتركيبا وإعرابا وبناء ، وصار في الدقائق النحوية والصرفية والأسرار البيانية والحقائق الأصولية بمقام لا يخفى عليه من لسان العرب خافية ، ولا يشذ عنه منها شاذة ولا فاذة ، وصار عارفا بما صح عن رسول الله صصص وآله وسلم في تفسير كتاب الله ، وما صح عن علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمنه وأتعب نفسه في سماع دوادين السنة التي صنفتها أئمة هذا الشأن في قديم الأزمان ، وفيما بعده فمن كان بهذه المثابة كيف يسوغ له أن يعدل عن آية صريحة أو حديث صحيح إلى رأى رآه أحد المجتهدين حتى كأنه أحد العوام الأعتام الذين لا يعرفون من رسوم الشريعة رسما فيالله العجب إذا كانت نهاية العالم كبدايته ، وآخر أمره كأوله فقل لي أي فائدة لتضييع الأوقات في المعارف العلمية ؟ فإن قول إمامه الذي يقلده هو كان يفهمه قبل أن يشتغل بشيء من العلوم سواه ، كما نشاهده في المقتصرين على علم الفقه ، فإنهم يفهمونه بل يصيرون فيه من التحقيق إلى غاية لا يخفى عليهم منه شيء ويدرسون فيه ويفتون به ، وهم لا يعرفون سواه ، بل لا يميزون بين الفاعل والمفعول ! والذي أدين الله به أنه لا رخصة لمن علم من لغة العرب ما يفهم به كتاب الله ، بعد أن يقيم لسانه بشيء من علم النحو والصرف ، وشطر من مهمات كليات أصول الفقه في ترك العمل بما يفهمه من آيات الكتاب العزيز ثم إذا انضم إلى ذلك الإطلاع على كتب السنة المطهرة التي جمعها الأئمة المعتبرون وعمل بها المتقدمون والمتأخرون كالصحيحين ، وما يلتحق بهما مما التزم فيه مصنفوه الصحة أو جمعوا فيه بين الصحيح وغيره مع البيان لما هو صحيح ولما هو حسن ولما هو ضعيف وجب العمل بما كان كذلك من السنة ، ولا يحل التمسك بما يخالفه من الرأي سواء كان قائله واحدا ، أو جماعة أو الجمهور ، فلم يأت في هذه الشريعة الغراء ما يدل على وجوب التمسك بالآراء المتجردة عن معارضة الكتاب أو السنة ، فكيف بما كان منها كذلك ؟ بل الذي جاءنا في كتاب الله على لسان رسول الله صصص (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) إلى غير ذلك ، وصح عن رسول الله صصص أنه قال: "كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد ".
فالحاصل أن من بلغ في العلم إلى رتبة يفهم بها تراكيب كتاب الله ، ويرجح بها بين ما ورد مختلفا من تفسير السلف الصالح ويهتدي به إلى كتب السنة التي يعرف بها ما هو صحيح وما ليس بصحيح فهو مجتهد لا يحل له أن يقلد غيره كائنا من كان في مسألة من مسائل الدين بل يستروى النصوص من أهل الرواية ، ويتمرن في علم الدراية بأهل الدراية ، ويقتصر من كل فن على مقدار الحاجة .
والمقدار الكافي من تلك الفنون هو: ما يتصل به إلى الفهم والتمييز ، ولا شك أن التبحر في المعارف ، وتطويل الباع في أنواعها هو خير كله لا سيما الاستكثار من علم السنة ، وحفظ المتون ، ومعرفة أحوال رجال الإسناد ، والكشف عن كلام الأئمة في هذا الشأن ، فإن ذلك مما يوجب تفاوت المراتب بين المجتهدين لا أنه يتوقف الاجتهاد عليه.
فإن قلتَ: ربما يقف على هذا الكلام من هو متهيء لطلب العلم فلا يدري بما ذاك يشتغل ، ولا يعرف ما هو الذي إذا اقتصر عليه في كل فن بلغ إلى رتبة الاجتهاد ، والذي يجب عليه عنده العمل بالكتاب والسنة ؟
قلتُ: لا يخفى عليك أن القرائح مختلفة والفطن متفاوتة ، والأفهام متباينة ، فمن الناس من يرتفع بالقليل إلى رتبة علية ، ومن الناس من لا يرتفع من حضيض التقصير بالكثير ، وهذا معلوم بالوجدان . ولكني ههنا أذكر ما يكتفي به من كان متوسطا بين الغايتين ؛ فأقول: يكفيه من علم مفردات اللغة مثل القاموس ، وليس المراد إحاطته به حفظا ، بل المراد الممارسة لمثل هذا الكتاب ، أو ما يشابهه على وجه يهتدي به إلى وجدان ما يطلبه منه عند الحاجة .
ويكفيه في النحو مثل الكافية لابن الحاجب ، والألفية وشرح مختصر من شروحها .
وفي الصرف مثل الشافية ، وشرح من شروحها المختصرة مع أن فيها مالا تدعو إليه حاجة .
وفي أصول الفقه مثل جمع الجوامع ، والتنقيح لابن صدر الشريعة ، والمنار للنسفي ، أو مختصر المنتهى لابن الحاجب ، أو غاية السول لابن الإمام ، وشرح من شروح هذه المختصرات المذكورة ، مع أن فيها جميعها ما لا تدعو إليه حاجة ، بل غالبها كذلك ، ولا سيما تلك التدقيقات التي في شروحها ، وحواشيها فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزل ، ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلوم أخرى خارجة عن العلوم الشرعية ثم استعملها في العلوم الشرعية ، فجاء من بعده فظن أنها من علوم الشريعة ، فبعدت عليه المسافة ، وطالت عليه الطرق فربما بات دون المنزل ، ولم يبلغ إلى مقصده ، فإن وصل بذهن كليل ، وفهم عليل ؛ لأنه قد استفرغ قوته في مقدماته ، وهذا مشاهد معلوم فإن غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضي أعمارهم في تحقيق الآلات ، وتدقيقها ومنهم من لا يفتح كتابا من كتب السنة ، ولا سفرا من أسفار التفسير ، فَحَالُ هذا كحالِ من حصل الكاغد [يعني الورق] ، والحبر ، وبرى أقلامه ، ولاك دواته ، ولم يكتب حرفا ! فلم يفعل المقصود ؛ إذ لا ريب أن المقصود من هذه الآلات هو الكتابة ، كذلك حالُ من قبله ، ومن عرف ما ذكرناه سابقا [يعني من اللغة والنحو ...] لم يحتج إلى قراءة كتب التفسير على الشيوخ ؛ لأنه قد حصل ما يفهم به الكتاب العزيز ، وإذا أشكل عليه شيء من مفردات القرآن رجع إلى ما قدمنا من أنه يكفيه من علم اللغة ، وإذا أشكل عليه إعراب فعنده من علم النحو ما يكفيه ، وكذلك إذا كان الإشكال يرجع إلى علم الصرف ، وإذا وجد اختلافا في تفاسير السلف التي يقف عليها مطالعة فالقرآن عربي ، والمرجع لغة العرب فما كان أقرب إليها فهو أحق مما كان أبعد ، وما كان من تفاسير الرسول صصص فهو مع كونه شيئا يسيرا موجود في كتب السنة ، ثم هذا المقدار الذي قدمنا يكفي في معرفة معاني متون الحديث ، وأما ما يكفيه في معرفة كون الحديث صحيحا أو غير صحيح فقد قدمنا الإشارة إلى ذلك ونزيده إيضاحا فنقول: إذا قال إمام من أئمة الحديث المشهورين بالحفظ والعدالة ، وحسن المعرفة أنه لم يذكر في كتابه إلا ما كان صحيحا ، وكان ممن مارس هذا الشأن ممارسة كلية كصاحبي الصحيحين و بعدهما صحيح ابن حبان ، وصحيح ابن خزيمة ونحوهما ؛ فهذا القول مسوغ للعمل بما وجد في تلك الكتب ، وموجب لتقديمه على التقليد ، وليس هذا من التقليد لأنه عمل برواية الثقة ، والتقليد عمل برأيه ، وهذا الفرق أوضح من الشمس ، وإن التبس على كثير من الناس ، وأما ما يدندن حوله أرباب علم المعاني والبيان من اشتراط ذلك ، وعدم الوقوف على حقيقة معاني الكتاب والسنة بدونه ، فأقول: ليس الأمر كما قالوا ؛ لأن ما تمس الحاجة إليه في معرفة الأحكام الشرعية قد أغنى عنه ما قدمنا ذكره من اللغة والنحو ، والصرف ، والأصول والزائد عليه ، وإن كان من دقائق العربية ، وأسرارها و مما له مزيد تأثير في معرفة بلاغة الكتاب العزيز ، لكن ذلك أمر وراء ما نحن بصدده ، وربما يقول قائل: بأن هذه المقالة مقالة من لم يعرف ذلك الفن حق معرفته . وليس الأمر كما يقول ، فإني قد شغلت برهة من العمر في هذا الفن فمنه ما قعدت فيه بين أيدي الشيوخ كشرح التلخيص المختصر ، وحواشيه ، وشرحه المطول ، وحواشيه ، وشرحه الأطول ، ومنه ما طالعته مطالعة متعقب ، وهو ماعدا ما قدمته ، وقد كنت أظن في مبادىء طلب هذا الفن ما يظنه هذا القائل ، ثم قلتُ ما قلتُ عن خبرة وممارسة وتجريب و الزمخشري وأمثاله وإن رغبوا في هذا الفن فذلك من حيث كون له مدخلا في معرفة البلاغة كما قدمنا .
وهذا الجواب الذي ذكرته ههنا هو الجواب عن المعترض في سائر ما أهملته مما يظن أنه معتبر في الاجتهاد ، ومع ذلك كله فلسنا إلا بصدد بيان القدر الذي يجب عنده العمل بالكتاب والسنة و إلا فنحن ممن يرغب الطلبة في الاستكثار من المعارف العلمية على اختلاف أنواعها ، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، ومن رام الوقوف على ما يحتاج إليه طالب العلم من العلوم على التفصيل ، والتحقيق فليرجع إلى الكتاب الذي جمعته في هذا وسميته "أدب الطلب ومنتهى الأرب" فهو كتاب لا يستغني عنه طالب الحق ، على أني أقول بعد هذا: إن من كان عاطلا عن العلومِ الواجبُ عليه أن يسأل من يثق بدينه وعلمه ، عن نصوص الكتاب والسنة في الأمور التي تجب عليه من عبادة أو معاملة وسائر ما يحدث له فيقول لمن يسأله: علمني أصح ما ثبت في ذلك من الأدلة حتى أعمل به . وليس هذا من التقليد في شيء ، لأنه لم يسأله عن رأيه ، بل عن روايته ، ولكنه لما كان لجهله لا يفطن ألفاظ الكتاب والسنة ، وجب عليه أن يسأل من يفطن ذلك ، فهو عامل بالكتاب والسنة بواسطة المسؤل .
ومن أحرز ما قدمنا من العلوم عمل بها بلا واسطة في التفهيم ، وهذا يقال له مجتهد والعامي المعتمد على السؤال ليس بمقلد ، ولا مجتهد بل عامل بدليل بواسطة مجتهد يفهمه معانيه ، وقد كان غالب السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم الذين هم خير القرون من هذه الطبقة ، ولا ريب أن العلماء بالنسبة إلى غير العلماء أقل قليل ، فمن قال: إنه لا واسطة بين المقلد والمجتهد . قلنا له: قد كان غالب السلف الصالح ليسوا بمقلدين ولا مجتهدين ، أما كونهم ليسوا بمقلدين فلأنه لم يسمع عن أحد من مقصري الصحابة أنه قلد عالما من علماء الصحابة المشاهير بل كان جميع المقصرين منهم يستروون علمائهم نصوص الأدلة ، ويعملون بها ، وكذلك من بعدهم من التابعين ، وتابعيهم . ومَن قال: إن جميع الصحابة مجتهدون ، وجميع التابعين وتابعيهم ؛ فقد أعظم الفرية ، وجاء بما لا يقبله عارف . وهذه المذاهب والتقليدات التي معناها قبول قول الغير دون حجة لم تحدث إلا بعد انقراض خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.
وخير الأمور السالفات على الهدى **** وشر الأمور المحدثات البدائع
وإذا لم يسع غير العالم في عصور الخلف ، ما وسعه في عصور السلف ؛ فلا وسع الله عليه.
المذهب الظاهري ليس وهو مذهب داود ، وأتباعه فقط !
في ترجمة أبي حيان 2/290 : قال ابن حجر كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه. انتهى.
ولقد صدق في مقاله فمذهب الظاهر هو أول الفكر آخر العمل عند من منح الإنصاف ، ولم يرد على فطرته ما يغيرها عن أصلها ، وليس وهو مذهب داود الظاهري وأتباعه فقط ، بل هو مذهب أكابر العلماء المتقيدين بنصوص الشرع من عصر الصحابة إلى الآن ، وداود واحد منهم ، وإنما اشتهر عنه الجمود في مسائل وقف فيها على الظاهر حيث لا ينبغي الوقوف ، وأهمل من أنواع القياس مالا ينبغي لمنصف إهماله ، وبالجملة فمذهب الظاهر ، وهو العمل بظاهر الكتاب والسنة بجميع الدلالات ، وطرح التعويل على محض الرأي الذي لا يرجع إليهما بوجه من وجوه الدلالة ، وأنت إذا أمعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه ، بل إذا رزقت الإنصاف ، وعرفت العلوم الاجتهادية كما ينبغي ، ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهريا أي عاملا بظاهر الشرع منسوبا إليه ، لا إلى داود الظاهري فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة وهذه النسبة هي مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام وإلى خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات التسليم ، وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذي أوضحناه أشار ابن حزم بقوله:
وما أنا إلا ظاهري وإنني *** على ما بدا حتى يقوم دليل .

