فكر معي في العلمانية والتطور العلمي الحادث في الغرب وماموقف الإسلام منه، وهل في مقالنا هذا

طارق منينة

New member
إنضم
19/07/2010
المشاركات
6,330
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
فكر معي في العلمانية والتطور العلمي الحادث في الغرب وماموقف الإسلام منه، وهل في مقالنا هذا انتصار للقرآن؟

ماهي العلمانية؟
...ماكانت العلمانية يوما اساس تطور التكنولوجيا في الغرب
فهذه نظرة مبتسرة لما حدث في الغرب على العموم وقائلها ملبس بتلبيس ابليس.
لكن ايضا لابد ان نعلم ان ماحدث وأدى للوصول الى التقنيات العالية والعلوم الدقيقة والتجارب العظيمة في مجالات (من الطب الى الفلك) حدث بإعمال العقل التجريبي العلمي والعقلي ، وفي ظل مجال معين من التعايش والحريات والحقوق والواجبات ، وفي ظل ظروف داخلية عصيبة ، من البادية، وتطورات صعبة ومعارك شديدة وتضحيات جسيمة.
والأهم : في ظل مناح تطور الى مجالات للحريات واسع وكبير
كما في ظل تطورات في مفهوم التعايش الداخلي وفي ظل مجتمع يحاول الوصول الى عدالة لكن بأفكار وفلسفات كانت تفسد اكثر مما تصلح ..حاول الاصلاح وادعاه وسلك طريقا مظنوناً عنده، وبآلياته التي إختارها وهي مادية تجريبية اختزالية في نظرته للانسان والحياة ، و بالاعتماد على فرضياته وادعاء الاستقلال عن القيم الدينية بل اعلنت بعض مدارسه الفلسفية ، التي اختارت العمل داخله، بل هي آخر إفرازاته، أنه مجتمع قد مات فيه الإنسان أو انهار أو على وشك الإنهيار
والسؤال الآن: هل المناخ العلماني هو الذي ادى للرفاهية وتطور العلوم والوصول الى القمر؟
للاجابة على السؤال الملغم ينبغي طرح السؤال بطريقة اخرى وهو هكذا: هل تطورت العلوم من الطب الى الفلك علوم الطبيعة والجسد والعقل والتجريب وانتجت ماانتجت في عالم الاسلام ، بالعلمانية ، التي تعني فصل الدين عن السياسة والقيم والاخلاق والفن بالمعنى الواسع للكلمة
الاجابة هي بالطبع لا
لكنها تقدمت بشروط موضوعية وعلمية وعقلية وحريات وتعايش في عوالم الاسلام ووفرة الاموال واتساع عالم التجارة والقوة والمعرفة ، وبعضا من هذا بل بكثير منه تطورت الحالة الغربية المسماة بالدنيوة او بالعلمانية فقد اخذت ببعض اسباب الحياة وماقدمه المسلمون(في البداية) من مناهج وعلوم ومنجزات وحريات وتسامح وتعايش مشاهد فتن الغربيين بالنموذج الإسلامي طويل المدة)
نعم دخلت هذه الشروط العلمية والحياتية في عملية صناعة العقل الغربي وطورته وانطلقت به وانطلق بها
بينما ، وفي ظل انهيار القيم الدينية ونفيها في آن واحد ، أثناء عملية الصراع مع الكنيسة وبعد ذلك، اتخذ الانسان من تلك الحرية التي كانت تتسع دوما ويستفيد منها خبراء العلم ومن ثم المجتمعات في سبيل تطوير العلوم ، اتخذ الانسان من مجالها المفتوح ، بواسطة الفلاسفة والروائيين والمسرحيين واصحاب ايديولوجية الفن للفن طريقا اخلاقيا (ماديا) كان يجد المجال له مفتوحا ، تحت دفاع الفلاسفة ( اصحاب الأيديولوجيا الأولى في العلمانية) وعلماء الاجتماع والانسان ومن ثم السياسة والدولة التي كانت تختلف في صورها وباختلاف الصور تتسع او تحد من الحريات ، فيشبع المواطن في هذا العالم، غرائزه ورغباته فيما وفرته له عوالم الشهوات الجنسية ومنها الدعارة والفن الحر اي غير المنضبط والذي كان هو الاخر يشكل عالمه بنفس النظام التقني ويفتح له دوما سبل الحماية والقانونية داخل تلك المجتمعات
اي ان كل فن في الحياة (الغربية) من صناعة الطب والدواء الى بيع الاجساد كان يتم بتقنيات تنظيمية علمية مطورة تجريبيا وبادارات وقدرات على الحماية والتطوير والاتساع واكتساب الخبرات الجديدة التي تقذف بها نتائج العلوم التطبيقية او التجربيبة (الإختزالية ، المادية، غير المرتبطة بالقيمة، في أغلب الأحايين).
