فوائد لغوية يحتاجها أهل التفسير

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
[align=justify][align=center]بسم الله الرحمن الرحيم [/align]

هذه فوائد لغوية متفرقة يحتاجها أهل التفسير، وشرطي ألا أذكر إلا ما يقع فيه لبس عن بعض الدارسين، أو يترتب عليه فائدة في التفسير وبيان معاني الآيات، أو يترتب عليه حكم يحتاج المسلم إليه في العقائد والأحكام والأخلاق.


[align=center]الفائدة الأولى: "إنما" في القرآن وفي كلام العرب[/align]

اشتهر عند كثير من الدارسين وطلبة العلم أن "إنما" تفيد الحصر حيث وقعت، وفي هذا الإطلاق نظر.

وبيان ذلك أن العلماء قد اختلفوا في "إنما " هل تفيد الحصر أو لا ؟
وفي هذه المسألة خلاف بين علماء اللغة والأصول والتفسير، [mark=FFFFCC]ولعل الراجح في معناها ما ذكره ابن عطية بقوله : ( { إنما } لفظ لا تفارقه المبالغة والتأكيد حيث وقع ، ويصلح مع ذلك للحصر ، فإذا دخل في قصة وساعد معناها على الانحصار صح ذلك وترتب كقوله { إنما إلهكم اله واحد } [ الأنبياء : 108 ، فصلت : 6 ] وغير ذلك من الأمثلة ، وإذا كانت القصة لا تتأتى للانحصار بقيت « إنما » للمبالغة والتأكيد فقط ، كقوله عليه السلام « إنما الربا في النسيئة » ، وكقوله « إنما الشجاع عنترة » .) [/mark]انتهى من المحرر الوجيز - (3 / 149) عند تفسيره للآية الثانية من سورة الأنفال، وانظر كتاب جواهر الأدب في معرفة كلام العرب ص446.


تتمة: خصص الجرجاني في كتابه القيم "دلائل الإعجاز" مسائل في "إنما" ، وبين الفرق بين " إنما " و" وما – إلا "، وذكر أن " إنما " وضعت على أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته ، أو لما ينزل هذه المنزلة . ثم فسر ذلك ، وذكر أمثلة له ، ثم قال : ( ومثاله في التنزيل قوله تعالى :" إنما يستجيب الذين يسمعون " وقوله " إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب " وقوله :" إنما أنت منذر من يخشاها "
كل ذلك تذكير بأمر ثابت معلوم .... ) إلخـــــ..... كلامه انظر كتاب دلائل الاعجاز ( ص335 وما بعدها)
وما ذكره من مسائل جدير بالقراءة والتأمل.[/align]
 
"القانع والمعتر"

"القانع والمعتر"

[align=justify]القانع اسم فاعل من "قَنَعَ" بمعنى سأل، وليس من "قَنِع" بمعنى رضي واكتفى بما عنده.
والمعتر: اسم فاعل من اعترّ، إذا تعرّض للعطاء، أي دون سؤال بل بالتعريض وهو أن يحضر موضع العطاء، يقال: اعترّ، إذا تعرّض.


وهذا الذي عليه أهل التحقيق من المفسرين، أن القانع هو الذي يسأل، والمعتر هو الذي يتعرض للعطاء من غير سؤال.
قال الإمام ابن جرير في تفسيره جامع البيان في تأويل آي القرآن: (وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: عني بالقانع: السائل; لأنه لو كان المعني بالقانع في هذا الموضع ، المكتفي بما عنده والمستغني به لقيل: وأطعموا القانع والسائل، ولم يقل: وأطعموا القانع والمعتر. وفي إتباع ذلك قوله: والمعتر، الدليل الواضح على أن القانع معني به السائل، من قولهم: قنع فلان إلى فلان، بمعنى سأله وخضع إليه، فهو يقنع قنوعا; ومنه قول لبيد:
وأعطاني المولى على حين فقره... إذا قال أبصر خلتي وقنوعي
وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي، فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا. وأما المعتر: فإنه الذي يأتيك معترا بك لتعطيه وتطعمه.)

وقال الشنقيطي في أضواء البيان: (وللعلماء في تفسير القانع والمعتر أقوال متعددة متقاربة أظهرها عندي : أن القانع هو الطامع الذي يسأل أن يعطى من اللحم ومنه قول الشماخ :
لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع
يعني أعف من سؤال الناس ، والطمع فيهم ، وأن المعتر هو الذي يعتري متعرضا للإعطاء من غير سؤال وطلب ، والله أعلم .)