لا خير في علمِ مَنْ لا يعرف علم الحديث:
وقال 2/262: وقال المقري في عقوده: كان يسلك طريقا من الورع فيسمح في أشياء يحمله عليها بعده عن معرفة السنن والآثار ، وانحرافه عن الحديث ، وأهله بحيث كان ينهى عن النظر في كلام النووي ، ويقول: هو ظاهري ، ويحض على كتب الغزالي انتهى.
ومن هذه الحيثية قال في ابن تيمية ما قال [تكفيره و..]، وليس في علم إنسان خير إذا كان لا يعرف علم الحديث ، وإن بلغ في التحقيق إلى ما ينال.
رأيه في كتاب البدر التمام
وقال 1/230 في ترجمة الحسين المغربي: وهو مصنف "البدر التمام شرح بلوغ المرام " وهو شرح حافل نقل ما في التلخيص من الكلام على متون الأحاديث وأسانيدها ثم إذا كان الحديث في البخاري نقل شرحه من فتح الباري وإذا كان في صحيح مسلم نقل شرحه من شرح النووي ، وتارة ينقل من شرح السنن لابن رسلان ، ولكنه لا ينسب هذه النقول إلى أهلها غالبا مع كونه يسوقها باللفظ ، وينقل الخلافات من البحر الزخار للإمام المهدي أحمد بن يحيى ، وفي بعض الأحوال من نهاية ابن رشد ، ويترك التعرض للترجيح في غالب الحالات ، وهو ثمرة الاجتهاد ، وعلى كل حال فهو شرح مفيد .
رأيه في كتاب فصول البدائع في أصول الشرائع
وفي ترجمة محمد الفنادي 2/266: وهو مصنف فصول البدائع في أصول الشرائع جمع فيه المنار والبزدوي ومحصول الإمام الرازي ومختصر ابن الحاحب وغير ذلك وأقام في عمله ثلاثين سنة ، وهو من أجل الكتب الأصولية ، وأنفعها وأكثرها فوائد.
وقال عنه أيضا : وله منظومة في عشرين فنا أتى في كل فن بمسألة ، وغير أسماء تلك الفنون بطرق الألغاز امتحانا لفضلاء دهره ، ولم يقدروا على تعيين فنونها فضلا عن حل مسائلها مع أنه قال: إنه عمل ذلك في يوم ! وقد حلها ابنه محمد ، وكتب منظومة يتضمن الجواب على منظومة والده.
من مواقفه : ومن تصلبه في الدين وتثبته في القضاء أنه رد شهادة سلطان الروم في قضية فسأله السلطان عن سبب ذلك ؟ فقال: إنك تارك للجماعة. فبنى السلطان قدام قصره جامعا ، وعين لنفسه فيه موضعا ، ولم يترك الجماعة بعد ذلك. فلله در هذا العالم الصادع بالحق مع ما هو فيه من التقلب في نعمة سلطانه التي سمعت بعض وصفها ، ورب عالم لا يقدر على الكلمة الواحدة في الحق لمن له عليه أدنى نعمة مخافة من زوالها ، بل رب عالم يمنعه رجاء العطية ، ونيل الرتبة السنية عن التكلم بالحق ، ولم يكن بيده إلا مجرد الأماني الأشعبية ، ورحم الله هذا السلطان الذي سمع الحق فاتبع ، ولم تصده سورة الملك وما هو فيه من سلطان الذي كاد يطبق الأرض عن قبول ذلك وهذا السلطان المرحوم هو السلطان بايزيد بن مراد .
 