والسؤال الان هل لابد من العلمانية اذا اردنا أن نتقدم ونتطور ويعيش الإنسان في مواطنة حرة وتعايش منظم؟
الإجابة : لا
ولكن لاتقذف خارج دائرة التفكير، ماهو من العلمانية أي مما هو داخل مجالات الحياة الغربية المادية ، او دخلها وكان من غير نظامها المعرفي بشكل كامل من البداية ، أي كل العمليات التي كانت تحدث أو تتم في حضارة الإسلام، من إعمال العقل في الطبيعة وعمليات التجريب وصناعة العلوم والمختبرات والوصول من خلال ذلك الى مكتشفات وتطبيقات ، والحصول على مكتسبات هائلة في كل مجالات العلوم التي أحدثت تطويرا في المجتمعات، في ظل تعايش ، صنعته عظمة الاسلام وسماحته، فهذه العمليات يطلقون عليها اليوم، علمانية في المصدر والمشرب!!، وأنها تمت في الغرب ، وليس غيره ولاقبله، من غير اصوله الغربية، تمت بالعقل الحر العلماني واصوله الغربية القديمة
وسؤالنا الآن، هل تطورت الأمور الأخلاقية مثل امور الفن الحر على الطريقة الغربية واشباع الغرائز كما في العلمانية هل تطورت كذلك في عالم المسلمين الذين كانوا يصنعون اعظم منهج تجريبي بمكتسباته في عالم البشرية لما قبل الحضارة الغربية بحجة ان العلوم والتطورات تؤدي حتما الى التحلل من القيمة الأخلاقية والتحرر منها ؟
فهل مثلا نشأت الحاجة الى الدعارة والجنس المفتوح (أو اخيرا الأسر الجديدة والتشريع لها ) وتمت حمايته بسلطات المعرفة والفلسفة، والسياسة والإقتصاد؟
الاجابة لا
فلم ترتبط عملية بناء الانسان الحر او عملية التعايش الداخلي في حواضر الاسلام بهذا الأمر لأنه كانت هناك ضوابط اسلامية وهذه الضوابط لم تمنع حرية العلم والتقدم وتطوير العلوم ولم تمنع حرية الانسان وكونه مواطنا يحظى بحدود المواطنة في ذلك العالم؟
والمواطنة يومذاك وعلى ماكانت عليه كانت تحلم بها أوروبا وقد اقتبستها كما اقتبست العلوم لكن الاقتباس ليس اقتباس نموذج يقطع من هنا ويرقع هناك ، وانما سلكوا طريقا ، في البداية، كان الاسلام قد فتحه منذ زمن الرسالة ، وهو الطريق الذي اغلقته الكنيسة في اوروبا ، كما اغلقت طرق العلم والحياة الطبيعية، التي كانت يتمناها الانسان بصورة عامة.
بيد ان البداية (الأيديولوجية -المنطق) كانت ايضاً تنشئ منهجا منفصلا عن القيمة الأخلاقية (في موضوع الفن على سبيل المثال) كما فعل فلوبير وديدرو وغيرهما.. وكان هذا الطريق المختلط بداية الاستقلال عن الوحي وعن الغيب وعن الأخلاق الدينية أو الدخيلة على أصل الدين.
هذا يعني لي شيئا واحدا الا وهو أن داخل العلمانية اصول اسلامية وأصول فطرية لكنها دخلت عملية العلمنة المادية في التعامل مع الانسان والمجتمع والبيئة فتلونت وتغيرت نوعا ما .