[mark=FFFF99]ولابن عاشور كلام جيد في هذه المسألة، حيث قال في تفسيره التحرير والتنوير: (والقانع: المتصف بالقنوع، وهو التذلل. يقال: قنَع من باب سأل. قنوعا- بضم القاف- إذا سأل بتذلل.
وأما القناعة ففعلها من باب تعب ويستوي الفعل المضارع مع اختلاف الموجب.
ومن أحسن ما جمع من النظائر ما أنشده الخفاجي:
[align=center]العبد حر إن قنِع ... والحر عبد إن قنَع
فاقنع ولا تقنع فما ... شيء يشين سوى الطمع
[/align]
وللزمخشري في «مقاماته» : «يا أبا القاسم اقنع من القناعة لا من القنوع، تستغن عن كل معطاء ومنوع» .
وفي «الموطأ» في كتاب الصيد قال مالك: «والقانع هو الفقير» .
والمعتر: اسم فاعل من اعتر، إذا تعرض للعطاء، أي دون سؤال بل بالتعريض وهو أن يحضر موضع العطاء، يقال: اعتر، إذا تعرض.)[/align][/mark]
 
من لا يشكر الناس لا يشكر الله..

جزاكم الله خيرا على الفوائد شيخنا الدكتور محمد..

نتابعها فاستمروا بقدر وسعكم بارك الله فيكم
 
واصل جزيت الفردوس الأعلى ووالديك
 
أحسنت يا أبا مجاهد فيما أفضلت به.
ومن أهمية الفوائد اللغوية، سواء أكانت للمفسر أم لغيره، أنها قواعد مطردة أو أغلبية
تطوي تحتها عددا كبيرا من الآيات، فيكون طالب العلم قد فهم الكثير من أساليب القرآن وعاداته بسبب معرفته لقاعدة أو فائدة.
هذا ومن الفوائد اللغوية النافعة، أن يقال: من أُمِر بأمر وهو متلبِّسٌ به، فيكون معنى الأمر: داوم على ما أنت عليه. وكذلك من نهي عن أمر وهو منتهٍ عنه، فمعناه: داوم على انتهائك.
مثال ذلك: لو قيل لمن هو جالسٌ يكتب: اكتب، فمعناه: داوم على الكتاية.
وعليه قوله تعالى في الأمر: "يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين"، وقوله: "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا".
وأما في النهي فكقوله تعالى: "ولا تطع الكفرين"، وقوله: "لا يغرنَّك تقلب الذين كفروا في البلد"، وقوله: "ولا تكن من الكافرين". وهذا أحد الوجهين في تفسير الآيات،
وهو لا يتعارض مع الأصل وهو أن الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم أمر لأمته.
وقد أشار إلى هذه الفائدة الزمخشري.
 
[align=center]المراد بالغسل[/align]

[align=justify]قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ..}

أمر الله تعالى بغسل الوجه واليدين إلى المرافق، والرجلين إلى الكعبين. فما المراد بالغسل؟ وهل يكتفى فيه بإسالة الماء على العضو؟ أم لا بد مع ذلك من الدلك؟

قال الشوكاني في فتح القدير: ( وقد اختلف أهل العلم أيضاً : هل يعتبر في الغسل الدلك باليد أم يكفي إمرار الماء؟ والخلاف في ذلك معروف ، والمرجع اللغة العربية ، فإن ثبت فيها أن الدلك داخل في مسمى الغسل ، كان معتبراً وإلا فلا . قال في شمس العلوم : غسل الشيء غسلاً إذا أجرى عليه الماء ودلكه. انتهى .)

وظاهر من كلام الشوكاني هنا أنه لا بد من الدلك عن الغسل، لأن جعل المرجع في هذه المسألة هو معنى الغسل في اللغة؛ فإذا كان الدلك داخلاً في الغسل فلا بد منه، ثم نقل من كتاب شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم لنشوان الحميري (ت: 573هـ) ما يدل على دخول الدلك في معنى الغسل.

وبعد الرجوع إلى بعض مراجع اللغة الأصيلة ظهر لي أن الغسل يكون بإزالة الدرن وبتنظيف الشيء وتنقيته. ولم يرد ذكر الدلك.
جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس:
( الغين والسين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على تطهيرِ الشّيء وتنقِيَته. يقال: غَسَلتُ الشَّيءَ غَسْلاً. والغُسْل الاسم...)

وفي مفردات ألفاظ القرآن للأصبهاني: ( غَسَلْتُ الشيء غَسْلًا : أَسَلْتُ عليه الماءَ فأَزَلْتُ دَرَنَهُ ، والْغَسْلُ الاسم ، والْغِسْلُ : ما يُغْسَلُ به. قال تعالى : {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ...} [المائدة / 6] ).


وقد اختلف الفقهاء في المجزئ من الغسل في الوضوء ، فذهب الجمهور : ( الحنفية ، والشافعية والحنابلة ) أنه يكفي في غسل الأعضاء في الوضوء جريان الماء على الأعضاء ، ولا يشترط الدلك ، وانفرد مالك والمزني باشتراطه . انظر الموسوعة الفقهية الكويتية - (43 / 333).