نظم زاد المعاد ، وشرحه
وقال في ترجمة الحسن بن إسحاق 1/194: وصنف تصانيف منها منظومة الهدي النبوي لابن القيم ثم شرحها شرحا نفيسا.
تأثير التلميذ بشيخه ، وتبني أقواله
وقال في ترجمة السخاوي 2/187 : وقد غلبت عليه محبة شيخه الحافظ ابن حجر فصار لا يخرج عن غالب أقواله ، كما غلبت على ابن القيم محبة شيخه ابن تيمية ، وعلى الهيثمي محبة شيخه العراقي.
لم يأخذ القراءات عن شيخ !
في ترجمة السيوطي 1/330 : من العلوم التي عنده ...: ودونها القراءات ولم آخذها عن شيخ .
لا نامت أعين الكسالى
في ترجمة 1/265 سليمان بن إبراهيم العكي الزبيدي التعزي
وأخذ عنه الناس طبقة بعد طبقة ، وارتحلوا إليه من الأفاق ، وتتلمذ له مالا يحيط به الحصر حدث عن نفسه أنه : قرأ البخاري أكثر من خمسين مرة.
لا تقل كبرت ، ولا أقدر على طلب العلم
في ترجمة أحمد بن علي الصنعاني 1/82 : اشتغل بطلب العلم بعد أن قارب الخمسين من عمره ، ثم قرأ عليّ في النحو والصرف ، والمنطق والمعاني والبيان ، والحديث ، والتفسير وأدرك إدراكا كاملا ، لاسيما في العلوم الآلية.
من يقوى على مناظرة ابن تيمية
في ترجمة أحمد بن نجم الدين ابن الرفعة 1/115 : واشتهر بالفقه إلى أن صار يضرب به المثل وكان إذا أطلق الفقيه انصرف إليه بغير مشارك ... وكان قد ندب لمناظرة ابن تيمية ، وسئل ابن تيمية عنه بعد ذلك ؟ فقال: رأيت شيخا يتقاطر فقه الشافعية من لحيته هكذا ذكر ابن حجر في الدرر .
وندب صاحب الترجمة لمناظرة ابن تيمية لا يفعله إلا من لا يفهم ، ولا يدرى بمقادير العلماء فابن تيمية هو ذلك الإمام المتبحر في جميع المعارف على اختلاف أنواعها ، وأين يقع صاحب الترجمة منه ، وماذا عساه يفعل في مناظرته ؟! اللهم إلا أن تكون المناظرة بينهما في فقه الشافعية ؛ فصاحب الترجمة أهل للمناظرة ، وأما فيما عدا ذلك فلا يقابل ابن تيمية بمثله إلا من لا يفهم ، ولعل النادب له بعض أولئك الأمراء الذين كانوا يشتغلون بما لا يعنيهم من أمر العلماء كسلار ، وبيبرس ، و أضرابهما ، ولا ريب أن صاحب الترجمة غير مدفوع عن تقدمه في فقه الشافعية ، ولكن لا مدخل للمناظرة فيه بين مجتهد ومقلد.
حادثة عجيبة !
[بعد أن ذكر اثنين من المعمرين تجاوزت أعمارهم مائة وعشرون عاما..قال:]ومما يحسن ذكره هنا أن رجلا يقال له: حسين عامر الداغية من بلاد الحدا بلغ في العمر إلى نحو تسعين سنة ، ثم ظهر برأسه قرنان كقرون المعز فوق أذنيه ، وانعطفا على أذنيه ، وشاعت الأخبار بذلك إلى أن بلغت إلينا إلى مدينة صنعاء ، وكان المخبرون ثقات من أهل العلم ، ثم لما بلغ الخبر خليفة العصر ـ حفظه الله ـ أرسل رسولا يأتي به ، وكان ذلك باطلاعي ، فرجعت جوابات من شيخ ذلك المحل ، وهو رجل يقال له: سعد مفتاح أن صاحب القرون موجود لديهم بيقين ، ولكنه قطعهما لما تأذى بهما ، ورأيت الجوابات ، ثم تواترت القضية تواترا لم يبق فيه شك.
 