ماذا يعني هذا؟
هل الأخذ بالعلمانية؟
لا وانما بالبحث عن اصولنا والحث عليها والتقدم بها وعدم رفض مافي العلمانية مما هو داخل فيها ممزوج بها مما جعلوه منها وهو شأن علمي عقلي مأخوذ من المنهج العلمي العقلي التجريبي الاسلامي وتم البناء عليه ، بيد أنه بغياب ضوابط معرفية وضوابط اخلاقية تخلقت امور عقلية واجتماعية (تحت الدفعة الأديولوجية الأولى) كان يمكن ان لاتحدث لو كانت هناك ليست ضوابط المسيحية فهذه اغلقت كل طريق الى المعرفة العلمية وانما ضوابط الاسلام في امور العقل وشؤونه وانفتاحه على الكون وضوابط اخلاقية كانت تعين العالم الكوني الاسلامي على نشاطه العلمي والانساني والقيمي في عالم موار بالعلوم والثقافات والاديان التي لم يقتل الاسلام اهلها وانما فتح لهم مجال العيش بسلام ماجعلهم يعملون بحرية داخل نفس المجال الذي دخل العلمانية وجعلوه منها.
لانقول خذ من العلمانية خيرها واسقط شرها ، فليست هذه طريقة تفكيرنا، ولكن خذ نفس طريق رواد حضارتنا واسلك بقيم اسلامية ومنهجية علمية وقيم ومبادئ شريعتنا وحلال وحرام يحكم العملية الانسانية ويضبطها واطلق طاقة العلم والعقل تجاه الكون لدراسة الكون كما درسه الاجداد العظام وكما درسته الاساتذة (تحت تأثير المنهج العلمي غير المختلط بالأيدلوجيا المادية بتنويعاتها التي تعددت في الغرب بصوتى) داخل المجتمعات التي نسميها علمانية ، نعم من غير الايدلوجيات العلمانية المادية (في مجالات علوم الانسان والمجتمع على وجه الخصوص) التي تضع الفكرة المادية المعينة ثم تبني عليها النتائج المفتعلة او تقود السلطة البرجوازية او تقودها السلطة نفسها إلى تحقيق أغراضها غير العلمية لكن الإقتصادية غير المرتبطة بالقيمة..
والسؤال الملح الآن: انت تكلمت عن الدعارة والانتحارات وتجارة الرقيق الابيض والمخدرات وانها قانونية في اغلب دول الغرب فكيف توفق بين تقدمهم في ظل هذا العالم وبين موقفنا من العلمانية؟
اولا موقفنا من العلمانية هو موقف كلي لايدخل في التفاصيل ويمكن تشبيهه بموقفنا من النصرانية واليهودية بل والهندية وغيرها، فهي اديان باطلة كما تعلم، لكن لو دخلنا في التفاصيل سنجد عندهم بعض ماعندنا من الحق، وكذلك العلمانية والليبرالية والاشتراكية والماركسية والوجودية والبنيوية والتفكيكية.
الا ان ديننا منزل من السماء والدعوة الى العقل والعلم والمعرفة جاءت من مصادره المنزلة بخلاف ماهو مشهور عن الدين!
وكل هذه المذاهب مردودة ليس لسبب مافيها من جزئيات حق ولكن لسبب انها تطبق تجربتها الاختزالية والناقصة على المنزل الاسلامي!، كما أنها ليست مسلمة تماما عند اصحابها فكيف نجعلها مسلمة عندنا... وكذلك الشأن في العلمانية... إنها الاستقلال عن الله عز وجل.. الاستقلال عن الوحي... ظنا منها أن وحي الإسلام هو كوحي الرهبان والكهان.. وأن العقول كالعقول!
مع انهم اخذوا نتائج عقولنا -وهي عقول دينية بالمعنى الاسلامي وهم يعلمون انها دينية لكنها دينية من نوع مفتوح على الدنيا- وصنعوا بها اصول في دنياهم وعلوم الدنيا عندهم.