وبناء على ما سبق، يقال:

أولاً - الغسل في اللغة لا يقتضي الدلك.
ثانياً - جمهور الفقهاء على أنه يكفي في الغسل إسالة الماء على الأعضاء وجريانه، ولا يشترط الدلك وإمرار اليد على العضو عن غسله.
ثالثاً: الدلك مستحب لأنه أبلغ في الإسباغ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أُتِيَ بِثُلُثَيْ مُدٍّ، فَجَعَلَ يَدْلُكُ ذِرَاعَيْهِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ. جاء في منحة العلام شرح بلوغ المرام لعبدالله الفوزان ما نصه في شرح هذا الحديث: ( الحديث دليل على مشروعية دلك أعضاء الوضوء، والجمهور من أهل العلم على استحبابه وعدم وجوبه، خلافاً للمالكية؛ لأن الله تعالى أمر بالغسل في اية الوضوء، والغسل لا يشترط فيه إمرار اليد، كما قرره طائفة من أهل اللغة؛ لأنه إسالة الماء على العضو، وإذا ثبت ذلك فلا وجه لاشتراطه؛ لأنه أمر زائد على ظاهر القران وعلى الدلالة اللغوية للفظ الغسل.
لكن إن كان إتمام الوضوء يتوقف على الدلك كأن يكون الماء قليلاً وجب إمرار اليد على العضو من باب ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى هذا يحمل هذا الحديث، فإن وضوء النبي صلّى الله عليه وسلّم بثلثي مد لا يتم إلا بالدلك، وإن كان لا يترتب عليه إتمام الواجب فهو مستحب، لما تقدم، والله أعلم.).


تتمة: تناقضت أقوال الشوكاني في هذه المسألة، فمرة يشترط الدلك مع الغسل كما في كتابه السيل الجرار، حيث قال: ( أما تعميم البدن فلا يتم مفهوم الغسل إلا به وأما الدلك فإن ثبت لغة أو شرعا انه داخل في مفهوم الغسل بحيث لا يسمى غسلا إلا به كان ذلك واجبا وفاء بما أوجبه الله من الغسل وقد ذكر نشوان في كتابه شمس العلوم ما يفيد ذلك وهو من أئمة اللغة ويؤيده حديث وأنقوا البشر فإنه فسر صاحب المصباح الإنقاء بالتنظيف ومعلوم أن التنظيف لا يكون إلا بالدلك وأخرج مسلم من حديث عائشة بلفظ أن اسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال: "تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء" [مسلم "4/16"]، فهذا ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم وفيه الأمر بالدلك للرأس وهو جزء من أجزاء البدن وإن كان يستحق مزيد العناية في غسله لما فيه من الشعر. ) انتهى.
ومرة يقول بعدم الاشتراط، كما في نيل الأوطار، حيث قال: ( قوله ( فقد وجب عليه الغسل ) هو بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال وحقيقته إفاضة الماء على الأعضاء، وزادت الهادوية مع الدلك، ولم نجد في كتب اللغة ما يشعر بأن الدلك داخل في مسمى الغسل فالواجب ما صدق عليه اسم الغسل المأمور به لغة اللهم إلا أن يقال حديث ( بلوا الشعر وأنقوا البشر ) على فرض صحته مشعر بوجوب الدلك لأن الانقاء لا يحصل بمجرد الإفاضة .).


فائدة البحث: أهمية معرفة معاني المفردات، وأثر ذلك على الأحكام.

[/align]
 
الدلك ليس شرطا في الغسل ودلالة الحديث عليه واضحة
روى مسلم :
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ :
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ ؟ قَالَ :" لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ".

قال النووي رحمه الله تعالى في شرحه على مسلم :

"هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب كَثِيرِينَ مِنْ الْأَئِمَّة وَلَمْ يُوجِب أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء الدَّلْك ، فِي الْغُسْل وَلَا فِي الْوُضُوء إِلَّا مَالِك وَالْمُزَنِيّ ، وَمَنْ سِوَاهُمَا يَقُول : هُوَ سُنَّة ، لَوْ تَرَكَهُ صَحَّتْ طَهَارَته فِي الْوُضُوء وَالْغُسْل "

أما الشوكاني رحمه الله تعالى فأقواله ليست متناقضة ـ في نظري ـ وإنما الذي أفهمه من كلام الشوكاني هو أنه يجب النظر في مجموع الأدلة في المسألة الواحدة ولا يكتفى بدليل واحد.
 
[align=center]المراد بالغسل[/align]

[align=justify]
وبعد الرجوع إلى بعض مراجع اللغة الأصيلة ظهر لي أن الغسل يكون بإزالة الدرن وبتنظيف الشيء وتنقيته. ولم يرد ذكر الدلك.
جاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس:
( الغين والسين واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على تطهيرِ الشّيء وتنقِيَته. يقال: غَسَلتُ الشَّيءَ غَسْلاً. والغُسْل الاسم...)
[/align]


لا أتصور ـ في الغالب ـ إزالة درن وتنظيف وتنقية بدون دلك ، ولكن الفيصل في القضية هو النصوص الشرعية ، والجمع بين النصوص عند التعارض هو المطلوب.
 
عودة
أعلى