جزاك الله خيرا
سبب تسميته بالكافيجي
في ترجمة محمد بن سليمان 2/171 :
وأكثر من قراءة الكافية لابن الحاجب ، وإقرائها حتى نسب إليها بزيادة جيم كما هي قاعدة الترك في النسب.
وفيها مما يستحسن ما :
قال السيوطي: إنه لازمه أربع عشرة سنة ،وما جاءه مرة إلا وسمع من التحقيقات ، والعجائب ما لم يسمع قبل ذلك. قال: قال لي يوما: ما إعراب زيد قائم ؟ فقلتُ: قد صرنا مقام الصغار نسأل عن هذا ! فقال له: في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا ، فقلتُ: لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها فأخرج لي تذكرتها ، فكتبتها منه.
من يجمع هذه العلوم ؟
في ترجمة محمد بن محمد بن أبي القاسم المشدالي 2/247:
وحفظ بها القرآن وتلا بالسبع .. ، وحفظ شيئا كثيرا من المختصرات ، بل والمطولات
[ثم ساق العلوم التي تعلمها وذكر العلماء الذين أخذ عنهم والعلوم هي]:
العربية ، والنحو ، والصرف ، والعروض ، والمعاني ، والبيان ، والتفسير ، والحديث ، والأصول ، والفقه ، والمنطق ، والميقات ، والحساب ، والجبر ، والمقابلة ، والهيئة ، والمرايا ، والمناظر ، والأوفاق ، والطب والإسطرلاب! ، والصفائح ، والجيوب ، و الإرتماطيقى! ، و الموسيقى ! ، والطلمسات !.
فهذه سبعة وعشرون فنا ، ومع القراءات تكون ثمانية وعشرون فنا .
ومما يستحسن ذكره أيضا قوله:
ودرس الناس في عدة فنون فبهر العقول ، وأدهش الألباب على أسلوب غريب بعبارة جزلة ، وطلاقة كأنها السيل بحيث يكون جهد الفاضل البحاث أن يفهم ما يلقيه ! حتى قال له الطلبة: تنزل لنا في العبارة فإنا لا نفهم جميع ما تقول. فقال: لا تنزلوني إليكم ودعوني أرقيكم إليّ فبعد كذا وكذا ـ مدة حدها ـ تصيرون إلى فهم كلامي ، فكان الأمر كما قال.
ومما يستحسن أيضا قوله :
وكان جماعة من أعيان تلامذته يطالعون الدرس ، ويجتهدون في ذلك غاية الاجتهاد ، حتى يظن بعضهم أنه يفوق عليه ، فإذا وقع الدرس أظهر لهم من المباحث ما لم يخطر لهم ببال ! مع امتحانهم له مرارا فيجدونه في خلوته نائما غير مكترث بمطالعة ، ولا غيرها.اهـ
أقول: أين من يقدر على مثل ذلك ، ولو مع طول التحضير ، والمطالعة ؟
ولعلي أختم بما :
قال البقاعي حضرت درسه بالجامع الأزهر في فقه المالكية ، فظهر لي أنني ما رأيت مثله ، ولا رأى هو مثل نفسه ، وأن من لم يحضر درسه لم يحضر العلم ، ولا سمع كلام العرب ، ولا رأى الناس ، بل ولا خرج إلى الوجود .
وقال ابن الهمام: هذا الرجل لا ينتفع بكلامه ، ولا ينبغي أن يحضر درسه إلا حذاق العلماء .