 
سيقول أعقلهم لكن الفن والاسر الجديدة، المثلية واشباهها، والدعارة، إنما فتح لها المجال، لأن العلم التجريبي والطبيعي، في نواحيه الإنسانية والإجتماعية، أثبت فطريتها و طبيعيتها في الإنسان.
وأقول بدءا، إن ديدرو لم يكن يعرف هذه النتائج وهو ، ومعه رفاقه، الذي فتح المجال (الفن للفن) للجماهير، فهو واحد ممن وضعوا المنهج الفني والروائي والفلسفي المنفصل عن القيم والأخلاق والدين، وأما زميله، فلوبير، فمثله، في ذلك، وهو اهتم بالبرجوازية المسيطرة، ومن التعامل معها من قريب وقريب جدا فهو داعيهم لو صح التعبير،وكانوا يمثلون طبقة السلطة وأصحاب المال، فاجتمعت السلطة المعرفية التي كانت تصارع من أجل فتح مجال واسع لها، في مجال المجتمع وفي مجال البرجوازية الحاكمة، أو الصاعدة، اجتمعت المعرفة الجديدة مع سلطة المال والقوة الجديدة المسيطرة أو التي تحاول فتح مجال واسع للسيطرة وهي طبقة البرجوازية .
سيقول أخر لكنهم اعتمدوا في باطن محاولاتهم، على الفرضيات العلمية، المعتمدة على مجالات علوم الطبيعة والرياضة، وردنا على ذلك، أنك رددت على نفسه باعترفك أنها فرضيات، وأزيدك من هذا الذي قلته بالقول إن فرضيات علوم الإجتماع والدين مثل فرضيات دوركاييم(التي ثبت خللها من داخل العلمانية الحديثة نفسها) وماكس فيبر(عن الدين وسحر الدين) تجاوزتها بمعنى ما ، الحداثة ، فليست كل عناصرها مقبولة اليوم في عالم العلمانية الأخيرة.
وكل هذه الفرضيات والتخرصات ، عن الإنسان والمجتمع، الروح والجسد، النص والكتابة، المؤلف، والمكتوب، الشفهي والكتابي، كلها وإن زعم في كل فرضية، أنها تعتمد على نتائج العلوم الطبيعية، والكونية، فكل فرضية تناقض أختها، لإنها عمليات تلفيقية مظنونة، وتخرصات تحاول استمداد برهانها الهش، من مكتسبات علوم المادة ، ولكنها لاتفلح غالبا، وتعارضها داخل المجال، يؤكد قولنا، فلو كانت مسلمات علمية، نهائية لما تم معارضتها، من الداخل، والخارج.
 
أود هنا أن أرفق بعض النصوص التي أوردها ول ديورانت عن تلك" البداية" التي شارك فيها ديدرو ومن سماهم جان جاك روسو بعصابة الشر (انظر مذكراته المسماة ب اعترافات جان جاك روسو) مع انه كان قريبا منهم من النواحي الفكرية.
فتحت عنوان فولتير المسيحية كتب ديورانت في كتابه قصة الحضارة المجلد 38 ص162 ):" - فولتير والله : ونكتفي هنا في تلخيص آرائه في الدين وحربه ضد المسيحية. ولن نذكر هنا شيئاً لم يذكر مائة مرة من قبل. كما أنه لم يقل عن المسيحية شيئاً لم يسبق قوله. وكل ما في الأمر أنه تكلم انطلقت كلماته مثل اللهب سرى في أوربا، وأصبحت قوة شكلت عصره وعصرنا. ... يغذي شكوكه بين الربوبيين في إنجلترا ساعياً وراء العلم في سيري، متبادلاً رسائل الإلحاد مع فردريك في ألمانيا. ومع ذلك فإنه حتى بلغ السادسة بعد الخمسين احتفظ بإلحاده أو كفره مظهراً عارضاً أو لعبة أو تسلية خاصة. ولم يشن على الكنيسة الحرب علانية. بل على النقيض من ذلك دافع علناً وتكراراً عن أساسيات العقيدة المسيحية: إله عادل وإرادة حرة والخلود. وإذا لم نعده كذوباً (وغالباً ما كان طذلك) فإنه احتفظ حتى وفاته بإيمانه بالله وبقيمة الدين. ويمكن أن نقتبس عنه لأي غرض تقريباً"
وفي نقده للمسيحية يقول ديورانت ج38 ص 139):" في غمرة هذا الصراع انقلبت مناهضة فولتير للمسيحية إلى بغض استمر عشر سنين من حياته (175-1769) وكان قد بدأ باحتقار شبابي للمعجزات والأسرار والأساطير التي واجهت الناس، ثم انتقل إلى تشكك ساخر في المبادئ المسيحية مثل التثليث وتجسد المسيح (اتحاد الألوهية والناسوتية فيه) وآلام المسيح وموته (تكفيراً عن خطايا البشر)، عما اعترف توماس أكويناس صراحة بأنه ليس في متناول العقل، أو أنه يشق على الفهم"
فولتير يهين الكثوليكية
يقول ديورانت ج37 ص127 ):" وبين المسرحيات والسياسة، والزوار، وفلاحة حديقته، وجد متسعاً من الوقت ليكمل في فيللته"دليس" عملين كبيرين وينشرهما. وقد ساءت سمعة الأول لما قيل عن خروجه عن للياقة، أما الثاني فقد فتح عهداً جديداً في كتابة التاريخ.
كان يحتفظ بقصيدته"لابوسيل"منذ 1730 باعتبارها ترفيهاً أدبياً: ويبدو أنه لم يكن في نيته أن ينشرها، لأنها لم تكتف بالتهكم بعذراء أورليان (جان دارك) البطلة، بل هاجمت عقيدة الكنيسة الكاثوليكية، وجرائمها، وشعائرها، وأخبارها. وأضاف الأصدقاء والأعداء إلى مخطوطاتها المتداولة ينهم نتفاً فيها من البذاءة والمرح ما كان حتى فولتير ليكتبه. والآن، في 1755، بعد أن وجد الهدوء والسلام في جنيف، ظهرت في بازل طبعة مسروقة من القصيدة. فحرمها البابا، وأحرقها برلمان باريس، وصادرتها شرطة جنيف، وزج بناشر باريسي في سفينة الأسرى والعبيد لأنه أعاد إصدارها في 1757. وقد أنكر فولتير أنه كاتبها، وأرسل إلى ريشليو، ومدام بومبادور، وبعض موظفي الحكومة، نسخاً من نص مهذب نسبياً، وفي 1762 نشر هذا النص، فلم يناكده أحد بسببه. وحاول أن يكفر عن إساءته لجان دارك بتصويرها صورة أكثر إنصافاً وجداً في كتابه "مقال عن الأعراف"وقد هجم فولتير في كتابه عن التاريخ من انتقدوه لانه انتقد المسيحية وكان :" معهم مونتسكيو في الناحية فقال "إن فولتير يشبه الرهبان الذين لا يكتبون من أجل الموضوع الذي يعالجونه، بل لمجد طائفتهم؛ إنه يكتب من أجل ديره."(53) ورد فولتير على نقاده بأنه أكد على أخطاء المسيحية لأن غيره ما زالوا يدافعون عنها؛ ثم استشهد بأقوال مؤلفين معاصرين امتدحوا الحروب التي شنت على الالبيجنس، وإعدام هس، بل مذبحة القديس برتلميو، فالعالم يحتاج ولا ريب إلى التاريخ يدمغ هذه الأفعال بالإجرام ضد الإنسانية والفضيلة"(قصة الحضارة ج37 ص 134-135)
وفي المجلد 38 من قصة الحضارة ص134 من النسخة الموجودة على النت مصورة

وأعدت مدام دي هولباخ كل يوم خميس ويوم أحد المائدة لأثني عشر ضيفاً. ولم يكونوا هم أنفسهم دائماً في كل مرة، ولكنهم كانوا على الأغلب من قادة الحرب ضد المسيحية: ديدرو: هلفشيوس، دالمبير، بولانجيه، ومريليه، سانت لامبرت، مارمونتيل، وأحياناً بيفون، ترجو، وكني، كذلك جاء روسو ولكنه كان يرتاع للألحاد الذي يتدفق من حوله، وهناك كان ديدرو في ذروة الحماسة والعنف، أما الراهب جالباني فقد ابتعد عن الفلسفة حيث أفسد النظرية بالدعابة والسخرية. وكان عقد هذا الكنيس- كما كان البارون يسمى هذه الاجتماعات- يلتئم في الساعة القانية يتجاذبون أطراف الحديث ويأكلون ويتحدثون حتى الساعة السابعة أو الثامنة.