من يستحق لفظ العلامة
في ترجمة محمود بن مسعود قطب الدين الشيرازي الشافعي 2/299
ولقبه عند الفضلاء "الشارح العلامة " .. وقد استمر على تعظيمه من بعدهم حتى صار العلامة إذا أطلق لا يفهم غيره ، بل جاوز ذلك كثير من المصنفين المتأخرين الذين غالب نظرهم مقصور على مثل علمه ، فقالوا: لا يطلق ذلك في الاصطلاح إلا عليه . ولا عتب عليهم فهم لا يعلمون بالعلوم الشرعية ، حتى يعرفوا مقدار أهلها ، وقد عاصر صاحب الترجمة من أئمة العلم من لا يرتقى هو إلى شيء بالنسبة إليهم ، وكذلك جاء بعد عصره أكابر كما مر بك في هذا الكتاب ، وكما سيأتي ، وأكثرهم أحق بوصفه بالعلامة فضلا عن كونه مستحقا ، وأين يقع من مثل من جمع منهم بين علمي المعقول والمنقول ، وبهر بعلومه الأفهام والعقول ؟!

كلمة عن المجدد المجاهد محمد بن عبد الوهاب
في ترجمة الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد 1/262 :
وصل إليه [محمد بن سعود]الشيخُ العلامة محمد بن عبد الوهاب الداعي إلى التوحيد المنكر على المعتقدين في الأموات ، فأجابه وقام بنصره ، وما زال يجاهد من يخالفه ، وكانت تلك البلاد قد غلبت عليها أمور الجاهلية وصار الإسلام فيها غريبا ـ إلى أن قال ـ ومازال الوافدون من سعود يفدون إلينا إلى صنعاء إلى حضرة الإمام المنصور ، وإلى حضرة ولده الإمام المتوكل بمكاتيب إليهما بالدعوة إلى التوحيد ، وهدم القبور المشيدة ، والقباب المرتفعة ، ويكتب إليّ أيضا مع ما يصل من الكتب إلى الإماميين ، ثم وقع الهدم للقباب ، والقبور المشيدة في صنعاء ، وفي كثير من الأمكنة المجاورة .
وفي 2/7 : وصل من صاحب نجد المذكور [سعود]مجلدان لطيفان أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام حفظه الله أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد ، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور ، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة ، والمجلد الآخر يتضمن الرد على جماعة من المقصرين من فقهاء صنعاء ، وصعدة ذاكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين ، وبجماعة من الصحابة ، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة تدل على أن المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة ، وقد هدم عليهم جميع ما بنوه ، وأبطل جميع ما دونوه ؛ لأنهم مقصرون متعصبون ، فصار ما فعلوه خزيا عليهم ، وعلى أهل صنعاء وصعدة ، وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه.
كلامه على بعض قضاة المالكية :
قال الشوكاني 1/21: وقد امتحن الله أهل تلك الديار بقضاة من المالكية يتجرون على سفك الدماء بما لا يحل به أدنى تعزير فأراقوا دماء جماعة من أهل العلم جهالة وضلالة وجرأة على الله ومخالفة لشريعة رسول الله وتلاعبا بدينه بمجرد نصوص فقهية واستنباطات فروعية ليس عليها أثارة من علم فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقال 1/40 : قال السخاوي: وقع بينه وبين حميد الدين النعماني المنسوب إلى أبي حنيفة والمحكي أنه من ذريته مباحث تسطا فيها عليه وتشاتما بحيث تعدى هذا إلى آبائه ووصل علم ذلك إلى السلطان فأمر بالقبض عليه وسجنه بالبرج ثم ادعى عليه عند قاضى الحنفية ابن الديري وأقيمت البينة بالشتم وبكون المشتوم من ذرية الإمام أبى حنيفة وعزر بحضرة السلطان نحو ثمانين ضربة وأمر بنفيه وأخرج عن تدريس الفقه بالبرقوقيه فاستقر فيه الجلال المحلى اهـ. قلتُ: وقد لطف الله بالمترجم له بمرافعته إلى حاكم حنفي فلو روفع إلى مالكي لحكم بضرب عنقه وقبح الله هذه المجازفات والاستحلال للدماء والأعراض بمجرد أشياء لم يوجب الله فيها إراقة دم ولا هتك عرض فان ضرب هذا العالم الكبير نحو ثمانين جلدة ونفيه وتمزيق عرضه والوضع من شأنه بمجرد كونه شاتم من شاتمه ظلم بين وعسف ظاهر ولا سيما إذا كان لا يدرى بانتساب من ذكر إلى ذلك الإمام..
وقال :1/67 : ولقد أحسن المترجم (ابن تيمية ) له رحمه الله بالتصميم على عدم الإجابة عند ذلك القاضي الجريء (....) ولو وقعت منه الإجابة لم يبعد الحكم بإراقة دم هذا الإمام الذي سمح الزمان به ، وهو بمثله بخيل ولا سيما هذا القاضي من المالكية الذي يقال له ابن مخلوف فإنه من (.....) المتجرئين على سفك دماء المسلمين بمجرد أكاذيب وكلمات ليس المراد بها ما يحملونها عليه وناهيك بقوله أن هذا الإمام قد استحق القتل وثبت لديه كفره ولا يساوى (....) بل لا يصلح لأن يكون (....) وما زال هذا القاضي (....) يتطلب الفرص التي يتوصل بها إلى إراقة دم هذا الإمام فحجبه الله عنه وحال بينه وبينه والحمد لله رب العالمين.
(ما بين القوسين كلام غير جيد لم أستحب نقله ، وهذا نادرا ما يخرج منه)
2/194: وقتله على الصفة المذكورة هو من تلك المجازفات التي صار يرتكبها قضاة المالكية ويريقون بها الدماء المسلمين بلا قرآن ولا برهان .
 