يقول ديورانت أيضاً (في نفس المجلد ال38 من قصة الحضارة ص 134-138)وهو يذكر موت صاحبة مجلس قادة الحرب ضد المسيحية وتأليف زوجها لكتاب
وبلغ صالون دي هولباخ من الشهرة حداً استخدم معه بعض زوار باريس من الأجانب نفوذهم للحصول على دعوة ليحضروا هذه اللقاءات. ومن ثم جاء في أوقات مختلفة هيوم وستيرن وجاريك وهوراس وولبول وفرانكلين وبريستلي وآدم سميث وبكاريا. زقد أزعجهم في بعض الأحيان وجود هذا العديد من الملحدين هناك.وكم من مرة سمعنا ديدرو يقول (لروميللي) أنه حين كان هيوم يشك في الوجود الفعلي للملحدين كان البارون يؤكد له "أنك تجلس إلى المائدة مع سبعة عشر(88)." وروى جيبون أن فلاسفة باريس "سخروا من تشكك هيوم الموسوم بالحذر، وبشروا بتعاليم ومعتقدات الملحدين مع نفس التعصب الأعمى لدى الدوجماتيين (الدوجماتية أي الجزمية) توكيد الرأي بغطرسة دون مبرر وتمحيص كافيين وصب اللعنات على المؤمنين في تسخيف وازدراء(89)". كذلك روى بريستلي أن "كل الفلاسفة الذين تعرفت بهم في باريس كانوا لا يؤمنون بالمسيحية بل صرحوا بأنهم ملحدون(90)" ومهما يكن من أمر فإن موريليه لحظ "أن عدداً كبيراً منا كانوا ملحدين ولم يخجلوا من ذلك. ودافعنا بشدة عن أنفسنا ضد الملحدين، على الرغم من إننا أحببناهم لحسن رفقتهم وصحبتهم".(91) ورأى ووليول أن "وكر الفلاسفة" لدى دي هولباخ يؤذي ذوقه الإنجليزي...وماتت في عام 1754 في ريعان شبابها وظل دي هولباخ لبعض الوقت يعاني يأساً تاماً(94) وبعد عامين تزوج من أختها التي أثبتت أنها مخلصة قدر إخلاص أختها.... حتى لم يكد أحد يرتاب في أنه كتب مثل هذا الدفاع القوي عن الإلحاد في كتابه "نهج الطبيعة" ...ومن هنا ساند دي هولباخ "دائرة المعارف" أكبر مساندة وأسهم فيها بماله ومقالاته. وطمأن ديدرو وشجعه حتى حين تخلى دالمبير وفولتير عن المشروع، وكانت مقالاته في معظمها عن العلوم الطبيعية...وافتتن دي هولباخ بالعلم وتوقع من ورائه نهوضاً سريعاً بحياة الإنسان، ومن ثم فإن البارون نظر نظرة عدائية بالغة العداء إلى الكنيسة التي بدا أن سيطرتها على التعليم تسد الطريق أمام المعرفة العلمية، فانتهز كل فرصة لمهاجمة رجال الدين فكتب مقالتي "آباء الكنيسة" و "الحكومة الدينية" لدائرة المعارف. فمنذ 1766 فصاعداً نظم مع نيجبون مصنعاً حقيقياً لإخراج الأدب المعادي للكنيسة. ثم ظهر في تعاقب سريع "قائمة القديسين"، "والوقفة المقدسة" و"آباء الكنيسة بغير قناع" و "القساوة الدينية وتحطيم الجحيم" وهنا جاء البشير بأنباء سارة- القضاء على الجحيم.
وفي 1761 صدر عن هذا الذي أطلق عليه بعضهم معمل الإلحاد كتاب عنوانه "المسيحية في خطر" كتبه أساساً دي هولباخ، ولكنه نسب في صحيفة العنوان إلى بولانجيه الراحل. وبسبب بيع هذا الكتاب اتهم ووصم بالعار أحد الباعة الجائلين وعوقب بالتجديف في السفن الشراعية لمدة خمس سنين. ولقي مثل هذا الجزاء لمدة تسع سنين غلام اشترى هذا الكتاب ليبيعه ثانية(99). وكان الكتاب هجوماً مباشراً على التحالف بين الكنيسة والدولة كما إنه استبق حقاً وصف ماركس للديانة بأنها "أفيون الشعوب". "إن الديانة هي فن تخدير الناس بالحماسة (وفي القرن الثامن عشر كانت هذه اللفظة تعني الغيرة الدينية) لتحول بينهم وبين مناهضة المساوئ والمظالم التي يعانونها من حكامهم. ولم يعد فن الحكم إلا مجرد الإفادة من أخطاء وخمول الذهن والنفس، وهي ما غرقت فيه الأمم بفعل الخرافة... وبتهديد الناس بالقوى الخفية استطاعت الكنيسة والدولة أن تفرضا على الناس أن يعانوا ويحتملوا في صمت ما يلقون من عنت وشقاء من القوى المرئية، وفرض عليهم أن يأملوا في السعادة في الحياة الآخرة إذا وافقوا على أن يكونوا بائسين في هذه الحياة الدنيا"ورأى دي هولباخ في اتحاد الكنيسة والدولة السيئة الجوهرية أو الشر الأساسي في فرنسا. "أني بوصفي مواطناً أهاجم الديانة لأنها تبدو لي ضارة بسعادة الدولة معادية للعقل البشري ومناقضة للفضيلة الحقة أو الخلق القويم"(101).
"إن المسيحي يلقن، بدلاً من الفضيلة والأخلاق القويمة، الخرافات الخارقة القائمة على المعجزات والمبادئ والتعاليم البعيدة عن التصديق لديانة تتنافى تماماً مع العقل السليم. إن هذا المسيحي منذ أول لحظة في دراسته يتعلم ألا يثق فيما تشهد به حواسه وأن يخضع عقله..... ويعتمد اعتماداً أعمى على ما يقرره أستاذه. إن أولئك الذين حرروا أنفسهم من هذه الأفكار يجدون أنهم عاجزون لا حول لهم ولا قوة أمام الأخطاء التي رضعوها مع ألبان أمهاتهم"(102).
ودفع دي هولباخ بأن بناء الفضيلة والأخلاق على المعتقدات الدينية عمل فيه مجازفة ومخاطرة، لأن هذه المعتقدات عرضة للتغيير وقد يدمر انهيارها القانون الأخلاقي القائم على أساسها أو المتفق معها.
"إن كل من يكتشف ضعف أو زيف البيانات التي قامت عليها ديانته... لابد يميل إلى الاعتقاد بأن الفضيلة والأخلاق وهمية مثل الدين الذي قامت عليه. وهذا يوضح كيف أن لفضتي "كافر وخليع" أصبحتا مترادفتين، ولن يكون ثمة ضرر من تعليم أخلاق طبيعية بدلاً من أخلاق لاهوتية، وبدلاً من تحريم الزنى والجرائم والرذائل لأن الله والدين حرماها، يجدر بنا القول بأن كل إفراط يؤذي الإنسان ويحول دون صيانته والإبقاء عليه ويجعله جديراً بالازدراء في أعين المجتمع... وهو كذلك إفراط يحرمه العقل وتحرمه الطبيعة التي تريد للإنسان أن يعمل من أجل سعادته الدائمة".
وأنه لمن العسير أن نفهم كيف أن رجلاً نعم بمثل هذا الثراء يجد فسحة من الوقت ليؤلف مثل هذا العدد الكبير من الكتب أو يحث على تأليفها. وفي 1767 أخرج "اللاهوت السهل الحمل theologie portative سخر فيه سخرية بالغة من المبادئ السخيفة، وأجمل كل اللاهوت في رغبة الكنيسة في التسلط والسيطرة. وفي 1768 نشر "العدوى المقدسة أو التاريخ
 
بارك الله فيك أخي الفاضل الأستاذ طارق، ومرحبا بك وبعودتك.