وفي 2/39-37 : (بعد أن ذكر قصيدة له في جواب من سأله عن المتصوفة ورأيه ...وذكر أنه ألف كتابا في ذلك .. ) وقد أوضحت في تلك الرسالة حال كل واحد من هؤلاء وأوردت نصوص كتبهم وبينت أقوال العلماء في شأنهم ، وكان تحرير هذا الجواب في عنفوان الشباب ، وأنا الآن أتوقف في حال هؤلاء ، وأتبرأ من كل ما كان من أقوالهم ، وأفعالهم مخالفا لهذه الشريعة البيضاء الواضحة التي ليلها كنهارها ولم يتعبدني الله بتكفير من صار في ظاهر أمره من أهل الإسلام ، وهب أن المراد بما في كتبهم وما نقل عنهم من الكلمات المستنكرة المعنى الظاهر ، والمدلول العربي وأنه قاض على قائله بالكفر البواح والضلال الصراح ، فمن أين لنا أن قائله لم يتب عنه ؟ ونحن لو كنا في عصره ، بل في مصره ، بل في منزله الذي يعالج فيه سكرات الموت لم يكن لنا إلى القطع بعدم التوبة سبيل ، لأنها تقع من العبد بمجرد عقد القلب ما لم يغرغر بالموت ، فكيف وبيننا وبينهم من السنين عدة مئين ؟
ولا يصح الاعتراض على هذا بالكفار ، فيقال: هذا التجويز ممكن في الكفار على اختلاف أنواعهم ، لأنا نقول فرق بين من أصله الإسلام ، ومن أصله الكفر فإن الحمل على الأصل مع اللبس هو الواجب لاسيما ، والخروج من الكفر إلى الإسلام لا يكون إلا بأقوال ، وأفعال لا بمجرد عقد القلب ، والتوجه بالنية المشتملين على الندم ، والعزم على عدم المعاودة ، فإن ذلك يكفي في التوبة ، ولا يكفي في مصير الكافر مسلما.اهـ.
أقول: لو أضاف القائل إلى كلامه : إن لم يتب من قوله .. ، أو ينسب الكلام للقول ، فيقول: من قال كذا ، وكذا ... فحكمه كذا ..أو نحوه مما هو معلوم ؛ فلعلها تبرأ ذمته إن شاء الله ، فما زال أئمة الدين يبينون أحوال أمثال هؤلاء نصحا لدين الله ، ولعباده ..
ـ إلى أن قال ـ : وفي هذه الإشارة كفاية لمن له هداية وفى ذنوبنا التي قد أثقلت ظهورنا لقلوبنا أعظم شغلة ، وطوبى لمن شغلته عيوبه ، ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه (أقول: أحيانا يدخل في نصيحة المؤمنين وتحذيرهم من هذه المذاهب الرديئة ، وهذا مما يعنيه) فالراحلة التي قد حملت مالا تكاد تنوء به إذا وضع عليها زيادة عليه انقطع ظهرها ، وقعدت على الطريق قبل وصول المنزل ، وبلا شك أن التوثب على ثلب أعراض المشكوك في إسلامهم فضلا عن المقطوع بإسلامهم جراءة غير محمودة ، فربما كذب الظن ، وبطل الحديث ، وتقشعت سحائب الشكوك ، وتجلت ظلمات الظنون ، وطاحت الدقائق وحقت الحقائق ، وأن يوما يفر المرء من أبيه ويشح بما معه من الحسنات على أحبابه ، وذويه لحقيق بأن يحافظ فيه على الحسنات ، ولا يدعها يوم القيامة نهبا بين قوم قد صاروا تحت أطباق الثرى قبل أن يخرج إلى هذا العالم بدهور ، وهو غير محمود على ذلك ، ولا مأجور ، فهذا مالا يفعله بنفسه العاقل ، وأشد من ذلك أن ينثر جراب طاعاته ، وينثل كنانة حسناته على أعدائه غير مشكور بل مقهور ، وهكذا يفعل عند الحضور للحساب بين يدي الجبار بالمغتابين ، والنمامين ، والهمازين ، واللمازين ، فإنه قد علم بالضرورة الدينية أن مظلمة العرض ؛ كمظلمة المال ، والدم ، ومجرد التفاوت في مقدار المظلمة لا يوجب عدم إنصاف ذلك الشيء المتفاوت ، أو بعضه بكونه مظلمة ، فكل واحدة من هذه الثلاث مظلمة لآدمي ، وكل مظلمة لآدمي لا تسقط إلا بعفوه وما لم يعف عنه باق على فاعله يوافي عرصات القيامة ، فقل لي كيف يرجو من ظلم ميتا بثلب عرضه أن يعفو عنه ؟ ومن ذاك الذي يعفو في هذا الموقف ، وهو أحوج ما كان إلى ما يقيه عن النار ، وإذا التبس عليك هذا فانظر ما تجده من الطباع البشرية في هذه الدار ، فإنه لو ألقي الواحد من هذا النوع الإنساني إلى نار من نيار هذه الدنيا ، وأمكنه أن يتقيها بأبيه أو بأمه أو بابنه أو بحبيبه ؛ لفعل ! فكيف بنار الآخرة التي ليست نار هذه الدنيا بالنسبة إليها شيئا ، ومن هذه الحيثية قال بعض من نظر بعين الحقيقة: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت أبي وأمي لأنهما أحق بحسناتي التي تؤخذ منى قسرا وما أحسن هذا الكلام .
ولا ريب أن أشد أنواع الغيبة ، وأضرها ، وأشرها وأكثرها بلاء ، وعقابا ما بلغ منها إلى حد التكفير ، واللعن فإنه قد صح أن تكفير المؤمن كفر ، ولعنه راجع على فاعله ، وسبابه فسق ، وهذه عقوبة من جهة الله سبحانه . وأما من وقع له التكفير ، واللعن ، والسب ، فمظلمة باقية على ظهر المكفر واللاعن والسباب ، فانظر كيف صار المكفر كافرا ، واللاعن ملعونا ، والسباب فاسقا ولم يكن ذلك حد عقوبته ، بل غريمه ينتظر بعرصات المحشر ليأخذ من حسناته ، أو يضع عليه من سيئاته بمقدار تلك المظلمة ، ومع ذلك فلا بد من شيء غير ذلك ، وهو العقوبة على مخالفة النهي لأن الله قد نهى في كتابه ، وعلى لسان رسوله صصص عن الغيبة بجميع أقسامها ، ومخالف النهي فاعل محرم ، وفاعل المحرم معاقب عليه ، وهذا عارض من القول جرى به القلم ، ثم أحجم عن الكلام سائلا من الله حسن الختام.
ومما فاتني أن أنبه عليه كثرة الأشعار ، والمطارحات الأدبية في الكتاب خصوصا مطارحة المؤلف مع معاصريه ، وكذا مطارحات علماء اليمن فالكتاب مليء ولعلي أختم المراد بهذا النقل ففيه عدة فوائد مستحسنة :
في ترجمة السيد صلاح بن أحمد المؤيدي 1/293 قال :
كان من عجائب الدهر وغرائبه فان مجموع عمره تسع وعشرون سنة ، وقد فاز من كل فن بنصيب وافر وصار له في الأدب قصائد طنانة يعجز أهل الأعمار الطويلة عن اللحاق به فيها ، وصنف في هذا العمر القصير التصانيف المفيدة ، والفوائد الفريدة العديدة ، فمن مصنفاته شرح شواهد النحو ، واختصر شرح العباسي لشواهد التلخيص ، وشرح الفصول شرحا حافلا ، وشرح الهداية ففرغ من الخطبة ، وقد اجتمع من الشرح مجلد ، وله مع ذلك ديوان شعر كله غرر ، ودرر ، وفيه معاني مبتكره فمنه
وصغيرة حاولت فض ختامها *** من بعد فرط تحنن وتلطف
وقلبتها نحوي فقالتْ عند ذا *** قلبي يحدثني بأنك متلفي