قرأت المقال قراءة سريعة ولي عودة للتعليق أو للتفاعل مع السؤال المطروح. أهم سؤال طبعا علاقة المقال بالإنتصار.

بسرعة وسطحية أقول أن الأشياء غالبا بأضدادها تعرف، لذلك عندما نطرح السؤال هل العلمانية مؤسسة للتقدم أو للتخلف في صناعة المعرفة، سنسأل ما هو مقابل العلمانية في سياق هذا السؤال؟ هذا أولا، وثانيا دور الفكر في الدفع بعجلة التطور المعرفي دور نسبي، وثالثا العلمانية مرتبطة بمجالها فبقدر ما قد تدفع بهذا التطور في زمكان معين، يمكن أن تؤدي إلى التخلف في زمكان آخر. في هذه الأخيرة العلمانية مثلها مثل أي منظومة إجتماعية سياسية أخرى، لا فرق. رابعا، ينبغي أن لا ننسى أن اللائكيين والعلمانيين المتطرفين الذين انتصروا في الصراع الذي دار بين العلماء (clericus) والعوام (laicus) قد ظلموا الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ظلما كبيرا ورموها بتهم عدة تاريخية ووهمية (فكرانية) كما يحدث مثلا على يد المفكرين الليبيراليين الذين يلصقون تهمة العنف والدموية بتاريخ الحركة اليسارية ناسين أو متناسين بأن هذه الحركة هي التي ناضلت من أجل حقوق العمال والنساء والأطفال في الغرب الأوروبي، وأن الضمانات الإجتماعية و الصحية إلى جانب حق التجمع والتظاهر وأعجوبة العمل النقابي و أشياء أخرى من بركات هذه الحركة، فالتأريخ هنا عمل ذاتي يتم التلاعب فيه أو به لأغراض فكرانية، وشخصيا لا أظن أن هؤلاء المتعصبين العلمانيين عندهم قدرة علمية لإثبات مفهوم "العصور المظلمة" مثلا في أي حوار مع أغلب المتخصصين في الدراسات الأوروبية المتوسطة (european medieval studies) لأن هذا المفهوم "خدعة تاريخية" و الإعتراضات الكنسية على بعض المقولات العلمية إعتراض سياسي له أسبابه ودوافعه السياسية، ومثل هذه الإعتراضات قد تحدث داخل أي نظام سياسي بغض النظر عن خلفياته. أليس هذا ما يحدث في أي مراجعة علمية لتاريخ النازية و المحرقة المتداولة؟ ألم تخرق فرنسا حرية التعبير وحرية الممارسة العلمية في إعتراضاتها على دراسات Henri Alleg التي بحث فيها جرائم فرنسا في الحروب الجزائرية ؟ وأمثلة كثيرة. وأخيرا، العِلمانية التي تطالب بفصل العلم عن الدين مجرد دعاية سياسية لتسويق وتثبيت العَلمانية أي فصل الدين عن إدارة المجتمع، فهي مثل الدهرانية التي تطالب بفصل الأخلاق عن الدين وهو فصل مستحيل، لذلك العلمانية الحقة يجب أن تكون السفسطة، لأن "العلم" نفسه قيمة دينية، على الأقل قيمة ميتافيزيقية، وبهذه الميتافيزيقا أو "الفلسفة الأولى" تمكن القدماء (سقراط وأفلاطون وأرسطو) من السيطرة على الوضع الفكري الثقافي ومواجهة الحركات السفسطائية.
 
جزاكم الله خيرا اخي شايب
واريد ان انبه ان بداية المقالة او المقولة التي كتبتها بصورة سريعة، هي تكملة لما أضفته في الملتقى المفتوح، في موضوع خواطر فيسبوكية... ولما اردت وضعها هناك جاءت لي فكرة العنوان...
وقد حاولت لملمة المقالة بقدر الإمكان مع اضافات وحذف حتى تستوي على الجودي.. وعموما هي خرجت كما تراها..
 
عودة
أعلى