وهذا تضمين يطرب له الجماد ، وترق لحسنه الصم الصلاد ، ومع هذه الفضائل التي نالها في هذا الأمد القريب ، فهو مجاهد ـ فذكر شيئا من جهاده ثم قال: ـ وغزا إلى جهات متعددة ، وكان منصورا في جميع حروبه ، وكان مجلسه معمورا بالعلماء ، والأدباء ، وأهل الفضائل .
قال القاضي أحمد بن صالح في مطلع البدور: رأيته في بعض الأيام خارجا إلى بعض المنتزهات بصعدة ، فسمعت الرهج ، وحركة الخيل ، فوقفت لأنظر فخرج في نحو خمسة وثلاثين فارسا إلى منتزة ، وهم يتراجعون في الطريق بالأدبيات ، ومنهم من ينشد صاحبه الشعر ، ويستنشده ، وكان هذا دأبه ، وإذا سافر أول ما تضرب خيمة الكتب ، وإذا ضربت دخل إليها ، ونشر الكتب ، والخدم يصلحون الخيم الأخرى ، ولا يزال ليله جميعه ينظر في العلم ، ويحرر ويقرر مع سلامة ذوقه ، وكان مع هذه الجلالة يلاطف أصحابه ، وكتابه بالأدبيات والأشعار السحريات ...
انتهى المراد نقله من هذا الكتاب الجليل ، وقد تركتُ فيه الكثير الكثير . والله أعلم.
 
في ترجمة لطف الباري بن أحمد الصنعاني ص 579 ط: العمري:

وكان صاحب الترجمة: ...

متفردا في أمور منها :
الورع الشحيح ، والاشتغال بخاصة النفس ، والإقبال على العبادة والاستكثار من الطاعة ، وحسن الخلق ، والتواضع ، والبشاش ، والانجماع عن الناس إلا فيما لا بد منه ، وحفظ اللسان عن الهفوات ، والكبوات لاسيما بما فيه تبعة كالغيبة ، والنميمة فإنه لا يحفظ عنه في ذلك شيء بل لا ينطق لسانه إلا بذكر الله ، والتذكير ،
أو بإملاء تفسير كتاب الله ، وأحاديث رسول الله ،
وليس له التفات إلى شيء من أحوال بنى الدنيا ،
ولم يكن له شغلة بسوى أعمال الآخرة.
ولِوَعِظِه في القلوب وقعٌ ، ولكلامه في النفوس تأثير مع فصاحة زائدة ، وحسن سمت ، ورجاحة عقل ، وجمال هيئة ، ونور شيبة ، وملاحة شكل ، وكمال خلقة .
والحاصل:
أنه من محاسن الدهر (!)، ولم يخلف بعده مثله في مجموعه ، وله أتم عناية ، وأكمل رغبة بالعمل بما جاءت به السنة ، والمشي على نمط السلف الصالح ، وعدم التقليد بالرأي ،
وله في حسن التعليم مسلك حسن لا يقدر عليه غيره ، وقد تخرج به جماعة من أكابر العلماء ...

وكان يبذل نفسه في قضاء حوائج من يستعين به ، ويبالغ في ذلك ، ولم يترك طريقا من طرق الخير إلا سلكها ، وفاق فيها.

ووالد صاحب الترجمة: كان من أكابر العلماء أخذ عن جماعة من أهل العلم .. : وكان يحيى الليل بدرس كتاب الله ، وإذا غلبه النوم نام متكئا قليلا ثم يعود للتلاوة .اهـ

أين نحن من بعض هذا ؟!​
 
جزيت خيرا على هذه الفوائد
 
عودة
أعلى